قصص و روايات - نوفيلا :

نوفيلا ختامية آل الجارحي للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الخامس

نوفيلا ختامية آل الجارحي للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الخامس

نوفيلا ختامية آل الجارحي للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الخامس

طاولة فخمة طويلة، تحمل أفخم أنواع الأطعمة والعصائر، ومن حولها المقاعد المطعمة بالستان الأسود الباهظ، ستائر النوافذ المحاطة بغرفة الضيافة السفلية تحمل نفس لون المقاعد، وعلى مقدمتي الطاولة جلس ياسين الجارحي من طرف والمقدمة الأخرى يحيى، ومن بينهما الشباب بأكملهم دون وجود الفتيات بضيافةٍ تخص الأغراب، امتلأت القاعة بشباب عائلة الجارحي، على جوانب الطاولة وعن يسار ياسين كان يجلس رحيم زيدان وعن يمينه الجوكر المزعوم، ومن جواره جلس عدي لقربه من مراد، بالرغم من صداقته التي تشمل كلاهما ولكن سيظل مراد الأقرب إليه لتشابه خصالهما، الأغلب بينهم تآلق بالحلى الرسمية السوداء، حتى الفتيان، وخاصة زين وياسين الجالسان جوار يحيى بنهاية الطاولة.

انطلق آذان المغرب ليبدأ الجميع بكسر صيامه، فقام حازم بتوزيع التمر عليهم جميع. اتباعًا لسنةٍ رسول الله الكريم (عليه أفضل الصلاة والسلام).

جذبوا أكواب العصائر والمياه لكسر صيام يومًا شاق، وأشار ياسين بيده مردفًا: اتفضلوا.
منحه رحيم بسمة هادئة وبدأ بتناول الطعام المقدم من أمامه، بينما تابع مراد بمزحٍ يخص رفيقه: كل واشبع من الأكل البيتي كلها كام يوم وهنسافر.
تساءل عمر بدهشةٍ: يسافر فين؟
رد عليه رحيم وهو يلوك قطعة اللحم: عندنا مهمة برة البلد ولأول مرة هنجتمع فيها مع بعض.

بدت الدهشة جلية على وجه أحمد، الذي ردد: بس تخصص عدي غير تخصصكم، انتوا مخابرات!
أكد عليه مراد، موضحًا: نادرًا لما بيحصل، خاصة مع صعوبة المهمة.
هز رأسه بتفهمٍ، واستكملوا تناول أطمعتهم ليجذب إنتباه الجميع حديث الصغار، حينما تساءل ياسين بفضولٍ: أنت عايز تكون في أي تخصص يا زين؟
جفف فمه بمنديله الورقي ليزيح بقايا الشوربة بأناقةٍ اتبعت حديثه: زي بابي تمامًا.

ارتسمت بسمة صغيرة على أوجه الجميع، فتبادل زين بدوره بسؤالٍ أخر: وأنت؟
زم شفتيه بحيرةٍ وهو يخبره: لسه مش عارف بس الأكيد إني وقتها هختار اللي يناسبني.
راقبهما ياسين الجارحي بابتسامةٍ هادئة، وردد بصوته الرخيم: أنا شايف إن هتجمعكم صداقة لطيفة!
تبادلا النظرات فيما بينهما، فابتسم حفيده وهو يؤكد: وأنا حاسس بكده.
وجذب هاتفه ثم ناوله لزين هاتفًا: سجلي رقمك يا زين هنكون على تواصل.

جذب منه الهاتف ثم سجل رقمه، وقام بإرسال طلب صداقة باختيار حسابه الشخصي، راقبهما عدي ببسمةٍ خافتة وسأل رحيم باهتمامٍ: هو مش زين بنفس مدرسة ياسين؟
هز رأسه باستغرابٍ، وسلطت نظراتهما على الطفلين، فأجاب زين: يمكن في class غير اللي أنا فيه.
فصل ياسين الحديث بينهما حينما قال لرحيم: انقلهم لفصل واحد.
هز رحيم رأسه وهو يجيبه بتأكيدٍ وبسمته الخبيثة تحيط به: اعتبره حصل.

اعترض مراد بسخطٍ: لأ، بلاش رحيم هيقتل مدير المدرسة كده، أنا اللي هنقلهم بالحسنى!
اندهشت نظرات ياسين الموزعة بينهما، وخاصة مع رؤية بسمة الشر تحيط بالاسطورة، لاحت منه ابتسامة هادئة وتناول طعامه بهدوءٍ تام، تاركًا للشباب مهمة التعارف عليهما.

أما بالخارج، وبالأخص بالردهة الرئيسية للقصر، حيث تجتمع الفتيات، اتجذبت رحمة لأشجان بشكلٍ أثار فضول الجميع، ظلتا تتوددان طوال تناولهما للطعام حتى بعدما انتقلوا للصالون، وأضافت نور وحنين بمرحهما لمسة ساحرة للاجواء، وخاصة حينما أشارت حنين لشجنٍ: أول مرة ألقى حد عنده نفس الكميا، بجد يا نور أنا حبيتك جدًا وشكلك هتبقي البيست عندي وشجن هتبقى بلح!

تعالت الضحكات بينهن، فاستطردت بجديةٍ: والله بكلمك جد، لابسالي الوش الخشب طوال النهار لما كرهتني في نفسيتي الظريفة الكيوتة لكن أنتي زيي بالظبط كريزة!
ضحكت نور وهي تجيبها: يا بنتي إحنا قيمة لا تقدر جوه العيلتين دول، من غيرنا كانوا هيفضلوا لابسين الوش الخشب طول النهاؤ ومفيش ضحكة عابرة بتمر عليهم.
أوقفتها نسرين باعتراضٍ: وحازم وحمايا كانوا قصروا في أيه يا نور!

زمت شفتيها بسخطٍ: إحنا بنتكلم عن الصنف الناعم يا بت!
واستدارت تجاه حنين التي ترتشف أحد العصائر، لتشهدها: مش كده يا نونا!
هزت رأسها بضحكة واسعة: كده ونص يا نوري.
وجذبتها إليها لتتساءل بجدية تامة: العصير ده جميل أوي ومميز، مسبقش ليا إني شربته قبل كده مين اللي عامله!
اتجهت نظراتها تجاه آية وهي تجيبها بفخرٍ: حماتي السكرة، عندها خلطة باللوز والمكسرات والجوفا واللبن وغيرها من التكات خطيرة.

شكرتها حنين بامتنانٍ: بجد تسلم إيد حضرتك يا طنط العصير تحفة، ده تاني عصير أعشقه بعد عصير مراد.
ابتسمت آية وهي تجيبها في حبورٍ: ألف صحة على قلبك يا حبيبتي.
جذبتها نور إليها لتتساءل بفضولٍ: أيه عصير مراد ده أوعي يكون منكر!
تعالت ضحكاتها وهي تشير لها بالنفي، قائلة بغموض: هحكيلك حكاية العصير وبالمرة حكايتي مع الجوكر، أيه رأيك؟

كانت فكرة مغرية للغاية، فجذبت نور أحد أطباق التسالي وجذبتها لركنٍ بعيدًا عن الفتيات، حيث تكون تحت مراقبتها، ورددت بحماسٍ: اتفضلي، كلتا أذني صاغية!

بينما بالخارج رددت شجن ببسمةٍ واسعة: بجد يا رحمة انتي كمان حامل؟!
رمشت بعينيها وهي تبادلها بسؤالها المشكك: متقوليش انتي كمان!
هزت رأسها بتأكيدٍ وقالت: أنا لسه عارفة من يومين بحملي.
وهمست على استحياءٍ: معرفتش حد لسه حتى رحيم!
قوست جبينها وهي تستكمل باسئلتها الفضولية: ليه؟
ردت عليها بهمسٍ خافت: هعمله مفاجآة في عيد ميلاده بعد عشر أيام.

ابتسمت وهي تدعو لها بصفاء قلبها: ربنا يفرحك ويكملك على خير يا حبيبتي.
أمسكت شجن يدها وهي تخبرها بحبٍ: وليكِ بالمثل يا روح قلبي.
واستكملت بفضولٍ: قوليلي يا رحمة إنتي بتابعي مع مين علشان يكونلنا فرصة نتقابل على طول.
ارتسمت بسمة رقيقة على وجهها وقالت برقةٍ: لو عايزين نتقابل هنتقابل من غير أي دكتور، معاكي رقمي هيكون في بينا مكالمات دايمًا لاني بصراحة حبيتك وحسيتك شبهي أوي.

واستكملت بمرحٍ: أما حكاية الدكتور ده فالموضوع مضحك ومحير.
تساءلت بعدم فهم: ازاي؟
ضحكت وهي تخبرها: كلنا بنتابع مع دكتورة هيلينا طول فترة الحمل ولحظة الولادة بتختفي في مؤتمرات فجأة، فبنلجأ لدكتور صديق عمر، حرفيًا بقى متعقد مننا فجأة بيلاقينا في وشه ومعانا حالة الولادة اللي ميعرفش عنها أي حاجة غير إنه بيجمع مننا التفاصيل بسرعة قبل ما يدخل يقوم بمهمته.

تعالت ضحكات أشجان حتى أحمر وجهها، فاسترسلت رحمة بثقةٍ: عشان كده المرادي خدتها من قصرها وروحتله من البداية، عشان ميجيلوش صرع مننا بنهاية الشهر.

عادت للضحك مجددًا ومازالت رحمة تقص عليها بعض الطرائف من مواقف الفتيات المضحكة، والاخيرة انسجمت معها حتى انفطرا معًا من الضحك، لتلتقطهما أعين المارة وبالأخص رحيم وعدي الذي يتبعان ياسين الجارحي لمكتبه الرئيسي، ومن بعدهما مراد برفقة أحمد فاتتبه لتلك الثرثارة التي تجلس بعيدًا عن شجن التي لا تفارقها، وتجلس برفقة فتاة رقيقة الملامح على ما يبدو بأنها قد وجدت صداقة جديدة لها، اتبعهم للمكتب، فأشار له أحمد بابتسامةٍ هادئة وهو ينسحب للاعلى: ده المكتب يا مراد، عن إذنك أنا.

هز رأسه بتفهمٍ وولج للداخل حيث اللقاء الذي سيشمل العمالقة!

اصطحب ياسين زين لغرفته، فانسجما بممارسة ألعاب القتال والاسلحة الالكترونية، لأول مرة يمضي برفقة أحدًا من الاطفالٍ ويشعر بذلك الارتياح الغريب، مشاركته بنفس تفكيره ونفس هواياته جعله يرغب في أن يمضي أكبر وقتًا ممكنًا برفقته، مضت ساعةٍ كاملةٍ ومازال اللعب مسلي والحديث لا يتوقف عن شخصهم الهادئ الذي يبغض الحديث المتواصل.

ابتسم زين وهو يراقب تسديد ضربة ياسين بالجهاز الالكتروني عبر حاسوبه، فإلتفت إليه وقال: بتمنى أنكل مراد يقدر ينقلنا لفصل واحد يا ياسين.
ابتسم وهو يشير إليه بثقةٍ غريبة تنتابه لذلك الغريب: هيقدر.

وعادا ليتابعان المعركة القتالية بالجهاز، إلى أن قطعهما صوت دقات الباب، ومن ثم ولجت شقيقته للداخل برفقة مرين، تطلع تجاهها فوجدها تمنحه ابتسامة هادئة ومن ثم انسحبت عينيها تراقب غرفته بانبهارٍ عجيب، وبالأخص من تأمل الرسومات التي تملأها، استغل ياسين انشغالها بتأمل الحائط المكتنز برسوماته، وجذب شقيقته جانبًا وهو يعنفها بغضبٍ: انتي ازاي تجبيها هنا، مامي هتزعقلك!

أجابته بضجرٍ بدى على ملامحها: هعمل أيه مش عاجبها لعبي كلها، وكل اللي بيعجبها لعب الاولاد بس فقولت تيجي تلعب معاكم أحسن أنا ماليش بالمسدسات والالعاب المملة دي.

وتركتهم رحمة وغادرت بضيقٍ بعدما بذلت مجهودًا كبيرًا لتجعلها تسترخي بجلوسها برفقتها وبرفقة ليان والصغيرات، وبالأخير لم تندمس معهن بما يحملوه من عرائس وألعاب المطبخ وغيره مما يخص الفتيات، كانت نظراتها تحوم بما يحمله الأولاد من ألعاب، لذا اهتدت لأخيها عساه يعاونها على حل تلك المعضلةٍ، خاصة بعد أن شددت عليها والدتها بأن تحرص على بقاء الضيفة سعيدة، حانت منه نظرة إليها فوجدها تتلامس احدى رسوماته بإعجابٍ شديد، وكانت تخص إحدى الجدائل دون رسم وجه الفتاة، تعجبت للغاية من رسمه لمقبض الشعر، يشابه ما كانت ترتديه بلقائهما الأول، استدارت تجاهه وتساءلت باستغرابٍ: ده نفس الدبوس اللي بحطه دايمًا!

زم شفتيه بتوترٍ من فرط الاحراج، فقال وهو يدنو منها: عجبني شكله فرسمته!
وأشار لها: تقدري تأخدي اللوحة لو عجباكي.
تساءلت بلهفةٍ: بجد؟
أكد لها بإشارته وعينيه تجوبها باستغرابٍ، نهض زين عن أريكته وصاح بها بعنفوانٍ: انزلي إلعبي تحت مع البنات مينفعش تقعدي هنا!

واجهته بوجهٍ عابس، يرفض تحكمات هذا المتسلط بها وبشقيقتها، ولطالما لم تترك له الساحة فكانت تنتصر عليه دومًا، لذا قالت: أنا مش حابة ألعب معاهم، ألعابهم تافهة!
وتطلعت تجاه الشاشة بعينين متسعتين بحماسٍ لحق نبرتها: خليني ألعب معاكم دور، أنا واثقة إني هكسبك المرادي يا زين!
تجهمت معالمه وأشار لها بغضب: مش هتعرفي، المرة اللي فاتت قولتي نفس الكلام وموتي بسلاحك المعفن من أول جولة.

اشتعلت عينيها بلهيبٍ محرق، ودنت منه وهي تواجهه: هنشوف، المرادي هكسبك.
تابع ياسين حالة التحدي العارمة بينهما بصمتٍ، فعلى ما بدى له قوة شخصية تلك الفتاة، اعتاد دائمًا على سماع نصائح أبيه حول التعامل مع شقيقته، حيث أن الفتيات رقيقة بطباعها، مازال يتذكر رقة والدته بالتعامل، لم تنحاز يومًا لمفضلات أبيه، بعيدة كل البعد عن هواياته، تلك الفتاة تخرق كل القوانين التي تربى عليها داخل حصن آل الجارحي!

جلست مرين على الأريكة المطولة القريبة من الجهاز، والتقطت القطعة المتحكمة به مثلما فعل زين، بينما جلس ياسين على المقعد القريب منهما، اختار زبن سلاحه بعنايةٍ ولم ينكر ياسين إعجابه الشديد باختياره الخببث، بينما تفحصت مرين الأسلحة بتمعنٍ، خيارها الخاطئ بالمرة الأخيرة جعله يفوز عليها بجدارة، ابتسم ياسين ومال عليها يهمس: إختاري السلاح الأبيض.

ضيقت عينيها إليه، يبدو سلاحًا عاديًا، لن يصمد أمام خيار زين، ومع ذلك وجدت ذاتها تختاره، بالرغم من عدم اقتناعها من شكله الصغير.

انطلقت المعركة الدامية بينهما، وتفاجئ ياسين بموهبة كلا منهما بالقتال وكأنهم تربوا على ممارسة ألعاب القتال، وكانت لمرين جزءٍ من المفاجآة مع تجربة السلاح الذي فجأها حقًا، طوال ممارستها لتلك اللعبة لم تحاول استخدام هذا السلاح أبدًا، يبدو بأنه لا يمتلك قوة المواجهة مع باقي الاسلحة الضخمة، والآن بفضل انسياقها خلف خياره تمكنت من الانتصار على زين الذي ألقى جهازه بغضب حينما صفقت بغرور: قولتلك هكسبك!

تعالت الضحكات الرجولية بينهم، وخاصة حينما استرسل مراد بحديثه عن أخيه: فالبداية كده يا عدي المهمة دي تستبعد فيها رحيم من أي مساعدة ليها علاقة بالجنس الناعم، هيكشفنا على طول.
ومن بين ضحكاته استكمل: سلاحه اللي بيتكلم عنه مبيديش فرصة للسانه ياخد ويدي لحد ما يوقع المعلومة!

منحه رحيم نظرة قاتمة، فأشار بسخطٍ وهو يتناول عصيره دون مبالاة: الوحش طالع معانا لأول مرة واجب أنبهه عشان تبقى دنيتنا سالكة ونرجع بيتنا سلام نعيد مع الاولاد، مش كده ولا أيه يا ياسين باشا؟

اتجهت النظرات جميعًا إليه، كان مبتسمًا، مستمتعًا بالسماع إليهما، فناب عنه رحيم حينما قال بإعجاب: الباشا عنده دماغ عالية ما شاء الله، حقيقي فجأتني بعد ما قدرت تكشف أمجد السلاموني والدول اللي فيها ناس بتسانده برة مصر.
واستكمل بابتسامة تنبع بوقاره واحترامه إليه: حقيقي يا باشا لو حضرتك كنت بالداخلية كان فرق معانا كتير، الدماغ دي متكلفة.

استند بجسده العلوي على حافة مكتبه، وقال برزانته الهادئة: كلنا كنا سبب يا رحيم.
ووزع نظراته بينهما بثباتٍ وهو يتابع: أنا سعيد بالصداقة اللي جمعتكم بعدي.
ونهض عن المقعد وهو يشير إليهما: هسيبكم تتكلموا مع بعض في شغلكم. خدوا راحتكم.
وتركهم ياسين وكاد بالخروج، فعاد ليطل من خلف الباب مجددًا وهو يشير ببسمةٍ غامضة: مراد، عايزك!

تعجب من طلبه الغريب ومع ذلك أسرع إليه، ونظرات عدي ورحيم تلاحق كلاهما، فابتعدوا معًا لشرفة المكتب الخلفية، راقب مراد ما سيخبره به باهتمامٍ، فقطع ياسين صمته حينما قال: أنا دايمًا عندي بعد نظر، لذا اختارت أتكلم معاك على انفراد وأنا على ثقة إنك هتكون أد المسؤولية اللي هكلفك بيها.
رمش بعينيه بدهشةٍ، وأسرع بقوله: أنا تحت أمرك يا باشا.

ربت على كتفه ومن ثم اقترب ليهمس إليه بمكرٍ: حفيدي هتكونوا انتوا التلاتة مسؤولين عنه وعن تدريبه بس أنت اللي هتكون مسؤول عنه قدامي لو طلع نسخة منهم بالتعامل مع الجنس الآخر.
وابتعد وهو يردد بخبثٍ: أظن فهمتني!
هز رأسه وهو يجيبه بضحكة مرحة: عيني، أول دروس هتكون في كيفية التعامل مع الانثى بشياكة!

ولج أحمد لجناحه الخاص، فحرر عنه جاكيته ووضعه على المقعد باهمالٍ، كاد بالتوجه لحمام غرفته ولكنه توقف مندهشًا حينما لمحها تجلس على الأريكة مندمجة بقراءة واردها اليومي من القرآن الكريم، جحظت عينيه صدمة وتساءل: آسيل أنتي هنا بجد؟
انتبهت إليه فانتهت من قراءتها وتطلعت إليه وهي تردد بذهولٍ: أيوه في حاجة ولا أيه؟!
زم شفتيه وهو يردد ساخطًا: مستغرب إن حالة الاغماء مجتلكيش يعني.

ردت عليه ببسمةٍ واسعة: أصل النهاردة اتلبخنا في تحضيرات عزومة أصحاب عدي ومقرتيش الورد بتاعي فقولت أعوض بليل.
تلألأت حدقتيه بمكر طاغي، فنزع عنه جرفاته وهو يشير لها: كويس جدًا، خليكي قاعدة أنا هغير هدومي وراجعالك لإني عايزك في موضوع مهم.
ضيقت عينيها باستغرابٍ: موضوع أيه ده، قلقتني!
جذب بيجامته وإتجه للحمام وهو يردف: دقايق وراجعالك بس أقلع البدلة خنقاني!
هزت رأسها بعدم اقتناع ومع ذاك هتفت: أوكي هستناك.

دقائق انتهى بها من أخذ حمامه الساخن المريح، وخرج يجفف شعره بالمنشفة والبهجة أعادت لوجهه الدموية من جديدٍ، فما أن خرج إلى الغرفة وأزاح عنه المنشفة حتى جحظت عينيه في دهشةٍ كادت بقتله حينما وجدها تغفو على الأريكة بإسدالها وبين أحضانها مصحفها الصغير، حك أحمد جبهته بغيظٍ كاد بسلخ جلده، فجلس على حافة الفراش يتطلع لها بصدمة، فهمس بغيظٍ: أمال لو مش مأكد عليكي!

وزفر بضيقٍ وعينيه تتطلعان إليها بفتورٍ انتقل لنبرته: هو صيام من كله، صبح وليل!

ونهض بملل، ثم حملها للفراش بعدما نزع عنها اسدالها، فجذب إليها الغطاء وهو يراقب انغماسها بنومٍ كالاموات، حتى أنها لم تشعر به وهو يحملها من مكانٍ لأخر، أبعد أحمد خصلاتها المتمردة على عينيها ببسمةٍ عاشقة، فابتعد عنها واستقام بجلسته على الفراش وهو يحاول منع ذاته من التطلع إليها، زفر بيأسٍ من محاولته، فعاد يتطلع إليها باستسلامٍ هامسًا بسخريةٍ: ودي أتحرش بيها وهي نايمة ولا أعمل أيه؟!

كان ياسين بطريقه للأعلى حينما لمح حفيده يقف قبالة غرفته بصحبة فتاة صغيرة سبق رؤيتها برفقة مراد بالأسفل، وعلى ما بدى من لحظة وصولهم بأن هناك شيئًا غامضًا يصيب حفيده الصغير، والآن تأكدت شكوكه حينما وجده يقف برفقتها ويتحدثان عن شيءٍ، اقترب منهما ليتسلل لمسمعه قولها: أنا هحتفظ بالرسمة دي مع الهدية اللي أخدتها منك قبل كده.
واستكملت بطفولية ومازالت عينيها تراقب رسمته: عندي فضول أشوف باقي رسوماتك.

ابتسم وهو يخبرها: أنتي شوفتي جوه جزء من رسوماتي، لو حصل وجيتي هنا تاني هجمعلك الرسومات القديمة بس هي مكنتش ألطف حاجة.
تملكها الحماس وسألته بفضول ولهفة: هو أنت تعرف ترسمني؟
ارتبك وهو يحاول إخفاء أمر لوحته السرية، ومع ذلك قال بتوترٍ غريبٍ: الفنان لما عينه بتشوف حاجه حلوة بيحاول ينفذها، وأكيد هيجي اليوم اللي أرسمك.

برق ياسين بعينيه بصدمة مما يستمع إليه، لوهلةٍ ظنه شابًا يافعًا لا يتعدى عمره الخامسة والعشرون، هم بالاقتراب منهما حتى بات يقف نصب عينه، لعق الصغير شفتيه بارتباك وهو يجاهد بقول: ده جدو اللي كلمتك عنه المرة اللي فاتت.
مفاجآة أخرى أضافها في لائحته، فسحب عسليته المسلطة على حفيده واتجهت لمرين، ليردد بحبورٍ: ويا ترى بقا قولتلها عني أيه؟

ابتسمت مرين وهي تجيبه: اداني تذكار خاص بحضرتك، لاني هديته سلاح مميز وخاص بأنكل رحيم.
زوى حاجبيه بدهشةٍ خلقت لأجله بتلك اللحظةٍ، فراقب ملامح حفيده الذي ود لو انشقت الأرض وابتلعته من فرط الحرج، هز ياسين رأسه وهو يهمس ببسمةٍ ساخرة: عظيم!
ومرر يده بين خصلات شعر ياسين البنية وهو يسترسل: في حوارات كتيرة هتجمعنا، خد مرين تحت عن والدتها ميصحش تكون هنا لوحدها.

أومأ برأسه وهبطا معًا للأسفل ومازالت عسليته تراقبه بغموضٍ وبسمة تتسلل بخفةٍ على شفتيه.

درس رحيم وعدي جوانب المهمة جيدًا، فأتقن دورهما باجتيازٍ، وسرعان ما اندمج معهم الجوكر موضحًا خطورة تلك المهمة وحساسيتها من كافة النواحي، خاصة بأنها تمس العرب بشكلٍ كبيرٍ، لذا ولأول مرة يتحدى ثلاثة من أكفئ الظباط لحل تلك المعضلة، اتفقوا على المخططات اللازمة استعدادًا للسفر بشكلٍ سري مخيف، لا يعلم ثلاثتهم بأن لتلك المهمة آثرًا سيستكمله أولادهم الثلاثة حتى تكون نهاية للشر ولعصرٍ لن يصدق أحدٌ وجوده في ذلك الزمان، وما يجن العقل بأنه اصطنع من دهاء البشر، عتاولة الشر ستجتمع ومحاربيها لا يستهان بهم، اليوم ذاته الذي اجتمع به الجوكر والوحش والاسطورة هو نفسه بداية لصداقة وعلاقة حب ستهز أرجاء المملكتين، مملكة آل الجارحي ومملكة عائلة زيدان، وهي نفسها لحظة نشوب الشر برحم الشيطان!

شرًا لم يسبق له مثيل، وواجب سيخوضه شرطة المخابرات للقضاء على تلك العصبةٍ التي لم يسبق للعقل البشري تصديقه، ولا لشرطة محاربته، ولكل فيلم ساد به شروره، أبطال قوتهم كافيلة برضخه عن موضعه، ولكن ماذا لو وُلد من بين الشر بذرةٍ خير تكافح للخلاص؟!
(أشباح المخابرات. ).

انتهت المقابلة بينهم واستعدوا للرحيل، فكان عدي ورحمة أول من قام بوداعهم للسيارة، وما أن ابتعدت كليًا عن مرمي القصر حتى رددت رحمة بشرودٍ بطيف الطريق الخاوي: رحيم ده شكله مخيف وله هيبة كبيرة، للحظة شكيت إن اللي جاي يزورنا وزير الداخلية أو شخصية مهمة جدًا!
واسترسلت ببعض الارتباك: شكله مرعب رغم إن ملامحه مش وحشة أبدًا!

زم عدي شفتيه بحيرة من عدم فهم ما تود زوجته قوله، فعادت لتشير إليه بوضوحٍ: يعني ياسين الجارحي مخيف بهييبته وحضوره لكن كشكل هو مش وحش، يعني أنا فاكرة اما إتعرفت على العيلة هنا اترعبت منه بس بعد كده لقيت مفيش أطيب من قلبه، صاحبك ده نفس الشيء!

منحها ابتسامة هادئة، وهو يراقب تأثرها بشخص رحيم زيدان الذي مازال يرهب من حوله بلقائه، بالرغم من ذوقه الرفيع بالتعامل مع من حوله، فضمها إليه وهو يخبرها: رحيم طباعه صارمة وحازمة شوية، تحسيه شبه الانسان الآلي، بس لما تعاشريه هتلاقيه شخص عظيم زي ياسين الجارحي تمامًا زي ما وصفتيه!

ابتعدت عنه ومازالت تواصل أسئلتها بفضولٍ غريب: بس شخصية صعبة زي دي إزاي أشجان مراته بتتعامل معاه، أنا لما اتعرفت عليها لقيتها طيبة جدًا وشكلها مسالم بتتعامل ازاي مع الوحش ده!
تعالت ضحكاته الرجولية دون توقف، وصاح من بينها: في أيه يا رحمة، أنتي ليه محسساني إنه مصاص دماء!

وطوفها بذراعه وهو يخطو بها للتراس مستطردًا: رحيم ومراته بينهم قصة حب اسطورية زي ما بيقولوا، بيحبوا بعض من الطفولة يعني خوفك مالوش مبرر، لإنك متعرفيش حاجة عن الاسطورة وشجن!
رمشت بعينيها بفضولٍ، اتبع صوتها المتحمس: لا احكيلي.
ابتسم وهو يشير إليها: نطلع وهحكيلك.

اختبئ خلف الستائر الباهظة بالطابق السفلي يتابع رحيلها باهتمامٍ، وملامح حزينة للغاية، لا يعلم لما يغلبه عاطفته الغريبة تلك، وكأنه يفترق عن شخصٍ يقربه ويجمعه به صلة قرابة، تجهمت معالمه مع اختفاء شبح السيارة الضخمة، فأغلق النافذة وأعاد الستائر والتفت ليغادر، تخشب الفتى محله بتوترٍ حينما وجد ياسين الجارحي قبالة عينيه يراقبه بثباتٍ كان قاتل لمن ينتظر حديثه، صمته كان إنتظار لبوحه عما يخفيه مثلما اعتاد، فقال بحرجٍ: أنا آسف إني فرطت في المجسم اللي هدتني بيه وإني خبيت على حضرتك الموضوع.

واقترب منه قليلًا وهو يتابع بدهشةٍ: أنا مكنتش هفرط فيه بس هي ادتني هدية غالية جدًا مكنش ينفع أقبلها بدون ما أديها شيء قيم مش حضرتك اللي علمتني ده!
أشار ياسين بيده بالاقتراب، فاقترب منه ليجده يبتسم وهو يردد بمكرٍ: متحاولش تتخابث عليا وتفكرني بوجهات نظري، لإني واثق إن مش ده السبب الأساسي اللي خلاك تفرط في شيء جبتهولك.

وتابع بصوته الرخيم: في شيء بيدور جوه دماغ حفيدي اللي مازال واقف يلف ويدور على أستاذه!
وابتسم بتهكمٍ وهو يضيف: هتتبع نفس طريقة أبوك وتعاندني ولا هترجع عن طريقه وتختار طريقك بنفسك، ونرجع أصدقاء زي ما كنا.
حك أنفه بتفكيرٍ وصمت طال لدقيقةٍ، ثم قال على استحياءٍ: أنا إني غلط أقول الكلام ده، بس أنا مبحبش ألعب مع حد، لإني معمريش لقيت حد يشاركني فكري وطريقتي، البنت دي شبههي أوي وميولها كمان شبههي.

وتابع بحيرةٍ: حتى لما اتعرفت على زين من شوية ولقيت إنه ممكن يكون صديقي مازلت مشدود ليها!
انزوى حاجييه بسخطٍ لما يستمع إليه من حفيده الذي لا يكاد يصل لمنتصف بطنه، ومع ذلك يتحدث بما يفوقه عمرًا، التقط نفسًا مطولًا وهو يحاول السيطرة على ثباته الثقيل، وقال: ياسين أنت لسه صغير على الكلام ده كله، علاقتك بيها هتكون صداقة طيب وبعدين؟

واسترسل ببعض الحدة: لا دينك ولا تربيتك تسمحلك بأن يكون في شيء يجمعكم أبدًا، وبعرفك من صغرك الكلام ده عشان تحطه حلقة في ودانك، عمر ما في صداقة تجمع البنت بالولد ولا أي علاقة تانية غير الارتباط الرسمي، الجواز.
وربت بيده على خده بحنانٍ: كل ده بعيد عنك تمامًا، طريقك لسه طويل أوي، قدامك أول خطوة دراستك، تاني خطوة تحقق حلمك وتكون زي ما أنت حابب.

وغمز بعسليته المهلكة وهو يتابع بمشاكسةٍ لم يسبق له التحلي بها: بعدها لو فضلت لسه في دماغك ومجدش جديد أوعدك أنا بنفسي اللي هخطبهالك، وبلاش تقول لحد ليفكرني بشجعك على الجواز وأنت لسه في العمر ده!
تعالت ضحكات الصغير الذي اندث داخل أحضانه بحبٍ واحترامًا لجده وصديقه المقرب!

بغرفة عدي.
عملت جاهدة على الحاسوب لأكثر من ساعةٍ كاملة، واتجهت للشرفة تراقب الضوء النافذ من غرفة المكتب، وحينما وجدته مازال مضيئًا، اتجهت رحمة للفراش وحركت عدي بهدوءٍ وهي تناديه على استحياءٍ: عدي، نمت!
فتح عسليته بانزعاجٍ، وهو يحاول البحث عن صوتها، فاستقام بجلسته وهو يردد ببعض الخوف: بتتوحمي على مانجا تاني ولا على أيه المرادي؟ اتحفيني.

كبتت ضحكاتها بصعوبةٍ، وقالت بحرجٍ: لا مش عايزة حاجه أنا تمام، بس كنت عايزاك تنزل معايا تحت في المكتب.
بدأ بالافاقة، وسألها بجدية: ليه؟!
أشارت على حاسوبها وهي تخبره: عمي مكلفني بصفقة تانية ومحتاجة أتكلم في كام نقطة مع ياسين، هو تحت في المكتب وأنا مكسوفة أنزله لوحدي، خاصة إن الوقت إتاخر أوي، انزل معايا معلش.
زوى حاجبيه وهو يردد بغضبٍ: على أساس إني مش هعرف أفيدك!

سيطرت على ضحكة كادت بالانقلات منها، وقالت بوضوحٍ: ياسين وأحمد أكتر خبرة منك يا عدي.
وحينما وجدته يكاد ينقلب بتحول قتامة عينيه أسرعت تردد: وأنت في مجال شغاك باشا، لكل مهمة بطلها يا وحش!
تعالت ضحكاته وهو يرى غمزة عينيها المشاكسة، فنهض عن فراشه وهو يبحث عن قميصه، جذبته رحمة وألقته إليه وهي تخبره ببسمةٍ مشرقة: اتفضل يا باشا.

وكأنها طفلة صغيرة تحاول أن تميل والدها للخروج للتنزه، عاونته رحمة على ارتداء قميصه، وجذبت حاسوبها ولحقت به للأسفل.
طرق عدي باب المكتب قبل أن يدلف للداخل، فوجده مازال يعمل بالأسفل ومن أمامه كوب من القهوة، ضيق ياسين عينيه وتساءل باستغرابٍ: عدي، أنت لسه صاحي؟
تثاءب بشكلٍ ملحوظ وهي يجيبه على مضضٍ: كنت نايم والله يا ابني بس هنعمل أيه، في ناس مجتهدة لازم تذل منافس ناس ملهاش في الليلة دي من أولها.

لم يستوعب حديثه الا حينما دنت منه رحمة، فجلست قبالته على المقعد المقابل لمكتبه، ووضعت الحاسوب من أمامه وهي تخبره بخجلٍ: معلش يا ياسين عايزة أستفسر منك عن حاجه في ملف الصفقة الجديدة.
أغلق ياسين حاسوبه، وهو يقابلها ببسمة هادئة: أوي أوي، اتفضلي.
تثاءب عدي مجددًا وأشار إليهما وهو يتجه للأريكة المقابلة إليهما بنهاية الغرفة، هاتفًا بنومٍ: خدوا راحتكم، أنا هريح هنا شوية.

عرضت رحمة من أمامه معضلتها الوحيدة بعد دراسة الملف، فلم يمل من شرح بعض النقاط الهامة إليها حتى بات أمرها الشاق هين للغاية، شكرته رحمة كثيرًا، ومازالت تراه الأفضل بين الشباب بادارة المقر، ابتسم ياسين وهو يخبرها: حقيقي متوقعتش إنك هتباشري شغلك معانا حتى في رمضان وبالنشاط ده.
وتابع مازحًا: شوية كمان وعمي هيستغنى عننا كلنا، مكانتنا بقت في خطر.
ابتسمت ورددت: لا طبعًا احنا بنتعلم منكم والله.

قاطعهما ولوج يحيى الصغير حاملًا بين يده شقيقته الرضيعة الباكية، تعجب ياسين من رؤيتها بين ذراعيه فهم إليه وهو يتساءل بحيرةٍ: واخد ملاك على فين يا بحيى؟
أجابه الصغير بحزنٍ: مامي مصدعة ونايمة تعبانه لقيت ملاك بتعيط ومش راضية تسكت فقولت أتماشى بيها وبردو لسه زعلانه يا بابي ومش راضية تسكت!
حملها عنه ياسين بضحكة هادئة، فألقى عليها نظرة متفحصة ثم همس لابنه الذي قهقه عاليًا: طبيعي لإنها عملاها!

وعاد ليهمس إليه مجددًا: هنضطر نصحي مامي تغيرلها البامبرز.
نهضت رحمة عن مقعدها، فوضعت الحاسوب بيد يحيى وحملت الصغيرة عن ياسين بحنانٍ وهي تخبره: لا مدام تعبانه سبوها نايمة أنا هغيرلها.
وطبعت قبلة خافتة على جبين الصغيرة، ذات الوجه الملائكي، فما أن غادرت للأعلى حتى اتجه ياسين بالحاسوب لعدي الذي بدى له يغفو بعمقٍ، فحركه وهو يناديه: عدي أنت نمت؟
فجأه برده وعينيه تغفو: لا صاحي، سيب اللاب عندك واخلع أنت.

ردد بدهشةٍ: أخلع فين، أنت في المكتب!
فتح عينيه بانزعاجٍ بدى بحدقتيه، فجذب الحاسوب عنه واتجه للخارج وهو يصيح بسخطٍ أضحك ياسين الذي لحق به: هو الواحد مش عارف ينام جوه البيت ده، وفيها أيه لو نمت في أوضة المكتب هقع في المحظورات!
رد عليه وهو يلحق به: هتعتبر مطرود وده لا يليق بسمعتك يا وحش!
منحه نظرة ساخطة فكبت ياسين ضحكاته وهو يردد: آسف!

انقضى اليوم مثل المعتاد عليهم، وانتهى بجلوس الجميع على طاولة الطعام يترقبون انطلاق آذان المغرب، وحينما فرغوا من طعامهم اجتمع الشباب بالأعلى للانتهاء من العمل العالق على كهلهم.
خلاص كده يا أحمد، أنا ظبطت كل حاجة وواقفة على توقيع عمي ياسين.

كلماتٍ هدر بها رائد وهو يغلق حاسوبه، فاكتفى أحمد بإشارة صغيرة من رأسه، ثم التفت برأسه تجاه معتز متسائلًا بفضولٍ: وأنت يا معتز عملت أيه في العرض اللي حضروه البنات للمناقصة.
أجابه وهو يلتهم أحد قطع (القطايف): عملين عرض عظمة بصراحة أنا خايف إن عمي يستغنى عننا، البنات ثابتين نفسهم وبزيادة.
ضحك ياسين وردد ساخرًا: هما لسه هيثبتوا نفسهم! ما خلاص بقوا بيناطحونا الراس بالراس!

شاركه أحمد بجاذبية ابتسامته، مضيفًا: عندك حق. فاضل إنهم يستلموا ادارة المقر بدالنا!
مال برأسه تجاه الصالون فوجد مازن وأخيه مازالوا بصراع اللعب على جهاز (البلايستيشن)، فتمدد على الأريكة بتعبٍ ثم تساءل: أمال فين جاسم؟
لاحت على وجه معتز ابتسامة خبيثة، فأسرع باجابته: بيحب تحت في مراتك.
انتفض بجلسته جراء نطقه لتلك الكلمة الخطيرة، فعاد ليتساءل: بتقول أيه أنت؟

حدجه ياسين نظرة مشككة لحالة ادراكه، فقال باستهزاءٍ: أنت فاقد الذاكرة ولا أيه يا أحمد. جاسم يبقى أخوها يا حبيبي.
نهض عن الأريكة ثم اتجه للاسفل وهو يصيح بانفعالٍ: سيب توازن العلاقات دي للضرورة!
همس رائد بسخطٍ وهو يراقبه يهرع للاسفل والشرار يتطاير من عينيه: هو الصيام تقريبًا قصر مع الكل حتى أحمد الطيب!
بالأسفل.

كان يتابع التلفاز بتركيزٍ، ويده تعبث بخصلات شعر شقيقته المستندة برأسها على قدميه، فجذب طبق الفشار الشاخن ثم بدأ بإلتهامه وهو يتابع الأحداث باهتمامٍ، حانت منه نظرة جانبية تجاهه فوجدها تضم يدها اليها بانزعاجٍ، خلع جاسم عنه جاكيته ثم داثرها به بحنانٍ، فلاحت على شفتيها بسمة هادئة لشعورها بالدفءٍ، انحنى تجاهها ثم طبع قبلة على جبينها، وحينما استقام بجلسته انخطف لونه من مجابهة تلك النظرات الحادة التي تخترقه، سحب نفسًا مطولًا قبل أن ينفثه بضيقٍ: فزعتني يا أحمد!

وزع نظراته المشتعلة بينه وبين زوجته التي تحتضن جاكيته، فاقترب منه وهو يشير اليه: قوم عايزك.
ردد باستغرابٍ: دلوقتي!
صاح بعصبية بالغة: قولتلك قوم.
حمل رأس شقيقته عن قدميه ثم وضعه على الوسادة الصغيرة، وانتصب بوقفته أمامه، آن منه أحمد وهو يحرك رقبته يسارًا ويمينًا محاولًا السيطرة على انفعالاته، فقال بصوتٍ يخادع هدوء زائف: آآ، أنت بتعمل أيه هنا؟

رغم غرابة سؤاله الا أنه أجابه: مفيش بشوف المسلسل اللي بتابعه.
وضع يده ليميل عليها برقبته ومازال يتحلى برزانته: وأنت معندكش شاشة بجناحك!
ضيق عينيه وتساءل بدهشةٍ: مالك يا أحمد. فيك أيه؟
اصطكت أسنانه ببعضها البعض وراح يهدر بضيق: أنت كنت بتعمل أيه من شوية؟
حك أنفه وهو يحاول تذكر ما يقصده، فقال: أنا مش فاهمك. وده غريب عنك لانك صريح وواضح!

تحرر عن ثباته، فجذبه من تلباب قميصه ثم صاح بغضب: كل ما حد بيتخطى حدوده معايا يقولي أصلك طيب وصريح وواضح، طيب بما أني واضح هقولهولك بوضوح تام لو لمحتك بتقرب لآسيل تاني هشنقك في نجفة القصر يا جاسم.
برق بعينيه في صدمة. ، ففشل بكبت ضحكاته ومع ذلك هز رأسه بتفهم: حاضر هتبرى منها!
ترك القميص عن يده ثم هندمه بيده وهو يشير له: كده تعجبني.

وتطلع تجاهها ثم عاد ليحدجه بغضب بعدما جذب حجابها ليخفي شعرها المحاط لخصرها: سايبها من غير حجاب ليه افرض حد نزل.
مازال يكبت ضحكاته، فقال بصعوبة الحديث: كلكم بتشتغلوا فوق ومحدش تحت فقولت اسيبها تنام براحتها. وأكيد لو حد نازل هيعمل أي صوت زي ما اتعودنا. بس أنت اللي فزعتني بصراحة نازل شبه الاشباح!

تجاهل حديثه وجذب جاكيته ثم القاه بوجهه وهو يردد بغدافيةٍ رغم برودة نبرته: داليا أولى بيه. مراتي حضني يدفيها.
وحملها عن الأريكة ثم صعد بها للاعلى ومازال يحدجه بنظرة جعلت الاخير ينهار من الضحك ومازال لا يستوعب ماذا أصاب أعقل شابًا بنسل الجارحي!

بالخارج.
اجتمع عز ورعد وحمزة وآدهم يحيون أمجادهم بالحديث عن شبابهم، فتفاخر عز بما كان يصنع مرددًا: هو كان في حد زيي ولا في شقاوتي، أنا كنت واد حريف!
لوى حمزة فمه بسخطٍ: الله يرحم لما كان بيتزل للمزة من دول عشان ياخد رقم تليفونها!
ضحك رعد وردد: دي مش ذكريات شقاوة دي ذكريات منيلة بنيلة، ولو حد سمعها البيت هيتخرب بعد السنين دي، اتلموا وسيبوا حاجة متدكنة.

ابتسم آدهم وقال بمشاكسة: مين ده اللي بيتكلم الله يرحم البنات اللي كانت بتتحدف عليا يا عم المغرور.
علي التفاخر وجهه وهو يهمس بصوت خافت: آه والله زمن.
وتابع بمزحٍ: محتاج بنت من دول دلوقتي تجددلي شبابي اللي بقى في ذمة الله!
عبث عز بمعالمه: سلمت نمر بدري كده إخس!
لكزه بغضب: مش الوقاحة اللي في دماغك دي، أنت متنفعش تصوم معانا رمضان ده أنت إبليس متبري منك!
صاح بهما آدهم: الشباب جوه يسمعونا.

ردد حمزة مدعيًا صرامته بالحديث: سبهم يا آدهم مهما مش محترمين وجودي ولا عاملين ليا أي احترام!
واسترسل بحدة وهو يطرق على الطاولة فسقطت أكواب العصائر من فوق أقدامهم: في نظام لازم يتحط هنا حتى لو كنتوا في أواخر أيامكم!
متخفش يا حمزة يا حبيبي النظام ده هيشملك أنت كمان وهيحتويك أحلى احتواء!
ابتلع ريقه برعب وهي يردد بصوت يكاد مسموع: الصوت ده مش غريب عليا، تقريبًا صوت تالين!

ارتعبت نظراتهم حينما وجدوا زوجاتهم تحيط بهم، فلفت دينا ذراعها حول رقبة زوجها الجالس على المقعد، ورددت من بين اصطكاك أسنانها: عايز واحدة ترجعلك شبابك يا رعودة وأنا موجودة!
نفى باصبعه ورأسه، فجذبت الكوب المسكوب وهي تقربه منه صارخة بصوتٍ خرج الشباب فور سماعه: أنا هرجعلك أيامك والذي مضى بس اديني فرصتي!

ابتلع عز ريقه برعبٍ حينما وجد يارا تجلس على المقعد المجاور إليه بعدما ركض حمزة تجاه أحمد الذي يقترب منهم ليعلم ماذا هناك، فصاحت به: أيام الشقاوة ها؟!
بينما لطمت شذا الطاولة أرضًا وهي تصرخ: بقى انتوا قاعدين تفكروا بالمنكر بدل ما ترتبوا لحياة أولادكم.
وتابعت تالين وهي تركض خلف زوجها: ده انتوا عندكم أحفاد قربوا يبقوا طولكم يا منحرفين!

وقف أحمد مصدومًا مما يحدث أمامه، وخاصة حينما تمسك به حمزة ليسلطه بوجه والدته التي تصيح بغضب: أبعد يا أحمد من وشي.
شدد حمزة من التمسك به وهو يؤمره: ولد أوعى تتحرك من هنا، سامع!
أتى الشباب بأكملهم للخارج، فتساءل حازم وهو يلقي بقايا التسالي عن فمه أرضًا: عملت أيه يا ميزو، شكلك لعبت بديلك في رمضان! يا راجل مكنت تستنى لبعد العيد وإحنا ننحرف سوا!
لكزه أحمد وهو يصيح بانفعال: غور من هنا يا حيوان، وقتك ده!

وأبعد يد تالين عن أبيه وهو يردد: ماما من فضلك مينفعش كده، خلينا نتكلم طيب.
صاحت بحدة: أحمد مالكش دعوة بالخناقة دي، ثم انك مش شبهه ولا شبه أخوك يبقى متقفش في صفهم وتخسرني!
كبت عمر ضحكاته بصعوبة وتدخل قائلًا: طيب فهمونا أيه اللي حصل؟
أضاف رائد وهو يحاول ابعاد الكوب عن وجه أبيه: ماما من فضلك كفايا!
صرخت بانفعال: اسكت انت ما أنت على طول واقف في صف أبوك وسايبه قاعد يحب وينوي على الخيانة وفي رمضان!

سحب رائد نظراته لرعد وهمس بخفوت: في رمضان يا بابا في رمضان!
أجابه وهو يحاول ابعاد الكوب عن وجهه: الكلام أخد بعضه والله العظيم.
ردد جاسم بسخطٍ: الحمد لله انهم قفشوكم والا كان شوية ونجبكم من الكباريهات ولا شقق مفروشة.
صاح آدهم به: اخرس يا عديم التربية.
لكزته شذا بغضب: بلاش أنت يا متربي.

نجح معتز بالفصل بين أبيه ووالدته مرددًا بإرهاق وأنفاس لاهثة: افتكريله أي لحظات حلوة في حياتكم، يا يويو ده زيزو اللي مقطع الدنيا حب فيكي نسيتي ولا أيه؟
رددت بسخط: لما يحكيلي عن أيام الشقاوة دي أبقى أفتكرله العدل!
همس مازن بصوت مسموع للجميع: عيلة تشل!
ركله عز بقدميه وهو يصرخ بعنف: ده بدل ما تيجي تحجز عن نسيبك واقف تعر في العيلة يا منحط، أنا هطلق بنتي منك وفي أسرع وقت!

جحظت عينيه صدمة فاندفع ليخلصه تمامًا وهو يصيح: لا يا طنط مسمحلكيش تتكلمي عن عمي بالشكل ده، هو كان بيلعب بديله زمان بس قطعه.
سحبه عز إليه بعنفوان: ديل أيه يا حيوان. تصدق اني كنت صح في قراري.
جذبه عمر للخلف وهو يحذره: متتدخلش انت بتطين الدنيا أكتر.

صرخ حمزة صرخة مداوية جعلتهم يتابعونه باهتمام، بعدما ألقت تالين مقعد السباحة فوق رأسه فاهدر بعصبية بالغة: كده طيب كلنا لينا ماضي ومزز وخروجات وسهرات بيضة وحمرة والسيدهات معايا!

جحظت أعين الزوجات وارتعب الشباب مما سيحدث هنا، فاحتدت المعركة بينهم، حتى باتت تشتعل أمام سيارة ياسين الجارحي فهبط من بابها والباب الآخر هبط عدي بعد أن انتهى من مشواره الهام برفقة أبيه وعمه يحيى الذي هبط من مقدمة السيارة يهمس بصدمةٍ: أيه اللي بيحصل هنا ده!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة