قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية لن يشفى الجرح للكاتبة شاهندة الفصل العشرون

رواية لن يشفى الجرح للكاتبة شاهندة الفصل العشرون

رواية لن يشفى الجرح للكاتبة شاهندة الفصل العشرون

كان لابد أن أكذب، أن أزيف الحقيقة التي من شأنها أن تفرقنا، كررتها كثيرا أمام نفسي حتى أصدقها، وحين أصدقها أستطيع قولها بكل ثقة!
البلاء في حقيقتي ضال، سيحوم على كل شيء بدون هوادة، إلا أن يستقر على خذلان ينهار على إثره كل شيء، وينكشف كل شيء!

عاد الزعيم و عشيرته إلى المخيم وقال بصوت عال: أيها القوم. هناك أمرا يجب أن أخبركم به! كنت أنوى أن أؤجله قليلا حتى تخف أحزاننا بعض الشيء ولكن الظروف تجبرني على كسر الحداد فقد تجاوزت (إيستاف) الحدود مجددا وأصبحت متمردة بشكل يفوق التصور، إنها تتطاول في حضرتنا، يومها أمسكت السلاح ودخلت بين الرجال تقاتل متناسية كونها إمرأة، ونساء عشيرتنا مقدسات، وقبلها إستفزت الجنرال بكلامها فتسببت بهجومهم على مخيمنا.

وموت الكثير من أبنائه.
والآن بعد أن أصبحت جامحة علينا الإمساك بلجامها. وهذا ما سأفعله.
قاطعته (إيستاف)بحنق: أتظنني جوادا لتمسك لجامه إذا جمح أيها الزعيم!؟
طالعها (سيرجيو)بغضب ثم أردف قائلا: أرأيتم كيف تجيب زعيمكم؟ أرأيتم جرأتها؟

حسنا لقد آن الأوان ليكون ل(إيستاف)زوج يروضها، لا أحد منكم يعلم، ولكنني طلبت يدها من العزيز (بارتولوميو) وقد وافق مؤجلا الزواج لبعد إنتهاء دراستها في مدرسة الدير ولكن ماحدث غير كل خططنا سويا. سنتزوج ليلة الغد. عند إكتمال القمر ليكون زواجنا مباركا من الآلهة.
ما الذي يحدث هنا أيها الزعيم؟

تهللت أسارير (إيستاف)حين سمعت صوت عرابتها بينما أفسح الجميع الطريق ل(لويندا)التي أتت تتمهل في خطواتها تضرب بعصاها الأرض وتطالع الزعيم (سيرجيو) بثبات.
اقتربت منه وقالت بحدة: ما إن آويت إلى خيمتي لأرتاح قليلا حتى دعيت الجميع لإجتماع طارئ، ترى لماذا لم ترغب بتواجدي أيها الزعيم؟
أصابه الإضطراب ليقول بإرتباك: لم أنتبه لعدم وجودك يا(لويندا)، ها قد أتيت، لا تقلقي لم تفوتي الكثير.

اشارت بيدها قائلة بحزم: وما هو الشيء الذي لم يفتني أيها الزعيم؟
تنحنح (سيرجيو)قائلا بتوتر: احم. حسنا. أين كنت؟ نعم. لقد كنت أخبر الجمع أنني قد طلبت يد (إيستاف) من (بارتولوميو) و وافق لذا سأتزوجها ليلة الغد عند اكتمال القمر.
رمقته (لويندا)بنظرة نفذت إلى روحه جعلته يشعر بالخوف من أن تفضح كذبته وإن فعلت فلن يكن له القوم احتراما ولن يصدقوه بعد الآن.

تعلقت عيناه بثغرها وهي تقول بحزم: لن تتزوج( إيستاف) دون إرادتها، حتى وإن كانت رغبة والدها، فالزواج رابطة روحية تربط روحين، لنستمع إلى رأي صاحبة الشأن!
القدر نافذ! والحقائق المشوهة لن تكون الحاكمة بالمصائر! سينقشع الغمام عما قريب.
ظهر الغضب على ملامحه بعد أن شعر بالإرتياح لإنها لم تكشفه ولكن تصريحها أشعل نيران غضبه بالكامل. ليقول بحدة:.

(إيستاف) مازالت صغيرة. لا تدرك مصلحتها بعد، عندما نتزوج ستدرك مسؤولياتها.
أنني أحتاج إلى زوجة وهي تحتاج إلى ولي يرشدها إلى الصواب.
قالت (لويندا): الصواب...
قاطعها هادرا: لا اعتراضات! أنا زعيم القبيلة ولا كلمة بعد كلمتي، غدا سيكون الإحتفال بزواجي على (إيستاف)فلتستعد العشيرة لليلة لن تنسى.

سأجبرك أيها الطائر أن تحط على شرفتي.
كل يوم.
وقبل الأصيل...
سأجبرك أن تدخل القفص الذي أعددته لك.
بإرادتك.
وحين أطلقك لتحلق بحرية.
سأقص جناحك.
فتحوم حولي. وتحط مكرها.
بإرادتك!
أغمض (جيوم)عيناه، يدرك أنه مقدم على فعل خطأ كبير و ليكن الرب في عونه، فهو مجبر على فعل هذا الخطأ، بإرادته!

فتح عيناه وقد أصبحت خالية من التعبير، جامدتان بلا حياة وهو يأمر رجاله بعبور النهر مع عمل جسور سريعة وغطاء جوي شامل مما منحهم الأفضلية، وصلوا إلى الجهة الأخرى وقاتلوا بشراسة في عملية إستمرت قرابة الساعتين، ورغم بسالة الدفاع إلا أن الإسبانيون إضطروا للإستسلام في آخر الأمر، فخسائرهم فادحة وقتلاهم بالمئات.

حين أعلنت القوات الإسبانية إنسحابها، دخل (جيوم) وجنوده إلى المدينة فقال: لا تؤذوا أحدا أخرجوهم فحسب! وإذا أردتم إرهابهم أطلقوا النار بالهواء. لا عليهم!
تم الإخلاء، ولأول مرة لم يقتل ضعيف نتيجة صراع التوسع، رفعت راية فرنسا عاليا وقف (جيوم ) بحسرة يحملق فيها.
لم يعد يفرق عن أبيه شيئا. صار قاتلا. مغتصبا لأرض غيره لا يأبه لمصير أولئك الأبرياء.

سيظل هذا الإنتصار المقيت نقطة سوداء في حياته لن تمحيها الإبتهالات ولا الصلوات، لكنها كانت التضحية الذي أجبر عليها بإرادته من أجل حبه. الذي ربما ستكون سببا أيضا في خسارته إياه.
عاد إلى الثكنة مطأطيء الرأس، مثقل البال، ينتابه حزن عظيم بينما يتهافت عليه الجميع من أجل تهنئته بنصره.
حمل السلاح ليس دليلا على القوة. فكم من نفوس ضعيفة تحملها. وكم من نفوس قوية فازت بحروب دون إراقة نقطة دماء بريئة...

تدعون الدفاع عن عقيدتكم. وطنكم. نفوسكم.
الرب برئ من إدعاءاتكم. فهو يأمر بالحب لا القتل. هو قادر على أن يحافظ على عقيدته
أما الوطن والنفس. فلا تدعون الفضيلة. لم يهاجمكم الأعداء في دياركم جاثمين. بل أنتم من تفعلون.
دخل إلى خيمته بسرعة كان يشعر بالإختناق كان يشعر أنه لم يعد هو، هناك شيء تغير به. هناك شيئ انكسر، ليجلس أمام مكتبه يضع رأسه على يديه المضمومتين يفكر في كل الدماء التي أهدرت اليوم، بقيادته!

دلف (ليو) إلى الخيمة قائلا: سيدي! هناك رسالة من أجلك.
لم يرفع (جيوم)رأسه وقال بلا مبالاة: إن كانت من أبي يهنئني بالإنتصار فدعها هنا. سأقرأها لاحقا!
قال (ليو): إنها رسالة من صديقك (بيير).
هب (جيوم)واقفا وأخذ منه الرسالة وفضها مشيرا له بالإنصراف لينصرف (ليو) وعيني (جيوم) تجرى على كلمات الرسالة و تتسع بصدمة، كانت كلمات مختصرة ولكنها تحمل في طياتها نبأ مفجع...

حفل زفاف (إيستاف)على زعيم العشيرة بالغد. عد سريعا
ليطوى الورقة وعيناه تلتمع غضبا
الفراق مؤلم. يترك في النفس أثرا لا يمحى
إن كان فراقا للأبد.
إن كان من فارقنا هو قطعة من روحنا.
نحمل ذكريات سعيدة معه.
حين كانت تتشابك أصابعنا مع أصابعه
حين كان يجمعنا الحب. الاهتمام...
حين جمعتنا الأحاديث المسائية.
وقتها الفراق يترك لنا جرحا غائرا.
لن يشفى!

كانت (إيستاف) تحوم غاضبة منكسرة وقالت: لا أصدق مزاعمه! من المستحيل ان يواقق أبي على تلك الزيجة دون أن يخبرني.
والتفتت إلى (لاتويا) وأردفت: أليس كذلك؟
أومأت (لاتويا) بإيجاب ودموعها تغرق وجنتيها كانت تتساءل بحنق عن (لولان)الغائبة.
بينما استطردت (إيستاف) وهي تنظر إلى الأمام قائلة: أثق بأبي! هو لم يرغمني على شيء طيلة حياتي، فكيف يرغمني الآن على الزواج! ومن الزعيم.! لالالالا. لن يفعلها. مستحيل!

اقتربت منها(لويندا) وجلست مقابلة لها تمسك كتفيها وهي تنظر إلى عينيها بثبات قائلة بصلابة:
ياإبنة الروم، ياسليلة فخر الغجر وروح قبيلتنا النقية! لن تضعفي الآن وقد شارفت دائرة قدرك على الإكتمال! لن تيأسي وفي قلبك نبضة تخفق، تخبرك بأنك قوية وأنك خلقت من أجل هدف أسمى ولن يحول بينك وبين ماخلقت له أي شيء...
إن دربك مليءبالعثرات، ولكن في نهايته نور. النور للعشيرة و ل(ييفيا).

حين يشتد خوفك وتبحثين عن يد دافئة تطمئنك أن كل شيء سيكون على مايرام، إمسكي بيدك الأخرى وشدي عليها بقوة، ستشعرين بالألفة في وحدتك!
سيزول الألم كالمرارة التي تختفي بعد شربة ماء.
سترحل هذه الأيام الثقيلة.
سترتاح الأرض من هذا العبء.
بعد أن ترحل هذه الأمطار.
يبتسم الشتاء إلى الربيع.
الربيع الذي بدأ فيه كل شيء،
سينتهي معه كل شيء!

تأملتها (إيستاف )للحظات قبل أن تعود إلى عيناها القوة ويرتسم على ملامحها التصميم وهي تنهض قائلة بحزم: هيا (لاتويا) ساعديني في إرتداء ملابسي، لدي الليلة إحتفال، إحتفال بالقدر، لنرى ماسيخبئه لي!
نظرت (لاتويا) إلى(أرانزا) في حيرة ولكن إيماءة(لويندا)لهما جعلتهما يسرعان بتزيين العروس. من أجل ليلة زفافها.
ذاك الحب الذي يحمله قلبي من أجلك، هو الشيء الوحيد الذي يجعل من إجباري إرادة.

كان (جيوم) ساهما يفكر بما ستؤول إليه الأمور، ثم التفت إلى أصدقائه وقال.
هل يعرف كل منكم دوره؟
أومأوا برؤوسهم جميعا لتلتمع عيناه بقوة وقال: إذا هيا بنا. ولنجعلها ليلة لن تنسى!
إقتحمت (لولان) الساحة حيث يقام العرس صارخة: ياقوم! هناك وراء الأشجار رأيت ملثمين، توخوا الحذر، ربما يريدون بنا سوءا، إنها عادتهم يخربون حفلاتنا!

ليعقد (سيرجيو)حاجبيه وتأهب الجميع، يمسكون أسلحتهم بينما أمر الزعيم من رجلان حراسة خيمة (إيستاف) و يهرعون حيث أشارت ( لولان) وهي معهم توجههم.
بينما كان هناك ملثمان يتسللان إلى خيمة العروس. وفي أعينهم ظهرت لمعة الإنتصار.
فى خيمة العروس...

كانت (إيستاف)تبدو كملكة متوجة في ثوب زفافها الأحمر الحريري المرصع بالأحجار وقد ارتدت مجوهراتها وأساورها وتكحلت و رفعت شعرها مما زاد من جمالها، لتضع لها (لاتويا) اكليلا من الزهور زين شعرها الفحمي الجميل، نزلت دموعها فالزهور تذكرها ب(جيوم)واللقب الذي أطلقه عليها(زهرة برية) كان وكانت. حتى الليلة!

تدرك أن ذكرياتها معه لن تنسى، وتدرك أنها ربما ستصبح لغيره. ل (سيرجيو)! ولكنه أبدا لن ينالها، فهي قوية بما يكفي لتصده عنها، فقلبها هو ملك لرجل واحد. نعم هو ليس من قسمتها ولكن روحها له ولن تسلم روحها لسواه...
مسحت دمعتها وانتفضت على صوت جلبة بالخارج، لتقول(لاتويا) بجزع:
ماذا هناك؟
قالت (لويندا): تعالي معي(لاتويا) لنتكتشف ما الأمر!

كادت (إيستاف )أن تذهب معهما لتوقفها (لويندا)قائلة: إنتظري هنا! فمن الفأل السيء أن تري عريسك قبل أن يحين الوقت لقرانكما!
غادرتا بينما قالت (إيستاف) بحنق: قد أخرج خصيصا من أجل جلب الفال السيء لهذا القران المشئوم. وأجعلها ليلة النحس عليه.
إنتفضت بشدة حين وضعت يد قوية لرجل على فمها تحمل منديلا به رائحة نفاثة. هامسا:
لاتتعجلى يازهرتى. فهي ليلة لن ننساها جميعا، ستتبدل فيها جميع الحظوظ!

إتسعت عيناها وهي تتعرف على صوته قبل أن تسقط بين يديه فاقدة الوعي، فحملها بسرعة وخرج من الخيمة قائلا للرجل الذي ينتظره بخارجها:
لقد تمت المهمة بنجاح، هيا يا(بيير) أمنا لي الطريق أنت و (ميغيل). فلم يعد لدينا وقت!
أومأ (بيير) برأسه قائلا: اتبعني يا(جيوم). من هنا!
ثم أسرع يتبعه (جيوم)الذي يحمل فتاته بين يديه من أجل خلاصها وخلاصه!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة