قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية لا تؤذوني في عائشة ج2 للكاتبة فاطمة عبد المنعم الفصل السابع والثلاثون

رواية لا تؤذوني في عائشة ج2 للكاتبة فاطمة عبد المنعم الفصل السابع والثلاثون

رواية لا تؤذوني في عائشة ج2 للكاتبة فاطمة عبد المنعم الفصل السابع والثلاثون

طائر اتخذ من السماء مأوى تسكن فيها روحه وتتشبث بها أحلامه، اعتبر نفسه قطعة منها فأحبته فصار التأكيد أنها هي الاخرى قطعة منه لا تنفصل عنه مهما حدث، أحبها وعشقته تعطيه السلام، علمته أن لجناحيه فائدة، لم يحلق سوى في فضائها لذلك أصبح أسيرها وأسيرته وهو الذي ظن أنه حر طليق ولكنه اكتشف أنه أمام أميرته ليس إلا مكبل، مكبل بقيود الحب.

حل المساء وذهب بريق الشمس إلى مكان اخر ليتربع في السماء لمعان النجوم، توقفت السيارة ببسنت أمام منزل حامي فنظرت في هاتفها للتأكد من الموقع الذي أرسلته عائشة لها حينما بلغتها أنها تود المجيء، تيقنت أن الموقع صحيح وقالت للسائق: شكرا.
نزلت بهدوء من سيارة الأجرة، فسيارتها معطلة قبل أن تتوجه ناحية الحرس وجدت من ينادي عليها من الخلف.

استدارت لتنكمش ملامحها باستغراب حين عرفت هوية المنادي، فهو صديق شقيقها حسام، نطقت بتعحب: أحمد؟، ايه اللي جابك هنا؟
وضح لها بقوله: لا أنا كنت في الكافيه هنا وشوفتك وانتِ نازلة من الأوبر.
هزت رأسها بهدوء لتقول منهية الحوار: طيب تمام، مبسوطة اني شوفتك.
اتت لترحل فقطع رحيلها نطقه لاسمها مجددا فاستدارت تقول بمزاح: ايه يا احمد انت بتجرب الإسم ولا ايه؟

أخذ شهيقا واسعا قبل أن ينطق بكل ما لديه دون نقصان: بسنت أنا عايز اتجوزك، وكلمت أخوكِ قال هياخد رأيك ونفضلي، وروحت للحاج وهدان قالي اقنع حسام الأول يسيب الست اللي عايز يتجوزها وانا اجوزهالك، وعمالين يشقطوني لبعض فانا قولت بصراحة اكلمك انتِ.
ضحكت ساخرة وهي تنطق: لا ما شاء الله على الثقة يعني أبويا قالك اعمل كذا وهجوزهالك على أساس اني بقرة بقى مليش رأي.
ضحك وهو يكرر كلمتها: أحلى بقرة.
أردفت بحدة: نعم!

نطق بغيظ متابعا: احنا مش في حصة عربي خلصي بقى موافقة ولا؟
مطت شفتيها بتفكير في طريقة مناسبة لصرفه بها حتى توصلت إليها فقالت بابتسامة واسعة: بص يا أحمد، انت ما شاء الله دكتور شاطر وشايل بلاوي حسام كلها.
أكد لها مردفا بصدق: اه والله لما جاب سارة دي شقته وكان مغمى عليها أنا اللي جيت شوفتها، شوفتي بقى أنا مميز ازاي.

تابعت بنفس ضحكتها الواسعة: طبعا طبعا، حد يقدر يقول غير كده، وكمان مؤدب وجدع وبص كل حاجة حلوة، بس أنا مبحبكش.
خفت بريق الأمل في عينيه فشعرت بالندم وهي تتابع: انت زعلت صح؟
أخرج ذفيرا يائسا وهو يردد بصدق: ابقى كذاب لو قولتلك مزعلتش، بس دي حياتك ومش هقولك اديني فرصة والكلام ده لأنك لو عايزة تديهاني هتعملي ده بنفسك.

ابتسمت باطمئنان لتفهمه الموقف فقالت ما لم يتوقعه: عارف يا احمد أنا طول عمري شايفاك شخص سئيل، وغتت ومش بطيقك.
نطق باستنكار: اجبلك ولاعة بقى وجركن بنزين حلو كده وولعي فيا بالمرة.
قاطعته تتابع بحماس: اسمع بس، ده كان زمان لكن بعد تفهمك لموقفي ده انت بجد شهم وجدع، واتمنى تقابل واحدة زيك وتستاهلك.

ابتسم بود مختتما: شكرا يا بسنت، وحتى لو رفضتي أنا مش ندمان اني جيت كلمتك، لأن حتى لو مش هينفع نكون مع بعض نظرتك اتغيرت عني.
حركت رأسها موافقة على كلماته بضحكة صادقة وودعته قائلة: طب عن اذنك بقى. هطلع أنا.
وافق بابتسامة هادئة فرحلت في صمت وقلبها ما بين نارين فحدثتها نفسها بغضب: انتِ شوفتي انه شخص كويس، ليه تحرميه من فرصة واحدة بس ومدية فرصك كلها لواحد معندوش دم.

وبخت تفكيرها تقول بحسم: أنا بحب مروان، أي فرصة ليه هبقى بظلمه.
تقدمت حتى تصعد فمنعها الحارس قالت بأدب: أنا دكتورة بسنت، مدام عائشة قالت انها سايبة خبر اني اطلع.
قال الحارس بآلية: و الباشا دلوقتي قال محدش يطلع.

أخرجت هاتفها وهي تود أن تلكم من يقف أمامها في وجهه، أجرت اتصال هاتفي بحامي فلم تجد إجابة، أعادت الكرة مرة والثانية والثالثة حتى أتتها الإجابة فأردفت مسرعة: هو وقت ما تحتاجني يبقى نفذي يا بسنت، أي غلط هقتلك يا بسنت، وعلشان انا عايزة خدمة بقى دلوقتي مش عارفة اشوف الباشا، الحرس بتوعك مش راضيين يطلعوني.

شعرت من نبرته الجامدة بأن هناك خطب ما، أمرها أن تعطي هاتفها للحارس وبعد دقيقة أعاد لها الحارس الهاتف ناطقا بأدب: اتفضلي اطلعي.
رفعت رأسها بثقة كمن انتصر وتقدمت نحو الداخل بخطوات تتسائل هل حدث شيء؟
وصلت إلى الباب واحتارت بين البوابتين المتقابلتين، فتح حامي باب الشقة الخاصة ب عمر و يحيي وأردف بنبرة لم تفهمها: ادخلي.
انكمشت ملامحها باستغراب فسألت: هو في حاجة؟

ظهرت عائشة من خلف حامي فاطمأنت بسنت نوعا ما، تركهم حامي فأسرعت بسنت خلف عائشة تسألها بحيرة: هو جوزك ماله، انا خفت منه، هو انا مش اتصلت بيكي وقولتيلي انه بيوصل على الساعة 7، مقولتليش ليه انه بيوصل ويدور على حد ياكله، وبعدين فين بقية الناس؟
جلست عائشة على الأريكة تقول بتوتر: لا هما في الشقة اللي قدامنا، دي شقة عمر ويحيي بس هما مش هنا.

استطاعت بسنت سماع صوت إحداهن تبكي فهبت من مكانها تقول وقد طفح الكيل: في ايه يا عائشة، انا سامعة صوت حد بيعيط هنا.
أجلستها عائشة مجددا وقالت بهدوء حاولت اكتسابه: أنا هفهمك، بسنت انتِ وحسام علاقتكم بمروان عاملة ازاي؟
رددت بسنت باستنكار: مروان!، تقصدي مروان ابن خالتنا، هو علاقتنا بيه انه ابن خالتنا، هو ضايق حامي تاني؟، ولا هو لسه شايل منه، قوليله خلاص بقى هو مش أبويا خلاه اعتذرله يومها في نص الفرح.

مطت عائشة شفتيها وغرزت أصابعها في كفها تبحث عن مخرج أو سؤال مختصر يقطع عليها الطريق فأردفت مجددا: قوليلي يا بسنت هو أخلاقه عاملة ازاي، زي أخلاق حسام كده.
ضحكت بسنت ساخرة وهي تقول بتهكم: أخلاق ايه!، بصي هو طيب بس مفيش أدب خالص بتاع بنات يعني، أنا لولا ان المهزق قلبي بيحبه كنت ولعت فيه.
صاحت عائشة برفض: بتحبيه!، انتِ بنفسك بتقولي معندهوش أخلاق.

ضحكت بسنت بدهشة وهي تقول: اتخضيتي كده ليه هو أنا بقول هتجوزه دلوقتي، بقولك بحبه ربنا يهديه بقى.
خرج حامي من أحد الغرف وتبعته الفتاة التي اقتحمت منزله منذ قليل، رمقتها بسنت باستغراب وهمست لعائشة: هي مين دي؟
قال حامي للفتاة الواقفة بلهجة آمرة: سمعي دكتورة بسنت اللي سمعتيهولي.

قبضت عائشة على كف بسنت فاحتضنته بسنت فلقد تمزق قلبها فعليا من القلق وقبل أن تسأل عن أي شيء بدأت الفتاة السرد بغل: أنا واحدة بتبيع مناديل في الإشارة، شوفت اكتر من واحد في الإشارة بيتكلموا مع البنات اللي سنها صغير بصنعة لطافة وبعد كده البنات دي فص وملح وداب، فقولت لازم اعرف مين دول وبيعملوا ايه لحد ما لاقيت واحد من الرجالة اللي بشوفهم كل مرة وسألت ايه الحوار بدل ما اعملهم فضيحة، قالي انه بيشغلهم ويكسب فيهم ثواب بدل وقفة الشارع دي ولما سألته بيشغلهم ايه قال في خدمة البيوت، الحوار مدخلش دماغي بس قولت اخليني معاه للآخر فقولتله اني عايزة اشوف البنات اللي كانوا هنا في الإشارة واختفوا، ولو عجبني الوضع يشغلني انا كمان وافق ساعتها وخدني معاه حتة شبه مقطوعة لقيت البنات دول ومعاها بنات تانية كمان معرفهاش قاعدين في أوضة حتى الحيوانات تقرف تقعد فيها وأول ما دخلني ليهم لقيته قفل الباب بالمفتاح من برا علينا، قفشت الحوار من أوله طبعا البنات في الأوضة نصهم خايف والنص التاني قاعد يعيط ومش منظر ناس جاية تشتغل خالص. عملت خناقة وزعقت خرجني وداني لواحد اسمه عدنان.

Flash Back
دخل الرجل وبيده فتاة ما يبدو على معالمها الشراسة وزادت شراستها والرجل يقول: البت دي عاملة قلق جوا يا عدنان باشا.
استقام عدنان واقفا ورمقها بابتسامة صفراء قائلا: خير.
نطقت الفتاة بحدة وقد ارتفع صوتها: أنا مش عايزة الشغل بتاعكم انا عايزة امشي من هنا، يعني ايه ماينفعش امشي هو انا محبوسة هنا!، هو انتوا ايه بالظبط طب انا جاية بمزاجي على انه شغل انما اللي بيعيطوا جوا دول ايه انت خاطفهم؟

زادت ضحكة عدنان وهو يقترب منها ليحكم قبضته على مرفقها ناطقا بشر: عدنان انا عدنان...
دفعها فسقطت على الأرضية صارخة وخصوصا حين مال عليها بعيونه التي لا تحمل سوى الحقد: لو عايزة تعيشي تدخلي جوا ومسمعش حسك تاني، سامعة يا بت.
ارتعدت أوصالها وأوشكت دموعها على السقوط وهي تسمع قوله الملتوي: خدها وديها ولو عملت قلق تاني هاتهالي علشان تتعلم الأدب.
جذبها الرجل متوجها بها ناحية الداخل مرة ثانية
Back.

كانت بسنت تتابع الحوار باهتمام وعائشة أيضا التي شعرت بالغثيان اثر ما تسمعه فتابعت الفتاة: بعدها اتصاحبت على الراجل اللي معاه مفتاح الأوضة، وقولت هخليه يأمنلي مرة على مرة واعرف اتصرف واخد منه المفتاح، لحد ما في ليلة شرب كتير وقررته على اللي فيها، عرفت منه انهم بيلموا البنات دول علشان يسفروهم برا مصر و يبيعوهم لرجالة كبيرة برا، شغل دعارة يعني، ولما سألته بتسفروهم ازاي قالي في ظابط اسمه مروان بيجي ينقي البنات اللي هتسافر وهو اللي بيساعد في سفرهم برا البلد.

شهقت بسنت بعنف وهي تحرك رأسها بإنكار غير مصدقة ترجت عيونها عائشة أن تقول لها أن هذا كذب ولكن حالة عائشة لم تكن أفضل منها، ربتت عائشة على كتفها وتابعت الفتاة بحقد على مروان: تاني يوم جه القذر اللي اسمه مروان ده ودخل عندنا يختار البنات، بنت فيهم عملت دوشة وكانت صغيرة خدها وخرج ومرجعتش تاني، تاني يوم لما روحت اقابل الراجل اللي بيوقفوه على الباب وسألته عليها قالي انها ماتت، مقدرتش استحمل انا كنت المرة اللي قبل دي لما قابلته لمحته بيشيل المفتاح فين، روحت شايلة الإزازة اللي قدامه عملت نفسي هصب منها وكسرتها على دماغه وجريت دورت على المفتاح وقبل ما افتح الباب للبنات كان في حارس كمان واقف على البوابة من برا فمكنتش هعرف اخرج البنات منها لكن كان في باب بيخرج على الشارع في الأوضة اللي بقابل فيها الكلب ده، روحت فتحت لهم الباب بالراحة وخرجوا ورايا لحد ما طلعنا على اول الشارع، كنت هروح ابلغ بس معرفش حتى اساميهم كاملة ايه وأكيد هما بعد هروبنا كانوا هيولعوا في المكان وهطلع كدابة واتمسك انا، بعد ما خدتهم ومشينا فضلت يومين عمالة ألف في الشوارع وساحبة البنات دي ورايا لأن معظمهم صغير واخاف يحصلهم حاجة تاني، لحد ما راجل بواب عمارة غلبان صعبت عليه فجابلي أكل أنا وهما، اتصدمت لما لاقيت مروان داخل العمارة دي انا لا يمكن انسى شكله انا كنت حفظاه كويس، خدت البنات وخرجت بيهم برا استنى قبل ما امشي الراجل ادانا فلوس، الفلوس دي هي اللي نفعتني علشان لقيت مروان خارج وراكب عربية مع واحد خدت تاكسي وطلعت وراه، بعدها لقيته طلع عندك هنا، خدت البنات قعدتهم عند ست فاتحة محل بعد شارعين من هنا وقولت هرجعله وهطلع اجرجره على القسم والمكان مليان ناس ومش هيعرف يعملي حاجة، بس عقبال ما رجعت ملقتش العربية اللي جه بيها، كان مشي، فضلت قاعدة مستنية اليوم بطوله انه يرجع تاني مرجعش، روحت راحة جايبة البنات خلتهم عملوا خناقة مع الحرس تحت والحرس اتشغلوا بيهم واتسحبت ودخلت من غير ما حد يحس كنت ناوية اطلع اعمل فضيحة وخصوصا ان مبقاش في حد قدامي يعرفه غير صاحب البيت ده، المهم بعد ما دخلت ملقتش حد في الدور الأول تحت فعرفت انكم اكيد في التاني بما ان البيت دورين طلعت لقيت شقتين قصاد بعض خبطت على واحدة محدش رد لحد ما خبطت على الشقة اللي فتحتلي منها المدام.

حلت حالة من الصدمة على بسنت فقدت النطق فأصبحت غير قادرة على التفوه بأي شيء، فقط دموعها الساخنة تنزل بهدوء وعيونها التي امتلكها الإنكار حتى طفا على سطحها.
احتضنتها عائشة لم تكن مشفقة عليها فقط بل هي أيضا تعاني مما سمعت.
أخذ حامي الفتاة وخرج من المنزل نظرت عائشة فوجدته ينزل للأسفل وهي خلفه، سمعت صوت بسنت الذي خرج بصعوبة: هاتيلي ماية.

هزت رأسها سريعا بحزن وهرولت إلى المطبخ تحضر لها كوب من المياه، لم تحاول عائشة وضع الكوب في يد بسنت فهي ترى رعشة كفها، وضعت عائشة الكوب على فم بسنت حتى تيقنت من ارتوائها فأنزلته من على فمها وهي تسألها بحنان: اجبلك تاني؟

هزت رأسها نافية فجلست عائشة جوارها وأردفت بحزن: طلعي اللي جواكي يا بسنت متسكتيش، متعيطيش من غير صوت وتفضلي حابسة في قلبك، احنا ربنا خلق العياط لينا راحة علشان نقدر نخرج كل اللي جوانا.

هنا لم تستطع فتعالت شهقاتها وصوت نحيبها الذي كاد أن يصل إلى الصراخ وهي تقول بوجع من وسط البكاء: عارفة يا عائشة، أنا مش زعلانة عليه أنا بس مقهورة ان في شخص قادر يكون مقرف كده، انا عمري ما اتصورت ان اللي اتحكالي ده بيحصل في الحقيقة، واحد زي مروان عنده كل حاجة اي حد يتمناها حتى شغله مكانش بمجهوده وكان بواسطة من أبوه ليه يختار انه يبقى حقير كده، أنا ندمانه على كل ثانية حبيته فيها، أنا زعلانة أوي بس على نفسي وعلى البنات دي.

قطع حديثهم دخول حامي مجددا ولكن هذه المرة وحده بدون الفتاة فسألت بسنت وهي تمسح دموعها: البنت راحت فين؟
لم يحبها بل جلس على الأريكة المقابلة لهما، نظرات مظلمة جامدة تعلمها عائشة جيدا، تظهر حين يحترق داخليا ولكن خارجه جبل لا يُظهر أي شيء.
قطع صمتهم سؤاله الذي جاء مباغت وكانت نبرته شديدة الخطورة وهو يقول لبسنت: مروان يستاهل ايه؟

أخذت بسنت نفس عميق ولم تتراجع وهي تقول بغل صدر من قلب متألم: الحرق، تابعت بنبرة خائفة مهتزة: ولو حسام ليه ايد في الموضوع ده أبويا مش هيتردد لحظة انه يقتلهم هما الاتنين، بس أنا متأكدة ان حسام ملوش دعوة بقذارة مروان، حسام طول عمره معترض على مروان.
نظر حامي لعائشة قائلا: خدي بسنت وروحي الشقة التانية.

لم تعترض بسنت فحالتها الوهنة لن تساعدها على أي شيء سوى النوم، هزت عائشة رأسها بموافقة وأخذتها متوجهة بها ناحية الشقة المقابلة، مرت عدة دقائق وجدها حامي بعدها تعود إليه من جديد، كان مغلقا عينيه فتحها حين شعر بلمسة يدها الدافئة على كفه، احتضنتها زيتونيتاه بتوهان وكأنه ضل الطريق، أدركت شعوره فأرشدته للطريق ببسمتها الحانية وقولها: أنا عارفة انه صعب، بس انا عارفة انك حامي وانت والصعب مبتتحطوش في جملة واحدة، انت بتكسر الصعب، عارف انا متطمنة ان كل ده هيخلص علشان انت موجود.

وضعت كفها على قلبه متابعة بعيون لمعت بالصدق: طول ما ده بيدق طول ما انا متطمنة، عايزاك تعرف ان القلب ده بتحبه قلوب كتير اوي وكلهم مستعدين يدفعوا حياتهم في مقابل لحظة من لحظات الأمان اللي بتديها ليهم، أنا بحبك بس...
قاطعها هو حين احتضنها فاحتوتها يداه، يغلق عليها ليس تملك ولكن خوف من ضياع الطريق تابع كلماتها التي قطعها: درب الهوى صعب، والحب مهالك.

وأنا مستعد أعيش أي مهالك في مقابل لحظة دفا معاكِ ومع كل اللي بحبهم، حتى لو حياتي كلها كده انا مستحمل ده علشان انتوا فيها، انا قبل كده كنت واحد عايش لنفسي كنت باعد نفسي عن الكل علشان ما اتوجعش، لحد ما جيتي انتِ شوفتِ كل عيوبي وعيشتيها وبرضو لقيت ايدك متبتبة في ايدي ومش عايزة تسيب، عرفت ان القرب مش وجع وان حتى لو حبك ده هلاك أنا راضي بيه، زي ما رجعتي دلوقتي علشان حسيتي بتعبي أنا هفضل حياتي كلها ألف وأرجعلك علشان عمري ما هحس غير معاكِ وليكِ.

قبضت على يده تبثه وجودها ويبثها انه آمن به، شمس وقمر قال الجميع ان اجتماع النقيضان مستحيل بلا شك.
ولكن كان الأمر مختلف هنا فلقد اجتمع النقيضان وما جمعهما هو الحب.
علي يخت رضوان، تحرك علي بهدوء بجوار سالي مردفا بنبرة منخفضة: أنا هدور تحت، وانتِ دوري هنا.
حركت رأسها بموافقة ولكنها نطقت برجاء: بس خليك جنبي بالله عليك.
طمأنها وهو ينزل إلى أسفل بقوله: متخافيش، وانتِ معاكِ الصاعق صح؟

هزت رأسها بإيجاب فتحرك يكمل طريقة وبدأت هي في البحث بكثب في كل مكان تقع عليه عيناها، بعد فترة من البحث تأففت بضجر لعدم حصولها على شيء، ذهبت ناحية أريكة ونظرت أسفلها مالت على الأرضية واستندت بيدها على الأريكة فشعرت بأن شيء ما يهتز تحت يدها، ارتفعت مسرعة تنظر إلى الأريكة بتفحص وضعت يدها مجددا تتيقن مما شعرت به فأحست بالفعل بهزة خفيفة في الأريكة حركت المكان الذي شعرت فيه ببطيء للخلف فلم يحدث شيء حركته مجددا بقوة أكثر حتى استنفذت قواها فوجدت هذا المكان من الأريكة يتراجع للخلف وكأنه درج فأردفت بصدمة: يابن اللذين!

وقعت عيناها على الشيء المراد فجذبته مسرعة، وضعت الأوراق التي وجدتها أمامها وفتحت كاميرا الهاتف الذي أعطاه لها علي، تقوم بتصوير هذه الأوراق بوضوح تام، فرت الأوراق ورقة تتبعها الآخرى حتى انتهت منهم كليا أعادت الأوراق مكانها، فوجدت أيضا كيس أزرق صغير يشبه تلك العلب التي يوضع بداخلها الهدايا، فتحته لتجد بداخله خاتم رجالي من الفضة به قطعة سوداء من المنتصف، أردفت بتردد: طب انا اخد ده ولا لا؟

حسمت أمرها وهي تضعه في ملابسها قائلة: هو قالِ أي حاجة تلاقيها هاتي نسخة منها ده هاخد نسخة منه ازاي بقى، أغلقت الكيس ولكن فارغ ووضعته في مكانه مجددا ووضعت الأوراق أيضا بنفس الطريقة التي وجدتها بيها، وأعادت غلق المكان فأخذت تسحب بقوة حتى تم الغلق.

هنا استطاعت التقاط أنفاسها، ولكن حل مالم تتوقعه فلقد شعرت بحركة وكأن أحدهم يتوجه إلى اليخت فنزلت مسرعة تهرول إلى أسفل تبحث عن علي وجدته في غرفة ما فأردفت بهمس: أبوك برا، هنعمل ايه يا علي.
كانت تقول كلماتها بارتعاد وهي تنظر حولها وتتخيل رضوان يقتحم الغرفة الآن، أغلق على الأضاءة مسرعا وجذبها من يدها وهو يحثها: انزلي تحت السرير بسرعة!
أردفت باستنكار: تحت سرير ايه ده اللي انزل تحته.

دفعها على بعنف يحثها ينظراته الحادة ففعلت مثلما طلب منها ولحق هو بها ليصبحا أسفل الفراش وعيونهم فقط هي التي تتفحص الخارج فهمست سالي بغيظ: الله يسامحه أبويا هو السبب في الوقعة السودة دي ما هو لو مكانش راجل يحب الفلوس أد عينيه مكانش ده حصلِ.
رمقها على بضجر مردفا بحدة: ينفع تسكتي دلوقتي وتبقي تتحسبني على أبوكِ وأهلك كلهم بعدين.

شعرا بأقدام تتوجه للغرفة فنظرت له بخوف وبث له هو رسالة بعينيه بأن تطمئن ولكن الحقيقة أن القلق كان هو العامل الأساسي لدى كل منهما.
كانت دنيا جالسة بجوار الشرفة وقد جلس جوارها نيرة وزينة والصغيرة و كريم، كل منهم على مقعد وجلست هنا تجوارها صوفيا على الفراش فسألت نيرة: ماما هو حامي ودى البنت فين؟، والبنت دي مين؟

رفعت صوفيا كتفيها ومطت شفتيها بعدم معرفة، فوكزت نيرة شقيقتها قائلة: طب اسألي انتِ بسنت هتبات عندنا وكانت بتعيط ليه؟، علشان انا حفظوني خلاص.
هتفت زينة بحماس: مامي يا قلبي.
رمقتها صوفيا باستغراب فقالت زينة بابتسامة واسعة: أعملك شاي؟
عزت صوفيا رأسها بنفي قائلة بحنان: لا شكرا يا حبيبتي.
قهوة طيب؟
تنهدت صوفيا وحاولت عدم الانفعال وهي تقول: يا حبيبتي مش عايزة.

هتفت زينة أخيرا بحماس: يبقى نسكافيه أنا عارفة انك بتحبيه.
صاحت صوفيا بضجر: الله في ايه، ما قولت مش عايزة.
قالت الصغيرة وهي تشرح لزينة: كده غلط يا زينة، نيرة قالتلك تسألي طنط بسنت بتعيط ليه مش تسأليها تشرب ايه، بس أنا ممكن اشرب هوت شوكليت.
قال كريم بحماس: وانا كمان بحبه
رفع كفه وهو يقول بضحك: have five
ضربت الصغيرة كفها بكفه بمرح، فضحكت نيرة وهي تقول: دنيا يلا have five احنا كمان.

وجدت نيرة دنيا تنظر من النافذة بضحكة غير مصدقة فانكمش حاجبي نيرة وهي تقول لزينة: الضحكة دي انا عارفاها.
توجها الاثنان معا حتى يعرفوا ما تنظر له فوجدوا شاب في مقتبل العمر يقف في الأسفل ويشير لها بضحكة واسعة، كانت يده محاطة بالجبيرة الطبية.
أردفت نيرة بحدة: مين ده يا دنيا، وبتضحكيله كمان افرضي طلع واحد من الشارع قليل الأدب.
صححت لها دنيا وهي لم تحد بنظرها عنه: لا ده عمار.

قالت زينة باستنكار: ايه عمار يعني مش فاهمة؟، وبعدين ده متكسر.
أردفت الصغيرة بتأكيد وهي تنظر من النافذة بعد أن جلست على قدم زينة: أكيد كان بيعمل كده مع بنت تانية وباباها ضربه.
قالت نيرة للواقف في الأسفل يتواصل مع دنيا: هش، هش من هنا يلا بدل ما انده الحرس اخليهم يكسروا بقية جسمك.
أشار عمار على نفسه متصنعا عدم الفهم وهو يقول بضحكة ساخرة: بتكلميني انا؟

اقتربت هنا ودفعتهن الأربعة للداخل مردفة بحدة: خشي يابت انتِ وهي جوا.
دلفن إلى الداخل بانكماش وأغلقت هنا النافذة وهي ترمق الواقف في الخارج بسخط، جلسن الفتيات جوار صوفيا وكريم فأردفت بتشفي: أحسن.
أردف كريم بحماس: كمليلي يا طنط القصة اللي كنتِ بتحكيها.
قالت برفض: لا كفاية كده تعبت، هبقى اخلي حامي يشتريلك الكتاب بتاعها تقرأها انت.

اقترب منها كريم بحزن وعلى حين غرة أخذ يدغدغها مردفا بإلحاح: هتكمليها ولا لا.
ارتفعت ضحكات صوفيا واندهشت نيرة وهي تضحك قائلة بحب: الله ما انتِ ضحكتك صوتها حلو اهو ولا احنا لازم نزغزغك، طب يلا هجوم عليها يا جماعة.
دغدغتها زينة هي الآخرى قائلة بضحك: تعالي بقى.
اجتمعن جميعا حولها فارتفعت الضحكات وخفت حالة التوتر التي سادت في المنزل بقهقهاتهم المرحة والتي أضافت للمنزل رونق خاص فكسته البهجة.
بعد عدة ساعات.

كانت إحدى القاعات مزينة بطريقة مبالغة، تراصت الطاولات بطريقة منظمة، وبدأ الحضور في التوافد، كان بديع يتابع كل خطوة في حفلته حتى لا يحدث أي خطأ، هذه الحفلة هامة للغاية إنها خطوة هامة حتى يلمع اسمه في عالم رجال الأعمال من جديد وأيضا لإضافة بعض أمواله في مشاريع الدولة الاقتصادية حتى يكون بعيدا تماما عن الشبهات، فغسيل الأموال وسيلة ممتازة.

ويجب أن يتم كل شيء بدقة، حتى رضوان ونادر تم دعوتهم للحفل هو أمام الجميع بديع الصياد.
عدل من سترته فبعد قليل سيرحب بالمدعوين إلى الحفل، صعد إلى المسرح ليبدأ في كلمته وقد توجهت عليه عدسات المصورين وهو يقول: برحب بالجميع.

استرسل في الحديث ولكن انقطع عن الكلام فجأة وتوقفت عيناه على الداخلين من البوابة، ليجد حامي العمري بهيبته الطاغية وقد قدم معه عمر، و يحيي، أشار صحفي واقف لزميلته قائلا بحماس: بصي. بصي مين هناك.
هرولا معا ناحية حامي ومن معه توجهت العدسات ناحيته وقد لفت الأنظار بحلته السوداء وجاذبيته القادمة من حضوره الطاغي قبل ملامحه، والتقط المصورون أيضا صور لمن معه والذين لمع نجمهم أيضا فتوجهت الأسئلة لهم.

رسم حامي ابتسامة رسمية وهو يحاول الخروج من بينهم مردفا بدبلوماسية: نسمع ترحيب صاحب الحفلة الأول وبعد كده تقدروا تصوروا يا شباب.
غمز حامي لبديع وأشار له بيديه بضحكة ماكرة، توجه هو و عمر و يحيي إلى طاولة ما في الأمام وجلسوا عليها فالتقط عمر كوب الماء وقال قبل أن يرفعه على فمه بضحكة متشفية: بديع مش عارف يقول كلمتين على بعض من ساعة ما دخلنا.
نطق يحيي بسخرية من بديع: أصل العفريت ظهر.

تصنع حامي أنه مهتم بكلمة بديع وهو يقول لهم: أي اسئلة الصحافة تسئلها تردوا ردود مختصرة والأفضل تخرجوا من غير ما يلاحظوا ومتردوش خالص.
دخلت الحفل إحداهن بفستان أسود مرصع ببعض القطع اللامعة، وأحمر شفاه لافت للنظر، وتركت العنان لخصلاتها المتوسطة الطول، كانت تعرف طريقها جيدا ناحية طاولة حامي ومن معه.

لم يبد والدها اندهاشه من حضورها حتى لا يلفت الأنظار مجددا أثناء كلمته، جذبت ميرال مقعد على طاولة حامي وأردفت بضحك: لن أقول سررت بوجودكم فالحضور أجمع لفتم أنظاره.
نظر ثلاثتهم لبعضهم فنطقت بغنج واضح: كيف حالك سيد حامي؟
ابتسم حامي أثناء قوله الذي أخفى ابتسامتها: أفضل بكثير من حالك في تلك الغرفة المظلمة هل تتذكريها ميرال؟

تنهدت بغضب ولكن لم يبد غضبها في حديثها بل وضعت كفها على كتف عمر قائلة: أعرف سيد حامي، وسيد يحيي ولكن لم تسنح لي الفرصة للتعرف الجيد عليك.
أزال عمر يدها ناظرا لها بحدة: لا تفعلي هذا مجددا.
مطت شفتيها بأسف مرددة: من الواضح أنِ غير مرحب بي.
ألقت قنبلتها قائلة بهمس وعيونها تواجه عيون حامي: لدي ما يهمك، أنا على أهبة الاستعداد لتقديم خدماتي.
أردف عمر بضحكة ساخرة وهو ينظر لها: أي خدمات؟

رمقته بحالمية تردف بغنجها السابق: مرحب جدا بالسؤال منك.
عادت لنبرتها الجادة تقول بما لا يحمل النقاش: جميع أموال والدي تحول إلى حسابي، وتذكرة طيران ذهاب بلا عودة يتم تأميني حتى الوصول لخارج البلاد وبعدها افعل ما شئت بما سأعطيه لك.

لمعت الثقة في زيتونيتي حامي وهو يردف ضاحكا بتهكم: عزيزتي ميرال خدماتك هذه لست في حاجة إليها، حتى وإن كان لديك ما يهمني أستطيع أخذه منكِ بدون أي مقابل، أتتذكرين هذا اليوم في مقر عملي حين سردتِ كل شيء في غرفة العمل المغلقة وظهر الفزع جليا في عيناكِ، لا تنسى أنتِ تعاملي حامي العمري.
ضحك يحيي وهو يقول غامزا لحامي: في الجون.
شاركه عمر وهو يرمقها بضحك: شكلها بقى وحش اوي الصراحة، جبهتها طايرة قدامي اهو.

لم تفهم حديثهم ولكنها متيقنة أنها سخرية منها فضحكت محركة رأسها وهي تلقي قنبلتها: حسنا سأشارككم الضحك، ولكن اعتقد أن خطأي السابق لن يتكرر مجددا...
صمتت ثوان واختتمت وهي ترفع رأسها بثقة: واعتقد أيضا أنكم ستتشبثوا بي في هذه الطاولة إذا علمت أن جزء من معلوماتي هو أن أبي مجرد واجهة.

توجهت أنظار حامي لها فتابعت بضحكة ماكرة مختتمة: بديع الصياد صورة ظاهرة لصورة اخرى مخفية في الظلام، الحلقة قبل الأخيرة في حلقات الدائرة هو أبي.
ألف سؤال يطرح نفسه هنا لقد ألقت بجملة واحدة الملايين من الاستفسارات بينما في نفس التوقيت
تحدث الصحفي لزميلته بخيبة: شوفتِ حامي العمري دخل هو واللي معاه معرفناش نتكلم معاهم كلمة.
ضحكت الفتاة بسخرية وهي تلوح بكاميرتها الخاصة: اتكلم عن نفسك.

أظهرت أمامه في لوحة الكاميرا صورة لميرال تضع يدها على كتف عمر وآخرى ينظر فيها عمر لها ضاحكا لتقول الفتاة بضحكة منتصرة: لحظات رومانسية على طاولة حامي العمري، كفاية بس اسم حامي العمري يتحط وشوف الفرقعة.
رمقها زميلها منبهرا من قدرتها على تصويرهم في الخفاء وهو يقول بعدم تصديق أثناء رؤيته لرحيلها من أمامه: يابنت الإيه.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة