قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية لا تؤذوني في عائشة ج2 للكاتبة فاطمة عبد المنعم الفصل الثالث والثلاثون

رواية لا تؤذوني في عائشة ج2 للكاتبة فاطمة عبد المنعم الفصل الثالث والثلاثون

رواية لا تؤذوني في عائشة ج2 للكاتبة فاطمة عبد المنعم الفصل الثالث والثلاثون

نقل عتمتك حيث شئت يا مالك القلب، سيظل نوري يخترقها حتى وإن هجرت الاف الأميال، الحب ليس شيء مادي انما هو قلبان اتحدا ليصيرا عُمرا واحدا، أملا واحدا، وحياة واحدة.
الحب هو نحن والظلمة هي هم وأعدك يا صاحب قلبِ أن نكن نحن بعيدا عن هم.
فليحيا النور ولتندثر العتمة إلى الأبد.

وصلت سيارة يحيي أمام المنزل، رمش بعينيه ناحيتها يراها كانت ساكنة، شاردة في الخارج، ناداها ليلفت انتباهها ففاقت من شرودها وفتحت باب السيارة المجاور بهدوء شديد، لحق بها يحيي ولكن صدمته حين منعت استكمال سيره وهي تقول بتصميم: حامي سافر يا يحيي ولا عايز يهرب بعيد فاخترع حجة السفر.

مط يحيي شفتيه وهو يقول كمن لا يعرف شيء: المعلومات اللي عندي بتقول ان الطيارة الخاصة بتاعته هي اللي طلعت، وكمان قال اننا هننزل القاهرة النهاردة.

رمقته بعدم تصديق ثم حل صمتها لعدة ثوان تبعتهم بقولها الواثق: أنا متأكدة انه في مصر مسافرش، ومش هصدق انه سافر، بس انا عايزاك توصله رسالة انه هو لما بيغلط في حقي أنا بواجهه، وبعاتبه مش بروح اهرب منه واشيل واكوم على قلبي، عرفه ان العتاب بيجي من المحبة، واللي ميعاتبش يبقى محبش، واللي يقطع على اللي قدامه كل فرصة انه يقول أعذاره أو يبرر موقفه يبقى ظالم والظلم ده وحش اوي على فكرة.

ألقت كلماتها وهمت بالرحيل فقطع خطواتها سماع يحيي يناديها استدارت مسرعة ظنا منها أنه سيخبرها عن مكان زوجها ولكن خاب ظنها حين قال: حضروا حاجتكم علشان هنمشي.
رمقته بغيظ وضربت على السيارة قائلة بغضب: أنا غلطانة اني خططت وصالحتك مع زينة.
صنعت خطواتها ضوضاء أثناء رحيلها فتحدث يحيي مستنكرا: يا ستِ استني بس هو انا عملتلك ايه!، طيب حامي يسافر أنا مالي أنا تنكدوا عليا ايه.

لمح والدته تقف جوار زينة في الشرفة، أشار لها بضحكة واسعة فرمقته هنا بضجر وأغلقت شرفتها في وجهه.
جذب يحيي خصلاته ومط شفتيه مردفا بضيق: هو اليوم باين من أوله، البس انا بقى.
في نفس التوقيت.

في غرفة صوفيا، كانت دنيا تسير بتمهل، دارت بعينيها في الغرفة لتتأكد من عدم وجود صوفيا بها، اتجهت ناحية الطاولة والتي رُصت عليها أدوية صوفيا، مدت يدها المرتجفة ناحية شريط من الحبوب والتقطته مسرعة لتفرغ منه عدة حبوب في يديها، استدارت لتفر خارجة بحذر من هنا ولكن وجدت صوفيا تقف خلفها فصرخت عاليا بصدمة.

انكمشت ملامح صوفيا باستغراب وهي تقول بعدم فهم: في ايه بتصرخي ليه كده؟، انتِ مش البنت صاحبتهم اللي كنتِ قاعدة معاهم هنا في الأوضة امبارح؟، اسمك دنيا صح؟
زاد ارتجاف دنيا وهي تخفي ما أخذته خلف ظهرها وتقول بارتباك: اتخضيت بس، انا اسفة.
همت بالهروب ولكن أوقفها قول صوفيا الجامد: بنت في ايه ورا ضهرك؟
نفت دنيا وقد نهش الخوف قلبها وتساقطت قطرات العرق من وجهها: مفيش حاجة، لو سمحتِ عايزة اخرج.

اقتربت صوفيا منها لتجذب يدها التي تخفيها خلف ظهرها فاعترضت دنيا وارتفع صوتها وهي تدافع عن موقفها بهجوم مع إصرار صوفيا على معرفة ما بيدها.
قطع الشجار دخول عائشة والتي اتت بسبب الضوضاء التي سمعتها عند مرورها جوار الباب، سألت بحذر وهي ترى هيئتهما: في ايه يا طنط؟
أشارت صوفيا على دنيا التي بدأت في البكاء ناطقة بتحذير: متعيطيش وطلعِ اللي كنتِ واخداه وماشية.

اقتربت عائشة من دنيا لتعرف سبب توتر الأجواء هذا وعلى حين غرة رفعت دنيا الحبوب إلى فمها فجحظت عين عائشة، وكانت يد صوفيا سابقة لدنيا وهي تزيل كفها من على فمها بعنف فانتثرت الحبوب على الأرضية.
رمقتها صوفيا بغضب جعل عائشة تخافها وخصوصا حين دفعت صوفيا دنيا فسقطت على عائشة وهي تقول بعنف: عايزة تنتحري، هتموتِ يعني بعد الحبوب دي؟، افرضي ماموتيش، عارفة مصيرك هيكون إيه.

احتضنت عائشة دنيا تحتوي رجفتها المصحوبة بنحيبها فجذبتها صوفيا لتخرج من حضن عائشة لنظرات والدة حامي الحادة والتي تناولت علبة من علب الحبوب المرصوصة على الطاولة ناطقة بانفعال: عارفة ان علبة زي دي كانت سبب في تدمير حياتي، عارفة اني ندمت كل يوم على اللي عملته ده؟، رغم ان كل الطرق كانت مسدودة في وشي بس بعد ما فكرت ان النهاية اللي هتريحني في علبة زي دي عيشت سنين كتيرة اوي بندم اني كنت سبب في دمار حياتي حتى لو كانت كده كده هتدمر مبقاش انا اللي دمرتها، بندم كل يوم وانا بشوف ابني بعيد عني وحتى لما يقرب بيبقى في حاجز مانع عني وعنده حق، واحدة فاقت لقيت نفسها ناسية حجات كتير و ذكرياتها ممسوحة بس الحاجة الوحيدة اللي فاكراها كويس العلبة دي وانها هي اللي كانت السبب في اللي وصلتله.

انكمش جسد دنيا وهي تسمع تلك الكلمات والتي لم تكن إلا صفعات قوية زادت من البكاء الحار، أما عائشة فكانت ترمقهما بشفقة ممزوجة بألم ظهر جليا في عيونها الدامعة فوالدة زوجها أمامها تحمل نفسها اثم ما حدث تعرف جيدا ان انتحارها كان السبب الأول في إتاحة الفرصة لرضوان كي يظفر بوليدها ومن جهة اخرى دنيا التي ضاقت بها السبل، حتى ظنت أن النجاة هنا في لعنة الانتحار.

اختتمت صوفيا كلماتها وهي تشير على العلبة مردفة بسخرية مريرة: لو فاكرة ان الحل هنا، فهو مش هنا للأسف اسألي واحدة جربت قبلك وعاشت في مرار اختيارها ده عشرين سنة كان أكبر كسر فيهم انها سلمت نفسها بسهولة، قولِ الحمد لله ان لقيتي حد ينصحك ومعاكِ ناس جنبك تاخد بإيدك، علشان قراراتنا في لحظة يأس من اللي عشناه مش هيشيل حملها غيرنا وغير اللي بنحبهم، ويا جبروت اللي يكون سبب في أذى اللي يحبهم.

نظرت دنيا إلى الأرضية تهرب من عيونها التي تواجهها ثوان ونطقت بندم: أنا اسفة.
احتضنتها صوفيا فابتسمت عائشة على حنانها واقتربت تربت على كتف دنيا بود في إشارة منها أنها بجانبها، مسحت عائشة دموعها وهي تبلغهم بضحك: اسفة اني هقطع اللحظة والله بس لموا حاجتكم علشان هنمشي.

حركت صوفيا رأسها علامة على أنه لا فائدة منها وقربتها تضمها هي الاخرى فمعالم الحزن بادية على وجه عائشة جليا هي تعاني ويلات الفراق، والهجر وما أصعبهما.
مكان عمته البرودة، ضوء الصباح لا يكفي لإنارة عتمة جوانبه، جلس عدنان على مقعده شاردا في التفكير ولم يفق إلا حين تقدم منه أحدهم يضع الحامل المعدني على هذه الطاولة البالية والوحيدة المتواجدة هنا: القهوة يا باشا.

مط عدنان شفتيه بتفكير فما يدور برأسه ليس بقليل وقطع تفكيره ليقوم بسؤال الواقف أمامه باستفسار: أخبار الشغل ايه؟
قال الرجل بفخر: كويس اوي.
سأله عدنان بخبث: يعني معاك كام بنت الشهر ده؟
خمسة.
هز عدنان رأسه مردفا بعدم رضا: لا قليل.

تنهد الواقف أمامه بتعب وحاول إيصال مبرراته بشكل واضح: يا باشا هي مش بضاعة هروح الم واعبي، انا علشان اجيب بنت من دول بيطلع عين اللي خلفوني، ومنهم اللي بنخطفها وتعمل مشاكل، ده غير ان لسه بنقنعهم اننا هنسفرهم نشغلهم ونغير حياتهم علشان ميشكوش وبعدها بيتعمل باسبوراتهم وحضرتك عارف ان الليلة كبيرة اوي لحد ما نعرف نسفرهم اصلا، واللي هو لحد ما نسفرهم انا لوحدي اللي بكون هنا معاهم علشان الموضوع ده مينفعش فيه هيصه.

قطع حديثهما دخول رياض والذي نطق باستنكار: ايه اللي مقعدك في المكان المقرف ده يا عدنان، و مختفي ليه؟
أشار له عدنان على مقعد ما كي يجلس وأمر الواقف معه بالرحيل، بعد أن جلس رياض سأله بهدوء: ايه اللي حصل؟

رفع عدنان كتفيه للأعلى مردفا بعدم أهمية: ولا حاجة، السيد الكبير ادى أوامر ان عمر يتدفن حي ويتصور علشان حامي يعرف انه قادر يوصله في أي وقت ولو ميرال عنده يرجعها، وانا كان دوري ان اجيب عمر للرجالة وبعدها جاتلي أوامر تانية اختفي علشان لو حامي لحق عمر أكيد هيقوله ان انا اللي جبته، فاختفيت شوية هنا لحد ما الدنيا تهدى واعرف اطلع تاني.
سأل رياض باستغراب: بس عمر مش في القاهرة انت عملت كده ازاي؟

ضحك عدنان ساخرا وهو يقول بتهكم: جبت التايهة يعني؟، ما البلد كلها عارفة ان حامي العمري مش في القاهرة السوشيال ميديا مبتتكلمش غير عن ظهوره مع مراته في اللايف اللي بقى يتعمله شير أكتر ما انت بتتنفس، انا سافرتله كنت قرب المكان اللي هو فيه بالظبط كان ساعة بالعربية علشان هو يجيلي أو انا اروحله، ف عمر جه بسهولة.
استنكر رياض الفعلة باندهاش: هو انت مش قولتلي تقريبا ان عمر ده قريبك.

هز عدنان رأسه ناطقا بملل: ابن خالتي.
ضحكة تهكمية كللت قول رياض: ودفنت ابن خالتك كده عادي؟

احتدت عيون عدنان وهو ينطق بشر: أنا ادفن ابويا نفسه لو الأوامر جاتلي، الشغلانة دي مفيهاش عواطف ولو صعب عليك حد النهاردة بكرا انت مش هتصعب عليه هيبلعك، انا لما هربتك مكانش علشان صعبت عليا ولا حاجة، انا هربتك علشان مصلحتي وعلشان هعوز واحد ليه مع الكل رضوان، نادر، وغيرهم، ده غير اني واثق ان عدوك الوحيد هو حامي بعد اللي عمله فيك وحبسه ليك، وانك مش هتفكر تخون لأن الخيانة اخرها عندي قتل، ولا ايه؟

اهتز ثبات عيون رياض فأصابها الرجفة ولكنه حاول إبهاتها بقوله الحازم: أكيد طبعا عمري ما هخون.
قطع حديثهما دخول الرجل السابق وبيده فتاة ما يبدو على معالمها الشرلسة وزادت والرجل يقول: البت دي عاملة قلق جوا يا باشا.
استقام عدنان واقفا ورمقها بابتسامة صفراء قائلا: خير.

نطقت الفتاة بحدة وقد ارتفع صوتها: أنا مش عايزة الشغل بتاعكم انا عايزة امشي من هنا، يعني ايه ماينفعش امشي هو انا محبوسة هنا!، هو انتوا ايه بالظبط طب انا جاية بمزاجي على انه شغل انما اللي بيعيطوا جوا دول ايه انت خاطفهم؟
زادت ضحكة عدنان وهو يقترب منها ليحكم قبضته على مرفقها ناطقا بشر: عدنان انا عدنان...

دفعها فسقطت على الأرضية صارخة وخصوصا حين مال عليها بعيونه التي لا تحمل سوى الحقد: لو عايزة تعيشي تدخلي جوا ومسمعش حسك تاني، سامعة يا بت.
ارتعدت أوصالها وأوشكت دموعها على السقوط وهي تسمع قوله الملتوي: خدها وديها ولو عملت قلق تاني هاتهالي علشان تتعلم الأدب.

جذبها الرجل متوجها بها ناحية الداخل مرة ثانية فقالت بلوم ونبرة تصنعتها جيدا: أنا زعلانة منك، بقى تاخدني للمفتري اللي برا ده وانا اللي بقول عليك حنين.
أوقفها القابض عليها ناطقا بسخرية: اتحولتِ فجأة كده، فين الوش اللي كنتِ مصدراه من شوية.
ضحكت وهي تردد بخبث: يووه ده الشغل يا ولا، علشان لما اعمل الشويتين دول يراضيني في الفلوس، بس انا مش عاوزة زعلك وهقدملك عربون المحبة اللي يعجبك كمان.

ابتسم الرجل وقد راق له كلماتها ووقع في فخها: موافق، هاجيلك اخدك من مع اللي مرميين جوا دول على الساعة تسعة يكون الباشا مشي واعرف اخدك اوضتي، موافقة يا حلوة.
أومأت له بترحيب: موافقة.
أدخلها إلى الغرفة مرة اخرى وأغلق البوابة عليهم، تحركت هي بحذر تهمس لهم: متخافوش.
مسحت على صبية صغيرة تبكي بعنف وهي تحذرهم قائلة: بصوا متعيطوش، اسمعوا كلامي كويس وأنا هخرجكم من هنا، ماشي.

نظرن لها جميعا بأمل فنبرتها الصادقة ونظراتها الحانية بثت الأمان داخل قلوبهم بأنها المخرج لهم.

جلس على سطح السفينة يتأمل المياه أمامه من يراه يظن أنه شارد ولكن في حقيقة الأمر أنه لم يغفل ثانية، لم يستطع التحمل كلماتها كسيوف وجسده لم يعد يتحمل، اعتادوا ثباته إلا هي صرح لها بكل شيء، احتضنته في أشد لحظاته وهنا، بكى في أحضانها واستندت هي على كتفه، فلم يتحمل أن تتفوه بهذا أن تقذفه بكافة الاتهامات دون شفقة على فؤاده الذي تمزق إربا حتى صار يشك أنه لم يعد متواجد من الأساس.

فتح هاتفه ليرى صورهما معا في ذلك اليوم ضحك ساخرا حين اكتشف انها ربما تكون الصور الوحيدة التي جمعتهما، هو يحفر لحظاتها في قلبه حتى وإن تاهت الصور القلب يعرف جيدا.

لا يعلم هل هرب منها أم من نفسه وظلامه الذي ذكرته به، قطع تفكيره بها رنين هاتفه برقم يحيي، الوحيد الذي أعطاه حامي رقم الخط الذي سيستخدمه الآن، أجاب حامي وانتظر القول الذي سيثلج صدره ليسمع يحيي يقول: هيوصل اليخت بتاعه دلوقتي، انا باعت اللي يتابعه من ساعة ما طيارته نزلت مصر فاضل قدامه دقايق ويكون عندك، وكلامك طلع صح جاي لوحده علشان ميلفتش النظر.
قال حامي بإعحاب: حلو اوي، اقفل بقى.

استتب حامي في جلسته واضعا الساق فوق الساق وابتسامته الماكرة تزين ثغره، ثوان ووجد السيد الكبير أمامه، تراجع بديع للخلف فهو لم يتوقع شيء هكذا أما حامي فوقف واقترب منه بخطوات كانت الهلاك وهو يقول بتلاعب: بيقولوا اللي فاهمك سابق اللي بيحبك بخطوة، أنا بقى فاهمك بس مبكرهش في حياتي أدك، نورت مصر يا بديع ولا تحب أقولك السيد الكبير.

حاول بديع الثبات وكأن شيء لم يكن فتصنع ابتسامة واسعة خفت بعض من زعزعته أثناء قوله: أهلا يا حامي، أنا عارفك كويس رجل أعمال شاطر بس مش عيب انزل اليخت بتاعي الاقيك فيه؟، وبعدين ايه السيد الكبير دي هتكبرني ولا ايه ده هما يا دوب حاجة وستين سنة.

ارتفعت ضحكات حامي ليدوى صوتها في المكان وهو يتبعها بقوله المتهكم: حاجة وستين بس!، ده عمر مشرف من الانجازات هتنكر ولا ايه؟، طب تصدق من غير حلفان أنا من ساعة ما رجلك خطت هنا وأنا شامم ريحة الدم، بقولك ايه ما تيجي نلعب على المكشوف.
ضحك بديع ناطقا بتصنع عدم الفهم: مكشوف ايه بس؟، هو انا اعرفك اصلا، أنا كل اللي اعرفه عنك رجل أعمال شاطر واعتقد ان ده نفس اللي تعرفه عني برضو.

رفع حامي يده معترضا وهو يقول بعدم رضا: لا تفرق، اللي الناس تعرفه عني هو اللي انا عايزهم يعرفوه عني، أما بقى اللي انا اعرفه عنك هو اللي انت بقالك سنين كتير اوي عايش علشان تداريه.
مط بديع شفتيه مستنكرا وهو يقول بتصنع عدم الفهم: أنا مش فاهم انت بتتكلم عن ايه الصراحة، بس لو عندك حاجة تديني القانون موجود يابن العمري.

هز حامي رأسه متصنعا الإعجاب حين أردف بثقة: قانون!، القانون ده بيبقى في الاخر لما تلعب على اللي قدامك وتخليه بيموت بدل المرة ألف كل يوم لحد ما يتمنى القانون هو اللي يحاسبه، طالما حامي العمري دخل الدايرة يبقى القانون قانونه هو.
ألف بديع وقد مثل الملل: ليه مصمم تتكلم كلام انا مش فاهمه، دايرة ايه بس؟

مر حامي جواره ليهمس في أذنه بشراسة: الدايرة اللي اخرها نهايتك، لحظة النهاية دي هعرفك بيا علشان انت لسه متعرفتش عليا، و نصيحة مني بلاش تتعرف عليا بدري مفيش حد عرفني بدري إلا وندم على اليوم اللي قابلني فيه.

ابتسامة جانبية زينت ثغر حامي وهو يشعر بانهيار حصون الواقف أمامه رجفة العينين والكفوف، دقاق القلب التي ارتفع صوتها كالطبول وزادها حامي بقوله المختتم وهو ينزل الدرج باسما ببرود: أنا قولت لازم أكون أول واحد يقولك حمدا لله على السلامة.
ثم مثل حامي التأثر وهو يتابع بأسف غير حقيقي: علشان بعد كده مفيش سلامة.
هنا احتدت نظرات بديع وهو يقول: يعني ايه؟

أشار له حامي بيديه مودعا بسخرية كست غموضه: يعني سلام يا بديع.
في أحد المحال التجارية الشهيرة في القاهرة
رفعت عائشة الصغير تطيب خاطره بود عله يتوقف عن البكاء فلم يفعل، نطقت لينا بضيق: هو زنان كده ليكِ يا عيوش؟
رمقتها عائشة بضجر قائلة بغيظ: اندهيلي الزفتة نيرة.

اتت نيرة على صوتها فنطقت عائشة بانزعاج: اسمعي بقى يا بت انتِ، احنا جايين من دهب وتعبانين، محبكتش يا ماما تشتري دلوقتي هدوم، يلا نروح انا تعبانة حرام عليكِ، ومحمد مش راحم نفسه.

قالت نيرة ببراءة: على فكرة انا فرحي قرب وخطوبة زينة كمان ولو حضرتك مش ملاحظة احنا بقالنا قرن منزلناش نجيب لبس، خلينا بقى نستغل فرصة اننا وقفنا قدام المول هنا، وكمان عمر و يحيي سابونا براحتنا ومستنيين برا يعني متحطيش انتِ العقدة في المنشار بقى.
جذبت نيرة فستان ما للصغيرة ووضعته عليها قائلة بإعجاب: هيبقى يجنن على ليو.
ردت الصغيرة بتذمر: لا شكله وحش انا عايزة اختار فستاني بنفسي.

رفعت نيرة حاجبها الأيسر ناطقة بإصرار: اسمعي بقى انا هنا اللي انقي اللبس مفيش عيال صغيرة بتنقي هنا وبعدين ايه اللون اللي انتِ عايزاه ده، ده منظر ده!
نطقت عائشة مستنكرة: انتِ مالك انتِ ما تسيبيها تختار اللي يعجبها.
جذبت نيرة يد عائشة قائلة برجاء: طب سيبك من الخناق وتعالي معايا الحمام علشان خايفة اتوه.

أخذت الصغيرة الفستان من يد نيرة قبل ان ترحل وذهبت ناحية الفتاة التي تساعدهم في الاختيار قائلة بغضب طفولي: لو سمحتِ يا طنط تخبي الفستان ده خالص ولو البنت اللي كانت واقفة هنا سألت عنه تاني قوليلها ضاع.

تحركت الصغيرة لتتبعهم لاحقة بخطواتهم، وصلوا إلى المكان الذي يوجد به المرحاض، تفحصت عائشة المكان والفتيات التي تقف كل واحدة منهم أمام مرآة أحدهم تعدل من وضعية حجابها واخرى تعيد وضع مساحيق التجميل، دلفت نيرة للمرحاض وتركت عائشة معهم في الخارج كانت تقف في زاوية تعتني بصغيرها وعيونها لا تفارق لينا، قلقت عائشة من نظرات مجموعة من الفتيات والتي لم تبشر بخير فأردفت مستنكرة: مالهم دول.

قالت الصغيرة وهي تتابعهم: عيوش البنات دول وحشين عمالين يبصوا لينا وحش.
أجابتها عائشة وهي تتعمد تجاهلهم: ملناش دعوة بيهم.
انشغلت عائشة بمداعبة صغيرها فضحك لها فقالت بفرحة: بصي يا لينا محمد بيضحك.
خفق قلبها بحزن لو كان هنا لكانت شاركته اللحظة الآن.
أثناء انشغالهم بالصغير وجدت عائشة نفسها تُدفع للخلف فرفعت وجهها بصدمة لتجد واحدة من الفتيات تقول بغضب: مش تفتحي.

رمقتها عائشة باستغراب ناطقة: أنا برضو اللي افتح؟، وحضرتك عيونك راحت فين وانتِ بتزوقيني.
اقترب صديقات الفتاة لتقول إحداهن بلهجة سوقية: هو انتِ غلطانة وقليلة الأدب كمان يا بت انتِ.

لاحظت الصغيرة اشتعال الوضع فأخذت تدق الباب على نيرة أما عائشة فنطقت بدفاع: لا يا ماما انتِ فاهمة غلط خالص، اوعي تكونِ مفكره انك لما تلمي شوية من اصحابك وتعملوا الحبة دول هقولك معلش سوري انا اسفة سامحيني بليز، أنا اسمي عائشة الزيني مااسميش بت هتتكلمي تتكلمي بالأدب، هتكونِ قليلة الأدب مش هقل أدبي بس هعلمك التربية بتكون ازاي.

اتت زينة وقبل أن تطأ قدمها اصطدمت بما يحدث وقبل أن تقول أي شيء اتجهت عائشة نحوها ووضعت الصغير بين يديها قائلة: خدي لينا وامشوا اخرجوا.
قبل أن تسأل مجددا صاحت بها عائشة كي تخرج واتت لتعود لموضعها منتظرة نيرة بتحدي فوجدت إحداهن تجذبها قائلة بغل: تعاليلي هنا بقى.
أزاحت عائشة يدها بعنف عنها ودفعتها فوقعت على الأرضية، خرجت نيرة في هذه اللحظة فوجدت فتاة تقع قرب قدمها فصرخت بذعر: في ايه؟

اجتمعن الفتيات على عائشة وإحداهن تجأر بغضب: في ان الحلوة دي عايزة تتربى واحنا هنربيها.
ارتفع صوت الصياح في المكان وابعدت عائشة يد الفتاة قبل أن تطولها ودفعت نيرة الاخرى ليتحول المكان إلى ساحة صراع بين الطرفين وينقلب رأسا على عقب.
بعد مرور ساعة
داخل قسم الشرطة
ارتفع صوت الضابط يوجه حديثه لعائشة و نيرة بغضب: منين بتقولوا هما اللي اتعدوا عليكوا وانتوا الاتنين مفيكوش خدش وهما حالتهم كده.

نظرت عائشة للفتاة بتشفي وهي تمسك رأسها تتأوه منها وقالت بثقة: هما اللي اتعرضولي الأول حضرتك.
هزت نيرة رأسها مؤكدة: وانا شاهدة والبت اللي هناك دي أكتر واحدة فيهم اتعرضتلنا.
قالت جملتها الأخيرة مشيرة على فتاة فيهم فصرخت الفتاة فيها بتصنع البكاء: أنا يا كذابة ده انتِ وصاحبتك اللي حاولتوا توقعوني في حمام المول ولما صاحبتي بكل أدب بتقولكم حاسبوا لو سمحتم ضربتونا كده.

ضحكت عائشة بسخرية وتوجهت لها بالحديث قائلة بنصح: لا زودي الدموع شوية كده قليل، علشان تصعبي عليه أكتر.
صرخ فيهم الضابط بحدة: بس انتِ وهي بدل ما تترموا في الحجز.
استأذن أحدهم من الضابط لإدخال الواقف في الخارج وبعد عدة دقائق دخل يحيي والذي لم يعلم ما حدث بل وجد أن الشرطة اتت للمكان ولحق بهم مسرعا بعد أن قصت له لينا جزء مما حدث.

وقف أمام الضابط متفاوضا باحترام: يا فندم دي مدام عائشة الزيني مدام رجل الأعمال حامي محمد صادق العمري، ودي نيرة العمري اخته يعني ناس محترمة لا بتوع مشاكل ولا خناقات، البنات دول هما اللي اتهجموا عليهم الأول.
استدار يحيي ليشير على الفتيات فتيبث مكانه مصدوما حين رأى هيئتهم فاستدار بصدمة إلى عائشة فنطقت نيرة ببراءة: كانوا هبضربونا والله احنا بعدناهم عننا بس.

همس يحيي مستنكرا: بعدتيهم امال لو قتلتيهم كان شكلهم هيبقى ازاي، وانا اللي داخل على الظابط وصدري مفتوح اوي.
عرف الضابط بزوجها وأراد الحل الودي فقال باحترام: طيب اتفضلوا اقعدوا.
ثم أشار للفتيات قائلا: اقعدي يا انسة انتِ وهما.
أعطى يحيي هاتفه لعائشة قبل ان يتجه للفتيات لأنه على يقين بأن ما حدث ليس مصادفة
همس لنيرة وهو يتجه إليهم: انا عايز اعرف انتوا عملتوا فيهم ايه ده ملامحهم مختفية.

كان الهاتف مفتوح فبحثت عائشة علها تعلم إن سافر زوجها ام لا استوقفها اسم ما فنطقت باستغراب: مين بديع الصياد ده؟
أردف بصوت منخفض: انتِ بتدوري في ايه، واحد عادي يعني.
قالت بضيق وهي تتذكر ذلك البغيض: استغربت بس. اصل عدنان عيلته اسمها الصياد برضو عدنان أحمد خالد الصياد.
ثبت يحيي مكانه وقد لاح في خاطره قول حامي: بديع خالد الصياد.

قطع جلستهم دخوله الذي فرض سيطرته على الحضور، تنبهت عائشة بسبب ترحيب الضابط به فاستقامت واقفة وقد رقصت دقات قلبها فرحا، مر جوارها ليتجه نحو الضابط وهمس جوار أذنها: لا الوحش بقى جامد اوي، اسيبك يوم اجي اجيبك من القسم، امال لما اسيبك اسبوع يا وحش هتعمل ايه؟
سيطر الصمت وكانت نظراتهم المتبادلة هي المتحدث الأول، لا بل سبقتها حرب القلوب فؤادها الأسير وفؤاده الذي لا ينال الراحة إلا في قربها.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة