قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية لا تؤذوني في عائشة ج2 للكاتبة فاطمة عبد المنعم الفصل الخامس والأربعون

رواية لا تؤذوني في عائشة ج2 للكاتبة فاطمة عبد المنعم الفصل الخامس والأربعون

رواية لا تؤذوني في عائشة ج2 للكاتبة فاطمة عبد المنعم الفصل الخامس والأربعون

تائه!
هذا ما صنعوه مني ذلك الذي أقسم على النسيان ومع أول شعاع ضوء حنث قسمه، ذلك القاسي البعيد، والمظلم الشريد، والحبيب اللعين
استحقوا بجدارة تكريمهم على ما زرعوه فيه والتكريم ليس إلا حصاد لكل ثانية صرت فيها وحيدا مشتتا، كل لحظة فقدت فيها الطفل داخلي، الحصاد هو عمري الذي استباحوه وقلبي الذي وأدوه.
الحصاد هو أنا، أنا حصادهم و عذابهم حصادي
ورحيلهم وحقي المردود...
نجاتي.

دقات متواصلة على الباب جعلت سمية تنطق بغضب: تمهلي قليلا ميرال، اللعنة!
فتحت البوابة لتجد ميرال أمامها ولكن استحالت حالتها إلى اخرى متوترة فنطقت سمية بخوف:
هل حدث شيء؟
حاولت ميرال التماسك كي تبدو طبيعية أمامها وهي تنفي بتأكيد: لا لم يحدث، هل مروان مازال نائم؟
منذ أن أتى وهو نائم، ربما يحتاج للراحة فوجهه مملوء بالكدمات وأظن أن جسده أيضا كذلك.

نطقت بها سمية فهزت ميرال رأسها بموافقة وتحركت ناحية غرفتها قائلة بهدوء:
انتظر ضيفة بعد قليل، استقبليها عند مجيئها
همست سمية بغير تصديق وهي ترمق رحيل ميرال بغيظ: شوف البجاحة أبوها مش لاقيينه وبدل ما تدور عليه معايا هتقعد هنا تستقبلي الضيوف.

قطع حديثها المتذمر دقات على البوابة فاستدارت لتنبه ميرال بأن صديقتها اتت ولكن لم تجدها فلقد دخلت إلى الغرفة، اتجهت سمية ناحية الباب وفتحته بهدوء ليظهر أمامها اخر من توقعت ظهوره تحولت تعابيرها كليا إلى الصدمة التي كاد أن يتبعها سقوط لولا أنها تمسكت بالباب من خلفها، ابتسامته الماكرة تزين ثغره وهو يتقدم ليدخل دون استئذان أثناء قوله المتهكم:
أنا عارف انها مفاجأة بس مكنتش اعرف ان ده هيكون أثرها عليكِ.

انت تعرفني؟
خرجت منها بصعوبة وهي تحاول التهرب أو حتى استيعاب ما يحدث ولكن ردعها عن كل هذا صوته الذي يجبر الأذن على الالتفات له:.

وهل يخفى القمر؟، مدام سمية طليقة رضوان الأولى اللي لعبت عليه وفهمته انه مبيخلفش وهددته لو مكتبلهاش شركة هتفضحه بس ظنها خاب ولعبتها مكملتش لما رماها في الشارع من غير ولا مليم ومتهانة كمان وللأسف طلعت حامل وراحت رمت بنتها دنيا لواحدة متعرفش عنها غير حجات قليلة مدام عليا أو نقول نهلة.

تحرك ليقف مقابلها وهو يتابع بنظرات مستحقرة: رميتي بنتك ليها ومشيتي علشان تكملي رحلة القرف اللي انتوا معجونين بيه، باقي القصة بقى واللي حصل بعد ما رميتي بنتك هعرفه بعدين انتِ وقتك لسه مجاش، مروان في أني أوضة يا مدام؟
نشطت جميع دفاعاتها لتقف مستدعية كل ذرة قوة أثناء حديثها: حامي اسمعني، أنا اللي بعتت لدنيا مسدجات تحذرك من ميرال أنا كنت عايزاك تكشفهم وتساعدني.

ضحك ساخرا مما خيب أملها وخاصة حين نطق بشراسة أظلمت معها نظراته: هو بعد ما شاب ودوه الكُتاب!، انتِ عارفة كويس اوي انك مفكرتيش تبيعي غير لما مصلحتك خلصت معاهم ولما نزلتي مصر وحسيتي ان في سر ورا ميرال وان لسه ليكي مصلحة تانية كملتي عادي، انتِ متفرقيش أي حاجة عنهم، زيك زيهم عارفة مين المظلوم الوحيد في الدايرة دي؟

صمت ثوان تابع بعدها بأسف: دنيا الواحد ممكن يتولد يلاقي أبوه زفت عادي بتحصل، أو العكس ويلاقي أمه هي اللي كده لكن انها تلاقي أبوها قذر وأمها متفرقش عنه كتير دي اللي كبيرة اوي، يا شيخة ده نهلة اللي مش أمها كانت بتخاف عليها وتحبها اللي مبيعرفوش يحبوا حسوا بيها وانتِ بقى مفكرة هتعيشي حياتك وتنهبي ودي في اخر سنين عمرك تقوليلها تعالي في حضني يا بنتي هتجيلك جري، ده انتوا الحرق شوية عليكم.

نظرت للأرضية بخزي فكل كلمة تفوه بها صحيحة لم يخطأ في حرف واحد حتى عندما حاولت الدفاع مجددا أسكتها بجملته الحادة:
اخلصي الأوضة اللي فيها مروان أني واحدة؟
أشارت له على الغرفة بحذر فسمعت تعليماته الصارمة: تختفي من هنا حالا.
تحركت ناحية غرفتها مسرعة دخلتها وأغلقت بابها بإحكام ليتوجه هو بخطوات واثقة إلى غرفة مروان.

فتح الباب ليدخل وعلى وجهه نظرة متفحصة لكل إنش هنا حتى وجده ممدد على الفراش، احتدت نظراته وهو يتذكر شيء ما
Flash Back
يعني ايه هرب منك يا حسام!
نطق بها حامي غاضبا للمتصل فأتته الإجابة من الجهة الاخرى: هو كان محبوس في الأوضة اللي تحت بيتي، خدرته وخدته مكان تاني لحد ما اشوف هتصرف ازاي جيت تاني يوم ملقتهوش موجود، كسر شباك الأوضة.

صاح حامي بحدة: انت قاصد تبوظ الدنيا صح؟، انت من الأول عايز تقبض عليه وعمال افهمك ان القبض عليه دلوقتي هيخلي شكوكهم تبقى أكيدة في اننا كشفناه وانت ولا هنا.

أجاب حسام مدافعا عن نفسه أمام كلمات حامي: حامي متنساش ان حسام ده يبقى قريبي انا لو عايز ابوظ كل حاجة مكنتش قولتلك اقبض عليه كمشتبه فيه وانا عارف ان القبض عليه هيضر اسمي وشغلي، أنا طحنته وكان فاضل شوية وهموته في ايدي بعد اللي عرفته، هعمل ايه تاني اكتر من اللي عملته هو هرب ولو طولته دلوقتي مش هتردد لحظة اني اخده رسمي كمشتبه فيه.
يبقى كل واحد يخليه في شغله يا حضرة الظابط.

نطق بها حامي بحسم ناهيا الأمر فقاطعه حسام بقلق: يعني ايه الكلام ده!
جاوبه ببساطة حملت في طياتها الكثير من الغضب: يعني انت مش معاك شهود ولا أي أدلة على مروان، واعتبر ان انا كمان مش معايا حاجة زيك كمل في القضية لوحدك وانا هكمل اللي بعمله لوحدي وهوصل قبلك على فكرة مش علشان انا أحسن منك بس علشان أنا عارف ان أي خطوة قبلها تهور بيكون أثرها ضد صاحبها مش في صالحه.

اعترض حسام مجددا: يا حامي أنا لازم أكون معاك، لازم افضل عارف كل حاجة علشان خيوطي تبقى مترتبة صح جوا القضية، مش كفاية اني معرفش خطواتك بتكون ازاي انت مجرد بتقولي اللي بتوصله وبس، بص اعتبر اني مقولتش أي حاجة بس بلاش كل واحد لوحده دي كده احنا هنرجع لنقطة الصفر تاني.
هفكر.

اختتم بها حامي قبل أن يغلق المحادثة بضجر وهو يفكر في مكان هروب مروان حتى أتاه اتصال من أحد رجال المراقبة الذين كلفهم بمراقبة مأوى بديع الصياد يخبره فيها بأنه رأى أحدهم يدخل الطابق السكني في حالة مزرية، جمع حامي أفكاره جيدا وأرسل للرجل صورة مروان حتى يتعرف عليه فأكد الرجل أنه هو من شاهده.
Back.

فاق من شروده يرمق الممدد على الفراش باستحقار بين اتجه ناحيته وعيونه تدور على كل جزء في وجه مروان، ثبتت عينه على هذه الكدمة الزرقاء في جانب وجهه فابتسم بمكر و كور كفه رافعا إياها ليصيب مكان إصابته تحديدا بضربة قوية استيقظ مروان صائحا إثر الألم والصدمة أيضا رأى أمامه اخر وجه توقعه فاتسعت ابتسامة حامي المتهكمة وهو يميل ناحيته مختتما بشراسة:.

وجعتك!، معلش، بكرا لما تدوق الأكتر منها هتعرف ان ده كان لعب عيال ميستاهلش تتأوه أوي كده.
كان يبحث عن الفرار ولكن خفت بل اندثر أمله حين تحدث حامي بثقة برزت في نبرته:
متحاولش، مفيش مخرج وقعت خلاص يلا قوم علشان تمشي معايا بالأدب.
استدار لتواجه زيتونيتاه عين مروان التائهة وهو يختتم: بدل ما تخرج من هنا بقلة الأدب ودي أنا بحبها اوي مع اللي زيك.

سيطرت النظرات على الموقف فهيبته قطعت أي حديث ما قيل يكفي وعراك العيون مارس سحره المانع لأي حديث.
في شركة حامي استطاع عمر تمييز صوت عمه البغيض بالنسبة له فثارت حميته وخطا بخطوات منفعلة نحو الباب ليفتحه على مصرعيه فيجد العاملين يحاولون ردع رضوان عما يفعله قطع كل هذا نبرة عمر الحاسمة:
سيبوه.
رمق العمال بعضهم بحذر وسريعا ما نفذوا أمره ليتوجه عمر عائدا إلى مكتبه مره اخرى ويلحق به عمه زافرا بضجر.

بمجرد دخوله سمع صوت عمر المحتد وهو ينطق باشتعال: مفكر نفسك داخل زريبة!
حامي فين؟
كان سؤال رضوان صريحا ظهر فيه ما انتواه وما اشتمل عليه قلبه من غل وحقد
ضحك عمر ساخرا أثناء قوله المستهين: عامل كل ده علشان تعرف حامي فين؟، على العموم لو عايز تعرف هعرفك بس اظن انك مش واخد بالك ان مقابلاتك مع حامي مبتجيش بالخير عليك.
ثم أشار بعينيه على ساق رضوان التي اصبحت العصا معاونة لها كي تسعفه للسير.

ثارت ثورة رضوان ولكنه حاول استدعاء ثباته أمام من يذكره بشقيقه من قتله بيده، قال اخر كلماته بتهديد صريح:
عرفه ان مهما عمل علي هيجي في الاخر وياخد صف أبوه، سامعني ولا صحيح انت هتعرف ازاي ما انت أبوك ميت بقاله سنين وشعور زي انك تاخد صف أبوك أكيد الحرمان منه وحش.
استطاع إثارة اشتغاله فدفع عمر المقعد بقدمه بعنف وتوجه ليقف أمام رضوان مرددا بتحدي:.

متقلقش هتروح لأبويا قريب اوي، لما تروحله هتعرف اني خدت صفه لحد ما جبتله حقه...
ثم اختتم بكلمته الساخرة: يا عمي.
صب عليه رضوان سهام نظراته القاتلة والتي واجهها عمر باخرى متحدية تابع بيها رحيل رضوان الثائر فرفع صوته ضاحكا:
ليه كده بس كنت استنيت اسقيك حاجة.
بمجرد أن تأكد من رحيله غطى وجهه الغضب وأجرى اتصاله بأحدهم يقول بأمر:
رضوان كان عندي دلوقتي خليكوا وراه ونفذوا أوامر حامي.

انتهى من مكالمته وتذكر نيرة فهرول سريعا إلى الخارج بحث عنها بعينيه فلم يجدها ليسمع صوتها من خلف باب الغرفة تهمس:
مشي؟
ارتسمت ضحكة على وجهه وهو يقول: ايوة مشي اخرجوا.
خرجت نيرة وتبعتها المساعدة رباب والتي وضحت ببواقي خوف: أنا أسفة والله يا مدام نيرة أنا أول ما شوفت رضوان يا مستر عمر خدتها وجريت على الأوضة لأن حضرتك عارف انه مينفعش يشوفني طبعا.
سألت نيرة باستفسار: أيوة مينفعش يشوفك ليه بقى؟

جذبها عمر محيطا إياها وهو يقول بابتسامته المحببة: نيرو يا حبيبيتي اليوم هيضيع كده يلا هنمشي.
حركها أمامه راحلا بها واستدار لرباب يرمقها بامتنان واختتم بقوله: اقفلي المكتب يا رباب.

رباب مساعدة رضوان التي فرت هاربة يوم الحريق قدمت لهم مساعدة ثمينة فهي من ساعدت في تغيير مفتاح مكتب رضوان وهي من أغلقت عليه الباب أثناء الحريق واختفت بعدها تماما عن الأنظار كأي عامل تواجد وقت الحريق، دل حامي عليها زوجة حامد فهي كانت صديقة لها أثناء عملها في شركة رضوان، وتعرف أنها مضطرة اجباريا للعمل لدى رضوان ولكن مع أول فرصة للفرار فرت ولم تنظر خلفها، لم تتراجع أبدا.

علي طاولة في حديقة المكان غمزت زينة لعائشة تشير على دنيا بملامحها الحزينة فمطت عائشة شفتيها بعدم معرفة وسألت الصغيرة المجاورة لها:
ليو هي زينة زعلانة؟
همست الصغيرة بحزن وهي ترتشف من مشروب الشوكولاتة الساخن: اه زعلانة، وعيطت امبارح كتير اوي وكانت بتقول عمار حيوان هو في حاجة اسمها كده يا عيوش؟
أشارت لها زينة بالصمت محذرة أما عائشة فنبهت دنيا بقولها المرح: دودي سرحانة في ايه يا حبيبتي؟

هزت دنيا رأسها بنفي بعد أن فاقت من شرودها تردف بتأكيد: ولا حاجة يا عائشة.
لفت انتباه دنيا شخص ما يقف هناك إنه هو، لم تصدق عينيها حتى تيقنت من وجوده حين ابتسم لها، رمقته بغيظ وسحبت علبة مصنوعة من مادة أشبه بالزجاج موضوعة على الطاولة فسألت زينة بقلق:
يا بنتي في ايه رايحة فين بالبتاعة دي؟
ثواني وجاية.
تفوهت بهذه الجملة وتحركت مغادرة ناحيته حتى توقفت تماما عند موضعه تسأل بحدة:
جاي ليه؟

وضع يده في جيب سترته الشبابية وهو يقول بأريحية وعيون لمع فيها الاشتياق:
جيت علشان اشوفك، لأن الفترة الجاية احتمال شبه مؤكد متسمعيش عني أي حاجة تاني.
لم تنكر أن جملته أثارت خوفها ولكن انتصر غيظها وهي تردد بعيون مشتعلة:
مش عايزة اسمع ولا عايزة اشوف وشك تاني.
مطار شفتيه ضاحكا وهو يتحدث بنبرة مثيرة للاستفزاز: والله مش أنا اللي قومت من على ترابيزتي وجيتلك. انتِ اللي جيتي.

حديثه صحيح هي من اتت له تحركت مغادرة فجذب مرفقها ناطقا بضحك: استني بس هقولك.
أبعدت يده عنها فقال برجاء: يا دنيا مش عايز اختفي وانتي كده، عايزك تتقبلي الوضع وتفهميه.
سألته بابتسامة صفراء أثارت قلقه: عايزني اتقبل الوضع؟
هز رأسه مؤكدا بريية فقالت له: بص وراك كده.
استدار ليرى ما يوجد خلفه فصدمته بضربة قوية على مؤخرة رأسه بتلك القطعة التي جذبتها من الطاولة.

فتأوه بصدمة ناطقا بغيظ: اه يابنت ال، يا بنت رضوان.
أتقبل الوضع مع نفسك بقى
قالت جملتها الأخيرة وتحركت مغادرة من أمامه قبل أن ينشط مجددا وقلبها يتمنى للمرة المائة بعد الألف أن يكون حديثه عن الاختفاء والابتعاد ليس إلا خرافة، وهم لا صحة له.
جلسن في غرفة واحدة، زينة تجاور عائشه على الفراش، ودنيا تنظر للفراغ بصمت أما الصغيرة فمنشغلة بالهاتف في يدها تشاهد فيديو للأطفال قطعت زينة هذا الصمت محمحمة:.

ايه يا جماعة ساكتين ليه؟، يا بختها نيرة فلتت من حالة الصمت الكئيب دي.
قربت عائشة حامل الطعام ووضعته لترفع شطيرة ملفوفة ناحية دنيا ؛
كلي بقى متخليش زينة تقول عليكي كئيبة، الفطار دي طعمها حلو اوي.
شق وجه دنيا ابتسامة وهي تأخذها وأخذت كل منهما واحدة ليبدأوا في تناولها حتى قطع ذلك صوت زينة التي احتضنت الوسادة:
هو ايه علاج الحد اللي صوته عالي.
نقتله لو كان راجل، ست نلتمسلها العذر اشطا.

خرجت أولا هذه الكلمات من عائشة فتبعتها دنيا التي قالت بغيظ: نفتح دماغه.
أرادت الصغيرة مشاركتهم في الحديث فعبرت عن الحل ببراعة: نقطع لسانه وكده ميعرفش يتكلم تاني.
نطقت زينة باستنكار: ايه الدموية دي!، انتوا شوية وهتقتلوني انا!
ضحكن جميعهم وعقب انتهاء ضحكاتهم عبرت زينة بحزن حقيقي: يحيي علطول صوته عالي.
قالت دنيا بملامح منكمشة ونبرة باكية: وأنا بحب واحد عنده تخلف في عواطفه.

قطع جلستهم اتصال هاتفي لزينة وجدت انه يحيي فاستئذنتهم تجيب أجابت بهدوء ليصدمها بقوله:
حامي بيقول تجهزوا نفسكم نص ساعة وهنمشي والمسافة هتكون طويلة.
أبدت اعتراضها وهي تقول: نمشي ايه هو احنا مش حاجزين اسبوع!
يلا يا زينة خلصوا
قالها وأغلق الهاتف فرمقتهم تعيد كلماته باستغراب: يحيي بيقول نلبس علشان هنمشي والمسافة طويلة كمان.

زفرت عائشة بضيق حقيقي وقالت بأعصاب أوشكت على الانفلات: دنيا انزلي هاتي محمد معلش وقولي لطنط و هنا.
هزت دنيا رأسها بموافقة وتحركت مغادرة حتى تنفذ ما طلبته منها
في نفس التوقيت.

جلست ميرال في حوض الاستحمام وقد فقدت كل معاني الراحة حاولت الاسترخاء وهي تريح جسدها وتفكر في كل ما يحدث هي الآن في اتفاقية مع الماكر تهاب في كل ثانية أن يقلب الوضع برمته عليها ولكن ما يطمئنها أنها معه ما يحتاجه تردد في أذنها كلماته التي سمعتها بعد أن عرضت عليه عرضها:.

ليس هناك ضامن يضمن لي عدم خداعك ميرال، أنتِ تدعين معرفتك بهوية السيد الكبير الحقيقي بل وتضعي شروط أيضا مقابل إفشاء هذا السر تريدين مال والدك بالكامل والسفر إلى الخارج بأمان، دعيني أقول لكِ أنه ليس عرض مغري بالنسبة لي.
اضطرت حينها مجبرة أن تعرض عليه أي ضمان يريده وكان اجابته في صالحه كما يفعل دائما:
يمكنني قبول عرضك ولكن لدي شرطان، الأول هو أن ترسلي لرضوان كي يقتل ابنه علي.

لم تصدق حينها ما سمعته منه ولكنه أكده حيث طلب منها أن تخبر رضوان أن ابنه يعمل مع حامي واتت أوامر بقتله في رسالة نصية وبعد ذلك سيرسل لها حامي فتتصل برضوان وتخبره أن أمر قتل ابنه تم التراجع فيه، مخططاته هذه تحمل الكثير ولكنها مجبرة هي تريد الخلاص وتعلم أن خلاصها معه لذلك توفر له كل ما لديها أما شرطه الثاني فأمر به اليوم علم بتواجد مروان عندها فأتى ليأخذه بكل بساطة حتى لم يلق لها كلمة واحدة بأنه الآن قبل عرضها وسيوفر لها ما طلبت مقابل السر الموجود لديها.

هي لا تعلم ماذا تريد حتى اتصاله الآن لم تعد تتمناه وفي نفس اللحظة تتطوق روحها للخلاص، ولكن ماذا سيفعل حين يعلم أن ما لديها ليس إلا معلومة صغيرة ومعلومتها تكمن في أن الحلقة الأخيرة ترسل أوامرها إلى والدها عن طريق أحدهم هي لا تعلم من هو كبيرهم ولكنها تعرف جيدا من يعرفه هذا الأمر الخطير الذي توصلت إليه عند تلصصها على والدها، ذلك الذي يرسل إليه الأوامر ويخبره بالمطلوب هو بالتأكيد على صلة بالحلقة الأخيرة، همست بإسمه وهي تطمئن روحها بأن معلومة كهذه ليست هينة فتابعت مكررة:.

فارس مختار
وقفت عائشة بالصغير في الأسفل لتجد زوجها يقف أمام سيارته منشغل في أمر ما مع يحيي بمجرد أن رأى تقدمها أوقف حديثه وانصرف يحيي، سألت بجدية طالبة لإجابة:
احنا هنمشي ليه؟
تنهد عاليا وأردف بهدوء شديد: عادي.
لاحظت أن عيونه وكأنها في عالم اخر شاردة فزاد خوفها الداخلي وأعادت السؤال مجددا:
يعني ايه عادي؟، واحنا هنروح فين بقى؟

دخل سيارته فرمقته بانزعاج وهي تجلس على المقعد المجاور بضيق شديد، حل الصمت لفترة قطعتها هي حين رأت حالته هذه التي لا تنذر بالخير، كفه الذي تشعر أنه بحاجة لمن يربت عليه، مسحت على كفه وقد استبدلت نبرتها المنزعجة باخرى تطمئنه:
قولي مالك طيب؟، أنا جنبك اهو.
أزاح يدها بتعب وهو يقول بنبرة باردة: مفيش حاجة.
انفعلت لتنطق بغضب: دي مش طريقة يا حامي.

استيقظ الصغير صارخا بضيق فرمقها زوجها بضجر فنطقت معترضة: نزلني أنا هركب معاهم مش عايزة اركب هنا.
تحدث بتحذير لم يفقده اتزانه وهو ينظر للطريق أمامه: كلمة كمان وهتندمي على اللي هيحصل مني.

أضاء هاتفه الموضوع أمامه بسبب الرنين فاستطاعت قبل ظهور اسم المتصل أن تلمح ذلك الفيديو اخر شيء تم تشغيله على الهاتف هي تحفظه عن ظهر قلب، تلك اللقطات المسجلة لعذاب والدته وهلاك والده، لماذا!، هل قرر إنهاء كل شيء فيشحن نفسه بطاقة غضب هائلة، حالته هذه تربكها وتسبب لها الضياع.
نزلت دموعها فمسحتها سريعا قبل أن يلاحظها ولكن وجدته بقوم بإيقاف السيارة ناطقا:
نزلي آمن وديه العربية التانية.

وجدت السيارة الاخرى توقفت فاحتضنت صغيرها مرددة بخوف: انزله ليه ما هو معايا!
قبض على كفها وترجتها عيونه ولكن لم ينطق اللسان إلا حينما أتى يحيي إليه بعد أن أوقف سيارته هو الاخر يسأل باستفسار:
في حاجة يا حامي؟، وقفت ليه؟
خد آمن يا يحيي.
أعطت له عائشة الصغير بتردد، لاحظ يحيي توتر الأوضاع الظاهر جليا فاقترح:
بقولك ايه ما تجيب عائشة مع البنات والسواق يمشي ورانا، واجي أنا معاك هنا.

علي عربيتك يا يحيي وكمل انت انا همشي من طريق تاني مختصر.
تجاهل حامي قول يحيي بكلماته هذه فقاطعه يحيي مستفسرا: طب ما امشي وراك في الطريق المختصر.
أشار له حامي ناطقا بغيظ: على عربيتك بدل ما اخليك تمشي الطريق على رجلك.
ضحك يحيي وتحرك مغادرا وهو يقول باستسلام: لا وعلى ايه.
عاد إلى طريقه مجددا فوجدها تمددت على المقعد وأغمضت عينيها فسأل: هتنامي؟
في اعتراض عليها دي كمان؟، اقوم اصحى لو حضرتك ممانع.

نطقت بها بحدة وقد طفح كيلها ظنت أنه سينفجر مخرجا كل شيء ولكن صدمها بقوله المغتر:
لا مفيش مانع تقدري تنامي.
رمقته بغير تصديق أما هو فابتسم على تعاييرها مكملا طريقه بنفس صمته المميت وهي بهروبها للنوم.
غرفة صغيرة لا يوجد بها سوى أريكة وفراش ومقعد، تستطيع الشعور بخلو المحيط من كل البشر وأنت داخلها، الهواء البارد، صدى الصوت الذي تستطيع تمييزه من أقل حركة إنه مكان منعزل عن العالم.

حملها بين يديه وتوجه بها ناحية الفراش، مددها بهدوء، ثم أزال دبابيس حجابها حتى يزيله عنها.
جلب أحد الأغطية ودثرها به وأخيرا تأملتها زيتونيتاه، مسح بيده على وجهها ونطق وكأنه مغيب:
أنا كنت عايز اقولك في العربية اني عايزك جنبي متمشيش.
سمعت الهمسات ولكن ظنت أنه حلم عبر فيه عما تمنت أن يقوله فأجابت تلقائيا ببراءة وهي ما زالت على نومها:
مش همشي.

ابتسم على حالتها ومال مقبلا وجنتها ليهمس جوار أذنها: عارف يا وحش انك مش هتمشي.
تركها بعد أن تأكد من كل شيء وتحرك راحلا إلى الخارج ليغلق الباب عليها بحرص شديد
بعد مرور وقت.

وقف حامي في غرفة خاصة به اعتبرها ملجأ لمراقبة من استكثروا عليه الحياة والآن الخطوات الأخيرة بدأت في عقابهم، جذب مقعد ووضعه على الأرضية ليجلس فوقه واضعا الساق فوق الاخرى بشموخ وكأنه امتلك كل شيء، رفع الريموت الذي احتوته يده ليقوم بتشغيل هذه الشاشة فظهر أمامه ما جعله الابتسام تزين ثغره، كل ما خطط له ذلك التشكيل اللعين مجمع في مكان واحد وكل منهم لا يعرف شيء عن الآخر، كل منهم في غرفة لا يعرف عن الاخر شيء غرف عازلة لأصواتهم، الذل والهوان ظهر عليهم بديع الصياد، عدنان، ومؤخرا انضم مروان ورضوان وغدا سيأتي لهم نادر ومازال هناك من هو قادم، ابتسم وهو يرى خوفهم لفت انتباهه رضوان الذي يدق على البوابة فرفع الصوت مسرعا ليسمعه يقول بهياج:.

انت مين ياللي جبتني هنا، ادخلي انا عايز اقابلك.
مسكين!
قالها حامي وضحك عاليا بالتأكيد أفقدته شكوكه عقله وربما يظن الآن أنه وقع في قبضة محمد صادق العمري الذي يهدده من فترة حتى لو كان متيقن من وفاته.
رفع حامي رأسه ينفث دخان سيجارته وهو يتحدث إلى رضوان وكأنه أمامه بشراسة لمعت في زيتونيتيه:
أنا حامي محمد صادق العمري اللي جبتك هنا، وأنا برضو اللي هيخليكوا كلكوا تتمنوا تنزلوا قبوركم ومتلاقوش الرحمة دي.

تفحصهم بنظرة شاملة ثم استقام واقفا ليغلق الشاشة ويتحرك راحلا وهو يطلق صفيرا متناغما وقد تحسنت حالته كثير بعد هذا المشهد الآن وكأن كل انش في جسده اتحد مع الاخر ليردوا له ما سلبه منه هؤلاء، حق الظلام وحق الحياة وأيضا حق الأمل الذي أدى فقده إلى ظهور الوحش.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة