قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية لن يشفى الجرح للكاتبة شاهندة الفصل الثامن

رواية لن يشفى الجرح للكاتبة شاهندة الفصل الثامن

رواية لن يشفى الجرح للكاتبة شاهندة الفصل الثامن

انصرفت (لويندا) عن (جيوم) بعد أن قامت بإسعافه، وتركته ليرتاح، في حين خرجت إلى الرجل الثائر الذي ينتظرها بنفاذ صبر.

كان (سيرجيو)يشعر بنيران الغضب الممتزجة بالغيرة تستعر بقلبه، أصبح يدرك الآن أنه قد أحب تلك الفتاة التي تقف وراءه مطرقة الرأس، نعم كان حبا.! لكنه الآن أصبح مكبلا بالخوف كما لم يكن من قبل، خوف من أن يكون قلب الفتاة قد تعلق بالغريب، فيقضي على أمله بها، تعالى صوت بداخله يسيطر على تفكيره.
ولكن لا.! إن كان كذلك. سأقتل الغريب وأقتلها، أقسم أنها لن تكون لأحد سواي إن لم تكن لي!

أما (إيستاف) فكانت تنتظر عقابها بصمت. لم تعد تهتم، تريد الإطمئنان عليه فلم يسمح لها الزعيم أن تدلف إليه، كانت الأفكار تتزاحم برأسها في تلك اللحظة، تتساءل. هل هو بخير؟ هل أصابه مكروه؟ تتعجب من هذا الألم الذي يجثم على قلبها كما لو كان الهواء لا يكفي لملإ رئتيها، فيجعلها تتنفس بصعوبة.

انتزعها من سهوها خروج (لويندا) من خيمتها تتجه نحوهم وهي ترمق الزعيم الذي إستقام فور دنوها منه، بينما رمقتها (إيستاف)بنظرات قلقة، فطرفت بعينيها تؤكد لها أنه بخير، أطلقت (إيستاف)أنفاسها المحبوسة. بينما قال (سيرجيو):
من هذا الغريب (لويندا)؟ فتاتك لا تريد الإفصاح عن هويته، هي من أحضرته إلى هنا أليس كذلك؟ هي من سيتسبب في صب اللعنة علينا جميعا والإطاحة بالعشيرة.؟ هي...

قاطعته (لويندا)وهي تنظر إلى عينيه مباشرة قائلة: هي. أنا!
غضن حاجبه بينما طالعتها (إيستاف)بدهشة سرعان ماوارتها وهي تطرق برأسها مجددا حين إلتفت إليها(سيرجيو)ليتأكد من كلام (لويندا) ليعاود النظر إليها قائلا بحيرة:
أنت؟!

ضربت بعصاها الأرض قائلة: نعم أنا.! وجدته أطراف الغابة وأنا أبحث عن بعض الأعشاب، كان جريحا مضرجا بالدماء تقتله حمى جراحه، لم أستطع حمله فطلبت من الفتيات مساعدتي، تكتمت على الأمر إلى أن أعالجه ويستعيد وعيه، وأطمئن أنه ليس جاسوسا يريد سوءا بالغجر...
قال (سيرجيو)بسخرية: وماأدراك أنه ليس جاسوسا فرنسيا لعينا؟ ربما خدعك!

نظراتها الصارمة أجبرته على عدم قول المزيد، لا يمكن لمخلوق أن يخدع (لويندا)، في تسبر الأغوار وتدرك ما تخبئه الأنفس، حتى هو ذاته لم يستطع أن يخفي أسراره عنها...

قالت بهدوء كما لو كانت متعبة: لقد أوشكت الشمس على تحرير نورها، سيطل يوم جديد ومعه سيعود كل شيء كما كان، أو ربما يحدث شيء آخر. لا فرق.! الأعاصير الآتية! دع تلك المسكينة تعود إلى خيمتها فلديها ماتقوم به صباحا. وعد بدورك إلى خيمتك. ولنتحدث مجددا حين يستفيق الغريب!
قال (سيرجيو): لكن،!
هدرت قائلة: عمت مساءا!

لتلتفت عائدة إلى خيمتها، بينما رمق (سيرجيو)(إيستاف)للحظات بشك، لتبادله بنظرات ثابة لا تعكس ما بداخلها. ليقول بهدوء:
حسنا. إذهبي! ولنتحدث عندما تعودين من مدرسة الدير، فلم أغفر لك بعد خروجك مع الغريب، لقد تخطيتي قوانين العشيرة، حتى وإن كنت تطيعين أوامر عرابتك وجب عليك العقاب!
قالت (إيستاف)بهدوء: قلت لك سابقا. أنني مستعدة لأي عقاب. طابت ليلتك أيها الزعيم!

ثم اتجهت نحو خيمتها وهو يتابعها بعينان تدركان أن تلك هي التي تنبض حياته من أجلها.

الذاكرة مثل الرياح العاتية عندما تهب لا أحد يستطيع إيقافها، تجرف كل شيء في طريقها وتقتلعه من جذوره دون شفقة.
الذاكرة هي عبء للجريح تكبله بماض لا يرغبه
الذاكرة ليست إنتقائية فهي تجبرنا على معايشة ماض نرفضه مرارا وتكرارا حتى نخر مستسلمين للألم.

كان والده يصرخ به قائلا: أصمت وأغرب عن وجهي الآن يا (جيوم)وإلا سيطولك سخطي! لو لم تكن ولدي الوحيد وآخر سليل، لألقيت بك في السجن لتتعفن، وتدرك النعم التي أغدقها عليك هذا الوالد الذي لا يعجبك.
إبتعد وإلا نسيت أنك إبني وأمرت بإعدامك لتكون عبرة لهؤلاء الفرنسيون الضعفاء الذين سولت لهم أنفسهم أن يعارضوا ما نفعله لوطننا الأعظم.

ليجيبه بحزم قائلا: لا يهمني إن كنت آخر نسل العظيم (داميان جلير)ولن أعبء بمظهرك أمام هؤلاء الجمع الذين يلتفوا حولك مهللين بأمجادهم المزعومة. سيلعنكم التاريخ ثق بي!
ثم إنطلق مبتعدا بجواده حتى كاد الجواد أن يقع من الجرف ليشعر (جيوم)بالرعب قبل أن يصرخ بكل قوته.

إستيقظ(جيوم)صارخا. يتلفت حوله بسرعة. يتصبب العرق من جبينه، و يغرق وجهه الذىث كان مشرب بالحمرة. ليتنفس بقوة سامحا للهواء بالتغلل داخل صدره. رافضا أن يستسلم لهذا الإحساس المقيت بالألم. لقد إكتشف من يكون حقا. أدرك هويته. وياليته ما أدركها. فهويته لا تبعده عنها فقط بل تؤذيها وتؤذي عشيرتها أيضا.

دلفت (لويندا) إلى عيادتها السرية بسرعة، فنظر إليها (جيوم). شعر بنظراتها تنفذ إلى أعماقه. تسبر أغواره. أشاح بناظريه عنها. ليلتفت إليها مجددا حين قالت:
الغموض ينزاح. والذاكرة تعود. لينكشف الستار عن خفايا الأمور. الذاكرة تعيد الحياة لماضينا. تشعرنا بالألفة مع هذا الماضي البعيد. ولكن الغريب لم يشعر بالألفة. وإنما زادت تلك الذكريات شعور الغربة بكيانه الذي يصرخ الآن رافضا. أليس كذلك يا(جيوم)؟

قال بحيرة: نعم. بالفعل؟
إبتسمت قائلة بهدوء: أخبرتك سابقا. (لويندا)تعلم الكثير ولكنها لا تفصح عنه سوى عند الضرورة.
صمت للحظات فنظرت إلى ملامحه الحزينة قائلة: فيم تفكر الآن أيها الغريب؟
نظر إليها قائلا بنبرات متهدجة حزنا: الغريب يجب أن يرحل عن العشيرة يا(لويندا)وإلا أصابها ما أصاب بلاد الإسبان.

ضربت الأرض بعصاها قائلة: قدرنا حتمي يافتى. نحن الغجر لا نخشى القدر أيا كان. والقادم لا دخل لك به. إنها مشيئة الرب. وستتحقق شئنا أم أبينا. فلا تحمل نفسك فوق طاقتها وإتبع قلبك.
أطرق برأسه قائلا: أنا أتبع قلبي بالفعل يا (لويندا)وأدرك أنني محق في قرار الرحيل.
قالت (لويندا)بشفقة: كما تشاء يابني. كما تشاء.

رفع إليها عيناه قائلا: كنت سأبعث برسالة لأحدهم كي يحضر ليصطحبني، ولكننى أخشى أن تقع الرسالة في الأيدي الخاطئة، لذا إن دبرتي لي جوادا سأكون شاكرا وسأرحل على الفور.
قالت بهدوء: أدين (بيدرو)بمعروف لذا سيمنحني الجواد عن طيب خاطر.
قال (جيوم) بإمتنان: سأبعث لك به ما إن أعود إلى دياري.
لم تعقب (لويندا )على كلماته ليقول بتردد: أبلغي (إيستاف)تحياتي وشكري العميق لمعروفها.

قالت (لويندا): ألن تنتظرها حتى تعود وتودعها بنفسك؟
قال بحزن ظهر بصوته رغما عنه: من الأفضل أن لا أفعل فأنا لا أحب الوداع.
أومأت (لويندا)برأسها متفهمة لقراره قبل أن تقول بهدوء: بدل ثيابك (جيوم)، وسأعود بعد قليل مع الجواد.
أومأ برأسه موافقا، لتغادر بينما أمسك كتابه ينظر إليه بحنين، يفتقد صاحبته منذ الآن يغالب شعور الحزن بداخله وذلك الفراغ الذي يملأ وجدانه الآن.

حين تشتاق لمن تحب يصبح القلب خال من النبضات تعيدها إليه نظرة واحدة منه، هو فقط لا غير.
حين تشتاق لمن تحب تصيبك غصة تخنقك ولا تختفي سوى بشربة ماء من يده، هو فقط لا غير.
كان يبحث عنها في كل مكان في قبيلتها ولكنه لم يجد لها أي أثر، إشتاق إليها بقوة، يشعر بأن روحه تذوي دونها.
دونها هو فراغ قاتل. دونها هو مجرد طيف. دونها لا حياة له. لم يعد يقوى على البعد.

أسرع إلى النهر، إلى المكان الذي تبدوا وكأنها تفضله في (ييفيا)فمنذ أن جاءت إلى تلك المدينة ولا يخلو يومها من ترددها على النهر تقف على حافته، تطالعه بعشق وكأنه يحمل لها حنان والدها، يمدها بالحياة، توقف متجمدا وهو يطالعها. فها هي تقف على حافته كعادتها تواليه ظهرها، تتطاير خصلات شعرها الأسود الفحمي فينكشف جيدها، ليهتز قلبه عشقا، إقترب منها بسرعة حتى توقف خلفها تماما، همس بإسمها، فإستدرات بسرعة، هالته دموعها المتدفقة على وجنتيها، طالعته بصدمة قبل أن تلتفت مجددا بسرعة، لتمسح دموعها بكمها كالأطفال، ليمسك ذراعها يلفها لتواجهه قائلا بغصة أصابت حلقه فكادت تعجزه عن الكلام:.

مابك حبيبتي؟ لماذا تبكين؟
طالعته ببرود تخفي به ألما سكن الفؤاد فأضعفه قائلة: أتظن أنني أبكى شوقا؟ لا ياعزيزي. لقد إخترت الفراق! و(لاتويا)لا تبكي من يرحل عن حياتها بإرادته، بل تنساه وكأنه لم يكن قط!

نظر إلى عمق عينيها قائلا: لا تدعي شيئا ندرك كلانا أنه كذب! فأنا (ميغيل) الذي يحفظ سكناتك وحركاتك، لن تخدعه ملامحك الباردة، فأنا أعلم أنك تخفين أمرا تتوقين للبوح به إلي وأدرك أنك إشتقت إلي أيضا، كما إشتقت أنا إليك أيتها الحمقاء!
تأملته للحظات قبل أن يتداعى قناعها وهي تسرع إلى إحتضانه، غمغمت بصوت ظهرت فيه عبراتها:.

نعم. نعم. إشتقت إليك! لقد غبت طويلا، ربما هما يومان، ولكنهما كانا كدهور عديدة من الألم. من الوحدة ومن الحنين القاتل.
ضمها إليه أكثر لتجفل متأوهة، تركها على الفور تبتعد عنه وهو يرمقها عاقدا حاجبيه فلم يعتصرها بين ذراعيه بتلك القوة التي تجعلها تتأوه بتلك الطريقة، شحب وجهها كالموتى وهي تطرق برأسها أرضا، تدرك بكل يقينها أنه على وشك أن يعرف، كل شيء.
وبالفعل جاءها صوته يقول بصرامة: مابك؟

رفعت إليه عيناها وقالت بإرتباك: لا شيء. أنا بخير. فقط...
قاطعها قائلا بحزم: أخبريني! وإلا كشفت عن جسدك بنفسي ورأيت ما به. هل ضربك (خوسيه)؟
أطرقت برأسها دون كلمة، ليقول أ
أجيبيني.!
إنتفضت (لاتويا)تنظر إليه بعينان دامعتان قائلة: أجل. فعل!
نظر إليها بصدمة، لقد أرادها بكل قوة أن تنفي ظنونه أرادها أن تكذب يقينه! ليتحرك جيئة وذهابا يفكر بألم، ثم قال.
سأقتله. سأقتله!

وإلتفت مغادرا لتسرع إليه(لاتويا)تمسكه من ذراعه و تتوسل إليه قائلة برعب: أرجوك لا تفعل! بحق الآلهة لا تفعل يا(ميغيل) لا تقتل(خوسيه) وإلا إفترقنا للأبد.
قال بدهشة من كلماتها: أمازلتي تهتمين لأمره بعد كل ما فعله بك؟
قالت بعيون غشيتها الدموع: بل أخشى على عشقنا من الزوال، عشقنا هو ما يجعلني أصبر على أذيته، إن قتلت أحدا ستعدم، إنه قانون العشيرة، أنسيته؟

حتى وإن هربنا من القبيلة وهذا لن يحدث أبدا، فإن تلوثت يداك بدماء أبى. ستطوى قصتنا للأبد، حتى إن كنت أمقته فلن أقبل بالزواج من قاتله.
نظر إليها بحيرة، بقلب يتمزق بين رغبته في الثأر لحبيبته وبين أمل الإتحاد، شعرت بحيرته لتمد يديها تحيط بوجنتيه قائلة:
يكفيني عودتك إلى كي تطيب كل جراحي، يكفيني أنك أعدت قلبي إلى الحياة...

لان قليلا وإستراحت ملامحه لتستطرد قائلة: يكفيني أنك الآن بين يدي أشعر بصوت خفقاتك يعلو مع صوت خفقاتي لأثق أننا خلقنا لنكون معا وأنك لن تتركني مجددا أعيش الضياع دونك أليس كذلك يا (ميغيل)؟
احتضنها (ميغيل)على الفور برفق، يقول بعشق: لن نفترق أبدا! حتى وإن أردت ذلك.
إبتعد (جيوم) قليلا بجواده عن العشيرة، ثم توقف وإلتف ينظر إلى هذا المكان بإستياء. ورغبة في العودة وتوديعها ولكنه يكره مراسم الوداع.

لقد خلق الوداع للغرباء وليس لمن نحب فالوداع له مخالب تمزق شرايين القلب، وتدمع له العيون ألما.
إحساسك بأنك تبتعد عن من تحب مرغما كإجبارك على أن تدفن وأنت مازلت حيا، تصارع انفاس الحياة، حتى تخبو تماما. فتستريح!
الوداع هو أصعب لحظات الفراق، هو أن تشاهد روحك وهي تسحب من جسدك رويدا رويدا. بلا رحمة.
ربما يكون مجبرا على الرحيل. ولكنه سيرحل دون وداع.
ليسحب لجام جواده ويتجه إلى (إستفار) يسابق الرياح!

أن تفتقد احدهم هو شعور بشع، يجافي العيون ويحرمها النوم، يذيب الروح من وحدتها. أو يلقي بها في جمع آخر.
أن تفتقد أحدهم هو أن تحبس أنفاسك خشية أن يكون في محنة دونك، ترتجف أنفاسك تبغي أمرا واحدا. رؤيته بخير!

كان الجنرال(داميان)يقف كجبل من الجليد لا تعكس ملامحه شيئا عاقدا يديه خلف ظهره يطالع (تونيا)التي تبكي بحرقة يضمها (باسكال)إلى جانبه يربت على ذراعها مواسيا، بينما يقف(بيير) بقرب النافذة ينظر إلى الخارج بصمت، قالت (تونيا)بصوت متهدج:
آه ياصغيري! يامن أصابتك الحياة بشدائدها كيف السبيل إليك وقد أرهقنا الفراق!

قال( داميان): كفاك نواحا(تونيا). لقد بعثت من يبحث عنه في أرجاء المدينة كلها، وبعثت جواسيسي إلى المدن المجاورة، واليوم بلاريب. سنعرف أين ذهب هذا التعس، فكفاك نحيبا لا طائل منه!

كتمت (تونيا)دموعها، تلعن هذا الرجل الذي يتحدث ببرود عن ولده الوحيد الذي لا أثر له. ولا خبر عنه! بينما شدد (باسكال)على كتفها يمنحها الدعم وهو في أشد الحاجة إليه، يتمزق قلبه قلقا، كاد الجنرال(داميان)أن يتحدث حين قاطعه (بيير)فجأة قائلا:
لقد عاد. لقد عاد!

نظر الجميع إليه وهو يهرع إلى الباب، يفتحه على مصراعيه ليظهر (جيوم)على عتبته، تأمله الجميع بلهفة حتى هذا القاس المتعنت شعر بالحنين لولده الغائب خاصة عندما طالع هيئته وأدرك أنه تعرض لحادث سرقة ربما أو شيء أخطر، ليستفيق على صوت (تونيا)وهي تهرع إلى (جيوم)تضمه قائلة:
بني. لقد عدت. وعادت إلى الروح!
ضمها (جيوم) يغمض عينيه ويأخذ نفسا عميقا يشعر بالراحة لأول مرة منذ ان غادر القبيلة، كحال الجميع!

حين نشتاق لمن نحب نهفو إلى لحظة واحدة نقر بها أعيننا برؤياه، تحكي الهالات السوداء حول العيون ضعفا يعصف بالكيان حنينا إليه
تنقلب كل الوجوه إلى وجهه هو فقط لا غير.
حين نشتاق إلى من نحب ندرك سر هذا الشعور الغير مألوف في الصدور.
فكم هي شاقة تلك الأيام التي نعيشها في الفراق وكم هي قاتمة الليالي التي يغمرها ذلك الحنين القاتل.
قالت (إيستاف)وهي تحتضن عرابتها: إشتقت إليك اليوم. كثيرا!

لتتركها وتذهب إلى الطاولة ترتب الأواني الخاصة بالأدوية المميزة ل(لويندا)تقول بحماسة:
لقد قمنا اليوم بتعلم شيء جديد سيبهرك! شيئا يدعى الجراحة القيصرية. لهؤلاء السيدات اللاتي يصيبهن عسر الولادة.
لتلتفت ناظرة إليها وتردف: هل تعلمين؟ في هذه الجراحة يقومون بشق البطن فوق الرحم من أجل إخراج الجنين والمشيمة.

لتلتفت مجددا تواصل ترتيب الأواني قائلة: إنه امر خطير أليس كذلك؟ ولكن ليس أخطر من المجازفة بفقدان الأم أو الطفل، يلجأون لتلك الجراحة فقط في الحالات المستعصية خطواتها دقيقة ولكنني إستوعبتها بسرعة، ففى البداية يقومون بشق صغير سفلي...
قاطعتها(لويندا)قائلة: (إيستاف)!
نظرت إليها(إيستاف). لتستطرد (لويندا)قائلة بشفقة: هل انت بخير بنيتي؟

غشيت عيون(إيستاف)الدموع على الفور وهي تهرع إليها ترتمي بين ذراعيها وتقول بصوت متهدج:
لا. لست بخير على الإطلاق. لقد رحل فحسب. رحل دون وداع حتى عرابتي! أشعر بخيبة أمل كبيرة، لم أكن أبدا أعلم أنه قاس القلب كأبناء جنسه. ظننته مختلفا!
قالت(لويندا): لقد أخبرتك أنه تذكر ماضيه فرحل على الفور ربما لديه سببا جعله يرحل بتلك السرعة فتريثي (إيستاف)ولا تستبقي الحكم عليه ظلما دون أن تستمعي إليه!

خرجت (إيستاف)من حضنها تكفكف دموعها قائلة: أي دفاع هذا الذي يغفر له رحيله دون كلمة واحدة.! دعينا من الحديث عنه. ولنعد للحديث عما تعلمته اليوم في مدرسة الدير.
لتواليها ظهرها مستطردة: أين كنت؟ نعم. بعد أن نقوم بهذا الشق السفلي في جدار البطن. نشق طبقات الجلد تباعا حتى جدار الرحم ثم يتم إخراج الجنين بشكل سريع و...

هزت (لويندا)رأسها بشفقة. تدرك محاولة (إيستاف)لتخطي أحزانها. وتدرك أيضا أن القصة لم تنتهي بعد، فصبرا جميلا. ولتبتهل إلى الرب كي تعيش قليلا لتشاهد خاتمتها.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة