قصص و روايات - روايات صعيدية :

رواية كبير العيلة الجزء الثاني للكاتبة منى لطفي الفصل الخامس

رواية كبير العيلة الجزء الثاني للكاتبة منى لطفي الفصل الخامس

رواية كبير العيلة الجزء الثاني للكاتبة منى لطفي الفصل الخامس

نظر عبد الحميد الى حفيده ما ان انتهى الاخير بالقاء ما في جعبته والذي يقض مضجعه منذ اتصال الطبيب به، قال بعدها بهدوء:
- لحكاية مش سهلة كيف ما انت فاهم يا غيث يا والاديْ.
قاطعه غيث بتحفّز حاول التحكم فيه جيدا، فهو يعلم بغضب جده اللا متناهي على والدته، وأن أفراد عائلة الخولي مجتمعة لن تتقبلها بينهم إن لم يصدر عن كبيرهم عبد الحميد الخولي اشارة السماح بذلك:.

- يا جدي مهما حوصل منّيها هي في لوّل والاخير أمي، ماجدرش أفوتها أو أهمّلها، أني عارف أنه حضرتك غضبان عليها، عشان اللي عِملته، لكن ايه البديل؟ أرميها في الشارع؟ ترضاها لحفيدك يا جدي؟ ولد عتمان الخولي يرمي أمه في الشارع إكده؟

الجد باستنكار تام: - ومين جال (قال) لك انك هترميها والخرابيط دايْ؟، راوية في لوّل والاخير اسميها راوية طه الخولي، بنت أخويْ. يعني كيف بتّي تومام، واللي مرضهوش لبتي ما هرضهوش ليها، وبعدين تصحيح لكلامك أني مش غضبان عليها. لاه. أني غضبان منّيها! وأظن تِفرِجْ يا وِلْد وِلدي!

غيث بعد زفرة قصيرة مجيبا عتاب جده الكامن خلف كلماته: - ما تواخذنيش يا جدي، أني عارف أنه الموضوع مش سهل، خاصة بالنسبة ليا، اللي حوصل بين أمي وماراتي مش ساهل ولا هيّن، لكنها في لوّل ولأخير أمي وأني ابنها مينفعش أهملها أو أتبرّى منّيها.

الجد بتفهّم: - أني فاهمان يا غيث، وما تخافاش، كيف ما جولت لك، أني مهرضهاش ليها، عامة أني شيّعت ل بُوك ولعدنان أخوها والليث وشهاب، لازمن كلامي يكون جدّام الكل!

غيث بتقطيبة استفهام: - معنى كلامك يا جدي أنك عنديك الحل؟ هو ايه الحجني بيه أبوس يدّك.
الجد بنظرة خاصة: - بعون الله هتنحل، ما تستعجلش يا والادي. حبّة صغيرة والكل ياجي. وساعتها الكل هيعرفه.

سكت الجد ينقل نظراته بين وجوه المحيطين به، عثمان ابنه الذي كسى وجهه الوجوم، وعدنان الذي بانت الصدمة على ملامحه، وشهاب الذي حدج أخيه بلوم وعتاب لأنه لم يصارحه قبل الجميع فهو ابنها أيضا، والليث. ذلك الذي اعتلى وجهه تعبير غامض لا ينبأ بما يجول في خاطره، ولكن ليس لعيني الجد الصقريتين، واللتان رصدتا قبضته على مقدمة عصاه الأبنوسية والتي اشتدت حتى ابيضت مفاصل أنامله، ولكن وجهه كان كلوحة صمّاء لا تفصح عن مكنونات صاحبها.

قال الجد وهو ينقل نظراته بينهم: - ها. ايه رأيكم؟ الضاكتور بيجول انها بجت زينة، ولازمن تخرج من المشتشفى، جولكم ايه؟

ليهتف شهاب باندفاع بينما عيناه اللائمتين مسلطتان على غيث: - مافيهاش كلام يا جدي، دي أمّنا مهما كان، وواجب علينا نرعاها ونشيلها، وأعتقد مرضها وقعادها في المصحة النفسية الفترة دي كلها كان تكفير عن ذنبها اللي عملته وهي مريضة، يعني ما كانتش واعية لتصرفاتها كويس، انا اللي بلوم عليه هو غيث. – ونظر لتوأمه مردفا بأسف – ليه ما قولتليش؟ أنت عارف أني بطمن عليها باستمرار وبروح لها ازورها معاك دايما مع انها رافضة تشوف حد من ساعة ما دخلت هناك، يبقى من حقي اني أكون أول واحد يعرف.

الجد بعتاب حازم: - خوك ما غولطش يا شهاب، كل لحكاية انه عارفك مندفع ومتسرّع، ممكن كنت في ثانيتها شمعت الفاتلة ونزلت موصر ورجعت بيها وحاطيت الكل جدام الامر الواقع.

شهاب باندفاع: - دا اللي لازم يحصل يا جدي، مش هنرمي أمنا في الشارع على آخر الزمن.
أمسك غيث بمعصمه في حين نهره عثمان زاجرا: - شهاب! ما تهلفِطش (لا تتمادى) في الكلام، جدّك هو كابيرنا، وخوك اتصرّف صوح.

رفع عبد الحميد يده موقفا الحوار الدائر بين ابنه وحفيده وقال بحزم: - جوصر الكلام. راوية طالعه من المشتشفى، ومش احنا اللي نرمي لحمنا، مهما كان هي اتدنّها (لا تزال) بنت الخولي، وأني جمعتكم دلوك عشان أجولكم على قراري...

انتبه لكلامه الجميع، ولكن. واحد بالأخص. اختلجت عضلة فكّه في غضب شرس دفين، وقد سيطر على نيران بركانه الثائر بصعوبة، فهي أن انفلتت، أحرقت الأخضر واليابس!

الجد بعينين حازمتين: - راوية معتنفعش ترجع تعيش حدانا اهنه.
قاطعه غيث باعتراض واستنكار: - واه يا جدي.
ولكن الجد لم يمهله المتابعة وقال بصلابة: - أكمل كلامي لوّل.
أنصت الجميع جيدا فيما استأنف قائلا: - عتمان اتجوز وأصبح عنديه حرمة، ديه غير أنه مطلّج راوية بالتلاتة، يعني جعادها امعاه في نفس الموكان غلط.

عدنان بجدية: - وأني ما ارضهاش لأختي يا حاج، راوية مكانها عِندي، أني خوها شجيجها أولى بيها.

برزت عروق ذاك الذي يكاد ينفجر غضبا وسخطا بينما قال شهاب معترضا: - طيب ليه متقعدش معايا انا ابنها؟ انتم عارفين سلمى أنسانة متزنة، أنا مقدّر طبعا اللي حصل بينها وبين سلافة – ناظرا لغيث متابعا – وعارف أنه حتى لو الامور رجعت لمجاريها بين غيث وسلافة فهيفضل جوّة مرات أخويا نقطة سودة من ناحية امي، لكن سلمى عاقلة وبتعرف توزن الامور صح.

الجد بصلابة: - غلط!
طالعه الجميع في تساؤل ليردف شارحا: - غلط اللي بتجوله يا شهاب يا والادي، أذا كانت ماراتك عاجلة ومتزنة كيف ما بتجول، ديه ميمنعش أنها مهتنساش اللي حوصل من أمك ناحية ألفت أمها، حتى لو كانت عارفة ومتأكدة أنها كانت مريضة واللي صدر منيها صدر من واحدة مش في عجلها، لكن تِدَنْ (لا تزال) ألفت أمها، ويدنّيها أمك اللي حاولت تقتلها!

وجم الجميع بينما تابع الجد بأمر لا يقبل النقاش: - اسمعوا بجاه قراري في الموضوع ديه. راوية هتخرج على دار عدنان خوها، وانت وهو. – مشيرا لشهاب وغيث بقاعدة عصاه – تزوروها وجت ما تحبوا، لكن محدش فيكم يفرضها على ماراته. مهما كان احنا بشر مش ملايكة، هما مالهومش أنهم يمنعوكم عنها، وأنتم مالكوش أنكم تجبروهم عليها، إكده الحال هيستقيم بين الكل، لكن احنا هنأجل الموضوع ديه لحدّت (الى أن) ما نخلصوا من حكاية الراجي والناجي، عشان نكون فايجين.

الكل بإذعان: - اللي تشوفه يا بوي/ حاج/ جدي.
شخص واحد من لم ينبس ببنت شفة منذ بداية الحديث وحتى نهايته، ليقول الجد متسائلا: - ما سمعتناش صوتك يعني طول الجعدة يا ليث يا والادي.
الليث بوجه متجهم وصوت خشن وعينان مسلطتان على اللاشيء امامهما: - عجول ايه يا جدي؟
الجد بهدوء فهو يدرك جيدا ما يدور في عقل حفيده: - تجول رأيك يا والادي. ديه مهما كانت عمّتك وأم سلسبيل ماراتك...

ليضرب الليث بعصاه ضربتين على الارض بخفة قبل ان ينهض مقاطعا جده وهو يقول بصلابة:
- ما تواخذنيش يا جدي، لكن أني بالذات غيركم كلاتكم...
لينقل نظراته بين الجميع مردفا: - أني اللي بيني وبينها يخليني أنسى أي قرابة أو صلة رحم...
نهض شهاب متحفزا وهو يقول بحدة: - قصدك اه يا ليث؟ أمي كانت عملت لك ايه؟ اللي اتأذى منها مراتي أنا وغيث أنما أنت.

قاطعه الليث بصرامة وعينان متقدتان بشعلة غضب متوهج: - أني اللي بيني وبينها تار. دم والادي وماراتي اللي مخضّب ايديها، ويامين بالله لوما كانت حرمة كنت خدت بتاري منّيها. مش الليث الخولي اللي يفوت تار ولده وماراته!

ليهتف عدنان زاجرا: - باه. خبر ايه يا ليث؟ جنيت اياك!
الليث وهو يسدل جفنيْه الى الاسفل: - ما تواخذنيش يا بوي. لكن كيف ما جولت، أني مش ممكن أنسى اللي عِملته، سلسبيل ماراتي اللي هي بتّها كانت بين الحياة والموت والسبب هي.

هدر شهاب مقاطعا: - ما كانتش تقصد! مش ممكن هتأذي بنتها.
نظر اليه الليث وقال بجمود: - عارف، وعارف كمان أنها جصدت ماراتك انت! لكن الحفرة اللي حفرتها وجعت (سقطت) فيها بتّها. لو كانت اللي عملته حوصل، كان زمان الاذى طال ماراتك ووِلدك!

بُهت شهاب وسكت فيما أردف الليث وهو يقبض بقوة على رأس عصاه الشبيهة برأس ليث يزأر:
- ما تواخزنيش يا جدي، كلامك سيف على رجبتي، واللي هتجول عليه ماشي. لكن أني بارّات الموضوع ديه، لا يجمعني بيها مكان لا أني ولا ماراتي ولا حد من عيالي، وبعد اذنك يا بوي، لو جعدت عنديك صوح، حجّك (حقك) ومجدرش أخالفك فيه، لكن حجي أني أحمي أهل بيتي. مكان فيه راوية الخولي معتّبوش ( لآ أخطّيه) لا آني ولا حد من أهلي!

عدنان بذهول غاضب: - باه. هتجاطعنا اياك؟
الليث بهدوء يخفي غضبا ضاريا: - العفو يا بوي، بيتي مفتوح لكم، وأني وماراتي وعيالي تحت رجليكم. لكن إنها تشوف سلسبيل أو حد من عيالي مش هيحوصل، وأني مبعملش اكده عشان أصعّبها عليك لا سمح الله، لكن أنتم اختارتم اللي ريّحكم. وحجّي (حقي) أني كومان أعمل اللي ريّحني...

ليتجه الى جده مردفا: - بالاذن يا جدي.
ويميل مقبلا ظاهر يد جده، ويتجه بعدها مقبلا رأس والده وعمه عثمان قبل ان ينصرف بلمح البصر، وما أن دلف خارجا حتى وقف يتنفس بغضب وهو يهمس بشرّ:.

- الله في سماه لو رجعتي لملاعيب الشيطان حجّتك تاني يا حماتي. ما هيوجف لك غيري أني. وما هيشفعلكيش وجتها ( لن يشفع لك) أنك حُرمة، أو إن بتّك تبجى ماراتي، اللي ما اتمناشِ في الدنيا غيرها، لأنه اللي بيني وبينك دم. والدم ميغفروشي العشج (العشق)!

بينما في الداخل نظر الجد الى الوجوه المحدقة في أثر ليث الغارب وقال بحكمة: - اللي حوصل لليث مش بالساهل، وكلاتنا عارفين حالته كان شِكلها ايه وجتيها وسلسبيل بين الحياة والموت، الموضوع لازم له وجت، بلاش نجبروه على حاجة مش عاوزها، الضغط بيولّد الانفجار، والليث بالذات انفجاره هيكون أجوى (أقوى) من البركان، اللي أني جولته هو اللي هيوحصل، والليث همّلوه لمّن يروج لحاله.

ونظر الى عدنان مردفا: - فاهمني يا أبو الليث؟
عدنان بزفرة أسى: - أمرك يا حاج.
ليشرد الجد بعدها وهو يهمس داخله أنه على يقين أن نار الليث لن تهدأ أبدا. فهو يحفظه تماما كخطوط راحة يده، فكما أنه لا ينسى معروفا، فهو. لا يغفر ثأراً!

طرقات على الباب تبعها إذنها بالدخول بصوتها الهاديء الواثق ذو النغمة الناعمة التي تطرب الأذن، لتدلف شقيقتها الصغرى، فأشارت لها بدارة بالاقتراب، لتغلق الباب خلفها وتسارع برمي نفسها بين أحضان شقيقتها الوحيدة وتوأمة روحها وهي تقول بصوت حزين باكي:
- خلاص يا بدارة، هتتجوزي ولد الراجي وتفوتينا.

بدارة وهي تمسح على شعر خلود بحنان قائلة بابتسامة رقيقة: - يعني أني هفوتكم وأروح فين؟ دي هي فركة كعب بيننا وتكوني عندي.
رفعت خلود رأسها من حضن اختها وقالت وهي تشيح رافضة بيدها: - لا يا ستي، ما خطيش أني بيت الراجي، اذا كنت مش طايجة سيرتهم هشوفهم كومان!
نظرت اليها بدارة بتأنيب رقيق وقالت: - عشان خاطر أختك؟ مش بيجولوا لجل الورد...

خلود بلهفة: - ينسجي (يُسقى) 100 عليق مش واحد بس، لكن أني مش بالعة لغاية دلوك زواجك من صالح الراجي، انتي تستاهلي لحْسن منيه 100 مرة، ديه راجل مش مكمل علام واكبر منيك بأكتر من 15 سنة ومتجوز وعنديه اعيال ديه غير الحديت اللي بنسمعه عنيه وأد ايه هو ماعيتفاهمشي، وعصبي وروحه حدا خشمه (أنفه)!

بدارة بصبر: - أحيانا الواحد بينفرض عليه حاجات لازم يجبل بيها عشان يحمي الناس اللي بيحبهم، وانت عارفة أنه بديل جوازي من صالح كان هيبجى دم أخوك بعد الشر، ولو على العلام ديه حاجة في مصلحتي!

قطبت خلود في استفهام لتشرح بدارة: - العلام مش بس شهادة يا بنت أمي وأبوي. لاه! العلام بينور الدماغ ويفتح المخ، وأني متاكدة أني هجدر (سأقدر) أفهمه، وأوازن حياتي معاه كيف ما أنا رايده، فرق السنين إلى بيننا أني بعوّضه في علمي وشهادتي، يبجى كدا المعادلة تقريبا موزونة بالنسبة للسن، أما لو على ماراته وعياله فأنا مش متجوزاه حبّا فيه، وبالتالي مش هيكون بيننا كيف ما بين الضراير، لو عليّا أني أني راضية يكون معاها السبع ايام بسبع ليالي، معتفرجش معايا. واللي أعرفه عنها أنها بسيطة جدا وفي حالها...

خلود بحنق: - لكن عنديه عمّة سماوية اسميها نرجس ومارات أخ عجربة (عقربة) اسميها هنادي.
ضحكت بدارة قائلة بتهكم
- جصدك هند؟
قطبت خلود لتتابع بدارة: - ما درتيش (ألم تعلمي؟ )؟ مش هي أصدرت فرمان انه اسميها يكون هند، من يوم ما اتجوزت وهبي؟

خلود بدهشة: - واه. وليه ان شاء الله؟
بدارة ببساطة: - لانه جوزها كان عينه من هند بت عمه رياض، لكنها كانت صغيّرة، ديه غير أنه كان فيه كلام عليها لولد الخولي، فمنفعش انه يتجدّم لها، واتجوز هنادي، اللي لمّن عرفت بالصدفة من واحدة من الحريم اللي زاروها يوم صباحيتها وهي بتقول لها انه وهبي ربنا عوضه بعروسة زينة أحلى من هند اللي كان رايدها!

خلود بذهول: - واه!
أومأت بدارة قائلة: - الحرمة ديه تبجى قريبة الحاجة زينب أم هند، الست تقريبا حست انه هنادي اتضايجت من الحديت وخافت يوحصل مشاكل من ورا كلامها اللي مجصدتش بيه غير انها تجامل العروسة، فما كذبتش خبر وراحت هي بنفسيها وحكت للحاجة زينب، وهند سمعتهم بالصدفة، ومن يومها هنادي بجه اسميها هند!

خلود بصدمة: - يا بوووويْ! وانت عرفت ديه كله منين يا بدارة؟

بدارة بابتسامة: - من هند، انت عارفة انها زميلتي في الجامعة يوم بيوم، وكان بيننا صداقة، لكن لمّن خلصت كلية الحقوق خالك صقر قال كفاية علام لحد اكده، أما هي بقه قدرت تقنع بوها انها تجدّم على الدبلومة، ويدوبها خلصت معايْ سجلت طوّالي، عاوزة تاخد الدكتوراة، مافيشي في مخها غير المذاكرة او بس، ولو اني خابرة انه ب وها ولا خوها هيرضوا بكده، عذرها في لول الجامعة وعشانهم بيحبوها وافقوا لكنها خلصت دراسة، وخدت ليسانس الحقوق بتقدير جيد جدا، يبجى بالنسبة لهم مافيش سبب لتأخير الجواز.

خلود باستفهام: - وولد الخولي؟ انت مش بتجولي انه متكلم عليها؟
بدارة مشيحة بيدها: - يوووه، ديه من زمان، كانت لساتها في الثانوي واللي اتكلم عليها بوه مش هو، هو وجتها كان مسافر بلاد برة عشان يكمل دراسته، وشكله اكده هعيش هناك مهينزلش، ديه بجالو عشر سنين تقريبا ما جاش زيارة فيهم، اكيد اتجوز هناك وعاش حياته.

خلود بتنهيدة عميقة: - يا بخته!
بدارة مقطبة: - واه. يا بخته! ليه يعني؟
خلود بحماس: - ايوة يا بدارة، خرج برات الكفر وشاف الدنيا، يا ما نفسي أكون زييه اكده، ولو انه صعب وعمره جدك ولا خالك هيوافقوا، لكن ادعي لي اتجوز واحد يسفِّرني بلاد برة!

بدارة بتهكم: - واضح انه دراستك في الادب الانجليزي وقراية الروايات لحست مخك، وانتي الصادجة، انت هتاخدي واحد يجعّدك في بلاد جوة!

لتمسك خلود بالوسادة تضرب بها بدارة التي رفعت ذراعيها تحمي وجهها بينما تصاعدت ضحكاتها عاليا.

دياب احنا مش جاد الراجوية، همّل يا والادي اللي في دماغك ديه، واخزي ابليس اللعين.

نظر الى وجه والدته المترجي وتعبير الخوف والقلق يبدوان جليا على ملامحها السمراء، وبالرغم من ان عمرها الحقيقي لا يتعدى الاربعينيات ولكنها كحال من هلكهم الفقر، فهي تبدو أكبر بعشرين عاما على الاقل!

برز شعور دياب بالغُبن والقهر جليًّا على قسمات وجهه التي لوّحتها الشمس، صحيح أنه من عائلة الناجي ولكن حالته المادية مستورة نوعا ما، فهو يملك قطعة أرض صغيرة يهتم بها بعد وفاة والده، ويعيش مع والدته في منزل بسيط، كما يعمل لدى الشيخ عبد الحكم الناجي، كبير عائلة الناجي، فالأخير يعتبره ساعده الايمن، وكثيرا ما وكّل اليه مهام مختلفة، الامر الذي حفّزه أن يفاتحه فيما يريده، فهو اولا واخيرا من عائلة الناجي، بل هو من أشجع شبابها، وبشهادة كبار العائلة، حتى وأن كان أقلهم في المادة، ولكن ما حدث جعل كل أمانيه تذهب أدراج الرياح، ما جعل نيران غضبه تتصاعد عنان السماء!

قال دياب بغضب مستطير من بين أسنانه المطبقة: - ما تجلجيش يا أم دياب، لكن اللي حوصل ديه معدهوشي اكده. بدارة حجِّي أني، أني وِلد عمّها، وأولى إبْها، صالح الراجي كل الكَفْر عارفه، لصغيّر جبل الكابير يعرف زين مين هو صالح الراجي، راجل الجسوة بتجري في جتته كيف الدم تومام!

ولوَلت أمه قائلة وهي تضرب فخذها: - يا مورّك يا عزيزة، يا مورّك.
لتطالعه بعدها تهتف عاليا باستنكار وقلق: - رايد توجف في وشّ صالح الراجي إيّاك؟ توبجى اتجنيت يا وِلد بطني، صالح الراجي معيتفاهمش واصل، اجصر الشر واستهدى بالله إكده، ولو ع الجواز، من بكرة ان شاء الله، عجوّزك زينة العرايس وبرضيك من الناجوية، ولا توعّر نفسيك!

دياب بمرارة ساخرة: - كلّاتكم خايفين من صالح الراجي، كانُّه بعبع؟!، صالح الراجي معيجدرش يجتل ناموسة، ديه لولام الردّالة اللي بيحاوطوه في كل مكان بيروحاه، صيت ع الفاضي!

ضربت عزيزة صدرها براحتها وهي تشهق بذهول قائلة: - واه! انت ما واعيشي لولد الراجي ولّا إيه؟ ناسيت إياك انه كان يهموّت ولد أبو عامر لمّن عرف انه مدسوس عليهم من حدا الطحاوية، وانت خابر اللي بين الراجوية والطحاوية، سلسال دم ما وفجش غير لمّن ابنهم اتزوج بتّهم كيف ما بيحْصوُل دلواكيت، البلد كلاتها ما كانيش ليها سيرة غير الحديت ديه، أيامها انت كنت في الجيش يا نضر عيني، ربطه في النخلة اللي في وسط حوش بيتهم، يوم بليلة لا وكل ولا شُرب، من غير خلجاته اللهم الا اللي يستره، وجتيها كاتير اتوسطوا عنديه عشان ايسامحه لكن ما كانيش بيجول غير كلمة واحدة، ديه عِجاب خاين الامانة. الراجوية لا بيسامحوا في خيانة ولا بيجبلوا عوض!

زفر دياب وهتف بحنق: - يوووه يا أمّا، أني بدّي أعرف انتي معايا ولا معاه؟
عزيزة مؤكدة: - أني مع الحج (الحق)، لومن الشيخ عبد الحميد الخولي كابيرنا اتدخل في لحكاية اللي حوصلت كان زمانتها البلد غرجانة في بحور دم راحت فيها زينة شبابها وردالتها واترملت نساوينهم واتيّتم اصغارهم!

نفخ دياب بضيق لتردف والدته محاولة استرضائه وهي تربت على ساعده: - دياب يا والادي، انت خابر زين انك اهلي وعزوتي، أني ربنا رزجني (رزقني) بتسع ابطون ما فاضلشي منّيِهم غيرك انت، بعد ما خوك الوحيد الله يرحمه مات وهو في عز شبابه بالمرض الشين عامن أوّل (العام السابق) ودلوك بوك الله يرحمه لبّى ندا ربه، ما عاوزاشي يا بني أدوج خسارة تاني، خليص، جلبي وَرمان الله الوكيل، سايجة عليك النبي واولياء الله الصالحين كلهم (أستغفر الله العظيم وأتوب اليه) انك تهمّل اللي بتفكّر فيه ديه، وخليني أزوجك عروسة نجاوة.

لتبتسم متابعة بزهو: - اما كانت بدر امنوّر ما كونيش أم زينة شباب عيلة الناجي!
سكت دياب لثوان قال بعدها بهدوء: - تومام يا أمّاه، وأني عند جولك، بلاها بدارة، لكن اني رايد اني اللي نختارو العروسة!

قطبت عزيزة وقالت بحيرة: - واه يا دياب، عتنجِّيها كيف ديه؟ – ضحكت مردفة – الله يحظّك يا دياب، دايما دمّك خفيف وتحب التنكيت!

دياب ببساطة: - لكن ديه مش مزحة يا ام دياب اني بتكلم جدّ!
كشرت عزيزة وكررت باستهجان: - واه! كيف ديه؟ يعني رايد تختار أنت من البنتّة!
أومأ دياب ايجابا لتقول في استفهام وريبة: - واحنا من ميتة الرجال عندينا بيشوفوا ويختاروا؟ جايز في عوايل غيّرت عوايدهم لكن احنا عندينا عمر ما حاجة اتغيرت ولا هتتغير، من يوم الحاج الناجي الكابير.

دياب مقاطعا: - أني بس رايد اعرِف. انت مزرزرة نفسيكي ليه؟ عامة يا ستي ما تخافيش جوي اكده، انا ماجصديش أدخل لبيوت وابص واشاور واجول أه أو لاه، اللي رايدها مش لازمني أشوفها لاني عارفها من زمان!

تغلب فضولها عليها لتسأله مباشرة: - وديه تبجى مين السنيورة ديْ ان شاء الله؟
دياب ببساطة: - خلود، أخت بدارة الناجي!
هتفت والدته بذهول: - واه! انت بتجول ايه؟

دياب ببرود: - اللي سامعتيه يا ام دياب، والمرة دايْ مش هتنازل عن نسب الناجوية، انا أولى من الغريب، وطالما اتحدّتي (تكلمتي) ع العوايد والتجاليد يبجى كومان لازمن تفتكري انه من العوايد انه البت لابن عمها، مش لعدوّ أهلها وعدوّها! عشان اكده أني مش هفرّط في خلود واصل.

عزيزة بتوجس: - انت بتتحدّت كيف ما تكون مالي يدّك؟ انت فاتحت الشيخ عبد الحكم في الحديت ديه؟

نفى دياب بهزة من رأسه وقال: - لاع، لكن اني خابر الحاج عيجول ايه، لان الحاج (الحق) امعايْ. اف صفّي، والشيخ عبد الحكم معيجدرش يرفض، أني خابره زين، لازمن يطبّج العادات والتجاليد ولو على رجبته!

لينهض من مكانه بجواره فرفعت رأسها تطالعه وهي تقول بقلق: - على فين العزم إكده؟ جعمز اهنه ما عتروحش في موكان!
ابتسم دياب ابتسامة صغيرة لم تصل الى عينيه وقال بهدوء: - اطّمني يا ام دياب، ولادك سبع، والسِّباع ما عتخافش، لكنها. اتخوّف. واتموّت من الخوف كومان!

وصل الى منزل كبير عائلة الناجي ليفتح له الغفير البوابة الحديدية فدلف الى الحديقة الواسعة المحيطة بقصر الناجي، فاتجه من فوره الى الباب الداخلي ليسمع صوتا كالكروان يشدو بنعومة، فقطب، ولا يعلم لما تتبع اتجاه الصوت، ولكنه شعر بدافع قوي ليعلم صاحب هذا الصوت الكرواني الناعم، ليقف على بعد أمتار، فيفاجئ بصبية تبدو في السابعة عشر من عمرها، كانت تجلس الى الاريكة الارجوحة، تضرب الارض بقدميها الصغيرتين لتتطاير الى الاعلى فيتطاير معها وشاح رأسها الذي كان ينزلق بين كل ثانية واخرى، لتنتفخ أوداجه قهرا من تلك الغبية التي تلهو تحت أعين الرجال المنتشرين في حديقة القصر، حتى وان كانوا مجرد حرّاس لجدها، ولكن لا يزالوا. رجال اغراب!

ليقبض فجأة عندما وردت على عقله تلك الفكرة على حبل الارجوحة لتقف، فرفعت عينيها تطالع بتجهّم وجه ذلك المتطفل على خلوتها، صاحت تأمره:
- هاي أنت. انت اتجنيت! كيف تسمح لنفسك انك توجف تتفرّج عليا؟ كنت فُرجة اياك؟

همّ بأن يخبرها أنها أحلى فُرجة! ولكنه أحجم عن ذلك وقال بدلا منها ببرود: - أنا ولد عمك يا بت عمي، ولو جولتي لجدك عبد الحكم هيأكد كلامي، ودلوك ياللا جومي من اهنه!

فتحت خلود عينيها واسعا ونهضت ليس طاعة لأمره بل ذهولا وصدمة من جرأته! قالت والصدمة لا تزال تعتريها وهي تقف أمامه:
- انت مين؟ مين اللي عطاك الحاج (الحق) انك تبيع وتشتري إكده؟
لتتغلب على ذهولها وترفع يدها مشهرة سبابتها في وجهه وهي تقول بغيظ من بين شفتيها المشدودتين:
- قسما عظما امّا اختفيت من وشّي الساعاديْ ما عيحصلك طيّب! اجصر الشر وامشي يا ابن الحلال بكرامتك احسن لك.

لتهز برأسها استنكارا متمتمة بتعجب: - جال يا جاعدين يكفيكم شر الجايين!
دياب بهدوء: - طب مش تساليني لوّل ابجى مين؟
خلود بسخرية باردة: - مش امهم، اكيد انت واحد من العيلة او حداك طلب عند الحاج، عامة اني ما رايداشي أعرف، واتفضل باجه من غير مطرود!

ابتسم دياب ابتسامة سخرية وقال: - إكده؟ فيه حرمة برضيكي تطرد زوجها يا بت الاصول؟
للحظة اسودت الدنيا امام عينيها، لتنجلي بعدها فنظرت اليه هامسة بذهول تام: - مين جوز مين؟
ضحك دياب وقال: - شايفة غيرنا اهنه؟!
شحب وجه خلود وهتفت بغير تصديق: - جوز وحرمة؟ عنلعب أفلام اياك؟ عموما اني رايحة لجدي حالا دلوك وعشوف هتهلفط بذات نفس الحديت الماسخ ديه كانّه شوربة فول نابت ولا لاه!

وسارعت تسبقه بينما تابعها دياب بنظراته التي لا تخلو من الاعجاب، لا ينكر انه لم يكن قد رأى وجهها بتمعن فهو لا يسلط عيناه على وجه امرأة مهما كان، فدائما ما يخفضه الى الارض، ولكن تلك ال خلود لم تنجح فقط في جذب اهتمامه من صوتها لمعرفة وجهها، ولكنها ايضا نجحت في انتزاع ضحكة منه وهذا امر لو تعلم هي. عظيم! بل ونادر الحدوث! ولكنه حصل، وتلك الغزالة الهاربة قد نجحت بالفعل في الاستحواذ على تفكيره، ليبتسم بنصر هامسا بداخله أنه لن يعود اليوم الى المنزل قبل ان ينال موافقة جدها رسميا، وبداخله حدس يخبره ان ايامه معها لن تكون مملة اطلاقاااااااا!

يوم زفاف صالح وبدارة.

لم يكن هناك ما يسمى ب حنة العروس. فهناك فقيدة لعائلة الراجي، كان على عائلة الناجي الاكتفاء بعقد القرآن وقد اقتصرت الجلسة على عائلتي الراجي والناجي وكبير البلد. الشيخ عبد الحميد الخولي وأولاده فقط، لتذهب بدارة الى منزل زوجها في سيارة سوداء كبيرة، يقودها سائق يعمل لدى عائلة الراجي، وجاورها صالح الذي لم يستطع رؤية أي شيء منها فقد تغطت بالعباءة السوداء من أعلاها الى أسفلها، حتى وجهها قد ارتدت نقابا أسودا سميكا، فلم يظهر أي ملمح من ملامحها أسفله، وقد تبعهم صقر بسيارته يجاوره سالم الذي أصر على الذهاب معهم، ولكنه لم يترجل عند وصولهم، نزولا على أمر الجد عبد الحكم له، فهو يعلم جيدا مقدار مكر عبد الرحمن، فقد يتظاهر أحد أفراد عائلته بالفرح ويطلق الرصاص لذلك فتصيب حفيده رصاصة طائشة ولكنها لن تكون في الحقيقة طائشة. بل هي تعلم هدفها جيدا. فيكون عبد الرحمن قد سلبه حفيديه الأثيرين لديه، وعلى الرغم أنه احتمال بعيد الحدوث فلديهم ميّت وطبيعي ألا يظهروا أي مظهر من مظاهر الفرح ولكن عبد الحكم لا يأمن مكر عبد الرحمن ولا ابن أخيه، زوج حفيدته. درة عائلتها، والتي يدعو الله أن يسدد خطاها ويحميها من شرور نفوسهم ومكرهم.

نفخ صالح بضيق وهو يأمر سائقه بالاسراع، فهو يشعر بالحنق والسخط منذ رؤيته لسالم، والذي وبكل جرأة صمم على مرافقتهم، كم يرغب في أن يزهق روحه الآن، لينال ثأر عائلته كلها من عائلة الناجي، ولكن مهلا. أن غدا لناظره قريب، وسينال ثأره كاملا من عروسه. الجميلة!

حانت منه التفاتة اليها ليراها وهي ملتحفة بعباءتها السمراء، يشعر بالفضول لرؤية وجهها، لايزال يذكر المرات القليلة التي كان يصادف وأن يراها فيها، كانت الأعين تشخص لها، وتصمت الافواه، وتشرئب الآذان لسماع صوتها، وكم كان وقتها يود زجرها وأمرها بألا تخطو بقدميها عتبة دارها، ولكن كيف والعروس المبجلة كانت وقتها طالبة في الجامعة، وعلى الرغم من أن جدها كان يضع سائقا تحت امرتها لكي يذهب بها من والى الجامعة، ولكنه يذكر أنه في إحدى المرات قد رآها وهي تترجل من إحدى المواصلات في المركز، قبل أن تركب مواصلة أخرى لتصل الى البلدة هنا، يومها استشاط غيظا وكانت لا تزال في أول عام لها في الجامعة، ليتجه من فوره اليها، يمنعها من ركوب تلك المواصلة التوك توك فهو رأى عيني السائق الذي لا يتعدى عمره 17 عاما وهو يكاد يأكلها بعينيه، ليأمره بالانصراف فتنظر اليه بسخط بينما تلمع عينيها فغدتا كالالماس الاسود وتهتف فيه بحنق أنه بأي حق يأمر السائق بالانصراف، ولم تكن تعرفه، بل هو على يقين أن تلك الحادثة قد اندثرت من ذاكرتها تماما، فيومها هو وحده من تسمّر أمامها وقد سحرته وجنتيها اللتين تخضبتا باللون الاحمر لشدة غضبها ولكن لدهشته جعلها ذلك كثمرة فراولة شهية، حتى أنه تساءل وللحظة عن مذاق وجنتيها، وقد أقسم أنه ينافس لذة الفراولة!

عندها انتبه لنفسه ليوليها ظهره فجأة فسكتت باستغراب منه، ولكنه لم يمهلها التفكير، واندفعت الكلمات من حلقه تأمرها بأن تصعد الى سيارته وقبل ان تصرخ معنفة شرح لها بأن سائقه سيوصلها ثم يعود اليها ثانية، إما هذا أو تبقى واقفة حتى يأتيها سائقها ولكنه هو سيظل مرافقا لها ولن يتركها، فلم يكن ليترك ابنة بلدته وحيدة تواجه أشباه الرجال كذلك السائق!

فقبلت على مضض بأن يوصلها سائقه، مهددة بأنها أول وآخر مرة يسمح لنفسه فيها بالتدخل في أي شيء يخصها، منهية حديثها بأنها تتمنى لو أن عينيها لا تقعان عليه مرة أخرى، لتصيب أمنيتها وتخلفه هو!

فهي لم تره من بعدها ولكنه هو من كان يتحين الفرص أثناء وجوده في المدينة ويذهب حيث تستقل سيارتها مع سائقها، وكان قد أمر إحدى رجاله بمعرفة خط سيرها، معللا ذلك لنفسه بأنها مجرد شهامة منه، خوفا من تكرار ما سبق وحدث لها، وقد علم أن سيارتها قد تعطلت يومها، ولكنها لم تعلم بذلك، وبمرور الايام وعندما شعر صالح بأن الأمر قد زاد عن حده، أحجم نفسه وبصعوبة عن الذهاب اليها وأمر رجله بايقاف مراقبته لها، علّه ينساها، ليكتشف اليوم أنه قد. تناسها!

فركت بيديها رغما عنها، لتخطف عيناه لون الحنة السمراء المضاهي لبياض بشرة يدها الظاهرة من أسفل كُم العباءة والذي انحسر عن رسغها قليلا، حيث ظهرت أظافر يديها المطلية بلون أحمر قان أبرز جمال يديها الناعمتين، ما جعل أنفاسه تتهدج ويصيح في سائقه هادرا:
- ما تهم أومال يا مخيمر، ماشي على قشر بيض اياك!

لم يصدر عن بدارة الا رفعة حاجب استغرابا منه، ولكنه لم يره فالنقاب كان حاجبا كثيفا لتعبيرات وجهها بعيدا عن عينيه!

أغلق الباب خلفهما، بعد أن دلفا الى غرفتهما، بينما وقفت هي في منتصف الغرفة، لتخلع عباءتها ونقابها بكل هدوء وتضعهم جانبا، ودون أن تطالع صورتها في المرآة كانت تمسد قماش فستان زفافها الابيض بيديها، فقد أصرت خالتها روحية أن ترتدي ثوب زفاف أقل ما يقال عنه أن أسطوري، فهي درة وفخر عائلة الناجي، وبالفعل كان الفستان وكأنه فستانا لملكة، فقد أضفى عليها جمالا ملكيا، بكتفيه العاريتين ولكن المغطاة بقماش خفيف من الشيفون الابيض والذي يشف بشرتها المرمرية أسفله، ليلتصق بجذعها العلوي حتى الخصر والذي أحاط به ليبرز دقّته تماما كالسوار المحيط بالمعصم، ثم ينسدل باتساع الى الاسفل، بطبقتين من الشيفون الثقيل المبطن بالجوبير الابيض، بينما في الاعلى كان الجوبير الابيض وقد نثر على الفستان فصوص لامعة صغيرة من الالماس كانت كالنجوم المضيئة، شبيهة بتلك التي زينت التاج الصغير فوق رأسها والذي جمع غرتها الطويلة، بينما شعرها فقد عكصته على هيئة شنيون عال، وتركت خصلات متطايرة تحيط بوجهها لتزيد من فتنته، والتي أظهرتها وبوضوح زينتها، متمثلة بكحلها الاسود الذي جعل عينيها أشبع بعيني كليوباترا، وحمرة شفتيها بلون الأحمر القان، وبعض رتوش من حمرة الخدود باللون الوردي التي خطفت عيناه، فداهمه نفس السؤال القديم. ترى ما مذاق وجنتيها؟

وبينما وقفت هي بكل ثبات تحسد عليه، كان قد اقترب منها بضع خطوات كالمسحور من جمالها الاخاذ، ليزداد سحره وقد وصله رائحة عطرها الخفيفة، الشبيهة برائحة الفل والياسمين، الامر الذي جعله يقطب ساخطا، فقد كانت تضعه وهما في السيارة، وقتها ظن أنها رائحة شجر الفل والياسمين المحيطة بهما وقد نقلها الهواء اليهما من نافذة السيارة المفتوحة، لم يشك ابدا انها رائحتها هي، ليقرر أن أول شيء سيأمرها به هو ألا تضع أي نوع من أي عطر خارجا، فقط له هو، زوجها!

ابتلع ريقه وحاول اجلاء صوته ليظهر خشنا وهو يقول لها: - مبروك يا عروسة!
لتجيبه بهمس هادئ لا يشي باضطرابها الطبيعي ولكن ليست هي من تظهر ذلك أمامه أو أمام أيّ كان:
- الله يبارك فيك.
خطى خطوة اخرى ناحيتها وهو يقول: - طبعا انت عارفة المفروض يحصل دلوك؟ اهلينا مستنيين البشارة!

كانت قد رأت بالفعل عمته وهي تقف أمام باب جناحهما وبرفقتها هنادي التي باركت لها ببرود ثم هدية الوحيدة التي تقدمت منها تقبلها وتقسم انها كادت تبكي لحظتها وقد شعرت بكتمة البكاء في حلقها وهي تهنئها، لتقول عمته بكلمات مبطنة أنهن لن ينصرفن قبل أن يأخذن البشارة!

ففهمت عندها ما تعنيه بكلماتها، لترفع رأسها بشموخ وهي تسير من أمامها لتدلف الى الداخل حيث تبعها صالح مغلقا الباب خلفهما.

والآن. ها هو يقف ناظرا اليها بجدية بالغة وكأنه يبلغها بحالة الطقس وليس يخبرها بنظراته بأنها ستقدم نفسها إليه قربان مستباح دمه لحقن دماء غيره! وقفت تطالع تقدمه منها بوجه جامد ونظرات باردة فليست هي من تطلب أو ترجو عطفه، فهي. فخر عائلة، ولن تحني هامتها أبدا لمخلوق حتى وإن كان. كبير عائلة...

لا ينكر أنه ورغما عنه قد أعجبه ثباتها، فهي تقف كالفرس البريّة أمامه تتابع اقترابه منها بترقّب ملحوظ وان غلفته ببرود ظاهر، ولكنه هو الفارس الأسود كما يطلقون عليه لسمرته الشديدة ولون شعره الذي يضاهي جناح الغراب في سواده قد قرأ استعدادها للوثوب في وجهه تماما كالمهرة الجامحة عند أول لمسة منه، ليدنو منها أكثر ولكن، ليس وكأنه ينفذ واجبا ثقيلا على قلبه، لاثبات عذرية تلك المهرة الجامحة كما تقتضي الطقوس والتقاليد، فها هي عمّته تقف بالخارج في انتظار دليل العذرية كي تنطلق النيران فرحا وبهجة باكتمال الزفاف الميمون، ولكنه هو يريد الاقتراب، بل والالتحام بها، فرؤيتها وهي تقف أمامه بثباتها الذي يرغمه على الاعجاب بها في ثوب زفافها الأبيض، الذي يحيط بها تماما كبتلات زهرة بيضاء فيما تقف هي في منتصفه كزهرة الياسمين نفسها، تفوح منهارائحة تخلب العقل وتسلب القلب، تجعله يريد احتوائها بين ذراعيه وشم رحيقها بل وارتشافه قطرة قطرة.

ووصل اليها، ووقف أمامها كالمسحور، متعبدا في محراب جمالها، وامتدت ذراعيه تحيطان بخصرها الرشيق الذي يعلو أردافها المكتنزة والتي تتراقص رغما عنها لدى سيرها، ومهما حاولت أن تعتدل في مشيها وتسير بجدية وحزم ولكنها لا تستطيع اخفاء حسنها وجمالها الواضح الذي يشي به جسدها المتمايل دون ارادة منها أثناء مشيّها، ليقرر في داخله ما أن حاوطتها يداه بأنها لن تسير أمام أي شخص عداه مجددا، وإن حكم الأمر فسيحملها هو بين ذراعيه، فمن هي مثلها سيْرها على قدميْها يعدّ جريمة يعاقب عليها القانون!..

أغمضت عينيها ونأت بوجهها عن أنفاسه الساخنة التي ضربت صفحة وجهها المرمرية لتلفحها رائحته الرجولية الخاصة مختلطة برائحة المسك الفوّاح، فزحفت دماء الخجل أسفل بشرتها ليحمر وجهها رغما عنها فيزيد في سحره، همس بصوت أجش بجوار أذنها الصغيرة المزدانة بقرط ذهبي طويل يقدر بمبلغ وقدره: - مبرووك يا عروووسه، مافيهاشي حاجة لما نبارك كمان مرة!

تمتمت بدون أن تنظر اليه ببرود يخالف ذلك الاحساس الغريب الذي تستشعره ولأول مرة من سخونة تلفح سائر جسدها: - الله يبارك فيك يا وِلْد عمِّيْ...
اعتصرتها يداه تقربها اليه أقرب وأقرب وأجابها كالمغيّب: - ما كادبشي اللي سمّاك بدراه، بدراه وأنتيْ بدر امنوّر...

رغما عنها شعرت بخجل لم يسبق وأن عرف طريقه اليها، لتسدل أهدابها الطويلة التي تكاد تلامس وجنتيها متمتمة بكلمة شكر لم يسمعها ولم ينتظر سماعها، فقد بلغ الشوق لتذوق رحيق كرزها أوجه، ليميل عليها ملتهما كرز شفتيها في قبلة عميقة ثم مال ليرتفع ثانية وهو يحملها بين ذراعيه متجها الى الفراش الناعم ليضعها في وسطه ثم يبتعد عنها ليخلع عباءته الكشميرية سريعا قبل أن يميل فوقها دون أن يدع لها الفرصة للافلات من براثنه، فالصيّاد الماهر قد أوقع بفريسته الجامحة، ولن يدعها تفلت منه وأن كلّفه ذلك حياته!

ولكنه غاب عن باله أيضاً أن الصيّاد قد يقع في هو في الفخ الذي نصبه بنفسه، ليصبح أسير فريسته الجامحة، فبينما نال هو عذرية جسدها، امتلكت هي، عذريّة قلبه!..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة