قصص و روايات - روايات صعيدية :

رواية كبير العيلة الجزء الثاني للكاتبة منى لطفي الفصل الثالث

رواية كبير العيلة الجزء الثاني للكاتبة منى لطفي الفصل الثالث

رواية كبير العيلة الجزء الثاني للكاتبة منى لطفي الفصل الثالث

قطبت تطالعها بتوجس وعدم فهم، وكأنها تتحدث اللغة الهيروغليفية(لغة قدماء المصريين)، لتقول بعدها وقد رفعت حاجبها الايمن بريبة:
- عيدي كدا اللي انتي قولتيه كدا من شوية يا سلسبيل!
نفخت سلسبيل بقهر وهي تقول: - أعيد إيه بجاه! هي جصّة (قصة) أبو زيد؟ بجولك الليث عيتجوز عليّ، من وجت ما عرفت والنار جايدة (مشتعلة) في جتتي (جسدي)، ماعارفاشي أعمل ايه؟!

سلافة هاتفة بحنق: - يعني ايه مش عارفة تعملي ايه؟، انا لو منك أروح أجيبها من شعرها وأخليها عبرة لغيرها، وهو أخليه يحرّم يبص لست تانية، يرقُد فيها شهر في السرير!

قالت سلمى بتأنيب خفيف: - اصبري يا سلافة لما نفهم الموضوع ايه بالظبط؟
لتردف موجهة حديثها الى سلسبيل قائلة بهدوئها المعهود: - ايه الحكاية يا سلسبيل؟
زفرت سلسبيل بتعب وقالت بيأس: - عشان التار!
نظرت سلافة وسلمى لبعضهما البعض وهتفتا بدهشة: - تار؟!
نفخت سلسبيل بضيق وقالت: - أني هجولكم.

لتنتبها اليها في حين تابعت هي قائلة: - طبعا انتم عارفين ببنت الراجي اللي اتوفت وهي بتولد واخوها صالح اللي تَهَم فيها الضاكتور اللي ولدها أنه السبب.

سلمى بتقطيبة: - آه طبعا، مش دا اللي عاوز ياخد بتار أخته ويقتل الدكتور ورافض انه يقتنع انه اللي حصل قضاء وقدر؟

سلسبيل موافقة: - عليكي نور يا مارات أخوي...
سلافة بعدم فهم: - بس دا مالو ومال جوازة الليث عليك؟
سلبيل بأسى: - ما هو اللي رايدينه يتجوزها داي تبجى شجيجة الضاكتور!
سلمى بعدم فهم: - وجوزك ماله ومال اخت الدكتور وموضوع التار دا؟

سلسبيل شارحة وصبرها قارب على النفاذ: - أفهموا. حدانا اهنه التار عشان ينحل يا اماتن (إما) العيلة اللي عليها التار اللي جتل منيهم يشيل كفنه على يده، او يحصل نسب بين العيلتين، وكاتير بجوا (أصبحوا) بيحلوه بالنسب، والل فهمته أنه الحاج عبد الحكم كابير عيلة الناجي مش عاوز حفيدته تتجوز من الراجوية، عشان إكده طلب من جدي يد الليث ليها!

لم تستطع سلافة كتمان ضحكتها التي انطلقت لتحدجها سلمى بلوم فيما طالعتها سلسبيل بعتاب فقالت سلافة معتذرة من بين ضحكتها:
- معلهش يا سلسبيل متزعليش، بس مقدرتش أمسك نفسي وانتي بتقوللي طلب ايد الليث، أصل بصراحة جوزك شكله يخض كدا، له هيبة، يتطلب ايده ازاي دا؟!

نهرتها سلمى قائلة: - مش وقت هزارك دا يا سلافة.
لتلتفت الى تك الجالسة وجهها شاحب للغاية وعينيها تستعران بجنون غضب العاشقة لتقول بحنو:.

- سلسبيل حبيبتي أنا على ما فهمت منك انه الليث ميعرفش بالكلام دا، يبقى ما تسبقيش الاحداث، استني شوفي هيحصل ايه، وانا متأكدة أنه لا يمكن الليث يوافق على الكلام دا، انا عمري ما هنسى شكله واحنا في المستشفى لما الدكتور طلع من اوضة العمليات يطمنّا عليكي، يومها سجد في لحظتها على الارض شكر لربنا، الليث بيحبك حب كبير اوي يا سلسبيل، فبلاش تتسرعي. اصبري وشوفي هيقول ايه لما يعرف.

سلسبيل بيأس: - مش هيجدر يرفض، الشيخ عبد الحكم حط (وضع) جدي في موجف (موقف) صعب، عارفين يعني ايه يهاديه بحفيدته وهو يرفض؟ ديه تبجى عيبة كابيرة جوي في حج (حق) عيلة الناجي وفي الشيخ عبد الحكم ذات نفسيه، والعداوة هتبجى عداوات...

سلافة بتساؤل: - طيب هتعملي ايه يا سلسبيل؟
سلسبيل وقد لمعت عيناها ببريق العزم: - ماعارفاشي، لكن اللي أني خابراه زين إني ما عفوتش (لن أترك) جوزي لمين من كان، حتى لو هتطير فيه رجاب مش رجبة واحدة!

ونفضت عباءتها وهي تنهض لتدلف خارجا بخطوات قوية مصممة، في حين تبادلت سلافة وسلمى النظرات الصامتة التي تغني عن اي كلام، ولسان حالهما يخبرهما أن القادم من الايام لن يمر مرور الكرام!

طلبتني يا جدي؟
التفت عبد الحميد الى حفيده الذي يحمل له مكانة خاصة جدا، وأشار اليه بالتقدم وهو يقول:
- تعالى يا الليث، جرّب يا ولدي.
دلف الليث بجلبابه الكشميري الابيض، وعمامته التي تلتف تخفي خصلاته السوداء القصيرة، يحمل عصاه الأثيرة في يده والتي ورثها عن جده طه والذي أوصى بها اليه، فهو قد تنبأ بأنه سيكون أسد العائلة الجسور، وصدقت نبوءته فليث الخولي اسمه لوحده كفيل ببث الرعب في قلوب أعتى الرجال.

مال الليث على يد جده مقبلا ظاهرها قبل أن يجلس على المقعد المقابل للأريكة التي يحتلها الجد، وقال بهدوء:
- اؤمرني يا جدي.
عبد الحميد برزانة: - الامر لله وحده يا ولدي.
ثم رفع عينيه اليه مردفا: - الشيخ عبد الحكم الناجي جاني اهنه.
الليث مومئا بالايجاب: - أكيد عشان موضوع صالح وسالم.
ليزفر بعدم رضا متابعا: - أني خابر صالح زين، مخّه جفل(قفل) ومصوجر (مغلق تماما) كومان، معيتفهمش واصل، صاحبي وعارفاه.

عبد الحميد بغموض: - انت رايك ايه يا الليث؟
الليث بهدوء: - أني شايف أنه لازمن الصلح، عشان ميروحش فيها خيرة شباب العيلتين، لازمن الراجوية يرضوا بالصلح.

عبد الحميد بتفكير: - والصلح في الحالة داي يعني النسب. صوح؟
الليث بهزة رأس مؤكدة بالموافقة: - تومام يا حاج، لانه لو سالم خد كفنه على يده وراح لصالح ممكن يجل عجله (عقله) وبدال ما ينحر الخروف ينحر رجة ابن الناجي، أني خابره زين عصبي وحِمجي (عصبي جدا) وما بيفكّرش لوّل.

عبد الحميد بهزة رأس موافقة: - عنديك حج (حق)، بس فيه مشكلة.
الليث مقطبا: - مشكلة؟! ايه صالح ماعيوافجش مثلا؟
عبد الحميد بنصف ابتسامة ساخرة: - لاه وانت الصادج، عبد الحكم جرا (قرأ) اللي هيوحصل جبلنا، وعرف انهم اكيد هياخدوا أخت الضاكتور، وبما أنه عنديه اختين بدارة وخلود فأكيد هيختاروا بدارة الكابيرة، لكن جدها شايفها حاجة كابيرة جوي عليهم، هي درة عيلة الناجي كيف ما بيجول.

قاطعه الليث باستنكار: - وهو صالح الراجي شوية في البلد يا جدي؟ أني يمكن أكون مش موافج على طريجته وعصبيته لكن في سلوم الرجال هو زينتهم، رجال صوح، جدع وشهم وكابير عيلته بعد عمّه، وجوازه معيعبوشي (لا يعيبه).

عبد الحميد بصبر: - أيوة يا ليث يا ولدي أني فاهم اللي بتجوله، لكن عبد الحكم شايف غير اكده، حفيدته ماشاء الله زينة، ومتعلمة، وصغيّرة، وولاد عمومتها كاتير ويتمنوها، يبجى ليه يدخّلها في عيلة الراجي وانت خابر زين مين هو بد الرحمن الراجي، وطبعه الصعب، ديه غير صالح ذات نفسيه وبشهادتك انت انه ما عيتفاهمش. أني فاهم عجله زين، عبد الحكم عاوز حفيدته تبجى أمانة عندينا، ووجت ما يأذن ربك كل شيء يرجع زي ما كان!

ليث بتقطيبة مرتابة: - أمانة عندينا؟! واحنا مالنا يا جدي؟
عبد الحميد وهو يميل عليه مركزا نظراته على عيني حفيده جيدا: - بنت الناجي هتبجى أمانة عند واحد مننا. – قطب الليث بغير فهم في حين تابع الجد بهدوء – أنت يا ليث!

ارتسم الذهول على وجه الليث وهو يقول بدهشة: - أني! كيف ديه يا جدي؟
عبد الحميد بصبر: - عبد الحكم رايدك تتجوزها يا أبو عدنان!
لينتفض الليث واقفا في لحظتها وهو يهتف بغضب حاول التحكم فيه فهو مهما كان يقف أمام جده:
- أنت بتجول ايه يا جدي؟
عبد الحميد محاولا امتصاص غضب حفيده: - اهدى يا ليث.

ولكن الليث قاطع جده قائلا: - اعذرني يا جدي، لكن الموضوع مش محل حديت ولا تفكير من أصله. وانت لسّاك جايلها بلسانك يا جدي.

ناظره الجد باستفهام فتابع الليث بحزم: - أبو عدنان!
ليلتفت الى الجد مردفا: - أني أبو عدنان يا جدي، ومش أم عدنان اللي أجيب لها ضرة أو أجهرها (أقهرها) مهما كان السبب، بالاذن يا جدي.

واتجه في خطوات تنم عن غضب صاحبها وأمام الباب صدح قول الجد بحزم وقوة: - حتى لو أمرتك يا الليث؟!
تسمر الليث للحظات واقفا في مكانه، قبل ان يستدير ويطالع الجد قائلا بتشكيك فيما سمعه:
- عم بتجول ايه يا جدي؟
الجد بأناة: - بجول لو ديه أمر مني أني كبير الخولي، عترفض يا ولد عدنان الخولي؟!

سكت الليث قليلا قبل ان يقول بجمود: - كلامك سيف على رجبتي يا جدي، ولو جولت لي ارمي نفسك في النار مش هتردد ثانية واحدة، لكن اللي انت رايده ديه مش عيحرجني أني. لاه. ديه هيطول ماراتي، ومش الليث اللي يعرّض ماراته لعذاب زي ديه. ديه سلسبيل يا جدي. سلسبييييل!

ابتسامة طفيفة شقت فم الجد ليقول بعدها وهو يشير الى المقعد حيث كان يجلس الليث منذ قليل:
- طب جعمز (اجلس) جاري (جانبي) اهنه واني عفهمك!
ليكتم الليث زفرة حانقة ويجلس كما أمر الجد والذي بدأ بالحديث كي يقتنع الليث بما يراه صائبا، فهناك الاهم فالمهم. والاهم الآن هو النجاة بالبلد من سلسال الدم الذي يقف كالسيف مهددا فوق الرقاب!

جلست الى مكتبها في المركز الطبي الذي أقامه جدها في مزرعة الخولي للاهتمام بالعاملين لديهم وعائلاتهم، تدوّن بعض الملاحظات لها عندما سمعت طرقات على الباب فسمحت بالدخول، ليدلف مغاوري الممرض الخاص بالمركز يخبرها عن وجود حالة مرضية بالخارج، فأشارت له أن يدخلها.

لحظات ودلفت اليها فتاة صغيرة برفقة سيدة متشحة بالسواد من الواضح أنها والدتها فالفتاة تشبهها الى حد كبير، رحّبت بهما سلمى وأشارت الى المقعدين المواجهين لمكتبها فجلستا، لتنظر سلمى الى الأم وتقول ببشاشة:
- خير ان شاء الله...
والتفتت الى الفتاة مردفة بابتسامتها: - الأمورة بتشتكي من حاجة ولا حضرتك؟

الأم بجدية شديدة: - لاه يا ست الضاكتورة، بصراحة أنا ما كنتش رايدة آجي، لكن أعمِل ايه بجه في تحكمات الجيل ديه؟

سلمى بابتسامة عدم فهم: - معلهش أنا بردو لسه ما فهمتش. مش عاوزة تيجي ليه وايه الحكاية بالظبط؟
زفرت الام والتي يبدو من تقاسيم وجهها أنها تناهز الاربعين عاما وقالت: - البت داي تبجى آخر العنجود. عنديها 6 سنين، جبل (قبل ) منها فيه ستة كومان، أربع بنات وولدين، همّان طبعا ردالة (رجال) دلوك، لمهم عشان معطوّلشي عليكي. بتي الكابيرة نصحتني آجي لك، أكمن فاتن.

ونظرت الى صغيرتها التي كانت تدور في المكان حولها بعينيها الواسعتين وابتسامة بريئة تحتل وجهها الطفولي الذي يشع جمالا يبدو غريبا ببياض بشرتها الواضح وعينيها بلونهما العسلي، وخصلاتها البنية اللون، ولكن يبدو انها أيضا قد اكتسبت تلك الصفات الشكلية من والدتها، والتي تظهر من الوهلة الاولى خمرية البشرة ولكن وهي ترفع يدها انحسر كُم العباءة السمراء الواسعة الى الاعلى ليظهر جزء من ساعدها الابيض، فمن الواضح أن شمس الجنوب هي السبب في تباين لون البشرة الذي تملكه تلك السيدة.

تابعت السيدة قائلة: - اكمنها كيف ما انتي شايفة اصغيرة شوي، بتي خايفة معتستحملشي، وجالت لي الضاكتورة أحسن، وبصراحة الكل بيشكّر فيكي وفي شطارتك، ديه كفاية انك بنت كابيرنا.

سلمى وقد بدأت ترتاب في معنى كلمات السيدة: - تسلمي يا.
هتفت السيدة بفخر: - أم ربيع، ولدي الكابير ربيع.
سلمى بابتسامة: - ربنا يخليهولك. بس بردو اعذريني أنا مفهمتش.
قاطعتها أم ربيع بدهشة: - جرى ايه يا ست الضاكتورة، وديه عاوزة لها مفهومية. أني رايدة نطاهر البت، وبدال أم شافعي، بتي شارت عليّا آجي لك أنت أحسن!

لتنتفض سلمى واقفة وهي تهتف بصدمة: - ايه؟ تطاهريها؟
أومأت السيدة قائلة وهي تربت على جديلتي صغيرتها المستريحتين على كتفيها: - أيوة طبعا، فاتن كبرت ماشاء الله، ولازمن تطاهر.
التفتت سلمى من خلف مكتبها لتقف أمام أم ربيع وهي تقول: - ايوة يا أم ربيع بس الموضوع دا غلط!

ليأتي دور المرأة التي انتفضت واقفة وهي تهتف بذهول وغضب: - واه، غلط ايه اللي عم بتجوليه ديه يا ضاكتورة؟ ديه هو ديه الصوح، ديه اللي بيفرّج بنت العيلة المتربية عن التانية جليلة الرباية، ديه اللي بيصون بناتنا ويحفظهم!

كانت سلمى تستمع اليها بفم فاغر ووجه مشدوه، أي تربية وأي حفظ وما دخل هذا بذاك؟!، لتحاول اقناعها مرة أخرى وهي تقول بصبر:.

- اسمعيني يا أم ربيع، أولا فاتن جسمها صغير جدا، مش هتستحمل الموضوع دا، تاني حاجة التربية والاصول مالهاش دعوة باللي انتي عاوزاه، الحكاية دي مش هي اللي هتصون البنت وتحميها، اللي هيحميها ويصونها بصحيح هو التربية الصح وقربها من ربنا، وتعرف دينها كويس، دا غير أننا كأننا بنعاقبها أنها اتولدت بنت، وكأنها خطيئة واحنا لازم نطهرها فنقتل احساسها ونموّت أنوثتها بإيدينا، ودا ليه؟ عشان نحميها؟ عشان عادة جاهلية لا هي اسلامية ولا من الدين في شيء!

كشرت الأم باستياء وقالت: - خابر ايه يا ضاكتورة؟ ايه الحديت ديه؟ دي سلومنا (عادتنا) وعوايدنا، عموما أني آسفة أننا أخرناكي، يا لا يا بت يا فاتن.

وجذبت صغيرتها من يدها لتقف، متجاهلة نداء سلمى لها لتتمهل، لتدلف خارجا وهي تدمدم بحنق وسخط، مغلقة الباب خلفها بينما وقفت سلمى تشعر لأول مرة بالعجز، فهي قد علمت أن أم ربيع ستنفذ حكم الاعدام في ابنتها مهما قالت، وجلّ جريمتها، أنها، أنثى!

: الحقيقة الطبية ان الدماغ هو مصدر الرغبة الجنسية ومحرك الشهوة وان الأعضاء التناسلية ماهي الا منفذ لهذه الأوامر
الختان لا يقتل الرغبة عن الأنيث وإنما يقتل الإشباع والفرق بينهما كبير
هناك بعض الحالات المرضية النادرة التي تتضخم فيها الأعضاء التناسلية الخارجية للأنثي، والتي يكون التدخل الجراحي لختان الأنثى ضرورة قصوى.

: أقر البرلمان المصري قبل أشهر عدة قانونا يعتبر ختان الأنيث جناية وليس جنحة والعقوبة تتراوح بين 5سنوات الى 7سنوات وقد تصل الى 15 عام في حالة التسبب بعاهة مستديمة او الوفاة.

: الختان لم يذكر في القران وجميع الأحاديث النبوية التي تناولته ضعيفة
الختان منافي للقاعدة الشرعية (لا ضرر ولا ضرار)
الرسول كانت له اربع بنات ولَم يؤثر في سيرته إنهن اختتن
جميع آراء رجال الدين وعلمائه ومفكري هذا العصر تدين الختان
العلاقة الزوجية فطرة الهية حلال ويؤجر عليها الزوجين {{
منقووووووول.

دلفت الى غرفتهما لتراه وهو يقف أمام مرآة الزينة يعقد عمامته البيضاء حول رأسه، ليبصر صورتها المنعكسة أمامه في المرآة فابتسم والتفت اليها بعدما أنهى ارتداء عمامته وتقدم ناحيتها وهو يقول بابتسامته المهلكة لأعصابها:
- اتوحشتك يا بت عمي.
ثم مد ذراعه يحيط بخصرها يقربها منه ومال عليها لاثما صدغها بقبلة حارة وهو يردف بشغف لا يهدأ مهما مر على زواجهما من سنوات:.

- بعد إكده تبجي تجولي لبنات عمك ييجوكي (يحضروا) اهنه، الجاعده من غيرك ماسخة.
ابتسمت سلسبيل بتوتر محاولة ان تخفي ما يجيش في صدرها من تساؤلات غاضبة، وقالت: - يعني هنحبس يا ابو عدنان؟ أديني غيّرت جو حبة.
قطب ليث وقد شعر بحدسه أن هناك شيء خاطئ، فهذه ليست سلسبيل التي تنصهر بين ذراعيه، فابتعد عنها بينما ذراعه لا تزال محيطة بخصرها وقال عاقدا حاجبيه بريبة:
- مالك يا ام عدنان؟ ايه اللي حوصل؟

أبعدت سلسبيل ذراعه وابتعدت عنه وسط نظراته المندهشة المتسائلة وخلعت عبائتها السمراء لتظهر عبائتها المنزلية الحريرية بلونها الوردي، ذات الكم القصير للغاية والمحكمة على جسمها، مبرزة منحنياتها الانثوية بسخاء، ووقفت أمامه بعد أن فكت وشاحها مطلقة خصلاتها الحريرية السوداء من عقالها لتنهمر كالشلال تمام على طول جذعها وحتى كادت تلمس كاحلها بالاسفل، لتستدير اليه تطالعه بدقة قبل ان تقول بغموض:.

- مش رايد تجولي حاجة يا ابو عدنان؟
قطب ليث وقال: - حاجة! حاجة زي ايه؟
سلسبيل ببرود: - أني اللي بسعلك (أسألك)!
لتزداد تقطيبة الليث عمقا ويطالعها بدهشة غاضبة من طريقتها في الحديث فيجيبها بغضب بارد:
- واه. سلسبيل، اتحدتي من غير لف ولا دوران. انتي مش على طبيعتك. حد زعلك من حريم اخوانك؟.

سلسبيل بجمود: - سلافة وسلمى خواتي اللي ربنا رزجني بيهم على كبر. لا يمكن أزعل منيهم.
نفخ الليث بضيق: - أومال مالك يا بت الحلال؟
اكتفت سلسبيل بالنظر اليه بصمت بارد ليهتف بحنق قائلا: - براحتك، وجت ما تحبي تتحدتي اتحدتي، أني خارج دلوك، وابجي نامي، لان ممكن أتأخّر عند الحاج عبد الرحمن الراجي!

وكأن صاعقة من السماء قد أصابتها إذ صرخت بقوة هاتفة وهي تطالعه بذهول وغضب: - مين؟.
عقدة عميقة تشكلت بين حاجبيه قال بعدها بتوجس: - خابر ايه يا سلسبيل، مالك؟ فطيتي (قفزتِ) كيف اللي مسكت سلك كهربا عريان في يدّها إكده ليه؟

تقدمت منه سلسبيل وقالت بقوة فهي في رأيها أنها تدافع عن حبيبها وعن حياتها سوية: - ورايدك في ايه عبد الرحمن الراجي؟
توسعت عينا ليث صدمة وغضب وهدر قائلا: - واه. وانتي من ميتة بتسعلي (تسألي) اكده؟ بعّدي من وشي يا ام عدنان خليني أشوف اللي ورايا!

سلسبيل بقوة: - ما انتاشي خارج يا ليث، ايه جولك بجاه؟
طالعها الليث كمن يشاهد مختلة عقلية امامه قبل ان يهدر فيها غاضبا بشدة: - سلسبيل، اجصري الشر، همليني أروح أشوف موصالحي!
وقفت سلسبيل أمام الليث تفرد ذراعيها بجانبها ظنا منها أنها بذلك تعيق خروجه وهتفت فيه بعناد وحنق:
- لاه، على جثتي يا ولد عمي تروح لبنت الفرطوس ديْ!

الليث ناهرا لها بشدة: - سلسبيل، باه! جنيتي إياك! همليني خليني أروح أشوف الحاج عبد الرحمن نادم عليا ليه؟

سلسبيل وخوف غريب يتصاعد بداخلها من رغبة عبد الرحمن الراجي في لقاء ليثها: - برضك ما انتاش خارج يا ليث! أني عارفة رايدك ليه، أكيد عشان ست الحسن بدارة. لكن لاه يا ليث، ما انتاشي مخطي برّات الدار!

الليث وهو يقبض على مرفقها بقوة وقد جحظت عيناه بنظرة مرعبة ترتعش لها فرائص أعتى الرجال، فكيف بها هي نبع الرقة والنعومة:
- أني هعتبر نفسي ما سامعتش حاجة، ويمين بالله كلمة زيادة يا سلسبيل هتعرفي شغلك صوح، مش الليث الخولي اللي على آخر الزمن ماراته تجوله يجعد ويمشي!

فعلمت سلسبيل أنه لا يجدي العناد معه شيئا، وأنها لا بد لها من تغيير طريقتها في منعه من الذهاب الى هذا الموعد، لتستكين فجأة وتقترب منه تريح يدها الطليقة على كتفه وترفع عينيها إليه تلك العينان اللتي تعلم جيدا كيف أنه ضعيفا أمام نظراتهما الناعسة، لتداعبه بتلك النظرات وهي تهمس بضعف وخنوع تعلم مدى تأثيرهما على ليثها هي:.

- أني بموت من الغيرة عليك يا ليثي، حجّي يا حبة الجلب، بتجن يا ليث لمّن بحس أنه فيه أي حاجة ممكن تبعدك عني أو أي حد، وخصوصي لمن يكون الحد ديه حرمة! ومش أي حرمة. ديه بدارة الناجي!

ليث وهو يزفر بضيق ويقبض على يدها الصغيرة الموضوعه على صدره: - سلسبيل. أني مش اصغيّر عشان تجولي بخاف عليك، وبعدين. مين ديه اللي أمه داعيه عليه اللي عيفرّج بيناتنا؟ سلسبيلي. - ومال عليها لتلفحها رائحة أنفاسه الرجولية مردفا بنظرات عبثت بقلبها الضعيف تجاهه - أني ما يفرجنيش عنيكي الا الموت وحديه! غير إكده حطي اببطنك شادر بطيخ صيفي، سلسبيل لليث والليث لسلسبيل...

قاطعته سلسبيل وهي تطوق عنقه بذراعيها ليحيط هو خصرها بيديه هامسة بكل عذوبة أمام وجهه الرجولي ذو الجاذبية الخشنة:
- ولا الموت يا ولد عمي يجدر يبعدني عنيك، انت اتزرعت جوات الجلب والروح يا حبة الجلب ويا روح الروح!

ليهتف الليث عاليا ويديه تشتدان على خصرها: - يابوووووويْ...
لتصدح ضحكة سلسبيل عاليا فيما يهتف الليث وهو يرفعها بين ذراعيه: - تعالي بجه عشان تعرفيني أني حبة الجلب كيف يا جلب الجلب أنتي!
سلسبيل بممانعة ناعمة وبراءة زائفة: - واه، والراجل اللي مستنيك ديه؟

الليث وهو يضعها فوق الفراش ويميل عليها مسلطا نظراته على بندقي عينيها: - تأخير ساعة ما عيضرّش، أني هتصرف ما تشغليش بالك انتي. هو لمهم عنديه الصلح مع عيلة الناجي، عياخد بدارة لصالح الراجي.

هم بتقبيلها حينما دفعته في صدره بعيدا عنها وطالعته مقطبة بريبة وهي تسأله بشك: - انتي بتجول إيه يا أبو شبل؟ بدارة وصالح الراجي؟!
الليث وهو يجيبها ببساطة كاتما ضحكته بأعجوبة: - لا هو أنتي ما تعرفيشي ولا إيه؟ الحاج عبد الحميد شيّع لكبارات العيلة عندينا وعند عيلة الناجي عشان يتجمعوا احداه في المندرة (دار الضيافة) عشان الصلح!

سلسبيل بنصف عين حانقة: - بجه إكده يا ولد عمي؟ وما يهونيش عليك اتريحني بكلمتين؟ سيبتني أهري وأنكت في نفسي وعجلي كان هيشت مني!

ضحك الليث وأجاب: - إعمل لك إيه، أنتي اللي بتشطي كيف عود الكبريت كل ما تاجي سيرة الناجي ولا الراجي، كانّه بينك وبينهم تار!

سلسبيل بقوة: - بتجن يا ليثي! برج من عجلي عيطير لو حاسيت بس أنه منكن واحدة تلفت نظرك ليها، أو ينشغل بالك بيها!

الليث مسلطا عيناه على كرز شفتيها بهمس خشن: - اطمني يا بنت عمي، النظر ما شايفش غيرك يا سلسبيلي، والعجل (العقل) والجلب (القلب) مش شاغلهم غيرك أنتي يا جلب الليث! انما جوليلي اهنه. انت ليه كارهة بنت الناجي وماعاوزانيشي أخطي حداهم؟

سلسبيل بصدق مقطبة: - عشان عرفت أنهم جايلين عليك ليها!
انفكت تقطيبة الليث وارتفع حاجباه لاعلى وهو يردد بذهول: - جايلين عليا؟!
ثم أردف بصرامة: - مين اللي نجلِّك (نقل لك) الكلام ديه؟
سلسبيل وهي تشده ناحيتها وذراعيها متعلقتان بعنقه الاسمر القويك
- مش امهم مين يا ولد عمي، لمهم أني ما عسمحش (لن أسمح) لأيّتها حد انه يفكر مجرد تفكير أنه ياخدك مني. ساعتها عيكون يا روح ما بعدك روح!

الليث وهو لا يدري أيعانقها لشدة حبها وتمسكها بل ودفاعها بشراسة عن حبها له، أم يزجرها لاستماعها لأخبار مغلوطة ما كاد يتسبب في أول شجار حقيقي بينهما!

قال الليث بصوت شجي وهو يلتهم صفحة وجهها بعينيه: - سلسبيلي عاوزك توعديني أنك ما تديشي (لا تعطي) ودانك لأيتها حد، وان سمعت حاجة اكده ولا اكده تاجي وتجوليلي طوالي (فورا). ماشي يا حبة الجلب؟!

سلسبيل بنعومة: - ماشي يا روح حبة الجلب!
مرفقة عبارتها بضحكة ناعمة صدرت منها أردف بعدها وهو يعتصرها بين ذراعيه: - جولتيلي بجه أني روح حبة الجلب كيف؟!
سلسبيل باعتراض ناعم وهي تشعر بخشونة ذقنه تلمس وجنتها الناعمه: - ليث!
ولم تكمل، فقد بثها الليث عشقه السرمدي لها بطريقته المهلكة لأعصابها، وأسقاها حبّه، كلمة كلمة. و، حرفا حرفا!..

ظهر هذا اليوم وتحديدا أثناء وجود الليث لدى جده عبد الحميد
صوت طرقات تعالت ليدلف الغفير بعد سماعه الاذن بالدخول حيث أخبر الجد بقدوم الحاج عبد الرحمن وصالح الراجي! قطب الجد توجسا ولكنه أشار لغفيره بإدخال الضيوف.

بعد تقديم واجب الضيافة أفصح عبد الرحمن عن سبب الزيارة الغير متوقعة، والذي جعل الجد وليث يتبادلان نظرات الذهول وعدم التصديق، فعبد الرحمن الراجي يخبرهما أنه قد أتى ليطلب من الشيخ عبد الحميد أن يقوم بدعوة كبار عائلة الناجي، وهو سيقوم بإحضار كبار عائلة الراجي، لعقد جلسة مصالحة في دار ضيافة البلد التابع لعائلة الخولي، حيث سيقوم فيها بطلب ابنتهم بدارة للزواج من ابن أخيه صالح!

صمت تام حل على الجلسة بعد أن ألقى عبد الرحمن ما في جعبته والذي جلس بعدها يراقب خلجات الشيخ عبد الحميد بنظرات صقرية، بينما عقد ليث حاجبيه وهو يطالع صالح بنظرات متسائلة، ليكتفي صالح بايماءة خفيفة بمعنى نعم برأسه، قطع بعدها عبد الحميد الصمت السائد وهو يخبر عبد الرحمن أنه سيقوم بدعوة كبار الناجي ومدير المباحث ومدير الأمن لحضور جلسة الصلح، ليستأذن بعدها عبد الرحمن وصالح في الانصراف، وقبيل غروبهم نظر عبد الرحمن الى ليث وطلب منه موافاته الى منزله، فهناك بعض الامور التي يريد التباحث فيها معه بشأنها!

مال صالح على أذن عبد الرحمن يسأله بعدم فهم: - وانت رايد الليث في ايه يا عمي؟

عبد الرحمن بجدية شديدة: - لازمن أضمن أنه الليث عيكون في صفنا، أنت عارف منيح (جيدا) انه صوت مسموع في البر كلاته، أني خابر أنه عبد الحكم عيمطوّح فينا شمال ويامين. كفاية أنه عرض حفيدته على الشيخ عبد الحميد تبجى زوجة لليث عشان ما تتجوزها، لمّن يلاجي الليث جاعد جارنا كتفنا في كتفه وجتيها معيجدرشي يتحجاج (يعتذر). عرفت أني رايد الليث ليه؟

ابتسم صالح وقال مشيدا بذكاء عمه: - يابوي على دماغك يا عمي. وإكده يبجى ساعة الصفر جربت.
لتلمع عينا صالح وهو يردف محدثا نفسه: - وأخيرااااا. عناخدوا بتارنا يا عروسة!

أنهت أخيرا هذا اليوم الطويل، وخلعت معطفها الطبي، لتعلقه على المشجب، وتناولت حقيبتها اليدوية، عندما دلف شهاب بابتسامته الواسعة وهو يقول:
- ها. خلصتي يا دكتورة؟
سلمى بتعب: - خلصت يا باش مهندس.
شهاب مقطبا: - مالك يا سلمى شكلك تعبان ليه؟

سلمى بزفرة عميقة وابتسامة متهالكة: - لا أبدا، بس كان عندي شغل كتير اوي انهرده، حتى ساعة الغدا اللي روحت أشوف فيها سلسبيل عند سلافة مكملتهاش، لاقيت مغاوري بيكلمني ويقول لي أنه فيه عيانين كتير.

شهاب وهو يحيط كتفيها بذراعه: - معلهش يا حبيبتي. احنا دلوقتي نروح نتغدى وتنامي، ومالكيش دعوة برؤوف، هبعته يلعب مع رهف.

سلمى بابتسامة: - ما بلاش، أخوك بيقلق منه، وانت عارف ابنك عنيد مش بيسمع الكلام، وغيث اللي يشوفه يقول رؤوف هيخطف رهف، عامل لهم حرس حدود، لا ما تقربش، ما تمسكش.

ضحك شهاب قائلا: - بس على مين، دا ابني مهما كان، ولو حطّها جوة قمقم هيعرف يوصلها، اومال مش ابن شهاب.

كادت تجيبه عندما تصاعدت جلبة واضحة، ليدلف مغاوري سريعا وهو يهتف بلهفة: - الحجي يا ست الضاكتورة. حالة مستعجلة.
لم يكد مغاوري ينتهي من كلماته الا وكانت سلمى تأمر بسرعة دخال الحالة بينما وقف شهاب مراقبا عن بعد، لحظات ودلف رجل يبدو في أواخر الاربعينيات يحمل جسدا صغيرا بين ذراعيه، لتشير سلمى الى الفراش الطبي، فوضعها فوقه لتقترب سلمى منها وهي تسأل الرجل والذي يبدو أنه الأب:
- ايه إلى حصل بالظب...

لتبتر عبارتها وقد فتحت عينيها واسعا بينما انطلقت شهقة عميقة من حلقها، لترفع رأسها وقد تبين لها وجه آخر صاحبته مرافقة للرجل، لتعيد عينيها ثانية بذهول وصدمة الى ذلك الجسد المسجى بلا حراك أمامها، ما لبثت بعدها أن تفحّصته، لترفع رأسها تقول بجمود تام وعينان كالزجاج لا تريان:
- البقاء لله!
صرخة مدوية صدرت من حنجرة أنثوية: - بنتي!

اقترب شهاب من سلمى التي قالت بجمود تام ودمعة عالقة بأهدابها: - بلّغ البوليس يا مغاوري. أنا قودامي حالة قتل!
شهقت الام بلوعة في حين هتف الاب غاضبا: - جتل! جتل ايه يا ضاكتورة؟ حد عيجتل ضناه برضك؟
سلمى بخواء وهي تطالع الأم: - أنتم عملتوها. وأظن سبق وجيتي لي – مشيرة الى الام – وقلت لك غلط وماينفعش، وآدي النتيجة. إلى عمل الجريمة دي لازم ياخد جزاؤه.

شهاب محاولا الفهم: - فيه ايه يا سلمى فهميني؟
سلمى وقد هربت دمعتها تجري فوق وجنتها الشاحبة: - فيه جريمة قتل مع سبق الاصرار والترصد.
الأب بحدة: - ما جولنا (قلنا) مافيشي جتل! طب لو جتل هنجتلها ليه؟ ايه السبب او الذنب اللي أذنبته عشان نموّتها؟

سلمى بجمود: - ذنبها. أنها. أنثى، في مجتمع كرّم ربنا فيه المرأة، لكنه أبى إلا أنه يهينها ويهين آدميتها!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة