قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية لا تؤذوني في عائشة ج2 للكاتبة فاطمة عبد المنعم الفصل الثاني والثلاثون

رواية لا تؤذوني في عائشة ج2 للكاتبة فاطمة عبد المنعم الفصل الثاني والثلاثون

رواية لا تؤذوني في عائشة ج2 للكاتبة فاطمة عبد المنعم الفصل الثاني والثلاثون

هل الندم يجدي؟، أم أن كلماتنا كانت أمر مخزي؟
هل يشفع عبق الزهرة شوكها، أم يُنسي ألم الشوك حبها؟
أخبرني هل حبنا سينتصر؟، أم أملنا سينكسر؟
يقولولن أنك بضعة مني وأنا بضعة منك، ولكني أؤكد لك أنك كلي.
فيا كل كلي لا تجعل عقابك هكذا، يا جلاد أسيرتك بحب شتت فؤادها ارحم آهات قلبها الذي امتلكته إجبارا ورضت هي بإجبارك هذا عن طيب خاطر.
يا صاحب قلبِ كن معي.

اضطراب، وهرولة لا تعلم أين ستنتهي، توقف بها في مكان شبه خالي اعتمد على ضوء تلك الحبات التي تزين السماء بجمالها، جلس على الأرضية واستند بظهره على الحائط مرددا: اقعدي.
تفحصت المكان حولها بنظراتها وهي تقول بإعتراض: طب انت جبتنا هنا ليه دلوقتي؟، يحيي وزينة ولينا اكيد بيدوروا علينا.
جذب يدها لتجلس جواره قائلا بسخرية: ملكة في الزن والفصلان، اقعدي انا عايز نقعد ساكتين كده.

آتت لتتحدث فأشار لها بالصمت محذرا فصمتت وهي تكتم ضحكاتها ناظرة للسماء مثله، مالت مجددا نحو حقيبتها لتقوم بفتحها وهي تقول بحماس: أنا معايا كوكيز كنت جايباه أنا ولينا، تعالى ناكل علشان أنا قلقاني القعدة دي.
لم يجب عليها بل ثبتت نظراته العميقة مصوبة للسماء فوضعت شيء آخر ولوحت به أمام عيونه ناطقة بمرح: طب بلاها كوكيز تاكل لب؟
واجهها بزيتونيتيه مردفا بإبتسامة: انتِ عايزة ايه؟

قبل أن تجيب احتجزها بين يديه ساندا ذقنه على كتفها وهو يقول: بس اثبتي بقى.
رفعت رأسها له مردفة بغيظ: يعني انت جايبنا هنا نتأمل مثلا، ما...
كمم فمها بيده مقاطعا إياها، وأعاد رأسها مكانها ناطقا أثناء نظره للسماء: العيشة من غير رغي أحسن بكتير جدا، لازم ببقى في اختراع كده كاتم صوت علشان وقت ما نزهق من رغي اللي قدامنا نكتمه، ولحد ما يخترعوه بقى ايدي موجودة.

سمعا صوت خافت فرفعت رأسها له مسرعة تشير له بعينيها هل سمع ما سمعته؟
تخلصت بصعوبة من أسره، وهبت واقفة سارت بحذر تتفحص مصدر الصوت حتى توصلت أنه هنا.
ذهبت لزوجها ومالت هامسة: بص انت قوم ارفعني بس اعرف امسك السور ده وانت اطلع بعد كده.
رقمها مستنكرا حديثها فتابعت: صدقني الصوت جاي من ورا السور ده، هو مش عالي بس انا مش هعرف اتعلق فيه لوحدي قوم ارفعني نشوف احسن يكونوا بيقتلوا حد هنا.

لم يستطع كبت ضحكاته وهو يحرك رأسه بمعنى لا فائدة منها فترجته بعينيها وهو تمط شفتيها بتصنع الحزن، قام من مكانه فسبقته بحماس ووقفت أمام السور، تقدم منها ورفعها حتى استطاعت أن تتعلق بيديها بحافة السور وترفع رأسها بحذر تشاهد ما يحدث بإنبهار، ثم فعل هو فعلتها وأصبح بجوارها، وهو لا يستطيع كبت ضحكاته فأشارت له محذرة بالصمت.

رمقا الإثنان ما يحدث ليجدا طفل وطفلة، اقترب الصغير من الفتاة وبيده حقيبة مميزة ناطقا بفرح: أنا حوشت كل مصروفي علشان اجبلك العروسة دي في عيد ميلادك.
علت الضحكة وجه عائشة و استدارت غامزة لحامي تنبهه بما يحدث فعاد تركيزهما ثانيا حين قالت الفتاة بفرح وهي تقبض على الهدية كمن وجد كنز ثمين:
شكرا يا كرم دي أحلى هدية جاتلي النهاردة، بس انا زعلانة منك انت ليه مجتش العيد ميلاد بتاعي؟

همس حامي لعائشة بجوار أذنها ناطقا بتأكيد: اهي البت دي نكدية زيك بالظبط.
استدارت له ترمقه بغيظ فأعاد نظره إلى الطفلين قائلا: اتفرج يا وحش اتفرج.
ركزت عائشة مع ردة فعل الصغير الذي برر فعلته ببراءة: علشان ماما رفضت اني اجي عندكم، مامتي ومامتك متخاصمين، أنا نفسي يتصالحوا بقى علشان ننزل سوا نلعب هنا تاني، لكن احنا بيتنا جنب بعض ومش بنلعب سوا.

مطت عائشة شفتيها بحزن لتجد الصغيرة تتفوه ب: أنا كمان ماما لو عرفت اني اخدت الهدية منك هتزعل مني، بس احنا اصحاب وانا اول ما شوفتك من البلكونة قولت لازم انزل علطول اسألك ليه مجتش.
صمتت الصغيرة ثم سألته بخجل: طيب أنا أقول لماما مين جاب العروسة دي؟
مط صديقها شفتيه بحزن وهو يقول بخيبة: مش عارف.

أصدرت عائشة صوت لتنبيههم وقبل أن يمنعها حامي من فعلتها المتهورة تنبه لها الأطفال، أشارت لهم بالإقتراب وهي تهمس: تعالوا أنا هقولكم تعملوا ايه.

نظرا الصغيران لبعضهما بتفكير ثم سريعا ما هرولا يقفا أمام السور منتظرين قولها الذي سيدبر مشكلتهم الكبيرة بالنسبة لسنهم، نظرت عائشة لحامي فأردف بضجر: حلي المشكلة بقى يا سفيرة النوايا الحسنة بدل ما أهالي العيال دول يصحوا ويفكرونا خاطفين أطفال، وساعتها هسيبك تباتي في الحجز يمكن يعدلك.
سألت الصغيرة مستفسرة: هو عمو متضايق ليه؟
جاورها صديقها قائلا: انتوا كمان ماماتكم متخانقين و مش عارفين تكلموا بعض؟

ابتسمت عائشة على طفولتهم ولمحت ضحكات حامي على الموقف الذي وُضعوا به، فقالت عائشة حين لمحت إلحاحهم على معرفة حل لمشكلتهم: بص انت يا صغير الأول، انت بكرا هتروح لمامتك تقولها انك حوشت فلوس واشتريت هدية لجارتك اللي كنت بتلعب معاها وروحت قدمتهالها لأن الرسول عليه الصلاة والسلام وصى على سابع جار ومينفعش أبدا نقاطع جيرانا، وتقولها انك لما قدمت الهدية ليها هي خدتها وقالتلك انها مش زعلانة منك وان مامتها قالتلها انكم تتكلموا عادي لأن مشاكل الكبار الصغيرين ملهمش دعوة بيها.

استأذنها الصغير وقد راق له الحديث كثيرا: طنط طنط ممكن تستني وتعيدي من الأول تاني اكتبهم.
اعترض حامي مسرعا فهو لا يعجبهم حالتهم هذه ونطق بتهكم: تكتب ايه يابني انت، انتوا اندهوا أهلكم أسهل نسمعهم احنا الكلمتين دول.
حذرته عائشة مردفة بحزم: حامي متدخلش في شغلي لو سمحت.
ردد كلمتها بإستنكار: شغل!، شغل ايه يا ماما فوقي انتِ متشعلقة على سور يعني أي كائن معدي ممكن بطوبة يجيبك الأرض.

عادت عائشة للصغير بعد أن ألقت حامي بسهام ضجرها قائلة: اقعد زعق بقى وافضحنا.
أعادت كلماتها مجددا للولد حتى يستوعبها وبعد أن تأكدت من فهمه لها سألته بحماس: ها خلاص كده فهمت هتعمل ايه؟
هز الصغير رأسه بفرح موافقا ثم تقدمت الصغيرة لتقف أمام مكان حامي قائلة بإستفسار: وأنا يا عمو هعمل ايه؟
رفعت عائشة حاجبها ناطقة بغيظ: هو أنا شفافة ولا ايه، ده حتى انا اللي قولت هساعدكم.

سألت الصغيرة ببراءة: يعني عمو مش هيشارك؟
ضحكت عائشة بغيظ قائلة: لا سيبي عمو هو بيحب يتفرج بس في المواضيع الصغيرة دي، احنا بنشيله للتقيلة علشان يتعامل.

ضحك حامي على كلماتها المتهكمة وعادت هي للصغيرة تقول بتخطيط: انتِ قولي لمامتك ابن طنط جارتكم نده عليكِ وقدملك الهدية دي وانتِ قبلتيها منه لأنه هو كده بدأ بالصلح والإنسان الأحسن هو اللي يبدأ بالسلام، وانتِ صالحتيه و قبلتيها وقولتيله انك مش زعلانة منه وقولتيله أنا ماما علمتني ان مشاكل الكبار الصغيرين ملهمش دعوة بيها وهو كمان قالك ان مامته بتحبكم اوي.

اختتمت عائشة حديثها مؤكدة: بعد الكلام ده هما هيتصالحوا من نفسهم، وهترجعوا تلعبوا تاني مع بعض.
قفزت الصغيرة بفرح قائلة: هيييه.
وألقت لهم قبلاتها في الهواء مرددة بإمتنان: شكرا يا طنط، شكرا يا عمو.
أردف الصغير هو الآخر بنفس البهجة: شكرا يا طنط، شكرا يا عمو، ثم اقترب من حامي قائلا بصوت خافت مشيرا على عائشة: ولو عايز مامتك تصالح مامتها تعالى بكرا وأنا هقولك تصالحهم ازاي.

تبادلا حامي و عائشة الضحكات وودعا الطفلين وهما يهرولا ناحية منزلهما خوفا من اكتشاف أمرهما، نزل حامي أولا ثم حمل عائشة لينزلها مردفا: مش سهل انت يا وحش.

ارتفعت ضحكاتها المرحة وقد راق لها الإطراء لتقول: عارف الاتنين اللي متخانقين دول بعد الكلام اللي عيالهم هيقولوه ليهم هيتكسفوا من نفسهم جدا، ان أولادهم مراعيين حجات هما نفسهم الكبار مش قادرين يراعوها وحتى لو الزعل بينهم كبير هيصفوا من ناحية بعض شوية وهيخرجوا ولادهم من مشاكلهم مع بعض.

جلسا على الأرضية مجددا كانت تعتدل في جلستها فسمعته يقول بحنان: كل يوم بتثبتيلي اني كنت صح لما مسكت في اخر حتة كانت فاضلة من ماضي عيل صغير نسي يعني ايه نور.
دندنت له ضاحكة بمشاكسة: قبل ما تشوفك عينيا. عمر ضايع يحسبوه ازاي عليا، عليا، انت عمري.

احتضنها فشعرت بالأمان وهي تتوسد صدره، ودت لو صرحت له انها تشعر بالخوف الآن، مرارة الفقد تثير رعبها وتحطم أحلامها، هي تخاف فقدان أي منهم، تخاف أن تكون اللحظات الممتعة تحمل في طياتها الكثير من الألم ولكن ما يجعلها تكافح، وتقاوم هو الأمل.
صدر رنين هاتفها فالتقطته بإستغراب قائلة: ده رقم دولي، اكيد حد غلطان.

قبل أن تتابع حديثها وجدت فيديو مرسل من نفس الرقم، فتحته لتشهق بفزع وهي ترى شقيقها يتم دفنه تحت التراب.
انسحبت انفاسها وحاولت التقاطها بصعوبة شديدة، والتقط منها حامي الهاتف يشاهد ما به فحاول تهدئتها ولكن بماذا يتفوه وهو نفسه قد اختل ثباته.
وجدت الرقم يتصل ثانيا وقبل أن تجيب كان حامي يضغط على زر الإجابة ففتحت مكبر الصوت ليسمعا الطرف الآخر يقول: مرحبا سيدة عائشة.

أجاب حامي بدلا عنها ناطقا بشراسة: معك زوجها، ما هذا الهراء الذي أرسلته؟

أردف المتصل بنبرة خبيثة: ليس هراء سيد حامي انه حقيقة واضحة، السيد الكبير أراد إبلاغك بأن هذا أول رد على فعلتك، سنرسل لك المكان الذي تم دفنه به، لقد تركناه هناك ورحلنا، علك تستطيع إيجاده على قيد الحياة، إن عاش فعليك أن تعلم أن هذا مجرد إنذار لتحذر، وإن مات فعليك أن تتعلم الدرس جيدا وأن تعيد ميرال وتنفذ الأوامر بدلا من خسارة أحبتك بالترتيب، سيدة عائشة أتوقع سماعك لي الآن، يجب أن تعلمي أن ما حدث لشقيقك سببه الأول هو فعلة زوجك.

هو الرفض كسى زيتونيتيه، وهي الصدمة ألجمتها توقف عقلها عن التفكير وأعلنت دقات قلبها الحرب عليها وكأنها في سباق ولكنه السباق الوحيد الذي خشت نهايته.
في حديقة قصر رضوان
جلس رضوان شاغلا تفكيره في كل ما يحدث هو لا يستطيع إتخاذ أي خطوة قبل أن يأتيه الأمر، قطع انشغاله دلوف علي من بوابة القصر فنادى عليه
نظر له علي بضيق ولكنه حسم أمره واتجه ناحية والده ناطقا بجدية: نعم؟

طلب منه رضوان بهدوء: ممكن تقعد علشان نعرف نتكلم.
جلس علي على المقعد المقابل بتذمر ليسمع حديث رضوان الفاتر بالنسبة له: انت عامل ايه بقالنا كتير ماتكلمناش مع بعض.
هز علي رأسه ونظراته تخترق والده أثناء نطقه: أنا كويس، بس لسه بدور على دنيا، معرفتش برضو لسه تلاقيها يا بابا ولا انت نسيت ان عندك بنت اسمها دنيا؟

ضرب رضوان على الطاولة بعنف وهو ينطق بشراسة: انت اللي ابني، دي واحدة تربية ست وشاربة منها صحيح دمي بيجري في دم البت دي بس كرهي ليها ملوش حدود، أنا سامحتك على كل حاجة يا علي، لازم تسمع كلامي وتبقى ضهري اللي يسندني، سيبك من دور الشرف والقيم ده مبيأكلش عيش، ايه اللي حصل يعني كنت شايفني واحد شريف وطلعت غير كده مش مشكلة افتكر ان لو كنت بقيت راجل بتاع مباديء كنت هتتشرد وكان أبوك هيموت وانت عيل.

ظهر الاستنكار على وجه علي ونطق بإشمئزاز: أنا بجد قرفان، أول مره أشوف واحد بيدي مبررات للوساخة.
صفعة قوية نزلت على وجه علي ولكن هذه المرة لم تكس الصدمة معالمه بل رمق والده باستهزاء فشخص مثل رضوان متوقع منه أفعال هكذا، سمعه يقول بشر وقد بان في عينيه الحقد: أنا لحد دلوقتي بتكلم معاك بالحسنى و بلهجة رضوان أبوك، لو عايز تتفرج على رضوان بتاع برا أنا ممكن أوريهولك.

قطع حديثهما دلوف أحد حراسه والذي قال مقاطعا: أنا أسف يافندم بس في حد جه وساب لحضرتك الظرف ده برا، هو قال ان حضرتك طلبت منك يجبلك الورق من الشركة وهو سلمه للحرس ومشي.
انتشل رضوان الظرف من يده مردفا باستنكار: ظرف ايه وورق ايه اللي هخلي حد يجبهولي من الشركة.
أخرج رضوان الأوراق المتواجدة بالظرف وتتطلع لمحتواهم لتجحظ عيناه قبل أن يغلق الورق مسرعا كمن يخفي سر وهو يصيح: الحقوا اللي جاب الورق ده بسرعة.

قال الحارس بتوتر: يا فندم مشي هنلحقه ازاي ده كان راكب عربية.
صرخ فيه رضوان بغضب وقد بدا كمن فقد عقله: انت سمعت أنا قولت ايه.
حرك الحارس رأسه موافقا وقبل أن يتحرك سمع أمر رضوان الاخر: وخلي حد يجبلي تفريغ لكاميرات المراقبة اللي على البوابة برا.
ألقى رضوان نظرة جانبية على ابنه فوجده يراقب ما يحدث بعيون ثاقبة فتأفف مبديا ضجره وهو يتخطاه نحو الداخل قاصدا غرفة بعينها.

دلف رضوان غرفة نادر محدثا جلبة عالية مما جعل نادر ينطق بضجر: في ايه، مين صحي من الموت تاني.
في مصيبة هتقع على دماغنا كلنا ومش هترحم حد.
سأل نادر بقلق: طب فهمني في ايه؟

أخرج رضوان الأوراق وألقاها أمام نادر على الأرضية والذي تطلع لها وهو يسمع رضوان يردف بجنون: أنا في الأول قولت انه حامي وبيلاعبنا، وحتى بعد ما سمعت اللايف قولت اكيد خلى حد هو اللي يعمل ده مكانه مع انه من رابع المستحيلات ان حامي يدخل حد في حاجة هو بيعملها، لكن دلوقتي طلع شكي ده مش في محله الورق اللي معاك ده حد سابه برا على الباب فيه أسماء كل اللي استغلوا تحت ايد السيد الكبير واللي كانوا قبلنا وجنب كل اسم مات ازاي، اخر ناس احنا ومحطوط جنبنا علامات استفهام.

شعر نادر بتخبط، خوف بل ذعر حقيقي ودعم هذا الذعر قول رضوان الذي لا يستطيع عقله الاستيعاب: الناس دي محدش كان عارف أسمائهم غير محمد اظن انت عارف كويس ايه اللي حصل ساعتها لما عرف، وعارف الحكاية كاملة.
هز نادر رأسه يحثه على الإكمال ليتابع رضوان: الكلام اللي في الورق ده اكبر اثبات ان مش حامي هو اللي وراها، حامي لو عارف الكلام ده مكانش بقى صيد سهل ليا وهو صغير، الكلام ده اللي يعرفه واحد بس هو محمد العمري.

صرخ نادر وقد توقفت رأسه عن التفكير: مات، محمد العمري ده مات انت مفرغ مسدسك فيه و مشينا في جنازته سوا، أنت عارف انت عايز تقنعني بإيه؟، عايز تقنعني ان الراجل اللي انت اعتديت على مراته وقتلته قدامها وخطفت بنته، وعملت من ابنه واحد يخلص علينا كلنا بدماغه عايش، انت عارف لو عايش وقابل ابنه هيعملوا ايه فينا احنا الاتنين؟

هوى رضوان على الفراش وهو ينطق: في الحالتين مصيبة حالة ان تطلع معجزة ويكون عايش، أو حالة ان حد تاني عارف سرنا وبيلاعبنا بيه، وأنا قولتلك اني متأكد ان الحجات دي عند محمد بس مش عند غيره.
قطع حديثهم سماع رضوان دقات ثابتة على باب الغرفة فتوجه ناحيته بخطوات متخاذلة وبمجرد فتحه وجد الحارس يقف أمامه ناظرا للأرضية وهو يقول بحذر: أنا آسف حضرتك، بس احنا لقينا الكاميرات متعطلة.
في الخارج.

ابتسم علي بمكر وهو يتأكد من أن اعترافهم الذي تفوها به للتو أصبح مسجل على هاتفه ليهمس متشفيا: بالشفا.

توقفت سيارته في ذلك المكان المظلم الذي أُرسل لهم، ظلا يبحثا في كل مكان، لم يتركا شبرا واحدا، لم يعلم كم من الوقت مر عليه خلال بحثه، وجدا حفرة مفتوحة فأسرعا إليها وخاصة عائشة التي تملكها الأمل بأن تجد شقيقها هنا، ولكن انقطع أملها حين وجدتها خالية من كل شيء، شعرت بأن الجنون تملك منها، ومرارة الفقد تلاحق فؤادها فهرولت صارخة ببكاء: عمر، يا عمر.

كان المكان خالي من البشر ووحشة الظلام مرعبة ولكنها توغلت في الدخول صارخة باسم شقيقها الذي يؤكد لها قلبها أنه سيسمعها، هرول هو خلفها يصرخ بإسمها حتى يستطيع إيقافها ولكنها لم تستمع له بل أكملت هرولتها، استطاع اللحاق بها فكبلها من الخلف حتى يمنع حركتها فأخذت تتملص منه بعنف صارخة بقهر: ابعد عني.

لم يتركها بل أحكم قبضتيه عليها فأكملت صياحها بهياج: بقولك ابعد عني، انت السبب في كل حاجة حصلت وهتحصل، انت اكتر حد اتعذبت معاه، انا كنت فاكرة اني هغيرك علشان حبيتك، بس للأسف الحب ده زي ما غيرك غيرني خلاني بقيت واحده تانية خوافة بتخاف من كل حاجة. واحدة كانت بتستنى بكرا بأمل بقيت بتستناه وهي مرغوبة، واحدة مبقتش هي بقت مجرد مسخ، ودلوقتي اهو أخوها بيضيع من ايديها بسببك انت.

كانت تحاول الخلاص أما هو فقبضته تزداد قسوة وعيونه تزداد لمعة، هل هذه المياه الساخنة التي سالت على وجهه دموع!، هل أدمت كلماتها قلبه لهذا الحد حتى سالت دموعها المتحجرة.

رفعت رأسها له تهتف من وسط نحيبها: انت وعدتني انك عمرك ما هتتخلى عني، وأنا مش لاقية عمر دلوقتي عمر لو حصله حاجة يبقى انا اتقتلت مش بس انت اتخليت عني، ضلمتك طالت كل حاجة حتى هو، أنا مش عايزة الحب ده، مش عايزة ابقى واحدة غيري، كمل لوحدك في دايرتك دي.

اختتمت كلماتها صارخة بقهر تنادي باسم شقيقها، تراخت قبضتاه وكأن قلبه يتراخى معهما ليسحب منه الحياة ببطىء، استدارت له فأصبحت جبهتها ملاصقة لجبهته فسألته بدموع وانهيار: هتلاقيه صح؟
دفن رأسها في صدره وشدد من احتضانها سامعا نحيبها الذي لم ينقطع بل قطع أوتار قلبه هو بعد أن عزف عليها ألوان العذاب.

سمع رنين هاتفه فأجاب عله يكون خبر من أحدهم، فتح المكالمة ليسمع صوت عمر المنهك فأسرع ناطقا بقلق: عمر انت فين، انت كويس؟
عادت الدماء لوجهها مجددا وارتفعت مسرعة تحاول جذب الهاتف منه ولكنه منعها حتى يسمع بقية الحديث وشقيقها يقول: أنا بخير يا حامي، هحكيلك كل حاجة.
طب انت فين؟
صرح عمر بمكانه فنطق حامي بحزم: طب خليك عندك متتحركش أنا قريب منك وجايلك.

مد حامي يده بالهاتف إلى عائشة بعيون جامدة، هربت من نظراته هذه وهي تردف بلهفة حقيقية: عمر، هما عملولك ايه، طمني.
قام شقيقها بمنحها بعض الهدوء بعد أن طمأنها عن حالته، فتعلقت نظراتها بحامي الذي توجه ناحية سيارته وجلس في مقعده، تقدمت هي بخطوات خذلتها، وهي تنكر على نفسها ما تفوهت به، جلست جواره واتت لتتحدث فأشار لها بالصمت ناهيا الأمر بقوله: مش عايز اسمع حاجة.
صمتت وصمت هو ولكن القلوب تحدثت.

قلب تألم يعتذر عما قاله وقلب آخر أصابته سموم الكلمات حتى أنهكته أشد الإنهاك، وكأنه حُرِم عليه السقوط، صرت جبلا وليس لك نصيب من اختلال التوازن يا صاحب القلب الذي ارتوى بالمعاناة وكبر على الظلام.

تسير وخطواتها مجهولة هي التي عانت وذاقت المرار، تأملت الطريق من حولها لم تتغير البلاد مازال بها تلك النسمات الدافئة، اليوم عادت لموطنها الأول مصر، بعد أوامر منه هو الذي تخلى عن ابنته مسبقا والآن أرسلها مصر بدلا عنه، يظن أنه سيرجع ابنته بسهولة، وصلت إلى المنزل الذي أمرها بالقيام فيه ففتحته على عجلة من أمرها وأدخلت الحقيبة بتعب، كالعادة منزل في منطقة نائية حتى تكون بعيدة عن الأنظار هل ستظل بعيدة هكذا دائما، لا لن تظل هل انتظرت وحاربت حتى يعطيها الفرصة بإرادته لنزول مصر، بقدر الغل ستكون طريقة المعاقبة، فتحت حقيبة سفرها وأخرجت منها سلاح ناري، وسكين حاد لمع نصله أمام عينيها رغم الظلام المحاوط لها، مسحت عليه وهي تقول بحقد قُيد لسنون في قلبها: ودلوقتي جت فرصتي.

صباح يوم جديد
لم تدر كم من الوقت مر عليها وهي نائمة هكذا في السيارة، نظرت جوارها لتجد يحيي جالسا على مقعد القيادة ساندا على رأسه أمامه، شردت في أمس حين وصلا إلى عمر
Flash Back
بمجرد وصولها إلى مكان شقيقها خرجت من السيارة مهرولة ناحيته، تعركلت وكادت أن تسقط ولكن منعتها يد عمر التي أسندتها فهمست باكية: عمر.
تطلعت لمعالم وجهه لتجد بعض الكدمات تحت عينيه ومتفرقة في وجهه فسألته بألم: مين اللي عمل فيك كده؟

احتضنها محتويا خوفها بقوله: اهدي يا عائشة محصلش حاجة متخافيش.

حثته نظرات حامي على سرد ما حدث فقال بهدوء: عدنان اتصل بيا كنت مع نيرة في السينما ويادوب روحنا وهي دخلت لقيته بيتصل قعد يقول كلام مستفز من نوعية هي عائشة محكتش ليك عن اللي قولته ليها عن والدكم، ولا تحب نتقابل نحكي بنفسنا، كنت مش شايف قدامي فعرفت مكانه ونزلت اقابله وروحت المكان ملقتهوش لقيت ناس تبعه فجأة لقتني متخدر ومش دريان بأي حاجة، بعدها عرفت من الحرس انهم كانوا ورايا بأوامر منك وانهم كانوا بيراقبوا من بعيد علشان لو حصل أي حاجة، وبعدها الحراس حكولي انهم شافوهم وهما بيحطوني تحت الأرض، استنوا لما مشيوا كلهم وطلعوني فوقت بصعوبة بعد المخدر وكان نفسي رايح، وجابوني على الكافيه ده لأنه يعتبر اقرب مكان واكتر منطقة أمان كمان.

اطمنتِ على أخوكِ.
خرجت كلماته جامدة ثابتة وكأنه آلي بلا مشاعر، هزت رأسها وعينها لا تفارقه أما هو فلم تهتم عيونه بالنظر لها، بل أردف بحسم: يلا يا عمر معايا.
قبل أن تسأل استدار لها ناطقا بلهجة شديدة القسوة: هتقعدِ في المكان ده مش هتتحركِ الحرس موجودين في كل مكان ويحيي شوية وهيجيلك.
ألقى كلماته وتوجه نحو الخارج، نادته برجاء: حامي.

توقف مكانه وتركت هي شقيقها وتوجهت ناحيته قابضة على يده تردف بندم حقيقي: أنا اسفة، علشان خاطري قول أي حاجة، متسكتش كده، اعتبرني عيلة بتقول أي كلام طيب.
التقت زيتونيتاه بعينيها فرأت لمعتهما أثناء قوله: أنا مش زعلان منك انتِ مقولتيش حاجة غلط، الظاهر ان حساباتي أنا اللي كانت غلط.

سحب كفه وخرج ينتظر شقيقها في الخارج أما هي فهرولت إلى حضن عمر الذي لم يفهم ما حدث بينهما ولكنه شعر أن خطب ما جعل حامي بهذه الحالة.
Back.

فاقت من شرودها ونادت على يحيى فأجابها وعيونه لم تلتق بها: في حاجة يا عائشة؟
سألت بقلق: هو حامي وعمر لسه مرجعوش ليه النهار طلع.
اغمض يحيي عينيه وهو لا يعلم أي طريقة يستطيع بها إخبارها ولكنه استجمع قوته وأردف بحذر: عائشة، حامي طيارته فاضل عليها أقل من ساعة.
سألته باستنكار: طيارة ايه، وساعة مين ايه الكلام ده.

قبل أن ينطق أردفت بنبرة حملت من الرجاء الكثير: اطلع على المطار يا يحيي حالا لو سمحت، أنا عايزة اعرف هو رايح فين وبيعمل ايه.
طوال الطريق قلبها ما بين نار البكاء وخوف الهجر، إلى أين ذاهب وما الذي يخطط له والأهم هل سيتركها، أشفق عليها يحيي أكثر من مرة طوال الطريق فملامحها المتعبة مثيرة للشفقة حقا، عرض عليها المياه والعصير ولكنها رفضت وترجته بأن يسرع حتى يلحقا به.
في نفس التوقيت.

بقى عمار منفردا في المشفى، لقد رحل والده بئس الوالد، كيف له أن يكون والد هو اتى فقط ليطمئن حتى لا تناله كلمات الصحف فيُشوه المظهر العام، وهذا شيء أدركه عمار جيدا، تحسنت حالة عمار فلقد أخبره الطبيب بأن تلك الضربات سيتم معالجة آلامها بسهولة ويده فقط ربما بعد الأشعة أن تحتاج إلى جبيرة طبية، تمدد على الفراش بهدوء عله ينال قسط من الراحة ولكن أثار استغرابه فتح باب الغرفة مجددا، فلقد انصرف الطبيب من دقائق من أتى، شعر عمار بالريبة حين لاحظ أثناء تصنعه النوم خطوات متهملة ولم يخب ظنه إذ وجد الذي دلف يخرج من جيبه إبرة طبية ويتجه نحوه ببطىء مميت قاصدا عدم إفاقته.

وصلا أمام المطار، خرجت عائشة مسرعة يحركها فؤادها لا قدمها، أعلن القلب الحرب وسمع دقاته كل المتواجدين، أخذت تضغط على قبضتها بتوتر أثناء سؤال يحيي عن الطائرة وهل رحلت أم لا، رمقت يحيي بأمل وهو يعود إليها ولكن انقبض فؤادها من تعابيره وهوت ساقطة على المقعد خلفها وهو يقول بأسف: الطيارة طلعت من خمس دقايق.

وضعت كفيها على وجهها لتدخل في نوبة بكاء مرير أزالت يديها وتوجهت للخارج تنظر للسماء متيقنة من أنه مازال موجود وسيطر على المشهد صورته وهي تلقيه بكل كلماتها التي أدمت فؤاده وتحطم أحلامها وعشقها الآن.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة