قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية لا تؤذوني في عائشة ج2 للكاتبة فاطمة عبد المنعم الفصل الحادي والخمسون

رواية لا تؤذوني في عائشة ج2 للكاتبة فاطمة عبد المنعم الفصل الحادي والخمسون

رواية لا تؤذوني في عائشة ج2 للكاتبة فاطمة عبد المنعم الفصل الحادي والخمسون

بكاء، دوامة من الحزن عصفت بها وهي تجلس هنا تتذكر ما حدث، كل شئ مر أمامها من البداية، تاهت في أحداث هذا اليوم خصيصا
Flash Back.

وقفت أمام باب الغرفة الذي أغلقه في وجهها تنظر حولها بعدم تصديق، هل حقا أخرجها بهذه الطريقة المهينة من أجل تلك التي ادعت عليها كذبا، لم تدرك أي شئ سوى أنها ألقت جسدها على المقعد خلفها وانخرطت في نوبة بكاء عميق، بحثت عيناها عن يحيى في الوسط وبمجرد أن وقعت عليه قامت من مكانها وهرولت ناحيته تقول من وسط نحيبها: أنا عايزة أمشي من هنا حالا.

لم يستطيع تفسير أي شئ فلقد ذهب لشراء شئ ما حتى يترك لها حرية التحدث مع عمار وعاد ليجد حالتها هكذا!، لم تكن حالتها تسمح بأي حديث فوافقها وسار معها مغادرا المكان، دقائق ووصلا إلى سيارته، ركب هو السيارة وقبل أن تفعل مثله وجدت من يجذب مرفقها من الخلف استدارت بغضب فوجدته عمار حاولت تحرير مرفقها وهي تتحدث بعنف: سيب ايدي، أنا كنت صح لما جيت النهاردة ربنا بعتني علشان أعرف إن أنت متستاهلش حتى فرصة واحدة.

فرصة إيه وزفت إيه، هي تعبانة ولسه فايقة أنا كنت بحاول أهديها لأنها كانت منهارة، أنا عارف ومتأكد إنها أكيد بتهلوس أو فهمت غلط لكن اتصرفت علشان الموضوع ميكبرش.
قال هذه الكلمات محاولا تبرير ما فعله فنزل يحيي من السيارة متحدثا بتحذير: سيب إيدها بس وبعدين نبقى نشوف أنت عملت إيه.
حرر يدها وهو يرجوها بعينيه ناطقا بإصرار: دنيا اسمعيني، اديني خمس دقايق بس لوحدنا واعملي بعدها كل اللي أنتِ عايزاه.

لانت تقاسيمها فأدرك يحيى رغبتها في الحديث لذلك قاطع طلب عمار بقوله الصارم: أنا رايح أعمل مكالمة جنبكم هنا، خمس دقايق بالظبط وهرجع علشان نمشي.
ترك لهم الساحة فبدأت هي بقولها وقد نفذ صبرها: عايز إيه يا عمار؟، في إيه تاني بيوجع أنت لسه معملتهوش وبتفكر هتعمله ازاي فيا؟

حاول مقاطعتها فرفعت كفها رافضة وهي تتابع حديثها الشاق على كليهما: لا، لا اسمعني أنا اللي جاية أتكلم النهاردة، أنا من أول ما عرفتك وأنا استحملت حاجات كتير منك
بدأت في عد ما عانته معه وهي تقول بألم: استحملت كدبك عليا، استحملت إني أحب واحد شايفني أساسا واحدة تانية، استحملت واحد معاملته بتتغير كل نص ساعة، واحد مش عارف هو عايز ايه، مش عارف أصلا هو شايفني مين شايف دنيا ولا كريمان.

صمتت ثوان تحاول استجماع نفسها قبل أن تكمل مسيرتها في بوح ألمها منه: جيت بعد كده قولتلي أنا عايز فرصة، أنا شايفك أنتِ، وبحبك أنتِ، بحب دنيا قولت ماشي واديتك فرصة ملقيتش مقابلها غير واحد بمليون حالة ساعة أنا بحبك وهنتجوز وساعة تانية سايبني وعايز يبعد لا والبجاحة يجي يقولي أنا بحبك وكل حاجة بس أنا عايز أبعد والمفروض أنا بقى استنى ومش مهم مشاعري، مش مهم أنا حاسة بإيه المهم أنت وبس.

ظهر على وجهه أثر الصدمة بوضوح طوال حديثها وبمجرد أن توقفت نطق هو بألم: هو أنا وجعتك أوي كده؟
هزت رأسها بالإيجاب لتكون إجابة سؤاله بنبرتها الباكية: أكتر مما تتصور، أنت قربت باختيارك ولما اختارت البعد كان قرارك برضو، وقرار زي ده ميطلعش من واحد حب يا عمار.
بس يطلع من واحد اتوجع.
كان هذا رده على اتهامها له بعدم الحب، سكت الفم وتحدثت عيونهما، كلاهما تكونت غيمة من الدموع على عينيه فأعطتها بريقا مختلفا.

قطع الصمت ظهور يحيى فاستدارت له دنيا طالبة بعينيها الرحيل ليسأل هنا عمار متمنيا ألا تكون النهاية هي إجابة سؤاله:
عايزاها تخلص كده يعني يا دنيا؟
صرحت بما يجول في خاطرها الآن ذلك التصريح الذي مزقها قبله:
مرة من نفسي زي كل المرات اللي اعتبرتها من حقك يا عمار.
ركبت السيارة بعد ركوب يحيي فمال هو له عند النافذة ناطقا بحقيقة هي تدركها جيدا ولكنها تحاول جاهدة إثبات نفيها:.

مش هتعرفي، كنت أنا عرفت قبلك، هتفضلي تلفي وتدوري حتى لو نجحتي في كل حاجة هيفضل فيه حلقة حياتك ناقصة ومش عارفة تكمليها
هزت رأسها نافية حديثه فأصر هو على التأكيد متابعا وهو يضع يديه على المنطقة القريبة من زجاج السيارة:
متحاوليش، لو كدبتي على الكل مش هتقدري تكدبي على نفسك يا دنيا، ولو خلصت بالنسبالك فأنا هعرف ازاي أثبتلك كويس أوي إنك كدابة ومتقدريش.

قاد يحيى السيارة فتقهقر عمار للخلف وفقد اتزانه ليسقط على الأرضية شهقت دنيا بعنف وهي تراه يسقط وقبل أن تتفوه نطق يحيي منهيا الموضوع:
مش عايز أي كلام تاني، هيقوم زي القرد لوحده.
هدأ يحيى من سرعة سيارته فسارت ببطىء ليصدق حديثه حين شاهدت عمار وهو يقوم من على الأرضية رافعا صوته غير آبه بوقوفه في الطريق:
بكرا تعرفي يا دنيا إنك مش هتقدري.

نزلت دموعه التي أسرع يمسحها بكفه وهو يشاهد رحيلها الذي عصف به فشتته، ولم يترك قطعة به إلا وجعلها ممزقة.
Back.

مسحت دموعها وهي تنظر من النافذة جوارها في هذا المكان الجديد الذي انتقلوا إليه، كانت النهار بدأ في الطلوع والأجواء هادئة على عكس الضجيج الدائم في باقي أوقات اليوم، نسمات الهواء العليلة تزيح أي حزن عن صاحبه حتى لو قليل.
في نفس التوقيت.

حملت عائشة الصغير وسارت بهدوء شديد حتى وصلت إلى غرفة دنيا و زينة، فتحت الباب مصرة على عدم إصدار أي صوت ودخلت مغلقة الباب خلفها بسرعة، استغربت دنيا هيئتها فهي ترتدي ملابس خروج والتوقيت هو الفجر!
أشارت لها عائشة كي تصمت حينما وجدتها مستيقظة
ذهبت بالصغير ووضعته بين يدي دنيا هامسة:
خدي بالك منه وحاجته كلها في الشنطة بتاعتها.
أنتِ هتهربي؟

قالتها دنيا بعدم فهم فهي مندهشة من الحالة التي تراها أمامها ولكن قطع هذا الاندهاش صوت عائشة:
أهرب ايه يا متخلفة؟، بصي أنا مش هعرف أفهمك، بس أنا لازم أخرج حالا.
أدركت دنيا خطورة الأوضاع فاستقامت واقفة تتحدث بنفس نبرة عائشة:
تخرجي فين!، أنتِ اتجننتي، حامي هنا.
وضحت عائشة الأمر وهي تعدل من رابطة حذائها:.

أنا عارفة إن حامي هنا، هو جاي يشوف الدنيا عامله ازاي علشان يطمن زي كل مره بننقل فيها مكان جديد، وهيمشي تاني، أنا لازم أتحرك دلوقتي.
نظرت عائشة حولها تبحث عن شئ ما فساعدتها دنيا:
طب بتدوري على إيه طيب؟
طلبت منها عائشة برجاء حتى تستطيع اللحاق:
هاتيلي جاكيت من عندك، الجو فيه سقعة.
أعطتها دنيا سترة خريفية من ملابسها فارتدتها عائشة وقالت أثناء مغادرتها باهتمام:
خلي بالك من محمد.

استطاعت معرفة مكان البوابة الثانية تلك التي ركن شقيقها سيارته لديها عند وصولهم إلى هنا والتي لا يقف عليها عدد كبير من الحراس كالبوابة الرئيسية بل عددهم أقل
فتحت بابها المجاور لحجرة الطعام فتحة صغيرة فلقد أعدت لأمرها جيدا، كانت حريصة على عدم إصدار أي صوت إلا في هذه الخطوة الحراس على مقربة من الباب سيستمعوا بالتأكيد إلى حديثها جيدا
تصنعت التحدث إلى زوجها وهي تقول بتمثيل برعت فيه:.

صوت إيه بس يا حامي اللي سامعه جاي من عند الناحية التانية، وبعدين حرام عليك حرس البوابة دي مالهم بس هما أكيد مش سامعين الصوت ده.
صمتت عن التحدث وابتعدت قليلا لترى ردة فعل الحارسين اشتعل حماسها حين شاهدت نظراتهم لبعض، همس أحدهم للاخر بكلمات لم تستطع سماعها:
روح شوف في ايه، شكل في قلق.

شاهدت بعيون منتبهة جيدا رحيل واحد فقط من الحارسين دون الاخر فضربت على جبهتها بتأفف وهي تفكر في حل سريع لإزاحة الاخر، استغرق التفكير ثوان ليرتفع صوتها من جديد متصنعة التحدث إلى زوجها:
طب استنى بس، لو فضلت سامع صوت أنا متأكدة إنك هتخرج تلاقي الحرس راحوا يشوفوا في ايه، أكيد مش هيقصروا في شغلهم.

كانت ستتابع ما بدأت فيه ولكنها لم تلجأ لهذا حيث وجدت الحارس المتبقي يرحل هو الاخر للتأكد من عدم وجود شيء في الجهة الاخرى
بمجرد مغادرته التامة فتحت الباب بحرص شديد حتى تستطيع الخروج وأسرعت تغلقه خلفها.

هرولت سريعا من هنا دون النظر حولها وأسرعت ناحية سيارة زوجها التي تركها دون إغلاق بالمفتاح لأنه سيخرج سريعا لقضاء باقي مهامه، دخلت وأغلقت الباب وتوجهت ناحية الأريكة الخلفية لتتأكد من اخفاء نفسها جيدا وعدم ظهورها تماما.
كان عطر زوجها يفوح في السيارة فتحدثت لنفسها بتوتر:
لما الريحة بس عاملة فيا كده أومال لما يركب هيحصل ايه، كده مش هينفع.

كانت تعد الدقائق حتى يخرج وخوفها الآن من الحرس، شعرت باقتراب خطواته فأخفت نفسها جيدا ولكن كاد النبض أن يتوقف حين ارتفع صوت حارسه يقول:
بعد إذنك يا باشا.
ضربت بكفها على السيارة من الداخل بينما رجع حامي إليهم قائلا:
في ايه؟
قال أحدهم حتى يظهر عدم تقصيرهم:
احنا حسينا ان في صوت من الناحية التانية وبعتت زميلي يشوف لو في قلق بس ملقناش حاجة.
رفع حامي حاجبه باستنكار مكررا:
صوت!، وده صوت إيه بقى؟

كان الآخر سيفصح عما سمعاه من حديث عائشة ولكن ضربه صديقه في قدمه وتحدث هو مداريا الموقف:
يا باشا مفيش قلق احنا حسينا بحركة روحنا اتطمنا وملقناش حاجة وكمان الحرس واقفين هناك مفيش حد يقدر يعمل حاجة.
هز حامي رأسه موافقا وهو يحدثهم بحزم:
طب شوفوا شغلكوا، وأنا هروح اطمن هناك.
تحرك مغادرا بعد كلماته تأكد الحارس من رحيله واستدار موبخا زميله:.

ايه اللي كنت هتعمله ده!، عايز تقوله معلش أصلنا كنا بنتسنط عليك أنت ومراتك!
برر صديقه فعلته مرددا بصدق:
احنا موقفناش نسمع الصوت اللي كان عالي، وعلى العموم خلاص كويس أنك لحقتني.
كاد أن يُفضح أمرها توا، أخذت تلتقط أنفاسها التي أوشكت على الانقطاع بسبب هذه الأجواء المربكة
عدة دقائق حتى عاد هو من جديد ونبه الحراس بقوله:
فتحوا عينكوا كويس، أنا زودت الحرس على الناحية التانية، وفي تلاتة كمان هيقفوا معاكوا هنا.

هز أحدهم رأسه مردفا بتأكيد:
تمام يا باشا.
تحرك هو ناحية سيارته لتكون بعد دقائق معدودة تشق طريقها نحو جهة يعرفها جيدا أما هي فقلبها يخفق مرة للقادم الذي طلبت منه الإفصاح عنه ومرة خوفا من ردة فعله حين يعرف بوجودها هنا.
في منزل حسام
جلس حسام مع عمر و يحيي و أحمد ينتظروا بداية الحديث الذي كلما أتت بدايته قطعه صوتها
الشاي.

هتفت بها بسنت بنبرة مرحبة حملت في طياتها فضول معرفة ماذا يحدث هنا بينهم في توقيت مثل هذا
تأفف شقيقها بانزعاج وضرب على الطاولة متحدثا بضجر:
بسنت مش هينفع كده، خلاص يا ماما عملتي عصير وعملتي سحلب وجبتي غدا مع إننا الفجر وده مش وقت غدا، وعملتي قهوة وقولت خلاص هتتفضل تطلع تنام، وجيالي دلوقتي بطقم الشاي ده
قام من مكانه متابعا وهو يدفعها لخارج الغرفة:
شكرا جدا لخدماتك، اتفضلي اطلعي نامي بقى.

تحدثت بصوت منخفض لشقيقها الذي يدفعها نحو الخارج:
أنت بتطردني علشان خايفة عليك، وبعدين أنا بشغلكم بمشروبات صحية علشان توقيتات آخر الليل دي بتغري الانسان للمنكر قول أعوذ بالله.
كرر كلمتها باستنكار شديد:
منكر!، منكر إيه يا حيوانة أنتِ، هو أنا بتاع الحاجات دي.
أخرجها للخارج فوقفت أمامه تذكره بالقديم:.

هو أنت نسيت يا حسام لما كنت بتشرب السجاير في ثانوي في الحمام وفي المضيفة وكنت بداري عليك قدام أبوك وأمك وأنا قافشاك أساسا.
نطق بغضب ظهر على تقاسيمه وقد نفذ صبره:
اطلعي فوق يا بسنت علشان دقيقة كمان وهتتهاني.
رفعت كفيها باستسلام متحدثة:
لا وعلى إيه أنا طالعة
سارت خطوتين أمام نظراته المراقبة له ثم استدارت له تقول بعناد:
بس برضو يا حسام هعرف بتعمل إيه في الوقت ده.

هرول خلفها ولكنها أسرعت إلى الداخل كي تنجو من غضبه الذي أثارته، مسح على جبهته بانزعاج فالحديث الآن يحتاج كل ذرة تركيز لديه
استعاد سكينته وهو يدخل لهم مرة اخرى حيث سمع عمرو يقول:
طب نكمل بقى يا حسام علشان خلاص مفيش وقت.
هز حسام رأسه وجلس مكانه ناطقا بتركيز:
ها يا أحمد قولي وصلت لإيه؟
كان أحمد يرتشف من كوب الشاي الساخن الذي احتضنته يده فأخذه منه يحيي واضعا إياه بغيظ على الطاولة وهو ينطق متضجرا:.

مش وقته ده والله، أنا نخلص اللي ورانا الأول ونبقى نقلبها قهوة بلدي بعد كده.
خلاص يا عم هتكلم أهو
قالها أحمد مضطرا وقد سحب منه الكوب الخاص به فلم يعد بإمكانه الحصول عليه.
بدأ في سرد الأحداث الهامة من البداية ناطقا بتركيز:.

بصوا بقى أنا عيني مغفلتش عن الراجل صاحب المطعم اللي اسمه صبحي ده ثانية، فطار وغدا وعشا بكون هناك لاحظت حاجة مهمة بقى في بنت بتيجي المطعم مرتين تحط ورد في السبت اللي على البوابة وتدخل تقول حاجة للجرسون وتمشي طبعا مكانش ينفع أتأكد في حاجة مع الورد ولا لا، فراقبتها، فضلت وراها علشان أعرف هي جاية منين لقيتها بتروح بيت فيه واحد كفيف بتدخل تقعد جوا ولما الميعاد اللي بتخرج فيه للمطعم يجي بتسيب البيت، الغريب بقى إني لما سألت الناس المحاوطين للمكان عن اللي ساكن البيت، البيت أصلا يعتبر معزول نوعا ما عن الناس، قالولي انهم اللي يعرفوه من زمان إنه مفيش حد ساكن فيه أصلا وإن صاحب البيت ده عزل من زمان يجي حاجة وعشرين سنة مثلا وكان اسمه شوقي نصر.

قاطعه عمر يقول باستغراب:
لنفترض إنه هو نفسه صاحب الشقة ازاي قاعد فيها ومحدش عارف إنه ساكنها!، وإيه اللي ممكن تكون البنت دي بتوديه لصبحي.
تابع حسام هذه المرة بتعب:
احنا كده دخلنا في متاهة أكبر إحنا راقبنا صبحي علشان نعرف الأماكن اللي بيتردد عليها عوني راضي ونعرف لسه فاضل حد في الدايرة دي ولا لا، دخلنا في حتة تانية.
فجر أحمد قنبلته الأخيرة والتي قلبت كل الموازين:.

الحاجة اللي محدش يتوقعها بقى إن لما روحت ورا البنت لما خرجت من المطعم واستنيت قدام بيتها لحد ما يجي معاد خروجها التاني للمطعم اكتشفت إن الراجل اللي في الشقة ده مش كفيف ولا حاجة، أنا شوفته بعيني من بعيد وهو بيفتح شباك الأوضة بنفسه ولما فضلت براقب شوية لقيت إنه بيشوف أحسن مننا ومش لابس نضارة سودا زي اللي بيلبسها لما البنت بتكون موجودة.
أخرج يحيى هاتفه مرددا بتركيز:.

احنا لازم نتصل بحامي جايز يعرف حاجة عن شوقي نصر ده.
عدة ثوان وكان جواب حامي المختصر يصل له:
في إيه؟
فتح يحيى مكبر الصوت وأبدى استغرابه حين سمع حركة الهواء فسأل باستغراب:
حامي أنت سايق؟
خلص يا يحيى في إيه؟
هنا اضطرب حسام فسأله بدلا عن يحيى:
حامي ممكن أعرف أنت بتعمل إيه؟، هو احنا مش متفقين إن محدش ياخد خطوة من غير التاني.
نطق حامي بهدوء شديد مجيبا ببساطة:.

أنا اتفقت اسلمهم ليك، حسابي معاهم أنت جزء منه مش كله.
ضرب حسام على الطاولة بضيق وحاول استدعاء ثباته الانفعالي أثناء حديثه:
طيب أنت تعرف واحد إسمه شوقي نصر؟

كرر حامي الاسم مبديا استغرابه:
شوقي نصر!
وكأن هذا الإسم فتح في ذهنه الكثير والكثير فظهر أمامه مقتطفات كثيرة من القديم، صديق والده الذي كان دائم الزيارة لهم وفجأة انقطعت أخباره
المشهد الذي تردد في أذنه هو مشهده مع والده حين سأل ببراءة:
بابا هو عمو شوقي مشي ليه؟
مسح الأب على خصلات صغيره قائلا بحكمة حتى يصل للصغير المعنى ببساطة:.

راح يا حبيبي يعيش في مكان تاني، المفروض كل إنسان يعيش في المكان اللي هيرتاح فيه وميضرش فيه غيره.
هز الصغير رأسه بتفهم لما يقوله والده فربت أباه على كتفه برفق.
فاق حامي من شروده على صوت حسام:
تعرفه يا حامي؟
عمل إيه؟، وإيه حكايته؟
سألهم حامي مما أثار غيظ حسام الذي انفجر قائلا:.

مش هقول حاجة غير لما تقول تعرفه ولا لا، أنت مسوحني وماشي بدماغك ولا عارف أنت فين ولا رايح لمين ومعتبر إن دوري مجرد إني استلمهم منك بس.
أصدر حامي صوت معترض وهو يتحدث بما أصاب حسام بالذهول:
أعصابك مش كده.
انتظر حسام حديث منه حتى تنهد حامي قائلا بملل:
هتجبلي عوني راضي المكان اللي هقولك عليه ومعاك عمر و يحيي وتقولي ايه حكاية شوقي باشا ده كمان وأنا هجيبه واللي ليه عند التاني حق ياخده.

يا حامي أنا شغلتي أقبض على الناس دي مش أسلمهالك.
قالها حسام يذكر حامي بماهية عمله فنطق حامي بحدة وقد قطب جبينه:
وهو أنت كنت هتعرف تقبض عليهم من غيري!، كنت هتعرف توصل لواحد منهم حتى في عدم وجودي، عوني راضي أنا خليته سلم نفسه لينا بنفسه وبعد ما كنا بنلف عليه السبع لفات طلب يجي لحد عندنا برجله وأنا رفضت علشان مخونه وقولت هنجيبك احنا...
اختتم حديثه بقوله الصارم:.

اللي عندي قولته أنا كده كده رايح أجيب عوني بنفسي، تحب تروح أنت وأجبلك التاني وهتستلمهم كلهم معترفين بالصوت والصورة ولا أخرجك برا لعبتي ويبقى مني ليهم.
هز حسام رأسه موافقا وهو يقول:
حاضر هديلك أحمد يحكيلك.
بدأ أحمد في الحديث بينما كان حسام ينظر للرقم فجاور يحيى هامسا:
ده مش رقم حامي اللي معاه علطول صح؟
تحدث يحيى بنفس النبرة المنخفضة:
اه هو اداني الرقم ده علشان لو احتاجناه اتصل بيه.

نقل حسام الرقم لهاتفه وأحمد يتابع حديثه راويا كل ما عرفه، استقام عمر وأشار لحسام ليتبعه إلى زاوية ما حتى لا يكون صوتهم مسموع لحامي
سأله عمر:
أنت هتعمل ايه؟

هحدد ال location بتاعه، حامي مش معاه حرس لأنه قالي إن أي حرس في النقطة اللي وصلنالها خطر عليه وعلينا وهيتكشف بسهولة لأنهم هيبانوا حتى لو مشيوا وراه بمسافة، علشان كده لازم أنا أكون وراه أو على الأقل حد تبعي علشان أي خطر أعرف أتصرف من غير ما الفت انتباه حد.
أدرك عمر صحة حديثه ولكن بدر إليه سؤال هام:
طب وعوني هنعمل ايه؟
اختتم حسام الحديث بكلماته التي تحوي الكثير:.

يخلص بس أحمد، وأنا هقولكم هنعمل إيه بالظبط.
محمد استنى.
نطقتها صوفيا بخوف كان تغط في سبات عميق حتى شعرت أن حلمها جزء من الواقع وأي واقع فإنه الواقع الأجمل حبيب عمرها تلقاه لأول مرة بعد غياب سنون.
أكلت بعينيها ملامحه تحفظها كلها عن ظهر قلب وهي تقول له بابتسامة صادقة نزلت دموعها خلالها:
لسه وجودك بيدفي، صورتك كفاية أوي تحسسني بالأمان، أنا مش مصدقة نفسي أنا بجد شايفاك!

خرجت منه كلمة واحدة ولكن كان إحساسها صادق وصل لها:
وحشتيني.
مسحت دموعها سريعا وهي تسأله بلهفة:
بجد، يعني أنت مش زعلان مني؟
ابتسم على كلماتها وهو يجاوبها بما أحزنها وزاد سعادتها في نفس التوقيت:
لا زعلان، بس وحشتيني.
انتوى الرحيل وهو يقول مجددا:
أنا لازم أمشي.
هزت رأسها بنفي راجية البقاء وهي تنطق متوسلة:
خمس دقايق بس.
بدأ فعليا في المغادرة فصاحت ببكاء:
يا محمد طب دقيقتين، دقيقة واحدة بس
أنت عمرك ما ادتني ضهرك.

استدار لها مجددا يلقي عليها ما انتبهت له جيدا:
قولي لحامي ياخد باله، الواحد بيعيش علشان يتعب والدنيا مش كلها راحة هو هيرتاح بس محدش بيرتاح علطول، قوليله يخلي باله علشان مش دايما النهاية هي اللي بنشوفها بعيننا، كل نهاية بداية جديدة لحاجة تانية
اختتم حديثه بكلمة واحدة قالها برجاء وعيناه تحاوطها:
متعيطيش.
قالها واختفى تماما من الأجواء حاولت اللحاق به ولكن شعرت بالعجز يقيدها وهنا استيقظت.

دارت عيناها في الغرفة بأكملها تبحث عنه بعد انتفاضتها من فراشها، ابتسمت وهي تتذكر ما حدث ذلك الشعور الرائع الذي امتلكها حين حاوطتها عيناه، مسحت دموعها وهي تهز رأسها قائلة بألم فقدانه امتزج بفرح رؤيته:
حاضر مش هعيط مع إن مفيش أغلى منك يتبكي عليه.

وضعت رأسها مجددا على وسادتها، أمضت عينيها متمنية تكرار اللحظات التي التقت به فيها ألف مرة بل تكرارها حتى الموت، حتى تذهب له من أحبته بصدق وقدم لها حياته ثمنا، ورحل ولكن لم يرحل أمانه ولا غادر ثانية.
غير طريقه تماما بعد تلك المكالمة التي وصلت له، يريد التأكد من هوية ذلك الكفيف هل هو صديق والده القديم حقا!، قد أوشك على الوصول ولكن عقله يدور.

ما علاقة هذا الرجل والخبايا التي لا يعرفها، أتى أمامه مزلق تخطاه ولكن شعر وكأن أحدهم اهتز في السيارة من الخلف صدق حدسه حين التقطت أذنه عند الإنصات صوت أنفاس منتظمة يحاول صاحبها إخماد أي أثر لها، أوقف سيارته تدريجيا فانقبض قلبها خوفا، التقط سلاحه وهو يقول ضاحكا بسخرية:
طلقة في رجل اللي ورا مش هتخسرني كتير، هتطلع ولا تاخدها.
أسرعت في إظهار نفسها وهي تمنعه مستغيثة:
حامي لا، أنا عائشة.

ظهرت فرأى وجهها ونفسها الذي تلتقطه إذ ضاق من الجلوس في الأسفل أما هي فراقبت تقاسيمه التي ظهر عليها الغضب
فتحدثت بإصرار:
أنا مكانش ينفع أسيبك، وقولتلك هتسلمهم لحسام مردتش عليا.
صاح فيها بشراسة وقد احمر وجهه وبرزت عروقه:
هو الكلام اللي بقوله صعب، ولا أنتِ اللي عقلك خلاص فوت.
أجابت بنفس نبرته المرتفعة مواجهة كلماته:.

لا أنت اللي مبتحسش، عايزني أعمل عليه وأنا شايفاك راجع بتطمن على كل حد وبتبصله كأنك بتودعه ما كان لازم أقلق وأخاف وأنا مش عارفة أنت ناوي على إيه ولا بتعمل إيه.
ضحك بسخرية متابعا بنبرة متهكمة أحرقتها:
اه فقولتي أحسن يروح ميرجعش فأروح معاه بقى وابني يولع مش مهم.
قاطعته تعدل له بانفعال:.

اسمه ابننا، وأنا جيت وراك علشان عايزاه يطلع يلاقي سنده، جيت علشان مترميش نفسك للنار وتبقى زيهم، هما وحشين أنت لا، خوفت تسمع حاجة متعرفهاش فتحتاج إيد تمسك إيدك.
استوقف حديثها بضربته على المقود حيث قال بإصرار لمع بريقه في عينيه:
أنا عايز أسمع اللي مسمعتهوش، عايز أعرف اتعمل كده ليه في أهلي ومين اللي ورا اللعبة كلها، عايز أبويا يرتاح علشان أعرف أروح قبره ومرجعش عند اخر خطوة.

أنا كنت واثقة أنك هتسلمهم لحسام، بس مقدرتش أسيبك، والله ما قدرت أنا روحي بتتسحب مني لما بحس إنك ممكن تكون قلقان أو في خطر، تفتكر إيه ممكن يحصلي وأنا شايفاك رايح تنهي كل حاجة وأنا قاعدة مش عارفة حاجة.
قالتهم بصدق نبع من فؤادها المحب، هو نظراته معاتبة وهي قلبها يبرر قبل فمها.
انتظرت حديثه وعيناها تراقبه حتى رأته يشاور على سلاحه قائلا:
طب أعمل إيه أنا دلوقتي، أقتلك وأقتل نفسي ونفضها سيرة بقى.

لم تستطع كتم ضحكاتها فشاهدت زيتونيتيه وقد ضجا بالغيظ فدافعت:
أعمل إيه يعني عايزة أضحك، أكتم ضحكتي وأشرق!
نظر لسروالها الواسع وبلوزتها التي يعلوها سترة خريفية فتحدث ساخرا:
طبعا لابسة لبس ينفع لتنطيط القرود اللي أكيد عملتيه علشان تيجي ورايا.
تحدثت بضحكة ماكرة:
ده أنت مركز بقى، عموما اه ما هو أنا وراك علشان متخبيش عليا حاجة تاني بعد كده.
رمقها بغيظ فتابعت هي:.

وبعدين أنت المفروض تعتذرلي ده أنا اتخضيت خضة وأنت بتقول هتضرب نار، ده غير إن ما شاء الله عليك حنجرة وأنت بتزعق كانت هتطيرني.
كان الطريق خالي من المارة في هذا الوقت المبكر حتى شاهد إحداهن تسير حاملة باقة من الورود، تذكر ما سرده أحمد منذ قليل فأسرع يضع سلاحه في جيبه مما جعلها تنطق بقلق:
حامي في إيه؟
فتح باب سيارته كي ينزل منها وسط نظراتها المراقبة لتسمعه يقول وهو يغلق الباب بقوة:.

في حد تاني لازم أطيره يا وحش.
أسرع خلفها لم يكلفه الأمر الكثير حتى جذب مرفقها من الخلف فاستدارت بارتباك، استطاع رؤية اختلال توازنها في عينيها فابتسم ابتسامة جانبية ماكرة وهو يقول:
ما اتعرفناش؟
كادت أن تفر ولكن أحكم قبضته على مرفقها وهو يختتم معرفا بنفسه فتحدث بنبرة أحستها نارا تلتهمها:
حامي العمري.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة