قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية لا تؤذوني في عائشة ج2 للكاتبة فاطمة عبد المنعم الفصل التاسع عشر

رواية لا تؤذوني في عائشة ج2 للكاتبة فاطمة عبد المنعم الفصل التاسع عشر

رواية لا تؤذوني في عائشة ج2 للكاتبة فاطمة عبد المنعم الفصل التاسع عشر

الحياة دائما ماتؤرقنا، فليس من الطبيعي أن تسير على وتيرة واحدة، فالحزن يقابله فرح، والشقاء يقابله راحه، والخيانة يقابلها عذاب، الفراق يقابله ألم، والآمال تتحطم في الدقيقة ألف مرة وتُبْنى في الثانية مرات لا حصر لها.
صرخات متواصله شقت العنان قطعها نظرة الفتاة العدوانية التي تناولت إحدى زجاجات العطر واقتربت من عائشة الغافية بين يد نيرة، بمجرد اقترابها زجرتها نيرة: انتِ عايزة ايه. ابعدي عنها.

قربت الفتاة زجاجة العطر من أنف عائشة، كانت نيرة في حالة من الهلع تبتلع ريقها بخوف تلك الفتاة ذات الملابس الممزقة والدماء السائلة من وجهها وبعض أنحاء جسدها.
ثوان وفاقت عائشة لتمسح نيرة مسرعة على جبهتها تقول بلهفة: انتِ كويسة، عائشة.
طمأنتها عائشة وهي تحاول تقبل الإضاءة من حولها: أنا كويسة.

ساعدتها نيرة على القيام وحاولت عائشة الاقتراب من هذا الملقى أرضا لتتحسس ان كان النبض مازال موجود أم لا فمنعتها الفتاة بإشارة من يدها وتحسسته هي وأردفت بعيون مات بها الشعور: قوموا امشوا من هنا.
آتت نيرة لتتحدث فصرخت: بقول امشوا.
دفعتهم خارج المكان وأغلقت البوابة وهي تطلب رقم على هاتف ما، لتقبض عائشة على كف نيرة ويهرولا خارج هذه العماره المقيتة.

وقفت تحاول التقاط انفاسها خارج هذا المكان وقد بدأت تستوعب قليلا ماحدث فأخذت كف نيرة حتى وصلت إلى سيارة الأجرة من جديد، فأخذا أماكنهم بها وسمعت عائشة رنين الهاتف المتواصل لتجد اسمه ينير الشاشة، قبضت نيرة على يدها وهي تقول بقلق: عائشة انتِ هتقوليله، بلاش دلوقتي.
أجابت عائشة بإرتباك فسمعت نبرته الجامده: انتوا فين؟

رمقت الطريق فتبقى أمامهم القليل على المقهى ربما عشر دقائق فالمسافة لا تستغرق إلا ربع ساعه.
فاقت على صوته المنبه فتحدثت: حامي ينفع تيجي الكافيه دلوقتي.
تعجبت حينما أوقف سائق الأجرة قبل المكان فقالت نيرة: ده مش المكان حضرتك.
لاحظا هذا الذي قطع طريقهم بسيارته فرفعت نيرة رأسه لتنصدم بشقيقها بنظراته الحادة.
كاد سائق الأجرة أن يهاجم ذلك الذي استوقفهم ولكن دفعت عائشة الأموال ونزلت من السيارة تبعتها نيرة.

انصرف السائق ووقفت عائشة أمام سيارة حامي و نيرة التي تنظر للأرضية هاربة من النظرات القاتلة.
رفعت نظراتها حينما جذب شقيقها عائشة من مرفقها قائلا بهجوم: اجيلك الكافيه وانتِ مش فيه اصلا يامدام.
أشارت له بيدها كي يعطيها فرصة للتحدث وقالت: هفهمك.

جذبها من مرفقها دافعا إياها داخل سيارته، ودلفت نيرة بنفسها قبل أن يجذبها هي الآخرى، تأففت عائشة بضجر وقالت نيرة محاوله تهدئة الأجواء: حامي والله كنا بنعمل عمل انساني.
ضرب على المقود بعنف فاانتفضت نيرة ورمق هو الجالسة جواره قائلا بحدة: اتكلمي، ال location بيقول ان الهانم كانت في بيت السيد زيدان هي والمحترمة اللي ورا.

استدارت عائشة ل نيرة فأومأت نيرة: أيوه انا المحترمة اللي بيتكلم عليها، واتدوري بقى بصيله خلينا ناخد الشتيمة بالجملة علشان القطاعي بيجرح اكتر.
استدارت له وهي تقول بدفاع: انا معرفش اصلا ان المكان ده بتاع زيدان بتاعك ده، احنا كنا في الكافية.
قصت له كل ماحدث من وجود ذلك الأشيب والفتاة ثم الورقة التي تم القائها لهم.

تابعت: البنت رمت على الترابيزة ورقة قالت فيها ساعدوني، مكنتش طبعا هخرج اقول للحرس لأنهم مبيمشوش خطوة انت مش قايلهم عليها، احنا مكناش هنطلع اصلا كنا بس هنعرف عنوانه علشان ابلغك بعد كده وانت تتصرف.
استدار لها يرمقها بزيتونيتيه الحارقة: وايه اللي طلعك.

تذكرت ذلك المشهد الذي أثار القشعريرة في جسدها وهي تجيبه: كنا تحت وشوفناه معلقها في الهوا، كان فاتح الإزاز والبنت متعلقة في الهوا وهدومها متقطعة، اول ما طلعها جريت انا ونيرة نطلع نحاول نبعده عنها، مفكرتش ساعتها لأن الموقف مكانش فيه اي تفكير منظر البنت كان وحش.
ثم قصت له البقية مختتمة: الراجل عايش، وهي بتخرجنا لمحتها بتطلبله الاسعاف.

لم يحرك ساكنا وكأنها لا تحدثه هو، لفت نظرها في المرآة نيرة التي غفت على المقعد الخلفي فهابت سكونه وهي تقول: ساكت ليه؟!
أوقف السياره فجأة فأحدثت العجلات احتكاك بالأرضية صوته أصابها بالقشعريرة، واستدار هو لها يقول بتهكم: النهاردة انتِ اثبتيلي اني كنت صح طول الفترة اللي منعت خروجك فيها.

وضحت له رافعه سبابتها: حامي أنا عملت اللي لو انت كنت مكاني كنت هتعمله، أنا مش ناكرة الغلط بس لما كنت شايفاه هيموتها كده وانا الفرق بيني وبينها كام سلمه كنت المفروض اعمل ايه اقف افكر لسه، اتصرفت بسرعه.
صرخ فيها بعنف وقد اشتعل وجهه: اه تفكري، تفكري في ابنك اللي انا مخبيه عن الدنيا علشان احميه وفي الآخر أمه ماشية تدور على المشاكل برجليها، تفكري في أخوكي اللي لسانه مش حافظ غير اسمك، تفكري فيا انا.

صرخن فيه هي الآخرى وقد هاجمها البكاء: انا فكرت في كل دول، ولو نفس الموقف اتكرر تاني هجري والحقها تاني علشان لما اتعب يتبعتلي اللي يساعدني علشان ده هيتردلي في ابني وفي اخويا وفيك.
نطق بإبتسامة ساخرة وعينه تحاوطها: وجهة نظرك دي ساذجة اوي، اوي.
يعني ايه؟
أردف بتحد وعيون لامعة وكأنها تخبرها بأنه لايوجد أمامها إلا الموافقة: يعني مفيش خروج تاني، وده مش عقابي على فكره.

صمت ثوان ثم نطق بما شحنها بالغضب: عقابي لسه مجاش.
رفعت حاجبها الأيسر تقول وهي تمسح دموعها: يعني هتحبسني؟، أنا لو عايزة اخرج من وراك هعملها واخرج لكن انا مبعملش كده واظن اني وضحت اللي حصل.
رفع كتفيه يقول بتصنع الدهشة: ومين قال انِي هحبسك؟، الباب مفتوح انتِ بنفسك اللي مش هتعتبي براه.
لمحت سيارة شقيقها تقف بجوار سيارة حامي، فرمقت حامي الذي قال: انزلي اركبي عربية اخوكي وصحيها تنزل معاكي.

دفعت عائشة نيرة فااستيقظت لتقول عائشة بغضب مكتوم: انزلي يا نيرة.
آتت عائشة لتفتح البوابة وقد بدى انفعالها في حركاتها فجذب كفها الأيسر ورفعه أمام عينيها الجامده وهو ينطق مشيرا على خاتمها: طول ما انتِ لابسة ده الخطوة بحساب.
كادت أن تنتشل يدها ولكنه أحكم قبضته فقالت بتحد: وأنا مفيش حاجه هتقيدني حتى لو ده.
لاحظت ضحكته الساخرة وهو يحرر كفها مرددا بثقة: مش بمزاجك يا وحش.

نزلت من السيارة وصفعت الباب خلفها بعنف لتسمعه يقول بتهكم: بالراحه على الباب، لسه مش متعود بس بكره يتعود برضاه او غصب عنه.
استدارت له تقول بغيظ: ده الباب!
تركها تسأله ورحل بسيارته فأغمضت عينيها بنفاذ صبر واتجهت نحو سيارة شقيقها بإجهاد حقيقي مما عايشته اليوم.

أمام منزل حسام القريب من المشفى التي تعمل بها شقيقته، وقفت بسنت أمام الباب تخلع نعلها وهي تقول: انا قدامي بالظبط نص ساعه. هقعدهم معاك وارجع المستشفى لأني مقعدة واحده صحبتي بدالي، بعتلي ليه بقى؟!
كادت أن تكمل حديثها ولكن بمجرد دلوفها منزل شقيقها وجدت والدها ووالدتها فقالت بنصف ضحكة: انتوا ايه اللي جابكم، قصدي نورتوا يعني ياحاج.

احتضنت والدتها وأردف والدها: اخوكي بعتلنا نيجي نقعد معاه يومين، بس احنا هنقضي الليلة بس ونرجع الصبح.
تذكرت الصغير والذي ولت صديقتها أمانته لمدة نصف ساعه حتى تعود فقالت بأسف: انا مش هقدر ياحاج والله اكتر من النص ساعه.
مسح على رأسها قائلا بفخر بإبنته: ولا يهمك يابنتي.
دفعها حسام قائلا: طب يابسنت حضروا الغدا بقى انا جايب كل حاجه جاهزة، عقبال مااتكلم مع الحاج كلمتين.

همست له بإسم تلك التي حكى لها عنها فأشار لها بالصمت فتوجهت مع والدتها ناحية المطبخ وقلبها مضطرب.
وقفت تفرغ المحتوايات بعد أن شمرت عن ساعديها وهي تقول: قوليلي ياحاجة هو الحاج رايق؟!
مطت أمها شفتيها تردد: يااختي باين عليه، اصل الحاج أبو احمد صاحبه في بهيمتين عندوا سابوا وهربوا وهو زعلان عليه اوي.

رفعت بسنت صوتها عل شقيقها يسمع نبرتها المستغيثة: يا حسام البهايم هربوا يا حسام، متكترش بهايم ابوك بدل ماتهرب انت كمان.
استدارت لها والدتها تقول بضجر: مش ناقصة قلبة دماغ بكلامك الملعبك ده يابسنت الله يرضى عليكِ يابنتي.
صوت عال اخترق سمعهم فهرولت بسنت نحو الخارج وتبعتها والدتها ليجدوا
كلمة ومش هتنيها، سمعت ياحسام؟

نطق بها وهدان بصوت جهوري مما جعل زوجته وابنته ينتفضن بفزع من صوته فنطقت السيدة الكبيرة بقلق: في ايه ياحاج؟!
تحدث ساخرا وهو يشير بعصاه على ابنه الواقف امامه يغلي من الغضب: تعالي شوفي الحيلة اللي بقالي سنين بسعى وراه علشان يتجوز وهو رافض يوم ماهيتجوز هيتجوز مين.
تحدث حسام بحده: دي مش طريقة مناقشة ياحاج، أنا عايز اعرف ايه اللي يعيبها.

صرخ فيه والده وعيناه مشتعلة: ميعيبهاش بس مش ليك، سيبها تاخد اللي زيها.
صمت ونظر لزوجته متحدثا بسخرية: ابنك ياحاجة عايز يتجوز واحده معاها عيلين.
شهقت والدته ضاربة على صدرها وهي ترمق ابنها بغير تصديق، بينما اقتربت بسنت من والدها ووقفت أمامه قائلة بإستنكار لحديثه: ايه ياحاج اللي بتقوله ده، يعني انا لو مكانها كان ده هيبقى كلامك.

صرخت والدتها بحسرة: أنا ابني ماياخدش غير واحده تكون أول بخته انما ياخد واحده معيوبة ولا ناقصة ليه!
رمق حسام والدته بغير تصديق مرددا: ايه اللي بتقوليه ده ياأمي.
في حين استدارت شقيقته رامقة والدها ووالدتها بغضب من هذا السم الذي يخرج من أفواههم وهي تقول: والله مافي نقص غير في عقولكم.

صرخة صدح صوتها في المكان خرجت منها بعدما عقب والدها كلماتها بصفعة قوية أدمت وجهها فسقطت على شقيقها الذي رمق والده بغير تصديق أنه ولأول مرة يضرب غاليته.
اعتدلت بسنت ويدها على وجهها وقالت لوالدها بنبرة باكية: القلم ده انا مش هنساه.
هرولت نحو الخارج لتعود إلى المشفى وحاول شقيقها اللحاق بها ولكنه لم يستطع فقد فرت بسيارتها هاربة من هنا بعد تلك الصفعة.

في ذلك المخزن التابع ل رضوان، جذبت نهلة أحد المقاعد تجلس في مواجهة رضوان الذي قال بخبث: ليكي وحشة.
تأففت بضجر وهي تقول: انت آخر واحد تقول كده. فين نادر خلص.
شرب رضوان كأسه قائلا بسخرية: بالراحه شوية متخافيش هو على وصول بس كان في المستشفى ولسه خارج فبعتت واحد من الحرس يجيبه.
سألته بلهفة حقيقية: دنيا عامله ايه؟!
اظلمت عيناه وهو يقول: هربانة.
انكمش حاجبيها وهي تقول بعدم تصديق: ايه!

ضحك رضوان ساخرا وهو يتابع بشر: سايبها تلعب علشان وقتها لسه مجاش.
دافعت نهلة بخوف حقيقي: بلاش تأذي دنيا يا رضوان اوعى بعدها عنك السنين دي ينسيك انها بنتك!
رفع حاجبه مردفا بمكر: أنا هقرص ودنها بس، هربيها على ايدي من جديد.
ثم صمت قليلا يتجرع كأس آخر من هذا السم وهو يقول: فاكره جابر ياعليا.
ضربت على الطاولة أمامها وهي تهتف بنفاذ صبر: هو انت هتسكر عليا ولا ايه يا رضوان.

رفع حاجبه قائلا بضحك: الله مش كان جوزك الراجل، هو صحيح عرفي بس جوزك.
صححت له قائلة بغل: قصدك طليقي اللي رماني وحرمني من بنتي وفهم الدنيا كلها اني ميته واهو ربنا خده
ثم تابعت بألم: وخدها معاه، كل مابتخيل انها كانت معاه في نفس الحادثة اللي اتفحم فيها بتعب بس كنت هستنى ايه يعني
اختتمت كلماتها بمرارة مذكرة رضوان: اللي زينا معروف نهايتهم يا رضوان.

رمقت المكان من حولها بتأفف قطعه دلوف نادر الذي رحب به رضوان ضاحكا فأردف نادر ساخرا: كان فين الترحيب ده كله وانا مرمي في السجن.
هو أنا مش بعتت اللي يشيل الليلة بدالك زعلان ليه بقى.
تفوه رضوان بهذه الكلمات وانتظر حتى جلس نادر فقال: احنا مش جايين نعاتب بعض ولا نزايد على بعض، احنا هنا علشان مصلحة الكل.

استفسر نادر بعينيه فبدأ رضوان الشرح: أوامر جايالي من برا ان حامي العمري هو اللي ينفذ العملية الجاية، وانت يا نادر برضو يعتبر الأمر ده ليك من لولاهم مكنتش هتطلع من الحبس، وقبل أي حاجه لو عايزة تكوني معانا يا نهلة هتبقى بتكسبي وخصوصا ان مفيش معاكي اي كارت غيري يعني لازم تجاذفي.
أردفت بملل: لو مكنتش عايزة ابقى معاك مكنتش جيت هنا.

وضع رضوان كأسه وهو يقول بمكر: كده نبدأ، علشان تشتت واحد لازم تضربه من كل حتة شوية لحد ما تحطه تحت المفرمة، تخليه مايعرفش الضربة هتجيله منين المره الجاية، أي حد مهما كان تركيزه مع التشتيت بيقع وساعة لما يقع احنا موجودين.
بدأ رضوان في السرد قائلا: اهم كارت مراته، دي الكارت اللي هيقطم ضهره.

أصمتته نهله ضاحكه بسخرية: هو انت مفكر انك لو أذيتها حامي هيجي يترمي تحت رجليك، اسأل مجرب يا رضوان، حامي مع أول أذى بيمس مراته بيتحول أشرس من الأول يعني مراته اللي بتقول عليها تقطم ضهره دي هي نفسها اللي تخليه ياكلنا كلنا.
أردف نادر بعيون مثبته على نقطة في الفراغ: ومين قال ان احنا اللي هنأذيها، احنا هنخليها تأذي نفسها بنفسها.
ثم توجه إلى رضوان قائلا بتخطيط: كلملي المرسال اللي وصل الأوامر.

استفسر رضوان فأردف نادر مختتما: علشان حامي هيحفر قبر بنت الزيني بإيده.
حديث مقبض للقلوب ولكن أي قلوب وقد استبدلوا قلوبهم بأحجار بل بخواء، خواء لا يفعل سوى الأذى ولا يجلب إلا الدمار.
منذ أن عادت نيرة إلى المنزل وهي تحتضن والدتها النائمة، تنام بجوارها وتتشبث بملابسها كطفل صغير، اتجهت هنا نحو الفراش الآخر ووضعت الطعام لعائشة الجالسة عليه قائلة: اشربي بس الشوربة دي وكلي علشان مزعلش منك.

احتضنت عائشة هنا وأخذت تبكي فربتت على ظهرها مردفة بحنان: أنا مش هقولك متعيطيش، عيطي ياحبيبتي وخرجي اللي جواكي كله.
سألتها عائشة بدموع: هو احنا هنفضل لحد امتى مش شبه بعض؟!
ابتسمت هنا وهي تمسح على خصلاتها بحنان مردفة: انتوا حبيتوا بعض علشان مش شبه بعض اصلا.
بدأت هنا في إطعامها فاستجابت عائشة بإبتسامة ودودة لتردف هنا بتذكر: صحيح يابنتي في حاجه نسيت اقول ل حامي عليها هو المفروض كان جاي بس مجاش.

سألتها عائشة عن ماهية ماتريد قوله فقالت هنا: قريبك ده فاق لما روحتي المستشفى وقعد يخبط ففتحتله وخليت الحرس يسيبوه يمشي.
في نفس التوقيت
دفعت زينة للجالس أمامها على الأريكة الشطيرة الحاوية على اللحم الساخن وقالت وهي تلتهم من خاصتها: تاخد كاتشب؟!
مسح يحيي على خصلاته مردفا: أنا مش عايز كاتشب، أنا عايز اعرف بتأجلي الجواز ليه.

وضعت الشطيرة أمامها وهي تقول: بخاف يا يحيي، بخاف ترجع تندم، وانا لو اتجوزنا وانت ندمت هدمر.
مط شفتيه وحثها على مناولته زجاجة الكاتشب فأعطتها له بإستغراب، فأخذ ينثر محتوياتها عليها وسط صراخها المعترض وهو يقول: ماهو انتي متخلفة، ملكة الدراما ياجدعان، يعني انا متشحطط وراكي وبقى ناقص اعمل فقرة في السيرك علشان اعجبك وفي الآخر تقوليلي خايفة تندم، هو كيلو برتقان هندم انه طلع حادق.

التقطت منديل ورقي من الطاولة بجوارها وأخذت تحاول تصليح ماأفسده وهي ترمقه بعنف قائلة: ايه اللي عملته ده!
رفع العبوة ووقف جوارها يقول بضجر: بصي بقى أنا جبت آخري منك، انتِ لو مقولتيش دلوقتي حالا هنتجوز امتى هخليكي انتِ والكاتشب متفرقوش حاجه عن بعض وبعد ما اخلص هكسر الازازة على دماغك اجبلك فقدان ذاكرة وهتجوزك برضو.
منعته برجاء باكي: هيقع عليا يايحيي.
أردف بإصرار: قولي موافقة.

أبعدت الزجاجة وهي تقول بتردد: موافقة.
بكرا؟
دفعته قائله: بكرا ايه لا، لما حامي يجي قوله ومن هنا لحد كتب الكتاب مش عايزة اشوفك خالص.
حرك رأسه بعدم اهتمام مردفا: احسن انا كمان مش طايقك، بس مترجعيش تعيطي بقى ووحشتني ياحييي. وانت فين يا يحيي.
انشغل عنها بالرنين المتواصل فااتجه لمعرفة هوية المتصل.

جلست الفتاة أمامه وقد بان على وجهها اثر الكدمات ولكن زاد ألمها حين قال بنبرته التي بثت الرعب: اظن انا كده جدع معاكي للآخر، الراجل رجالتي ودوه المستشفي وانتِ محدش هوب ناحيتك وسيبتك كمان ترتاحي شوية، دلوقتي بقى تقوليلي انتِ مين وايه اللي خلاكي ترمي الورقة على ترابيزة مراتي.
أنا تعبانة دلوقتي.

أطاح الطاوله الموجودة أمامه فصرخت بعنف واقترب هو قائلا بشراسة: هتمشي معايا عدل هحميكي، هنشتغل بقى في الملاوعة وقلة الأدب هعرفك عليا، فاانتِ ايه رأيك.

تحدثت بدموع: أنا أشواق، كنت عايشة برا مصر بشتغل خدامه في بيت واحد اسمه عدنان، كنت في حالي ومليش دعوه بحد لحد مافي يوم سمعت صوت صريخ من اوضه جمب البيت لقيتهم بيدخلوا بنات فيها، اللي من سني واللي اصغر والبنات دي تقريبا كلها مغصوبة وقفت ورا الشجر سمعت عدنان ده وهو بيتكلم مع واحد، انهم بياخدوا البنات دول من المشردين واللي ملهمش اهل بتوع الشارع يعني علشان محدش يدور وراهم، وعدنان ده مرسال الرئيس بتاعهم بيتعامل معاه مباشر، يعني الرئيس ده يبعت الأوامر مع مرساله والمرسال يوصل ل عدنان و هو يوصل للباقي وينفذ، عدنان ده هو المسئول انه يجيب البنات دول اكيد طبعا في اللي بيساعدوه وبعد مابيجيبهم بيتبعتوا للرئيس وكل واحده وحظها بقى.

أنا بعد اللي عرفته ده حاولت اهرب منهم بس للأسف عدنان لحقني ساعتها وكان نازل مصر هو و السيد زيدان اللي انا كنت في بيته، كانوا في نفس الطيارة عدنان كان هيموتني بعد اللي عرفته بس استغلها فرصه وباعني للسيد زيدان اللي هو تقريبا واحد من الدايرة دي في مقابل...

أعطاها حامي المياه حتى تستطيع الحديث فاابتلعت المياه ووضعتها بيد مرتعدة متمتمة بشكر ليحثها على الحديث فتابعت: في مقابل انه يساعده في خطف واحده من مصر وانه يطلع بيها برا مصر علشان هيستخدموها في عملية، من اليوم اللي خدني فيه زيدان ده وانا مرمية لحد امبارح خدني وداني الكافيه ده علشان يرعبني قبل موتي وكان عمال يهين فيا، مراتك هي الوحيدة اللي خدت بالها وبصتلي حسيت انها ممكن تساعدني فمن غير تفكير رمتلها الورقة، اول ماروحنا ضربني وحسيت انه مجنون وكان هيرميني من الشباك زقيته لقيته وقع منطقش، بعدها مراتك جت وحصل اللي حصل.

استنجدت به مجددا ببكاء: أنا البوليس هياخدني صح، انا والله ما عملت حاجه، هما كلهم دايره بيشتغلوا لمصلحة الرئيس ده وهو اللي بيحميهم، كل اللي سمعته وعرفته قولتهولك، انت هتحميني صح؟!
أخرج هاتفه وقربه منها سائلا بنظرات شرسة: هو ده عدنان؟!
بمجرد أن رأته هزت رأسها سريعا قائلة: ايوة هو ده...
قطع حديثها رنين هاتفه فهدأها مرددا: اهدي محدش هيقربلك، هعمل مكالمة واجيلك.

فتح هاتفه ليجد سالي تردف بهمس وصله بصعوبة: انا سالي، على بيتصل بيك كتير رد عليه، أنا عرفت حاجه مش عارفة هي مهمه ولا لا بس لازم ابلغك.
قولي.

أردفت وهي تتطلع حولها في هذا الظلام: في واحد اسمه جابر كان شغال زمان مع رضوان وتقريبا قلب عليهم فخلصوا منه وخدوا بنته، الراجل ده كان متجوز عرفي واحده اسمها عليا ولا نهلة معرفش بس الست دي كانت فاكرة ان بنتها ماتت في حادثة العربية اللي اتقتل فيها جابر بعد ماقلب على رضوان، لكن الحقيقة ان البنت عاشت ورضوان خدها ومحدش كان يعرف اي حاجه عنها، انا مش معايا كل التفاصيل بس البنت اسمها كريمان.

فجأة انقطع صوتها وحل بدل عنه صوت صراخ متتالي واستطاع حامي أن يسمع صوت تهشم رأسها في الحائط.
سمعت دنيا دقات ثابته على بابها فطمأنت نفسها بأن المفتاح معها وسألت من الداخل: مين؟!
نطق بحذر: أنا عمار.
اطلقت سراح عدوانيتها فقالت بغضب: انت بجح وجاي برجلك بتخبط على بابي بعد اللي عملته.
أردف وهو يغمض عينيه بتعب متحدثا وكأنه لم يفعل شيء: دنيا انا معملتش حاجه، قولتلك مكنتش في وعيي واظن اني سيبتك.

تذكرت هذا اليوم كان ترمقه بعين خائفة وهو يحاوط عنقها بسلاحه حتى اردفت: عمار انت مش زيهم، خليك الشهم اللي عرفته.
ابتعد عنها كمن مسه جن واقترب محتضنا إياها وهو يمسد على خصلاتها هامسا: انا اسف، معرفش انا عملت كده ازاي.
عادت بذاكرتها إلى الواقع مجددا فسمعته يقول: كريمان افتحي الباب.
ضربت الباب بقبضتها وهي تهمس غاضبة: برضوا بيقولي كريمان.
صرخت به: امشي ياعمار.

طيب انا همشي بس في حاجه قدام الباب ابقى افتحي خديها.
صمتت عن الحديث وانتظرت حتى تتأكد من رحيله، بعد دقائق دفعها فضولها لتفتح البوابة ترى ماوضعه، فشقت الضحكة وجهها وهي ترى هذه العلبة من الشوكولاتة فمالت تلتقطها بضحكه فرحه لتجده يقفز من خلف أحد الحوائط ناطقا بمكر ضاحك: قفشتك.
صرخت عاليا وهي تهرول بها بخضة إلى الداخل صافعه الباب خلفها بعنف، لتسمع ضحكاته المرتفعة في الخارج فتبتسم وهي ترمق ما جلبه لها.

كانت تجلس في هواء المزرعة الطلق وبجوارها الصغيرة التي هتفت بتساؤل: عيوش انتِ هتحبي محمد اكتر ولا انا اكتر ولا كريم اكتر؟!
قبلتها قائلة بحب: ياحياتي انا بحبكم كلكم أد بعض.
فسألت الصغيرة مجددا: طب ممكن نكلم مامي، هي ليه بقالها يومين مش بترد هي زعلانة مني؟!
لا ياحبيبتي اكيد مشغولة وكمان هي مش بترد على كريم برضو صح ولا لا؟!

أومأت الصغيرة وعادت لتندمج طبق المقرمشات العائمة في الحليب فضحكت عائشة بحب وهي تتصارع معها على إنهاء هذا الطبق، لمحت عائشة ذلك الواقف في الخارج مشيرا لها فقالت بترحيب: أهلا يا عدنان ازيك.
سمح له الحرس بالدلوف من البوابة إلى مكان عائشة بعد ترحيبها، فا اقترب هو قائلا: البقاء لله يا عائشة، انا زعلت اووي.

كانت عينه مثبته على السوار المحاوط ليدها والمدون به الثلاث أسماء فشدت كم ملبسها ليخفيها وهي تقول بحده: في حاجه يا عدنان!
عائشة أنا بحبك.
رفعت حاجبها الأيسر تردف بعدم تصديق: هو انت شارب حاجه؟!، ولا مالك كده، أنا متجوزة وبحب جوزي ولو فاضل دقيقة واحدة في عمري دلوقتي هختار انِها تكون معاه وفي حضنه، ازاي اصلا تسمح لنفسك تقول لواحده متجوزة كده الظاهر ان نظرة حامي ليك كانت صح من الأول.

كادت أن ترحل ولكن ثبتت مكانها حين سمعته يقول: أوعدك ان آخر دقيقة هتبقى معايا انا وفي حضني انا وجدت هذا السلاح الأبيض مثبت على ظهرها فااستدارت له ترمقه بإستنكار مذعور لتجده يبتسم ابتسامه مقيته...
والسكين يتوسطهما.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة