قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية لا تؤذوني في عائشة ج2 للكاتبة فاطمة عبد المنعم الفصل التاسع والثلاثون

رواية لا تؤذوني في عائشة ج2 للكاتبة فاطمة عبد المنعم الفصل التاسع والثلاثون

رواية لا تؤذوني في عائشة ج2 للكاتبة فاطمة عبد المنعم الفصل التاسع والثلاثون

بلاد العرب أوطاني، وكل العرب إخواني.
امتزج قلبي بفلسطينكم وتعلقت الروح ببهاء أرواحكم، نحبكم في الله ويشتاق طائرنا السلام الذي يجمع بيننا وبينكم، يا ليتني كنت هو لدي أجنحة أصل بها إليكم أبلغكم سلامي، حبي، واشتياقي.
ولكن سأعتبر أجنحتي الذهبية هي حروفي التي أنثرها لكم
خاب العدو واندثر، وعشتم أنتم يا أبناء الأبية.
يابسنت استني طيب بكره وابقي امشي.

نطقت عائشة بهذه الكلمات بإصرار أمام بسنت التي ترغب في الرحيل توا.
أردفت بسنت بابتسامة صغيرة: متقلقيش عليا يا عائشة، واحد من الحرس تحت هيوصلني لحد بيت حسام، و متنسيش فاضل بكره بس على فرح نيرة وانا لازم اكون أول الحاضرين.

تعلم عائشة جيدا أنها تقول هكذا حتى تخفف من حدة قلقها عليها فعاندتها حين وقفت أمامها مرددة: طيب خليكِ لحد الفرح، ولو علشان تجهزي كلنا اساسا مش جاهزين يا بسنت، امشي يا ستي بكرة لكن هتروحي دلوقتي الدنيا ليل.

عدلت بسنت من وضعية وشاحها الموضوع على كتفيها وهي تقول بمزاح رغم معالمها الحزينة: انا عايزة اروح علشان اتصرف في شكلي ده مش هننكد على نيرة بمنظري اللي شبه المدمنين ده، متقلقيش والله على بكره بالليل هاجي يعني هيكون لسه اهو الفرح الصبح ونسهر انا وانتِ والبنات سوا.
مطت عائشة شفتيها بيأس وهي تراها تخرج من البوابة فسارعت تقول بقلق: اركبي مع الحرس يا بسنت طيب واول ما توصلي اتصلي بيا انا صاحية.

ضحكت بسنت على كلماتها وهي تنطق: يا عائشة دي هي ربع ساعة بالعربية، قلقانة كده ليه.
أسرعت عائشة تقول باندفاع: انا قلقانة علشان حاسة انك زعلانة، ولسه في كتير في قلبك.
ابتسمت لها بسنت وهي ترمقها بحب لتردف مختتمة بحنان: متقلقيش عليا، انا هبقى كويسة.
ابتسمت عائشة وتابعت أثرها وهي تنزل درجات السلم حتى وصلت إلى نهايته لتغيب عن نظرها كليا فأغمضت عينيها هامسة بحب: ربنا معاكِ يا بسنت.
بعد قليل من الوقت.

توقفت السيارة أمام البوابة الخارجية للعقار القابع به حسام فشكرت بسنت الحارس بأدب وهي تفتح باب السيارة لتنزل منها، شعرت ببعض البرودة فوضعت كفيها في جيبي ردائها وهي تتوجه إلى الداخل، لمحت ذلك المقعد الخشبي الموضوع أمام البوابة الخارجية فقررت الجلوس عليه لتنعم بهذه النسمات الباردة، مالت برأسها تنظر للأرضية وهي تحرك حذائها يمينا ويسارا، شردت في كل ما حدث، في قلبها الذي دق لمن لا يستحق، في أنها تحمل اللوم وحدها، الابتعاد عنه كان غنيمة وهي لم تلذ بالفرصة.

نزلت دموعها بصمت، شعرت بأحدهم يجلس جوارها فارتفعت مسرعة وهي تمسح دموعها بارتباك لتسمع قول احمد: قاعدة كده ليه يا بسنت؟
تنهدت عاليا بتعب وهي تردف بلامبالاة: عادي بشم هوا، انت جاي لحسام؟
حرك رأسه بتأكيد وهو يراقب عيونها التي بان فيها الدموع ليقطع سؤالها بآخر: انتِ معيطة؟

حركت رأسها بالسلب لتخبره وهي تنظر للأرضية مجددا: لا حاجة دخلت في عيني بس، قوم ادخل لحسام شوفه، انت عارف ان حسام قاعد في الأوضة اللي تحت صح؟
متخليش حاجة تزعلك، أنا عارف بسنت أم ضحكة أد وشي ووشها مرتين، انما التكشيرة دي مش بتاعة بسنت، يلا فين ضحكة عمو؟
قال كلماته هذه واختتمها بابتسامته المحببة فارتفعت تنظر له تضحك اثرها وهي تردف: طب يلا قوم بقى عايزة مساحتي الشخصية.

قام من مكانه متوجها إلى الداخل وهو يحرك رأسه بمعنى لا فائدة أثناء قوله الساخر: حتى وانتِ زعلانة كلامك دبش، يلا ربنا يشفيكي.
ارتفعت ضحكاتها وهي تراقب رحيله المتذمر ولكن قد غفلا عن تلك العيون الثاقبة التي راقبتهم عن كثب مدققة في كل حركة تصدر منهم والذي لم يكن سوى مروان.
توجه أحمد في طريقه إلى الغرفة التي يقبع بها حسام أسفل العقار ليجد مروان قاطعا طريقه يقول بنبرة ساخرة: حسام مش موجود.

تأفف أحمد بضجر فهو لا يشعر بالراحة حيال مروان، ودائما ما يخبر شعوره هذا لحسام الذي يخبره أنه مضطر للتعامل بحكم صلة قرابتهما، أردف أحمد بابتسامة صفراء: بس أنا اتصلت قبل ما اجي وحسام قالي انه موجود.
مسح مروان على سترة أحمد بتهكم أثناء اجابته الباردة ونظراته التي حملت السخرية: وانا ابن خالته وصاحب بيت، وبقولك مش موجود، روح يلا.

اشتغل غضب احمد الذي رمق مروان باشمئزاز تبعه بقوله الحاد: اقسم بالله أنا ما هرد عليك بس علشان ده بيت حسام وليه احترامه، البيت اللي انت بتقول انك صاحبه بس للأسف مش محترمه، اصل الاحترام ده في ناس بتبدله علشان يجري في دمها البجاحة وقلة الأدب.
تحرك احمد مغادرا من أمامه بانفعال فنطق مروان ضاحكا بما ثبت أحمد مكانه: بس جامدة بسنت مش كده؟

استدار له أحمد يرمقه بصدمة غير مصدقا ما يتفوه به هذا الحقير عن ابنة خالته ليتابع مروان حديثه الصادم وهو ينفث دخان سيجارته: تصدق بسنت دي قدامي عمر بحاله، أول مرة اخد بالي انها حلوة دلوقتي وانتوا قاعدين مع بعض، سمعت انك عايز تتجوزها وهي منفضالك، بس عارف ليك حق تجري وراها، دي عليها عيون لما شوفتهم دلوقتي وهما مدمعين قلبي نط من مكانه، خد بالك بقى يا دكتور أنا هقفلك فيها من دلوقتي بعد اللي شوفته ده، أصل مش معقول اسيبها تروح للغريب.

لكمه أحمد بشراسة في وجهه وهو يسبه بكل بشع وقد انقبض فؤاده خوفا على هذه العائلة من ثعبان مثل هذا يقف يتحدث هكذا بكل تبجح عن عرضه، هو الذي أحبها منذ زمن لم يمسها بكلمة سيئة والآن يقف هذا ويتفوه لسانه بقبح عنها.
مد مروان يده بغضب لينتقم ويرد له لكمته فاحتد عراكهما، وخرج حارس العقار من غرفته وتبعته بسنت التي انتفضت من على مقعدها تهرول للداخل ترى ما يحدث.

صرخت حين شاهدت المشهد الدموي هذا وكل منهما يصوب للآخر الضرب بعنف تخفق منه القلوب، حاولت هي والحارس ابعادهما فدفع مروان البواب بعيدا عنه وهو يصيح بتبجح: ابن ال ده ميجيش هنا تاني سامع، لو شوفت رجله عتبت هنا هقطع رجلك انت.
أردف أحمد مستنكرا وبسنت تحركه بعيدا: أنا برضوا، انت لو راجل انا كنت رديت عليك، بس بعد اللي قولته من شوية ده لا حصلت راجل ولا ست.

هرول مروان ناحيته وبسبب بسنت التي تعد حاجزا بينهما، تعمد استثارة غيظه وهو يمسك كفها ضاغطا عليه بأصابعه في إشارة إلى أحمد أثناء قوله الملتوي: اخرجي انتِ منها يا بسنت، خليه يقف قدامي وأنا هعرفه أنا راجل ولا لا.

أزاحت بسنت يده بعنف صارخة في وجهه بحدة: كده كتير بقى، احترم نفسك يا مروان، ده مش بيتك علشان اللي بتعمله في الشارع ده، انت هنا ضيف عند حسام يعني تحترم المكان اللي انت فيه، وحتى لو هو استفزك تسكت.
صمت مروان وهو يرمقه بخبث ليستمع لبقية حديث بسنت الذي وجهته لاحمد: اتفضل يا احمد روح.
اعترض قائلا بحدة: أنا مش هسيبك معاه لوحدك.
أردف مروان بابتسامة ساخرة: دي قريبتي يعني أنا اللي اخاف عليها من اللي زيك.

صاحت فيهما بنفاذ صبر بمعالم منفعلة: ممكن كفاية بقى، وممكن تتفضل يا احمد تروح دلوقتي، ارجوك امشي، كفاية كده.

رمقها احمد معاتبا وهو يتحرك من مكانه ليخرج إلى سيارته لاقيا سهام نظراته القاتلة على مروان الذي قابلها باستهتار، وبمجرد التأكد من رحيله انصرف البواب يحاول التواصل مع حسام، ولم يتبق سوى بسنت و مروان الذي بادر يقول بانفعال: ده عيل مترباش، انا كان ممكن اخده على القسم وابيته في الحجز بس انا عملت حساب لوقوفك بس.

وقفت ترمقه بنظرات باردة لمع فيها الاشمئزاز لتكمل هي بمجرد انتهائه: والله يا مروان الدور والباقي على اللي لو فضايحه اتعرفت هياخدله اعدام مش هيبات في الحجز بس.
لم يظهر صدمته من كلماتها على وجهه بل رمقها بنظرات مبهمة مستفسرا: قصدك ايه يا بسنت.
لم تجبه وهي ترمقه باستهزاء فرفع اصبعيه يحركهما على وجنتها ناطقا بخبث: بسنت بتكلميني كده ليه؟، انا زعلتك في حاجة؟

دفعت يده عنها وهي تصرخ في وجهه بحدة: لتاني مرة هحذرك، المرة التالتة ايدك دي هقطعهالك.
انفعل وهو يقول لها بتهكم ونبرة لم تتوقع أن يحدثها بها أحد يوم ما: بتتكلمي كده ليه يا بت انتِ، فوقي لنفسك يا بسنت ولو كنتِ يا حلوة بدأتِ تحني لحضرة الدكتور أنا بمكالمة واحدة للحاج وهدان اقوله على القعدة الغرامية اللي كنتوا قاعدينها برا دي يجي يصفيهولك.

احتدت نظراتها، ثوان وارتفعت ضحكاتها الساخرة وهي تنطق بتصنع الدهشة وقد استفزها حديثه: بجد هيصفيه!، طب تفتكر هيعمل فيك انت ايه لما يعرف انك خاين للقسم اللي حلفته والبدلة اللي متستحقش تلبسها وبتشتغل قواد؟
صرحت بمعرفتها لكل شيء ولم تحسب عواقب أي مما تفوهت به، هي متيقنة أن شقيقها مازال لا يعلم ولكنها لم تحتمل الصمت.
ألجمته الصدمة فرمقها بانكار، هل تكشف حقيقته التي أخفاها سنون على يدها؟

كان في صمتهما الهلاك وفي عيونها النار خاصة حين تحدثت بابتسامة كالسكين في قلبه: ايه مبتردش يعني ولا لسانك اتقطع!
حل صمته أمام حربها التي شنتها عليه وقد أقسمت ألا تخرج منها إلا بقول كل ما يحويه صدرها.
جلست نيرة بجوار زينة و عائشة و دنيا.

ليقطع الصمت قول دنيا المتذمر: نيرة على فكره كده مينفعش انتي مصحيانا كلنا من قبل الساعة خمسة الصبح ليه ممكن اعرف؟، حضرتك المفروض اننا هنفضل طول اليوم بكرة نجهز معاكي، وبعد بكره فرحك اللي منعرفش شكله ايه ده، تحبي ننام في الفرح هيرضيكي يعني.

كانت تنظر بتمعن في شاشة الحاسوب أمامها تتابع صور لتصاميم مختلفة لفساتين الزفاف فأشارت لدنيا بإهمال ناطقة: هش اسكتي انتي، حامي قالي هلاقي الفساتين على لابتوب عائشة اختار منهم واحد.
صححت لها عائشة بضجر: يا شيخة اتقي الله بقى، دي عائشة نفسها ماختارتش ولا حتى اتعرض عليها تجيب فستان لسه، هو حامي قالك تصحينا تذنبينا كده؟

لم تجب عليهم بل نظرت لزينة الجالسة جوارها والتي نزلت رأسها على كتفها تغط في نوم عميق لتستيقظ بفزع على صوت نيرة تقول بحماس: فوقي كده يا زينة واختاري معايا يلا، هو أنا مقعدواكوا ليه؟
لاحظت عائشة تلك النغمة المميزة التي يصدرها حاسوبها، فحاولت اخذه من نيرة: هاتي يا نيرة كده حد باعت على الايميل حاجة.
اعترضت نيرة فكتفتها دنيا وساعدتها زينة التي نطقت بغيظ: تعاليلي بقى ده أنا زهقت منك.

نظرت عائشة في حاسوبها بتمعن ترى ما تم إرساله إليها، وجدت رسالة من بريد غريب، اتت لتفتحها فلم تفلح، حاولت ثانية، فتح اخيرا معها ولكن بهتت ملامحها حين وجدت الرسالة أمامها ليست إلا نجوم، بدر إلى ذهنها أن الرسالة مشفرة فبدأت في المحاولة في فكها.
حاولت مرة تلتها الاخرى حتى يأست فضربت على حاسوبها بانزعاج، استقامت نيرة تسألها باستغراب: في ايه يا بنتي؟

قامت عائشة من مكانها قائلة بإجهاد وهي تفكر مليا: مفيش حاجة، اتفرجوا زي ما كنتوا هعمل قهوة وجاية.
طلبن منها جميعا فحركت رأسها بشرود، وعقلها قد سبح منها في مكان اخر.

غرفة متوسطة لعدة أراضي زراعية، غزا صوت صرصور الحقل المكان، هو ممدد على الفراش رأسه مثبت على الخشب من خلفه وقدميه ممدوتان أمامه يضعهما فوق بعضهما، اعتدل في جلسته واقترب من ذلك الموقد القديم ليصنع قهوته الساخنة، استدار يرمق والده لينطق ضاحكا: ايه البوتجاز ده، مش قديم اوي عليك!، بس عارف old is gold، رغم ان الأوضة دي قديمة بكل ما فيها بس دهب.

ذهب لإحضار كوب بلاستيكي من تلك الطاولة التي غزاها القدم ولكنها مازالت تحتفظ بأصالتها، ارتفع برأسه لتحتضن زيتونيتاه تلك الصورة الموضوعة داخل إطار ومعلقة على الحائط أعلى الطاولة، خرجت تنهيدة مطولة منه مطعمة بالآم سنين سابقة قضاها وحده، رفع كفه يمسح على ملامح والده الموجودة بالصورة وقد زين ثغره ابتسامة لامعة وهو يقول بمزاح: على فكرة انت وحشتني أوي يا وحش...

ضحك متابعا بزيتونيته البراقة بوميض ضم الفرح وكأن والده واقف أمامه فعليا: على فكرة عائشة هي اللي علمتني كلمة وحشتني دي، وهي اللي علمتني كلمة على فكرة دي كمان، الشبر ونص دي خطفت ابنك بدل ما هو يخطفها، بس مش معنى كده انك مكنتش بتوحشني، اصلها احساس مش كلمة هقولها، وانا الاحساس ده مفارقنيش من يوم ما غيبت.

اتسعت ضحكته وهو يواصل الحديث وكأنه في عالم اخر: بس النهاردة حاسس بحاجة مختلفة، حاجة محسيتهاش قبل كده، انا شايفك هنا، الظاهر اننا لما بنروح مكان كان ساكنه اللي فارقونا روحهم بتحاوطنا، وانا شايف روحك دي حواليا.
غمز ضاحكا بشقاوة مكملا كلماته: بس وحش انت، مكان زي ده اكيد صوفيا مكانتش تعرف عنه حاجة، اوعى تكون كنت بتيجي تلعب بديلك من وراها هنا.

أنزل يده ليملي عينيه من معالم والده جليا يحفظها عن ظهر قلب أثناء قوله: بس انت طلعت لعيب، اسمك راعبهم وانت عايش ووانت مش موجود
كان نطق الكلمة الأخيرة صعب عليه، ولكنه قالها بآسى.

تابع بشراسته التي تلمع في عينيه لحظة الهجوم: انت عارف ابنك وانه مش محتاج يحلف، بس انا هعرفهم كلهم بيا، هما لحد دلوقتي ميعروفونيش بيجروا زي الفيران من وهم اي عيل يكشفه بس الميزة ان في ايدي خيط انت اللي مسكتهولي وهو انهم شاكين ان حد كاشفهم، هوقعهوملك، بس معرفش هقدر ازورك قبل ما كل حاجة تخلص ولا لا؟
ياسيدي مش يمكن اجيلك ونبقى سوا، بس هو انا هروح نفس المكان معاك؟، ولا لأ...

مسح دموعه بكفه وهو يقول مبتسما من وسطها: انا عارف ان ربنا رحيم وهيرحمني، انا كمان بقيت اصلي وبروح بيته مش دايما بس بحاول مفوتش.
ضرب على مقدمة رأسه واستدار مهرولا ناحية الموقد يغلقه وهو يقول بمزاح: القهوة باظت، الوحش لو كانت موجودة هنا، كانت مسكتها عليا الجاي كله من عمرها.

وقف يصنع غيرها وهو يرمق صورة والده بحب وابتسامة صادقة، لمعت في رأسه فكرة فابتسم بمكر وهو يحدث نفسه بكلمات مبهمة وقد راقت له الفكرة: وماله، نجيبها.
صب القهوة في الكوب البلاستيكي وأخرج هاتفه بحماس لتنفيذ ما انتوى فعله.

كان ممدد على فراش في منزل معدم خالي من كل شيء، الفراش المتهالك زاد من تعب جسده المصاب، لقد قفز من السيارة قبل أن يلقى حتفه ولكنه لم ينج فلقد أصابه ما أصابه، دخل عليه الغرفة أحدهم فتحدث بنفور: بقى ده مكان سايبني مرمي فيه بالأسبوع وحتى مهانش عليك تبعتلي الدكتور تاني سايبلي واحد مش عارفه حاجة في دنيته.

تحدث بديع بحدة وهو يغلق الباب ويجذب مقعد للجلوس عليه: انت فاكر نفسك في مستشفى ولا ايه، واتكلم عدل متنساش نفسك، انا لا عمك ولا اعرفك ولا تكون كدبت الكدبة وصدقتها.

ضحك عدنان باستهجان ورمقه بسخرية أثناء قوله: عارف يا عمي، اه عمي انت لحقتني لما اتصلت بيك علشان مصلحتك في جيبي ومعايا، وعلشان دماغي اللي مفيش منها، حتى لو هنفترض كلامك صح وان العالم اللي ربوني دول جابوني من ملجأ وكتبوني باسمهم من غير ما حد يعرف، مفيش ورقة على الأرض تقدر تثبت اني مش ابنهم...

مفيش ورقة تقدر تثبت ان عائشة الزيني وعمر الزيني مش ولاد خالتي وانك انت متبقاش عمي، وارجع وافكرك ان بدماغي دي قعدت سنين محدش هرش انك السيد الكبير، وبنتك في يومين كشفت الدنيا وقومتها مقعدتهاش، بسبب انها عيلة هبلة وانت مديها مكانة اكبر منها.

ضحك بديع ساخرا وهو يردد: والله ما في اهبل منك، عارف اللي انت بتقول عليها هبلة دي تعرف اللي انت متعرفهوش، مشكلتك يا عدنان انك مفكر الكون كله هيدور بحساباتك انت، ماحترمتش خبرة واحد زي رضوان بعد كل اللي علمتهولك فرضوان عرف يلعبها عليك، انا لحد دلوقتي مش عارف هو عمل فيك كده ليه وسايبك متقولش، بس انا لو عوزت اعرف هعرف حالا، واديك اهو اتسببت في هروب اكتر من 50 بنت من اللي كانوا المفروض يسافروا ومرمي هنا ملكش لازمة.

هجبلك ابن حامي العمري.
جملة تفوه بها عدنان كانت كافية لجعل بديع يصوب كامل انتباهه له وقبل أن يتفوه بديع بأي شيء وصلت رسالة على الهاتف الصغير الموضوع على الطاولة بجوار عدنان فقرأها بانتصار لينطق بثقة ناهيا:
بكرا، النهارده بطوله يعدي وابنه هيكون عندك...
ضحك وهو يرمق بديع مختتما بغرور: علشان تعرف بس ان اللي بخسرهولك فضة بترجع تكسبه من ورايا دهب.

تحرك بخطوات وئيدة ناحية مدخل القصر، كان ثابتا في خطواته والحارس يساعده في الوصول إلى المكتب حتى توقف به أمام الباب قائلا: الباشا مستنيك جوا يا عمار باشا.
ابتسم عمار بهدوء ودق الباب، سمع السماح له بالدخول، فدلف بهدوء وأغلق الباب خلفه، وقف يتأمل الجالسين، والده السيد زيدان وعلى مقعد اخر رضوان.
جلس على الأريكة وضحك بنظرات بان ما فيها جيدا وهو يقول: متجمعين عند النبي.
في التاسعة صباحا.

توقفت السيارة أمام بيت تأملته عائشة لتجده يتوسط أراضى زراعية فأردفت بحدة للحارس: خلتني لبست ونزلت وقولت في انسة عايزة تقابلني وحامي مانع طلوع حد البيت ونزلت معاك، وبعد ما انزل تجيلي مكالمة من حامي ان البنت استأذنت اجيلها بيتها وانت تجبني قولت معلش بتحصل، لكن الأراضي الزراعية دي مبيحصلش فيها غير جرايم القتل، قولي الصراحة انت جايبني فين؟
حسها قائلا بأدب: طب حضرتك انزلي وهتتأكدي اني مش كداب.

نزلت من السيارة بضجر وتوجهت معه لتجده يتركها في المنتصف ويعود إلى السيارة يفر راحلا وسط ذهولها، هرولت تحاول اللحاق به وهي تقول بصدمه: يا انت، استنى.
لم تجد منه اجابة فشعرت بالخطر يحلق من فوقها. ولكن حامي بلغها أن تذهب معه، وإذا انتوى لها الحارس ومن معه شرا ما تركوا لها الهاتف، نظرت حولها تبحث عن مخرج، أو بيت تستغيث بأصحابه.

قبل أن تتم تفكيرها وهي تقف أمام البوابة التي تركها عندها الحارس وجدت نفسها تسحب من الخلف من مرفقها فشهقت بصدمة، لتجد نفسها داخل الغرفة وأحدهم خلفها قابضا عليها، أغلق الباب بقدمه وقبل التفافها اقترب من أذنها، سكنت كليا حين اخترق انفها عطره، همس جوار أذنها: انتِ الوحيدة اللي لما بعرفك بيا بيبقى التعريف غير علشان انتِ غير.

أصابتها حالة من الخدر فبعد أن كانت تشعر بأن الخطر يحدق بها وجدت نفسها في أحضان الأمان، زادت حالتها هذه وارتفعت ابتسامة على شفتيها حين مال مقبلا وجنتها وهو يهمس مجددا جوار أذنها: أعرفك بيا، حامي العمري ياوحش.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة