قصص و روايات - نوفيلا :

نوفيلا ختامية آل الجارحي للكاتبة آية محمد رفعت الفصل السابع

نوفيلا ختامية آل الجارحي للكاتبة آية محمد رفعت الفصل السابع

نوفيلا ختامية آل الجارحي للكاتبة آية محمد رفعت الفصل السابع

جاب القاعة الرئيسية ذهابًا وإيابًا، وهو يتابع ساعة يده بتذمرٍ، إتجه جاسم للدرج وعاد يصيح بإنزعاجٍ: يالا يا جماعة إتاخرنا!
ركضت داليا للأسفل وهي تحمل طرف فستانها الأزرق الفضفاض، مشيرة له بسعادةٍ: خلاص أهو يا حبيبي، أنا جهزت.

مد يده لها وهو يحني قامته الطويلة لها، وكأنه يستقبل أميرته التائهة، فتعالت ضحكاتها وهي تراقبه يلثم أصابعها بشفتيه برقةٍ جعلتها تسحبها على استحياءٍ، واتجهت للصالون الملحق بالردهةٍ قائلة: هستنى البنات هنا.
أومأ برأسه بخفةٍ، وتابع الدرج وهو يعود لحالته المتعصبة: مينفعش كده يا جماعة ساعتين بتلبسوا، يا معتز، يا رائد الله!

هبط أحمد للأسفل على مضضٍ، وهو يعدل من جاكيت بذلته الأنيقة وإتجه لأقرب أريكة، جلس وهو يراقب جاسم الذي عاد يردد بضيقٍ: يالا بقى يا جماعة كل ده بتلبسوا!
تحرك عن صمته حينما قال بضجرٍ: إقعد بقى فلقتنا، أديني هاودتك ولبست أهو وأنا متأكد إني مش هعرف أخرج معاكم بسبب آسيل!
تحرك جاسم عن عمود الدرج الرئيسي تجاهه، قائلًا ببسمة واسعة: بعد الكوبيتين القهوة دول مستحيل، شوية وهتلاقيها نازلة.

زم شفتيه بسخطٍ: متتعشمش عشان متنقهرش!

بالطابق العلوي وبالأخص بجناح ياسين.

وقفت شاردة أمام المرآة، ومازالت تلك الدعوةٍ تقتحم أفكارها الغريبة، انتهت مليكة من ارتداء حجابها فتعلقت عينيها بإنعكاس صورته بالمرآة بعدما حرر باب الخزانة ليطل إليها بوسامةٍ تخطت المعهودة عنه، وكأنه اليوم عريس يستعد لحضور حفلة زفافه، حضوره يحفه الرجولة والثراء، لم يعتاد يومًا إرتداء مثل تلك الحلى الفاخرة، مشط ياسين خصلات شعره بحرافيةٍ ونثر البرفنيوم الخاص به على جاكيته الأسود، ثم جلس على المقعد يرتدي حذائه الأنيق، وحينما وجدها صافنة بالمرآة لفترةٍ طويلة قال بذهولٍ: في حاجة يا مليكة؟!

استدارت إليه وعينيها تكاد تلتهمه حيًا، ومع ذلك رسمت بسمة خافتة وقالت بثباتٍ: غريبة إنك متشيك على الأخر كده عشان مشوار عادي زي ده!
استقام بوقفته ودنى للكومود يجذب هاتفه ومتعلقاته ويدثها بجيب بنطاله مرددًا: مهو أنا عندي مشوار مهم كده تبع الشغل، هقضيه وهجيلكم على هناك.
ضمت شفتيها معًا وحركت رأسها وهي تردد بمكرٍ: أممم، مشوار شغل!

ضيق عينيه باستغرابٍ لطريقتها الغريبة، وما كاد بالحديث حتى أوقفته قائلة: تمام يا ياسين، عن إذنك.
وتركته وهبطتت للأسفل ومازال يراقب طيفها بدهشةٍ، اعتصر رأسه في محاولةٍ لتذكرٍ أي شيءٍ قد فعله أثار ضيقها منه، ولكنه لم يصدر منه ما يجعلها تعامله بتلك الطريقة، كاد ياسين بأن يلحق بها فما أن فتح باب جناحه حتى وجد رائد قبالته، يردد ببسمة مشاكسة: ابن حلال مصفي، كنت لسه في طريقي ليك.

زوى حاجبيه بغضبٍ: خير، عندك أيه تاني!
انحنى رائد يعقد رابطة حذائه الأبيض وهو يتابع حديثه الهام: المؤتمر هيكون لمدة 25دقيقة وبعده هيكون في حفلة جوه الفندق، وزي ما أنت عارف الحفلة دي سرية ومش هيحضرها كل رجال الأعمال عشان كده هيكون في تشديدات على كروت الدعوة، فخليها معاك متنسهاش.
وتابع بتحذيرٍ: لازم على الأقل تكون في الحفلة نص ساعة، عشان الشكل بس.

وربت على كتفه بتسليةٍ: يعني المشوار الروتيني الكئيب ده يتلخص في ساعة الا ربع.
أزاح ياسين يده عن جاكيته بعصبيةٍ لحقت نبرته المستنكرة: هو أنت ليه سعيد وأنت بتنقلي المعلومات دي، لو حسيت إنك شمتان فيا للحظة مش هخطي برة البيت ووريني بقى هتقنع أحمد يروح إزاي!
برق بعينيه بصدمةٍ، فهبط عن غرور نبرته المتفاخرة وقال بتوسلٍ: لا يا ياسين أنا مبحبش أحضر التجمعات اللي من النوع ده، ما أنت عارفني مش اجتماعي ودبش!

شملته نظرة رضا وهو يردد بعنجهيةٍ: كويس إنك عارف قدر نفسك!

هبطتت مليكة للأسفل تبحث بين الشباب عنه، فما أن وجدته حتى نادته بحرجٍ: أحمد، عايزاك دقيقة لو سمحت.
نهض أحمد عن الأريكة ولحق بها وهو يردد بدهشةٍ: أيوه يا مليكة.
حافظت على انتظام تنفسها حتى وإن كانت تضم بركان ثائر داخلها، وقالت وهي ترسم ابتسامة هادئة: بقولك يا أحمد هو إنتوا جاين معانا انت وياسين ولا عندكم شغل.

انكمشت تعابير وجهه بذهولٍ من سؤالها الغريب، البديهي إنه يخص زوجها، ولكن كالعادة النساء غامضة دائمًا، ربما هناك ما يعكر صفوهما لذا لجئت لسؤاله هو، لذا أجابها بهدوءٍ: أنا عن نفسي جاي معاكم، وأعتقد إن ياسين كمان مش هيروح المقر النهاردة والا كنت هكون على علم بده!
ازدادت شكوكها التي خلقت من العدم، ووجود أحمد هنا أكبر دليل إليها، أفاقت مليكة من غفلتها القصيرة على سؤال أحمد المتردد: في حاجة ولا أيه؟

هزت رأسها وهي تخبره ببسمتها الزائفة: لا أبدًا، أنا كنت بسألك عادي.
واتجهت للصالون الملحق بالردهة مرددة: عن إذنك.
تابعها أحمد بدهشةٍ حتى اختفت من أمامه، وما أن استدار حتى وجد عمر قبالته يتهامس بالهاتف بصوتٍ منخفض، انتظر أحمد أن ينتهي من مكالمته فتساءل بذهولٍ: شكلك يخوف، أوعى تكون بتحضر لكارثة أنت كمان!
ارتسمت ضحكة على وجهه الوسيم، فمال إليه يجيبه: عيب يا أحمد أنا وش كذلك!

وتابع بمكرٍ: ثم إني بحاول أحترم ذاتي في غياب عدي لياسين الجارحي يعمل مني بوفتيك.
شاركه المزح الرجولي مرددًا: متقلقش عدي لو مش موجود فأخوك رقبته سدادة.
ربت على كتفه باستحسانٍ: طول عمرك سداد يا حبيبي.

انضم إليهما رائد ومعتز وياسين فتبادلوا الحديث والمرح بينهم لا يترك مجلسهم، تلاشت ضحكة أحمد تدريجيًا بصورةٍ ملحوظة للشباب، فوجدوه يتأمل الدرج بصدمةٍ، تأملوا ما يجذب انتباهه لتلك الدرجة فوجدوا آسيل قبالتهم تهبط للأسفل ومازالت على قيد الحياة، لم تفقد وعيها ككل ليلةٍ، بل ترنو بكامل نشاطها، كبت عمر ضحكة كادت بالانفلات منه وهو يراقب صدمته العارمة، تجهمت معالمه حينما وجدها تقف قبالة أخيها وهي تشير له بفرحةٍ: شوفت خلصت في ثانية إزاي!

كز على أسنانه بغيظٍ، واندفع نحوها وهو يصيح بانفعالٍ واضح: أيه اللي أنتي لابساه ده يا هانم!
بدى للشباب بأنه قد وجد معاناة البحث عن حجةٍ مقنعة لسحبها لشجارٍ، مرر جاسم نظرة سريعة إليها، وردد بصدمة: ماله لابساها!
جذبه ياسين للخلف وهو يهمس له ببسمة ماكرة: متتدخلش إنت، أنا فاهم حالته كويس!
ضحك عمر هو الآخر وقد تسنى له فهم مغزى حديث ياسين، فقال هو الآخر: خليك بعيد يا جاسم.

تابع الحديث بينهما بصمتٍ، فوجدها تشير له بدهشةٍ: ماله لبسي!
ورفعت ذراعيها مرددة: ده اسدال شبه فراشة! شبه الملحفة! يعني شوية وهطير!
وتابعت وهي تبرر: واخده من ماما ويعتبر أوسع حاجة في لبسي كله يا أحمد.
كاد بأن يدمي شفتيه وهو يردد من بين اصطكاك أسنانه: أنا قولت إطلعي غيري اللبس ده يبقى كلامي يتسمع بدون نقاش!

خرجت الفتيات على صوته المرتفع، فقالت رحمة: خلاص يا آسيل إطلعي غيري هدومك وانزلي بسرعة وإحنا هنستناكِ.
أومأت برأسها باستسلامٍ، وصعدت للأعلى مجددًا ومازالت نظرات أحمد المغتاظة تلاحقها، ومن خلفه عمر وياسين اللذان يكادان ينفجران من الضحك، وخاصة حينما ركض من خلفها للأعلى!

أسرعت لخزانتها لتبدل ملابسها سريعًا قبل أن يغادر الجميع، فارتدت فستان بسيط من اللون الزهري واتجهت سريعًا للخروج، فاندهشت حينما وجدت أحمد قبالتها، يغلق باب الجناح ويقترب منها، ظنته أتى ليخبرها بالاسراع، ولكنها وجدته يرمقها بنظرةٍ غاضبة، تراجعت آسيل للخلف تلقائيًا حينما وجدته يرنو إليها دون توقف، فرددت بخفوتٍ: مالك يا أحمد؟ في أيه؟

لاحت على شفتيه بسمة ساخطة، وراح يردد ساخرًا: مالي يا حبيبتي ما أنا زي الفل أهو، مستحملك طول الأيام اللي فاتت وبحاول أتعامل مع الغيبوبة المتكررة اللي بتجيلك.

وكز على أسنانه وهو يردد ببسمة مخيفة بمعنى الكلمة: صابر ومستحمل عشان عارف إن الأمر خارج عن إرادتك، بس بدل ما تحسي بيا وبصبري اللي طال ده يوم ما تفوقي من غيبوبتك قررتي تقضي اليوم مع أخوكي عشان تحتفلي بعيد جوازه بدل ما تنقذي جوزك من الحرمان اللي هو فيه!
عبست بعينيها باستغرابٍ، وهي تجاهد لفهم ما يلقيه إليها، فقالت بذهولٍ: حرمان أيه! أنا مش فاهمه أنت بتتكلم عن أيه؟!

التقط نفسًا مطولًا، يبعد عنه ذاك الغيظ المميت، وتابع باقترابه منها، وتوقف فجأة وهو يمرر يده على جبهته مرددًا بتحكمٍ: استغفر الله العظيم وأتوب إليه!
ثم أبعد يده وهو يشير إليها: أنا مش عارف مالي، شكلي كده أعصابي مش تمام.
أقبلت عليه بخوفٍ وهي تتمسك بيده وتتساءل بلهفةٍ: مالك يا حبيبي، أيه اللي تعبك؟!

حدجها بنظرة باردة تخفي غضبه الثائر، فقبض على خصرها ليقربها إليه مستندًا بجبهته على جبهتها، وصوته الدافئ يلفح وجهها: أنتي بتخلصي حقك مني يا آسيل!
وراقب شفتيها بنظرةٍ جعلتها ترتجف بين ذراعيه، وخاصة حينما همس بصوته العذب: أنا بعيش أيام معشتهاش أيام المراهقة!
أسبلت جفنيها بصدمةٍ، أرغمتها على الضحك وقد تبين لها باطن حديثه، فابتسم وهو يردد لها بخبثٍ: مبسوطة وأنتي معذباني كده صح!

ومد يده يزيح عنها حجابها فحاولت إبعاد يده عن خصرها وهي تصيح بضيقٍ: بتعمل أيه يا أحمد، هنتأخر على جاسم!
ردد ساخرًا: أخوكي مش هيحتاجك النهاردة، الليلة كلها تخصه هو ومراته!
اعترضت قائلة: بردو مينفعش لازم أكون معاه، ثم إن البنات مستنيني تحت.
رفع أحد حاجبيه بغضبٍ لحق نبرته: مش هتخرجي برة الباب ده يا آسيل وكلامي مفيش بعده نقاش!
عادت للمحايلة من جديد ومازالت تكبت ضحكاتها بتمكنٍ: عيب يا أحمد ميصحش!

أفرجت شفتيه عن بسمة مستهزئة: حبيبتي أنتي مخلتيش فيها يصح ولا ميصحش!
تعالى رنين هاتفها، فجذبته من حقيبة ذراعها وأشارت له قائلة: شوف رحمة بترنلي.
جذب منها الهاتف وأغلقه أمامها، ومن ثم جذب هاتفه من جيب سرواله وأغلقه هو الآخر، ثم ألقى بهما على الكومود مرددًا ببرودٍ: وأدي التليفونات، صدقتي إني قراري اللي هيمشي ولا محتاجة إثباتات تانية؟

أخفضت عينيها بخجلٍ حينما دنى منها مجددًا وعينيه لا تفارق خاصتها، رفع كف يده يحتضن به وجهها ليرغمها على رفع رأسها إليه، فدق قلبها كقرع الطبول حينما بدأ بأول طائفة جمعت عشقهما ومن ثم حملها إليه لتشاركه جنون عشقهما الفريد من نوعه، وبالنهاية انتصر باضرام قراره الحاسم بعدم الرحيل عن جناحهما!

زفر جاسم بضيقٍ وهو يعيد الاتصال بأحمد للمرة الثالثة، ومازال عمر يراقبه بصمتٍ، هز الهاتف بعنفٍ وهو يردف: تليفونه مقفول!
أتت رحمة من خلفه تردد هي الأخرى: وتليفون آسيل كمان مقفول.
أشار لها عمر ولجاسم قائلًا بضحكة ماكرة: يلا يا جاسم أحمد مش جاي.
ران للشباب الأمر، ومازالت رحمة محلها تردد بقلقٍ: ما تطلع تشوفهم يا عمر، أنا قلقانه يكون أحمد إتخانق معاها!
ضحك معتز وردد بمشاكسةٍ: أحلى خناق بينهم حاليًا.

ركله عمر بغضبٍ: وقح!
وأشار لزوجة أخيه ببسمةٍ هادئة: متقلقيش مفيش خناق ولا حاجة، يلا عشان هنتحرك.
اتبعته للخارج فوجدته يستدير إليها وهو يتساءل باستغراب: فين نور!
ضحكت وهي تخبره: مصممة تيجي معانا بعربيتها.
ردد بصدمة: ازاي دي لسه متعلمتش السواقة!
هزت رأسها وتابعت بسخرية: لا ومصممة أركب معاها مستغنية عن عمري أنا واللي في بطني!
طرق بيده على جبينه وصاح بغضب: هتجنني أنا عارف!

وفتح باب السيارة لرحمة، فما أن أستقرت بمقعدها بالخلف حتى تحرك قائلًا: هشوفها وراجع.

راقبت مليكة ياسين وهو يغادر بسيارته، فاستغلت انشغال الشباب بمساعدة زوجاتهم بالصعود للسيارات المصفوفة أمام البناية الخارجية لقصر آل الجارحي، فاتجهت لأحدى السيارات وطلبت من سائقها باتباع سيارة زوجها، تعلم بأنه لن ينحضر لذاك المستوى الدنيء ولكن شيئًا غريزيًا داخلها يحرضها على تتبعه، ثمة سلاحًا كان بمثابة السطو المسيطر عليها، فجعل غيرتها تزداد أضعافًا مضاعفة، ودت لو أرغمته على البقاء خشية من أن يراه أحدٌ بتلك الجاذبية المهلكة غيرها، رؤيتها لتلك الدعوة أفتكت بما تبقى بعقلها، هي بالنهاية أنثى تغار وغيرتها تتخطى الجنون أحيانًا، مثل ما يحدث لها الآن.

توقفت سيارة ياسين أمام أحد فنادق القاهرة الفاخرة، فترك بابها لفرد الآمن الذي صعد محله ليصفها بچراچ الفندق المخصص، تراجلت مليكة وطلبت من السائق الانصراف، ثم لحقت به خلسة وبحذرٍ شديد، مضت أكثر من ربع ساعة تبحث عنه وسط الوجوه، فكان يجتمع عددًا غفيرًا من رجال وسيدات الأعمال، وفجأة انصرفت مجموعة من باب صغير يؤدي لمطعم راقي للغاية، توارت مليكة وسط مجموعة من السيدات حتى تمكنت من الولوج معهن للداخل، فوقفت جوار إحدى الأعمدة المزينة وأخذت تراقب الوجوه، حتى تمكنت من رؤيته أخيرًا يجلس على الطاولة الرئيسية، ومن جواره عدد صغير من رجال الأعمال، وأمام كل رجلٍ تجلس امرأة، الا هو كان يجلس بمفرده يعبث بهاتفه تارة ويتابع حديثه مع رجلًا كبيرًا بالعمر يجلس جواره تارة أخرى، شعرت بالارتياح وندمت لما فعلته، لذا ودت أن تنسحب سريعًا قبل أن يرأها حينها لن يسامحها أبدًا.

علي بعدٌ منها.
كان يقف رجال الآمن يحرصون ألا يدلف أحدٌ لا يحمل بطاقة الدعوة لمجلسهم السري، بعد أن تلاقوا أوامر مشددة من منظمي الحفل، فالتقطتها أعينهم، وارتابوا لأمرها، خاصة بأنها كانت مختبئة خلف احدى الأعمدة منذ لحظة ولوجها للحفل، وكأنها تتلصص على أحدًا، فعلى الفور إتجه لها كبيرهم، فوقف من خلفها وهو يردد بخشونة أرعبتها: بطاقة دعوتك لو سمحتي يا آنسة!

استند عمر على جسد السيارة الأمامي بإرهاقٍ بعد محاولاتٍ عديدة لاقناعها بأنها لن تتمكن من القيادة بمفردها، فتركها تحاول وإستند على الجزء الأمامي بقلة حيلة، طرقت على الدريكسيون بغيظٍ، وهبطت إليه لتشير له بأن يحملها لتجلس جواره، فرفعها على صندوق السيارة الأمامي جواره، عبثت بقدميها بصمتٍ مطبقٍ، وشفتيها تتدلى للأسفل بضيقٍ استفز عمر فصاح بعدم تصديق: وكمان إنتي اللي زعلانه!

منحته نظرة مغتاظة، وصاحت بضجر: أنت جاي ورايا ليه يا عمر، أنا بعلم نفسي بنفسي وواحدة واحدة هكتشف الموضوع.
برق بعينيه لوهلة، وصاح باستهزاءٍ: تستكشفي أيه بالظبط! هي طبخة وهتحاولي تستكشفي مكوناتها!
ردت بتعصب: هحاول أحسن ما أتحوجلك تعلمني.
زوى بيده أنفه وهو يحرر بالأخرى رابطة عنقه هامسًا بخفوتٍ: الصبر على ابتلائي يا الله.

واعتدل بوقفته إليها: نور بلاها عناد النهاردة بذات عشان خاطري، احنا إتاخرنا عليهم، خلينا نمشي ولما نرجع أوعدك هعلمك عشان أخلص.
اتفقنا؟
طرقت بيدها على خدها بتفكيرٍ، ثم مدت يدها إليه مرددة ببسمة واسعة: اتفقنا، نزلني بقى وحاسب على الفستان.
ابتسم وهو يراقب طرف فستانها الأسود الطويل، فلف طرفه على ذراعه وجذبها إليه بالأخر وهو يهمس لها بحبٍ: الا الفستان، أنا أفديكم بروحي لو حكمت.

طوفت رقبته بيديها معًا وهي تشاكسه بمرحٍ: خف من رومانسياتك يا دوك إحنا في رمضان!
أشار باعتراضٍ: احنا بعد الفطار وانتي حلالي فين المشكلة!
ضحكت وهي تخطو خطوتين للخارج مشيرة له بغمزة ساحرة: شيل الفستان وتعالى ورايا، هنتأخر.
انحنى عمر وجذب طرف فستانها الطويل، ليتبعها باستياءٍ لحق قوله: دي خروجة عادية مش مستهلة الفستان المهلك ده!

ابتلعت مليكة ريقها الجاف بصعوبة بالغة حينما وجدت الحارس يقف قبالتها، صمتها جعله يعيد مطلبه على مسمعها من جديدٍ: بطاقة الدعوة من فضلك!
حاولت التماسك بانفعالات وجهها المشدود وقالت بخوفٍ: آآ. أنا نسيت الدعوة.
تعصبت ملامح وجه الحارس بصورة أفزعتها، وخاصة حبنما قال بحدةٍ: ودخلتي هنا إزاي من غير بطاقة دعوة!
وردد بالجهاز الذي يحمله بصرامة وغضب: هاتلي الأتنين اللي واقفين على الباب فورًا.

ارتعبت مليكة من تصاعد الأمر الذي ريثما سيصل لزوجها، فقالت بتلعثمٍ وهي تتجه بضعة خطواتٍ للخروج: مفيش داعي أنا كده كده كنت خارجة.
تهاونه مع الأمر قد يعرضه لعقوبةٍ شديدةٍ، خاصة بأن الحفلة تضم أشخاصًا هامة للغاية، لذا أمسك بيدها وهو يصر بحدةٍ: مفيش خروج من هنا غير لما نعرف حكايتك، فمن فضلك اتعاوني معانا بدل ما يحصل مشاكل.

لعقت شفتيها الجافة وهي تحاول التفكير بما قد ينجدها، فشعرت وكأن الدماء قد غادرت عروقها، ما ظنته لن يصل له حتمًا سيصبح ساطعًا كضوء الشمس، شرودها بما سيحدث لها على يد زوجها جعلها لا تلاحظ فرد الأمن الذي مازال يقبض على معصمها، وكأنها لصة قامت بسرقة شيئًا ثمينًا، وتأوهت فجأة حينما شعرت بتصلب عروق بارزة فوق يد فرد الأمن ليواجه غضب ياسين يحيى الجارحي، وخاصة حينما صاح بصوته الذكوري المتعصب: إنت إزاي تجرأ تمد إيدك ال دي على مراتي!

جحظت عينيه في صدمةٍ، من المعتوه الذي لا يعلم بشأن نفوذ عائلة الجارحي، كاد بأن يصلب محله من فرط خوفه، فأخذ يبرر إليه برهبةٍ: أنا آسف يا باشا مكنتش أعرف إن الهانم تكون مرات حضرتك، بس والله هي متكلمتش ولا قالت شيء، واقفتها كانت غريبة فلما طلبت منها البطاقة آ...
يعلم بأنه ليس مخطئ، المخطئ هي من تقف قبالته، لذا منحه الغفران حينما قاطعه بحزمٍ: روح شوف شغلك أحسنلك.

غادر من أمامه وهو يردد: بكرر أسفي مرة تانية، عن إذنكم.
ما أن غادر من أمامهما حتى شعرت وكأنها مجردة أمام عينيه الملتهبة بحمرةٍ غضب قاتل، فوقف قبالتها يرمقها بحدةٍ وهو يردد بصوت مازال يتحكم بانخفاض مستواه: مصدقش عيني أول ما شوفتك!
وجذب معصمها إليه فارتد جسدها لصدره تلقائيًا وهو يصيح بحدةٍ: بتراقبيني يا مليكة!
رفعت عينيها الباكية إليه، وبصعوبة قالت: آآ، أنا كنت بآ.

وابتلعت باقي كلماتها وهي تفرك أصابعها الباردة برعبٍ، التقط ياسين أنفاسه الهائجة بانفعالٍ، لا يعلم ماذا سيفعل بتلك اللحظة؟

لا يتوجب عليه ترك الحفل في الدقائق الأولى، ولم يعتاد إليه اختراق قانون ياسين الجارحي الأساسي إليهم بحضور زوجاتهم لمثل تلك الحفلات التي يملأها الخمر والعري ونظرات الرجال الكاسرة لحاجز الرجولة، ود لو أن يقتلها في تلك اللحظة، وخاصة حينما اقترب منهما مؤسس الحفل برفقة زوجته الغربية، ليتساءل باهتمامٍ: في حاجة يا باشا، شايفك واقف مع أفراد الأمن من ساعتها، لو في مشكلة عرفني بيها.

وانتقلت عينيه لتلك الفاتنة جواره وهو يعود ليتساءل: مين دي؟
أجابه وهو يضم يدها إلى يده: مفيش مشاكل، زوجتي مكنتش عايزة تقعد معانا على تربيزة الشغل عشان الملل، بس غيرت رأيها وحابة تنضم لينا.
تفحصتها نظرات تلك المرأة الجريئة، كانت ترتدي فستانًا قصيرًا للغاية بالكد يخفي ركبتها، وصدرها مكشوف بشكلٍ مقزز، ومع ذلك هي من تقابلها بنظرات مستحقرة لحجابها وملابسها المحتشمة وكأنها من تتعرى هنا وليس هي!

فرسمت بسمة متكلفة وهي تشير للطاولة: أهلًا بكِ عزيزتي، انضمي إلينا وأعدك ألا تشعرين بالملل برفقتنا.
ومالت تقبل زوجها بجراءةٍ: أليس كذلك عزيزي.

بادلها الرجل الغرام المتدني بطريقة جعلت مليكة تشهق بصدمةٍ، فرفعت عينيها لزوجها فوجدته يصوب إليها نظرة نارية لما وضعت ذاتها به، ومع ذلك عليه بالحفاظ على ثباته كونه وجهة آل الجارحي المشرفة، فأجبرها على الخطى معه للطاولة، وأجلسها على طرفها وهو يعبث بالسكين من أمامه ليصدر صوتًا حادًا يسكن نيرانه المقتادة، ارتعش جسد مليكة رعبًا فلأول مرة تراه بتلك الحالة الغاضبة، ليت تلك الليلةٍ الباردة تمر مرور الكرام، راقبت المكان بنظرةٍ متفحصة فلم تجد سوى المحرمات في شهرٍ فاضيل هكذا، فمرت بعينيها على مقعد ياسين الحامل لجاكيته فوجدت أمامه كوبًا من العصير وكأنه المنفرد من بينهم جميعًا، شعرت بالذنب وبخطيئة ما ارتكبته بحقه، ولكن ماذا ستفعل أمام بركانه الثائر!

هل تسمح لي السيدة الفاتنة برقصة؟
ما كان ينقصها سوى هذا اللعين الذي يعرض عليها أن تشاركه الرقص، ابتلعت مليكة ريقها بصعوبة، وانتقلت نظراتها تلقائيًا لياسين، الذي أدمى شفتيه معًا ويده تطوف سكينه المعدني القريب من طبق اللحم أمامه، وكونه عاقلًا لن يسمح للصحافة الممتلئة للمكان من حوله بالتقاط تلك الاساءة بحق عائلته، لذا تصرف بعقلانيةٍ ورسم بسمة خافتة وهو يشير إليه: أعتذر لك، زوجتي ستشاركني أنا بالرقص.

ونهض عن الطاولة ثم جذبها للمنصة حتى لا يتيح لأحدٌ عرض الرقص عليها، لا يود اختلاق أي نوعًا من المشاكل، يترقب مرور الثلاثون دقيقة بفارغ الصبر ليغادر بها الآن في تلك اللحظةٍ، اختياره للرقص معها كان أبشع قرار يتخذه لا يريد لاحد رؤيتها أو لمحها، ولكنه مجبور حتى يتلاشى المشاكل التي ستخلق حتمًا.

اعتصر خصرها بين يده وصوته المحتقن يهدر من بين اصطكاك أسنانه: اللي عملتيه النهاردة ده عقوبته عندي أكبر مما تتخيلي.
وطعنها بنظرة قاتلة وهو يتحرك بها: انعدام ثقتك فيا جريمة مش هسامحك عليها مهما كانت أسبابك.

انهمرت دمعة من عينيها، فرسم بسمة مصطنعة لاحد رجال الأعمال الذي يتابع الرقص برفقة زوجته لجوارهما، وعاد ليردد: الحفلة ملانة صحافة، شوفي بقى لما ياسين الجارحي يشوفك على غلاف المجلات والجرايد، ويعرف إنك جيتي هنا برجليكي.
واسترسل بحدة: ياسين الجارحي عمره ما سمح لحريم بيته يظهروا في أماكن زي دي، مانع ظهوركم معانا في أي حفلات فيها القذارة اللي تستباح حريم بيته، هينبهر لما يلاقي بنته اتخطت قوانينه.

ولفها إليه وهو يتابع: أوعدك مش هحميكي من غضبه لإنك تستاهليه.
أشعل ضوء الكاميرا هاجسها، فالتفتت لتجد أحد الصحافين يلتقط إليهما صورة، انقبض جسدها وارتجف بين يديه وتدفقت دموعها دون توقف، فتوقف عن الحركة بها، وإتجه للطاولة فجذب حقيبتها وألقاها إليها ثم جذبها للخروج فاتبعته السيدة مرددة باستغراب: إلى أين سيد ياسين، مازال الحفل بالبداية!

استدار لها وأخبرها بلباقةٍ: أعتذر منكِ سيدة أماندا، ولكن زوجتي لا تعتقد بأنها بخير.

تقبلت دعواتها المزيفة بالشفاء العاجل ببسمة رسمتها بصعوبة واستجابت ليد زوجها القابضة عليها، فما أن خرجت معه حتى توقف بها، فتركها وعاد لأحد رجال الأمن يهمس له بشيءٍ لم تستطيع سماعه، ثم عاد لها فجذبها مجددًا لخارج الفندق ينتظر السيارة التي أتت إليه برفقة أحد العمال، فصعدوا إليها وظل ياسين داخل سيارته لدقائق، حتى عاد إليه الأمن يقدم له شيئًا لم يكن واضحًا لمليكة، كل ما تمكنت من رؤيته حزمة المال الذي قدمها ياسين للرجل، وبعدها انطلق عودة للقصر.

طوال الطريق ساد الصمت بينهما، صوت أنفاسه المتعصبة كانت تعلو كالجمرات المشتعلة، اهتز كف يدها وهي تقربه من يده الموضوعة على متحكم الفرامل، فأطافته بيدها وصوتها المبحوح يناديه: ياسين!
سحب كفه بعيدًا عنها وهو يشير لها: مش عايز أسمع صوتك وده لمصلحتك عشان مأذيكيش!

ابتلعت باقي كلماتها بجوفها، والتزمت الصمت حتى توقف بسيارته داخا چراچ القصر، فاستدارت بجلستها إليه تتوسل له ببكاءٍ: ياسين عشان خاطري متقولش لبابا حاجة.
استدار بوجهه إليها، وردد بعدم تصديق: ده اللي فارق معاكي!

أخفضت وجهها للأسفل حرجًا، فصاح بعنفٍ لم يسبق لها رؤيته منه: مش فارق معاكي اللي عملتيه، مش فارق معاكي شكلي قدامهم كان أيه مع إني حاولت أنقذ كرامتك وشكلك قدامهم بس الكل كان عارف أنك جاية ورايا بتراقبيني!
وصرخ باهتياجٍ: مش فارق معاكي إن أهنتيني بشكوك ومراقبتك ليا!
وسألها بغضب: قوليلي شوفتي أيه مني يخليكي تراقبيني؛!
وصرخ بها: ساكتة ليه ما تنطقي!

بالحديقة.
كان يجلس ياسين وآية برفقة الأولاد بعدما غادر جميع من بالقصر، كعادته يستمتع بلحظاته برفقة أحفاده وبالأخص برفقة رحمة وحلا، كان يحمل إحداهن على قدمٍ والآخرى على قدم، يستمع لرحمة وهي تخبره بطفولية: جدو أنا نفسي يبقى عندي اسطبل خيول.
ابتسم وهو يتساءل بفضولٍ عن سبب حلمها الغريب: ليه؟

أجابته ببسمة واسعة وهي تراقب يحيى الذي يجلس بعيدًا عنهم يتابع قراءة كتبه التي لا تفارقه أينما كان: عشان أدي ليحيى خيل أبيض وآ.
بترت جملتها ببسمة جعلت ياسين يبتسم هو الآخر، فطبع قبلة على جبينها وقال بخبث ومرح: يحيى عايز مكتبة كتب مش خيل يا رحمة!

تعالت ضحكات آية وهي تراقبهما، فحملت حلا عن قدمه وطبعت قبلة على خديها، ثم أشارت لزوجها بضجر: كده يا ياسين مش قولت هنطلب لبس الأولاد أون لاين عشان بعد بكره هنقضي اليوم معاهم بالدار ونقدملهم الهدايا واللبس.
منحها نظرة حنونة ثم أشار على حلا ورحمة: أنتي شايفة بعينك أهو، أول ما لقونا قاعدين تحت قاعدة رايقة لفوا حولينا!
ضحكت وهي تخبره: بيحبوك وبيحبوا يقعدوا معاك.
غمز بعسليته: معايا أنا بردو!

صححت له بحب: معانا.
هز رأسه وأشار لرحمة بحنان: روحي إلعبي مع مريم وليان يا حبيبتي.

ركضت الصغيرة لمشاركة الفتيات اللعب، بينما على مسافة منهم كان يلعب الأولاد بمفردهما دون مضايقة الفتيات أو الاختلاط بما هو حد خطير لهم، وعلى بعد منهم يجلس ياسين برفقة آية، يحاول مساعدتها في اختيار ملابس العيد لدار الأيتام الخاصة بها «آية الرحمن»، كما نسبه هو لها، ذاك الملجئ الذي كان سببًا في عودة حفيده الأكبر ياسين، مازال يحمل معزة كبيرة تخصه، بعدما زرع الخير وحصده بعودته لأحضانه.

قطع مجلسهما عبور تلك السيارة فرددت آية باستغراب: هما رجعوا بدري ليه كده؟
ضيق عينيه في محاولة تحديد كناية السيارة، فقال بصوته الرخيم: دي عربية ياسين.
لم يتسنى مرور الدقائق وتسرب لهما صوت ياسين المنفعل، فنهضت آية واتجهت إليهما بقلق وخاصة حينما لمحت مليكة تبكي لجواره.

سحب ياسين مفاتيح سيارته وهبط منها ليتجه للأعلى، فكادت مليكة بأن تلحق به إلى أن أوقفها صوت والدتها المنادي: مليكة!
التفتت إليها بارتباكٍ تضاعف حينما رأت أباها يجلس على بعدٍ منهما، فازدردت ريقها الجاف وهي تحاول اخفاء دموعها: نعم يا ماما.
اقتربت منها آية وتساءلت بشكٍ: في أيه وياسين متعصب ليه بالشكل ده؟
واسترسلت بدهشة: وبعدين إنتي مش كنتي مع عمر وجاسم والبنات، أيه اللي مرجعك مع ياسين!

وصاحت ببعض الحدة: فهميني في أيه بالظبط؟
ارتعبت وكادت أن تقتل ببطءٍ وخاصة حينما نهض ياسين عن مقعده وكان بطريقه إليهما، لم ترى زوجها الذي توقف عن استكمال طريقه للأعلى ووقف يراقبهما، فما أن وجد ياسين الجارحي بطريقه لزوجته حتى هبط وحاصرها بذراعه وهو يمنح آية بسمة هادئة لا تناسب حالته بالمرة: ممكن أخطف منك مراتي، أنا لسه خاطفها من وسط الشباب عشان نقعد مع بعض شوية!

منحته نظرة مندهشة، هي لم تتوهم سماع صوته المتعصب، ومع ذلك لم ترغب بالتطفل عليهما فقالت بلطفٍ: طبعًا يا حبيبي اتفضل.
صعد بها ياسين للأعلى، ومازالت آية تراقبهما بدهشةٍ، أفاقت من شرودها على يد ياسين الممدودة إليها وهو يسأله بنظراته المتفحصة: واقفة كدليه يا آية؟
تطلعت إليه وهي تردد بتشتتٍ: ياسين أنا متأكدة إني سمعتهم وهما بيتخانقوا!
وبقلقٍ قالت: إطلع وراهم وشوف في أيه أنا خايفة على البنت.

ابتسم وهو يضمها إليه، مرددًا وعينيه تراقب الدرج بنظرة عميقة اتسعت نبرته: بنتك متجوزة راجل قادر يحميها من أقرب الناس ليها تفتكري مش هيحميها من غضبه!
ورفع وجهها المبتسم إليه وهو يردد بغرور وثقة: أنا عارف أنا إختارت لبنتي مين!

بالأعلى.
ما أن ولج لجناحه حتى إنفك عنها، فحل رابطة عنقه بغضبٍ وفتح أزرار قميصه عل الهواء يصل لقصبته المشتعلة، جاب الغرفة ذهابًا وإيابًا بثورةٍ تكاد تحرق ملامحه، ومازالت تقف ورأسها مطموس بالأرض، جلس ياسين على حافة الفراش يتطلع إليها بصمت طال بينهما فقطعه بصرامة: منتظر إجابة لسؤالي.
رفعت عينيها إليه بعدم فهم، فصاح بها بهدوء حذر: شوفتي أيه يخليكي تشكي فيا وتراقبيني!

بكت بصوتٍ مسموع ومن بين بكائها رددت: أنا آسفة يا ياسين صدقني أنا معرفش عملت كده إزاي.

حرك وجهه يسارًا ويمينًا وقدمه يهتز بعنفٍ، في محاولةٍ بائسة للتحكم بكافة انفعالات جسده المتعصب، فنهض فجأة تجاهها لدرجة جعلتها ترتد للخلف وهي تخفي وجهها برعبٍ جعله يقف مصعوقًا، متخشبًا محله، طال بها السكون فاعتدلت بوقفتها تتفحصه فوجدته يبرق لها بصدمة، تحرر عنه لسانه ليخبرها بوجعٍ استطاعت لمسه جيدًا من كلماته: ثقتك فيا مش مهزوزة من الخيانة بس، لا من كله!

وتابع بألمٍ: أنا بحاول أشوف الصورة الجديدة اللي في عيونك ليا وهتبقى كارثة لو طلع إحساسي صح! انتي متخيلة إني ممكن أمد إيدي عليكي بجد!
وكور يده بعصبية جعلتها تكاد تنفجر من شدة قوته، فتلجلجت الكلمات عن منطقها لذا عاد للفراش يسحب جاكيته من جديدٍ وإتجه ليغادر المكان بأكمله قبل أن يحدث ما لا يحمد أبدًا، لحقت به مليكة للخارج باكية، فنادته ببكاء: ياسين استنى، أنا آسفة.
ياسين أرجوك اسمعني.

لم يعيرها إنتباهًا فاتجه للمصعد ليستقله، فكانت فرصة لها بأن تصل إليه قبل أن يدخل إليه، فتمسكت بذراعه وهي تردد ببكاءٍ: خلينا نتكلم من فضلك آ...
ابتلعت باقي كلماتها بصدمة جعلت ياسين يتطلع داخل المصعد، تحديدًا لما تتطلع إليه، ليجد ياسين الجارحي يقابله، ونظراته تحيطهما، ومن ثم خرج صوته النافذ بثباتٍ: حرم كمال السواح بتتصل مخصوص عشان تطمن عليكي، قالت إنك تعبتي في الحفلة النهاردة!

جحظت عينيها صدمة، فتراجعت للخلف وبالأخص خلف ظهر زوجها، يدها معلقة بقميصه، تحثه بصوتٍ مهزوز، متوسل: ياسين!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة