قصص و روايات - نوفيلا :

نوفيلا ختامية آل الجارحي للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الأول

نوفيلا ختامية آل الجارحي للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الأول

نوفيلا ختامية آل الجارحي للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الأول

ائحة التُمور والخروب تحيط بالشوارع، وكأنها لم تترك شبرًا الا وأحاطته، الزقاق يملؤها الزينة الرمضانية، ويتوسطها الفَوَانِيس التي تضيء بتآلقٍ، وشملت بهجة تلك الأجواء قصر آل الجارحي، تفردت الزينة على حوائطه وإمتدت للداخل، بأطراف القصر من جميع الإتجاهات، الأضواء الخافتة تشع بالأرجاء، يحدها حامل المصحف الموضوع قبالة رعد ومن حوله اجتمع صغار آل الجارحي يستمعون إلى صوته العذب في ترتيل القرآن الكريم، ويتسابقون بإظهار أصواتهم المميزة وتطبيق ما تعلموه على يد شيخهم الماهر، فقد حرص ياسين على تقوية حفظهم لكتاب الله طوال تلك السنواتٍ، وعلى مقربةٍ منهم وبالأخص بمطبخ القصر، حيث اجتمعت العائلة بأكملها، يضعون كميات هائلة من الطعام، موزعة على عددٍ من الأطباق البلاستيكة، ولكلُ منهم مهمته، فكانت آية توزع اللحوم للأطباق، ويتبعها أحمد بسكب الأرز، ومن بعده عمر بالمعكرونة، وجاسم بأصابع اللحم المفروم (الكفتة)، أما ياسين فنزع اللاصق عن كرتون العصائر، وناولها لمليكة التي تضم كل عُلبةٍ لطبق الطعام، وتناولها لداليا التي تمررها لرائد فيضعها في كيس بلاستيكي، يتناوله منه معتز ليضع به مبلغ من المالٍ، ومن ثم يمررها لحازم ومازن فيقومان بوضعه بالكرتون الضخم، وما أن يكتمل يحملانه لعدي بالخارج فيضعه بصندوق السيارة، مشيرًا لهما بعدما تفحص ساعته: بسرعة يا شباب مفضلش وقت كتير على الآذان.

أشار له مازن وهو يعود للمطبخ سريعًا: متقلقش لسه ساعة كاملة هنلحق بإذن الله.
وعاد للمطبخ مجددًا، يتساءل بريبةٍ: ها يا جماعة كده خلاص ولا أيه؟!
تقدمت منه يارا وهي تشير على الكرتون المتبقي: فاضل الكرتونة دي.
انحنى أحمد وحملها مرددًا: سبها يا مازن هخرجها أنا.
واستطرد بإهتمامٍ: شوف الشباب كده خلصوا ولا لسه؟
وتركه وخرج لعدي، فأسرع إليه مردفًا: حطها في عربية عمر فيها مكان لسه.

أومأ برأسه بخفةٍ، وإتجه لسيارته فوضعها بحرصٍ وانتصب بوقفته قبالته، أعلق عدي باب السيارة تابعًا وهو يمشطه بنظرةٍ متفحصة: هدومك أتوسخت، اطلع غير هدومك بسرعة عشان نتحرك.
أومأ برأسه وإتجه للداخل، فرفع عدي صوته محذرًا: متتأخرش يا أحمد، عايزين نلحق نوزع الكمية كلها.
أجابه وهو يسرع للمصعد: عشر دقايق ونازل بإذن الله.

ولج عدي للداخل بعد إنتهائه من مهمته التي تكلفت بتوزيع الصناديق على سيارات الشباب، فطوف المطبخ بنظرةٍ متفحصة، فوجد التعب والإرهاق يشق الطريق على الأوجه، الجميع بعملون منذ الصباح، بعد أن تكفل ياسين ويحيى بالذبح باليوم الأول من رمضانٍ المبارك، وصممت آية وشذا ويارا والفتيات بعدم تدخل أحدٌ من الخدم بطهي الطعام للمساكين والفقراء، فساهم الشباب بالمساعدة فلم يبخسوا أبدًا تقديم الدعم منذ الصباح حتى مع إقتراب مفارقة الشمس وبزوغ موعد الآذان، انتقلت عينيه لمعشوقته التي تجلس أرضًا وتفرغ قطع اللحم من الصواني ثم تمررها للفتيات فيضعونها على الطاولة العملاقة حيث تتم ترتيب الأطباق، بالرغم من تعبها لشهور حملها الأولى الا أنها مازالت تصر على المساهمة في هذا العمل الخيري، اتجه إليها ثم انحنى ليقدم لها يده، فأتكأت عليه ببسمة هادئة حتى استقامت بوقفتها فهمس لها: اطلعي غيري هدومك وارتاحي شوية لحد الآذان.

أومأت برأسها لشعورها بحاجتها للراحة بعد هذا العناء، فأشار عدي للفتيات قائلًا: وانتوا كمان اطلعوا غيروا هدومكم واستريحوا شوية.
أكدت دينا على حديثه: أيوه عدي معاه حق، انتوا تعبتوا جدًا.
أجابتها شروق بإرهاقٍ: كله يهون في سبيل فرحة الغلابة في يوم زي ده.
أكدت رانيا حديثها: فعلا معاكِ حق يا شروق.
واستدارت تجاه رائد تستسمحه على استحياءٍ: ينفع أجي معاكم وانتوا بتوزعوا الأكل؟

بدى غير مرحبًا بفكرتها، فأسرعت آسيل بالحديث: أكيد هيكون في ستات وهتحتاجوا لوجودنا.
رد عليها عمر: مش حابين نتعبكم كفايا وقفتكم طول اليوم بالمطبخ.
ردت عليه نور برجاءٍ: والله هنقعد في العربية ومش هنعمل أي حاجة.
واستدارت تجاه آية التي تتابع حوارهم ببسمةٍ هادئة، قائلة: قولولهم يا ماما.
ربتت بيدها على كتف رائد وعمر، قائلة: متزعلهمش عشان خاطري، هما حابين يشوفوا تعبهم هيروح فين بعنيهم.

ابتسم عدي وهو يتابع بسمة وجهها البشوش، فقال: خلاص يا شباب الأمر جايلنا من زوجة ياسين الجارحي بنفسه!
ضحك رائد وأردف بمشاكسةٍ: منقدرش نتكلم.
أضاف ياسين بمرحٍ: نفسي يا طنط تتدخلي على طول كده بينا هتحلي مشاكل الدول بابتسامة صغيرة بس.
لكزته مليكة بغضبٍ: أنت بتعاكس مامي واحنا وقفين.
تعالت ضحكاته الرجولية، متلفظًا بخبثٍ: أكيد مش جاني على نفسي يعني، ثم إني معايا قمر الكون كله هعوز أيه تاني؟

هزه جاسم ساخرًا: احنا في رمضان يا أخ، صيامك زي السيف أوعى تتخلى عنه مهما تعرضت لاي إغراءات!
تعالت ضحكاتهم جميعًا، فأشار لهم رائد: طب يلا غيروا هدومكم بسرعة واحنا برة.
غادر الشباب للسيارات، بينما صعدت الفتيات لتغير ملابسهم لاسدالات الصلاة، وتبقى عمر وعدي برفقة آية بالمطبخ، فتساءلت باهتمامٍ: أصدقائك هيوصلوا أمته يا عدي؟

أجابها وهو يتابع ما تفعله من تنسيق أطباق مخصصة إليهم: اعتذرولي من شوية وأجلوا المعاد لبعد بكره.
منحته ابتسامة مشرقة وصوتها الحنون يخبره: يجوا في الوقت اللي يحبوه، البيت مفتوح بأي وقت.
انحنى ليدها يقبلها باحترامٍ وحب: رلنا يباركلنا فيكي يا ست الكل.
مال عمر بجسده على الطاولة، مشيرًا له بسخطٍ: أشوف ياسين الجارحي قفشك ويبقى رمضانك بالجنة إن شاء الله!

انتفضت آية من دعوته المازحة، وصاحت بغضبٍ: بعد الشر يا عمر متقولش كده على أخوك.
غمز له عدي بمكرٍ، وتابع لجوئه لاسلوبه الماكر: ابنك مش قادر يستوعب إني بقيت أنا وياسين الجارحي زي السكينة في الحلاوة!
حبيبي تعالى بره نشوف قصة السكينة والحلاوة لحد ما المغرب يأذن!

صوت ياسين الجارحي اقتحم مجلسهم الخاص، فضحك عدي وخرج إليه ومن بعده عمر، بينما تبقت آية بالمطبخ تحاول إعداد الطعام لتقدمه على السفرة لحين عودة الشباب والفتيات من الخارج.

بالخارج.
انتهى رعد من درسه لليوم الأول، فأغلق المصحف الشريف مشيرًا للاطفال بحماسٍ: كلها ساعة ونتجمع على الفطار، اللي هيكون صادق وهيحافظ على صيامه للوقت ده هيكافئه مكافأة كبيرة جدًا، ودلوقتي روحوا العبوا شوية لحد ما الآذان يأذن.
رد عليه ياسين ببسمة هادئة: المكافأة الأكبر أكيد من ربنا عز وجل يا أنكل.
مرر أصابعه فوق خصلات شعره البني، وهو يمنحه ابتسامة هادئة، موكدًا له: أكيد يا حبيبي.

وأشار لهم وهو ينهض عن الأرض: يلا روحوا ألعبوا.

غادر الصغار من أمامه للحديقة للعب، بينما استدار ياسين متجهًا للصالون حيث يجتمع أبيه وعمه بياسين الجارحي، فولج للداخل ليسحب أنظار ياسين، ليهيم به بسعادةٍ، جلبابه الأبيض الذي أنار وجهه بشكلٍ ملحوظ، دنا إليهم فاستقبله ذراع ياسين لينطوي حفيده إليه، فضمه بحبٍ لم يسبق لعدي رؤيته بعين أبيه هكذا، مزق جلباب الصمت صوت ياسين حينما قال: اطلع غير هدومك وإنزل عشان تروح مع الشباب وهنا بيوزعوا الواجبات.

ابتسم وهو يجيبه: اعتبرني جهزت.
وكاد بالتوجه للاعلى، ولكنه توقف وتطلع تجاه أبيه ليسأله بدهشةٍ ماكرة: هو أنكل مراد مش جاي ولا أيه؟
ضيق عسليته بشكٍ في مضمون سؤاله الخبيث، وردد بهدوءٍ: لا مش جاي.
واسترسل بمكرٍ: بناته كمان هيجوا معاه في المرة الجاية.
ارتبكت نظرات الصغير الواضحة لياسين الجارحي، فتابع حوارهما باهتمامٍ وصمت غلبه حينما غادر الصغير، فقال: تقصد أيه بكلامك؟

ضحك رغمًا عنه وقد تسابق لساحة معركتهما التي لا ينغلق بابها أبدًا وخاصة حينما يطول الأمر حفيده المقرب، فقال: حفيدك المصون حاطط عينه على بنت مراد وهو لسه شبر ونص!
زوى حاجبيه بغضبٍ برز بتصلب عروقه: حفيدي عارف حدوده كويس، إلزم أنت حدك معاه بالكلام ده طفل متنساش ده!

كبت عدي ضحكة كادت بالانفلات منه، وخاصة حينما لمح عمر يشير له برجاءٍ، ويحثه على التوقف عما يجتازه بتلك اللحظة، مكورًا يديه أمام شفتيه التي تهمسان إليه: بلاش ياسين!
استقرت مقلتيه لابيه ومنحه ابتسامة هادئة اتبعها قوله الرزين: أنا واثق في تربيتك يا بابا، وعارف كويس ياسين بالنسبالك أيه فده شيء مش مزعلني بالعكس مفرحني جدًا.

واستكمل بنفس نبرته الهادئة: أنا متعمتدش شيء من كلامي، وعمومًا بعد بكره مراد وبناته جايين وهتلاحظ بنفسك الانجذاب الغريب من ياسين لإنه بالطبيعي مش بيهتم يلعب مع حد!
ابتسامة داعبت شفتيه ونظراته الغامضة تحيط الدرج بعدما خلف أثر حفيده، فعاد ليتطلع إليه قائلًا بحزمٍ: اهتم بياسين يا عدي، أنا عايزه يحس أن حلمه سهل مش مستحيل، وعارف إنك تقدر تعمل ده.

واسترسل بغموضٍ: وأنا ليا كلام تاني مع مراد ورحيم لما أشوفهم!
قبضت نظراته على عمر المستكين بجلسته براحةٍ، بعدما ظن بأنه نفد من حصار أبيه، فقال بصرامةٍ: بالك مش هيكون رايق كتير، حلا وعدي أنت مسؤول عنهم قدامي من دلوقتي!
ابتلع ريقه الجاف بصعوبةٍ بالغة، وحاول التفوه ب: أطفال يا والدي، أطفال لسه!
وجدها حجة ستسهل عليه الهروب من عرينه، فقطعها إليه حينما صاح: من يوم ولدتهم لو تحب نرجع بالزمن لورا!

حالة الصدمة التي تغلبته جعلت عدي يكتم ضحكاته بتمكنٍ، ليقطع جلستهم صوت يحيى الذي اقترب إليهم بعد انتهائه من أداء صلاته، فردد بضيقٍ: أيه يا ياسين أنت مش عاتق الأولاد حتى في رمضان يا أخي!
حدجه بنظرةٍ ثابتة، انتهت بحديثه الصارم: في أي وقت المهم إنهم ياخدوا بالهم من أحفادي زي ما أنا مازلت بتبع مسؤولياتي تجاههم لحد اللحظة دي!

منحه عدي ابتسامة مسالمة اتبعها قوله الخبيث: دول في عنينا يا باشا، كفايا إنهم عليهم توصية من القيادات العليا.
واستدار تجاه يحيى مرددًا: مش كده ولا أيه يا عمي؟
تعالت ضحكاته الرجولية وهو يتابع نظرات ياسين المهتمة لسماع ما سيقول، وفجأة قطع مجلسهم صوت صراخ عاصف: ياسين الحقني!
انتفض بجلسته بفزعٍ، فصاح عمر بقلقٍ: ده صوت ماما!

اندفع ياسين تجاه المطبخ على الفور، ومن خلفه يحيى وأبناءه، فما أن فتح باب المطبخ حتى وجدها تتمسك بسترته بقوةٍ، فحاول أن يستدير إليها ليتأكد من سلامتها، فتشبثت به راغمة إياه على الوقوف أمامها كالستار العازل بينها وبين هاجسها، فتساءل عدي بذعرٍ: في أيه يا ماما؟

أشارت بيدها تجاه البراد، فتوجهت نظراتهم معًا إليها، فتفاجئوا بوجود الصغار ومن بينهم خالد الحامل لقطةٍ سوداء اللون، ومن بعد اشارتها صوت صراخها المذبذب: أنا عندي فوبيا من القطط، خلوهم يطلعوا بيها بره بدل ما يجرالي حاجة وأنا واقفة!
أشار لها يحيى وضحكاته بارزة كبزوغ الشمس: طيب طيب اهدي أنا هتصرف.
واقترب من الصغار مشيرًا لهم: انتوا جبتوا القطة دي منين يا ليان؟

أجابته وهي تشير على ابن عمها: خالد اللي جابها يا أنكل يحيى.
دنا منهم عدي، فإتكأ على رخام المطبخ بجسده العلوي يتابعهم باهتمام اتبع سؤاله المستنكر: جبتها منين يا خالد؟
رد عليه الصغير وهو يحتضنها بخوفٍ: شوفتها بالحديقة كانت متعلقة بالشجرة.
رد عليه عدي بهدوءٍ: طيب يا حبيبي مينفعش تحتفظ بيها لإنها مش مطعمة وكمان البنات بيخافوا منها.

تمسك بها الصغير رافضًا لاقتراحه، فحركت آية يدها على ظهر ياسين المستمع برؤيتها كذلك: اتكلم يا ياسين أنت مش ليك كلمة مسموعة هنا!
وهمست إليه بصوتٍ منخفض ظنته غير مسموع: أنا بخاف منهم جدًا، هبقى نكتة القصر لو فضلت هنا حافظ على برستيجي الله يكرمك!

تهدلت شفتيه ببسمته الساحرة، وأشار لعدي فتابع حديثه في محاولة اقناع الصغير: طيب يا خالد أيه رأيك نحطها في الغرفة اللي بالحديقة الخارجية ووقت ما تحب تروحلها هنخلي حد من الحرس يفتحلك.
وزع الصغير نظراته بينهم بتفكيرٍ، وحرك رأسه بالموافقة على مضضٍ، عارضًا شروطه: بس تدوها أكل لحسن جعانه أوي!
أجابه يحيى ببسمة صغيرة: إحنا عنينا ليك وللحيوانات اللي تخصك.

وتابع بسخرية: جدك كان تخصصه الفيران وأنت دخلتنا في القطط معرفش نسل حمزة عايز مننا أيه!
ضحك عدي وأشار للصغار: يلا اخرجوا بها من هنا.
حملوها وركضوا بها لباب الخروج، فتراجعت آية بياسين للخلف وهي تصرخ بهلعٍ: لأ، لأ، مش من الباب ده!

تراجعوا للخلف فاتجهوا للباب الخارجي للمطبخ مثلما دلفوا منه غادروا، ابتلعت آية ريقها الجاف على مهلٍ، فهمس لها من يراقبها من هذا البعد القريب، المعاكس لطبيعتها بوجود أحدٌ: ممكن تسبيني بقى!
تطلعت إليه ببلاهةٍ وانطلقت نظرتها لجاكيته المحاصر ليدها، فحررته وهي تسترد ثباتها بخجلٍ، راقب عمر ملابس أبيه بصدمةٍ اتبعت اشارة يده: أعتقد إنك لازم تغير هدومك، لإنها بقت كلها زيت من الحلويات!

زوى حاجبيه بعدم فهم، فانتقلت نظراته ليد آية فوجدها ملطخة بالسمن البلدي، عاد عمر يهمس إليها بخوفٍ: إجري عند عدي هيحميكي!
توترت نظراتها الساكنة بعسلية عينيه الثابتة، فمنحها ابتسامة وهو يخبرها بصوته المغري: فداكِ ألف بدالة.
رمش يحيى بعينيه وتابع ببسمة ساخرة: فكك إننا في رمضان مدام لسه في حدود الأدب لكن الأولاد اللي حوليك دول وضعهم أيه؟!

واستطرد بسخطٍ: كفايا صدمة وجودك بالمطبخ ليهم، مش متعودين يشوفوك بوشك اللي مبيظهرش غير لآية هانم ده.
ردد عمر بضحكة واسعة: لا أخدين على كده من بدري.
وأشار بحنقٍ: ياسين الجارحي له معاملة ووش مع كل شخص على حداه، وبحمد ربنا إنه لطيف معايا.
ضحك يحيى وشاركه بتأكيد حديثه: فعلا معاك حق يا عمر، بس الأساس كله رايح لوالدتك.
خلع ياسين جاكيته، فوضعه جانبًا وهو يتساءل بنظرة خبيثة: أنت بتغير يا يحيى ولا أيه؟

تعالت ضحكاته وأشار لعدي بغرورٍ: قول لأبوك أنا مين؟
أتاه رده مرحبًا باستعانته به: الصديق الصدوق والمعاملة الخاصة كلها.
ضم شفتيه معًا وعدل من جاكيته بعنجهيةٍ: بيفهم.
ابتسم ياسين وأشار له: طب تعالى عايزك.
أومأ برأسه وخرجوا معًا، فاتبعهما عدي وكاد عمر باللحاق بهم فأوقفته آية مشيرة إليه: استنى يا عمر.
توقف محله واتبعها متسائلًا بمحبةٍ: أيوه يا حبيبتي!

منحته زجاجة من الحليبٍ، مشيرة له: اديهم يا ابني اللب ده عشان مشالش ذنبها.
تفحص ما يحمله وردد بمرحٍ: مفيش سمكتين بايتين بالمرة؟
صاحت بحدةٍ رافضة لسخريته: عمر!
هز رأسه في طاعةٍ: حاضر، هوصلها ليهم وبنفسي!

صعد الشباب لسيارتهم، وتحركوا مستهدفين الأماكن المخصصة بالطبقات الفقيرة، فتفرقت السيارات عن بعضها البعض، في سبيل تغطية أكثر من مكانٍ، فقادت آسيل سيارة أحمد وتوقفت به بزقاق احدى الحارات الشعبية، فهبط وفتح صندوق سيارته الخارجي وبدأ بتوزيع الطعام على المساكين والفقراء حتى انتهى من الكمية بأكملها، فعاد للسيارة مجددًا فتحركت به آسيل مرددة بفرحة: أنا بستنى رمضان عشان توزيع الأكل اللي طنط آية بتعمله.

استند برأسه على المقعد وأجابها بصوته الرخيم: الاسبوع الجاي هيكون عليا الدور ووقتها هخليكي تشرفي على كل حاجة.
ابتسمت بسعادةٍ، فمال برأسه تجاهها وهو يراقبها بعشقٍ يلمع بحدقتيه، فهمس لها: بتمنى رمضان ده تتغيري فيه يا آسيل وتبطلي عادتك المعتادة.
تلون وجهها بحمرة الخجل، ورددت على استحياء: أنت ظالمني يا أحمد، رمضان اللي فات كان أويس لسه صغير ومن تعبي كنت بنام جمبه.

ضيق عينيه بنظرة شك ولم يستطيع منع كلماته المندفعة على لسانه: حبيبتي أنتي من قبل جوازنا وأنتي بتفطري من هنا وبتسافري لدنيا تانية من هنا، بحس انك بتتقتلي حرفيًا!
زمت شفتيها بحزن مصطنع: كده يا أحمد، بتظلمني الظلم ده واحنا في رمضان.
ابتسم وهو يتابعها بهيامٍ، فسحب نظراته عنها للجهة الاخرى هامسًا بغيظٍ: اللهم إني صائم!

إتجه رائد لأحد المَلاجئُ، فهبط عن السيارة واتبعته رانيا، حمل الكرتون وصعد بها للأعلى، فقضى عشر دقائق في الحديث مع المسؤول، فما أن تأكد من هويته وبما يحمله حتى استقبلوه بترحابٍ كبيرٍ، فهبط ليحمل باقي الكراتينُ، فابتسم حينما وجدها تحاول حمل إحدهم بمفردها لتعاونه، حملها عنها رائد وهو يشير لها بحنان: اقعدي في العربية يا حبيبتي أنا هنقلهم متقلقيش.

أجابته بخوفٍ لمع بمقلتيها: عشان متهبطش وأنت صايم، سبني أساعدك.
ضحك وهو يغمز لها: جوزك مش خرع متقلقيش.
منحته ابتسامة صغيرة وإتجهت لمقعدها تنتظره، حتى انضم لها فتحرك بها للقصر، أمسكت رانيا يده مرددة بلهفة: أقف يا رائد.
أوقف سيارته باستغرابٍ، فأشارت له تجاه أحد الباعة مرددة: عايزة عرق سوس وتمر.
تابع ما تشير إليه وعاد ليتمعن بتطلعه إليها متسائلًا بدهشةٍ: ما ماما عاملة بالبيت!

أشارت له برجاءٍ: أنا عايزة من ده بيكونله طعم تاني.
منحها ابتسامة صغيرة، وصف سيارته جانبًا وهو يردد: عيوني حاضر.

تعجبت حينما فتح صندوق السيارة مجددًا، وتبدلت ملامحها لبسمة خافتة حينما وجدته يدنو من البائع ليقدم إليه أحد الواجبات، ومع اصرار الرجل بعدم قبول المال مقابل ما اشتراه منه ازداد إصرار رائد بدفعه لثمن ما اشتراه، مطبطبًا بيده على ظهر العجوز وهو يمنحه بسمة واسعة، وعاد إليها بما يحمله، فالتقطت الأكياس مرددة بدهشةٍ: أيه كل ده؟

أجابها وهو يحرر مقود السيارة: لو حد في البيت حابب يجرب من بره مع إن ده هيعرضني لمخالفة من ماما بس كله يهون عشان عيونك يا جميل!
تعالت ضحكاتها وقالت بعشقٍ: أنا بحبك على فكرة.
غمز لها مؤكدًا بغرور ورثه عن أبيه: قولي حاجة معرفهاش!

وقف معتز بالسيارة الكبيرة التي تحوي كميات هائلة من الكراتينُ، فهبط حازم ومازن وجاسم وبدأوا بتوزيع محتوياتها لمدة طالت لنصف ساعة كاملة، استدار حازم تجاه الرصيف فلمعت عينيه بالدمع حينما وجد فتاة صغيرة تجلس دون حذاء وبملابسٍ ممزقة، لم يستطيع اخفاء تلك الدمعة، ومع ذلك أزاحها راسمًا ابتسامة صغيرة وهو يسألها: أنتي اسمك أيه يا حبيبتي؟
أجابته الصغيرة بخوفٍ: اسمي أشرقت.

ابتسامته لم تتركه وهو يتابع: اسمك جميل أوي.
وعاد ليتساءل باهتمامٍ: انتي في المدرسة؟
هزت رأسها نافية، فتأثر بحديثها وتابع وهو يتفحص الزقاق بعينيه: بيتك هنا؟
أومأت برأسها بخفوتٍ، فأمسك يدها وهو يحثها على الخطى: طب وريهوني.
شعرت بالبداية بالتوترٍ، فانحنى حازم لمستواها وهو يمرر يده على خصلات شعرها بحنانٍ: متخافيش أنا عايز أعرف عنوانكم عشان أبعتلك لبس ولعب كتير.

تهللت أساريرها فاحتضنها بتأثرٍ، والدمع مازال يتهاوى بمقلتيه، فاستقام بوقفته واتبعها حتى يعرف طريق منزلها ليتوالى رعايتها على نفقته الخاصة منذ تلك اللحظة.

استغل ياسين آذان المغرب الذي غمر الأجواء برائعة صوت المأذون، فاتجه بسيارته أمام أحد المساجد، وهبط مسرعًا ليجذب العصائر والواجبات، فكادت أن تختل الكرتون منه فأسرعت مليكة لمساندته دون تردد بالرغم من تحذيره المسبق لها بالبقاء بالسيارة لوقوفه أمام مدخل المسجد الرجالي، أسبلت بعينيها بتوترٍ من ضيقه منها، ولكنها وجدته يمنحها ابتسامة صغيرة، وأشار بيده: خليكي هنا.

هزت رأسها متفهمة وراقبته وهو يسرع لمدخل المسجد، فوزع ما بيده بمحبةٍ كبيرةٍ، حتى انتهى مما يحمله فقال: خليكي في العربية، أنا هصلي وراجع على طول.
أومأت برأسها بخفة، وعادت للسيارة تنتظر رجوعه، وما أن عاد إليها حتى توجهوا معًا للقصر.

تعاونت الفتيات على حمل أطباق الطعام للسفرة، فسكبت رحمة أكواب العصائر، ووزعت نور وآسيل الاطباق قبالة الشباب، فقامت يارا وملك بتوزيع الطعام، والمياه، وجلسوا جميعًا جوار بعضهما البعض، بانتظار عودة الباقية، وكان أخرهما ياسين ومليكة، تجرع الصغار المياه بعد تردد دعواتهم الخالصة بتلك الساعة المستحبة من كسر الصيام، وبدأوا بتناول الطعام معًا، تجرع حازم زجاجة كاملة من المياه، فصاح به حمزة بغضبٍ: كفايا مية أيه بتسقي زرع!

وضع الزجاجة عن يده فارغة، وأشار لاخيه أن يناوله زجاجة أخرى مرددًا بأنفاسٍ لاهثة: عطشان، عطشان يا عم الحاج.
جذب أحمد الزجاجة وألقاها إليه، فصاحت به نسرين بصدمة: متدلوش مية يا أحمد!
أشار لها ساخرًا: على أساس إني اللي بتحايل عليه يشرب!
سحب منه عز المياه مغمغمًا بحدة: يا أخي كفايا إنت مفطوم جديد!
مرر يده على بطنه بتعبٍ: عطشان يا عمي.

ونهض عن المقعد في محاولةٍ للتماسك بوقفته، وفسقط عليه بإهمالٍ وأخذ يراقب بطنه المنتفخ بصدمةٍ، فحرر لسانه المرهق قائلًا: جماعة في سمك بيلعب جوه!
وحاول الوقوف مجددًا، فعاد لمقعده وهو يؤكد: صدقوني في شيء بيتحرك مع المية وأنا لسه مكلتش!
تعالت ضحكات تالين وشاركتها الفتيات، فقالت داليا: متقلقش كل دي أعراض طبيعية بعد الازازتين اللي بلبعتهم.
بينما أردف جاسم بسخطٍ: العيال الصغيرين مبيعملوش عمايلك!

ردد يحيى بحزمٍ لا يليق به: كفايا كلام على الأكل، كملوا فطاركم عشان نجهز للتَّرَاوِيح.
بحثت نور بين أصناف الطعام، وتساءلت باستغرابٍ: فين القطايف؟
أشار لها رعد بدهشة: مش لما تخلصي أكل الأول يا بنتي!
نهضت عن الطاولةٍ واتجهت للبوفيه الجانبي، جذبت غايتها وعادت تجيبه وهي تقضم قطعتها: مهو ده أكل بردو يا باشا.
وناولت قطعة لآسيل التي التهمتها مرددة بتأكيدٍ: أحسن ما نشبع ومنلحقش نحلي.

وزعت رحمة نظراتها بين أصناف الطعام بنفورٍ جاهدته، فانقضى وقتًا لم تذق به الا عصيرها، مال عليها عدي ليتساءل بلهفة: مبتكليش ليه؟
منحته بسمة صغيرة وهي تجيبه: بأكل أهو.
زوى حاجبيه بضيقٍ من خداعها القصير إليه، فتركت ملعقتها باستسلامٍ ومالت لكتفيه تخبره: حاسة إني لو أكلت هتعب.
وتابعت بخجل: عايزة أكل حاجة تانية.
تساءل باهتمامٍ: زي أيه؟
أخفت ابتسامتها وهي تجيبه بصدقٍ: معرفش!

تركت شروق الطاولة وأسرعت لفتح السماعات والأغلب يتابعون ما تفعله باهتمامٍ، فرفعت من صوت المذياع والابتسامة تعلو ثغرها فشاركتها الفتيات الغناء بفرحة غمرت قلوب الأزواج، وخاصة ياسين الجارحي الذي يتكأ بيديه على الطاولةٍ مستمتعًا برؤيتهن
«مرحب شهر الصوم مرحب لياليك عادت في أمان
بعد انتظارنا و شوقنا إليك جيت يا رمضان
مرحب بقدومك يا رمضان ونعيش ونصومك يا رمضان
بعد انتظارنا و شوقنا إليك جيت يارمضان.

زيك مفيش بين الأيام كلك حسانات
بيزيد معاك نور الإسلام فضل و بركات
لياليك محلاها يا رمضان و يا محلي بهاها يارمضان
بعد انتظارنا و شوقنا إليك جيت يا رمضان
مرحب شهر الصوم مرحب لياليك عادت في أمان
بعد انتظارنا و شوقنا إليك جيت يا رمضان
مرحب بقدومك يا رمضان ونعيش ونصومك يا رمضان
بعد انتظارنا و شوقنا إليك جيت يارمضان».

الابتسامة لم تفارق الافواه، رؤيتهن بتلك السعادة تنير القصر فرحةٍ، وخاصة بمشاركة الصغار، مازال المذياع يردد أغانيه المرحبة بالشهر الفضيل، والشباب يقومون بواجبهم على أكمل وجه بحمل الأطباق للمطبخ ومعاونة الفتيات على التنظيف خلف الأطفال وما تركوه من خلفهم، جذب عمر أطباق الحلويات ووزعها عليهم جميعًا، بينما قامت مروج بغسيل الاطباق في حين الانتهاء غسالة الأطباق مما داخلها، جلسوا لنصف ساعة وسرعان ما حمل الشباب سجادتهم مسرعين لتأديةٍ صلاة التَّرَاوِيح، أوقفت ملك الشباب قائلة: انتوا نسيتوا اتفاقنا في رمضان ولا أيه؟

تطلعوا جميعًا لبعضهم البعض، ليقطع صمتهم عدي: لا ازاي منسناش، هنبدأ من عند ياسين.
تأفف ياسين بضيقٍ: اشمعنا ياسين، أنا حابب أصلي أول يوم بالمسجد.
أجابه عمر: يا ابني كل واحد له دور، كلنا هيجي علينا يوم نأم بيهم التراويح.
ابتسم أحمد وهو يراقب تذمر ياسين، فتدخل قائلًا: خلاص روح أنت يا ياسين وأنا اللي هبدأ.
ابتسمت تالين وضمته لصدرها مرددة: حبيب قلبي ربنا يباركلنا فيك.
ردد حمزة بسخطٍ: الابن البائس المضحي.

وهبط للاسفل وهو يشير لابنه بتأففٍ: هأخدك معايا السنادي بس وربي لو عملت أي حركة كده ولا كده هرجعك البيت، ده بيت ربنا مش الملاهي!
ربتت نسرين على ظهر الصغير، وأخبرته: لا يا حازم أنا شرحتله وهو بقى فاهم مش هيعمل زي السنة اللي فاتت.
أشار له بالخروج هامسًا بتهكمٍ: لما نشوف!
أمسك يحيى ذراع أبيه ياسين، بينما اتجه ياسين لعدي فحاوطه بذراعه واتجه به للخارج، تابعتهما رحمة ببسمة رقيقة حتى خرجوا جميعًا من المنزل.

وقف بهن أحمد إمامًا، يتلو القرآن بصوته الخاشع المقشعر للأبدان، ومن خلفه تقف آية دينا شذا يارا ملك تالين، ومن خلفهن تقف الفتيات الأصغر سنًا آسيل، رحمة، نور، داليا، رانيا، نسرين، مروج، شروق، ومن خلفهن الأصغر، مريم، ليان، رحمة، وباقي الفتيات، انتهت صلاتهن من خلفه وتفرق الجمع، كلا منهن تلجئ لواردها اليومي، حتى عاد الشباب بصحبة ياسين ويحيى ورعد، فصعد كلا منهم لغرفته للتلاوة، بحث أحمد بعينيه عنها بين الفتيات، فاقتربت منه نور لتشير له بضحك: آسيل مقلوبة على الكنبة اللي هناك من بعد التراويح. المفروض تحفظ مكانها كل رمضان!

استدار تجاه ما تشير إليه، فانكمشت تعابيره بصدمةٍ، ليجتازه صوت جاسم الغاضب: رمضان اللي فات دهري اتقطم بسببها، رمضان ده بقى تغضب عليها وتسيبها وتطلع مش هنقلها من مكانها.
هز رأسه ساخطًا: أختك بتعوض نوم السنة كله في رمضان!
تعالت ضحكات رانيا، فقدمت لهم ما بيدها مردفة: في بنات كده بعد الصيام والأكل بتتقلب مكانها. متزعلش يا أحمد خد كنافة خد.

حمل أحمد الطبق منها ثم ناوله لجاسم بعدما تناول قطعة صغيرة، ليخبره بحنقٍ: بفكر أطلق اختك في رمضان وأبقى أردها بعد العيد!
جذب جاسم قطعة من الكنافة ليؤكد له بتحذير: تطلق، تخلع ماليش فيه شيل مش هشيل!

وتركه وصعد للأعلى، فدنا منه حازم ليمنحه نظرة مستحقرة جابته من رأسه لأخمص قدميه واتبعه قوله الحازم: أخص عليك، أخص، الناس كلها بتيجي في رمضان تتوب وتعقل وأنت حالك بيتشقلب مع إنك في الطبيعي ملاك، تهون عليك مراتك ترميها بعد العمر ده إكمنها دماغها تقيل بعد الفطار حبتين؟
منحه نظرة مشككة، فحانت منه نظرة جانبيه للاريكة وعاد ليعدل من حديثه: حبيتين تلاتة، فيها أيه اما تستحملها لحد العيد فيها أيه؟

أتى عمر من خلفه يلكزه بمرحٍ: باركاتك يا شيخ حازم، فتح الله عليك يا ابني والله.
وأشار لاحمد وهو يصعد الدرج لجناحه: شيل يا أحمد شيل، حتى تهضم الأكل!
صعد عدي من خلفه بصحبة ابنته التي يحملها بين ذراعيه يراقبها بالاسدال المشابه لما ترتديه زوجته، فأشار بوجهه لأحمد: عديها ده أحنا في أول يوم!
رد عليه بنفور: مش أول يوم بس دي هتفضل كده ال30يوم!
ربت رائد الصاعد من خلف عدي على كتفه يحمسه: عاش يا بطل عاش.

منحهما نظرة ساخطة، قبل أن يتجه إليها فحملها لصدره وإتجه للمصعد، فما أن ولج حتى وزع نظراته عليها مرددًا بسخرية: ده وعدك ليا!

ساد القصر هدوءًا، إنقطع مع اقتراب موعد آذان الفجر، هبطت آية بصحبة رحمة ونور للأسفل، ليصنعوا السحور، فما أن انتهوا حتى أشارت آية لنور: روحي يا بنتي شوفي حد من الشباب صحي بره كده يصحي الباقي.
اشارت باصبعها لعينيها: عيوني.
خرجت نور تبحث بالصالون عن أحدهم، حتى استقرت نظراتها على حازم المشغول بتأمل هاتفه، فنادته قائلة: حازم تعالى كلم ماما آية.

أبعد الهاتف عنه وهو يردد بنومٍ: عايزين مني أيه تاني، أنا كنت طالع أنام.
اتاه صوت آية من خلفها: اطلع يا حازم صحي الشباب يتسحروا قبل ما يروحوا المسجد.
ضيق عينيه بتفكيرٍ: ودول هصحيهم ازاي دول؟
واحتضن بيده فكه يفكر في حل بتلك المعضلة بعدما فشل بالوصول إليهم عبر الهاتف، ففرقع أصابعه وهو يردد ببسمةٍ واسعة: لقيتها!

بالطابق الثاني حيث يعم الهدوء والسكينة، انطلق صوت صاخب يصدر عن مفتاح معدني ضخم باحتكاكه باحدى الاواني المعدنية، ومن خلفه صوتًا يعرفه الجميع يصدح بغلظة: اصحى يا نايم، واحد الدايم رمضان كريم...
وتابع بصوت جمهوري: يا أهل الجوارحه قوموا الفجر قرب يأذن.
وعاد ليصرخ تلك المرةٍ بصوت صاخب جعل جميع الاضواء تنير بالغرف: رمضان كريم!

انفتحت الأبواب وخرجت الأعين المشتعلة بغضبٍ سيفتك به لا محالة، وخاصة حينما اجتمع الشباب أمام أبواب الغرف ونظراتهم تحيط به بجموحٍ!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة