قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية لا تؤذوني في عائشة ج2 للكاتبة فاطمة عبد المنعم الفصل الثامن والثلاثون

رواية لا تؤذوني في عائشة ج2 للكاتبة فاطمة عبد المنعم الفصل الثامن والثلاثون

رواية لا تؤذوني في عائشة ج2 للكاتبة فاطمة عبد المنعم الفصل الثامن والثلاثون

اشتقت والشوق لمن هم مثلي عذابهُ أبدي.
أحببت والحب قد كان محرمًا حتى في بلدي.
بلد الظلام والقلوب هناك في مستنقعٍ تأوى.
وقلبي الشارد قد حسم أمره وأقسم أن لا مأوى.
حتى أتيتِ فحنث عهده وصرتِ مأواهُ.

كانت ممددة على الفراش تحاول استدعاء النوم لقد أوشك الفجر على الطلوع وهو لم يأت، تغير من وضعية نومها كل دقيقة حتى استقرت إلى احتضان الوسادة والنوم من الداخل، قاطع تقلباتها فتحه لباب الغرفة فرفعت رأسها تطالعه مردفة بنبرة خالطها النوم: ما لسه بدري، كنت بات برا احسن.
خلع سترته وألقاها على المقعد المجاور مردفا بسخرية: كان نفسي.
استقامت له ناطقة بحدة: نعم!، وهو الباشا كان فين؟

ارتسمت ابتسامة على شفتيه وهو يذهب للفراش ليتمدد جوارها حتى لم يستكمل تغيير ملابسه بل مدد جسده ناطقا: أنا تعبان نوم، بطلي رغي بقى علشان انام الساعتين اللي هنامهم.
قبل أن تعارضه بغضب تابع بنفس ابتسامته الباردة وهو مغمض عينيه: ويكون في علمك لو ابنك صحي هتاخديه وتطلعوا برا.
رفعت حاحبها ناطقة بتهكم: دلوقتي بقى ابني، دي اخرتها يا حامي.

حاوطها بيديه محتضنا إياها فلم تعد تستطع التنفس بسهولة فنطقت بضحك مستغيثة: هتخنق اوعى.
ضمها أكثر مرددا بتشفي: كده أحسن علشان ملكة الزن تنام.
ساد السكون حين ارتفع صوت الأذان، انتظرت حتى انتهى الأذان ونطقت منتظرة إجابة ترضيها: أنا هقوم اصلي.
رقص قلبها طربا حين سمعت نبرته الممزوجة بالأمان وهو يغادر الفراش متوجها إلى سترته التي ألقاها منذ قليل ناطقا بنبرة خالطتها السكينة: أنا هنزل اصلي في المسجد.

قفزت من الفراش تقول بفرح وحماس وهي تتوجه إليه: أنا عارفة على فكرة انك بتصلي بقالك فترة، بس أنا كان نفسي تشاركني حاجة زي دي لكن انت حتى معرفتنيش، كمان قولت لصوفيا عايز اصلي معاكي ومصلتش معاها يومها، كنت هتكلم معاك بس هي قالتلي اسيبك وانك هتكون احسن لما تقرب بنفسك من ربنا، أنا مبسوطة اوي، ومش زعلانة منك على فكرة انك مقولتش لأني كنت متأكدة انك هتيجي لحظة تقول، انت عايز يكون قربك من ربنا انت الرقيب الأول عليه ومحدش ينبهك، عايز يكون منبهك نفسك علشان تعرف انك اتغيرت، وأنا محترمة ده، وصوفيا كمان مزعلتش وقالتلي أن لما تحس انك قادر هتصلي بينا كلنا مش بيها هي بس.

احتضنها بابتسامة عاشقة هي تبرهن له كل يوم أنها لم تكن صدفة بل كان قدره المعلق بها، منة الله وهديته التي لا تُعوض، حتى لو أخبروه أن الهلاك فيها لتشبث بها حتى تفيض روحه إلى بارئها.
نطق ويده تمسح على خصلاتها: قريب هيحصل يا وحش.

ابتسمت برضا وهي تطالع زيتونيتيه فبادلها الابتسامة وتحرك مغادرا وهو يشعر براحة نفسية كبيرة فهو منذ ذلك اليوم الذي طلب فيه من والدته أن يصلي معها وهو يداوم على الصلاة في المسجد ويبذل كل استطاعته حتى لا ينتكس مرة ثانية، مشاعر كثيرة تخالطه بين يدي الرحمن ولكن ما يطمئن قلبه أن أول هذه المشاعر هو الأمان.
بعد مدة من الوقت.

كان يقف في ساحة الصلاة، خلف الإمام يأخذ نفسا عميقا ويخرجه بهدوء، هنا يشعر بالأمان ولكن أيضا تلك الرجفة التي تسير في جسده وكأنها تخبره أنه ليس أهل لهذا المكان ولكنه يتغلب عليها بمجرد إقامة الصلاة، بمجرد الوقوف بين يدي الرحمن والانحناء له.

أقام الإمام الصلاة، كان يستمع لآيات الرحيم بحب وكأنها تمسح على فؤاده فتخرج منه كل هم وحزن، حل الركوع الأول فركع وهو يتذكر كل ما أنعم به الله عليه، فرت دموعه فنزلت على سجادة الصلاة، ارتفع من الركوع ليستمع إلى قول الإمام: سمع الله لمن حمده.
رددها بحب مصدقا لكل حرف بها شاكرا الله على عطاياه التي لا تنفذ: ربنا ولك الحمد.

سجد خلف الإمام، حان وقت الدعاء أشد الأوقات قربا لله وضعفا له، قلبه به الكثير والكثير لم يعلم ماذا يقول، يقينه الوحيد أن الله يعلم كل شيء، همس بماحمل ما لم يستطع البوح به: يارب، كنت شريدا فأرشدتني، وكنت ضالا فهديتني، وكنت ممزقا فجمعتني، ويقيني أنك لن تضيعني يا أكرم الأكرمين.

تابع صلاته بنفس الأمان الذي احتله حتى انتهى منها وهو يسلم خلف الإمام، بمجرد الإنتهاء واختتام الصلاة، استدار الشيخ يبحث عنه بعينيه حتى وجده قابع خلفه فابتسم براحة قائلا: حرما.
أردف حامي براحة: جمعا إن شاء الله.
ربت الشيخ على كتفه ناطقا بتأكيد: شوفت بقى انك هترتاح، مش انت أول يوم جيت هنا كنت عايز تمشي وانا قولتلك كمل هترتاح، وشك بيقول انك ارتاحت.

تنهد حامي وابتسم دون حديث، قام من مكانه متوجها إلى الخارج وقبل الرحيل استدار للشيخ يقول بصدق: مرتاح.
تابع طريقه وهو يسمع دعاء الرجل له والذي اخترق قلبه حين نطق: ربنا يجبر قلبك، ويريح بالك يابن الناس.
تابع طريق خروجه وابتسامة مطمئنة ارتسمت على وجهه وأمل بحجم الكون يخبره أن القادم ليس إلا الخير.
كانت سمية تجلس أمام التلفاز تقلب بين محطاته بملل فبديع لم يعد حتى الآن، و ميرال أيضا خرجت ولم ترجع.

قطع شرودها فتح الباب بعنف لتندفع ميرال على الأرضية أمامها وخلفها والدها الذي أردف بغضب مشتعل: ادخلي.
سألت سمية باستنكار: في ايه يا بديع بتزقها كده ليه؟

وقفت ميرال تصيح فيه بهياج قاصدة رفع صوتها: أخرجني منذ الصباح كي أبحث عن عدنان، استهلكت كل طاقتي في البحث عنه لم أجد عدنان وهو المسئول عن ارسال الفتيات اليوم، أجريت أكثر من اتصال بوالدي العزيز لم يجب، علمت من رضوان بحفلته المسائية فذهبت لإخباره، هل تتسائل عن ملابسي أعتقد أنني لن أتقدم إلى الحفلة إلا بملابس تناسبها هل تريد مني الحضور بملابس رسمية حتى يشك الجميع في أمر وجودي.

اقترب منها وهو ينطق بشراسة: وماذا عن جلوسك على طاولة حامي العمري؟
نطقت ببراءة: مصادفة، كانت أقرب طاولة أستطيع من خلالها رؤيتك أثناء الحديث، حاول حامي ومن معه إثارة غضبي أثناء جلوسي معهم ولكن تعاملت مع هذا بكل هدوء.
مر في ذاكرة بديع لمحات حين التفت إلى الطاولة فشاهد ضحكات ثلاثتهم المرتفعة عدا ابنته.

قطعت شروده بنبرتها المتهكمة: هل انتهى التحقيق الآن، افتح تحقيق اخر ابحث فيه عن عدنان الذي اختفى اثره وبالتالي فقدت عملية اليوم، أين الفتيات الواجب سفرهم اليوم؟، لايوجد، أين عدنان؟، لا يوجد، ماذا نفعل؟، تطفيء غضبك في ميرال، أليس كذلك سيد بديع؟، ولكن أنا اتفهم غضبك جيدا أنت تخاف ممن هم فوقك بسبب عدم سفر الفتيات اليوم.
تلميحاتها توحي بأنها تعلم شيء فسألت سمية مسرعة: ماذا تقصدين ميرال؟

كفه الذي دفع وجهها منعها من الإجابة فسقطت على الأرضية ليصتدم وجهها بها، تحرك وكأنها لم تقل شيء تصنع أنه لم يسمعها حتى لا تتمادى إن كانت تعرف شيء، أما هي فجن جنونها فتوجهت ناحية المطبخ وجذبت سكينة فشهقت سمية بعنف وجذبتها تمنعها وهي تتحدث بخوف: ميرال عودي إلى صوابك، ماذا تفعلين.

دفعتها بعنف تصرخ فيها بأن تبتعد عنها وهي تتوجه ناحية والدها الذي ارتفعت ضحكاته الساخرة وهو يقول: هل ستقتلين والدك ميرال؟، تقدمي يا فتاة لماذا توقفتي.
أخذ يضغط عليها بجمله الساخرة وقبل أن تتقدم جذب منها السكين وغرز نصله في كتفها فخرجت منها صرخة عالية مع نظرات سمية الخائفة وصوته المسيطر على الأجواء: احذري ميرال، كلماتك المبهمة هذه بإمكانها إصدار أمر قتلك، وإذا صدر الأمر لن أتردد في قتلك.

لم تتحمل ميرال الألم فتواصل نحيبها بينما تحرك هو إلى غرفته قائلا لسمية بهدوء شديد كأنه لم يفعل شيء: استدعي لها الطبيب.
نظرت سمية في أثره بعدم اندهاش هي تتوقع مثل هذا منه فلقد طالت عشرتها معه، هم أناث اتخذوا مقاعد الشياطين مأوي، ليصبحوا شياطين الأرض.
يا صباح الخير يا اللي معانا، الكروان غنى وصحانا.

والشمس اهي طالعة وضحاها، والطير اهي سارحة في سماها، يلا معاها يلا معاها يا صباح الخير يا اللي معانا يا اللي معانا.
حل الصباح، اتجهن الفتيات إلى غرفة بسنت
دقت عائشة الباب عدة مرات حتى فتحت لها بسنت فاتت نيرة من خلف عائشة تقول ببشاشة: في حد ييصحى قمر كده.
ابتسمت بسنت ابتسامة صغيرة ودخلت زينة أولا إلى الغرفة تقول بحماس: بصي بقى أنا عارفة انك زعلانة فعملتلك حتة بان كيك اوعي تقولي سره لحد.

وضحت نيرة بثقة: ويكون في علمك وانا اللي اشتريت الدقيق اللي هي عملت بيه.
جلست عائشة جوار بسنت التي جلست على الفراش فربتت على كتفها قائلة بتصنع الحزن: لا كده اعيط بقى، ده انا جيبالك نيرة وزينة يعني السيرك القومي كله عندك في الأوضة ومتضحكيش؟
كررت زينة الكلمة بإعجاب: سيرك!، عارفين انا عمري ما روحت سيرك.
قالت نيرة مثل قول شقيقتها وهي تقلب في هاتفها: ولا انا والله، احنا لازم نرو...

قطعت حديثها بشهقة عالية خرجت منها حين قرأت عنوان الخبر على موقع التواصل الاجتماعي: لحظات رومانسية على طاولة حامي العمري.
وتصدر الخبر صورة شقيقها.
اقتربن جميعا حتى بسنت المنهكة والتي قالت بقلق: نيرة في ايه، حصل ايه؟
اتسعت عيونهم حين قرأن عنوان الخبر وهتفت عائشة بغير تصديق: مكتوب لحظات رومانسية صح؟
حركت بسنت رأسها تؤكد بحذر فقالت عائشة: حد يديني بالقلم.

سمعن صباح نيرة الذي أفزعهن بعد أن فتحت الخبر وشاهدت ما به فنطقت مستنكرة: لا ده حد يديني انا بالقلم.
أظهرت صور عمر الموجودة داخل الخبر لهن، إحداهم وميرال تضع يدها على كتفه والاخرى وهو يضحك لها، أغمضت زينة عينيها تتوقع ردة فعل نيرة فنطقت بحذر: نيرة بصي اكيد حاجة غلط.

سمعن صوت دقات الباب الخارجي تبعها صوت: يا جماعة افتحوا انا عمر.
قالت نيرة بشر لشقيقتها: ناوليني الطرحة.
تشبثت بها بسنت قبل أن تتحرك تقول بخوف من نظراتها: قولي والله العظيم ما هقتله.
أخفت عائشة الحجاب فخطفته نيرة وخرجت باندفاع من الغرفة متوجهة إلى البوابة الخارجية، فتحت الباب بايتسامة صفراء فرفع عمر حاجبه باستغراب قائلا وهو يمسح على عنقه: بداية مش مبشرة، ايه الضحكة الصفرا دي يا نيرو.

أفسحت له نيرة الطريق كي يدخل وسألته بنفس الابتسامة: كنت فين امبارح يا عمر.
مط شفتيه وجلس على الأريكة ناطقا ببراءة: كنت مع حامي ويحيي فين المشكلة؟
سألته وقد بدأت لهجتها تحتد: يعني مفيش حد كده ولا كده كان معاكوا؟
هز رأسه نافيا فنطقت بغضب مشتعل: وكمان بتكدب، يعني خاين وكداب.
جذبت الوسادة وكادت أن تقذفه بها ولكنه تفادها مسرعا وهو ينطق بعدم تصديق: في ايه يا مجنونة؟

التقطت الوسادة مجددا ورفعتها وهي تصرخ فيه بشراسة: وهو يحيي بقى يلبس فستان اسود لحد الركبة ويحط خمسة كيلو روج احمر ويقعد يضحك ويحط ايده على كتف الرجالة.
أظهرت الصور أمام وجهه حتى كاد الهاتف أن يخترق عينيه وهي تنطق بغيظ: ايه ده ها؟، وايه ضحكتك دي مبسوط اوي حضرتك؟

أنهت حديثها تصيح مما أفزع جميع من في المنزل: خد دبلتك دي وطلقني، انا عايزة ابقى مطلقة دلوقتي بدل ما ارتكب فيك جريمة وابقى زوجة قتلت زوجها وهعبيك في أكياس سودا يا أبو فساتين سودا لحد الركبة.
خرج حامي وتبعنه الفتيات فقال بضجر وهو يمسح وجهه بنوم: في ايه على الصبح!
قالت نيرة بتأكيد وهي ترمق عمر بغيظ: أنا عايزة اطلق.
جذب عمر الوسادة من يدها وقذفها في وجهها ناطقا بضجر: قوليها تاني وأنا هخنقك بالمخدة دي.

هرولت تحتمي خلف شقيقها وكررتها بإصرار: وكمان ليك عين، طب انا عايزة اطلق تاني.
قذفها بالوسادة مرة ثانية وأصابتها في وجهها وهو يقول: اختك المتخلفة شافت صورتين من حفلة امبارح مفكرني بخونها.
أعطت نيرة الهاتف لحامي تردد باستنكار: انت ازاي مش حاسس بغلطتك، بص يا حامي الباشا.
صمتت فجأة قائلة بتذكر: استنى استنى ده الخبر مكتوب لحظات رومانسية على طاولة حامي العمري، يعني انت كنت قاعد واختك بتتخان.

صرخت عاليا تنادي والدتها فأوقفها حامي بإشارة من يده ناهيا الأمر: على ايه ده كله، عايزة تطلقي انا هخليه يطلقك، طلقها يا عمر.
قاطعته عائشة بغضب: ايه اللي بتقوله ده يا حامي، ده بدل ما تستنى نفهم.
هزت نيرة رأسها بتأكيد ناطقة: اه انا عايزة افهم علشان لما ابقى مطلقة، ابقى مطلقة بكرامتي، معندهاش حد بيتطلق من غير كرامته.
دخل يحيي من الخارج إثر صوتهم مردفا بقلق: في ايه صوتكوا جايب اخر الدنيا.

بمجرد أن دلف قال حامي موجها حديثه له: ميرال عملت ايه امبارح مع عمر يا يحيي؟
شعر يحيي بالحيرة فهمس ل عمر: هو أنا اقول الحقيقة ولا اشتغلهم؟
قول اللي حصل يا يحيي.
خرجت جملة حامي حاسمة ومعها نظرات نيرة الغاضبة التي أكدت ليحيي أن هناك معضلة ما حدثت بينها وبين عمر فنطق يحيي: ميرال دي حطت ايدها على كتفه بس عمر نزل ايدها وزعقلها.
حركت نيرة الصورة التي يضحك فيها عمر هاتفة بتهكم: يا سلام طب ودي؟

هنا فهم يحيي الأمر فاسترسل في الحديث بمهارة: ماهو مزعقش وهو مكشر والجو ده علشان دي حفلة والكاميرات في كل حتة لا ضحك ضحكة صفرا كده اللي هو لو حطيتي ايدك تاني هكسرها، وزعقلها وقالها انا متجوز وبحب مراتي وعمري ما اسمح حد يحط ايده على كتفي غيرها.
نظرت بسنت للأرضية ضاحكة وهي تقول: نيرة بقى شكلها وحش خالص.

أكدت زينة على حديثها في حين رمقت عائشة يحيي بلؤم فهي تعلم أن الكلمات الأخيرة من خياله حتى تشعر نيرة بالذنب.
تقدمت نيرة بخطوات متمهلة من عمر وهي تقول بحرج وعيونها في الأرضية: عمر أنا اسفة.
قبل أن يجيب ارتفعت تنطق باندفاع: بس مهما كان مكانش لازم تسمح أبدا انك تتصور بالطريقة دي.
اتسعت ضحكتها وهي تتابع: يلا اعتذرلي بقى.
جذب عمر وسادة اخرى وضربها في وجهها ناطقا بغيظ: خدي.

قبل أن تنطق ردد حامي بحدة: أنا عايز انام ساعة زي الناس، لو سمعت صوت حد تاني مش هيحصل كويس.
سأل حامي عمر: انت قولتلها ان فرحكم بعد بكرا؟
نطق عمر بتهكم: هو انا لحقت!
رمقنه الفتيات بعدم فهم فقال وهو يدخل إلى الغرفة: مع نفسكوا بقى.
تمدد على فراشه ووضع الوسادة على وجهه هامسا بانفعال: ده انا لو نايم في الشارع مش هيكون كده.
أغلق الإضاءة وغاص في نوم عميق مجددا فصله عما كان فيه منذ قليل.

غرفة تنقبض القلوب من مظهرها، وتفر الأبدان من رائحتها الكريهة، جلس فيها مع اثنين اخرين، فهو منذ أن فشل في اخر ما طلب منه، وأصبحت حالته هكذا، ماذا كان يتمنى، هو اختار وهو يتحمل، سمع رنين هاتفه القديم برقم غريب، فألقى سيجارته وأجاب، ثوان وتعرف على صوت الاخر فقال بضجر: عايز ايه تاني يا باشا، احنا مش فضيناها.

أجابه الطرف الآخر غاضبا: ده بدل ما تشكرني على الفرصة التانية اللي بديهالك؟، المرة دي لو نجحت ونفذت المطلوب هديك 4 مليون، 2 للعملية اللي معرفتش تعملها و 2 لدي.
لمعت عيناه حين سمع المبلغ لينطق بطمع: وايه بقى العملية اللي هيتدفع فيها كل الفلوس دي؟
أجاب الطرف الاخر بحقد: ابن حامي العمري، عايز العيل الصغير.
انقبض فؤاد الشاب هاتفا: انت اتجننت، انا لو اتمسكت في عملية زي دي فيها روحي.

قال المتصل بابتسامة استطاع الشاب الاحساس بها: لما هتاخد نص الفلوس الأول، هتعملها ومش هتتمسك.
اعترض الشاب بسخرية: ده ابن حامي العمري، وعايز تثبتني ب 4 مليون!، اقل من 10 مليون وتخرجني أنا ومراتي وابني برا البلد مش لاعب.
توقع رفض المتصل ولكن سارت رجفة في يده فاهتز الهاتف حين سمع قوله الحاسم: موافق.
دلف رضوان إلى المرحاض بهدوء، ليأخذ حمام دافيء عله يخلصه من تعب اليوم، بمجرد دخوله صرخ عاليا بصدمة: لا، لا.

فوقعت العصا من يده ورمق هو الصورة المعلقة على المرآة بغير تصديق، إنها صورة لمحمد العمري. ولكن تقدم به السن واحتل الشيب لحيته وخصلاته كانت صدمة بالنسبة له رؤية هذا الوجه مجددا، رؤية الوجه الذي هو على يقين تام أنه تخلص منه منذ سنون، والصدمة الأكبر هي الورقة المجاورة للصورة والتي دُوِن فيها: عايز تقابلني، هستناك بس مش لوحدك هتجبهم معاك في العنوان ده (، )، رمق التحذير في اخر الورقة وهو يحرك رأسه بنفي: لو جيت لوحدك مش هتلاقيني، بس لو حابب تتأكد تعالى.

حروف اسمه مدونة في الأسفل، كل حرف فيهم كان بمثابة جمرة من نار تحرق قطعة في رضوان حتى تتيقن أنها قضت عليها وللأبد.
حل المساء بنسماته البديعة.

جلست عائشة بالصغير في النافذة تحاول مراضاته، مطت شفتيها حين وجدته يرتدي سترته فسألت بنبرة حزينة: الصبح في الشغل، ودلوقتي تخرج وترجع الفجر مش كده، جواز ايه ده اللي بعد بكرا ومفيش اساسا اي حاجة جاهزة، لا وكمان بسنت هتقعد لحد ما تحضر الفرح يعني الكلام أكيد، ما تقولي يا حامي انت بتعمل ايه؟، انت رايح فين دلوقتي.
نطق ببساطة: رايح اتخانق.

تأففت بانزعاج مردفة بضجر: طيب مش عاملة قهوة ومتندهش عليا تاني، أنا خارجة.
تحدث بابتسامة واثقة وهو ينظر في المرآة: وأنا لو مش عاوزك تخرجي مش هتخرجي.
محدش يقدر يغصبني.
قالتها بتحدي وهي تتوجه نحو الخارج لتفتح باب الغرفة تخرج منها ولكن توقفت قدماها عن السير حين سمعته يدندن بنبرة عذبة من خلفها:
قولوا لها أنني لازلت أهواها
مهما يطول النوى لا أنسى ذكراها.

استدارت فوجدته في وجهها، رفعت عيناها فقابلت زيتونيتيه وهو يتابع ماسحا على وجنتها:
هي التي علمتني كيف أعشقها
هي التي سقتني شهد ريّاها
روح من الله سواها لنا بشرا
كساها حسنا وجملها وحلاها
رمق صغيره بحب وكأنه يطلب منه إخبارها مختتما غنائه: قولوا لها أنني لازلت أهواها. مهما يطول النوى لا أنسى ذكراها.
سمعته يقول بضحكة ماكرة: محدش غصبك اهو يا وحش، انتِ اللي وقفتي بنفسك، هو في حد يقدر يغصب الوحش برضو.

اختتم كلماته بغمزة من عينيه، فتنهدت عاليا ليخرج أخيرا صوتها وهي تردد باعتراض: على فكرة ده مش أسلوب...
ضحك عاليا وقبل أن يخرج من الغرفة نطق بمكر: الحرب حرفة يا وحش، اتعلم بقى.
اختتم حديثه بقبلة في الهواء تبعها رحيله لتهمس هي لصغيرها ماسحة على وجنتها موضع أصابعه: الحرب مع أبوك محدش بيكسب فيها غيره.

اتسعت ضحكتها وهي ترى ضحكة الصغير وكأنه فهم حديثها وتوجهت به مجددا إلى النافذة لتراقب رحيل من سبب قلبها واستولى على عقلها.
بعد مرور فترة من الوقت
في شارع مظلم شبه خال من المارة إلا من عدد قليل، كان هناك شاب يسير بعدم اتزان ينفث دخان سيجارته وهو يقول ضاحكا: الدماغ دي عالية اوي.

تابع سيره ولكن شعر بحركة غريبة خلفه، استدار فوجد ما أفاقه خلفه، حامي العمري هنا، ألقى سيجارته وهرول بأقصى سرعة لديه وحامي من خلفه، ظل يهرول وينظر خلفه بخوف أن يلحقه بدأ في الاطمئنان قليلا حين ضمن ابتعاده ولكنه تابع هرولته حتى وصل أمام أحد المنازل بعد فترة تأكد فيها من اختفاء حامي كليا، وقف يلتقط أنفاسه ومن أجل أن يطمئن دلف إلى مدخل هذا المنزل يحتمي به، وبمجرد دخوله امتدت قدم عركلته فسقط على الأرضية وأغلق حامي بوابة المنزل فصرخ الشاب بهياج متصنعا الإنكار: انت مين يا عم أنا أعرفك علشان تجري ورايا كده.

مال عليه حامي ناطقا بشراسة أبرزتها عيناه: بقى مش عارفني، وماله نتعرف!
مال عليه وعلى حين غرة أطاح برأسه ناطقا بنبرة بثت الرعب في الماثل أمامه: حامي العمري.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة