قصص و روايات - نوفيلا :

نوفيلا ختامية آل الجارحي للكاتبة آية محمد رفعت الفصل العاشر

نوفيلا ختامية آل الجارحي للكاتبة آية محمد رفعت الفصل العاشر

نوفيلا ختامية آل الجارحي للكاتبة آية محمد رفعت الفصل العاشر

مع اقتراب آذان الفجر، أسرعت تالين وشذا بتحضير السحور وتعاونت يارا وملك بحمل الأطباق للطاولة بالخارج، فأسرعت إليهما شذا بعلب الزبادي وهي تصيح بتوتر: مش فاضل غير ربع ساعة بس والأولاد لسه مصحوش!
حملت عنها يارا العلب، بينما صعدت ملك الدرج وهي تخبرها: متقلقيش هطلع أصحيهم.

وبالفعل صعدت ملك للطابق الثاني، فوجدت أبواب الغرف بأكملها مغلقة، فقضاء تلك السهرةٍ جعل الجميع متعبون للغاية، تهللت أساريرها حينما فُتح أخر باب ليطل حازم من خلفه وهو يفرد ذراعيه بتثاءب، أشارت له ملك وهي تهمس ببسمةٍ خبيثة: مضطرة ألجئ ليك لإن فعلًا معتش وقت!
دنى منها حازم وهو يردد بنعاسٍ: صباح الخير يا طنط السحور جهز.
هزت رأسها بتأكيدٍ، وقالت: جاهز بس صحي الشباب الأول لان معتش وقت.

وتركته وهرولت للأسفل على الفور، وكأنها تخشى أن يلمحها شهود العيان وهي توكل حازم بجريمةٍ جديدة، حك حازم جبينه بإرهاقٍ وفاه بحيرةٍ وهو يتفحص ساعة يده: مش هلحق!
لمعت إحدى أفكاره الشيطانية المخيفة، فابتسم وهو يفرقع أصابعه: بس لقيتها!

وأسرع تجاه سلة القاذورات، فحملها وهو يشعل القداحة بعدد من الأوراق، ثم رفعها وقربها من الإنذار الخاص بالحرائق بعد أن حرص بأن يلزم الأمان الطابق المخصص للشباب فقط، انطلق إنذار صاخب يضرب الأجواء، وقبل أن يستوعب أحدٌ ما يحدث انفلت شلال المياه يغزو الغرف بأكملها، وخاصة فوق الأسرة!

بالجناح الخاص بأحمد.

انتفض عن فراشه بفزعٍ حينما إنسابت المياه على جسده، فأبعد الغطاء عنه وهو يتفحص ما يحدث حوله بقلقٍ، فهرع يتفحص جناحه ليتأكد من عدم وجود أي حريق، التقط أنفاسه ببعض الراحة حينما تأكد من سلامة المكان، ولكنه مازال بحاجة للإطمئنان من سلامة الطابق الثاني بأكمله، فأسرع للخروج وفجأة توقف بعدما تعلقت عينه بالسرير، برق مندهشًا حينما وجد آسيل تغط بنومها العميق رغم تلك المياه التي تغطي جسدها بأكملها وكأن شيئًا لم يكن، إتجه إليها بخطواتٍ بطيئة، حائرة، لا يعلم أيتركها هنا لحين تأكده من الأمر بمفرده أم يوقظها حتى لا تمرض، اهتدى أحمد لفكرة محايدة، فحملها للأريكة وهو يردد ساخرًا: لا فارق معاكي زلازل ولا أمطار، مش فاهم أنا الاستجمام ده جايلك منين!

بالجناح المخصص لجاسم.
سقط عن فراشه فور سماعه صراخات داليا المزعجة، فحاول أن يبعد الغطاء الذي يكتف جسده متسائلًا باختناقٍ: في أيه؟
صرخت وهي تحاول أن تستوعب الأمر: ساعدني يا جاسم، إلحقني!
ردد بنفورٍ ومازال يجاهد للخلاص من معركته الحاسمة بين الغطاء الملتف حول جسده كالحية: مش لما ألحق نفسي الأول!
واستطرد بقلقٍ: حاولي تشرحيلي الموقف عما أنول الخلاص!

صاحت وهي تبتعد عن الفراش في محاولة للبقاء بعيدة عن المياه التي طالت الجناح بأكمله: باين القيامة قامت! هو النهارده الجمعة؟!
نجح أخيرًا في تخليص ذاته، فاستقام بوقفته وهو يتأمل المياه التي مازالت تتساقط فوق رأسه، فردد وهو يسرع للخارج: ده انذار الحريق!

خرجت تركض من المرحاض وهي تصرخ بفزعٍ بزوجها الغافل براحةٍ: معتز، البيت بيغرق.
عبس بعينيه ومازال لم يستعب ما تقول: مش هتسحر يا شروق أنا تعبان ومحتاج أنام.
أعادت صراخها مجددًا: ابقى إتسحر في الآخرة يا حبيبي، قووووم بقولك في سيول هنا!
أزاح عن رأسه الغطاء بنفورٍ وهو يستقيم بجلسته، فاستقبل جسده المياه التي تصببت من فوق رأسه فجعلته ينتفض عن الفراش وهو يتساءل بصدمةٍ: هو في أيه؟!

ألقت المنشفة بوجهه وهي تردد بسخطٍ: بتسألني أنا!

كان يغفو بجسده فوق الطاولة، جوار حاسوبه بعدما ظل لساعةٍ كاملة يعمل على أحد الملفات الهامة، فرمش بانزعاجٍ فور سقوط بضعة قطرات المياه على وجهه، استقام ياسين بجلسته، وهم بالوقوف وعينيه تراقب ما يحدث بتمعنٍ، وعند استيعابه الأمر ركض للخارج مناديًا بذعرٍ: مليكة!

خشي أن يطولها السوء فهدأت تعابيره المشدودة حينما وجدها تنام على فراشها بسلامٍ، وبدأت للتو بالاستيقاظ فور أن تبلل جسدها بالمياه، فصاحت بخوفٍ: ياسين!
ركض تجاهها وهو يطمنها: متقلقيش با حبيبتي، الظاهر في عطل في الانذار.
ونهض للخارج قائلًا: هروح أشوف في أيه!

حرك جسدها بقوة وهو يصيح: رانيا قومي بسرعة خدي الاولاد وانزلي تحت، إنذار الحريق شغال.
ارتبكت فور سماعها ما يقول، فتفحصت المكان من حولها وهي تتساءل بتوترٍ: من أيه ده؟
أجابها وهو يسرع لقميصه: مش عارف ربنا يستر وميكنش في شيء تحت.
وأشار لها وهو يسرع للخارج: إلبسي وهاتي الأولاد وانزلي ورايا.
وتركها وهرع للخارج مسرعًا.

مازال يجلس على الأريكة قبالة الشرفة، جفاه النوم بعد رؤيتها تبكي حسرة على فراق ابنتهما، يلوم نفسه على إهماله لها وعدم ملاحظته لما يحدث معها بالفترات الماضية، والآن مازالت تبذل قصارى جهدها لتريحه بأنها أصبحت على ما يرام، كان يخطف لها النظرات بين الحين والآخر وهي تغفو بمفردها على الفراش بعدما تسلل من جوارها ليبقى حزينًا، وحيدًا، وفجأة تبددت عصبته فور اقتحام المياه مخضعه الخاص، فانتفض للفراش يجذبها عنه بذراعه الأيسر وهو يناديها بفزعٍ: نور، فوقي!

فتحت عينيها لتقابل قطرات المياه المزعجة، فصاحت بعنفوانٍ: كده يا عمر بتصحيني بالمية يا قاسي القلب والمشاعر والأحاسيس!
عاونها على الوقوف وهو يشير لها بجدية: ده وقته، ثم إني هصحيكي بالمية ليه يا ست شادية!
فركت عينيها بنومٍ وهي تجيبه: يعني تصحيني بالمية أرميك بالورد وشغل الرومانسيات ده!
صاح بها وهو يتجه للخروج: فوقي من أحلامك الوردية دي، وتعالي ورايا نشوف في أيه بره!

انفتحت الأبواب تباعًا، وخرج الشباب بأكملهم للخارج، يتلفتون حولهم بريبةٍ لمعرفة مكان الحريق، فإلتقطت أعينهم ذاك الذي يجلس على مقعده بثقةٍ وغرور، واضعًا قدمه فوق الأخرى ويتطلع إليهم بعنجهيةٍ قاتلة، جعلتهم يعلمون من المتسبب في ذاك الحادث المزعج، هموا معًا إليه في حلقة دائرية، ومازال يلهو بسبحته ويحرك قدميه بتعاليٍ، قبض رائد على ياقة قميصه، ثم جذبه ليقف أمامهم ليوجه إتهامه إليه مباشرة: أنت اللي عملت المقلب السخيف ده، مش كده!

هز رأسه وهو يجيبه بكبرياء رجل لن يترك ساحة الشدائد عبثًا: أيوه أنا ومفيش داعي للشكر، الأفضل تجروا تشربولكم بوق مية ده إن لحقتم.
ورفع ساعة يده إليه وهو يطرق بإصبعه بسخطٍ: لإن تقريبًا مفيش قدامكم غير عشر دقايق والفجر يآذن.
كمشه جاسم من ياقة قميصه المدفون أسفل التيشرت وهو يصيح بشراسةٍ: ده وقت خارجتك من الدنيا كلها، إتشاهد على روحك!

وناوله لكمة قاسية طالت فكه، فاهتز جسده يسارًا ويمينًا كالسكير، وفجأة قابله معتز بلكمة أخرى وهو يصرخ بتعصبٍ: تقطع الخلف عشان نقوم نشرب بوق مية، ده أنت يومك شبه قرن الخروب!
بينما تلقفه مازن المبتل بالمياه، ليجذب دورق ضخم من المياه الباردة، فسكبها عليه وهو يسأله ببسمةٍ واسعة: حبيبي يا زوما قولت أفوقك بعد الضرب ده عشان تقدر تنزل السلم وتفوق للسحور.

استمرت الحفلة بين الشباب وحازم لثلاثة دقائق، ومن خلفهم كان يقف عمر وياسين وأحمد يتابعون ما يحدث بتشفي، حتى الفتيات خرجن بعدما أبدلت كلا منهن ثيابها لاسدال الصلاة، متلهفات لمعرفة ما يحدث بالخارج فما أن رأوه أسير لقبضة أيدهم زف إليهن عما إرتكبه تلك المرة، فانسحبن للأسفل ومن خلفهن الشباب، فافترش حازم الأرض أمام أحمد وعمر وهو يصيح بانفعالٍ: أنا غلطان إني صحيتكم تشرب يا بلطجي منك له، لو بطنكم كانت اتعسرت من الجوع وريقكم نشف من قلة المية والخيار والزبادي كنتوا عرفتوا قيمتي!

منحه عمر نظرة ساخطة وأشار إليه ساخرًا: إنزل بميتك كده عشان لو دخلت تغير هدومك ريقك أنت اللي هينشف يا زوما.
استند على الطاولة التي تحمل الهاتف في محاولة للنهوض، فسقط أرضًا والهاتف من فوق رأسه، ليتأوه بألمٍ جعل عمر وأحمد يضحكان بعدم تصديق، فانحنى عمر إليه يعاونه بذراعه وهو يحذره: متحملش أوي أنت شايف دراعي التاني مش همشي لافف الاتنين!

استقام بوقفته وهو يحاول فرد ظهره بألمٍ جعله يتأوه بصراخٍ، فمرت نسرين من جواره بعدما حملت صغيرها أحمد، لتحدجه بنظرةٍ محتقنه وهمهمت وهي تتجه للدرج: إنسان مزعج وتستاهل كل اللي جرالك!
لف رأسه لعمر الذي يكبت ضحكاته بتمكنٍ: شوفت الولية يا عمر، بدل ما تيجي جري تسند جوزها وتأخد حقه بتتشفى فيه!
هز رأسه وهو يردد: شوفت يا حبيبي، معلش.

وكأنه قدم إليه الكثير بتلك الكلمة، فقال بصدرٍ رحب: والله العيلة دي ما فيها غيرك يا دوك.
ابتسم وهو يردد بصوتٍ منخفض: لو دراعي كان سليم كنت أول واحد علمت عليك!
أوقفهما أحمد بذراعه الممدود وهو يصيح ببسمة شيطانية مخيفة: على فين يا زوما، أنا لسه مسلمتش عليك.
رمش بعدم تصديق وصاح: هو لسه في مكان لسلامك!

أرغمه على الانحناء ولطم رقبته بصفعة قوية وهو يصيح: عشان تحرم تجرب فينا مقالبك السخيفة دي، المرة الجاية هرميك من فوق سور القصر سبع مرات.
وتابع تحذيره المخيف: كل مرة تحاول فيها ترتكب شيء تافه زي ده افتكر تهديدي كويس.
ضيق عينيه بسخرية: ما تقتلني من دلوقتي أحسن لإني عارف نفسي أمارة بالسوء ومش ممكن تتوب!

كز على أسنانه وهو يقترب منه بغضبٍ جعل عمر يشير له: خلاص يا أحمد، حازم جدع وعااااااقل ومعتش هيعملها تاني، صح يا زوما؟
استند على ذراعه وهو يستكمل طريقه هامسًا: هفكر!
ساعده عمر على التوجه للمصعد فاندهش حينما لم يجد أحمد يلحق بهما، فرفع صوته ليصل لمسمعه بعدما كاد بالدخول لجناحه: مش جاي ولا أيه؟
رد عليه قائلًا: هشوف آسيل وجاي، أو الجثة الهامدة اللي ممددة جوه دي.

تعالت ضحكات عمر الرجولية، وأشار له بإبهامه: ربنا معاك.

بالأسفل.
اجتمع الشباب بأكملهم حول الطاولة المستديرة، بعد أن انتهى ياسين الجارحي ويحيى وباقي كبار العائلة من تناول الطعام، فتوجهوا جميعًا للمسجد لحين أن يلحق بهم الجميع، وضعت يارا وملك العصير قبالتهم، بينما خرجت آية تحمل الفواكه فوضعتها على الطاولة وهي تسأل رحمة باستغراب: أمال فين عدي؟
أجابتها وهي تتناول الشطائر: إتسحر بره مع صديق ليه، زمانه على وصول.

هبط حازم برفقة عمر، فتسلطت الأعين الغاضبة عليه وهو يجذب أحد المقاعد جالسًا متأوهًا بألمٍ جعلهم متشفين بما أحدثوه به، بينما اتجهت نظرات آية لعمر فرددت بصدمة: عمر، أيه ده؟!
إتجه لمقعده المجاور لزوجته وهو يجيبها ببسمة هادئة: متقلقيش يا ماما دي حاجة بسيطة.
صاحت بانفعالٍ: يعني أيه حاجه بسيطة. حصلك أمته وإزاي محدش يعرفني!
رد عليها رائد: محبناش نقلقك يا طنط، الحمد لله هو بقى كويس.

لم يكن العذر منطقي لها، تحالفهم جميعًا لعدم علمها بالأمر جعلها تثور غضبًا، فتساءلت بشكٍ: ياسين اللي طالب منكم تخبوا عني صح؟
صمت الشباب فهزت رأسها وهي ترد بعزمٍ: ماشي يا ياسين!

بالأعلى.
بذل أحمد جهدًا عظيمًا ليتمكن أخيرًا من إيقاظها، ففتحت عينيها الثقيلة وهي تردد بنومٍ: سبني يا أحمد بقى عايزة أنام!
جذبها إليه ليخرج بها عن المرحاض قائلًا باستهزاءٍ: أنا نفسي في سر الخلطة اللي بتضربيها دي، لا فارق معاكي سيول ولا برق ولا أي شيء بيحصل حواليكِ، تعرفي أنا فعلًا بحسدك!
مالت برقبتها على كتفه وهي تسترخي بوقفتها لجسده: طب وديني السرير وإحسدني براحتك.

برق بعينيه دهشة: سرير أيه الأوضة كلها متبهدلة بالمية!
لعقت شفتيها الجافة قائلة: مية أيه؟
وعلى ذكر المياه أضافت: هاتلي مية أشرب قبل الفجر ما يأذن أنا عطشانه.

أسندها حتى وصل للبراد الصغير، فحمل لها زجاجة من المياه الباردة، فتحت غطائها وما كادت برفعها حتى إنطلق الآذان يزيح ثقل الهموم عن القلب بصوت الشيخ الخاشع، تركته عن يدها وهي تزم شفتيها بحزنٍ، فردد ساخرًا: كملي نومك وسبيني أحسدك وأدعي عليكي طول اليوم!

نال حازم غضبًا حارق حينما اضطر الشباب للنوم بغرف الضيافة، بعد أن ابتلت الأجنحه، وبالصباح الباكر باشر ياسين وأحمد ورائد العمل بالأسفل، فتح ياسين حاسوبه بتعبٍ بدى بنبرته: هو مينفعش نأجل الشغل لبعد الفطار، الحسابات في الوقت ده مجهدة جدًا.
تمعن أحمد بالملف من أمامه ثم قال: بالعكس يا ياسين الوقتي أفضل بعد الفطار بنفصل!
وتفحص المكتب من جواره وهو يتساءل باستغراب: ملف صفقة ال، كان هنا راح فين؟

نهض رائد عن مقعده مشيرًا بيده إليه: تقريبًا نسيته فوق. هطلع أجيبه وراجع.
أكد عليه ياسين: متتأخرش.
أومأ برأسه وهو يتجه مسرعًا للأعلى، ففتح باب جناحه وولج للداخل قاصدًا غرفة مكتبه الخاص، وحينما استدار ليغادر تفاجئ بزوجته تهرع لأسفل الطاولة، ضيق رائد عينيه باستغرابٍ وترك ما بيده وإتجه إليها، يناديها بدهشةٍ: رانيا!

لم يأتيه أي ردًا منها على الرغم من أنه يراها بوضوحٍ تامٍ، كاد بأن بدمي شفتيه السفلى من فرط ضغطه على شفتيه، فصاح بتعصبٍ: رانيا بتعملي أيه عندك، إخرجي!

وحينما لم تستمع إليه إنحنى بعدما رفع الغطاء المنسدل فوق الطاولة، فجحظت عينيه صدمة حينما وجدها تحمل صينية مستديرة بأصناف متعددة بالمحاشي، وقطع اللحم الشهي، ووجهها تكسوه الحمرة جراء محاولتها البائسة لمضغ الطعام الذي بجوفها، وحينما حاولت لمرتها الاخيرة سعلت بقوةٍ جعلت الأخير يطرق على ظهرها حتى استكانت بجلستها، فلعقت شفتيها وهي تشير له: شكرًا.
حرك يده وهو يردد من بين اصطكاك أسنانه: اخرجي.

زحفت خلفه حتى نهضت، فجلست على الفراش باستحياءٍ لتجده يمنحها نظرة ساخطة مردفًا: لزمتها أيه الدراما دي ما أنا عارف من بليل!
أسبلت بجفنيها بصدمةٍ، وفجأة استقامت بوقفتها وهي تردد باستياءٍ: أنت قليل الأدب.
وتركته وغادرت من أمامه في طريقها للباب الشبه موارب، فصعقت حينما وجدت داليا قبالتها تهمهم بغضب جعلها لا ترى أخيها: بقالنا ساعة بننادي عليكي، أيه طمنينا النظام أيه؟

ابتلعت ريقها بارتباكٍ وتساءلت: نظام أيه؟
زمت شفتيها بنفورٍ: يا حبيبتي ركزي أنا صايمة ومش قادرة أقف، احنا مش ادناكي صينية بأنواع الأكل تدوقيه وتشوفي ملحه مظبوط ولا لا، إنجزي عشان طنط تالين وماما عايزين يقفلوا على المحشي ومستنين يطمنوا منك اتظبط ولا لسه، طلعتي واختفيتي أيه مفيش تقدير ولا إحساس بإخواتك الصايمين لحد ما دورهم يجي!
ما شاء الله هو أنتوا عندكم اللي بتتعذر بتنول مهمة شرف تناول الطعام!

جحظت عين داليا بصدمة ومازالت معلقة بعين زوجة أخيه، آبية الانزلاق تجاه الصوت الرجولي، فرددت بتلعثمٍ: اللي سمعته صح، ده صوت رائد؟
هزت الأخيرة رأسها وهي تكاد تبكي من فرط الخجل، فاستدارت وغادرت على الفور ومن خلفها ركصت رانيا، والأخير يتبعهما وصوت ضحكاته لا تتوقف عن مسمعهما!

جابت الجناح ذهابًا وإيابًا وعينيها تراقبه بغضبٍ، ظنت بأنها يغفو بنومه المريح ولا يدري بوجودها بالجناح، وبالرغم من انغلاق عينيه الا أن صوت أفزع حنقها: اتكلمي باللي مضايقك مني يا رحمة عشان ترتاحي!

انتفضت بوقفتها وعينيها المتسعتان متسلطتان على الفراش بصدمة، فوجدته يفتح عسليته ويستقيم بجلسته قبالة عينيها المندهشة، ازدردت ريقها بتمكنٍ واقتربت منه قائلة بحزنٍ: آه زعلانه منك وجدًا كمان، لإن استكترت إنك تقعد معايا بعد سفرك وخرجت ومرجعتش غير بعد الفجر ودلوقتي نايم ولا على همك.
منحها ابتسامة هادئة وهو يخبرها: حبيبتي لو مكنش خروجي ده مهم أكيد مكنتش هخرج، وخلاص أهو رجعت وقاعد معاكي وفي وشك.

ايتدارت بوجهها للجهة الأخرى وهي تردد بضجر: متحاولش أنا زعلانه منك بجد.
وبمكرٍ لمع على وجهها قالت: ولو عايز تصالحني بجد تيجي معايا دلوقتي نأخد الاعادة بتاعتي.
ومررت يدها على بطنها الغير بارزة وهي تردد بحماسٍ: تطمن على البيبي ونفطر في أي مكان، ها أيه رأيك؟
رفع أحد حاجبيه بمكرٍ: راسمة الزعل وكل الحوار ده عشان عايزة تخرجي معايا برة، طيب وليه الطيب أحسن.
ونهض عن فراشه وهو يخبرها: اعتبريني جهزت!

ارتسمت السعادة على وجهها، وأسرعت بتبديل ملابسها استعدادًا للذهاب برفقته للطبيب، فعاونها عدي على الجلوس جواره بالسيارة ثم تحرك بها حتى وصلا للعيادة الطبية، فما أن خرجوا من المصعد لداخل العيادة حتى صعق عدي وهو يراقب من يجلس أمامه، وردد بعدم تصديق: إنت!
نهض المصعوق الآخر وهو يجاهد لخروج كلماته: عدي!
لاحت بسمة واسعة، تزف شماته وهو يردد بغمزة خبيثة: يا أهلًا بالأسطورة، منور عيادة النسا!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة