قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية لن يشفى الجرح للكاتبة شاهندة الفصل السادس عشر

رواية لن يشفى الجرح للكاتبة شاهندة الفصل السادس عشر

رواية لن يشفى الجرح للكاتبة شاهندة الفصل السادس عشر

الفقد! هو تلك الغرفة المغلقة، المتربة التي تتراكم فيها ذكريات مؤلمة، ضحكات تراها على كل الوجوه. صوت يلازم أذناك كلعنة. حزن عظيم كلما استنشقت عطرا يشبه عطره.
الفقد هو (روزاليندا)! والحزن على فقدانها كان جرحا غائرا لن يندمل...
في خيمة الأحزان، اجتمعت النسوة على جثتها
التي تقوم ( لويندا و أرانزا ) بتغسيلها وتطييبها
والبقية بين نواح وبكاء.

كانت ( إيستاف) تقف مع صديقتيها كتماثيل جامدة، ألجمتهمن الصدمة من موتها، فقد كانت صباحا معهن يتبادلن أطراف الحديث،
وفجأة هاهي ترقد بلا روح أمامهن.
ماتبقي من هذه الليلة كان مريرا جدا، ومع شروق الشمس وانفصال الليل عن النهار، إجتمعوا حول النار المقدسة من أجل توديع فقيدتهم وأداء مراسم تأبينها...
كانت مراسم خلاص موتاهم تتمثل في تحليل الجسد في قوى الطبيعة( النار، الماء، التراب)
مع ترتيل صلواتهم من أجلها.

في حفرة عميقة بالمقبرة التي أنشأوها بطرف الغابة التي كانت ( روزاليندا) أول من يدفن بها
أنزلوا جثتها هناك وهي في كامل زينتها ومكللة بالزهور، وضعوا فوقها بعض الخشب الجاف وقام أخاها وأباها بإشعال النار المقدسة ليتحول
جسدها إلى رماد، وبعدها يثبت بالماء على التراب إلى الأبد، ومن ثم يعيدون ردم الحفرة بالتراب لترقد روحها المغدورة بسلام.

الكيان الذي يقوم عليه( الروم )يجعلهم رجل واحدا وقلبا واحدا، حين يصيبهم الألم يتألمون بقلب واحد، وهكذا كانت فاجعتهم، بكوا (روزاليندا) كما لم يبكوا أحد من قبل، خيم عليهم حزن شديد لميتتها، أغرقوا قبرها بالماء والورود البيضاء وودعوها واحد تلو الآخر...

وقفت ( إيستاف) أمام قبرها صامتة لثوان، حتى دموعها عجزت عن النزول لربما خففت من وجعها، كانت تحمل بيدها وردة بيضاء أيضا واصلت التحديق بها وهي غارقة في ألمها، كان يمكن أن يصيبها ما أصابها. كانت لتكون الآن بجانبها. أغمضت عيناها بعنف ثم همست: أقسم لك , ستحرقهم نار غضبي!
وداعا(روزا)، لترقد روحك الطاهرة بسلام
غادرتها وهي لاتزال تمسك بتلك الوردة، كأنها تريد أن تجعل منها الهدف الذي يدفعها لأخذ حقها!

في الكنيسة...
وقف الأب (فابيان) أمام المذبح، وتابوت الشاب المغدور على يمينه، كان سكان البلدة جميعهم
حاضرين لتوديعه، ليقول الأب في مواساة: الموت يا أحبائي، الكرم الخفي الذي نجهل جوهره، لعظمته يخلف ألما شديدا، ألما لا يشبهه شيء، كرم عظيم! لعظمته يقف الأهل على راحة يد واحدة، يؤزرون بعضهم في مصابهم، يقفون متسامحين يذكرون خصال فقيدهم، الموت كرم عظيم، حين يخلص الأجساد من الألم الدنيوي...

لا تكرهوا الموت، الموت هو بداية النعيم، ولا تخافوا الموت هو سر الخلاص من الوجود الأزلي.
لترقد روحه الطاهرة بسلام!
باركه الأب، وسار الحشد لدفنه حسب طقوسهم ومعتقداتهم...
بعد الدفن توجهوا عائدين إلى البلدة كحال الغجر إلى مخيمهم، تقاطعت طريقهم ليقف الجمعان يتقدمهما كل من الأب ( فابيان) والزعيم (سيرجيو)...

هبت العائلتان لتلوم كل منهما الأخرى ليقول الأب في غضب: كفى! الزموا الصمت جميعا! أتى هذا الموت الغادر ليعرفكم من عدوكم الحقيقي، الإثنان وقعا في الحب، والحب ليس خطيئة، ما حدث لهما هو الخطيئة، الخطيئة التي لا رحمة فيها.
ألمكم واحد! وعدوكم واحد! والعين بالعين وهم أظلم!

سكت الأب ليقول الزعيم: المرة الماضية لم نشاركم إنقلابكم لطردهم من (ييفيا) ربما هذا عقابنا، لأنها أكرمتنا ولم نكرمها كما ينبغي، أما الآن أمد يدي.
وبسط يده أمام الجميع مستطردا: أقسم أنني سأسترد حق المغدورة.
كل صرخة صرختها. كل إرتعاشة خوف. كل دمعة ذرفتها. لكل صفعة. لكل لكمة. لكل، لكل،! لكل شيء عاشته، سيدفعون ثمنه غاليا
اللعنة التي ستصيبهم لن ترفع عنهم مهما صلوا!

أمسك الأب( فابيان) بيده وقال: ليباركنا الرب!
. عزة الثأر والانتقام جعلتهم يتوحدون، ساروا
معا إلى مخيم الغجر فدخلوه والتفوا جميعهم حول( سيرجيو) ليقول: لدينا من القوة ما سيرهبهم، من أراد الإنضمام إلينا فمرحب به، ولا أخفيكم أمرا مانحن بصدد القيام به خطيرا جدا، يحتاج إلى قلب ميت، ستكون صفعة بصفعة، ورصاصة برصاصة. والعين بالعين!

ثم سكت عن كلامه ليتقدم نحوه مجموعة كبيرة من الشباب ورجال في منتصف العمر، فالحزن الذي كان يسيطر عليهم تحول إلى عزيمة قوية، الدفاع عن كرامتهم، وأرضهم، الآن أصبحوا أكثر قوة وقسوة.
في مخيم الإسبان...
كان (سلفادور) يشرف على تدريب أبناء (ييفيا).

الذين إختطفهم وجندهم إجباريا، اقترب منه أحد الجنود يسلمه خطابا الذي استبين من ختمه أنه من شريف البلدة، فضه وبدأ في قراءته ليشدد على قبضته وقد تلون وجهه غضبا، التفت ناح جنديه وقال:
لتمتثل جميع الكتائب في الساحة. الآن!
صدح المعسكر بصوت جرس التجمع وماهي إلى دقائق حتى تجمعت الكتائب بمختلف رتبها
في ساحة المعسكر بإستعداد ينتظرون أوامر قائدهم، توجه نحوهم واعتلى مسطبة سارية العلم وقال بصوت غاضب مرتفع:.

العين بالعين! وهذا ما نحن متواجدون هنا من أجله، فرنسا تزحف داخل أراضينا، فأقمنا معسكرنا هذا لمنع وصول المدد إليهم! العين بالعين وهم من بدأوا، أحبطنا هجومهم الأخير وضربنا قائدهم بأرضه وهذا ماسيذكره التاريخ عنا لتفتخر به أجيالنا القادمة.

نزل من موقعه وراح يسير بينهم وأردف: الجنود الذين كانوا خارج المعسكر ليلة البارحة ليخرجوا من الصف ويقفوا في ذلك الجانب وأشار بيده إلى المكان أما البقية فتراجعوا مترين إلى الخلف...
كان حازما لدرجة أن الجنود إنفصلوا كما أمر ما إن إنتهى من جملته الأخير...
عدد لابأس به من الجنود يقفون في المكان الذي أشار إليه والبقية تراجعوا إلى الخلف.
وقف وقفة القاضي ليدين المتهم، وقال: جريمة الميناء! من قام بها؟

ساد الصمت لبعض الوقت ليردف: سأعرف هويتهم وسيكون العقاب مضاعفا، لذا من الأحسن لكم الإعتراف!
ليحيد عن الصف ستة جنود مطأطئين رؤوسهم،
ليقول: أمم. حسنا!
لينفض الجمع، أما المذنبون ليلحقوا بي!
دخل (سلفادور) إلى خيمته الخاصة وهم خلفه ثم اصطفوا باستعداد جنبا إلى جنب ليقول: أيها الأوغاد، لقد استمتعتم! لما قتلتماهما؟
حسنا، ستعاقبون!
ستقضون شهرا كاملا بين العمل بالمطبخ والتنظيف، قبل ذلك سلموا أسلحتكم بالمخزن!

قال جملته الأخيرة وهو يوقع على قرار عقابهم.
حركة غير إعتيادية داخل مخيم( الروم)، تجمعات وقرارات وخطط تحاك وتناقش طريق
تنفيذها.
حل الظلام، وبدأ النسيم البحري اللطيف يهف على البلدة وسكانها، كان الهدوء يخيم على المكان، هدوء تام كأنها خاوية على عروشها.

خرجت (لويندا) إلى الساحة والناس مجتمعين على طعام الحزن الذي وحدهم وقالت: اللقمة المباركة، هي التي تدخل إلى الجوف فيقر بها، وأنتم تطعمون من طبق واحد، وتسقون من إبريق واحد، فلتكن هذه اللقمة الرابط الذي لا ينفك بينكم!
كلوا من وليمة الوداع هذه واشبعوا! فإن بها لذة ستلازمكم حتى وإن طالتكم مخالب الموت،.

تذكروا جيدا! نحن أصحاب الحق، لا تلين قلوبكم ولا يرهقكم شك، الموت الذي سيكون على أيديكم مبارك كالحياة، إنكم تطهرون أرضكم من الآثمين الذين يحاولون تدنيسها...
ستطرحون عباءة الموت لتستر عرضكم وتحفظ كرامتكم! أقبلوا عليهم بقلب صلب لا يخشى فإنهم جبناء بدون أسلحتهم لا يعلى لهم صوت...
لتحميكم الآلهم ويبارككم الرب!

كانت كلمات (لويندا) لها وقع كبير في نفوس الروم والأهالي، جعلتهم عازمين أكثر على ماسيقدمون عليه...

في معسكر الإسبان...
مر من الليل المقمر نصفه، فأخذ الثوار أسلحتهم ومواضعهم، مجدوا وطلبوا المباركة وإنطلقوا لوجهتهم...
إنقسم الجمع إلى أربعة مجموعات بقيادة ( سيرجوا، بارتولوميو، روبيرتو، ميغيل ).
كان المعسكر مقسم إلى عدة أقسام، مخزن الأسلحة، المطبخ وقاعة الاكل والمؤن، العتاد الحربي، إسطبلات الأحصنة، خيم عمل القادة، خيم نوم القادة، خيم نوم الجنود، خيم نوم المتدربين.

أما عن عدد الجنود فكان يتجاوز الألف جندي بمختلف رتبهم يقودهم الجنرال( سلفادور دالف)
تحت إمرة (ألفونسوا أرليك).
تبدوا ليلة طويلة والمؤكد أنها كذلك، لكن الثوار قد وضعوا خطط محكمة للهجوم والأقسام التي يستهدفونها.

بعيون ثاقبة راحت الفرق تتفقد جوانب المعسكر باحثين عن مدخل آمن، كانت الحركة قليلة في كل جانب ومع ذلك لا يمكن الإستهانة بدوريات الحراسة التي يقوم بها الجنود، وفي جانب (بارتولوميو) هناك مجموعة لا بأس بها يسهرون على لعب الورق والشراب أما بالنسبة إلى مخزن الأسلحة الذي كان من نصيب (ميغيل) فكانت تقوم عليه حراسة مشددة، أما.

(روبيرتو) فهدفه كان خيم نوم الجنود التي كانت تحرسها دوريتين متكونة من ستة جنود مسلحين...
أما (سيرجيو) فكان هدفه النيل من جنرالهم (سلفادور دالف) الذي اقتحم مخيمهم من أجل التفتيش فكنها له والآن حان وقت تسوية الحسابات.
الحراسة المشددة على مخزن الأسلحة كانت تقف عائقا في وجه فرقة(ميغيل)، التفت إليهم.

لإستشارتهم حول كيفية تشتيت إنتباه هؤلاء ليقول: لم أتوقع هذا الكم من الحراس، لكن لايهم علينا فقط تشتيت إنتباههم ليتفرقوا فنستطيع بذلك القضاء عليهم، إنهم أقل منا عددا ولكنهم مسلحين علينا توخي الحذر!
فقال (رودريغو): المؤن! وأشار بيده لنضرم النار في مخزن المؤن سيهرع بعضهم لإخمادها فنهاجم البقية هنا والأخرين هناك.

قال (ميغيل) بحماس: فكرة رائعة، لنقم بذلك! قبل هذا علينا قطع هذا السياج بسرعة للنفذ إلى الداخل أفضل من تسلقه.
تقدم فتى نحيف نشيط يبدو أنه من الأهالي كان يغطي وجهه لكن صوته كان مألوفا لهم وقال:
سأدخل أنا وأقوم بهذه المهمة!
ربت (ميغيل) على كتفه وأذن له بعد أن تم قطع جزء من السياج ليتسلل بخفة فهد إلى الداخل.
وقتذاك كان (بارتولوميو) هو الآخر يفكر بحيلة لتفريق شمل الثمالى، فاقترب من فرقته وقال:.

سننقسم إلى مجموعتين! سأقوم بإصدار صوت سيأتي بعض على إثره، فتقوم مجموعتي بالتخلص منهم، في حين تتخلصون من البقية، قبل هذا اقطعوا جزءا من هذا السياج لتستطيعوا الدخول بسلاسة.
استيراااا! هااي...
راح( بارتولوميو) يترنح في مشيته ويصرخ باسم (استيرا)، مما لفت انتباههم فصرخ به أحدهم وطلب منه الإبتعاد، فقام (بارتولوميو) برميه بحجر من أجل إغاظته أكثر فتقدم منه جنديان بحنق قال أحدهما:.

إبتعد من هنا أيها الأحمق وإلا أوسعناك ضربا!
فوضع (بارتولوميو) إصبعه على شفتيه وقال: هشش، شش! (إستيرا) غاضبة! إنها لا تريد أن تأتي معي.

اقتربا منه فكان السياج ما يفصل بينهما في الحين الذي يتسلل خلفهما أربعة من رجاله وقبل أن ينطق أحدهما بشيء إنقضوا عليهما وقاموا بذبحهما مما أحدث ضجة ليأتي على أثرها بعض آخرين، بينما في الجانب الآخر كانت مجموعة (بارتولوميو) الثانية قد قضت عليهم، حدثت مشابكة بينهم قد أصيب فيها (إستيفان) بجرح في كتفه، لكنهم تخلصوا منهم جميعا وتسللوا إلى الداخل لمؤازرة أصدقائهم.

تعالت ألسنة النار في مخزن المؤن ليهرع نحوها مجموعة من الحراس الواقفين على مخزن الأسلحة فلم يبقى على بابه سوى حارسان كان التخلص منهما من أسهل مايكن.
مهمة (ميغيل) كانت تقتضي السطو على الأسلحة ونقل ما أمكنه نقله إلى المخبىء الذي إتفقوا عليه.
انشغل الحراس بإخماد النار بحيث إنضمت إليهم
دوريات جند أخرى اشتدت النار فابتلعت منهم بعضهم فأطلقوا صافرة الإنذار...

وقتذاك هرع الجنود من خيمتهم على وقع حالة الإنذار ليمطر عليهم (روبيرتو) بسيل من الرصاص جعلهم يسقطون كالذباب، بعد أن إنضم إليه (بارتولوميو) وفريقه.
ثلاثون ثانية من إطلاق الرصاص واختفى المهاجمون كأنهم لم يتواجدوا بعد أن أردوا جميع الجنود المتواجدين بأربعة خيم متلاصقة،
في الحين الذي كان (سيرجيو) وفريقه قد اختطفوا (سلفادور دالف) و(ميغيل) حمل كما لابأس به من الأسلحة والذخيرة والمتفجرات،.

وقبل أن يغادروا قاموا برمي عدة قنابل يدوية لمنع الجنود من اللحاق بهم بعد أن بادلوهم إطلاق النار وأصيب منهم مالايقل عن عشرة...
أصبح معسكرهم محاصرا بألسنة النيران المتعالية وعلق بداخله جنوده يحاولون إخماد ناره...

الليلة ذاتها كانت تعيشها (باغسلون) على أيدي جنود القائد الأعلى (داميان جلير)، ليعلن (ليو)
في برقيته إلى قائده بإنتصارهم ووضع يدهم على (باغسلون) بعد إبادة سكانها والجنود المدافعين عنها، قاموا بتسييجها ورفع رايتهم على أرضها، ليطالبه بالدعم الفوري بالعتاد الحربي وظباطه...
ضرب( داميان) على مكتبه واستقام بفخر وهو يضع يده السليمة خلف ظهره ويده المصابة بجيبه، قائلا:.

الآن قد فقأت عينك (ألفونسو أرليك)، وها أنا أضع رايتي على أكبر مدينة بأرضك! واستدار إلى جنرالاته وأردف:
سنتحرك حالا! استعدوا.!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة