قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية لا تؤذوني في عائشة ج2 للكاتبة فاطمة عبد المنعم الفصل الرابع عشر

رواية لا تؤذوني في عائشة ج2 للكاتبة فاطمة عبد المنعم الفصل الرابع عشر

رواية لا تؤذوني في عائشة ج2 للكاتبة فاطمة عبد المنعم الفصل الرابع عشر

سحر الحب أقوى أم سحر الظلام أشد؟!
الحب يعني الأمل والأمل ليس إلا حياة، أما الظلام يعني القسوة والقسوة ماهي إلا موتى بأجساد حية.
الأمل تلك النبتة التي زرعها الله في قلوبنا لتطرح طاقة نواجه بها الحياة، طاقة تجعلنا نقف أمام الصعاب متباهيين أنه مازال لدينا مانقدمه، مازالت سيوفنا مرفوعه و قلوبنا حية وأغصاننا تكسوها الحياة.

إنها ملحمة الحب وحرب الظلام، جيوش تتلاحم وتتصارع ووهن مؤكد يصيب القلوب ولكن رغم ذلك...
يبقى الأمل
أمطار في كل جهة، برق أضاء العتمة، ورعد هز صوته المزرعة، ورياح أخذت تعصف وتطيح بما يقابلها.
وقفت نيرة مع الصغيرة تراقب من النافذة مايحدث بفرحة طفولية قطعها صوت الصغيرة الممتعض: هي بتمطر جامد كده ليه، كده عمو الرخم ده مش هيروح.

مطت نيرة شفتيها بغيظ تتحدث بهمس حتى لا يسمع: أنا مش عارفة هو جاي ناوي على بيات ولا ايه، ده شرب الساقع والسخن واتضرب واتنيلنا شربنا العصير اللي جابه وروحت اخبطله على عائشة و حامي راح حامي مزعقلي ومفتحليش طب وانا مالي يالمبي.
تابعت لينا بغيظ: والنور قطع والجو كمان اتقلب.
قالت لها نيرة بتصحيح: هما كانوا قايلين ان بكرا في عاصفة بس هي شكلها عرفت انه جاي عندنا فقالت تيجي بدري شوية.

لمحت نيرة عمر يسير نحو الداخل حاملا أكواب الشاي الساخنة فهرولت ناحيته تناديه فرمقها بغضب ناطقا: نيرة أنا مش طايق نفسي سيبيني في حالي.
رفعت حاجبها بإستنكار وهي تقول: مالك ياعمر هو انا اللي قولتله يقعد كل ده، المهم دلوقتي هو هيروح ولا لا؟!
تحدث ساخر وهو يشيح بيده: هيروح فين في السيول اللي بره دي، هيبات يااختي.

فكرت نيرة قليلا ثم سريعا ما قالت: طب بص أنا هحاول مع حامي تاني بحيث اخرجه هو وعائشة ونخلي عدنان ده يعتذرله علشان نخفف الجو شوية علشان انا حاسة ان في حرب دموية هتقوم في البيت.
وافقها قائلا: طيب سيبيني اروحله بقى الشاي برد.

تناولت منه الحامل مردفة: لا تعالى شاي ايه، بص عائشة مفتحوش الباب فمشربوش عصير وانا كل العصير اللي في التلاجة خرجتهوله ومفيش حتة ننزل نجيب منها اظن انت شايف فأنا هصبلكم بتاع عائشة وحامي وشوية ابقى خرجله الشاي.
ضرب عمر على رأسه متنهدا بتعب وهو يحاول جلب الصبر مرددا: يارب صبرني يارب.

هرولت نيرة تفرغ عبوات العصير بداخل الأكواب وتضعها على حامل معدني، خرجت إلى عمر وأعطته مابيدها وأخذت الشاي قائلة بتعب: المره الجاية بقى قهوة وابقى قوم اعملها انت علشان انا تعبت خلاص.
تحرك نحو الداخل وعادت هي لتجد زينة قد استيقظت للتو فتحدثت ساخرة: اخيرا فوقتي من الغيبوبة.
فركت زينة عينيها وهي تسألها: هو ايه اللي حصل.
ضحكت نيرة وهي تتابع الأمطار من جديد: الحرب العالمية التالتة اشتغلت هنا من شوية.

في نفس التوقيت
حاولت عائشة الخروج مجددا فمنعها مرددا: لا مش هتخرجي.
ترجته من جديد بنبرة باكية: ياحامي مينفعش كده يقول علينا ايه، وكمان نيرة خبطت وقالت انه عايز يعتذرلك علشان خاطري بس نخرج عشر دقايق ونقوم.
تمدد على الفراش قائلا بإبتسامة باردة: مفيش عشر دقايق هو لو عنده دم كان قام روح من ساعة ماحس انه مش مرحب بيه.
انفعلت صارخة بغيظ: ياحامي افتح الباب بقى حرام عليك، مينفعش العمايل دي.

أغمض عينيه وهو يطلق صغيرا متناغما تبعه بقوله الهامس: انسي.
أخرج حاسوبه ووضعه أمامه ليتابع أعماله بينما ظلت هي على حالتها فلفت انتباهها قائلا: تعالي يا عائشة اوريكي حاجة.
نست ما تفعله واقتربت تجلس جواره مرددة بترجي: علشان منظري بس افتح نخرج نقعد معاه خمس دقايق.
فتح أحد المواقع وهو يقول: هنشوف الموضوع ده بعدين، خلينا في المهم.
ايه؟

صمتا الإثنان حين سمعا صوت صراخ عالي في الخارج فهرولت عائشة نحو البوابة وتبعها هو ليفتحها، اندفعا نحو مصدر الصوت ليجدا عدنان منحني ويده تحاوط معدته يعاني من آلامها متأوها بصراخ وعمر يحاول معرفة ماحل به، سأل حامي زينة الواقفة بذهول عما حدث فمطت شفتيها بعدم معرفة وهي تراقب عدنان بخوف في حين قالت نيرة مسرعة: احنا منعرفش ماله احنا لقيناه فجأه بيصرخ كده من معدته، ده حتى ملحقش ياكل علشان الأكل يكون في حاجه هي اللي عملت فيه كده.

حاول عمر سؤاله: عدنان طب انت كلت حاجه مش مظبوطة ممكن تكون هي اللي عملت فيك كده.
تحدث بألم مميت: معرفش، معرفش.
بدأت جميع الشكوك تعصف برأس حامي فسأل نيرة وهو يرمق أكواب العصير التي لم تنته: العصير ده انتي اللي عاملاه ولا جايباه من برا؟!
آتت لتجاوب فقاطعتها لينا تقول هي: لا العصير ده عمو ده اللي جايبه.

وأشارت على عدنان وهي تتابع مشيرة على كوب عدنان: ودي علبة عيوش اللي بالتوت لما قولتله هاخدها زعق وقالي لا بس اداني واحده تانية بالتوت برضو.
أغمض عدنان عينه بتعب وهو منحني ونهش القلق قلبه فمؤكد سيعرف حامي كل شيء بسبب هذه الكارثة الصغيرة فسبها هامسا: يابنت ال.
تحدثت عائشة هذه المره: طيب عدنان ساعدنا نوديك اقرب مستشفى.

اقترب حامي من عدنان يرمقه بتفحص، تصنع أنه سيساعده وهو يقول: طالما مش قادر تعالى معايا ارتاح جوا لحد ما نطلب الدكتور.
شعروا جميعا بالريبة بينما أخذه حامي إلى الغرفة وأغلقها بقدمه، بمجرد دلوفهما تركه فوقع صارخا بتأوه على الأرضية ومال عليه حامي متحدثا بنبرة شرسة: قولي بقى ياروح امك العصير كان فيه ايه.
تأوه عدنان من آلام معدته وتحدث بتمثيل عدم الفهم: عصير ايه، اطلب دكتور لو هتطلب انا بموت.

حرك حامي رأسه موافقا وهو يقول بضحكة من زواية فمه: هطلبلك دكتور حاضر بس لو طلع كلامي صح والعصير فيه حاجه هدفنك هنا.
انكمش عدنان وتركه حامي على الأرضية يأن رامقا إياه بغضب قبل أن يترك الغرفة ويخرج منها.
التفت الصحافة حول قصر رضوان في انتظار قدوم زوجة ابنه السرية التي وصل لكل منهم خبر بها فآتى هنا حتى يكون المتفرد بالخبر ولكنه وجد جميع زملاؤه على علم.

نزلت سالي من أحد سيارات الأجرة وبمجرد اقترابها من البوابة ورؤية هذا الكم الهائل من الكاميرات تمتمت هامسة: ايه الجيش ده...
لم تكمل جملتها حتى وجدت اندفاعهم نحوها وكل منهم يوجه سؤال لها فقال أحدهم: سمعنا ان رضوان باشا مكانش موافق على اتمام الجوازة لدرجة انه حصل تبادل إطلاق نار بينه وبين ابنه.
لمحت رضوان يخرج من قصره مستندا على عصاه المعدنيه فاابتسمت بمكر وهي تقول: والله انا معرفش...

قطع كلماتها جذب رضوان لها من وسطهم متجها إلى قصره وهو يقول بحده: مش وقته ياجماعه.
طيب حضرتك رد على اسئلتنا.
ممكن تقولنا مين دي؟!
لم يجب عليهم بينما ضحكت سالي وهي تقول بفخر: أنا مراة ابنه ياحبيبتي.

جذبها بعنف حتى استطاع الافلات منهم والدخول إلى ساحة قصره، كسى الذعر قلبها حين دفعها بعنف فكادت أن تسقط واقترب منها رافعا كفه لينزل به على وجهها ولكنه وجد يد ابنه تمنعه فرمقه ساخرا: والله عال، هو انت مش كنت جاي هنا بتعيطلي على البت اللي بتحبها وانا جوزتها، حب ايه بقى وانت مقضيها مع زبالة ابوك ياراجل.
لم يجبه بل التقط مرفق سالي قائلا: سالي مراتي سواء رضيت أو مرضيتش.

ضحك رضوان عاليا وهو يرمقهما بإستنكار قائلا: وعلشان الحلوة رخيصة جابت الصحافة كلها وراها علشان تعرف البلد على المغفل اللي شال الليلة واتجوزها.
ضحك على من زاوية فمه ورمق والده بسخرية وهو ينطق: مابلاش نتكلم على الرخص والعلاقات الشمال علشان انت الصراحة يا والدي تاخد المركز الأول فيها.
ربت رضوان على كتفه وهو ينطق بغل رامقا تلك المذعورة منه بإشمئزاز: أنا مش هرد عليك بس بكرة تعرف ان ابوك كان صح.

دلف رضوان إلى مكتبه، فآتت سالي تتحدث فأصمتها على بنظرته المحذرة واقترب منها محتضننا إياها فشهقت بعنف ممل جعله يهمس: اتصرفي عادي بيراقبنا من ورا الباب.
أتبع ذلك بقوله: وحشتيني ياحبيبتي، تطلعي معايا فوق ولا تتفرجي على المكان؟!
رمقته بحذر حتى نطقت: لا انا هتفرج.
هز رأسه مرددا بلطف: اوكي، هطلع استناكي.

صعد هو إلى الأعلى بينما اقتربت سالي من غرفة مكتب رضوان وفتحته لتجده يقول بغل: اطلعي يازبالة بره، ورجلك متخطيش حته انا فيها.
ابتسمت بمكر وهو تقول بغمزة: ايه ياباشا ابقى عليا ده انا سالي برضو، سالي اللي رميتها...
قطعت حديثها وهي تقول بضحك: ولا مش مهم بلاش كلام في اللي فات، ايه رأيك نفتح صفحة جديدة مع بعض.
موافق.
لم تتوقع هذه الإجابة السريعة فهرولت تستند على سطح مكتبه تردد بعدم تصديق: بجد موافق.

هز رأسه وعينه تلتمع بالجشع: بس اكيد مش هرضى عنك ببلاش كده.
ابتسمت وهي تقول: طلباتك.
ثبت نظراته عليها وهو يقول بحسم: ابن او بنت حامي العمري عايزه قبل حتى ماامه تشوفه.
تسارعت أنفاسها وحاولت أن تخفي ذعرها من الطلب بقولها الذي شابه الارتعاد: موافقة.
وقف الطبيب مع حامي قائلا بهدوء: هو نايم دلوقتي، الألم هيقف متقلقش.
ظهر انزعاجه على وجهه وهو يقول: انشالله عنه ماوقف، أنا عايز اعرف ايه اللي عمله كده يا أمير.

حاول تهدأته فربت على كتفه: طب اهدى بس.
دفع حامي يده صارخا بنفاذ صبر: ما تنطق.
تحدث أمير بتردد: حالة تسمم عادية تقريبا كل أكل مش نضيف ومكنتش تستدعي كل ده بس هو شكل مناعته ضعيفة شوية.
رفع حامي نظراته المظلمة لتحاوط الطبيب، وبمجرد أن انتهى من آخر كلماته حدثه بتهديد: انت عارف عقاب اللي بيفكر مجرد تفكير انه يشتغلني بيكون ايه؟

نطق أمير بإرتباك بان على وجهه وعينيه التي تدور في المكان: وهشتغلك ليه ياحامي، أكيد لو في حاجة هقول.
قطع حديثهم صوت عائشة القلق: لو سمحت يادكتور هو كويس؟!
استدار لها زوجها قائلا بحده ولهجة خلت من الذوق: انتي ايه اللي جابك هنا، اخرجي برا.
نطقت بغضب ورفض لما حدث: لا مش هخرج وكفاية اووي لحد كده الراجل اتهان في بيتنا بما فيه الكفاية.

شعر أمير بتأزم الوضع فقال حتى يخفف من حدة الأجواء: يا مدام اهدي مفيش أي مشكلة، هو بس الباشا قالي انه لسه جاي من سفر، فطبيعي مناعته تكون ضعيفة ويتنقله أي ميكروب يتسبب في ده، أنا اديته مسكنات هيبقى كويس أول مايقوم من النوم بإذن الله.

سمعوه يتأوه بخفوت ووصلت لمسامعهم بوضوح همسته التي نطق فيها اسمها فاشتعلت عين حامي وانصرف أمير مسرعا قبل أن يمسه غضبه بينما قالت هي محاولة تهدأته وهي ترى تحوله هذا: اهدى، واحد بيخرف عادي، بتحصل.
لم ينطق بحرف واحد بل أشار لها على الباب ففهمت مطلبه وفرت هي الآخرى من أمامه مهرولة.
بمجرد أن رأتها لينا استدارت للفتيات تخبرهم: طلعت سليمة مموتهاش.
التقطت نيرة أنفاسها وهي تقول بإرتياح: مفيش ضحايا، الحمد لله.

هتفت زينة بغيظ: نيرة أنا عايزة افهم ايه اللي بيحصل بالظبط.
اقتربت عائشة منهم تردد بإمتنان: أخوكوا اتحول زومبي دلوقتي حالا، الحمد لله اني عرفت اخرج.
لاحظت صمتهم فسألت بعينيها: في ايه؟
نطقت لينا بحماس طفولي: الزومبي وراكي.
استدارت لتراه خلفها فهرولت خلف زينة تحتمي بهم وهي تسألهم هامسة بإستغاثة: هو عمر فين؟!
قبل أن تجبها نيرة بأنه خرج مع الطبيب أسكتها قول شقيقها: مين بقى الزومبي؟

تحدثت زينة بضحكة مرتبكة: حبيبي دي كناية، بتتاخد في العربي.
وضربت عائشة في قدمها: مش صح يا عائشة.
تقدمت عائشة ووقفت أمامه قائلة بدفاع: صح جدا دي كناية عن الغضب.
رفع حاجبه الأيسر ناطقا بغيظ: يعني ميمشيش معاكي انك عايز يتولع فيكي.
هزت رأسها نافية تقول مؤكده بضحكة واسعة: تؤ تؤ كناية عن الغضب أنا متأكدة.
تشبثت الصغيرة به قائله: وحشتني اووي.

ابتسم بحنان ومال عليها يمسح على خصلاتها مردفا بعتاب: ليه مش بتقولي كسرتي النضارات ومبقتيش تحبيني.
أشارت له قائلة: ميل شوية.
مال حتى وصل لمستواها فهمست في أذنه: أنا مكسرتهومش بس انا زعلت منك علشان عيوش ودلوقتي صالحتك خلاص.
اختتمت كلماتها بقبلتها على وجنته فاابتسموا جميعهم على برائتها.
وخاصة وهي تقول: أنا زهقت بقى النور هيفضل قاطع كده كتير.

قالت عائشة: أكيد علشان المطر بس احنا موبايلتنا قربت تخلص شحن وكمان مفيش شمع هنا ولا أي حاجه ننور بيها.
حثهم على السير قائلا: طب تعالوا.
كانت عائشة تسير بجواره فسألته: الانسان بيحط أي حاجه في بيته تحسبا للطواريء اللي زي دي، انت بقى ايه عيشة الأشباح اللي عاملها هنا في المزرعة دي، لما كان النور بيقطع كان ايه بينور.
همس لها: كانت حياة ضلمه فقدت الأمل فيها واللي نورها انتِ.

كانوا قد وصلوا إلى غرفة مغلقة فلم تستطع الرد عليه وخاصة حين قالت نيرة بحماس شابه خوفها: هي ماما جوا صح؟!
نطقت زينة بعدم تصديق وعيون احتلها الفرح: يعني احنا هنقابلها دلوقتي؟!
هز رأسه وهو يشرح لهم: ايوة هتقابلوها، من غير أي اسئلة انت هتعرفوها بنفسكم بس.
وافقن على كلماته فأعاد تنبيهه من جديد وهو يفتح باب الغرفة: محدش يسألها أي حاجة.

بمجرد فتح البوابة هرولن نحو الداخل بينما وقف هو متجمدا في الخارج فشعرت عائشة بالحرب التي تدور بداخله فااحتضنت كفه مردفة بحب: هنواجه صح؟!
أخذت يده ووضعتها على موضع جنينها وهي تقول بعيون صادقة: بص بيتحرك ازاي اول ماايدك لمسته، أشارت على جنينها متابعة: اللي هنا بيحبك اووي.
لقد نجحت بالفعل فحالة جموده تحولت إلى شغف وهو يلامس قطعة منه، تلك النبتة التي زرعها الظلام في رحم النور.

أكملت عائشة ومازالت يدها على كفه: سعات كتير بناخد قرارت مبنكونش دارسين عواقبها كويس، بتكون يأس من اللي اتعرضناله، صوفيا تعبت كتير وانت لازم تسامح، لازم تدي فرصة انسى أي حاجة وافتكر بس انها امك، انسي الضلمة وانسى الخوف حتى حامي العمري انساه وادخلها بالعيل الصغير اللي مشتاق لحضن يطمنه إن كل حاجة هتكون كويسة.
رمقها بعيون دامعة قائلا: انتي حضني.

مسحت على وجهه بكفها ناطقة بحنان: وهي أمك، هتفضل برضو محتاج لحضنها مهما اتحضنت من غيرها.
قبضت على كفه وسارت معه متابعة: يلا ندخل، أنا معاك، انت قولتلي ان الدكتورة قالت انها بتتحسن على العلاج وانها دلوقتي فاكرة معظم الحجات ومحتاجه دعم نفسي منكم علشان تقدر تحكي كل حاجة، أنا متأكده انك مش هتبخل عليها بالدفا اللي بتديهولنا كلنا.

دلف معها إلى الداخل بإستسلام تام ليجدا شقيقتيه يقبضان على والدتهم النائمة وهنا تتحدث بنبرة منخفضة: ياحبايبي مينفعش كده، سيبوها لحد الصبح بس يانيرة.
لم يستمعا لها بل عرفت الدموع في طريقها في عيونهم وجلست كل منهما على جانب من الفراش تحتضن والدتها، مسحت نيرة على وجه النائمة وهي تبكي طالبة العون من شقيقها: أنا مش بحلم صح. هي هنا؟!
جلست الصغيرة بجوار هنا تهمس بخوف: هما بيعيطوا ليه؟!

احتضنتها هنا قائلة بحنان: متخافيش ياليو.
نزلت دموع زينة تبلل وجه والدتها وهي تنادي ببكاء: مامي، وحشتيني اووي.
اقترب منهم شقيقهم هاتفا بحده: امسكي نفسك انتي وهي، انتو كده هتسسبوا ليها في انهيار بلاش تصحى مفزوعة على عياطكم ده.
أسرعت زينة تمسح دموعها خوفا من أي سوء قد يمس والدتها: لا خلاص مش هنعيط، بس هصحيها.

مسحت نيرة على يد والدتها بحنان قائلة بإشتياق لكلمة حرمت منها عمر كامل: ماما، ماما اصحي أنا نيرة.
قبلتها زينة على وجنتها هامسه ببكاء: وأنا زينة، انتي معانا هنا.
لاحظت عائشة بكاء الصغيرة فأدركت أنها خائفة فحملتها من جوار هنا قائلة بحنان: روحي ياليو عند كريم اجري هو نايم، اقعدي معاه وانا شوية وهجيلك.

هزت رأسها رافضة وقد مطت شفتيها بحزن باكية فأخذها حامي من عائشة ومسح على خصلاتها مردفا بحب: كده ليو هتزعلني منها وتعيط زي العيال الهبلة دي، كده مفيش نضارات تاني بقى طلعتي زيهم.
مسحت دموعها مسرعة وهي تقول برفض: لا لا خلاص أنا مش هعيط تاني.
قبلها على وجنتها بحنان وقلبه به الكثير والكثير لها فالأمر أصبح أكثر تعقيدا ربما تكون تلك الصغيرة هي آخر ماتبقى من شقيقة لم يعلم عنها إلا من قريب.

فاق من شروده على سماع صوت والدته تقول بإرتعاد: في ايه؟!
كلماتها أخذته من هنا، نبرة صوتها تبحر به إلى عالم آخر.
اقتربت هنا من صديقة عمرها تقول بحنان: ولادك ياصوفيا جمبك اهم.
رفعت صوفيا عينها لتواجه عين نيرة أولا فصرخت الآخرى ببكاء وهي تحتضنها بإندفاع: اااااه ياماما، عارفة الكلمة دي أنا كان نفسي أقولها ازاي.

أنا كنت بكلمك كل يوم بالليل واقول ياه لو كانت تبقى معايا وسمعاني، بس مش مهم المهم انك هنا دلوقتي وموجودة معايا.
نزلت دموع صوفيا وتمزق قلبها إربا من كلمات ابنتها ومسحت على وجهها قائلة بتخمين دلها عليه فؤادها: انتي نيرة؟!
حركت نيرة رأسها سريعا وهي تقول بإشتياق: ايوة أنا نيرة ياحبيبتي.

شعرت صوفيا بقبلة على باطن كفها فااستدارت لتواجه النسخة المصغرة من عينيها، وكأنها تنظر لعينها في مرآة، نطقت زينة بحب ومشاعر صادقة: أنا زينة.
مسحت والدتها دموعها فقالت زينة مسرعة: أنا مش بعيط علشان زعلانة، أنا بس مش مصدقة انك هنا، مش مصدقة اني بقيت وسط كل اللي بحبهم بعد ماكنت بتمنى بس أخرج من المستنقع اللي كنت فيه.
احتضنت والدتها هامسة ببكاء: مش قادرة اصدق انك معايا يامامي.

احتضنتها والدتها هي الآخرى ورمقت بعين يملؤها الخجل ذلك الواقف يحمل فتاة صغيرة فقالت بحذر وعيونها الدامعة تحاوطه: حامي.
مسحت عائشة دموعها وقبضت على كفه تحسه على الذهاب بعينيها، فحملت الصغيرة عنه هامسة: روحلها، روحلها وانسى أي حاجة دلوقتي.

تحرك بخطوات مترددة تقدم خطوة وتود لو تبتبعد ألف على عكس القلب الذي حلق من الوهلة الأولى واحتضنها، جلس على الفراش أمامها صامتا يود لو استطاع البكاء، يتمنى لو صرخ فيها سائلا لماذا تخليتي؟!، ألف لماذا تدور بداخله.
لم يبادر بإحتضانها كما فعلوا ولكن بادرت هي وتشبثت به منخرطة في بكاء عميق وهي تردد اسمه، تغذي أنفها برائحته وقلبها بحضنه وروحها بوجوده.
حاوطها بيده وربت على ظهرها مرددا بصعوبة: اهدي.

نطقت وهي تمسح على وجهه تحفر ملامحه داخلها: أنا كنت عارفة انك هتيجي، أنا كنت عايشة على الأمل ده بنام واقوم بيه وميأستش لحظة، انت زعلان مني؟!
لم يستطع الثبات أكثر أمام دموعها هذه فااحتضنها قائلا: مش مهم أي حاجه، المهم انك تكوني كويسة.
أشارت على الصغيرة و عائشة مردفة بحماس: دول مراتك وبنتك.
صححت لها الصغيرة وهي تهز رأسها رافضة: لا عيوش مراته وأنا حبيبته.

اقتربت عائشة منها تقول بود وابتسامه تعلوا وجهها: أنا مراته عائشة، احنا كنا جيران زمان حضرتك فاكراني ياطنط؟!
لم تستطع صوفيا ربط كل شيء ولكنها ابتسمت لها بود ماسحه على كفها وهي تقول: طالما من ريحتهم تبقى بنتي زيهم.
لم تكمل كلمتها حتى وجدت ملامح عائشة الممتعضة فهبت هنا من مكانها تقول بخوف: عائشة مالك يابنتي.
استدار لها حامي مسرعا والتقط كفها هاتفا بتوتر: انتي كويسة.

اعتدل وجهها قليلا وقالت وهي تطمئنه: لا متقلقش، ااااه.
صرخت صرخة عاليه وحاوطت معدتها، فوقف الجميع وحملها هو بين ذراعيه يقول بذعر وهو يمسح على وجهها: طب اهدي أنا هوديكي للدكتورة بتاعتك دلوقتي.
هرول بهلع وهن خلفه وقد زاد خوفهن وخصوصا وهي تقبض على يده ناطقة من بين صرخاتها: ده مش ميعاد ولادتي، اااه، هو مش هيموت صح، متسبنيش.
أسرع في سيره وزاد من احتضانها وهو يقول مطمئنا: مش هسيبك متخافيش أنا معاكي.

في نفس التوقيت
جلست سارة في أحد زوايا المأوى الجديد تبكي بصمت على فتاتها، لقد أحبتها بصدق وفعلت المستحيل حتى تبعدها عن مستنقع نادر، سمعت رنين هاتفها فمسحت دموعها والتقطته لتجد أحد الأرقام الغير مسجلة أجابت بإستغراب: مين
أنا حسام.
بقى أثر البكاء في نبرتها فحاولت الثبات وهي تقول: ازيك يا حسام.
أردف بتردد حزنا على حالتها: انتي معيطه؟!

وكأنه فتح لها بوابة للبكاء من جديد فااندفعت تبكي وهي تقول: أنا مش قادرة اصدق، بس محدش غلطان أنا لوحدي اللي غلطانة وأنا اللي لازم اتحمل التمن، أنا بقيت كارهة كل حياتي، أنا وحشة اووي يا حسام.
نطقت كلمتها الأخيرة بصراخ وهي تمقت نفسها ولاتلوم سواها، تمزق قلبه حزنا عليها وصمت كثيرا فؤاده يدفعه لقول شيء وعقله يمنعه عن نفس الشيء.
فاق من حربه على نبرتها الطالبة للعون: حسام انت معايا؟!

نطق بإندفاع ودون تفكير: ساره تتجوزيني.
لم تستعب ما قال فنطقت: ايه!
تتجوزيني.
وكأنها سمعت خبر انهيار العالم فحلت عليها صدمة جعلتها تصمت ولا تستطيع حتى التفكير مجرد التفكير في كلمته.
تعالى أصوات الغناء في هذا الملهى الليلي، واكتظت ساحة الرقص بالفتيات والرجال.
نطق عمر بتذمر: يحيي متخلينيش أندم اني جيت معاك هنا، قولي حالا احنا هنا ليه، مش تبعتلي مسدج فيها عنوان واجي الاقيك في نايت ومش بعيد تكون شارب كمان.

نفخ يحيي بضجر وهدأه قائلا: ياعم استنى بس احنا جايين نراقب واحد هنا.
رفع عمر حاجبه الأيسر بإستنكار: نراقبه هنا!، ملقتش غير الكباريه اللي نراقبه فيه.
سرد له يحيي بهدوء: بص ياعمر، حامي شاكك في عمار فاانا خدت دنيا وامنتها زي ما حامي قالي، و سايب عمار بقى ماشي على مزاجه علشان اعرف اجيب اخره.
سأله عمر: وهو ميعرفش مكان دنيا؟!
لا عارف طبعا ماهو انا خدته معاها، بص هفهمك بعدين، ركز معاه بقى.

رمق عمر الشخص الذي أشار له يحيي عليه فقال بسخرية: ده مش راحم نفسه شرب.
علت ضحكات يحيي وهو يصحح ل عمر: لا انا رقبته يوم ونص بس يعرف ستات اكتر من عدد الشخصيات اللي في حياتي مثلا، وفوق كل ده كان عيان وعنده حمى.
صحح له عمر: ده أنا اللي عندي حمى.
نبهه عمر سريعا: الحق يا يحيي.

التفتا معا ليجدوا مجموعة من الرجال تقترب من عمار وأحدهم يحاول أخذه عنوة فااستقام وأطاحه برأسه ونشبت حرب طاحنة اجتمع عليها كل من في المكان.
شمر يحيي عن ساعديه وألقى سترته على الأرضية قائلا وهو يهرول: يلا ياعمر.
فتح عمر فمه ونطق بآندهاش: على فين؟!
هنضربهم قوم.

حدث تشابك عنيف جعل كل من في المكان يصرخ ويحاول الفرار، أطاح عمر لأحدهم بواسطة أحد المقاعد، بينما كان يحيي يسدد اللكمات للآخر وعمار رافعا أحد الزجاجات المكسورة.
هرول صاحب المكان بذعر صارخا بمساعده: اتصل بالبوليس بسرعه.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة