قصص و روايات - روايات صعيدية :

رواية كبير العيلة الجزء الثاني للكاتبة منى لطفي الفصل الرابع

رواية كبير العيلة الجزء الثاني للكاتبة منى لطفي الفصل الرابع

رواية كبير العيلة الجزء الثاني للكاتبة منى لطفي الفصل الرابع

دلفت الى الداخل لتقف للحظات تطالعها في جلستها التي التزمتها طوال اليومين السابقين، لتزفر بتعب وهي تهز رأسها بعدم رضا على حال شقيقتها قبل ان تتقدم الى الداخل لتجاورها فوق الفراش وتمد يدها تربت على كفيّها المعقودين حول ركبتي الأخرى المرفوعتين أمامها، وهي تقول بحنان:
- سلمى يا حبيبتي. مينفعش كدا، حزنك وقفلتك على نفسك هيعمل ايه؟ ابنك وجوزك محتاجينك قوية.

سلمى بجمود ونظرات خاوية وهي تسلط عينيها على الفراغ أمامها: - كنت بيتهيألي اني قوية. قبل ما ألاقي نفسي مجبرة أني أخضع لقوة تانية. قوة معندهاش ذرة رحمة ولا عدل، قوة اسمها العادات والتقاليد.

سلافة بصبر: - سلمى يا حبيبتي أنا اللي هقولك يعني؟ احنا عارفين انه المجتمع هنا مختلف عننا في كل حاجة، البيئة إلى اتربينا فيها غير، هنا بيحكمهم العادات والاعراف، لكن احنا بابا وماما ربونا على العقل! لازم نفكر ونتناقش ونقتنع، ما كانش ينفع تبلغي القسم، اذا كان ابوها نفسه رفض، هتقوليلهم ايه؟

هبت سلمى واقفة وهي تهتف بغضب بارد: - ومين قالك اني كنت هتهم اللي عملت العملة دي بس؟ لا. انا هتهم الام والاب. أنا دكتورة يا سلافة والبنت – وتهدج صوتها قبل ان تعض على شفتها متابعة بصوت مهزوز حزين – لما جات لي مع مامتها انا حذرتها، قلت لها بنتك ضعيفة متستحملش، قلت لها خطر على حياتها ما اهتمتش! ام شافعي مش هي المتهمة الوحيدة يا سلافة، هي ما كانتش غير أداة، ولو ما كانتش هي هيبقى غيرها، لكن المجرم الحقيقي هو الاب والام.

سلافة بأسف: - لا يا سلمى وانت الصادقة، الجاني الحقيقي في القضية دي عادات وتقاليد، وفِكر مجتمع وصلنا للالفية الثالثة والعالم كله أصبح قرية صغيرة وهو لسّه متمسك بعادات من جدود الجدود، عادات مش من الدين في شيء.

نهضت سلافة واقتربت من اختها تحيط كتفيها بذراعها وهي تقول بأناة: - متزعليش من شهاب يا سلمى عشان صمم انك ما تقدميش البلاغ، دا من خوفه عليكِ، مش عاوزك تكسبي عداوة البلد هنا خصوصا وانه ام شافعي دي معروفة اوي هنا في البلد، واللي حصل دا طبيعي عندهم، فاتن الله يرحمها لا هي اول بنت اتختنت ولا آخر بنت هتتختن، وكمان مش اول بنت تموت من الختان، لكن انت عرفتي عشان الحالة جات لك، انا متاكدة انه فيه كتير بيحصل لبناتهم زي اللي حصل فاتن ومش بيتكلموا، تمام زي ما عمل ابوها، هو مش قالك أمر الله؟

هزت سلمى رأسها بنعم بسيطة قبل ان تردف سلافة بمرارة وأسى: - عارفة الكارثة ايه؟ – طالعتها سلمى بتقطيبة لتجيب سلافة – أنهم عارفين انه دا ممنوع قانونا، وعشان كدا لو حصل وحد فيهم بلّغ البوليس أول واحد هيتاخد هو، فتلاقيه بيقولك زي ابو ربيع ما قال. عمرها وخلص لحد كدا!

سلمى بخواء: - عارفة اكتر حاجة وجعاني ايه يا سلافة؟

نظرت اليها شقيقتها بتساؤل فأجابت سلمى: - أني لأول مرة أكتشف أنه فيه حاجات ممكن تجبرني أني أغيّر مبادئي، فيه اللي ممكن يكون أقوى مني ويخليني أتنازل عن الصح اللي شايفاه. لدرجة أني شاعرة باحساس المغصوب، احساس مر وقاسي اوي يا سلافة، انك تحسي انه ايديكي متربطة، وانه الشعارات والمبادئ اللي كنت بتنادي بيها، واني مش ممكن أفرّط في أخلاقيات مهنتي أو أسكت على غلط كل دا هوا، بالونة فارغة فرقعتها العادات والتقاليد!

سلافة مواسية: - يا سلمى يا حبيبتي كل مجتمع وله عاداته وتقاليده وقوانينه كمان اللي بتحكمه، مش هنقدر نغير كل دا بين يوم وليلة، لكن نقدر نوعّي ونعلّم الصح والغلط، نتكلم وننصح، نفتح العينين، نبيّن لهم كل طريق ونهايته هتبقى ايه والاخطار اللي فيه، ونسيب لهم في الاخر حرية الاختيار، بس بعد توعية وفهم مننا لهم، ودا مش هييجي من قاعدة واحد ولا اتنين. لا! دي مسألة عاوزة صبر ومجهود وطولة بال. لأنه من غير كدا مش هنقدر نغيّر مكان طوبة حتى، لازم العقل يشتغل عشان لما تتكلمي يفكروا في الكلام اللي بيسمعوه كويس. فاهماني حبيبتي؟

أومأت سلمى بهزة موافقة بسيطة من رأسها وهي تقول: - فاهماكي، بس للأسف الكلام سهل لكن التطبيق صعب، لانه فيه ناس هيقفوا قودام اللي بتقوليه دا، هيحاربونا، هيكونوا مش عاوزين يسمعوا ولا يفهموا.

سلافة بموافقة: - امممم. هذا ما وجدنا عليه آباؤنا وأجدادنا. صح؟
وافقتها سلمى قائلة: - للأسف صح.
سلافة ببساطة: - يبقى ساعتها همّا أحرار، اللي عاوز يسمع ويفكر ويفهم أهلا بيه، واللي هيرفض ويعترض خلاص – حركت كتفيها بلا مبالاة – هو حر! احنا مش هنجبر حد على حاجة ياسلمى، احنا مخيّرين مش مسيّرين يا سلمى.

سلمى باعجاب بتفكير شقيقتها العقلاني ولأول مرة تقريبا منذ وعت على الدنيا: - ما شاء الله يا سولي، ايه العقل والرزانة دول؟ أنا مش مصدقة! شكل تأثير غيث عليك جبار، بصراحة لازم أشكره!

سلافة بامتعاض: - ليه يعني؟ أكونش كنت مجنونة وعقلت؟
لتعدل ياقة وهمية في ثوبها الخال منها مردفة: - دي أقل حاجة عندي حضرتك، أنت بس اللي دايما كنت ظالماني!
ضحكت سلمى رغما عنها ضحكة خرجت مُتعَبة وقالت بيأس: - أنا ظالماكي بردو؟
سلافة وهي تضم سلمى اليها وقد راقها سماع ضحكة اختها: - ايوة يا كدا يا لولو. اضحكى وفرفشي. وتعالي نمخمخ المخاميخ عشان نشوف هنبتدي دروس محو الامية النسائية امتى وفين؟

سلمى باستفهام: - محو امية نسائية؟
أومأت سلافة بالايجاب وهي تقول مؤكدة: - أيوة! لازم كل ست تعرف حقوقها وواجباتها كويس اوي. طبعا انا عارفة انه الموضوع مش سهل.

سلمى بتأييد: - طبعا، انت فاكرة انه سهل نعمل دروس عشان نقول للست هنا حقك ايه وواجبك ايه؟ اول ناس هيرفضوا جوزي وجوزك!

سلافة بابتسامة عابثة: - ومين اللي قال انهم هيعرفوا طبيعة الدروس اللي هندِّيها ايه؟
قطبت سلمى لتوضح سلافة بساطة شديدة: - احنا هنعمل مركز محو الامية فعلا. بس هنشيل نسائية من اليافطة، هنخلّيها ف سرّنا، وهيكون خاص بالنساء فقط عشان نكون على راحتنا، واكيد هيوافقوا، ايه رأيك يا ست الضاكتورة؟!

سلمى بتوجس: - مش عارفة يا سلافة، الموضوع مش سهل زي ما انت فاهمة، لانه اساسا اللي هييجوا لنا دول اكيد هيروحوا يقولوا لأزواجهم اللي بنشرحه لهم، فأكيد التانيين هيعترضوا. وهيمنعوهم انهم ييجوا تاني!

هزّت سلافة كتفيها بلامبالاة قائلة: - وايه يعني؟ لو جالنا 10 ستات واتنين منهم بس اللي استمروا معنا ف دا في حد ذاته بعتبره انجاز كبير، سلمى خدي بالك انه اللي جاب لك فاتن كانت أمها، يعني واحدة ست، تفتكري لو كان عندها وعي وثقافة كانت عملت كدا؟ طبعا لأ. لازم نبتدي يا سلمى، أكيد الموضوع مش هيكون سهل ولا هو فسحة وتغيير جو، بس متنسيش انه الجيل إلى قدّي وقدّك كتير منهم متعلم ومعهم شهادات جامعية كمان، وانا متأكدة انه منهم اللي عاوز يغيّر أوضاع كتير ضد المرأة. ودا شيء ايجابي، زي هند بنت خالة غيث وشهاب مثلا، البنت دي عقلية مترتبة وجبارة، وخلود الناجي أنتيمتها، كنّا شوفناها عندها مرة، لما كانت تعبانة وراحت تزورها هي واختها بدارة.

سلمى موافقة: - آه افتكرت، عندك حق، وبدارة نفسها أنا فاكرة يومها كنت مبهورة بتفكيرها وكلامها ومنطقها وما استغربتش لما عرفت انها دارسة حقوق.

سلافة بحماس انتقل الى سلمى: - يبقى خلاص، نسمّي بالله ونبدأ، وبعدين متنسيش اننا ولاد كبير البلد. جدو الله يخليه، يعني مش هيقدرو لا يقفلوا باب ولا شباك في المركز بتاعنا!

ليشرق وجه سلمى وهي تهتف بقوة: - برافو يا سولي. هو دا الكلام.
لو اعرف انه سلافة هتخليكي تضحكي ومزاجك يتغير كنت خليتها ما تسيبكيش من وقتها!

فترت ابتسامة سلمى في حين قالت سلافة وهي تنقل نظراتها بين أختها وزوجها بمرح: - أي خودعه يا باشمهندس، هستأذن أنا بقه لأني اتأخرت على غيث وأكيد رهف صدّعت دماغ ماما ستّو كالعادة.

شهاب بابتسامة: - تمام، مش عارف أشكرك ازاي انك رجعتي لسلمى ضحكتها.
سلافة بغمزة ماكرة: - انك متخليهاش تكشّر تاني.
وانصرفت سلافة لتاتي بابنها وتلحق بزوجها بينما وقف شهاب يطالع سلمى في صمت للحظات تقدم منها بعدها وامسك بكتفيها ناظرا في عينيها وهو يقول بهمس:
- وحشتيني، كنت هتجنن من القلق عليك.
سلمى بهدوء: - معلهش يا شهاب بس اللي حصل مش شوية.

شهاب بزفرة عميقة: - أنا عارف انك جواكي بتلوميني. بس صدقيني يا سلمى انا كنت عاوز مصلحتك انت، عاوز أبعدك عن أي مشاكل، انت شوفتي أبو البنت كان عامل زي التور الهايج ازاي وانت بتتهميه هو ومراته انهم قتلوا بنتهم، ما كانش هيسمح أنه الموضوع يوصل للبوليس، بلاغ يعني نيابة وطب شرعي وهو مش هيوافق حد ييجي جنب بنته، صدقيني أنا لما صممت انك متبلغيش ف دا عشانك انت.

تنفست سلمى بعمق قبل ان تقول وهي تحاول تحريك كتفيها للتملص من قبضتيه: - عموما مافيش لزوم للكلام دا دلوقتي، اللي حصل حصل.
شهاب برفق: - طيب ممكن تفتحي موبايلك وتردي على مكالمات حماتي لأنها قلقانة غلبت أطمنها أنا وسلافة، ونقولها موبايلك بايظ لكنها مش مقتنعة، بتقول كل مرة مشغولة ومش قادرة تكلمني! فأول حاجة تعمليها لو سمحت تكلميها هي وعمي رؤوف.

سلمى موافقة: - اوكي، هكلمها ان شاء الله، انا ماكنتش عاوزاها تسمع صوتي وانا في حالتي دي، عشان متقلقش بزيادة، كفاية انها وافقت بالعافية انه بابا يسافر دبي يدرس في الجامعة بعد ما كلموه عشان يرجع لهم، ومضى معهم فعلا بس لما ماما وافقت انها تروح معاه. فمش هزوّد قلقها علينا.

شهاب وهو يدفعها برفق أمامه لتجلس فوق الفراش فيمد يده بهاتفها قائلا بحزم رقيق: - كلميها دلوقتي على ما آخد شاور.
بالفعل اتجه الى المرحاض للاغتسال فيما هاتفت سلمى والديها رؤوف وألفت لطمأنتهما، وبعد أن أنهت الاتصال الهاتفي، اندست أسفل الغطاء، دقائق ووافاها شهاب الذي اندس بجانبها، فقالت باستفهام:
- مش هتاكل؟

شهاب بتعب: - لا انا جعان نوم، هنام شوية ولما اصحى اروح اجيب رؤوف من عند سلسبيل. بئاله يومين هناك.

سلمى برقة: - سلسبيل تعبت معايا اليومين دول. رؤوف عندها طول الوقت.
شهاب معترضا: - بالعكس، سلسبيل بتموت في رؤوف، وهو كمان متعلقة بيها اوي.
سلمى بابتسامة: - سلسبيل شخصيتها جميلة واي حد يحبها.
مال عليها شهاب قائلا بابتسامة حنون: - أنتي أصل الحب يا حبيبتي.
واقترب بوجهه مردفا بغمزة ماكرة: - بقولك ايه صحيح. ايه اخبار مشروعنا؟
سلمى باستفهام: - مشروعنا! مشروع ايه دا؟

شهاب بدهشة زائفة: - معقول نسيتي؟ دا انت كنت هتتجنني لغاية ما اخدت الموافقت عليه! مشروع أخت لرؤوف!

شحب وجهها فجأة ليقطب بتساؤل، فقالت بتعثر بسيط: - اممم. يع يعني مش مشكلة، وقت ما ربنا يريد.
شهاب وهو يتلمس نعومة خصلاتها الكستنائية: - كل اللي يجيبه ربنا كويس، أهم حاجة اننا نكون سوا.
وهمّ بتقبيلها لتدفعه بخفة في كتفيه قائلة بشبه ابتسامة مهزوزة: - طيب ممكن تطفي النور.
شهاب بابتسامة: - يا سلام، نطفي النور.

وما ان التفت لاطفاء ضوء المصباح المجاور له كانت هي تميل الى الجارور المجاور لها تفتحه وتتناول شريط أقراص لتأخذ أحدهم وسريعا شربت رشفة ماء، قبل أن تعتدل لمواجهة شهاب بعد ان اغلقت الجارور، فابتسم لها وبدأ يبثها حبه وغرامه، بينما حاولت هي اسكات ضميرها بأنها قد قررت ونفذت دون اخباره، ولكنها لن تستطيع أن تحمل وهي تمر بتلك الاضطرابات النفسية، فهي تشعر أن أساس حياتها قد ضربه زلزال عنيف تدعو الله أن يخفف من توابعه!

نفخت اوداجها بقهر وهي تراقب زوجها وهو يتابع مباراة كرة القدم بالتلفاز، لتزفر بضيق قوي وتقطع المسافة بينها وبينه في خطوات واسعة قوية فتتناول جهاز التحكم عن بعد وتقوم بالظغط على زر التشغيل لايقاف التلفاز، ما جعل زوجها ينتفض صائحا بغضب وسخط:
- واه، جنيتي يا هند إيّاك! ايه اللي عِملتيه ديه؟

هند بحدة مفرطة: - أعمِلّك ايه؟ أحر ما عليا أبرد ما عِنديك (عندك)! بوك خلاص هينفّذ اللي في ادماغاه. السنيورة بت الناجي هتبجى مارات صالح ولد عمك، صالح اللي فرخة بكشك عند بوك، كانّه هو اللي ابنه مش انت، انا رايدة اعرف انت هتدنّيك اكده ساكت لحدّت ميتى؟

هتف وهبي بسخط وانفعال: - لا حول ولا قوّة الا بالله. يعني انا رايد أفهم. انت حمجانة (زعلانة) عشان صالح عيتجوز بدارة ولا عشانه جريب لابوي؟

صاحت هند وهي تمسك بيديها صدر جلبابها ترفعه لأعلى: - يا ختاااي، أشُوج (أمزق) خلجاتي منّيك!
لتردف محاولة الشرح: - انت فاكر انه جوازة صالح وبدارة عشان التار إو بس؟! أجطع دراعي أمّا كان فيه إنّة (سبب) في الموضوع، بوك معيوافجش بسهولة على حكاية النسب جصاد (مقابل) التار، أكيد ليه شوج (غرض) في حاجة تانية!

وهبي بلا مبالاة: - تانية ولّا تالتة. هتبان، كل شيجن هينكشف ويبان. مَعَيْدَنِّيشْ (لن يظل) السبب مجهول.

هند وهي تتخصّر وبسخرية: - وانت ان شاء الله مش ولده؟ مش المفروض ايكون مرسِّيك على لحكاية من اوّلها؟ سرَّه كله ايكون معاك انت؟ أني مافهمانيش (لا أفهم) انت اللي ولده ولا صالح؟ ديه مبيخطيش خطوة واحدة الا لازمن وحتمن (لازما وحتما) ايكون جايله علّيها. انما انت يا سبعي آخر من يعلم.

وارفقت كلمتها الاخيرة وهي تحرك يديها أمامها تبسطها وتثنيها عدة مرات بينما تلوي شفتها يمينا ويسارا في حركات متعاقبة.

انتفض وهبي واقفا وهو يهتف بحنق: - واه. انت وبعدهالك في حديتك الماسخ ديه؟ عاوزة ايه يا هند؟ أجف (أقف) جودام ابوي وأحاسبه؟

فاقتربت هند منه لتقف بجانبه تسند مرفقها الايمن على كتفه الايسر بينما اصابعها تداعب صدره هامسة بمكر انثوي:
- لاه اني ما جولتش إكده، لكن اني رايداك تكون امعاه في كل حاجة، ما تفوتوش (لا تتركه) واصل، خليه يشوفك منين ما راح، تسمع منيه وتعرف، تدخّل اذا لزم الامر وتجول شورك، خليه يِّعرف انه ولده مش اجليّل(ليس بقليل). فاهمني يا نور العين؟

وهبي بتفكير: - فاهمك يا هند، بس ما يستهيأليش (لا اعتقد) انه اللي بتجوليه ديه ينفع مع ابوي، بوي معيحبش حد يفرض نفسه عليه. هو شوره من دماغه.

كادت هند تجن وهي تصيح بصوت مكتوم كي لا يسمعها من بالخارج: - هو انت حد؟ انت ابنه. من صلبه. ضناه اللي مهمّلوش زي باجي خواتك ما عملوا، انت اللي دنّيتك (بقيت) اهنه.

وهبي بزفرة استسلام: - حاضر يا هند.
لترتاح اسارير هند وتقول بسعادة: - تسلم لي يا سيد الناس.
وهبي باستفهام كاد يصيبها بجلطة قلبية: - ممكن بجاه تفتحي التلافزيون عشان أشوف الماتش؟
هند بوجوم: - تلافزيون!
لتردف وهي تكاد تبكي: - ولا فيه فايدة ولا عايدة. وربنا انت لو جصدها اني أموت ناجصة عمر ما هتعمل إكده!

لاحقا أثناء وجود هند في المطبخ لتطلب من الخادمة صنع كوبين من الشاي، إذ بنرجس تدلف، لتمسك بمرفقها وتهمس لها بأمر أنها تريدها في أمر هام. فرافقتها هند حتى غرفتها، وما ان دخلتا، حتى وقفت نرجس امام هند تقول بتحذير واضح وسبابتها تتحرك أمامها بتهديد جليّ:.

- هند بطّلي زن على ودان ابن اخوي. وجبل (قبل) ما دماغك تودّي وتجيب عجولك اني سامعتكم واني جاية عنديكم عشان كنت رايده وهبي، سمعت حديتك العِفِش (السيء) امعاه. بعّدي عنِّيه، انت مالكيشي صالح باللي بيوحصل سوا في العيلة ولا الشغل كومان، وبعدين تعالي اهنه. ايه اللي مزعّلك انه صالح عيتجوز بدارة؟

كتفت ساعديها متابعة بسخرية: - ايه. كنت عاوزة نجوزوها لوهبي؟
انتفت هند غضبا وهتفت بذهول وصدمة: - واه! ايه اللي بتجوليه ديه يا عمّة؟
نرجس بابتسامة تهكم: - اللي سامعتيه يا نضري، ووجتها هيكون عذرنا امعنا، ولدنا ورايدين نفرح بخلفته. كم سنة دلوك ومافيش لا واد ولا بت!

امتقع وجه هند وقالت بجمود: - انت خابرة زين يا عمتي انه مش بيدي، ولو ع الحبل فأنا حبلت كاتير بس ارادة ربنا الحبل معيكملش (لا يكمل) والعيّل ينزل في وسط الحمل.

نرجس بحزم: - وطلبنا من جوزك بدال المرة ألف ومليون انه يتجوز وهو رافض، مارايدشي غيرك، تبجي تنزلي خاشمك (أنفك) ديه اللي رافعهولي لسابع سما وكوني طوع زوجك، اوعاك (حذاري) تستجلّي (تقللي منه) بيه، وجتيها عتكوني انت الخسارة، لانه رجالة الرجاوية على جد ما بيدلعوا حريمهم. على جد ما وجت (وقت) غضبهم نارهم بتحرج (تحرق) ما بترحمش (لا ترحم)!

اجتمع كبار عائلات كفر الخولي في الاستراحة الكبيرة بأرض الخولي حيث تم الاتفاق على زواج صالح من بدارة، والتي تقبلت الامر بمنتهى الثبات، فليست هي من تعرّض حياة شقيقها للخطر، طالما الحل يكمن لديها.

كانت تجلس تطوي الثياب المغسولة، لترفع كل قطعة ثياب خاصة به تتشممها مغمضة عينيها، تستنشق رائحتها بعمق، قبل ان تفتح اهدابها لتعيد القطعة ثانية مكانها، ولم تشعر بالباب الذي فُتح ولا بالاقدام التي اقتربت منها، حيث أحاطت صاحبتهما بكتفيها، لتهمس بصدمة:
- خلاص يا عمة. سي صالح عيتجوّز!

نرجس بمواساة: - هدية. انت خابرة زين جوزك عيتجوزها ليه، لا هو طمعان في مالها ولا جمالها، ديه عشان تارنا اللي حداهم. الرجالة اتفجوا (اتفقوا) على اكده عشان يجفلوا سلسال الدم. اللي كان هينفتح. فهمت يا هدية؟

هدية بصوت مكتوم حيث كتمت غصات بكائها قسرا: - فاهمة وعارفة والله يا عمتي، واني مش مهمومة ولا زعلانة ولا حاجة، أنا بس حاسة انه عيوحشني. لوّل ما كتش بشوفه كاتير مشاغله كاتيرة ربنا يعينه، دلوك هيكون فيه كمان العروسة الجديدة، والله اعلم ان كان عيفتكرني ولا بنت الناجي عتنسيه بنت الراجي بنت عمه؟

نرجس باستنكار رقيق: - مين ديه اللي تجدر (تستطيع) تخلي ولد اخوي ينسى ماراته، أم بناته. ديه لو وجفت على ايديها ما تجيشي (لا تأتي) حاجة فيك يا بنت الراجي.

سكتت هدية لثوان ليشرق وجهها وتتف بحبور: - لاجيتها. أنا هعرف كيف أخليه امعنا 24 ساعة، ايه رأيك يا عمة لو حملت؟ سي صالح نفسيه في اخ للبنات وأنا.

قاطعتها نرجس بصرامة: - انت ما بتفهميشي؟ هو مش بعد رابع ولادة والاخيرة الضاكتور قال انه صحتك معادتشي تتحمل ولادة وتعب تاني؟

هدية برجاء: - أيوة يا عمتي، بس عشان سي صالح كله بيهون. سي صالح يستاهل الواحدة ترمي نفسها في النار عشان خاطره، وانا منايا اني أجيب له الولد اللي نفسه فيه، واكيد ربنا عيجبر بخاطري النوبة دي.

نرجس بحزم قاطع: - اياكي تعملي حاجة الا بعد ما تشوري جوزك فيها، فاهمه يا هدية؟
اومأت هدية بنعم لتخبرها قائلة: - فاهمه يا ست نرجس.
وما ان اختفت عمتها حتى قالت هدية بعينين تلمعان بلمعة عشق واضحة وصريحة: - فداك عمري كله يا ولد عمي، اني منايا نظرة رضا من عينيك، لو تعرف بحبك جد ايه يا حبة الجلب(القلب)!

زفر غيث بتعب من تلك المشاغبة والتي ورثت جيناتها من والدتها جنيته الكبيرة، ليرفعها مقبلا اياها على وجنتيها ويهمس لها أن تذهب للعب مع رؤوف وصغار عمتها سلسبيل في الحديقة بالاسفل، ليتنفس بعدها الصعداء، فقد نجح اخيرا في جعلها تنسى سؤالها الذي ما انفكت تسأله له ولوالدتها. من أين أتت؟ . لتكو اجابة سلافة البسيطة. من بطني! بينما صغيرته فهي تعترض قائلة أن البطن لا يحوي الا الطعام والشراب فقط. فكيف كانت فيه؟

تقدمت منه وقد عرفت انه شارد الى البعيد، لتجلس بجواره هامسة: - اللي واخد عقلك.
ليضم كتفيها اليه قائلا بابتسامة: - هو فيه غيرك أنت وبتّك
ضحكت سلافة قبل ان تقول بهدوء: - غيث. كنت عاوزة أسألك حاجة.
نظر اليها غيث باهتمام قائلا: - اسألي يا جلب (قلب) غيث.
سلافة بحيرة: - ليه لغاية انهرده مش عاوزين يقتنعوا انه فكرة التار دي فكرة عقيمة، دا لا شرع ولا دين حللها، يعني موضوع بنت الراجي اللي ماتت وهي بتولد.

قاطعها غيث وقد فهم استفسارها: - عارف جصدك تجولي ايه، شوف يا بت عمي، لو لا قدر الله حد صاب (أصاب) بوك، هتكوني عاوزة ايه؟

سلافة باندفاع: - هبقى عاوزة اكله باسناني طبعا.
غيث بصبر: - جميل، ودا نفس الشيء، اللي بيموت له حد ويكون غالي عنده، بيكون رايد الجصاص (القصاص). وعندينا الراجل مش عيكون راجل الا لو هو إلى خد تاره بيدّه!

سلافة بتفكير: - امممم. طيب في حالة مريم الراجي.
قاطعها غيث: - خليني أسألك أني، لو كل شوية تلاجي حد معين بيأذي عمي ومارات عمي، يعني يحرمكم منيهم بعيد الشر. مش هتلاجي نفسك رايدة اللي عمل اكده يشرب من ذات نفس الكاس؟ صالح كل شوية حد يموت من عيلته والسبب حد من عيلة الناجي، حتى لو كان خطأ. لكنه اتحرم من أهله، صالح ماهواش شرير. والحمد لله انه الموضوع اتحل وجرينا الفاتحة انهارده مع الرجالة و...

ليقاطعه رنين الهاتف، وما ان رفعه حتى طالعه ذلك الاسم المعروف لديه، حتى نهض وفتح الاتصال وهو متوجس خيفة فلم يحدث أن هاتفه الا لسبب قوي، بينما جلست سلافة تراقبه مقطبة، لتلاحظ شحوب وجهه وارتفاع حاجبيه للاعلى، فنهضت وتقدمت منه وهي تطالعه قائلة بحنان واهتمام:
- فيه ايه يا غيث؟ حد حصله حاجة بعد الشر؟

فيما وقف غيث يطالعها وكأنه لا يرى بينما كان عقله يستعيد الكلمات التي ألقاها الطبيب في وجهه الوالدة قد استقرت حالتها. تستطيع اخراجها من المشفى! ...

ترى كيف ستخرج؟ والى أين ستذهب؟ هل سيتركها؟ ليهتف داخله أن لا! لا يستطيع فعلها، حتى وان كانت هي قد قامت بكثير من الأفعال الخارجة عن القانون والبعيد عن كل معنى من معاني الانسانية. ولكنه ليس الابن الذي يتنصّل من مسؤولياته، وهي امه. مسؤوليته هو، خاصة بعد ان طلقها والده ثلاثا وتزوج بأخرى أنجبت له ابنا كان ولا يزال قرة عين للجميع. ولهذا لا يستطيع أن يدير لها ظهره. فقط ما لا يعرفه كيف يستطيع اقناع سلافة؟ هل ستقبل أن تعيش أمه معهما في منزلهما المنفصل، أم أنها سترفض خاصة وأنها الى الآن لم تنسى أنها كادت تتسبب في مقتل والدتها في يوم من الايام. ولكنه لن يستطيع تركها فهي أولا وأخيرا أمه. راوية الخولي. وهذا الأمر لا نقاش فيه!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة