قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية لا تؤذوني في عائشة ج2 للكاتبة فاطمة عبد المنعم الفصل الحادي والثلاثون

رواية لا تؤذوني في عائشة ج2 للكاتبة فاطمة عبد المنعم الفصل الحادي والثلاثون

رواية لا تؤذوني في عائشة ج2 للكاتبة فاطمة عبد المنعم الفصل الحادي والثلاثون

قد تبدوا الأيام كمياه رآكدة...
قمر لا ينام، وليال بارة
وتطل الأحلام بالأنوار الواعدة...
فتضيئ الظلام والليالي تنجلي
قد تبدو الايام كمياه ساكنة...
قمر لاينام و غيوم داكنة
و تطل الاحلام بالانوار فاتنة...
فتضيء الظلام والليالي تنجلي
{ من أسطورة إيميلي، ترشيح المتابعة الجميلة ابنة فلسطين الحبيبية فاطمة }.

وكأن الموت يحلق من فوقك، جلس رضوان في غرفة مكتبه يفكر مليا فيما حدث، يحاول إيجاد تفسير ولكن كل التفسيرات المنطقية توقفت هنا.
سمع دقات على بابه فصاح بغضب: قولت مش عايز زفت.
نطقت الخادمة بحذر: يا رضوان باشا الراجل اللي انت حابسه في الأوضة ده عمال يخبط وبيقول عايزك في حاجة مهمة.

قام رضوان من مكانه متوجها نحو الخارج، فتح البوابة بعنف مما أفزع الخادمة وتحرك ناحية الغرفة القابع بها نادر والتي يصدر منها استغاثته، فتح الباب بغلظة مردفا بشراسة: عايز ايه انا مش فايق ليك.
كان كل منهما ينتوي الشر للاخر نادر يتوعد لرضوان بعد خروجه من هنا، و رضوان يتوعد لنادر بأن يفعل بإبنته ما فعل معه.

ولكن تنحت نواياهم السيئة واتجها نحو ما يحدث الان، أردف نادر بوجه شاحب: أنا لقيت الورقة دي متعلقة على الحيطة أول ما صحيت.
نادر تم أخذ هاتفه، فهل تم الكتابة له!
التقط رضوان الورقة مسرعا ليجد بها نفس ما كان في الرسالة الصوتية: صباح الخير على تجمع الشيطان، معاكم محمد صادق العمري، ايه رأيكم نجيب فاتورة الحساب دلوقتي.

لاحظ نادر ذعر رضوان والذي اعتبره مبالغ فيه حين قال: أكيد دي لعبة جديدة، محمد ايه ده اللي هيبعت رسايل، هيبعتها من الآخرة!
أخرج رضوان هاتفه وتهاوى جالسا على الفراش ليفتح تلك الرسالة ناطقا وقد تملكت البرودة من جسده: اسمع ده كده.
انطلقت الرسالة الصوتية ومع كل حرف كانت تزداد معالم نادر شحوبا وخوفا.

نطق نادر بإنكار وقد تملكته حالة من الرفض لما يحدث: ده كدب انا متأكد، احنا مشينا في جنازته. انت مخلص عليه بإيدك وأنا مصور وشايف بعنيا، ده اتصفى من الرصاص يعنى ايه عايش!
تفسيرك ايه للرسالة اللي بصوته.
قال نادر بتبرير محاولا إقناع عقله بأن كل هذا ليس إلا هراء: عادي فيك، السوشيال ميديا بقت تعمل أكتر من كده، أنا متأكد ان حامي هو اللي بعت الرسالة دي.
لاحظ نادر شرود رضوان المباغت فسأله: في ايه؟

قال رضوان وهو يدقق النظر في شاشة هاتفه: السوشيال ميديا كلها مبتتكلمش غير عن ان حامي العمري كان طالع لايف النهارده هو ومراته وابنه.
سأل نادر بصدمة: ابنه مين؟، هو انت مش قولت ان العيل مراته سقطته.
لم ينتبه رضوان لنقطة الطفل ما يشغل باله الآن هو الرسالة، سأل نادر بسبب علمه المحدود في وسائل التواصل الاجتماعي: هو اللايف ده بيفضل محفوظ؟
أردف نادر بإستغراب: في بيفضل، وفي صاحبه بيمسحه بس ليه؟

عرف رضوان من الأخبار أن البث كان من حساب عائشة، ففتح حسابها بسرعة وبحث فيه ليجده أمامه، دقق في توقيت البث وخر قلبه ساقطا حين تيقن أن توقيت البث هو نفسه توقيت إرسال الرسالة.
فأردف بتأكيد: حامي طلع لايف مع مراته النهارده على حسابها، الوقت اللي اللايف اشتغل فيه هو نفسه الوقت اللي الرسالة اتبعتت فيه، سمع رضوان رنين هاتفه فأسرع في الرد حين وجد اسم عدنان
اصطدم رضوان بقول عدنان الثائر: في مصيبة.

هز رضوان رأسه قائلا بتوتر: اتبعتلك انت كمان؟
سأل عدنان مستنكرا: هو انت اتبعتلك؟، هو ده صوته؟، أنا مليش دعوة أنا ظهرت بعد موته، انت متأكد انه مات اصلا.
أكد رضوان وقد شابت ثقته الشك، والخوف: مات وشبع موت كمان...
استأذنه عدنان مردفا بمعالم مضطربة إثر ما يحدث: استنى معايا مكالمة تانية.

أجاب عدنان على المكالمة الاخرى وبمجرد الإجابة علم أنه السيد الكبير، كل مره يقوم بالاتصال من رقم مختلف، نطق عدنان: لقد بحثت في كل مكان، ليس لها أي أثر.
هتف السيد الكبير بتهكم واضح: فلنتخلص منك إذا، لم تعد قادر على إنهاء مهامك.

ضرب عدنان على رأسه ناطقا برجاء: استمع لي فضلا، لدي شك قد يصل إلى اليقين أن حامي العمري قد كشفها، لقد قمت بالاتصال به وقمت بتهديده في حالة أن خطفها وأن والد ميرل له مكانة مرموقة ولن يسمح بهذا ولكن...
أظلمت عيون السيد الكبير وهو يقول: أكمل.
أردف عدنان بحذر شديد خائفا من عواقب جوابه: قال أنه لا يعرف من ميرال، وأخبرني أن أبلغ والدها بأن إذا ضاعت فتاته فلينزل بنفسه ليبحث عنها.

نطق الطرف الآخر بشراسة بانت في نبرته: استمع لي جيدا وقم بتنفيذ ما سيقال لك على الوجه الأمثل.
اضطرب عدنان وازداد قلقا وهو يقول: هناك شيء آخر، لقد تم إرسالة رسالة صوتية إلى جميعنا، سأرسلها لك في الحال.
أرسل عدنان الرسالة الصوتية وانتظر رد السيد الكبير بقلق ليسمع عدنان ما جعله يتنبأ بالأسوء وخاصة والسيد الكبير يقول لمساعده: قم بحجز أول طائرة ستهبط في مصر.

وقفت عائشة في غرفة صوفيا تعد الترتيبات لما خططوا له من أجل عودة زينة و يحيي، كانت صوفيا غارقة في النوم، لتجد عائشة هنا تدخل إلى الغرفة ناطقة بضجر: لا حول ولا قوة إلا بالله خلوا البيت مستشفى مجانين.
ضحكت عائشة على كلماتها ونطقت وهي ترسل ل يحيي صورة الورود كي يقوم بشراء مثيلتها: أنا جيت هنا مخصوص علشان اعرف اتخلص من زنهم.

جلست هنا أمامها وقالت بعيون اكتست بالحنان وهي تربت على كتفها: سيبك من الزن، في حاجة أهم، كنتِ بتعيطِ ليه امبارح.
أشارت عائشة على نفسها بإنكار نافية: أنا لا محصلش.
هزت هنا رأسها رافضة وهي تحذرها بعينيها من الهروب: متكذبيش عليا أنا شايفاكِ امبارح وانتِ قاعده برا لوحدك وبتعيطِ.

مسحت عائشة على وجهها متنهدة عاليا بتعب لتردف بنبرة شبه باكية: بابا كان راجل كويس جدا عمره ما أذى حد ولا جه على حد، كان شريف هو الشرف بقى تهمة؟، أنا كل شوية اكتشف ان حد جديد ليه دخل في أذية أبويا، ليه كل ده خسروه فلوسه ومهانش عليهم يسيبوه عايش موتوه.

صمتت دقيقة ثم نطقت بعيون دامعة: عارفة يا هنا أنا مش بنسى أمي بشوفها فيكِ وفي حنانك وحبك لينا، بشوفها في نيرة وزينة وهما بيجروا على صوفيا، بشوفها في اللهفة اللي في عيونهم، تعرفي هما اتغدر بيهم ليه، علشان بابا سعى بعد ما عرف الحقيقة انه يرجع حق عمو محمد ويفضح رضوان، بس ملحقش.

قالت كلماتها الأخيرة وانفجرت في البكاء الذي امتزج بمتابعتها: بس أنا مش زعلانة لأنهم ماتوا بشرف ماتوا وبابا بيدافع عن الحق والصح اللي علمني أنا وعمر نعمله حتى لو شوفنا الناس كلها ماشية غلط، أنا عايزة حقهم يرجع وحاربت كتير علشان ده بس بقيت خايفة، خايفة اخسر حد تاني أنا مش حمل ده، أنا لما بحس ان حد ممكن يحصله حاجة قلبي بيتقبض وبحس ان الدنيا كلها عايزة تاخد روحي.

فتحت لها هنا ذراعيها قائلة بحنان: تعالي يا عائشة.
اقتربت عائشة فضمتها هنا بحنان ومسحت على خصلاتها مردفة بحب: الحق مبيضيعش لو مرجعش النهارده مسيره في يوم هيرجع، وأنا عايزاك تعتبريني أمك أنا هتبناكِ انتِ بدل الواد يحيي اللي مطلع عيني ده.
ظهرت ضحكة عائشة فتابعت هنا مطمئنة: ربنا يريح قلوبكم يا حبيبتي، قوليلي بقى مش عايزة تاكلِ حاجة.

ضحكت عائشة عاليا وهي تنطق باستنكار: انتِ لو بتحشي دكر بط مش هتعملِ كده، أكلك هيوديني في داهية هتخن كده ومش هعرف الم الواد من اللي حواليه، ده أنا ببقى ماشية احوط عليه من كل حته ولا اللي بتجري ورا فرخة نطت منها في الشارع.
كركرت هنا عاليا حتى أدمعت عيونها فقالت عائشة بحماس: اعمليلي أم على أنا تراجعت خلاص، وبصي حطي قشطة بقى وشوية مكسرات كده، اعملي اللي نفسك فيه كله فيها.

قامت هنا وهي تردف ضاحكة: أنا هقوم اعملك قبل ما تاكليني.
خرجت هنا من الغرفة وآتت عائشة لتتمدد علها تنال قسط من الراحة قبل استيقاظ الصغير وقبل نومها رأت ملامح وجهه المنزعجة فنطقت ببكاء: لا متصحاش لا، حراام.
ارتفعت صرخات الصغير فحملته بيأس ناطقة: بس اسكت خلاص شيلتك اهو، ربنا على الظالم.
داعب الصغير أصابعها بيده فضحكت بحب وقبلته بحنان مختتمة: هات بوسة في عيونك القمر دي.

قبلت عيونه والتي هي نسخة عن والده واحتضنته بحب آملة في حياة هنيئة مع من عشقهم فؤادها.
زهور في كل مكان تنعش القلب، بجانبك الزهور وأمامك المياه، جلس حامي على طاولة في هذا المكان الهادئ والتي جاورها طاولات عدة، مكان بسيط لا يرتاده إلا من أراد تصفية ذهنه، ولا يعرفه الكثيرون لذلك أصبح نعم المأوى لمن أراد صحبة البحر.
تقدمت ذلك السيد المسن من حامي وأعطاه القائمة قائلا بود: تطلب ايه؟

سأله حامي وهو يتأمل المكان من حوله: مين صاحب المكان ده؟
أردف الرجل وهو يشير على زوجته التي تقدم الطلبات أيضا: المكان بتاعي أنا ومراتي زي ما انت شايف مكان بسيط لكن جماله في قلوب اللي بيقعدوا فيه كفاية انه في دهب حته فيها ريحة أرض الفيروز.
خلع حامي نظارته ووضعها على الطاولة قائلا بإبتسامة: المكان حلو بروحكم انتوا.
ابتسم الرجل بإمتنان قائلا: ربنا يباركلك يا بني...
قاطعه حامي سائلا بجدية: تحب تشاركني؟

سأله الرجل بإستغراب: أشاركك ازاي؟، متزعلش مني بس انت باين عليك حاجة كبيرة، هتعمل ايه بالمكان البسيط ده؟
طلب منه حامي بلطف: طيب أنا عايز قهوة، أما بالنسبة لموضوع الشراكة أوعدك هجيلك مخصوص وأعرفك هنتشارك ازاي.

أومأ الرجل موافقا ببهجة وانصرف ليحضر له ما طلب، فوجد حامي أحدهم يجلب مقعد مقابل له، تحولت نظرات حامي للشراسة وهو يقول بسخرية: عاش من شافك يا رياض، شوفت أنا غلبان ازاي سيبت عدنان يهربك، علشان زي ما قولتله هو كلب وانت عضمة وحبيت اسيبوكوا تتلهوا ببعض.
مط حامي شفتيه متابعا: قولي بقى اتصلت بيا وطلبت تقابلني لا وجتلي هنا مخصوص حتى بعد ما عرفت اني مش في القاهرة، ايه مش خايف احسن تترمي عندي تاني.

هنا اندفع رياض قائلا بإرتباك: أنا أكتر واحد فاهم فيهم واكتر واحد عارف ان اللعبة دي هتخلص وانت الكسبان الوحيد، وأنا مش عايز اخسر انا جايلك برجلي ومن غير لا خطف ولا حبس وبقول اني عايز اكون معاك.

رمقه حامي بإستهتار ساخرا فأعاد رياض ملحا: اشتري مني، أنا مش عايز حاجة من الموضوع ده كله غير اني اخرج سليم حتى فلوس مش عايز، أنا لما عدنان هربني قولت اخيرا جه واحد اقوى من حامي وكده يبقى أماني معاه، لكن بعد تعامل اكتشفت ان الكسبان هو انت ومش هكدب عليك أنا مصلحتي مع اللي هيطلعني سليم.

كانت نظرات حامي دارسة يدرس كل كلمة يتفوه بها رياض، حركاته، أصغر التفاصيل، نادى حامي على صاحب المكان وطلب منه ورقة فارغة وقلم مما أثار استغراب رياض وهو يكرر: مردتش عليا.
أخذ حامي الورقة وفردها على الطاولة، والتقط كف نادر ووضع القلم بداخله قائلا وهو ينفث دخان لفافة تبغه: امضي.
ابتلع رياض ريقه بتوتر وهو يقول بمعالم قلقة: امضي على ايه، أنا بقولك جربني.

أظلمت زيتونيتاه وهو ينطق بنبرة ميزته: حامي العمري مبيجربش، حامي العمري بيتعامل وبس، شغل يا تصيب يا تخيب ده مش بتاعي أنا عندي النتيجة الوحيدة المقبولة إنها تصيب علشان كده بقيت حامي العمري، عايز تعرف هتمضي على ايه انا هقولك، الورقة دي هقدر بيها أوديك في ستين داهية حتى لو أنا ميت هعرف اخلص منك بيها.
صمت حامي وهو يرى الذعر البادي على وجه رياض جليا فتابع ضغطه عليه وهو يختتم بغمزة:
ها، هتمضي ولا اتعامل.

شراسة كست عيون لتشن الذعر في عيون اخرى حتى صارت النظرات في هذا الموقف هي الحاكم الأول والأخير.
وقفت سالي في المطبخ التابع لقصر رضوان تصنع كوبا من الشاي فأثار فزعها صوت رضوان الصارم من خلفها: بتعملي ايه عندك؟
تأففت بضجر ومطت شفتيها بضيق وهي تقول بإبتسامة مستفزة ضاغطة على أحرف كلماتها: بعمل شاي لجوزي، ووريثك بعد عمر طويل كده إن شاء الله، أصله عنده بحث ولازم مراته حبيبته تساعده تخلصه.

ضحك رضوان عاليا وأتبع ضحكاته بقوله الساخر: صوتك طلع وطموحك بقى للسما، هو انتِ مفكرة انك هتعيشي لحد ما عمر يورثني، ده انا ارمي مالي في الشارع ولا إن واحدة زيك تطول منه جنيه.

وعلى حين غرة باغتها بصفعة على وجهها فوقع الكوب منها لتنسكب المياه الساخنة على قدمها فارتفع صراخها وزاد الألم بقوله المتشفي: ابن حامي طلع عايش مش ميت زي ما قولتِ يوم ما كلفتك تجيبه، اللي شفعلك عندي بس ان الكل كان مفكره ميت عرف يلعبها صح ويخبيه في أكتر وقت كان سهل نوصل ليه فيه، المره دي كفاية عليكي كده مقابل انك مشيتي ورا معلومة غلط، المرة الجاية بقى...

هنا صمت عن الحديث بسبب دخول ابنه المربك والذي هرول ناحية سالي مردفا بصياح قلق: مالك بتصرخي ليه؟
أشارت على قدمها فأجلسها علي على المقعد مسرعا وهرول ناحية المبرد يخرج زجاجة مياه باردة واتجه ناحيتها وهو يحاول تهدئتها قائلا: اهدي يا سالي
صب الماء فوق قدمها المصابة بالحرق لتغمض عينيها بألم بينما استدار هو لوالده أثناء نزول الماء ونطق غاضبا: مين اللي عمل فيها كده.

تحدث رضوان ببراءة: وقعت الشاي على نفسها، شكلك واخد عقلها كمان مش قلبها بس.
قالها وتوجه نحو الخارج وهو يسبها فلا ينقصه كلماتها السامة هو الآن مضطرب ويهاب كل شيء هذه الرسالة جعلت حتى نسمات الهواء لها أثر مفزع لديه.
شقة مغلقة على صاحبتها عمها الظلام من كل جانب، كانت تجلس على الأرضية تدفن رأسها بين يديها إلى متى سيظل الوضع هكذا، تذكرت اخر لقاء والتي ظنت أن الخلاص بعده ولكن خاب ظنها
Flash Back.

استدار حامي ليجد إحداهن ترتدي ملابس رسمية فرجح أنها تعمل عند رضوان وقبل أن يتكلم تحدثت هي: أنا عايزة اتكلم مع حضرتك مش هاخد من وقتك غير نص ساعة بس عايزاك تسمعني فيها.
قال وهو يتوجه إلى ركوب السيارة: هخلي حد من الحرس يديكي عنوان الشركة وخدي ميعاد و هقابلك علشان مش فاضي دلوقتي.

جذبت مرفقه فاستدار لها يرمقها بحدة أصابتها بالذعر فتراجعت يدها تلقائيا وقالت بإرتباك: أنا أسفه والله بس الموضوع مهم، أنا كنت جارة مدام سارة في الشقة اللي كانت فيها قبل ماتمشي وأعرف الولد اللي كان بيطاردها.
أشار لها على سيارته بعد أن تيقن من أن ماستقوله ضروريا وقال بحزم: اركبِ.
Back.

شردت بعقلها في هذا اليوم الذي تمنت فيه الخلاص من كل شيء، ولكن قبل دخولها إلى السيارة وقعت عينها على عدنان الآتي إلى الشركة ربما لمقابلة رضوان وقبل دخوله اخترقتها نظراته فهرولت تفر ومنعت نفسها من الركوب ولم يلحق بها أي منهم
منذ ذلك اليوم وبعد عواقبه التي عانتها هربت إلى هذا المنزل ولم يعرف أحد طريق لها.

قامت من مكانها على الأرضية متوجهة ناحية صورة معلقة على الحائط، تحسست ملامح الفتاة الموجودة في الصورة بدموع لتنطق من وسط دموعها:
شكرا، بجد شكرا ليكِ يا كريمان، شكرا على كل حاجة ادتيهالي وانتِ عايشة وبعد موتك، وآسفة على الولا حاجة اللي قدمتها.
أنهت كلماتها وجلست على الأرضية باكية بوجع وعيونها لا تفارق الصورة وكأنها تتمنى أن تخرج منها لتحتضن آلامها.
في المساء.

داخل إحدى صالات السينما، التقطت نيرة منديل ورقي اخر تمسح به دموعها وأردفت وهي تمط شفتيها بحزن: شايف يا عمر بيعمل ايه علشانها.

استدار عمر يرمق القاعة الفارغة والتي لم يتبق بها سواهم لينطق بغيظ: لا انا مش شايف غير السينما اللي محدش قاعد فيها غيرنا، ده فيلم ده ندخله الناس كلها قامت وسابته وانتِ عماله تعيطي وتشدي مناديل، أنا قولت من الأول بلاش دهب، بلاش تودوا نيرة حتة تبقى قريبة فيها من أماكن تخرج فيها علشان نيرة في التنطيط متعرفش أبوها.
رمقته بضجر ووكزته في كتفه ناطقة بضيق: طب اسكت بقى. اسكت علشان انت فصلتني.

تفرق ايه القعدة هنا عن القعدة في البيت على الأقل في البيت هنلاقي ناس تتفرج معانا، مش هنا قاعدين لوحدنا نهش الدبان.
صاحت فيه بإستنكار وهي تبتلع حبات الفشار: دبان، وبيت!، فين عمر الرومانسي، فين عموري اللي وقف قالي بحبك في نص الشارع، انت لا يمكن تكون عمر زوجي قرة عيني، انطق واعترف انت واحد من العصابة اللي خطفوا عمر وجايبينك مكانه علشان شبهه صح!

لم يستطع منع ضحكاته الرنانة والتي أتبعها بربته على يدها قائلا: طب خلاص متزعليش اتفرجي.
ابتسمت بحماس وهي ترمق شاشة العرض يإهتمام، فقطع اهتمامها صوته: نيرة.
لم تلتفت بل أردفت بعدم اهتمام: نرغي بعدين الفيلم مهم دلوقتي.
ضحك رافعا حاجبه الأيسر وهو ينطق: بقى كده؟، خلاص ارجع الكاميرا اللي جبتها بقى.
استدارت له مسرعة وهي ترمقه بعدم تصديق مكررة: انت قولت كاميرا؟
سألها بسخرية: والفيلم يا نيرو لا ما يصحش.

قالت وهي ترمق تلك الحقيبة المميزة بيده: يولع الفيلم، ده حتى وحش اساسا احنا ليه مقعدناش في البيت؟
ضحك عاليا وهو يخرج من الحقيبة تلك الكاميرا الفورية ذات اللون الوردي والتي تقوم بطباعة الصور التي يتم التقاطها بشكل فوري على كروت صغيرة حتى يتمكن صاحبها من الاحتفاظ بالذكريات الجميلة.
أخبرته نيرة عنها ذات مرة بحماس شديد فسبقها وقام باشترائها لها.

أعطاها لها فانتشلتها وهي ترمقه ضاحكة بغير تصديق فامتزجت ضحكتها بقوله الصادق: بحبك يا نيرة.
احتضنته قائلة بصدق كساه فرحتها العارمة: أنا كمان بحبك اوي يا عمر، انت جبتلي حاجة انا مطلبتهاش اصلا لمجرد انك شوفت اهتمامي بيها ودي عندي بالدنيا كلها.
وضعت الكاميرا بحرص في حقيبتها الأنيقة، وأعادت رأسه إلى الشاشة عنوة هاتفة بإصرار: نكمل الفيلم بقى.

كان قلبها يطير فرحا ف عمر هو الحبيب الأول سبب فرحها وعذابها، ولكن لم يعد القلب يحمل أي عتاب له فلقد صدق وعده وحبه.
توجهت عائشة نحو الخارج بصحبة زينة والصغيرة التي بمجرد أن رأت حامي يستند على سيارته هرولت ناحيته مردفة بفرح: حامي.
مال عليها ليحملها بين يديه فقبلته على وجنته مردفة بحماس: انت هتيجي معانا؟
سألها حامي بعينيه عن مكان ذهابهم.

فرمقتها عائشة بتحذير ثم استدارت لحامي تقول بتوتر: لا ولا حاجة، هنتمشي شوية نتفرج على المكان ونتشري حجات.
أنزل حامي الصغيرة فتشبثت بكف زينة ناطقة بإصرار: يلا نسبق عيوش ونستناها عند الباب اللي برا خالص.
تحركت زينة معها مجبرة وهي تردف بنفاذ صبر: طيب يا عائشة هستناكِ.
غادرا ومع اول خطوة لعائشة كي تتبعهم جذبها حامي من مرفقها مستفسرا: هتقولِ راحه فين وبتعملِ ايه ولا متخرجيش خالص.

تنهدت بضجر قائلة بغيظ: هصالح زينة ويحيي، ومش هقول أي حاجة تانية، عايز تيجي معانا تعالى.
هو يعلم أنها لا تريد وجوده حتى تستطيع إكمال مخططها بنجاح فظنت أنه لن يأتي ولكن صدمها حين نطق بإبتسامة ماكرة: نادي عليهم واركبوا عربيتي.
رمقته بغير تصديق فضحك لها مردفا بلهجة أثارت غيظها: يلا يا وحش مش هنتنح لسه.
بعد فترة من الوقت.

توقفت سيارة حامي بعد أن طلبت عائشة أمام محل يظهر عليه أنه للإكسسورات النسائية، قالت عائشة بقلق: بقولك ايه يا زينة انزلي اتفرجي كده وأنا جاية اهو.
استغربت زينة فأردفت بدهشة: طب ما تنزلِ معايا يابنتِ يلا.
هقول لحامي حاجة وانزل.

وافقت زينة وأخدت الصغيرة ونزلت بها متجهة نحو ذلك الإطار الزجاجي المتواجد بالمحل لتتابع بعينيها الأشياء وتنتقي منهم ما يعجبها، مالت على الصغيرة تسأل بحماس: ايه رأيك في الخاتم ده يا ليو؟

آتت الصغيرة لتتفحصه وانتظرت زينة جوابها فشهقت الصغيرة واضعة يدها على فمها وهي تشير على الزجاج فنظرت زينة لما تنظر إليه لتجد يحيي ظاهر في المرآة فاستدارت مسرعة لتجده يرفع الورود الحمراء في وجهها قائلا بإبتسامة لامعة: أنا اسف.
نطقت الصغيرة موبخة: أنا قولت تقدمه كده؟، انت كده بتضربها بيه في وشها.

كانت زينة متيبثة مكانها فوضع هو الورود بين زراعيها قائلا بإرتباك: بصِ أنا مليش في جو الورد ده فاقبليه كده، وبحبك واسف وانا استاهل كل حاجة بس مستاهلش تبعدي عني.
وضعت زينة يدها على فمها ضاحكة بغير تصديق وأشارت له الصغيرة أن يكمل باقي الكلمات التي أحفظوها إياها ولكنه تابع وهو يخرج الخاتم من جيبه: عارفة لو بعدتِ عني أنا هضيع هيلموني من الشوارع، يرضيكي أضيع طيب؟

رمقتهم سيدة ما بإستغراب فصوت يحيي عالي واندهاش زينة مثير للريبة فاستدار لها يحيي سائلا: يرضيكِ اضيع ياحاجة طيب؟
قالت بضحك: لا طبعا يابني ميرضينيش، تعالى لو مش عايزاك أنا عندي بنت زي العسل هجوزهالك.
عاد يحيي لزينة وهو يؤكد: اهو بصي بضيع اهو، البسِ الخاتم بسرعة بقى قبل ما ألاقيني كاتب كتابي على بنتها.
تناولت من الخاتم بحذر وهي تسأله بعيون معاتبة: مش هتعمل كده تاني؟

قالت الصغيرة تسانده: لا يا زينة مش هيعمل كده تاني، هو عرف غلطته و أنا بحبه فحبيه.
حمل يحيي الصغيرة صائحا بفرحة: أول مره تقولِ كلمة حلوة في حياتك، اسمعِ يا زينة الكلام بقى وحبيه.
لبست زينة الخاتم ورمقته بعيون لامعة وهي تضحك: مسامحاك وبحبك.
في سيارة حامي
صرخت عائشة بفرح: أنا نجحت، بص دي بتضحكله صح، علشان تعرف بس ان خططي مبتنزلش الأرض ابدا.

صمتت فجأة ولمعت عيونها وهي تنظر من الزجاج فلمح حامي ما تنظر له فابتسم وقال مقاطعا انسجامها: ا
نزلِ
نزلت خلفه وهي تحاول لحاق خطواته السريعة تسأله بتعجب: طيب رايح فين؟
وقف أمام ذلك المحل الصغير والذي تمتلكه شابه لتبيع أطواق الورد التي صنعتها بكل حب.
ابتسمت عائشة وهي ترمقه بحب وانتقى هو طوق من الورد الأبيض ووضعه على رأسها هامسا بجوار أذنها: الورد ما يليق غير بأميرة قلب الوحش ياوحش.

تاهت عيونها في زيتونيتيه أما عن الشابة صاحبة المكان فاستندت على الحائط ضاحكة ضحكة بلهاء وهي تسأل بهيام: هو في كده.
انتبها لها، ونظرت عائشة للجهة الآخرى بخجل ولكن قطعه صوت الفتاة: أي حد بيشتري طوق ورد من عندي بياخد ورقة من دول ويبقى جمال قلبه من اللي مكتوب في الورقة.
قربت الفتاة الأوراق فقالت عائشة بفرح له: اختار انت.

هز رأسه برضا وانتقى ورقة من المنتصف وأعطاها لها مترقبا فتحها، فتحتها بحماس لتلمع عيونها أمام ما دُوِن بها:
قد تبدوا الأيام كمياه رآكدة...
قمر لا ينام. وليال بارة
وتطل الأحلام بالأنوار الواعدة
فتضيئ الظلام والليالي تنجلي
ارتفعت ضحكاتها وهي تقول بفرح: دي أغنية كارتون إيميلي، أنا بحبها اووي.

سعد قلبه لفرحتها، هو يحاول إمضاء أكثر وقت ممكن معها فالأيام القادمة ستكون أصعب على الجميع. هو يتمنى تحملها، يأمل حبها، يكره هجرها، ويرغب أن تبقى آسرة القلب مكبلة في الفؤاد.
بعد مرور عدة ساعات
ظلام دامس حل على الأجواء، التقط أحدهم أداة الحفر وبدأ في حفر تلك الحفرة التي ستضم جسد من كُلفوا به.

انتهي من الحفر ليشير للإثنان معه، فسحبا ذلك الملقى على الأرضية والذي لم يكن سوى عمر وألقياه في هذه الدائرة الواسعة ليقوم قائدهم بدفع التراب ليغطي به جسده، ويغلق الحفرة عليه ناطقا بشر: كده تمام يارجالة، بلغوا الباشا انه حصل، و عمر الزيني بقى تحت الأرض.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة