قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية لن يشفى الجرح للكاتبة شاهندة الفصل التاسع

رواية لن يشفى الجرح للكاتبة شاهندة الفصل التاسع

رواية لن يشفى الجرح للكاتبة شاهندة الفصل التاسع

يوم آخر يطرحه ليلا عصيبا، بدأت الحرارة تزداد مع خروج الربيع ودخول الصيف...
الربيع هذه السنة كان بألوان باهتة، اللون الأحمر الذي أصبح طقس لابد منه، اللون الرمادي الذي يحمل النسيم منه رائحة القنابل والدمار والليل الأسود الذي يأتي كالموت فيشتد صخبه إلى آخر صريع فجر، فيلاحقه النور إلى أن يختفي...
أصبحت (كاتالونيا )مشددة الحراسة، وتم إخلائها مما تبقى من سكانها إلى مدنن داخلية بعيدة،.

راية فرنسا ترفرف في الأفق محتلة (جرندة )، أصبح السيفان مشهوران على العنقان حركة واحدة وسيطير أول رأس، مع آخر هزيمة لفرنسا ولواذهم كالقطط من المطر أصابهم بحرج كبير أمام أعدائهم...
دخل الرائد ( ليو) يحمل رسالة القائد الأعلى إلى الجنرالات، كانوا في حالة توتر كبيرة، وقتذاك كانت تتوافد قوات كبيرة وعتاد متطور
إلى المعسكر، ناهيك عن الطائرات التي تزمجر بغضب فتحط واحدة تلو الأخر بساحة المعسكر.

تبادل الجنرالات النظرات بينما فتح (ليو) الرسالة ليقرأها على مسامعهم...
كانت التعليمات واضحة!
النصر! ولا شيء غير النصر!
ماحدث قد حدث، سأدع الحساب لوقت لاحق.
( باغسلون)! هدفنا الجديد!
رسالتي مرفقة بأمر رسمي بتغيير الجنرالات،
حربنا ليست لعبة ياسادة! إما النصر أو النصر!
القادة الجدد مستعدون، نفذوا أوامرهم!

طوى (ليو) الرسالة ونظر إلى الجنرالات التي كانت جباههم تتصبب عرقا، ذات الحين الذي دخل ثلاث جنرالات يعرفون بصرامتهم وعدم تساهلهم، وبعد إلقاء التحية العسكرية، باشروا في شرح مخططهم لضرب برشلونة أو ( باغسلون) كما يطلقون عليها...

هناك نوع من الكبرياء! ذاك الكبرياء الذي نمارسه بالقسوة على من نحب!
في إشاحة النظر ونحن في شوق قاتل.
في العبوس والإبتسامة تحارب الشفاه للإفراج عنها.
في قسوة الكلام والكلام يتحرق إلى اللين.
في موالات الظهر واليدين تقاومن الإحتضان.

كان هذا النوع من الكبرياء المتناقض مايسيطر على ( جيوم ) و والده، كان (داميان) يرى بوضوح جروح إبنه وشحوبه وكبريائه يأبى أن يدعه ليهرع إليه متفحصا، فوقف كالصنم يطالعه ببرود، أما ( باسكال و تونيا) فكل منهما يعانقه ويبكيه بحرارة ويتفقدان جسده بأسى
حالهما حال صديقه ( بيير).
بصوت هاديء بارد قال (داميان ): دعونا بمفردنا!، حالا!
ربتت ( تونيا ) على كتفه وغادروا، أما هو فجلس على أقرب كرسي إليه بإنهاك، فاستقر.

نظره على زهرة ( الجلاديوس ) فتذكر (إيستاف). الزهرة البرية! فأدرك لما أطلق عليها الزهرة البرية! إنها تشبه هذه الزهرة التي بقيت له ذكرى من والدته ( الجلاديوس) البيضاء التي تحمل نفس صفاتها، نقية كروحها
مخلصة، وقوية صلبة مهما بلغت رقتها. وذكرى عطرة. كذكراها بقلبه! الآن أدرك تماما أنه يكن لها مشاعر. ربما كان حبا! لكنه أقوى!

أفاق على صوت والده الصارم: أين اختفيت أيها الجاحد! البائسة ( تونيا ) كانت لتموت قلقا عليك!
أيها الجاحد! لقد تركت عملي من أجل اختفاءك!
قال(جيوم): من الواضح أيها القائد أنني لم أكن أستجم! انت ترى حالي، لقد تعرضت لحادث، وأسعفني رحماء القلوب وقاموا بمعالجتي! وها أنا ذا، أمامك!
لم يكن ل( داميان ) مايقوله، أراد بشدة تفحصه.

والتأكد بنفسه أنه بخير، لكن كبرياءه كان يجلده بالنهر، لدرجة أنه لم يستطع النظر إليه ووالاه ظهره ينظر إلى الخارج، فاستقام (جيوم) واستأذنه بالخروج...

مكائد الحرب لا تخبت نارها، ضربة بضربة والعين بالعين، والنصر لمن يفقأ عين الآخر.
كما كان جنرالات فرنسا يتحينون الفرص للتدمير والزحف داخل إسبانيا، كانت الأخيرة كذلك، فكانت ( ييفيا ) تعتبر جزءا من أراضيها
تعتبره فرنسا حقا لها، إذن ستسترجعه!
لم يكن هدفهم الإحتلال أو التوسع وإنما الدفاع.

عن كرامتهم وحفظ كبريائهم، كانت لهم قوة لا يستهان بها، تمكنهم من التصدي، ماكان يجعلهم غير مندفعين وتواقين للثأر إنعدام الموالين لهم بعكس فرنسا التي كانت قوة عظمى مدعومة من مختلف البلدان...
وصلهم خبر رجوع ( داميان جيلر) إلى( إستفار) فكانت هذه الفرصة التي ستخلصهم من كابوس الزحف هذا، كان إسم (داميان) يرهبهم بشده، رجل جيش مفترس بلا قلب وبلا رحمة!

الكبرياء الذي كانت تعيشه ( إيستاف) يشعرها ببعض السكون، فضلت أن تنسى، نسيانه كأنه لم يكن ولم تلتقيه، لم تكن على يقين أنها تحبه
لكنها كانت متأكدة أنها شعرت بألم من غيابه.
كانت تشعر بالخذلان. خذلان صداقتها. خذلان
كبريائها حين تركها بدون وداع.

كانت تستهلك جهودها كلها في دراستها، كلما تتعلمه تعيده على مسامع عرابتها، كأنهما يتعلمان معا، طبقا ماتعلمته عن الولادة القيصرية على القطط والأرانب، فشلتا مرة ونجحتا مرات عديدة.
كانت دراستها حول علم الفلك، قد بدأت تنمي لها أفكار جديدة وتقدم لها معطيات تجعلها تفهم هذا العالم أكثر فأكثر، حتى دروس العظة التي يقدمها الأب( فابيان ) كانت تغرس في نفسها قيم جليلة تجعل عرابتها ووالدها يفخران بها دوما...

كلما دخلت عيادة (لويندا) السرية كانت تتذكر الغريب وكلامه، كانت تشرد فتجد نفسها تبتسم
كرهت جدا هذا الشعور الذي يتعملق بقلبها يوما عن يوم...
في خيمة الزعيم...
كان ( خوسيه ) يقف منكس الرأس أمام الزعيم
الذي كان يطالعه بشرر قائلا: ستترك العمل في مستودع الخمور، وستنتقل إلى العمل في منجم المعادن بالجزء الشرقي من (ييفيا ).
قال(خوسيه): ولكن،!

رفع الزعيم يده فابتلع باقي كلامه صمتا، ليردف: هناك نقص في العمال، وعليك الذهاب وهذا أمر! أما بالنسبة للأذية التي تلحقها بعائلتك، ستعاقب عليها، سيسمح لك بدخول القبيلة يومان بالأسبوع ( أحد. واربعاء ) فقط!
انصرف الآن! لترحل الليلة ستباشر العمل غدا صباحا.
وأشار إليه بيده للخروج، فخرج الأخير يجر أذيال الخزي والإنكسار إلى خيمته، فكان دور (إيستاف) والفتيات لتلقي العقاب أيضا.

دخلن ثلاثتهن إلى الزعيم، فاستقام يقف أمامهن,وقال: قالت( لويندا) أنكن ساعدتنها في إسعاف الغريب، أنا لا أمنع مساعدة أحد يحتاجنا!
السؤال هنا. ما الذي جعلكن تخرجن برفقته إلى عمق الغابة!؟
أمسكت كل منهن يد الأخرى، تشجعت (إيستاف) وأرادت النطق بشيء ما، وقبل أن تفعل قاطعها الزعيم يقول:
أجيبي أنت( لولان)!
كانت (لولان ) أضعفهن وأقلهن حيلة، شدت ( إيستاف) على يدها كأنها تحاول أن تبث فيها بعض القوة. فقالت بإضطراب:.

الغريب! الغريب. نعم! لقد. لقد كان فاقد لذاكرته، بقي لوقت طويل داخل خيمة (لويندا).
صرخ بنفاذ صبر وصرامة: لما رافقتمنه إلى الغابة؟!
انتفضت الفتيات على صوته فقالت لولان بدون وعي: لقد طلب هو ذلك من (إيستاف)!
التفت بعنف يطالع ( إيستاف): كلكن معاقبات! أتعلمن ما قمتمن به، إنه فرنسي، كان بإمكان قومه إدعاء أننا تعرضن له!
ستعملن في الإسطبلات يوميا لمدة أسبوع!
انصرفن!

خرجت الفتيات مهرولات مذعورات، وما إن إبتعدن حتى انتابتهن نوبة ضحك.
الإسطبلات!
ويعدن إلى الضحك متراميات على بعضهن، لم يتوقعن أن يكون العقاب عسيرا كهذا! لكنهن تقبلنه برحابة صدر.
كان( بارتولوميو) ينتظر إبنته بعد أن علم صنيعها وصديقاتها، تملكه الغضب فجلس شاردا
إلى أن أتت، وكعادتها تحب أن تتسلل خلفه لتفزعه وكالعادة كذلك فشلت وداهمها بقوله:
ها أنت ذا!
تذمرت كعادتها وقالت: ألا يمكنك أن تدعي أنك لم تكتشف أمري!

التفت نحوها وقال بشرود.
بإمكاني ذلك!، الإدعاء!
منذ متى أصبحنا بعيدين إلى هذه الدرجة؟
قالت: أبي!
هدر قائلا: أخبرتك أنني لا أريد منك أن تجعليني الأخير!
قالت بتوسل: أبي!
قال بمرارة: أسبوع! تدعين عدم الإنشغال بشيء.
قالت برجاء: أبي! أرجوك. سأشرح لك!
ظهرت الصرامة بملامحه وهو يقول: أنت معاقبة ( إيستاف)! إلى أن يشفى كبرياء الأب المجروح بداخلي!
انصرف عنها وهي جالسة منكمشة على نفسها تبكي بحرقة...

العالم خارج مخيم (الروم) كان يواجه كبرياء من نوع آخر.
اهتزت (ييفيا) على صوت الطائرات الحربية التي تحوم فوقها، دب الذعر في القبيلة فخرجوا مفزوعين يشاهدون مايحدث بذعر وتضرع للآلهة.
بدأ القصف على (إستفار ) والأرض تهتز من تحتهم.
طالت بعض الصواريخ الجزء الساحلي من ( ييفيا).

اهتاج القائد ( داميان ) وركب جيبه يحاول الوصول إلى الثكنة المركزية وهو في حالة سخط، أما (جيوم) فنزل مع( تونيا وباسكال) وصديقه ( بيير) إلى قبو منزلهم كعادتهم في حالات الطوارئ...
كانت القذائف تنزل على (إستفار) كطوفان شتاء غاضب، أصبحت السماء ترتعد بصوت الطائرات والقصف، فكان هذا الليل يشبه شفق الفجر لولا الأدخنة الخانقة المتصاعدة في الأفق.

بعض أميال بسيطة تفصل القائد داميان عن الثكنة حيث كان عساكره في إنتظار أوامر الرسمية لبدء التصدي.
قذيفة هوت بالقرب منه لتطير سيارته عاليا ويلفه السواد من كل جانب...
سقط صريعا بجانب وسيارته بالجانب الآخر
كان مضرجا بالدماء ويده تهتز بجرحها الغائر تكاد تنفصل عن باقي جسد، نظر إليها لثوان قليلة قبل أن يغمض عينه غارقا في دركات السواد...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة