قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية لا تؤذوني في عائشة ج2 للكاتبة فاطمة عبد المنعم الفصل الثامن عشر

رواية لا تؤذوني في عائشة ج2 للكاتبة فاطمة عبد المنعم الفصل الثامن عشر

رواية لا تؤذوني في عائشة ج2 للكاتبة فاطمة عبد المنعم الفصل الثامن عشر

حلمنا نهار، ونهارنا عمل
نملك الخيار، وخيارنا الأمل
وتهدينا الحياة أضواءً في آخر النفق، تدعونا كي ننسى ألماً عشناه
نستسلم لكن لا مادمنا أحياء نرزق.
#مادام الأمل طريقاً فسنحيا
صبية تجلس أسفل منزلها تتطلع هنا وهناك منتظرة شقيقها، كانت الصبية تتطلع إلى بائع تلك الحلوى التي تشبه القطن بلونها المحبب لقلبها بإشتياق تخشي أن يرحل البائع قبل وصول شقيقها فهي لاتملك المال الكافي للشراء.

شعرت بيد تضرب بخفه على كتفها فااستدارت بلهفة تظنه شقيقها لتجده شقيق والدها، بهتت ملامحها وقالت بكلمات مقتضبة: ازي حضرتك ياعمو.
مسح رضوان على وجنتها سائلا إياها: ايه ياعيوش انتي زعلانة مني، بصي ياحبيبتي ملكيش انتي دعوة بمشاكلي أنا وبابا، أنا عمو حبيبك مش انتي لما بتعملي مشكله في المدرسه بتخليهم يكلموني أنا.

ثابته على حالتها لم يغرها كل ما قال تلك الصبية العنيدة فقرب منها حقيبة وفتحها قائلا وهو يحاول إغراء طفولتها: بصي أنا جبتلك ايه؟!، مش ده التليفون اللي كنتِ بتقولي لبابا عايزة واحد زيه.

أردفت بحده وعيون التمعت بشراسة امرأة في الثلاثين وليست صبية صغيرة بعمرها: بابا هيجبلي الأحسن منه لما يرجع فلوسه وشغله اللي حضرتك بتسرقهم منه، أنا مش صغيرة وعارفه كل حاجه كويس وعلى فكره بابا قالنا ملناش دعوه بالمشاكل بس انا مش هقدر ارجع احبك تاني انت خذلتني وانا دلوقتي مش بنت سنتين تلاته هتراضيني بلعبة ولا تليفون.
اقترب شقيقها ولاحظ اشتعال الوضع فقال وهو يحتضن شقيقته بغريزة فطرية: في حاجه يا عائشة.

نطق رضوان بتهكم حينما لاحظ قدوم والدهما من خلفهما: اه في، في ان المحترمة بتقول على عمها حرامي
ثم استدار لشقيقه قائلا بسخرية: ابقى فضي نفسك شوية علشان تربيها
وتابع وهو يجذبها من يدها على حين غرة: ولو مش فاضي انا اربيها واكسر رقبتها.
داهمه شقيقها وكاد أن يضربه وهو يأخذها منه وسمع صوت والده الحازم: خد عائشة وروح ياعمر.
استجاب له ونظراته الحاقده تحيط بعمه وتبعته عائشة التي قالت بدموع: أنا بكرهك.

مرت حتى قال والدها بنبره حاده ونظرات كالسيوف: عايز ايه يا رضوان، جاي هنا ليه؟!، زعلان انها قالت عليك حرامي هي دي حاجه مش فيك؟!
آتى رضوان ان يتحدث ويلقي بسمومه ولكن منعته يد شقيقه الذي هتف بإنهاء للموضوع: متقولش أي حاجه، بنتي متربيه أحسن تربية ابعد عنا بس وهنبقى كويسين، ولادي دول هيسندوني لما اكبر وهما اللي هيقفوا في وشك فبلاش تشتري عداوتهم من دلوقتي.

قال كلماته هذه ورحل عنه ليتركه واقفا تنهش النيران به ليتمتم بحقد: ده لو لحقت تكبر اصلا.
Back.

لاحظت نيرة جلوس عمر على ذلك السور المرتفع الموجود بجوار مبني المشفى فشهقت عاليا بخضة وصرخت منبهة: انت هتنتحر!، احنا لسه مااتجوزناش.
كان شاردا في ذكريات ماض مرت أمامه بمجرد رؤية رضوان فلم ينتبه ل نيرة التي أعادت النداء: انت ياعم السرحان.
فاق من شروده واستدار لها فقال بتأفف: نيرة مش ناقصك.
رمقته بضجر وبدأت خطواتها الراحله وهي تقول: أنا غلطانة اني عبرتك.

نزل من مكانه واقترب جاذبا يدها وهو يقول بضحك: طب تعالي متزعليش.
نطقت برفض: لا، واستنى الدبله اهي.
قبل أن تخلعها كان يحملها ليجلسها على هذا المكان المرتفع فصرخت عاليا: لا ياعمر، هتموتني مكانش العشم.
جلس من خلفها وحاوطها جيدا حتى لا تسقط وقال بنفاذ صبر: اقعدي ساكته بقى، متخافيش انا ماسكك اهو.
صمتت ليعود لصمته من جديد فسألته بعد فترة من الصمت: هو احنا بنعمل ايه؟!
بنتأمل، اتأملي ارفعي دماغك بصي للسما.

رفعت رأسها ترمق النجوم بضحكه آمله، تلك النجمة المجاورة للقمر فرفعت يدها مشيرة تقول بفرح: بص كأنها بنت القمر وخايفة تتوه منه.
ابتسم على تشبيهها فااستدارت له ترمقه قائله بألم: عمر انت زعلان علشان مش هنقدر نخلف صح!
حرك رأسه بمعنى لافائده منها فتراخت يده عنها فخافت السقوط صارخه: لا ياابن المجانين.

ارتفعت ضحكاته وهو يشدد عليها من جديد قائلا: انسي يا نيرة، انسي اي حاجه ممكن تزعلنا بين يوم والتاني في ألف حاجه بتتغير، احنا هنروح للدكتور سوا ونشوف علاجك بيجيب نتيجة ولا لا.
نطقت بيأس: بس أنا سألت اول دكتور روحتله قالي مفكرش في موضوع اني ابقى ماما ده خالص وانا عايزة ابقى ماما بصراحه.

ضربها على مقدمة رأسها قائلا بضحك: طيب ياماما، بصي يا نيرة مفيش حاجه اسمها مستحيل، ومش دكتور واحد اللي هيحكم نروح لاتنين وتلاته كمان ونتابع العلاج، انتي بتاخدي علاجك علطول صح؟

هزت رأسها بأمل فتابع هو: وحتى لو ياستي افترضنا ان موضوع الخلفة ده صعب، انتي عندي بالدنيا يانيرة وهيبقى ده قضاء ربنا ولازم نرضى بيه حتى لو هيزعلنا شوية، ومع ذلك انا متأكد ان ربنا هيراضينا وهتطلعي روحتي لدكتور حمار قالك الكلمتين دول.
ارتاحت نفسها لكلماته المطمئنة وأراحت رأسها عليه وهي تسأله: طب انت زعلان ليه، من ساعة ما الصرصار ده جه وانت زعلان.
كرر كلمتها ضاحكا: صرصار!

أكدت بقولها: اه صرصار، ده لما جه المغربلين عند هنا كل حتة علقة بالشباشب كل اللي عنده طاقة سلبية كان بيفرغها فيه.
ارتفعت ضحكاته على حديثها وأردف محاولا كتم ضحكاته: لا خلاص ياستي مش زعلان.
لا انت زعلان.

قال بهدوء وعيون لمعت بالكثير: عارفة يا نيرة الخذلان اهو انا لما بشوف رضوان ده بفتكر الخذلان علطول، عائشة وهي صغيرة كانت بتحبه اووي مع ان انا من صغري مكنتش ببلعه بس حاولت احبه علشان مزعلش عائشة ومع اول موقف خذلها بقيت اشوف في عينيها نظرة الكره اللي ليه، عارفه لما حد يقنعك انه ملاك بجناحين وكل اللي حواليه دول ظالمينه وهو محتاج فرصة بس ومع اول فرصه ياخدها تتفجأي بشيطان واقف بيضحك على أد ايه انتِ كنتِ ساذجة لما صدقتيه.

ابعد عن الشخص، اعمل اي حاجه بس متعشمهوش وتخذلوا لأنك كده بتحسسه بمشاعر كتير اووي طعمها مر وللأسف مرها بيفضل معلق طعمه مبيروحش مهما الزمن عدى.
هزت رأسها بتفهم تقول: أنا حاسه ياعمر، بس برضو متطمنه ان كل حاجه هتبقى كويسه كل ده هيمشي علشان احنا كلنا نستاهل حياه حلوه.
استدارت له تطلب تأكيد الإجابة وهي تقول: صح؟!
قبل جبينها وهو يقول مطمئنا: صح
سألها بتصنع الشرود: أنا نفسي نعمل فرحنا اوي يا أمنية.

تنهدت بحفوت وهي تقول متمنية: وانا كمان نفسي ده كله يخلص
صمتت فجأه وجحظت عيناها وهي تعيد بإستنكار: أم مين ياعنيا!
ضحك عاليا فصرخت هي: نزلني، نزلني دلوقتي حالا بدل ما اصوت والم عليك اللي هنا كلهم، وياترى امنية واحده ولا أمنيات كتير!
دفعته بغضب حتى كادا أن يسقطا فنطق وهو يحاول تثبيتها: يابنت المجنونة.

نطقت بشراسة: بتخوني معاها من امتى؟!، وياترى عملتوا الفرح ولا لسه بتفكروا، أنا عارفاك من أيام السحلية وانت عينك زايغة.
ثم صرخت به وهي تنتشل كفه: وريني ايدك طبعا قالع الدبله علشان تعرف تمشي معاهم.
ارتفع صوت صياحها فجذب انتباه الماره: تحذير، نزلني ياعمر بدل ماانط وهقول لحامي انك حدفتني من على السور علشان تخلص مني ويخلالك الجو مع الأمنيات بتوعك.

كمم فمها ناطقا بنفاذ صبر: بس فضحتينا، ايه كل ده امنية دي اخت عزيزة.
لاحظ الشراسه التي أكلت عيونها فقال بتصنع الخوف: انتي هتتحولي ولا ايه.
أردفت محذرة: قدامك ثانية واحده تقولي مين أمنية؟
عايزة الصراحه؟
هزت رأسها بنظرات غاضبة فقال هو بضحك مستمتعا: كنت بعصبك علشان لما بتتعصبي بحس ان مودي بيتعدل، بتكيف يعني.
رفعت حاجبها تقول بتهكم: والدبلة فين!
برر بصدق: واسعة على ايدي للسف فخايف تقع شلتها لحد مااعدلها.

نفت قائلة بتصنع الحزن: لا زعلانة برضو.
أغراها قائلا بضحك: هجبلك ايس كريم.
سألته بجدية: كتير؟!
هز رأسه موافقا فعادت لوضعها من جديد هو يحاوطها من الخلف وهي تستند برأسها على صدره تقول بسماح: خلاص تنزل المره دي.
عادت لتأملها من جديد ترمق السماء بحب جلي: تعالى نعد النجوم.
أردف بسخرية: اه انتِ فاضية بقى.

سألته بفرح: فاكر لما قولتلي في تركيا انك بتحبني، ده كان احلى يوم في حياتي، وبالذات وانت ماسك المايك وبتنده فيه.
ضحك رافعا حاجبيه وهو يقول بمكر: والله احنا ممكن نكرره تاني؟!
سألته بفرح: بجد؟!
ثبتها بآحدى يديه وقفز من مكانه فرمقته بإستغراب لتجده على حين غره يحملها بين يديه فمنعته برجاء: عمر احنا في الشارع بتعمل ايه.
رمقهم أحد الأشخاص ليقول بضجر قبل مروره: لاحول ولاقوة إلا بالله.

ضحكت عاليا وهي تقول: ياعمر نزلني الراجل بصلنا بصة بوليس الآداب للرقاصة.
ارتفعت ضحكاته وهرول بها في الطريق وهو يقول صارخا: بحبك يانيرة.
رمقته بصدمه لم تقصد أن يفعل هذا والآن وهنا أمام المشفى فحاولت ردعه من وسط ضحكاتها ولكنه أكمل هرولته بها صارخا بحبها فعلت ضحكاتهما معا وهي تحمد الله على وجودها بجانب كل من يحبونها، ذلك السد المنيع الذي يحول بينها وبين السقوط أو الخذلان، بينها وبين كل شعور سيء.

في داخل المشفي بداخل غرفة عائشة
بعد تلك الكلمات التي تفوهت بها الممرضة ألقت عائشة سهام غضبها على حامي هاتفه: ايه الكلام اللي الست المجنونة دي بتقوله.
حاول تهدئتها مردفا: استني وهفهمك.
تشدقت الممرضة بحسره: أنا برضو اللي مجنونة، ماشي ياست الله يسامحك ليس على المريض حرج.
اندفعت تقول بشراسة: مريض ايه ياست انتِ، جوزي ده قالك انه متجوز اتنين؟!

رمق حامي الممرضة بنظرات سوداء أثارت الذعر في قلبها لتهتف داخليا: أنا شكلي عكيت الدنيا.
ابتلعت الممرضة ريقها تقول بإرتباك: أنا معرفش حاجه.
صرخت فيها بتهكم: متعرفيش حاجه!
نظرت ل حامي مردفة بغضب: قوم حالا ننزل تحت اشوف مين الهانم اللي مستنياك.
ضرب على الطاوله بقبضته مما أفزعهما ليقول بنبره ثابته: لو عايزة تنزلي هنزلك، بس لو ملقيناش حد هنكد عليكِ.

رمق الممرضة بسهامه الثاقبة وهو يقول بسخرية: انتِ كده كده اصلا سواء لقينا حد أو ملقيناش هنكد عليكِ.
أردفت عائشة بإستنكار: هو انت غلطان وبتهددنا!
قطع حديثهما هرولة الصغيرة نحو الغرفة تقول بنحيب: حامي زعق لنيرة.
سردت الصغيرة ببكاء: هي قالتلي هنعمل مقلب سوا وعملناه وهي هربت وخرجت ومش لقياها، الكذابة قالتلي هتاخدني معاها.
استدرجها هاتفا: مقلب ايه ياليو؟!

أشارت لينا على الممرضة مرددة: طنط دي مشافتش غير أنا وزينة بس عند عيوش علشان نيرة كانت بتجيب قهوة ليها، فهي عملت فيها مقلب انها مراتك علشان تهزر مع عيوش.
ضغطت عائشة على شفتيها بحرج أما عنه فكور قبضته ندما على الاعتماد على شقيقته بمزحتها هذه، لقد سرد لها كل شيء قبل رحيله حتى لا تحدث المشكلات من ضمنها خداع الممرضة.
دلفت زينة الغرفة تقول بإستغراب: هو في ايه ونيرة فين؟!

ضحكت عائشة عاليا على الرغم من غيظ حامي فتلك المازحات السخيفة دائما ماتتشارك مع نيرة بها ولكن الآن فعلتها نيرة بها.
رفعت زينة حاجبيها بإستغراب بينما استدار حامي لعائشة فقالت بتصنع الخوف: انت هتتحول تنين حالا صح؟
دلف عمر تهرول من خلفه نيره التي ثبتت مكانها حين لاحظت أن أنظار الجميع موجهة إليها وصوت الممرضة تقول: ايوه هي دي مراتك التانية.

وضعت يدها على فمها ورفعت اصبعها تقول: والله كان قصدي ادخل البهجة على قلوبكم علشان حسيتكم زعلانين.
لاحظت ان حامي يسحق أسنانه وهو يقوم من مقعده فقالت: لا انا كده هتضرب شكلي.

فهرولت من الغرفة قبل خروجه إليها وهي تسابق الدرجات لتقع من يدها حقيبة شقيقتها التي كانت تعلقها فسقطت محتوياتها أرضا، مالت تلملم محتواياتها لتجد شريط من الحبوب فانكمش حاجبيها وهي ترفعه أمام عيونها تحاول معرفة ماهيته، كان حامي يقف خلفها فاانتشله منها مما جعلها تشهق بخضة وهي تردف: أنا لقيته في شنطة زينة.

حاولت إخراج شقيقتها من هذا المأزق قبل أن تعرف حتى ماهية الدواء: تلاقيه بتاع هنا واتحط بالغلط في شنطة زينة.
رفعه أمامها يقول بإشتعال ونبرة متهكمة: هنا بتاخد برشام يعمل نزيف للحامل!
شهقت عاليا بخوف: قصدك ان زينة...
قاطعها مردفا بحده: لا طبعا مقصديش اللي فهمتيه ده.
وجد زينة خلفهم تقول بترجي مازح: خلاص ياحامي اختنا وغلطت.
رفعه حامي لها فأبدت استغرابها وهو يقول: ايه ده يا زينة؟!

نطقت بصدق: ده برشام وقع من عدنان قريب عائشة لما كان على الأرض وبطنه بتوجعه وبعدها انشغلنا بعيوش فنسيت اديهوله.
ثوان وجمعت نيرة كل هذا فأردفت بخوف: يعني...
رمقهما حامي بنظرات جامدة لمعت بشراسة وقال بحده: خدي زينة واطلعي فوق يانيرة.
أدركت أنه لا مجال للتحدث مع شقيقها فااستدارت راحله مع شقيقتها وهي تحاول تجميع مادخل عقلها للتو.

كانت ساره تهرول مع حسام لترى ما حل في الخارج سبب هذه الصرخه النسائية، قال حسام وهو يهرول إلى سطح البناية الذي يعلو الدور القاطنة به ساره: الصوت جاي من فوق.
بمجرد صعوده وجد المكان فارغ، دور علوي بسيط لم يصبح مكان صالح للمعيشة بعد لعدم اكتمال بناؤه ولكن من استأجرته اعتنت به حتى يناسبها.
بمجرد أن رأتهما صرخت بخضة منتفضة ولكنها سريعا ما فاقت من خوفها مردفة: انتوا مين؟!

تأملتها ساره، فتاة في عقدها الثاني ربما تقف مذعورة. ملامحها دافئة وملابسها بسيطه تنورة من القماش ظهرت بها البساطة يعلوها بلوزة وذلك الإيشارب الذي تربط رأسها من الأعلى به.
اقتربت منها سارة تربت على كتفها قائله: انتِ كويسه، متخافيش انا جارتك تحت.
حركت رأسها سريعا بإرتباك: كويسة، كويسة.
سألها حسام بإستفهام: امال كنتِ بتصوتي ليه؟!
نطقت مسرعه كمن وجد ضالته: فار، شوفت فار.

رفع حسام حاجبه الأيسر قائلا: فار!، غريبة يعني.
ابتعدت عن سارة واتجهت نحو ابريق الماء هاتفة بقلق: ايه اللي غريب ياأستاذ!
حدثها حسام وهو يحاول كشف ما تخفيه: لما انتِ بتخافي من الفيران لدرجة تخليكي تصوتي بالطريقة دي، تسكني فوق السطح ليه!، وانتِ عارفة انك هتبقِ معرضة لموضوع الفيران ده كتير.
قالت بتوتر من هذا الشخص: الظروف حكمت.
ثم وجهتهما قائله: شرفتوا.

شعرت ساره بالحرج وتحركت راحله تبعها حسام الذي كان يرمق الوضع بشك.
تيقنت من خروجهما ومالت بجوار الأريكة لتقول لمن يختبيء أسفلها وهي تحاول التقاط أنفاسها:
اطلع، مشيوا.
صغير تقف أمام فراشه بداخل الحضانة والذي يجاوره فيها أصدقاء كثر من الأطفال الآخرى
كانت تحاوط قبضة زوجها تستمد منها الأمان وتميل على فراش طفلها، ملأت الدموع عيونها وهي ترى نبتتهما الطفل الذي خلق من رحم المهالك التي عاشاها وسيعيشاها.

ابتسم حامي وهو يرى تأملها للصغير فخرجت منها همسه حتى لا تزعج صغيرها: محمد.
دلفت بسنت تقول بإستعجال: عيوش كفاية كده، مينفعش اصلا دخولكم هنا.
أخذ حامي يدها قائلا بدعم: يلا يا عائشة كفاية كده.
رمقته بترجي فحثها بعينه فتحركت معه وعينها لاتفارق الصغير، وبمجرد خروجها التفت حامي إلى بسنت مرددا: أمانتك يابسنت.
نطقت ضاحكة: علشان اسمي اللي بقى يتنطق زي السكر ده هشيله في عيني.

رمقها رافعا حاجبه الأيسر وتحرك مغادرا خلف عائشة التي وقفت في الخارج فااحتضنها قائلا بتهدئه: هجيبك تاني.
هزت رأسها واقتربت من السيارة لتجد نيرة فقط بها فسألته: هما روحوا؟!
النهار طلع وعشان ميحصلش لفت نظر مش هندخل كلنا، هما رجعوا مع عمر وانتي ونيرة هترجعوا دلوقتي مع الحرس.
وانت؟!
نطق بجدية: عندي مشوار.
سألته مجددا: فين؟!
حركها تجاه السيارة قائلا: روحي يا عائشة.
أعادت السؤال: رايح فين.
مش هقول.

تحدثت بنفس نبرته: وأنا مش هروح.
ارتدي نظارته السوداء وتحرك نحو أحد السيارات واستدار مشيرا لشقيقته التي خرجت من النافذة تقول: بلاش نفرج الشارع علينا دلوقتي.
قال منهيا الحديث لحارسه: اخرهم الكافيه اللي قبل المزرعه غير كده تروحهم حتى لو بالغصب.
وقفت عائشة ترمقه بضجر وهو يسير بثقة مردفة: يعني ايه بقى ده!
استدار لها غامزا بضحك: يعني سلام ياوحش.
في نفس التوقيت.

جلس يحيي أمام دنيا يقول بقلق: يادنيا انتِ متأكده انك كويسه؟!، أنا هنا من امبارح وانتِ على الوضع ده، قوليلي الصراحه الواد اللي في الشقة اللي قدامك ده عملك حاجه؟
حركت رأسها تبتسم قائله: صدقني يايحيي أنا كويسة، وعمار معمليش حاجه متقلقش.

حرك رأسه متنهدا بعمق: طيب يادنيا انا جبتلك حجات وحامي بيقولك لو حسيتي بأي خطر او احاجتي اي حاجه استخدمي شريحة من اللي معاكي وكلميه، مش هضغط عليكي واقولك اني عارف ان الواد المبرشم ده عملك حاجه علشان كده جيت لقيتك بتعيطي.
أعطاها مفتاح متابعا: اقفلي على نفسك ومتفتحيش باب شقتك ليه خالص يادنيا، اتفقنا.
حركت رأسها موافقة ولاحظ هو رنين هاتفه فقال: هسيبك بقى.

خرج ليربط حذاؤه وهو يضع الهاتف على أذنه فااستمع لنبرة زينة الحزينة: يحيي.
نطق بضحك: عيون يحيي.
استطاع سماع صوت الصغيرة تقول: لو عاكستها هقول لحامي.
فأردف بضجر: زينة سكتي البت دي بدل مااقتلها واقتلك واقتل نفسي.
ضحكت على كلماته وأردفت بعتاب: انت فين يايحيي، بتغطس فين كده.
برر لها مردفا: والله شغل يا زينة ده غير شغل الشركه انا وعمر وحامي مش ملاحقين.
رددت بحزن لافتقاده: انت وحشتني اووي.

أردف مازحا: أنا اللي بتعاكس اهو يالينا معاكستش لسه خدي موقف علشان بنهار.
بررت الصغيرة قائله: هي تعاكسك عادي، هي بنت انت ولد.
تعايش معها فيما تقوله مردفا: اه يااختي والولد ليه ايه غير سمعته وشرفه.
علت ضحكاتهما ليقول هو: انتوا مروحين صح؟!
اه، حامي قالك؟!
هز رأسه قائلا: اه قالي، كويس ماما وصوفيا وكريم سبتيهم انتِ ونيرة امبارح كله لوحدهم.
سألته بعيون لامعه: طب انت هتيجي امتى؟!

أردف ضاحكا: انا في ضهركوا علطول شوية وهتلاقيني في وشك.
ابتسمت بفرحه ليقول هو: زينة هو احنا هناخد خطوة كتب الكتاب امتى، أنا خللت وأنا مخطوب.
اختفت الضحكة تماما من وجهها وخاصة وهي تردف بحذر: يحيي هو ممكن نأجل الموضوع ده شوية.
سألها بضيق: في ايه يا زينة، انتِ كل شوية تأجلي الموضوع ليه.
أردفت بنبرة متألمة: يحيي أنا مش جاهزة دلوقتي، نستني فتره كمان.

شد خصلاته بعنف وصفع باب سيارته قائلا: لما ارجع يا زينة نتكلم، علشان هتزفت اسوق دلوقتي وحقيقي مش عايز اتعصب عليكي.
لاحظ نبرتها التي أوشكت على البكاء تردف: طب انت زعلان ليه دلوقتي؟!
تنهد عاليا بتعب وهو يقول: مش زعلان ياحبيبتي، اقفلي بس وانا لما ارجع هاخدك ونخرج ويااقنعك يااقتلك.
عادت ضحكتها وهي تدرك تقبله وأغلق هو الهاتف وهو يقول: هقفل بقى علشان هسوق.

أغلق الهاتف وذفر بتعب ليقود سيارته راحلا وقد ضاق صدره اضطرابا لرفضها وتأجيلها المستمر.
في ذلك المقهى الشبابي جلست نيرة وفي المقابل عائشة التي قالت وهي تسكب المياه: ريقي ناشف اووي كأني كنت في صحرا.
تذمرت نيرة تقول: يا عائشة كنا روحنا احسن، انا نفسي نقعد برضوا لكن علشانك.
غمزت لها عائشة قائلة: انا زي القرد اهو بقالي يومين بحالهم في المستشفي اتخنقت، نشرب حاجه ونروح.

صححت لها نيرة: قصدك ناكل ياماما انا هموت من الجوع وانتي ما شاء الله كان ناقص تاكلي السرير اللي كنتي نايمة عليه.
اقترب منهم النادل ليقول بإحترام: طلباتكم؟
قالت نيرة بهدوء: انا هاخد اي اكل خفيف لحد مانروح.
قاطعتها عائشة ملتقطة القائمة وهي تقول: خليه تقيل علشان جعانه ثم ارتفعت ضحكاتها الشقية لنيرة المغتاظة.

وقطع ضحكاتها فجأة نظرات من شابة في الطاولة المقابلة لهم تجلس مع رجل ظهر الشيب عليه فخمنت أنها ربما ابنته ولكن نظرات الفتاة كانت نظرات مستنجدة.
أفاقتها نيرة من شرودها مردفة: يا عائشة في ايه؟
فاقت من شرودها تقول: لا ولا حاجه، خدي اطلبي انتِ.
أملت نيرة الطلبات للنادل وبمجرد رحيله شهقت بخوف مستديرة حينما سمعت صوت ارتطام قوي لتجد ذلك الأشيب قد دفع الطبق على الجالسه أمامه.

قالت نيرة: يانهار ابيض شكله وقع على بنته الأكل غصب عنه، هدومها اتبهدلت خالص.
صححت لها عائشة التي تراهم جيدا: لا مش غصب عنه، كان بيزعقلها وحدف الطبق عليها.
كانت تنهض فأجلستها نيرة تردف: اقعدي يا عائشة اكيد الراجل مش هيقصد يعمل كده في بنته.
قامت الفتاة حتى تصلح ردائها في المرحاض، كان الرجل معطيا ظهره لهم فلم يرى شيء ولكنه استدار ليراقب حركة الفتاة فنظرت عائشة سريعا إلى الأسفل.

عاد هو إلى وضعه مجددا وقالت عائشة لنيرة: أنا متأكدة ان في حاجه غلط.
أردفت نيرة هي الآخرى بقلق: انا كمان حسيت دلوقتي والبنت ماشية جمبنا كأن نظراتها بتستنجد، ليكون الراجل ده خاطفها بس كانت تصوت ولا اي حاجه.
بادلتها عائشة الحديث قائلة بتفكير: أو ممكن يكون أجبرها على عريس عارفاهم أنا أبهات آخر زمن دول.

وأثناء اندماجهم في الحديث عادت الفتاة مجددا وعلى حين غره وأثناء انشغال الرجل أسقطت ورقة على الطاولة ورمقتهم بإستنجاد وهي تعود إلى مقعدها وكأن شيء لم يكن.
اتجهت نظرات عائشة ونيرة نحو الورقة وأسرعت عائشة تلتقطها لتفتحها قارئة مافيها بصوت مسموع لنيرة: ساعدوني.
نظرت هي ونيرة لبعضهما بإبهام حتى قالت عائشة: هما الحرس برا صح؟
أردفت نيرة بنبرة مستغيثة: ماتقوليش اننا هنهرب منهم.

أردفت عائشة بتخطيط مجنون: لازم نراقبهم ونعرف على الأقل هو واخدها فين علشان نقدر نتصرف.
سألتها نيرة: طب وبعدين هنخرج من الحرس ازاي؟!
نادت عائشة على النادل وقد لمعت في عينها فكره فآتى إليها فوجهت سؤالها: لو سمحت هو في كام باب للخروج هنا؟!
رمقهم بشك ففهمت عائشة تفكيره فأسرعت مردفة: متقلقش مش هناكل ومنحاسبش.
ارتفعت ضحكات نيرة في حين أردف بحرج: في بابين رئيسين ده واللي ورا.

قالت له عائشة: طب انا عايزة منك خدمة، متعرفش طريق باب تالت تخرجنا منه بس ميكونش رئيسي، وهتبقى خدمة انسانية والله.
ثم أخرجت ضريبة المكان وتناولت أموال أضافية من نيرة ووضعتهم على الطاولة فقال الشاب بإحترام: في باب بس بتاعنا احنا لو ضروري اوي هحاول اخرجك منه.
أردفت عائشة بظفر: حلو اووي كده.

ثم قالت نيرة له: بس لو سمحت احنا نص ساعة بالكتير وهنرجع، في حرس واقفين بره تبعنا متخليهمش يدخلوا هنا خالص، ولو حبكت ولقتنا اتأخرنا اخرج قولهم: نيرة بتقولكم نص ساعه وهيخرجوا.
وافقهم على الحديث وقامت عائشة تبعتها نيرة وهو يرشدهم نحو البوابة حتى أخرجهم إلى الشارع يقول: خطوتين وهتبقوا على الطريق الرئيسي.
شكرته عائشة ثم سارت هي ونيرة التي أردفت فجأة بخوف تملك منها: أنا بقول نرجع.

لم تكمل جملتها حتى مرت سيارة من جوارهم ولمحا الفتاة تنظر من النافذة بذعر فهرولت عائشة نحو سائق الأجرة و لحقتها نيرة لتنطق عائشة: اطلع ورا العربية دي بسرعه لو سمحت.
بعد مرور ربع ساعه
كان سائق سيارة الأجره يوقف سيارته بمسافه بعيدة نسبيا عن السيارة الآخرى فقالت نيرة: عائشة احنا عرفنا العنوان اهو كفاية كده بقى.
تجاهلتها عائشة وهي تسأل السائق: استنانا هنا ومتقلقش هديك اللي انت عايزه.

حرك رأسه موافقا وفتحت عائشة الباب المجاور لها ونزلت لتلحقها نيرة تقول: يا عائشة هنروح فين تاني؟
رمقتها عائشة وهي تقول: يا نيرة البنت استنجدت بينا اكيد الراجل ده بيعملها حاجه، ومش فخ لا البنت بتعيط بجد انتي مشوفتيش رماها بالطبق ازاي اصلا.
رق قلب نيرة للفتاة فقالت: طب هنعمل ايه؟!
هنوصل بس لحد تحت البيت اتأكد من حاجة ونرجع.

سارا معا فترة حتى وصلا أسفل البناية فركزت عائشة بدقة لتشهق نيرة عاليا وهي تسحبها خلف أحد الحوائط ليراقبا معا الفتاة وهي تصرخ من نافذة أحد الأدوار وقد تم تعليقها في الهواء ويد ذلك الأشيب هي المتحكمة بها والشابة لا تتواني عن الصراخ بملابسها التي ظهر عليها التمزق.

خل انتظام انفاس نيرة وهي ترى هذا المشهد وعائشة التي ارتفعت دقات قلبها وهي تسب هذا اللعين فحثتها نيرة مسرعه: عائشة يلا بسرعه نطلع لازم نلحقها، هنعمل اي حاجه انشالله حتى نقول اننا من طرف البواب تحت وانه عايزه ينزل.

عاد نظرهم عندنا وجدوه يرفعها ليحملها للداخل مره آخرى فهرولا معا بعد تأكدهما من دخوله نحو البناية حتى يصعدا الطوابق ليصلا إلى الدور الذي خمنته عائشة من النافذة ظلا يهرولا حتى وقف في منتصف أحد الأدوار ليسمعا صوت صرخات عالية متتالية فدقت عائشة الباب بعنف ونظرا هي و نيرة لبعضهما حينما سمعا صوت صرخة وكأنها الخلاص سكنت بعدها الأصوات.

قبضت عائشة على كفها المرتعد وتمسكت نيرة بعائشة فأخرجت عائشة هاتفها مسرعه تهاتف زوجها وقبل أن تكمل الاتصال انفتح الباب، انتفضتا الاثنان معا وخاصة حينما وجدا الفتاة أمامهما بملابسها الممزقة ووجهها الذي تنزف منه الدماء، نطقت عائشة مسرعه بلهفة: انتِ كويسة!

أفسحت لهما الطريق فدلفا بحذر لتخرج منهما صرخه عاليه وهم يروا الرجل مكوم على الأرضية فااقتربت منه نيرة بذعر ومالت عليه تقول للفتاة بإرتعاد: انتِ موتيه!

شهقت عائشة بعنف حينما وجدته يفتح عينيه مرتفعا بألم وليس أمامه سوى نيره فهرولت ناحيتها تجذبها ولكنه قبض على كفها لتتعالى الصرخات وعلى حين غرة تأتي الفتاة من خلفه بنظرات منتقمه لتهشم على رأسه أحد المزهريات فيخر ساقطا من جديد والدماء تنزف من رأسه، لتسقط عائشة فاقدة للوعي وتحول نيرة بين السقوط وعائشة وقد أخذت تصرخ بلا هوادة وكأن صوتها كان مسجونا وأطلق سراحه للتو.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة