قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية لن يشفى الجرح للكاتبة شاهندة الفصل التاسع عشر

رواية لن يشفى الجرح للكاتبة شاهندة الفصل التاسع عشر

رواية لن يشفى الجرح للكاتبة شاهندة الفصل التاسع عشر

أيها الحزن الذي تسحبني إلى أعماق الضعف، أترك يدي وأمسك بقلبي بقوة، لأجعل من ألمك هذا ندبة لن تشفى تذكرني أنني حية لأخذ بحقي، من مخالب الموت حتى!
حين يصبح الظلم مألوفا.
و تأخذ الغربان من حزني موطنا.
ثم يحلق البوم وينعق محذرا.
من خراب آت!
فتأخذ السماء لونا آخر.
لون الحقد!
ويشتد برد الشمس الزائغة.
وتفوح رائحة الوداع الأبدي.
وتنزف القلوب كمدا.
حينها، لن يشفى الجرح!

غيم الحزن على (الروم) من جديد بعد أن فقدوا بعض من أطفالهم ونسائهم ورجالهم و...
و(بارتولوميو)...
قضت( إيستاف) ماتبقى من ليلتها تلك جالسة بجانب جثة والدها منكمشة على نفسها تضع رأسها على ركبتيها وتغطيه بيديها ومن حين لأخر تسمع (لويندا) شهقاتها.
وقبل أن ينسحب الظلام بهدوء دخل (جيوم) خيمة (لويندا) وجلس بقربها بصمت ثم قال: كان ليفخر بك!
رفعت رأسها بعنف وقالت.

وبما ينفعني الفخر وهو ليس بجانبي! لقد رحل. رحل إلى الأبد!
أتعلم ماذا يعني الأبد؟
أن أعود إلى سكناي فلا أجده.
أن أتفقد كرسيه الهزاز. فلا أجده
أن أبحث عنه في كل الوجوه. ولا أجده.
أن أناديه. فلا يستجيب.
أن أتسلل خلفه. فلا يكتشف أمري.
أن أخطيء. فلا يغضب مني!
الأبد سيقتلني (جيوم ). سأموت من دونه!

أخذها (جيوم) بين ذراعيه يواسيها وقال: الأبد كفيل بتطبيب جراحك (إيستاف)، سأقف بجانبك وأمسك بيدك وأسحبك بكل قوة من ألامك، إستغلي ألمك هذا وحوليه إلى قوة،
لقد رأيتك. رأيتك كيف استبدلتي خوفك عزيمة وأرديتي خاطفيك.
أنت قوية أكثر مما تظنين!
دفعته بعيدا عنها وانحنت تغطي وجهها بكلتا يديها وهي تبكي بحرقة ثم قالت: إنني أختنق من هذه القوة. أختنق! هناك كتلة صلبة بين أضلعي. ثقيلة جدا، إنها تحمل.

غضبا. يجعلني أرتعش خوفا! أنني، أنني أنهار (جيوم)، هذا الألم سيشوهني لبقية حياتي.
وقتذاك دخلت الخيمة (لاتويا ولولان) يتبعهما كل من ( ميغيل و روبيرتو)، إقتربت الفتاتان من (إيستاف) يعانقنها بينما وقف الشابان يحدقان ب (جيوم) بتحقيق وتأهب، لتقول (إيستاف)من وسط دموعها:
(جيوم)! الفتى الذي أحبه!
لم يعلقا على كلامها واقتربا منها يعانقانها بدورهما أيضا، ثم مدت (لاتويا) يدها إلى (جيوم) وقالت:.

سنساعدكما إن أردتما الزواج والرحيل من هنا!
إنها تحتاجك الآن أكثر من قبل!
لمعت عينا (جيوم) بامتنان قبل أن تقول (إيستاف) بغضب: وهذا الألم الذي أحمله ماذا أفعله حياله! لن أرتاح حتى أنظف (ييفيا) من هذه الخنازير البرية التي تخرب كل شيء. أقسم!
والتفتت إلى جثة والدها وأردفت: أقسم على جثة أبي!
وقتها أدرك (جيوم) أنها ستعيش صراعا كبير بين الحب والألم وعليه أن يتصرف قبل أن يفقدها، إلى الأبد!

سطعت الشمس باهتة في الأفق، وبدأ السكان يتوافدون لدعم (الروم)وتعزيتهم فيما أصابهم،
توجهت (إيستاف) إلى خيمتها وارتدت ثياب الحداد السوداء ووضعت وشاحا أسود على رأسها كحال الأرامل واليتامى وخرجت إلى الناس تقف بينهم، مرت على عائلات الضحايا وقامت بمواساتهم ثم جلست تستمع إلى عظة الأب (فابيان) وهو يقول:.

من الآن فصاعدا سنتشارك معكم بيوتنا وطعامنا وأعمالنا.! سنكون يدا واحدة ضد هذا العدوان. سنخرج اليوم في مسيرة حاشدة
لرفض تسلطهم وظلمهم علينا جميعا.
من الخطيئة أن نجبن ونصمت على أذيتهم، علينا أن نتصدى لهم بكل طريقة يفهمونها...
أما قبل لنودع أعزائنا بما يليق بحياتهم معنا!
لنودع أجسادهم ولتبقى أرواحهم تعانق أرواحنا.

سار (الروم) يحملون موتاهم إلى مقبرتهم بحزن عميق، وقاموا بمراسيم دفنهم، ثم توجهوا إلى الساحة الرئيسية للبلدة يقرعون طبولهم ويصرخون بشعارات مفادها رفع الظلم عنهم.
بقيت (إيستاف) واقفة على قبر والدها وهي تبتسم، كانت تراه يقف أمامها مبتسما فقالت:
إشتقت إليك من الآن أبي! هل أنت بخير حيث أنت! أظن العالم الذي أصبحت تنتمي إليه الآن أفضل من عالمنا بكثير، هل وجدتها؟
أمي! يبدو أنكما معا، أفتقدكما، معا!
. هنا...

وأشارت إلى قلبها مستطردة: ذلك الحب الهائل
نحوكما الذي تحول فجأة إلى ألم هائل...
أنه يخنقني! إنني أختنق! ولا أستطيع الصراخ حتى. لا أستطيع تحرير ألمي حتى.
إنني أتألم بقوة. أتألم بغضب. أتألم بألم الحب!
أعدكما سأحول ألمي هذا إلى قوة أحرر بها (ييفيا)!
ألقت الورود التي كانت تحملها على قبر والدها ومسحت دموعها وقالت: وداعا أبي! سامحني أرجوك
في باغسلون...

كان القائد الأعلى (داميان جلير) يجلس برفقة جنرالاته يطالبهم بفرض حصار إقتصادي على كتالونيا وما جاورها من المدن، آنذاك دخل أحد عساكره وقال بعد أن ألقى التحية:
سيدي! (جيوم جلير ) ينتظر خارجا يطالب برؤيتكم! ماذا تأمرون؟
قال (داميان) بعدم تصديق: جيوم جلير؟ هنا؟ ويريد مقابلتي؟
ليجيبه العسكري: نعم سيدي!

استقام (داميان) وأشار إلى جنديه اللحاق به إلى الخارج، ليجده فعلا (جيوم) يقف في انتظار، فنظر إلى جنديه ببلاهة وقال:
إنه (جيوم) حقا!
وقبل أن يجيبه العسكري اقدم من إبنه وأشار إليه أن يلحق به إلى خيمة عمله: إنك هنا!
ليقول (جيوم ): علينا تحرير (ييفيا)!
ليقول (داميان) بسخرية: ومن أنتم!
جلس (جيوم) ووضع يده على الطاولة بتوتر وقال: أبي! أرجوك! علينا تخليص (ييفيا) من الإسبانيين وتدمير قاعدتهم هناك!

رمقه (داميان) قائلا: كلام جميل ومنطقي، ولكنك لم تخبرني بعد من أنتم؟
مسح (جيوم) على رأسه بغضب وقال: لقد قتلت في صراعاتك الكثير من الأبرياء، وهاقد أتت فرصتك لتصلح وتنقذ حياة ابرياء،
إعتداءاتهم أصبحت تطول السكان. أرجوك أبي!
استقام (داميان) وهو يبتسم ثم قال: تريد حربا! تريدني أن اقصف قاعدةسبانيا (بييفيا). أمم. وعلام أحصل مقابل ذلك؟ لا تعنيني (ييفيا) وشؤونها!

اقترب منه (جيوم) بغضب وقال: بالطبع! إنها بلدة صغيرة لا تسد جوعك للسلطة. حسنا! خلصها من الإسبان، وأعدك أن أفعل ماتريد!
رمقه بنظرات متفحصة ومستغربة لبعض الوقت وقال: لقد تغيرت (جيوم)! هناك ماتخفيه عني أشعر بذلك. أيتعلق الأمر بفتاة تحبها؟
وقف بثبات وقال: حسنا! أخطأت بطلب المساعدة منك! آسف على إزعاجك.

التفت مغادرا ثم توقف حين قال والده: حسنا لك ما طلبت، سأذهب إلى (ييفيا) في الوقت الذي تترأس أنت و(ليو) قوات الجيش التي ستضرب مدينة (Cereja). هل انت موافق؟
فكر قليلا ثم أغمض عينيه وهو يشد على قبضته وقال: موافق!
ابتسم (داميان) بنصر، لكنه بقي متوجسا من طلب إبنه هذا فنادى على خادمه وطلب منه تتبع (جيوم) ونقل جميع تحركاته إليه.

في ييفيا...
واصل السكان مسيراتهم ومطالبتهم بخروج القوات الإسبانية الظالمة من أرضهم، وقتذاك كان شريف البلدة بمعسكرهم في لقاء مع الجنرال ( ألفونسو أرليك) الذي كان يقول:
لقد أهان الغجر جنودنا وعليهم دفع الثمن غاليا!
ليقول الشريف بحزم: إنهم قوم مسالمون، جنودك هم من دخلوا مخيمهم ليفتشونهم ومن ثم قاموا بالاعتداء عليه. وهم يحتفلون بزفاف أحدهم!
من أهان من. أيها الجنرال؟!

أشعل الجنرال سيجاره وقال: لا يهم! مايهني أن تطردهم من البلدة، لا أريد رؤية أولئك الحثالة يتجولون ها هنا وإلا أرديتهم جميعا بدون رحمة. أفهمت!؟
ابتسم الشريف وهو يقول: ما لاتعلمه أيها الجنرال أنهم أصبحوا يدا واحدة مع السكان. وحدهم الألم فاجتمعوا على الحب، إنهم يشدون عضد بعضهم البعض.
استقام وأردف: مايهمك أن تتصدى لماجئت من أجل التصدي له، أرفع سلطتك على البلدة وإلا وجدت منهم شرا أشد وطئة من شر أعدائك!

أصبحت الليالي الخريفية هذه أشد برودة ورطوبة، خاصة بعد أن بدأت السماء تمطر.
تقدم الزعيم من خيمة (إيستاف) ونادى عليها،
فخرجت إليه فقال: كيف حالك الآن!
قالت: حية!
مسح على جبينه وقال: أنا أسف بشأن صفعي لك يومها!
هزت رأسها قائلة: لا بأس! صفعة الموت كانت أشد من صفعتك علي. لاتقلق لم تؤلمني!
وهمت بالدخول فاستوقفها قائلا: سأكون سندك دائما (إيستاف). لقد طلبت إذن والدك مساء الزفاف. طلبت يدك ووافق!

سنتزوج بعد إنتهاء أيام الحزن. سأكون رجلك الذي يحميكي. ألم تقولي هذا. لن تضطري لحمل السلاح برفقتي، لن تضطري للدفاع عن نفسك وأنا معك، أنا أحبك (إيستاف). كثيرا!
اقتربت منه تنظر إليه لبعض ثوان قالت: الآن أنا مضطرة إلى حمل السلاح. ليس للدفاع عني. وإنما للدفاع عن أرضي وحقي.
دعك من هراء الحب الذي لا يحمل سوى الألم أيها الزعيم! فلم أعد أصلح لشيء سوى الحرب!

التفتت مغادرة وتركته ينظر إليها بدهشة ثم اقتربت منه (لويندا) وقالت: النيران من كل جانب. ونحن عالقون بالمنتصف، والآن بدأت النيران المتعالية تقترب منا وتزحف إلى الداخل، ستحرقك. ستحرقنا
سنتشتت وننتظر المخلص الذي سيوحدنا بعد إنتهاء معركة النيران!

نظر إليها إلى أن أنهت كلامها ثم انصرف عنها دون أن يقول كلمة، أما هي فدخلت إلى (إيستاف) التي كانت تجلس على كرسي والدها الهزاز وتتلحف بعمامته فتشعر كما لو كان يحتظنها، إقتربت منها (لويندا) لتقول:
هل حقا كانت رغبة والدي أن يتزوجني (سيرجيو)؟

لتقول (لويندا): الرغبات تقال صغيرتي ولكن الكلمة الأخيرة يخطها القدر، لم يكن (بارتولوميو) ليجبرك على شيء، إن قدرك بين يديك. أغمضي عينيك وقودي نفسك إلى البر. بر الألم الذي سترميك المقاومة على أرضه، الحب صغيرتي!
الحب. حين تتوحد الأرواح المرهقة.
تزهر براعم الخير.
وتتنفس الأرض صعداء.
تمطر السماء لتكشف عن زينتها.
فيبتسم قوس قزح دون خوف.
فيصبح للقهوة مذاق بدون سكر.
على أحاديث الغزل.

ارتمت (إيستاف) بين أحضانها وأجهشت بالبكاء وهي تقول
اشتقت إليه عرابتي! يكسرني فراقه عني!
اهتزت المدينة قبيل الفجر على صوت الطائرات والقنابل المدوية، فزع الجميع وركضوا نحو الغابة تاركين خيامهم مشددين على أسلحتهم،
حينها أدركوا أنهم ليسوا مستهدفين.
الصواريخ الحمراء والأدخنة تقول أنها من معسكر الإسبان، ليلة دموية حمراء مزعجة...
حين يتصارع الوحشان.
تهتز الأرض ويسئم الليل المختنق.

يشتد النسيم برودة ليهديء نار الغضب.
فيفشل.
حين يتصارع الوحشان.
تتطاير الدماء...
فتضع علامة على كل شيء.
لتصبح تذكار لجيل الألفية المقبلة.
تذكار. يلعنه التاريخ!
حين يتصارع الوحشان!
ما أن انفرج الصباح حتى هدأ القصف ورحلت الطائرات من حيث أتت تاركة خلفها أدخنة تلوث الهواء الداخل إلى الصدور. فتمتلأ القلوب مزيدا من الحقد.

في ساحة البلدة فاحت رائحة الأجساد المشوية مع رائحة الرصاص والقذائف تقدم الشريف من الأب وقال:
إنها تسوية الحسابات بين العمالقة! وعلينا تنظيف الخراب الذي افتعلاه...
إقترب (إيستاف) منه وقالت: خسئت أيها الخائن! كان بإمكانك الدفاع عن ارضك في الوقت الذي كنت تملأ جيوبك من قذارتهم.
رفع يده ليصفعها فوقف الأب (فابيان) بينهما بينما هدر الزعيم بغضب: احفظ يدك وإلا سأقطعها أيها الوغد!

ليقول الأب (فابيان) بغضب: لقد تخلصنا منهم! لكننا لم نأمن شرهم بعد!
علينا توحيد جهودنا لما هو قادم.
ثم نظر إلى الزعيم وقال: خذ قومك وعد إلى مخيمك (سيرجو)!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة