قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية كبرياء أنثى (نساء متمردات ج2) للكاتبة منى لطفي الفصل العشرون

رواية كبرياء أنثى (نساء متمردات ج2) للكاتبة منى لطفي الفصل العشرون

رواية كبرياء أنثى (نساء متمردات ج2) للكاتبة منى لطفي الفصل العشرون

كتفت همس ذراعيها ونظرت الى مراد زامّة شفتيها بغضب وقالت بحنق بينما يبادلها نظراتها بأخرى متفكّهة:
- اعتقد انه لو دا هزار يبقى هزار سخيف اوي يا مراد! من فضلك تمشي دلوقتي قبل ما حد يشوفك، انا معنديش أدنى استعداد إن صورتي تبقى وحشة قودام بابا وماما.

تقدم مراد بخطوات بطيئة حتى وقف أمامها وقال ساخرا: - ومين اللي قال يا حبيبتي اني بهزر؟ لا انا بتكلم بجد! لكن لو انت اللي مش مصدقة دي مشكلتك انت مش مشكلتي!

أنزلت همس ذراعيها وأشاحت بيديها في وجهه هاتفة بغضب: - هو ايه دا اللي بتتكلم جد؟، ثم انت دخلت هنا ازاي؟، وشمس عارفة انك هنا؟

أجاب بتلقائية وهو يحرك كتفيه الى أعلى والى أسفل: - شمس ما تعرفش انى جاي الا لما جيت فعلا!، يعني انا فاجئتها زيك تمام علشان ما تقاطعناش وتعمل لنا ازعاج، قلت لها تنام في اودة ريما، ودخلت ازاي. بسيطة عم بسيوني هو اللي فتح لي، يعني دخلت من الباب مش من الشباك، ثم انت ناسية انك مراتي ولا إيه؟، نيجي بأه للنكتة البايخه زي ما بتقولي. انا فعلا هقضي الليلة هنا. ومش هتحرك من هنا غير لما تشيلي الفكرة المجنونة دي من دماغك نهائي اللي كل شوية تقوليها لحد من العيلة!

قطبت همس وقالت حانقة: - فكرة ايه دي؟!
احتد صوت مراد وهو يجيب: - فكرة الانفصال البايخه اللي كل شوية تقوليها دي، وآخر واحد كان مهدي أخوكي، تنكري إنك طلبت منه يبلغني انك لسه متمسكة بموضوع الانفصال اكتر من الاول كمان؟!

سارعت همس بالانكار قائلة: - انا مش، وبترت عبارتها متذكرة حديث والدتها الذي أخبرتها فيه ان تدعي ثباتها على موقفها في طلب الانفصال من مراد وتدع لها هي وريتاج الباقي ومن الواضح ان والدتها وزوجة خالها قد بدآ في خطة تأديب وتهذيب مراد التي أزمعوا عليها ولا بد أن والدتها هي من جعلت مهدي يخبر مراد بإصرارها على الانفصال كخطوة أوليّة في مرحلة التأديب!

التقط مراد ارتباكها في تكملة حديثها وسارع قائلا: - شوفتي؟ هتبرري بإيه؟ عموما علشان تريحي نفسك ما فيش انفصال بيننا أبدا، وعموما اظن انك عارفة ان اسلام اتقدم لشمس يبقى ازاي لسه مصممة على اللي في دماغك؟

قطبت همس وقالت متسائلة: - مش فاهمه! وايه دخل خطوبة اسلام وشمس في انفصالنا؟
زفر مراد بضيق فما ان يسمع كلمة الانفصال حتى تتعالى دقات قلبه خوفا من شبح تركها له ويشعر بالسخونة تسري في جسده كاملا، أجاب بغضب بارد:
- تفتكري شمس هترضى تكمل خطوبتها واخوها في مشاكل بينه وبين مراته؟، بصرف النظر عن انك صاحبتها واسلام صاحبي قبل ما نكون عيلة واحده!

سكتت همس وقد أفحمتها وجهة نظره فابتسم ابتسامة نصر صغيرة لم ترها همس الغارقة في افكارها بينما واصل هو التقدم ناحيتها حتى وقف امامها تماما ومال اليها ناظرا في عينيها بعمق وهو يقول بهدوء يناقض ما يشتعل في داخله من رغبة ضاريه في جذبها الى احضانه وادخالها بين ضلوعه:
- شوفتي بأه ان الموضوع مش سهل زي ما انت متصورة؟

مد يديه بهدوء قابضاً على كتفيها وتابع وهو يحاول كي يسبر اغوار عينيها: - ولو ما فيش شمس واسلام من رابع المستحيلات اني اسيبك!
التمعت عيني مراد وهو يرى همس ترطب بلسانها شفتيها قبل ان تفتح فمها لتجيبه ولم يستطع منع نفسه فأمال رأسه عليها بسرعه ملتقطا شفتيها بين شفتيه في قبلة أودعها كل ما يعتمل في نفسه من حب وشوق و، غضب!..

أطلق سراحها بعد ان شعر برغبتها في التنفس واسند جبينه الى جبينها قائلا بين أنفاسه اللاهثة:
- آخر مرة اسمع كلام الجنان بتاعك دا. والا بجد يا همس انا مش هبقى مسؤول عن تصرفاتي بعد كدا!

دفعته بيديها الناعمتين في صدره ليبتعد عنها قليلا ورفعت نظرها قائلة بحنق وقد غدا وجهها كثمرة الفراولة الناضجة في لونها:
- وانا مش بتهدد يا مراد، ولعبتك اللي انت لعبتها عليا مش ممكن اعديها بسهولة!..

تراخت يديه قليلا عن قبضتها لها فانتهزت الفرصة للابتعاد عنه بينما نظر اليها بنصف عين وقال بغموض:
- شكلك هتتعبيني معاكي. لكن براحتك، بس خلِّي بالك انتِ اللي اخترت!
ضيّقت بين عينيها ناظرة اليه بريبة وتساءلت: - مش فاهمه؟، قصدك ايه؟، ايه هو اللي اخترته؟
اقترب منها قليلا بينما كانت تتراجع الى الخلف وهو يقول ببراءة مصطنعه: - احنا المفروض شرعا وقانونا متجوزين صح؟

قطبت تجيبه وهي تستمر في رجوعها للوراء: - مش فاهمه قصدك ايه من السؤال دا؟
قال وهو يحوم حولها كما الأسد يحوم حول فريسته: - قصدي اننا قودام الناس متجوزين. يعني الفرح علشان الإشهار بس، يعني اللي مش عارف يعرف، والإشهار دا شيء بسيط جدا اننا نعمله مش لازم له فرح!

هتفت همس وقد تسمرت واقفة في مكانها ناظرة اليه بدهشة: - مش فاهمه يا مراد انت بتلف وتدور على ايه بالظبط؟
أجاب ببراءة مزيفة وهو يحرك كتفيه صعودا وهبوطا بلامبالاة: - قصدي اننا لو تممنا جوازنا ما حدش له عندنا حاجه!، مع اني نفسي اعمل لك فرح زي فرح قطر الندى لكن هقول ايه. انت اللي مش راضية؟

صرخت همس في ذهول صاعق: - ايه؟، ولم تستطع إكمال حديثها هولا مما طرأ سمعها ووصا الى عقلها فتلعثمت متابعة وهي تشيح بيدها في وجهه:
- انت، انت، بتقول ايه بالظبط؟، انت اتجننت أكيد!
نظر مراد اليها هاتفا بصرامة: - كلمة زيادة وهتشوفي الجنان اللي على أصله!
نظرت اليه همس مذهولة واقتربت منه لا شعوريا وقالت بدهشة وعدم تصديق: - ايه؟ انت بتهددني يا مراد؟

ثم انتبهت من ذهولها وقد سرت سخونة الغضب في دمها وأكملت ساخطة: - طيّب يا مراد، ورِّيني الجنان دا بأه شكله ايه؟، انا مش بتهدد!
اقترب منها مراد وقال بصوت حريري يجمد الدم في العروق: - ما تستفزنيش يا همس!، صدقيني، ابسط حاجه هفضل هنا معاكِ لغاية ما أخوكِ ييجي ويشوفنا. وساعتها بأه الجوازة هتّم غصب عنك!

احتل تعبير عدم التصديق وعدم التصديق تعابير وجه همس ورجعت بضعة خطوات الى الوراء في غير وعي منها وكأنها تريد الهرب من ذاك المجنون الذي يقف أمامها مخبرا إياها بكل بساطة أنه سينالها رغما عن أنفها وعن أنف الجميع!، حتى أنها ارتطمت همس في رجوعها إلى الخلف بحافة السرير وراءها، وكأنها القشة التي ستنقذها منه، فصعدت فوق الفراش ووقفت في منتصفه وهي تشير بسبابتها في وجهه بتحذير وتقول وقد وضعت يديها في منتصف خصرها: أنت مجنون!، أكيد مش طبيعي!، الكلام اللي انت بتقوله دا كلام جنون في جنون!، وعلشان تبقى عارف انا ما حدش يقدر يغصبني على حاجه، ومهدي وبابا هيصدقوني لما اقولهم انى اتفاجئت بيك في اودتي!

سار حتى وقف اسفل السرير ونظر اليها نظرات شابها الغموض وقال بهدوء ينذر بهبوب العاصفة:
- همس لآخر مرة بقولك ما تستفزنيش!
وكأنها بوقوفها فوق الفراش قد التجأت الى برج عال يعصمها منه، فقد شعرت بدفعة من الشجاعة فوقفت بكل ثقة وقد عقدت ذراعيها وأجابت وقد أشاحت بنظرها بعيدا عنه:
- وانا لآخر مرة بقولك ما تهددنيش، وأعلى ما في خيلك اركبه!

ما ان أنهت عبارتها حتى لمعت عيني مراد بشدة وكرر كلامها قائلا بتهديد خفي: - حااااضر، أعلى ما في خيلي هركبه!
وقفز فوق الفراش فجأة مما دفعها للصراخ خوفا ودهشة وقد اختل توازنها من ثقل جسمه الذي احتل الفراش فجأة أمامها، حاولت الفرار من أمامه متمايلة يمينا ويسارا تريد الإفلات منه بينما هو يلاحق حركاتها كي لا يدعها تهرب.

قالت بارتباك طفيف وهي تشير اليه بيدها كي يهدأ ويستمع الى صوت العقل: - مراد، الموضوع دا ما فيهوش هزار، انزل بس من فوق السرير واحنا نتفاهم!

ضحك ساخرا وقال وهو يغمزها بخبث: - أنزل؟، ليه، هو انت مش بتقولي انك مش بتتهددي؟، انا بأه هثبت لك انى ما كنتش بهدد وحالا!

اقترب منها فما كان منها الا ان قفزت صارخة من فوق الفراش الى الارض واتجهت من فورها ما ان لامست قدميها الارض الى الحمام الملحق بغرفتها وأغلقت الباب بالمفتاح مسندة ظهرها اليه وقد تنفست عاليا...

سمعت صوت طرقات على باب الحمام وصوت مراد يقول بلهاث: - افتحي يا همس.
نظرت الى الباب وكأنها ترى مراد من خلاله، وأجابته وهي تضع يدها على صدرها علّها تخفف من دقات قلبها المتقافزة بشدة:
- مش هفتح يا مراد، واتفضل امشي بأه قبل ما ماما تيجي!
- همس. همس.

شهقت همس عاليا ووضعت يدها على فمها لتكتم شهقتها بينما التفت مراد الى باب الغرفة الذي أوصده بالمفتاح ورأى مقبض الباب وهو يتحرك بقوة وسمع صوت عمته وهي تنادي ابنتها متابعة في قلق:
- همس. انت قافلة الباب عليكِ ليه؟
اغمضت همس عينيها وهمست بخفوت: - روحتي في داهية يا همس...

- يارا، كفاية شغل إنهرده، الحلقة طويلة والمونتاج خد مننا وقت طويل نكمل بكرة ان شاء الله...

أجابت يارا وقد تناولت حقيبتها اليدوية وهاتفها المحمول: - اوكي يا استاذ اسامة...
ابتسم اسامة قليلا وقال: - يارا احنا بئالنا أد ايه بنشتغل مع بعض؟
قطبت يارا وأجابت: - تقريبا سنتين، انا وهمس ابتدينا مع بعض البرنامج سوا. انما حضرتك بتسأل ليه؟

سكت اسامة قليلا فانتبهت يارا إلى أنها قد ذكرت إسم همس ولامت نفسها على ذلك بشدة، فمنذ انفصاله عن همس وهي تتحاشى الإتيان على ذكرها كي لا تسبب له الألم بالحديث عنها، عضّت على لسانها بينما شرد اسامة وقد غامت عيناه قليلا لدى سماعه اسم همس ولكنه هزّ برأسه ليفيق من شروده وقال مبتسما:.

- أصلك لسّه مُصرَّة تناديني أستاذ!، إحنا عارفين بعض من زمان. وأظن الرسميات دي دمها تقيل اوي؟، فيا ريت بلاش حضرتك وسيادتك واستاذ، وخليها اسامة بس، ممكن؟

ابتسمت يارا وقد تسارعت دقات قلبها قفزا وهزت برأسها ايجابا معلقة: - ممكن...
اتسعت ابتسامة اسامة وقال وهو يشير اليها لتسبقه بالخروج: - اتفضلي بأه علشان أوصلك في طريقي.
حاولت يارا الرفض قائلة بتلعثم: - لا لا لا مالوش لزوم، المواصلات سهلة.
هز اسامة برأسه نفيا وهو يهتف معترضا بشدة: - لا لا مواصلات ايه في الوقت المتأخر دا؟، ما ينفعش طبعا!، هوصّلك يعني هوصّلك.

قالت باعتراض واه بينما قلبها يقفز في صدرها سعيدا بإصراره على إيصالها حرصا منه على سلامتها:
- بس انا كدا يمكن أعطلك، يمكن طريقنا مش واحد؟!
ابتسم أسامة قائلا بهدوء: - مش مشكلة، نقدر نخلي طريقنا واحد!
وتابع بينما تقف هي تطالعه مشدوهة: - مش فيه عربية؟، خلاص يبقى اتحلّت.

تسمّرت واقفة مكانها بينما همست لقلبها بداخلها: - إهدى يا قلبي شوية، ما تفسّرشي كل كلمة منه على مزاجك، لكن يا ترى ممكن طريقنا يبقى واحد فعلا يا اسامة؟

إنتبهت من شرودها على صوته يستحثها بالذهاب فسبقته بخطوات مرتبكة محاولة تفادي النظر إليه كي لا تفضحها عيناها، وتشي بما يعتمل في صدرها ناحيته من مشاعر طال كتمانها، مما يجعلها قاب قوسين أو أدنى من الإنفجار!

- ماما، حمد لله على السلامة.
دخلت راندا غرفة همس التي رحبت بها وكانت تقف أمامها بعد أن فتحت لها الباب وهي تفرك عينيها مُدّعية استيقاظها من النوم عند سماعها طرقات أمها!

قالت راندا بتساؤل عاقدة جبينها في حيرة: - غريبة، إنتِ قافلة اودتك عليكي ليه؟، وفين شمس؟، مش المفروض انها هتبات معاكِ انهرده؟

هربت همس بنظراتها خوفا من أن تنظر اليها أمها وتكشف كذبتها ما إن ترى عينيها وهي تقول ببراءة مصطنعه:.

- اعمل ايه في شمس؟، حضرتها صممت إننا نسهر مع احمد يونس في برنامج ع القهوة، وانا بترعب من الموسيقى وطريقته في الكلام، لكن ولا كأني بتكلم، فأنا كمان صممت انها مش هتنام معايا في أودتي، وخليتها تنام في أودة ريما، ويا ريتني خليتها معايا، لأني إتفاجئت بعد كدا اني مش قادرة انام و حسيت بالرعب وأنا لوحدي في الأودة، وما رضيتش طبعا أروح أتحايل عليها انها ترجع تنام معايا علشان هتستلمني تريئة، فلاقيت أنسب حل إني أقفل عليا الباب بالمفتاح علشان أحس بالأمان وأعرف أنام!

ضحكت راندا بمرح وقالت وهي تربت على كتف همس: - ولا يهمك حبيبتي. روحى نامي واقري آية الكرسي وخواتيم سورة البقرة والمعوذتين وقل هو الله احد وإنت مش هتحسِّي بأي خوف إن شاء الله، أنا هروح أشوفها في أودة ريما. تصبحي على خير حبيبتي...

ردت همس بابتسامة تحية المساء على والدتها التي اتجهت للخروج من الغرفة: - وإنتِ من أهله يا ماما.
بعد انصراف راندا. أغلقت همس الباب بهدوء وإحكام خلفها واستندت بظهرها إليه مغمضة عينيها وقد تنفست بعمق ثم ما لبثت أن فتحت عينيها وسارت حتى الحمام الملحق بغرفتها وطرقت عليه قائلة بصوت خرج بالرغم عنها منهكا نتيجة لتلف أعصابها من الموقف العصيب الذي تعرضت إليه في الدقائق السابقة:.

- اطلع يا مراد ماما خلاص مشيت.
خرج مراد بينما سارت هي حتى توسطت الغرفة وتابعت وقد شعرت بالإنهاك من جراء ما تعرضت له هذه الليلة:
- ممكن تمشي بأه؟، الحمد لله إن ماما ما شافتكش والموضوع عدّا على خير، أرجوك يا مراد امشي، أنا أعصابي خلاص تعبت فعلا.

سار مراد بخفة حتى وقف أمامها تماما ثم مال عليها ناظرا إلى عينيها وقد أشاحت بنظراتها بعيدا:
- إنت اللي تاعبه نفسك بنفسك...
ثم نظر جانبا متنهدا بعمق وما لبث أن أعاد نظراته إليها متابعا بهدوء نسبي: - بصِّي يا همس، أنا مش هكرر الكلام تاني، اللي أنا عملته دا انت السبب فيه!

نظرت اليه باستهجان فواصل حديثه مؤكدا: - ما تستغربيش كدا. أيوة إنتِ السبب!، إنتِ اللي وافقت على خطوبة واحد تاني بس علشان تهربي من مشاعرك...

أظلمت عيناه لمرارة الذكرى وهو يكمل بصوت يقطر حزنا وغضبا و، غيرة: - إنتِ معتقدة انه سهل عليّا إنك تتخطبي لغيري؟، مش ممكن تتخيلي النار اللي كانت بتقيد جوايا كل ما اشوفكم سوا!، ما حسيتيش بيا يا همس؟، أنا أكتر من مرة كنت هرتكب جناية!، دا طبعا غير كل ما اقعد مع حد ألاقيه يتكلم عنك وعن عريس الغفلة بتاعك وعن ترتيبات الجواز!، عاوزاني بعد دا كله ولما تيجي فرصة انى اخليك توافقي على ارتباطنا ما انتهزهاش؟، لا يا همس، ولو الأيام رجعت تاني كنت هعمل نفس اللي عملته دا!، أنا إيه اللي كان يضمن لي انك مش هترجعي في كلامك اول ما أقف على رجليا من تاني؟، دا إنتِ علشان سفرية للبنان قعدت تقولي شغلي وشكلنا مش هننفع، ما بالك بأه لو كنت عارفة انى خلاص بئيت كويس كنت هتكمّلي معايا؟

قاطعته نافية بقوة: - انا ما وافقتش على خطوبتنا علشان لعبتك السخيفة دي. لأ يا مراد!، انا وافقت لأني وقفت قودام نفسي وصارحتها إني ما ينفعش أكمل مع واحد تاني في نفس الوقت اللي مشاعري مرتبطة بغيره، ولأني قررت إني أدّي نفسنا وحبنا فرصة انه يتغلب على أي فروق بيننا سواء في طريقة التفكير أو التصرفات، لكن انت سخرت من الحب دا!، للأسف يا مراد لعبتك قللت من قيمته، وحسِّيت انه مش كفاية. لازم تحترم عقلي وتفكيري علشان ارتباطنا ينجح، واللي أنا شايفاه وحاسه بيه انك لغاية دلوقتي مش عاوز تقتنع إنى مش هوائية ولا بتحرك بمشاعري بس، أنا يمكن وافقت على أسامة في لحظة ضعف. عنادك وغرورك كانوا هما السبب الأساسي فيها!، لكن أنا متأكدة إنى ما كنتش هكمل، أنا بعترف إنى غلطت لما قبلت بأسامة، ومش عيب إن الإنسان لما يغلط يعترف بغلطه، العيب انه يتمادى في الغلط دا، لا ومش بس كدا. ويكابر بمنتهى الغرور انه ما غلطش. ودا الفرق اللي بيني وبينك!

انتبه مراد الى عبارتها الأخيرة وما إن همّ بمقاطعتها حتى رفعت يدها في وجهه حتى لا يعلق ويتركها تتابع حديثها:
- أيوة يا مراد، انت مستغرب ليه؟، انت مستكبر تقول آسف!، مستكتر أوي تقول انك غلطت!، ودي حاجه ما تبشّرشِ بالخير!، افرض أي حاجه حصلت بيننا وإنت اللي طلعت غلطان. يبقى مش هتعترف بالغلط دا؟، هتصر على موقفك؟!،.

زفرت همس بقوة وأكملت محاولة تمالك نفسها وهي ترفرف برموشها بقوة لتبعد عن عينيها دموعها التي تهدد بالسقوط:
- أنا آسفة يا مراد. إنما أنا فعلا مش هقدر أكمل بالشكل دا!
تحدث مراد بهدوء بينما شابت نظراته بعض الحدة وهو يقول: - واضح انك مصممة تشوفيني انى واحد مغرور وعنيد بينفذ اللي هو عاوزه بصرف النظر عن أي إعتبارات تانية!، لا ومش بس كدا. دا انا كمان اللي خليتك تهربي مني وتوافقي على غيري؟!

حرك رأسه بسخرية طفيفة بهزة خفيفة وتابع وهو يقلب شفتيه بينما ابتعدت بنظراتها عن عينيه فيما هو يكمل بلا مبالاة وبرود:.

- وهو كذلك يا همس، خليكي على رأيك، عارفة ليه؟، لأني متأكد إني هقدر أخليكي تغيريه!، ودا مش المهم دلوقتي، المهم انى فعلا مش هسيبك تبعدي عني!، سمِّيه زي ما إنتِ عاوزة بأه، عناد، غرور، اللي انت عاوزاه مش هتفرق!، ويكون في علمك ما فيش قوة على وجه الأرض هتخليني أسيبك، حاجه واحده بس اللي ممكن تخليني أنفذ الجنون اللي في دماغك دا!

نظرت اليه بتساؤل فتابع بقوة هاتفاً: - موتي!

شهقت هلعاً من شدة وقع الكلمة على سمعها مما جعل قلبها ينتفض في صدرها كالطير المذبوح، بينما ابتلت رموشها بدموعها المحبوسة واعتلت عيناها نظرة وَشَتْ بما اعتمل في داخلها من رعب وقلق لسماعها كلمته، مما أطرب قلبه. فقد رأى خوفها وهلعها عليه في نظراتها التي تصوّبها ناحيته تماما لتصيب قلبه بسرعة غريبة في دقاته، بينما لم يشعر بيديه التي امتدت لتحيط بها جاذبة إياها إلى أحضانه وهو يواصل بهمس:.

- مش ممكن اسمح انك تروحي مني تاني يا همس، أنا ما صدقت انك بئيتي مراتي. ملكي.
رفعت عينيها إليه والتي خانتها لتطالعانه بنظرات مليئة بالحب المكتوم في فؤادها وقالت بصوت مضطرب:
- مراد انا...

لم يمهلها إكمال عبارتها فقد تاه في نظرات عينيها الملهوفة وشعر بالحرارة تسري في دمه لدى رؤيته إرتجاف شفتيها وهي تهم بالكلام، فلم يستطع الصمود أمام براءتها وخوفها الظاهر وهلعها عليه، شعر انه عَطِش وفي أقصى درجات العطش إلى حبها، وها هي تقف أمامه تعرضه عليها بغير وعي منها، بنظرات عينيها البريئة المفتونة به، والتي هو على يقين من أنها لا تعي أن عينيها تشيان بها في كل لفتة منها وكل نظرة منها إليه وهذا ما سبب جنونه المتفاقم بها، وسيكون ملعونا إن ترك نبع عشقها الصافي هذا بدون ان ينهل منه حتى الارتواء، فما كان منه إلا أن طفق ينهل من رحيق شفتيها كي يروي شوقه الشديد وحنينه اليها، ولكنه إكتشف أن قبلتها كالماء العذب الذي كلما شربت منه تطمع بالمزيد...

أنهى عناقه القوي الذي اكتسحها قالبا حالها رأسا على عقب وقد أسند جبينه الى جبينها وقال بقوة غير قابلة للنقاش من بين انفاسه اللاهثة:
- فرحنا هيكون مع كتب كتاب شمس واسلام، ودقيقة تأخير مش هسمح!
شهقت همس وابعدت رأسها عنه ونظرت اليه قائلة بتلعثم: - بس. بس...
ليقاطعها بقوة وعيناه تبرقان ببريق بعث الرعشة في أوصالها وبعثر ما تبقى من تماسكها الواهن:.

- لو رفضتِ يبقى هتمم جوازنا الليلة دي وهنا!، وإنتِ متأكدة زي ما أنا متأكد انه مش هيكون غصب عنك!

شهقت بعمق خجلا و، غضبا ودفعته بقوة بعيدا عنها بينما نظر اليها بابتسامة ماكرة وتابع:
- مبروك ليكي انت كمان يا عروسة!
نظرت إليه بحنق وأدارت وجهها بعيدا عنه، فأطلق ضحكة مرحة وسرعان ما وضع يده على فمه محاولا كتمانها ثم غمزها بمكر قائلا:
- ما شوفهومش وهما بيسرقوا، أنا همشي دلوقتي واسيبك علشان تنامي، مع إنه بالنسبة لي فأنا واثق ومتأكد انه مش هيجيني نوم لغاية معاد فرحنا...

هتفت باستفسار حانق: - طيب وهتمشي ازاي؟
أجاب بتلقائية: - ولا يهمك انا عامل حسابي
واتجه إلى باب الشرفة المغلقة يفتحه فتبعته همس ونظرت إليه وهو يقف بالشرفة مشيرا إلى شجرة التوت الكبيرة التي تصل إلى شرفة غرفتها، أضطربت همس وهتفت بدهشة وقلق:
- انت، انت، هتنزل...
قاطعها قائلا ببساطة وكأنه لن يتسلق شجرة ضخمة نزولا قد يكون نتيجته سقوطه مرتطما بالأرض لينتهي حلمه قبل أن يبدأ:.

- على الشجرة. عادي، عملتها قبل كدا ناسية؟

ثم سارع بخطف قبلة ناعمة جاءت كرفرفة جناح فراشة فوق وجنتها الحليبية فلمست جانب فمها، نظر اليها بعشق مجنون ثم غمزها قبل ان يتسلق أغصان شجرة التوت الضخمة نزولا بينما وقفت هي قابضة على سياج الشرفة بقوة حتى ابيضت سلاميات أصابعها خوفا وهلعا عليه تلاحقه بنظراتها القلقة حتى وصل إلى الأرض بسلام، ثم لوّح لها بيده بقوة قبل أن يتوارى عن أنظارها خارجا من الباب الخلفي للحديقة بعد أن قفز فوق السياج المحيط بالفيلا...

- لبنى عاوزك شوية لو سمحت.
أغلقت لبنى جهاز الاتصال الداخلي ثم نفخت انفها جيدا ومسحت عينيها كي لا يلاحظ مديرها آثار بكائها وشدت قامتها ونهضت عن كرسيّها متجهة إلى باب غرفة المدير حيث طرقت الباب فسمعت صوته القوي يأمر بالدخول. ، دخلت وأغلقت الباب خلفها وسارت حتى وقفت بجوار المكتب وقالت بينما كان مهدي منكبا على الأوراق التي في يده وقد خرج صوتها متحشرجا بالرغم منها:
- أفندم. حضرتك طلبتني؟

رفع مهدي رأسه ناظرا إليها بدهشة وقال بتساؤل: - في إيه يا لبنى؟ مالك؟
سعلت لبنى لتجلي حنجرتها وأجابت محاولة رسم ابتسامة خفيفة على وجهها الشاحب: - ما فيش يا فندم!
قطب مهدي ونهض من مقعده والتف حول المكتب ليقف أمامها ثم قال وقد عقد ساعديه أمام صدره ناظرا إليها بشكّ بينما حاولت هي الهروب من نظراته وشردت بعينيها بعيدا عنه:
- إزاي ما فيش؟، صوتك مش طبيعي، وشكلك زي ما تكوني معيّطة؟

ثم أكمل بإلحاح: - إنتِ معيّطه فعلا يا لبنى؟
حاولت لبنى الضحك فخرجت ضحكتها مبتورة، فأجابت محاولة تبرير حالتها الراهنة: - لا لا عياط ايه!، معلهش أصلي واخدة دور برد بس شكله جامد شوية!
نظر اليها مهدي قليلا، لا يعلم لما يرتاب في صدقها؟، ثم سرعان ما هز كتفيه صارفا انتباهه عن حالتها وقد تظاهر بالاقتناع بكلامها وركّز على سبب استدعائه لها فقال بتلقائية:.

- طيب خلي بالك من نفسك وخدي دوا للبرد، عموما أنا طلبتك علشان أقولك انك هتحضري معايا انهرده عشا الوفد الياباني.

رفعت عيناها ناظرة اليه في دهشة وتساءلت: - أفندم؟، عشا؟ بس. بس. انا.

قاطعها باستفهام: - بس إيه؟، إنتِ عارفة إنك سكرتيرة لنائب مدير العلاقات العامة اللي هو أنا، وأكيد هيكون فيه حاجات من دي علشان الشغل، محمود بيه هو مدير المجموعة ومدير العلاقات العامة في نفس الوقت وأدهم بيه رئيس مجلس الإدارة مش فاضيين للعشا دا. وبما إني نائب مدير العلاقات العامة فلازم أكون موجود. علشان نتفاهم في تفاصيل الصفقة اللي بيننا وبينهم، الأستاذ صلاح مدير مكتب ادهم بيه والمساعد الشخصي بتاعه هيكون موجود هو كمان، هو عنده إلمام كامل بالصفقة وهيساعدنا في التفاهم معهم، وبما انك مساعدتي الشخصية فلازم تكوني موجودة. دا شيء من صميم شغلك!

قالت لبنى محاولة إثنائه عن قراره بوجوب مرافقتها له: - ايوة بس انا عندي ظروف انهرده، ممكن حضرتك تاخد مدام عبير. هي ما شاء الله عليها ذكية وتقدر تستوعب بسرعة المطلوب منها، دا غير إنها رئيسة قسم السكرتاريا في المجموعة!

اغتاظ مهدي من محاولة تنصّلها الواضح من الحضور وقال ساخرا: - لبنى هو أنا عازمك على العشا مثلا علشان تقوليلي ظروفك ما تسمحش؟، ولَّا أنا خلاص واقع ومش هعرف أتعشى لوحدي علشان تقوليلي خد مدام عبير؟

ثم اعتدل في وقفته وتابع آمرا بحدة وصرامة: - آنسة لبنى الشّغل. شُغل، واعتقد لما جيتي اشتغلتِ معانا كنت عارفة إن طبيعة عملك ممكن تخليكي تتعشي بره او تتغدي واذا لزم الأمر إنك تسافري كمان برّه!

انتظر قليلا حتى يتأكد من استيعابها لما يقوله ثم تابع بسخرية طفيفة: - وأعتقد المرتب الكبير اللي انت بتاخديه علشان توفي بكل التزاماتك ناحية الشغل، إحنا مش فاتحينها دار للاحسان!

غضبت لبنى مما سمعته منه، وأمسكت لسانها بصعوبة من الردّ عليه ردًّا يوقفه عند حده هذا المتحذلق المغرور الواقف أمامها، الذي وُلد وفي فمه معلقة من ذهب، لا يعلم شيئا عن معاناة غيره من البسطاء الذين يكدحون من اجل لقمة عيش تكاد تكفي لسد رمقهم!

ترسخ في ذهنها أنه بعد حديثه ذلك فهي أرقى من أن تحاوره، فهي إن طاوعت نفسها فستنهال عليه صفعا بلسانها وهي لا تستطيع المجازفة براتبها المجزي كما قال لها هذا المغرور الواقف أمامها، فهي على استعداد لتحمل أي شيء في سبيل، أحمد!

تنبهت من شرودها على صوت تململ ذاك الواقف أمامها فنظرت إليه بقوة، بينما لاحظ نظراتها اليه فقال وابتسامة ساخرة ترتسم على وجهه:
- ايه يا آنسة لبنى، شكلي عجبك أوي لدرجة انك مش قادرة تنزلي عينك من عليا؟!
لم تستطع لجم لسانها عن الرد عليه ساخرة: - لا معلهش حضرتك. أنا مش ببّص بإعجاب...

نظر إليها بتساؤل وابتسامة خفيفة تعتلي محياه الوسيم سرعان ما غابت لدى سماعه تتمة عبارتها والتي ألقتها على مسامعه بينما تقف بشموخ أثار إعجابه رغما عنه وهي تعقد ذراعيها امامها وتبتسم ابتسامة جانبية:
- انا ببصّ بذهول!
عقد حاجبيه وتساءل بتجهم: - نعم؟، ذهول؟، ذهول من إيه بقه بالظبط؟

أجابته ببرود: - أبدا. هو الواحد لو شاف حاجه غريبة قودامه مش بردو بيبص لها بذهول ويتنّح كدا وبيكون حاسس انه مش مصدق عينيه من اللي شايفه قودامه؟!

أجاب مهدي بغضب خفي بينما أظهر سخريته الشديدة من كلامها: - وإنت بأه مش مصدقة عينيكي؟
ردّت بتلقائية: - ولا. وداني حضرتك؟
قطب جبينه وقد اعتلت عيناه نظرة غضب سوداء فيما عضّت على لسانها ندما على تسرعها بالكلام وقال بهدوء خطر:
- قصدك تقولي إني حاجة غريبة واقفة قودامك؟!، اللاه إنتِ على كدا بتشتميني يا لبنى؟

تفاجئت من كلماته فسارعت للنفي بارتباك خفيف وابتسامة انكار صغيرة ترتسم على وجهها الملائكي:
- لا لا معقولة!، أشتم حضرتك بردو؟، أكيد لا طبعا. أنا كنت بوضّح وجهة نظري مش أكتر!

نظر اليها بنصف عين بينما شتمت نفسها خفيّة قائلة: - يعني كان لازم تتسحبي من لسانك؟، اتفضلي. أهو شكله على الآخر أهو، ولو طردك دلوقتي يبقى عنده حق، هو صاحب الشغل ومالوش دعوه بظروفك الشخصية. ولا انك تعبانه ومتضايقة. علشان تعب احمد. ففشِّيتي خلقك فيه!

أجاب صوتا آخر بداخلها يرد على لوْمها لنفسها قائلا: - ما هوّ اللي غاظني!، إيه دار للإحسان دي؟، حسّيسني إني زي ما أكون بشحتْ منه!، أنا بشتغل وبتعب قصاد كل جنيه من مرتبي. هوّ صحيح المرتب كبير. بس بياخد مقابله حقه وزيادة، تعب ومجهود وإخلاص في الشغل، وإلّا ما كانتش مجموعة أدهم شمس الدين معروفة ب إمبراطورية شمس اللي اسمها في العالم كله.

انتبهت من شرودها على تأففه الواضح فحاولت تمالك نفسها ونظرت إليه وقد قررت انه مهما فعل فهو لا يزال صاحب العمل وما هي إلّا موظفة صغيرة لديه يستطيع الإستغناء عنها فورا ومن دون أن يرفّ له جفن، بينما لن تستطيع هي التخلي عن وظيفتها وترك أحمد يقاسي الأمرّيْن!..

شدّت قامتها ونظرت اليه قائلة بهدوء: - أنا، أنا. آسفة إني إتجاوزت حدودي، عموما هكون جاهزة في المعاد اللي حضرتك هتحدده بإذن الله!

نظر اليها مهدي قليلا متفاجئا من سرعة تبدّل حالها!، فقد كانت قبيْل ثوان تنظر إليه نظرة كُرهٍ وغضب سوداء. لتتغيّر في لحظة إلى السكرتيرة الكفؤة معلنة إعتذارها عن خطئها في حقه وأنها ستكون رهن إشارته في الموعد المحددّ!..

مال عليها مهدي قليلا ناظرا في عينيها وقال بتساؤل: - انت بتتحولي بسرعه كدا دايما يا لبنى؟
نظرت اليه بتلقائية مجيبة: - مش فاهمه...
لتبتر جملتها ما إن وقعت عيناها أسيرة لعسل عينيه!، ولتطلق عيناه نظرة أشاعت الفوضى داخلها، بينما أحس مهدي وكأن تيار كهربائي عالي التردد قد انتشر بسرعة شديدة في جسده بأكمله ما إن وقعت نظراته على عينيها اللتان يشبهان بلونهما لون الزرع شديد الخُضرة!

كان هو أول من إنتبه من شرودهما حيث تنحنح قائلا وهو يستدير موليا اياها ظهره منهيًّا النقاش:
- خلاص يا لبنى حصل خير، إتفضلي على مكتبك...
أومأت برأسها بخفة وسارت بخطوات سريعة تريد الإنصراف في لمح البصر كي تلجأ إلى هدوء مكتبها. حيث تحاول أن تستعيد أنفاسها ثانية بعد هذه الصاعقة الكهربائية التي أحست بها وقد ضربت جميع أنحاء جسدها!

انتبه مهدي بعد انصراف لبنى انه لم يخبرها عن الموعد بعد، همّ بالإتصال بها لموافاته إلى مكتبه ولكنه بدّل رأيه في آخر لحظة وقرر إعلامها بالموعد أثناء مروره بها في طريقه إلى مكتب خاله أدهم للاستفهام عن بعض النقاط الخاصة بالصفقة مع الوفد الياباني...

- لبنى اعملي حسابك هفوت عليكي الساعه 8...
بتر عبارته وهو يراها أمامه وقد ارتسمت ابتسامة واسعة على محياها ما لبثت أن تحولت إلى ضحكة رقراقة صافية لم يسبق له ان سمعها منها من قبل، بينما كانت تتحدث في هاتفها المحمول غير واعية لوجوده أمامها قائلة بكل حنان أنثوي: -.

- انت عارف انا بحبك أد ايه، وما فيش حاجه تقدر تشغلني عن حبيبي حتى لو كان شغلي!..

لا يدري مهدي لما استشاط غضبا وغيظا مما سمعه، ولم يستطع الصمت أكثر من ذلك وهو يراها أمامه وقد غدت أنثى عاشقة بل وغارقة في حب محدثها حتى الثمالة!

هتف بصوت خرج حادًّا قاسيّا رغبة منه بمقاطعتها كي لا تسترسل في همس العشاق هذا مما سيجعل غضبه الغريب ذاك يتزايد!، سارع بندائها بصوت خرج جافا وبحدة:
- آنسة لبنى!
رفعت عيناها إليه دهشة وما لبثت أن قالت لمحدثها بهدوء: - معلهش حبيبي عندي شغل هضطر اقفل دلوقتي، لا لا إن شاء الله مش هتأخر، لا إلاه إلا الله...

وأغلقت الهاتف بصمت تام بينما هو لا يعلم لِما خُيّل إليه وكأنها قد أرسلت قبلة لحبيبها ذاك؟!..

نظرت لبنى إليه صامتة في انتظار معرفة سبب وقوفه أمامها، وعندما طال انتظارها تنحنحت قليلا ثم قالت بهدوء:
- حضرتك كنت عاوز حاجه؟
إنتبه من شروده مجيبا بينما يعقد جبينه في دهشة وحيرة من أمره ولما هذا الغضب المفاجيء الذي شعر به:
- ها؟، آه. آه. اعملي حسابك هفوت عليكي انهرده الساعه 8 إن شاء الله...
أجابته بجدية: - مالوش لزوم حضرتك تتعب نفسك، قولي بس على المكان وانا هكون هناك في المعاد تمام...

إستند براحتيه على سطح المكتب الذي يفصل بينهما ومال بإتجاهها وقال آمرا بنبرة متسلّطة وببرود ثلجي وان كان يغلي في داخله غيظا وحنقاً:
- لا، انا هفوت عليكي، اديني العنوان.
صمت قليلا ولم يستطع منع نفسه عن المتابعة بسخرية: - ولاّ، حبيبك هيعترض؟
نظرت اليه بدهشة مكررة عبارته في حيرة وهي تعقد حاجبيها قائلة: - حبيبي؟ ّ!
هز كتفيه بلامبالاة متابعا: - عموما، خليه يطمِّن، دا مشوار شغل.

ثم نظراليها بقوة وواصل حديثه بجديّة بالغة: - ويا ريت بلاش تنبهي عليه ما يكلمكيش كل شوية واحنا مع الوفد، مش عاوزين بلبلة وقلق!

شعرت لبنى بالحيرة وقالت بارتباك وهي تشير بيدها بغيّة توضيح علاقتها مع حبيبها ذاك:
- لا حضرتك هو...

ولكنه قاطعها مشيحا بيده منهيًّا الحديث في هذا الشأن الذي لا يدري لِما تسبب له بكل هذا الغضب والغيظ؟، ولكنه أرجع ذلك إلى أسلوبها في التعامل معه سابقا والتي توحي بأنها تتحمل العمل لديه فقط لراتبها المجزي بينما طريقتها مع هذا ال، حبيب تشي بأنها أنثى تذوب عشقا!، بل إنه لم يستطع منع نفسه من التساؤل ماذا لو كانت تخاطبه هو بهذا الأسلوب وتتدلّل عليه بهذه الطريقة الأنثوية البحتة؟!

هزّ رأسه ليبعد عنه أفكاره التي تسببت له في الشعور بصداع قوي داهمه فجأة وقال ببرود غير راغبا في سماع تفاصيل عن ماهية حبيبها ومدى علاقتهما سوية:
- مش مهم يا لبنى، دي حياتك الشخصية، أنا بس حبّيت أوضح لك انك لازم تفصلي حياتك الشخصية عن حياتك العملية، عامة أنا عند أدهم بيه لو حد عاوزني.

وانصرف بخطوات قوية سريعة تاركا إيّاها وقد غرقت في كرسيّها وأمارات الذهول والقلق ترتسم على وجهها خوفا أن يكون قد سمع حديثها كاملا مع، أحمد!

- اييييييه؟، إنت بتقول ايه يا مراد؟
صرخت ريتاج في ابنها الواقف أمامها بمنتهى البراءة وهو يعيد كلماته على أسماعها ثانية بينما أدهم يتابع ما يدور بين ابنه ووالدته بهدوء:
- انا بقول يا ماما ان فرحي انا وهمس هيكون مع كتب كتاب شمس واسلام، يعني كمان إسبوعين إن شاء الله!

شهقت ريتاج غضبا ثم استدارت بنظراتها المُرتابة إلى ادهم الساكن أمامها وقالت بقهر من بين أسنانها:
- إنت كنت عارف يا ادهم؟
أجابها أدهم بهدوء وثقة: - أنا معرفتش غير دلوقتي زيي زيّك بالظبط!
أعادت ريتاج نظرها إلى ابنها وقالت مقطبة بتساؤل حانق: - ممكن اعرف إيه سبب السرعة دي؟، ثم. مين اللي قال إن كتب كتاب شمس وإسلام بعد أسبوعين؟، أنا مش هسمح أنكم تعملوا زي كتب كتابك أنت وهمس. هوّ فيه إيه بالظبط؟

سار مراد حتى وقف بجوار والدته وأحاط كتفيها بذراعه وأجاب محاولا استمالتها: - يا أمي يا حبيبتي أنتِ مش عاوزه تفرحي بينا أنا وشمس؟
لم يترك لها مجالا للإجابة على استفساره وأكمل بمرح قائلا: - ولّا أنتِ خايفة تبقي جدّة ونكبّرك؟
لكزته ريتاج بمرفقها في خاصرته مما جعله يتأوه ألما ورفع ذراعه من فوق كتفيها بينما أجابت ريتاج بنزق:.

- بلاش قلة أدب، أنا هخاف أكون جده بردو؟، دا اليوم اللي بتمناه، بس فيه اصول يا ابن ريتاج مش سايبه هيّ!

نظر مراد إلى والده برجاء ليحاول التدخل لإقناع والدته، فنهض ادهم من مقعده واتجه الى ريتاج وأحاطها بذراعه مبتعدا بها قليلا عن مراد وهو يقول بهدوء وابتسامة خفيفة تعتلي شفتيه:
- تاج حبيبتي. الولاد عاوزين يفرحوا، ولو عامله على الفرح. ليكي عليا أحلى فرح في أفخم فندق وأغلى قاعه، إنت عارفة ما فيش عندنا مشكلة في النقطة دي والحمد لله يبقى ليه رافضة؟

حركت رأسها من اليمين الى اليسار بقوة وبعناد شديد وقد ارتسمت آيات الرفض والتمرد على تقاسيم وجهها وهتفت بحدة:
-لأ يا أدهم، الأصول أصول، كتب كتاب وفرح بعد شهرين من دلوقتي. وما فيش أي كلام تاني!

صرخ مراد مستنكرا: - إيه؟، شهرين؟، وإسلام اللي عاوز يكتب إنهرده قبل بكرة دا. هتقوليلو ازاي شهرين؟

نظرت اليه ريتاج بإغاظة وأجابت ببرود: - اللي خلاكم صبرتوا المدة اللي فاتت دي كلها. يخلِّيكم تستحملوا الشهرين الجايين دول كمان!..

ثم اقتربت من مراد وربتت على وجنته متابعة بابتسامة واسعة: - مراد يا حبيبي الأيام بتفوت هوا!
أغمض مراد عينيه ورفع رأسه ناظرا إلى أعلى وقد رفع ذراعيه بجانبه فاتحا إيّاهما على وسعهما وهو يكرر قائلا:
- هوا!
ثم فتح عينيه مجددا مطالعا أمه التي وقفت تراقبه بنظرات تدّعي البراءة في حين هتف زافرا بغيظ:
- طيب يا ماما، أما أشوف الهوا بتاعك دا آخرته ايه؟

ثم اتجه للإنصراف من غرفة الجلوس وما إن وصل إلى الباب حتى وقف ونظر الى والديْه من فوق كتفه وقال بقوة:
- علشان خاطرك انت بس يا ريتاج هانم الفرح هيبقى بعد 3 أسابيع، ولو أخّرتيه يوم واحد زيادة بعد كدا مش عاوز فرح خالص!، خليهولكم. وأنا هاخد مراتي وما حدش يلومني ساعتها بأه!

وسارع بالمغادرة تاركا ريتاج تنظر في أثره بدهشة ثم نقلت نظراتها إلى أدهم الواقف بجانبها يحاول كتم ضحكته بصعوبة بينما تشير بسبابتها حيث اختفى ابنها وهي تقول بذهول:
- انت سمعت، سمعت ابنك بيقول إيه؟، عاوز يخلي لنا الفرح؟، يعني يا إمّا يعمل الفرح وقت ما هو عاوز. يا يفضحنا وياخد مراته من غير فرح؟

ثم ارتفع صوتها متابعة وهي تقطب بغيظ وحيرة: - هو فيه ايه بالظبط يا ادهم؟، الولد ايه اللي جرالو؟
مال أدهم عليها هامسا أمام وجهها: - الولد ما بئاش ولد يا تاجي. الولد بأه راااجل وعاااشق كمان، وعاوز يكون مع اللي بيحبها انهرده قبل بكرة، وبصراحة أنا معاه!

نظرت اليه ريتاج مقطبة وقالت: - معاه؟
هز برأسه موافقا، فأكملت بغموض: - يعني أنت موافق يا أدهم؟
حرك أدهم رأسه لأعلى وأسفل مؤكدا بابتسامة: - أكيد!
ابتسمت ريتاج ابتسامة مستفزة وقالت بتلقائية مريبة: - أوكي يا ادهم، وأنا مش هقف قودام سعادة ولادي، عن إذنك!

وانصرفت تاركة أدهم مرتابا في سرعة قبولها لرأيه بل وتركها لتشبثها الشديد برأيها، ولكن، سرعان ما علم سبب خضوعها هذا بعد وقت قصير لدى صعوده إلى غرفتهما للنوم!..

أنهى أدهم اغتساله وتبديل ثيابه ثم سار إلى فراشهما الوثير للنوم، عندما سمع صوت ريتاج التي كانت ترقد مولية إيّاه ظهرها وهي تقول بهدوء:
- أنا جهزت لك الكنبة يا أدهم، نام عليها!
كرر بذهول: - إيه. الكنبة؟
رفعت نفسها قليلا ناظرة اليه ببراءة زائفة فيما انحسر الغطار عنها كاشفا عن كتفين في لمعان المرمر ونعومة الحليب، بينما أجابت بتلقائية مدروسة:.

- معلهش يا حبيبي، أنا عندي شغل كتير في المصنع الصّبح. دا غير إنّي من بكرة إن شاء الله هبتدي أنزل مع همس وشمس علشان يدوب نلحق نخلص جهازهم وأنت،.

صمتت هنيهة ثم تابعت غامزة بخبث: - بتسهّرني لغاية الفجر، وانا عاوزة أكون فايقة علشان أقدر أنجز اللي ورايا!
عضّ أدهم على نواجذه وهتف بحنق: - يا سلام؟ والترتيب دا على طول ان شاء الله؟
نظرت إليه ريتاج مجيبة بحلاوة: - لا يا حبيبي على طول إيه؟، لغاية ما الولاد يتجوزوا بالسلامة بس. أنت عارف الوقت ضيّق!

ثم استدارت وأعطته ظهرها تاركة إيّاه وقد وضع قبضة يده بين أسنانه قاضماً عليها بقوة منفثًّا عن بعض غضبه، بينما كتمت هي ضحكة ساخرة كادت تفلت منها ثم أغمضت عينيها وسرعان ما غابت في سبات عميق تاركة أدهمها يتقلب طوال الليل فوق الأريكة وقد فارقه النوم أرقاً و، شوقاً!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة