قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية لا تؤذوني في عائشة ج2 للكاتبة فاطمة عبد المنعم الفصل التاسع والأربعون

رواية لا تؤذوني في عائشة ج2 للكاتبة فاطمة عبد المنعم الفصل التاسع والأربعون

رواية لا تؤذوني في عائشة ج2 للكاتبة فاطمة عبد المنعم الفصل التاسع والأربعون

طرق طارق باب طريقنا فطاق ألمنا وحبنا ولم يجد منا سوى العذاب
حتى ارتوت روحنا منه فصار هو الطريق فطرقنا بابه نطلب صفحه الجميل، أعرض عنا تدللا وشتتنا في كل طريق حتى حفظت الأرض اسمنا وكادت تنطق راجية: الرئفة لطارق لم يكن يعلم في يوم أنه سيجد طريق.

كانا مازالا أمام المنزل هو بنفس وضعه المستند على الحائط وهي متشبثة به فتحدثت بإعجاب: بس ايه البيت الجامد ده، عامل زي البيوت بتوع زمان فيه دفا كده بكل حاجة حيطانه، التليفزيون الصغير اللي في الصالة، الكراسي اللي تحسها أثرية تحس ريحة ناسه فيه، بس هو أنت هتعرف ده كله منين صحيح هو أنت كنت قعدت فيه.

قالت كلماتها الأخيرة مشيرة إلى أفعاله الغريبة في الفترة السابقة بعتاب فهمس متذمرا بما سمعته جيدا: بدأنا النكد.
تقصد إيه، أنا نكدية؟
قالتها مستفسرة بتحذير فضحك وهو يوضح لها حقيقة الأمر ناطقا: يا عيوش أي تاء مربوطة في الكون عموما نكدية، إنتوا ملوك الدراما يا حبيبتي، طب هسألك في الأفلام أو المسلسلات لما راجل وست بيعملوا دور حزين مين بيعيش في الدور أكتر؟

اعترضت قائلة: ده معناه إنها ناجحة مش نكدية، الحقيقة المرة اللي مفيش راجل عايز يقتنع بيها أن أنتوا اللي بتقفشوا ونكديين.
خلاص طالما دي الحقيقة يبقى هطبقها عملي عليكِ حالا.
فهمت مقصده من هذه الكلمات هل سيبدأ في وصلة شجار معها لن تنتهي هذه الليلة؟، منعته مسرعة بقولها المتراجع: استنى بس دول مش أنت دول هما، هما اللي نكديين لكن أنا معايا جوهرة.

ارتفعت ضحكاته فنظرت هي حولهم بقلق لتحدثه: يلا نطلع فوق بقى الحرس هياخدوا بالهم لما يسمعوا صوت هنا.
غمز نافيا ما تقوله: محدش يقدر يجي، عارفين إني واقف هنا.
حامي؟

شعر بالريبة إثر نبرتها القلقة التي نادته بها فسألها بعينيه عن سبب النداء لتجيب هي: أنا قلقانة من الحرس اللي بعتهم النهاردة شكلهم مقلق كده، معظم الحرس بتوعك عينهم بتبقى قدامهم بس، بتوع النهاردة دول من وهما داخلين وعينهم على البيت وعلينا واحنا بنبص من الشباك هما نفسهم مش حاسة إنهم ناس مريحة كده.
ربت على كتفها يطمئنها بقوله: خلاص هاخدهم معايا، وبتوع الشركة يجوا مكانهم هنا.

سمعا صوت صياح عالي من غرفة عائشة فهرولت عائشة ناطقة باسم الصغيرة بخوف ليتبعها هو، سريعا ما وصلا إلى الغرفة وجدا لينا تبكي بعنف جالسة على الفراش وجوارها الصغير وقد استيقظ بفزع على صوتها فبدأ وصلة نحيبه هو الآخر.
أسرعت عائشة جوارها تحتضنها ماسحة على خصلاتها وحمل حامي الصغير حتى يقلل من صراخه، سأل عائشة مشيرا على لينا: هي نايمة من ساعة ما يحيي جابها؟

هزت عائشة رأسها بالإيجاب، رفعت الصغيرة رأسها تسألهما بعيون دامعة: هي مامي ماتت؟
سب حامي فارس هامسا فهو بالتأكيد من أدخل إلى عقل الصغيرة هذا، أراد أن يعرف ما قاله لها حتى يكون تصرفه صحيح فسألها بلطف: مين اللي قالك كده يا لينا؟
عمو فارس قالي إنها ماتت وأنا قولتله لا مش ماتت فضربني على وشي.

أشارت على وجنتها باكية من جديد فاحتضنتها عائشة رابتة على ظهرها بحنان وهي تنظر لحامي منتظرة منه إجابة لتسمعه يقول: ليو ده واحد كداب، وأنا زعلان منك ازاي تسيبي ماما وتمشي مع واحد متعرفيهوش؟
بررت ذلك بعذرها الطفولي: هو قالي إنه صاحبك.
جلس على الفراش وأعطى الصغير الذي سكن لعائشة سائلا لينا بضحك: وهو أي دبانة معدية تقولك إنها صاحبتي نصدقها عادي؟

ابتسمت الصغيرة فمد هو كفه ماسحا الدموع عن وجنتيها أثناء قوله الذي أسعدها: على العموم يا ستي أنا خدتلك حقك، هو ضربك على وشك وأنا مخلتش جزء في جسمه مضربتوش فيه.
هنا ضحكت عائشة و لينا معا فحرك الصغير كفيه وقدميه بسعادة مكررا ما قاله منذ قليل مجددا، استدار إلى صغيره فقالت عائشة ضاحكة: بيقول بابا سامع يلا يا محمد اديله واحدة بببببب.

قالها الصغير مجددا فرن صوت ضحكاتها وحمله هو عنها، ذلك الصغير الذي كلما حمله صارت دقات قلبه كالطبول، عيناه تغنيه عن العالم بأكمله سمعه يكرر مجددا فضحك واقترب منه هامسا: وحش يا آمن.
مالت لينا على أذن عائشة تطلب منها برجاء: عيوش ممكن أكلم مامي.
أعطى حامي الهاتف لعائشة حين سمع حديثها الذي ظنت أنه غير مسموع قائلا: اتصلي بسارة.

كست السعادة تقاسيم الصغيرة ونفذت عائشة طلبه حتى وجدت الإجابة فوضعت الهاتف على أذن الصغيرة التي نطقت منتظرة الإجابة: مامي؟
حبيبتي، كده يا لينا كده تسيبيني وتمشي، أنا زعلانة منك.
كان حديث سارة مكسو باللهفة على صغيرتها التي رغبت لو احتضنتها للتو.

اعتذرت الصغيرة عما بدر منها فبدأت والدتها تسأل عن حالها وتكرر السؤال إن كان قد حدث لها مكروه حتى صاحت الصغيرة بغضب طفولي: مامي أنا زهقت، أنا كويسة والله، كفاية سؤال وسؤال وسؤال بقى.

أعطت لينا الهاتف لحامي بناء على رغبة والدتها، بمجرد أن أخذ الهاتف منها سمعها تقول بمشاعر صادقة: أنا مش عارفة أقول إيه، أنا لو قعدت أشكر فيك طول عمري على اللي عملته وبتعمله مش كفاية، أنا أسفة على اللي حصل أنا اللي مخدتش بالي منها.
محصلش حاجة، الحمد لله إنها بخير، الصبح هخليها تكلمك تاني.
شكرته مجددا فقدر امتنانها هذا حتى انتهت المكالمة فقالت عائشة للصغيرة: خلاص كده؟

هزت لينا رأسها بفرحة فأخذت عائشة محمد تضعه جوار لينا طالبة: طب خدي بالك منه لحد ما ارجعلك.
أشارت عائشة لحامي أنها تريده فتحرك خلفها نحو الخارج وهو يعلم جيدا عن أي شيء ستتحدث، صدق حدسه حين قالت: حامي أنا شايفة إننا كنا نفهمها بالراحة وهي كانت...
قاطعها سائلا بتصنع الاستغراب: نفهمها ايه بالظبط؟

زفرت بتعب وهي تقول الحقيقة: نفهمها إن كان في ماما تانية اسمها كريمان ومبقتش موجودة، أنا فاهمة قصدك إنت قلقت تقولها دلوقتي علشان حالتها دي بس هي لازم هتعرف.
فعلها مجددا وقاطعها ناطقا بحسم: ولا دلوقتي ولا بعدين.
سألت بعدم تصديق: يعني ايه الكلام ده!

تحدث ببرود وقد اتخذ قراره في هذا الموضوع مسبقا وقرر أن لا يرجع فيه: يعني لينا هتعيش معايا مفيش حاجة هتتغير، الحاجة الوحيدة اللي هتتغير إن لما الدنيا تتظبط كريم هيرجع لسارة، لينا موجودة أي وقت تحب تشوفها فيه تقدر تيجي تشوفها، العيلة الصغيرة دي وصية واحدة طلبت مني الحماية وأنا معرفتش أحميها وكان آخر كلام ليها إني ألاقي بنتها ومفرطش فيها، سارة أمها مفيش خلاف على ده سارة رضعتها، وربتها خمس سنين، بس اللي خلفتها تبقى أختي أمي رضعتها برضو ومقدرش ما أنفذش أخر حاجة طلبتها مني من غير ما تشوفني، سارة هتاخد حقها وزيادة ابنها هيرجعلها، لينا هتفضل متسجلة بإسمها، خدت حقها من ثروة رضوان وبقى كله بإسمها، وهتتجوز حسام مفتكرش هتعوز حاجة تاني.

هزت رأسها باعتراض بين وهي تردعه عن قراره هذا بقولها: أنت مين اداك الحق إنك تحكم مين خد حقه ومين لا، مين هيحتاج حاجة تانية ومين لا، أنت لو عملت اللي بتقوله ده هتبقى بتظلم لينا مرتين مرة لما معرفتش مين أمها الحقيقية وأنا متأكدة أنها هتتقبل الأمر لأن سارة هتفضل أمها، ومرة تانية لما تحرمها من العيشة مع سارة اللي هي بالنسبالها أمها، ربنا وضح الأمور دي لينا بنت كريمان يبقى تتكتب بإسم كريمان هتفضل سارة أمها زي ما أنت قولت لكن لازم كل حاجة تتحط في مكانها الصح، حامي فكر تاني في كلامك ده اللي بتعمله ده غلط تقدر تقولي هتخلي سارة ازاي توافق تسيبهالك؟، هتجبرها؟

لم تجد منه إجابة بل فقط تلك النظرات الجامدة التي تخاف من قراراتها فقالت سريعا مصرحة بالحل الذي وجدته الأنسب: طب بص البنت تتكتب بإسم كريمان، وهنمهدلها الموضوع بعد فترة وهي صدقني هتتقبله، ومش أنت عايزها تقعد معاك علشان تبقى نفذت وصية كريمان، احنا نقسم البلد نصين، أسبوع معانا وأسبوع مع سارة كده اتحلت اهي، حل كويس وهيرضي الكل.
هشوف.
لم يقل سوى هذه الكلمة بعد كل ما قالته فرددت مستنكرة: بعد كل ده هشوف!

سمعت صراخ صغيرها فتحركت مغادرة تقول بانزعاج: أنا راحة أشوف ابني بدل ما أطق.
ضحك على طريقتها المتذمرة وهي تتحرك مغادرة لم ينكر داخل نفسه أن ما قالته قد أعجبه وهو ما كان ينوي تنفيذه بالفعل ولكن حسابتها خطأ هي تظن أن لينا ستتقبل الأمر بيسر ولكنه يعلم جيدا كم هي عنيدة هذا الأمر الذي تظن عائشة أنها ستتقبله ستحوله ثورة عارمة لذلك لم يقل لها الحقيقة.

نفض الموضوع عن رأسه الآن فأمامه الآن ما هو أهم ويجب عليه التفكير فيه.
قطع تفكيره خروج زينة من غرفتها، كانت أثار النوم مازالت على وجهها فلقد شعرت بالعطش ولم تجد الماء جوارها فاضطرت للقيام، بمجرد أن رأته هرولت ناحيته محتضنة إياه تقول باشتياق: وحشتني.
ربت على ظهرها ناطقا بضحك: هو أنتِ بقالك مية سنة مشوفتينيش ده هما يومين، بمناسبة إنك صحيتي بقى اقعدي عايزة اتكلم معاكي.

جلست على الأريكة وجلس هو أمامها كانت تنتظر ما سيقوله ولكن بهتت ملامحها حين تحدث: أنتِ مش عايزة تتجوزي يحيي؟
ليه بتقول كده؟
قالتها بحذر فأشار على تقاسيمها قائلا: بصي وشك أول ما جت سيرة يحيي عمل إزاي، زينة ممكن يكون يحيي دخل حياتك فجأة، بس محدش أجبرك عليه لو مش عايزاه قولي دلوقتي وأنا هتصرف وهنهي العلاقة دي كلها.

صرحت بصدق نبع من داخلها رغم خجلها من التعبير عن هذا: بالعكس أنا بحب يحيي أوي، عارف لما كنت متجوزة رياض مكنتش حاسة بأي حاجة كنت فاكرة إن كده بقى الحب، كان بيستغلني وكنت عادي، رياض هو اللي خلاني مدمنة وبعد كده بقى راهن المخدرات بمقابلاتنا، اليوم اللي أقابله فيه يديني مخدرات ولما مرضاش أروحله ولا كان بيعبرني والمرة اللي بعدها كان بيضربني كعقاب، أنا بخاف من الزعيق بسببه وبسبب رضوان، أنا كل حاجة وحشة حصلت في حياتي كانت بسببهم، عارف أنا مبنامش زي الناس الطبيعية أنا لازم كل شوية أصحى أتأكد إني نايمة في الأوضة مع نيرة وإن عائشة في الأوضة اللي جنبي، أنا كنت بمشي وأنا نايمة من الضغط و علي عارف الموضوع ده ووداني لدكتورة نفسية، على الوحيد اللي كان بيهون عليا ويساعدني في البيت ده، بس مكانش في إيده حاجة، رضوان كان فارض سلطته على الكل بس علي مش شبهه، علي كان فعلا بيخاف عليا على الرغم من إن البيت مكانش ليه علاقة ببعضه كل واحد بيعمل اللي هو عايزه بس علي كان بيعمل كل اللي يقدر عليه علشان يوطد علاقتنا كأخوات، أنا بحب يحيي وبحبه أوي كمان بحسه العوض عن حاجات كتير وحشة شوفتها بس يحيي فيه عيب خطير صوته عالي.

قالتها ضاحكة فاحتضنها شقيقها ضاحكا هو الآخر وهو يربت على خصلاتها الناعمة متحدثا بمزاح: هقطعلك لسانه حاضر يبقى لا صوت عالي ولا واطي.
رفعت نظراتها له قائلة بضحك: عائشة برضو اقترحت كده.
تحدث بتصنع الفخر ليقول بثقة: تربيتي دي أنا مربيها على الإجرام من صغرها.
ضحكا معا ليمسح هو على وجنتها ناطقا بحنان: يعني مشكلتك معاه إن صوته عالي بس؟

هزت رأسها نافية تسرد له شعورها الداخلي ناحيته: لما نكون بنتكلم أنا وهو ومنتفقش فيبدأ يفقد أعصابه بحس إن هو ممكن يعمل أي حاجة، كأنه بيفقد عقله مع أعصابه، فببدأ أتوتر وتلقائي مش بقدر أتكلم تاني وبدخل بقى في نوبة فزع منه، ببقى عايزة أي حد يمشيه من قدامي، أنا عارفة إن كل إنسان طاقة وإن طبيعي أنه يفقد أعصابه بس يحيي بيتعصب بسرعة جدا ومبيبقاش شايف قدامه، ومش هسيبه على فكرة علشان بحبه ولو جه دلوقتي جابلي وردة ومأذون وقالي يلا هنتجوز هتجوزه عادي...

قاطعها حامي رافعا حاجبه الأيسر وهو يتحدث باستنكار: وأنا قرطاس لب بقى!
ضحكت معترضة وهي تقول: لا مش قصدي، أنت لو موافقتش أنا مستعدة أقعد جنبك وما أتجوزش خالص، طب اعملها كده.
هز رأسه نافيا بابتسامة دافئة لا تصدر إلا لهم: لا مش هعملها، أنا هتكلم معاه وهفهمه ويحيي جدع ومبيهونش عليه زعلك دقيقتين بيبقى عمال يتنططلي في كل حتة علشان أقوله يصالحك إزاي، على كده بقى عيوش ليها الجنة على اللي أنا عامله فيها.

هزت رأسها مؤكدة بضحكتها الواسعة: أنت وعائشة حالة خاصة، بالمناسبة في حاجة كمان عايزة أقولك عليها.
ايه تاني؟
نظرت حولها تتأكد من عدم وجود أحد ثم بدأت التحدث بحذر وصوت منخفض: دنيا، دنيا علطول بتعيط حتى مامي علشان تهديها بقت ساعات تاخدها تنام معاها، أنا عارفة هي بتعيط ليه هي بتعيط بسبب واحد إسمه عمار.
تنهد بنفاذ صبر مكررا الإسم الذي تفوهت به شقيقته للتو فسألته مستفسرة: هو في حاجة؟

هز رأسه نافيا وهو يربت على كتفها مطمئنا: لا ولا حاجة خلاص قومي بقى أنتِ كملي نوم وأنا هتصرف وأحل الدنيا متقلقيش.
هزت رأسها مبتسمة برضا وقبل رحيلها ناداها فانتبهت له لتسمعه يقول: هو أنتِ كنتِ بتقابلي رياض فين؟
شعرت بالحرج ونظرت للأرضية حتى قال هو: متقلقيش الموضوع ميخصكيش، أنا بس محتاج أعرف.
هزت رأسها موافقة وأعطته عنوان المكان فأعطاها ابتسامة مطمئنة لتنصرف بهدوء عائدة إلى غرفتها.

أما هو فأنزل رأسه بين كفيه وأغمض عينيه عله يستريح قليلا من هذا التفكير الذي لا يتركه حتى في نومه، تذكر شيء ما فقام سريعا يجري اتصاله بمن يعلم أنه سينفذ ما يطلبه على الوجه الأمثل.
بعد ساعة وفي داخل المشفى.

دخل يحيي بهدوء إلى ساحة الاستقبال، استفسر عن رقم الغرفة الخاصة بميرال ليعرفها توجه لها ولكنه لم يجد عمار داخل الغرفة ولا خارجها، استأذن الممرضة ليسألها فأجابت بآلية: كان في أستاذ هنا مشي الصبح، والأستاذ التاني خرج من كام ساعة ومرجعش من ساعتها.
علم أنها تقصد عمر و عمار فهز رأسه موافقا وتوجه ناحية المقعد المتواجد أمام الغرفة ليجلس عليه منتظرا قدوم عمار.

فتح هاتفه ابتسم وجهه تلقائيا حين ظهرت صورته مع زينة التي تسطع بمجرد أن يفتح هاتفه، تنقل بين تطبيقات هاتفه بملل منتظرا مجيئه، مرت ساعة حتى تم استنزافه كليا ومرت الثانية فاتصل بحامي بمجرد أن سمع الإجابة هتف بضجر: أنا زهقت بقالي ساعتين قاعد مستنيه ومش عارف هو صايع فين، أنا همشي وابقى...
قطع حديثه دخول عمار فأسرع يقول: بقولك ايه اقفل اقفل جه.

توجه عمار إلى المقعد المجاور ليحيي جلس عليه بهدوء نافثا دخان سيجارته وهو ينظر لنقطة في الفراغ، قطع شروده هذا صوت يحيي يسأله: كنت فين؟
هو أنت مراتي؟
قالها عمار ساخرا فشد يحيي على يد المقعد بغضب وهو يتحدث بنفاذ صبر: احنا لو مش في مستشفى دلوقتي كنت طحنتك.
استدار عمار له متاجاهلا ما يقول ليسأله بما أثار استفزازه: هي دنيا مش معاها تليفون؟

مسح يحيي على لحيته يحاول التحكم في انفاعلاته وتقدير ظروف من يجلس جواره، استدعى هدوئه وهو ينطق:.

اسمع يا عمار أنا قولتهالك قبل كده وهقولهالك تاني، اللعب بتاعك ده مش نافع، نصحتك قبل كده بالأصول تبعد عن دنيا وأنت أصريت وقربت قولت جايز بتحبها، لكن شغل حلق حوش بتاعك ده مش نافع ملكش دعوة بدنيا يا عمار لا بخير ولا بشر، دنيا مش هتفضل متعلقة لحد ما الباشا يلاقي نفسه، متتصلش بيها ومكانها لو عرفته متروحلهاش فيه، سيبها علشان تعرف تبتدي حياتها من غير تعب، وتاخد بالك إن دي تاني مرة بكلمك فيها ودي المرة الجاية الموضوع مش هيكون فيه أي ود.

ده تهديد بقى؟
قالها عمار ضاحكا بسخرية فتيقن يحيي من شكه بأنه متعاطي لشيء ما وسأله: أنت ضارب إيه؟
رمقه عمار باستغراب فأشار له يحيي على هيئته متحدثا بتهكم: ماهو ما تقنعنيش إن اللي قاعد قدامي ده واحد طبيعي مش ضارب حاجة، على العموم البوليس في كل حتة نقوم نحللك ونعرف الصنف ايه برشام ولا حقن.

قالها يحيي وهو يقوم من على المقعد فجذب عمار ذراعه يمنعه برجاء لم يتفوه به، جلس يحيي على مقعده مجددا وهو يقول بتأفف: مش عايز تنضف ولا حتى علشان نفسك، أنا مليش دعوة بيك أنت حر في نفسك بس متبقاش تزعل بقى لما تدخل في دوامة الإدمان وتبقى حالتك بالبلا، ومتلاقيش اللي تصعب عليه، أنا اللي ليا دعوة بيها دنيا.
صرح بصدق ولأول مرة يشعر أنه صدق كلي لا يشوبه أي شيء: أنا بحبها.

لا حظا خروج الممرضة تهرول من غرفة ميرال، استقام عمار واقفا يرى ما يحدث حاول يحيي سؤال الممرضة ولكن لم تنتبه فلقد أتت بالطبيب إلى غرفة المريضة، عدة دقائق مرت عليهم كالدهر حتى خرج الطبيب والإجهاد واضح عليه من قطرات العرق التي تتساقط من جبهته وهو يلقي بقنبلته لهما:
المريضة فاقت.

ذلك المكان الذي حشدهم جميعا فيه، كل منها يعاني الويلات في الغرفة الفاقدة لكل معاني الحياة التي يتواجد بها، كان عمر قد وصل للتو إلى هناك دخل إلى الغرفة الخاصة بحامي والتي يراقب منها كل شيء عن طريق هذه الشاشات المعلقة، أحضر عمر الحارس وطلب منه بتركيز: دخل فارس، وعدنان في أوضة واحدة وفكهم هما الاتنين.

هز الحارس رأسه موافقا وتوجه لينفذ ما طلبه منه عمر، بعد عدة دقائق كان يظهر أمامه على الشاشة الإثنين في نفس الغرفة، كان عدنان ينظر إلى فارس الذي بدا عليه أثار الضرب المبرح وخاصة أنه لم يفت عليه مدة طويلة، سأل بتوتر فالمكان هنا أفقده كل ذرة ثبات كان يمتلكها: هو أنت مين؟
أنت عدنان
قالها فارس بصعوبة بسبب جراحة ولكن نبرته حملت السخرية فقال عدنان: أنا بسألك أنت مين مش اسمي ايه.

دوى صوت في المكان لم يعلما مصدره فمن الواضح وجود ميكرفونان خفية هنا تستطيع إيصال الصوت إليهم، سمعا آخر شيء توقعا سماعه حين ارتفع الصوت: أنت فارس عوني راضي.

كانت هذه صدمة فارس الكبرى فمن أين تم معرفة الهوية الحقيقية لوالده بل والصدمة الأكبر التي لم يستعبها كلاهما: وأنت عدنان عوني راضي، أنتوا أخوات ولاد عوني راضي اللي شهرته مختار السيد يعني أنتوا أخوات الحقيقة اللي محدش بعرفها في الكون ده كله غير أبوكم بس الحقيقة أنه طلع مغفل لأن عشيقته كمان عارفة الحقيقة دي.

تذكر عدنان لقائه مع بديع حين تحدثا عن حقيقة نشأته وأنه ليس إلا طفل مُتبنى ولا يعلم أحد حقيقة هويته فهل حديث هذا المتحدث صحيح هل حقا له أب!
قطع شروده ارتفاع الصوت مجددا: نسيبكم بقى يا شباب تتعرفوا على بعض علشان وقت قليل أوي وأبوكم هيشرف والعيلة ال دي تكمل.
نظرا كلاهما لبعض، كانت المسيطر الوحيد على هذه النظرات الصدمة، ذلك الشعور الذي طعّمه عدم التصديق فأصبحت الأجواء غير محتملة لأي بشري على الأرض.

في الصباح وفي أحد المطاعم الدوارة تلك التي تتوسط مياه البحر، كان حامي قد وصل للتو أمام هذا المطعم فأجرى اتصاله بحسام منتظرا منه إجابة حتى سمعه يقول: وصلت؟
هز حامي رأسه بالإيجاب قائلا: وصلت اه، أنت متأكد أن أحمد راقبه صح وعرف إن المطعم ده بتاعه؟
أجابه حسام بثقة: أنا اللي خلاني بعتت أحمد بالذات هو علشان إني أبقى متأكد، المطعم باسم مختار السيد وأحمد شافه داخله.

استعد حامي للدخول وهو يقول لحسام باختصار: خلاص أقفل.
دقائق وكان يتخذ موضعه على مقعد يتوسط المكان، أتي النادل ليستعلم عن الطلبات ولكنه اعترض قائلا: لا أنا عايز أقابل صاحب المكان.
تحدث النادل بحذر كي يتقي شكوته إن وجدت: هو في حد ضايق حضرتك يا فندم، أو حاجة في الخدمة معجبتش حضرتك؟
هز رأسه نافيا ليتحدث مجددا: لا موضوع شخصي قوله حامي العمري.

انصرف النادل بينما جلس حامي يتأمل المكان حوله بهدوء حتى عاد النادل مجددا فسمعه يقول: للأسف يا فندم مستر صبحي علام قالي أبلغك إنه للأسف مش هيقدر يقابلك دلوقتي.
صبحي علام؟
كررها حامي خلفه فأكد النادل قوله السابق: اه حضرتك طلبت تقابل صاحب المكان صبحي علام.

استقام حامي واقفا ولكن قبل أن يستدير راحلا سمع صوت من خلفه يقول بترحيب: مهانش عليا حامي العمري مخصوص يجي يطلب يقابلني وأسيبه يمشي، قولت يلا يولع الشغل.
انصرف النادل بينما استدار حامي ليرى أمامه رجل تخطى الخمسين ولكن كعادة أصحاب هذه الطبقة يحافظون على المظهر الخارجي بعناية، علم أن من أمامه ليس مختار السيد فلقد أرسل له علي الصورة التي التقطها لمختار مع سمية وهذا الواقف أمامه لا يشبه من في الصورة.

جلس حامي على مقعده مجددا دون الرد على ما قاله هذا الرجل حتى وجده يتابع مجددا بنبرة شعر فيها بالسخرية
بس أنا الصراحة من يوم ما اسمك لمع في السوق وأنا عايز أسأل سؤال، يعني ايه حامي بقى؟
لم يجد إجابة فتابع ضاحكا: لا، لا متفهمنيش غلط مش قصدي أتريق على الإسم، أنا بس عايز أفهم أصله غريب!

ترك مقعده وتحرك ناحية المتحدث بخطوات متمهلة، واثقة حتى وقف أمامه، خلع نظارته السوداء فبرز اللون الزيتوني الذي كسا عينيه، عينان زُرِعت بالنيران وداهمتها الماء ولكن في هذه اللحظة لا وجود للماء
زين ثغره ابتسامة كان لها التأثيرين فلقد زادته بهاء وشراسة وهو يتحدث بجملة من جملة التي تضرب بلا رحمة:
لا ما هو مبيتفهمش، بيتحس
تحب تحس؟

فهم صبحي مغزى كلماته فهمس له بتحدي: اللعبة اللي أنت بتلعبها دي أنت مش أدها، كنت جاي ومفكر هتقابل مختار، انسى مختار مش هيقابلك غير لو هو عاز يقابلك.
عوني راضي هيقابلني علشان مزاجي أقابله وعلشان عندي اللي يخصه.
صرح حامي بقنبلته فلقد قالت سمية ليحيي أن لا أحد يعلم أنها تعرف هوية مختار الحقيقية حتى مختار نفسه كما أنه لا يعلم أنها تعرف بأمر عدنان فالأمر الآن بمثابة صدمة.

تركه حامي في صدمته وارتدى نظارته ليرحل مدندنا بسخرية: وبيننا ميعاد لو احنا بعاد، أكيد راجع ولو بيني وبينه بلاد.
استدار لصبحي متابعا بضحكة واسعة: لما تشوفه ابقى شغلاهاله وقوله إنها إهداء مني.
ضحك عاليا متابعا رحيله تاركا خلفه ذلك الذي اشتعلت النار به وشعر أنها لن تنطفيء أبدا
في نفس التوقيت.

كانت لينا تلعب مع شقيقها أمام المنزل انتظر هو أما هي فهرولت تبحث عن مكان تختبيء به، وقفت خلف الحائط جوار الحارسين فلم ينتبها لها، تابعت حديثهما باهتمام فلقد استغربت من إخفاضهم للصوت
احنا لازم نقول للباشا على اللي سمعناه علشان هما دلوقتي بقوا الحرس بتوعه وماشين معاه هو يعني ممكن في أي لحظة يخونوه.

تحدث الاخر بضجر: و افرض مصدقناش وطردنا كلنا زي ما عمل قبل كده، احنا ملناش دعوة، و الباشا ده محدش يعرف يغدر بيه ده يغدر ببلد بأهلها.
نطق الاخر ملقيا ما لديه بعنف: يعني ايه ملناش دعوة، ناس سامعينهم قبل ما يمشيهم من هنا كانوا عايزين يقتلوا مراته وتقولي ملناش دعوة!
شهقت الصغيرة واضعة كفها على فمها وهرولت من هنا راحلة قبل أن يلاحظها أي منهما وهي تحاول استيعاب ما سمعته للتو.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة