قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية كبرياء أنثى (نساء متمردات ج2) للكاتبة منى لطفي الفصل السادس

رواية كبرياء أنثى (نساء متمردات ج2) للكاتبة منى لطفي الفصل السادس

رواية كبرياء أنثى (نساء متمردات ج2) للكاتبة منى لطفي الفصل السادس

همس. هموسة سرحانه في ايه؟
افاقت همس من شرودها على صوت شمس فالتفتت اليها وقالت بذهن غائب جزئيا وشبح ابتسامة خفيفة تزين ثغرها:
- لا أبدا يا شموسة مافيش.
قالت شمس ضاحكة: - على شموسة يا هموسة! انما ايه اللخبطة دي؟ يعني لازم مامتك تسمي همس على وزن شمس من كتر محبتها لبابا؟!

همس بنبرة ساخرة: - شوفتي ماما بتحب خالي ادهم أد ايه؟
أجابت شمس غامزة لها بخبث: - وخالك أدهم بيحبها وابن خالك ادهم بيموت في بنتها بس هي اللي بتكابر!
نظرت اليها همس زاجرة اياها وقالت بلوْم: - انت اللي بتقوليلي كدا يا شمس؟ مين اللي كان دايما بينتقد طريقتي معاه وانى سلبية ومش عاملالي شخصية؟ مش انت يا شمس؟

شمس بهدوء: - حبيبتي انا كنت ضد سلبيتك بس مش معنى كدا انك تتغيري 180 درجة يا همس يعني يا كدا يا كدا؟ بصي همس انا عارفة مراد اخويا كويس اووي مراد بيداري اللي جواه يعني مثلا انهرده شوفتي قاعد ازاي يتكلم مع عصام واسلام ومهدي لكن انا اؤكد لك انه طول الوقت عينه ما اترافعتش من عليكي انت خصوصا لما عمي نزار خدك من شوية وقومتوا تتمشوا.

قالت همس بصبر: - بصي يا شمس لو انت عارفة مراد فأنا حافظاه! حافظاه زي كف ايدي تمام!

وبسطت راحتها أمامها مشيرة باصبعها على خطوطها وتابعت: - علشان كدا بقولك مراد استنفذ كل فُرَصُه معاي، مراد مش قادر يقتنع اني حبي ليه وخوفي على زعله مش معناه انى كدا بلغي شخصيتي وكرامتي، مراد فهم انى معنديش شخصية ولا كرامة علشان كدا للأسف بيتصرف انى شيء يملكه، حتى لما جه ورايا لبنان استكتر يقول لي انه عاوز يصالحني او حتى انه ما هانش عليه اسافر واحنا زعلانين، مراد عاملني بمنتهى الغرور وحب التملك علشان كدا لازم وقفة يا شمس وعموما خلاص انا خدت قراري مراد صفحة وانطوت من حياتي خلاص!

قالت شمس ناظرة اليها بجدية: - متأكده يا همس؟
همس وهي تقف: - بقولك يا شمس انا مش عاوزة اتكلم في الموضوع دا تاني عن اذنك.
لتتجه همس مغادرة بينما لحقتها شمس هاتفة بلهفة بينما همس تتابع طريقها: - استني بس يا همس.
قاطعها صوت عصام يقول بمرح: - ايه عملت ايه في بنت عمتك؟
نظرت اليه شمس وقلبت عينيها الى اعلى وقالت: - عصام. مش وقتك دلوقتي خليني اروح الحق المجنونة دي.

عصام غامزا لها وبمزاح: - لا سيبيلي المجنونة دي وروحي انت للمجنون التاني!
قطبت شمس قائلة: - مين؟ مراد؟
ضحك عصام قائلا: - لا مراد دا الجنون نفسه. انا قصدي اسلام!
اجابت شمس ببرود: - اروح له اعمل له ايه؟ انت شوفت بنفسك من ساعه ما جيتو ومش عاوز يتكلم معايا كلمتين على بعض بجر منه الكلام جر!

قال بهدوء: - معلهش يا شمس. اسأليه شوفيه ماله، أظن اسلام معزته عندك أقوى من انك تسيبيه من غير ما تعرفي فيه ايه؟

أومأت برأسها موافقة وقالت: - ماشي يا عصام هروح اشوف ماله وانت شوف المجنونة اللي مشيت دي.
سار عصام في الطريق الذي سارت فيه همس بينما اتجهت شمس الى اسلام الذي كان جالسا على كرسي بجوار حمام السباحة، جلست بجواره وقالت:
- ازيك يا اسلام عاش مين شافك؟
نظر اليها اسلام وكان يرتدى نظارته الشمسية وقال بهدوء: - الحمد لله ازيك انت يا شمس؟
شمس وهي تنظر اليه بعتاب: - يهمك فعلا تعرف انا عاملة ايه؟

اسلام ببرود: - اكيد. ليه بتقولي كدا؟
اجابته وقد بدأت واجهة البرود التي تغلفها بالتصدع: - علشان بئالي فترة طويلة ما شوفتكش حتى لما بكلمك مش بترد عليا يا اما بتقفل بسرعه من امتى يا اسلام لما اكلمك وما تردش مش بترجع تكلمني تاني؟ انت اتغيرت يا اسلام بس عاوزة اعرف السبب؟ انا زعلتك في حاجه؟

نظر اليها مليا قبل ان يعض بقوة على لسانه كي لا ينفلت من عقاله ويرمي في وجهها بما يعتمل في قلبه من غضب وحزن ناحيتها لتفكيرها السطحي وعدم احساسها بعمق مشاعره وبدلا من ذلك قال ببرود:
- انا مش فاهم انت تقصدي ايه يا شمس؟ عادي كنت مشغول شوية ايه المشكلة يعني؟

قالت بتساؤل وحيرة: - هو دا قصدي يا اسلام! طريقتك معايا مليانه برود. طريقة عمري ما اتعودتها منك، عموما انا آسفه يا اسلام اني سألتك مالك بس انا كنت بتصرف طبيعي زي ما اتعودنا نتصرف مع بعض والكل عارف احنا قريبين من بعض ازاي انا كنت اقرب لك من هَنا وانت اقرب لي من مراد!

خلع اسلام نظارته وقال بجدية: - انت قولتيها بنفسك كُنت! لكن دلوقتي مش هينفع نرجع زي ما كنَّا الأول؟
قطبت متسائلة: - ليه؟
قال وهو ينهض من مقعده: - لأني مش مراد وانت بالتأكيد مش هَنا بالنسبة لي. عن اذنك.
انصرف من دون ان يدع لها فرصة للرد بينما قطبت هي متسائلة: - هو ايه انه مش مراد وانا مش هنا! انا مش فاهمه هو يقصد ايه بالظبط؟..

يعني عاوزة تفهميني انه مافيش حاجه حصلت جديد بينك وبين مراد؟ ، ،
اجابت همس وهي واقفة تحت أشجار الحديقة تتحدث مع عصام الذي لحق بها وتبادل معها بعض الاحاديث الخفيفة قبل ان يتطرق الى موضوع عدم تبادلها أي حديث مع مراد سوى هزة خفيفة من رأسها له لدى قدومها ثم تجنبته تماما بعدها:.

- عصام. انا قلت لك ماحصلش جديد، ابن عمك هيفضل زي ما هو طبعه هو هو، وانا زي ما تقول كدا كبرت! اللي كنت بقبله الأول خلاص ماعدتش اقدر ابلعه خالص دلوقتي.

عصام بمزاح: - ولما هو كدا ليه عمال يزغر لي من تحت لتحت وحاسس انه لو طال كان خلاَّ ايده تسلم على وشِّي؟

قالت همس بشبه ضحكة ساخرة: - لالالا ما تخافش دي كلها تهيؤات في دماغك انت! صدقني انا اكتشفت انى مفرقش معاه في حاجه خالص، اللهم الا حاجه ملكه ورافض يتنازل عنها علشان احساسه انها بتاعته لكن غير كدا ولا افرق!

عصام وهو ينظر اليها جيدا: - بصي يا همس انا مش هتكلم كتير. كل اللي اقدر اقوله انك زكية يا همس ولو حبيت تغيريه هتغيريه كل الحكاية انك تركزي شوية بس وصدقيني هيبقى زي ما انت عاوزة واكتر بس نصيحة مني لما المارد اللي جوا مراد يطلع من القمقم بتاعه هتتمني انه ماكانش خرج لانه هياخد في وشه أي حاجه هيبقى زي الطوفان وانت شخصيا مش هتقدري تقفي في وشه!

قطبت همس حائرة وما ان همت بالكلام حتى سمعت ريما شقيقتها وهي تهتف: - نحن هنا، انتو فين، ايه الكلام دا كله؟
أجاب عصام رافعا حاجبه بإغاظة لريما: - بصي يا حلوة عيب الصغيرين اللي زيك يسألوا الكبار بتقولوا ايه!
قالت ريما بغضب طفولي: - عصام انا مش صغيرة بعد شهرين هتم 20 سنة!
قال عصام وهو يقرص وجنتها مبتسما بمرح: - بردو صغيرة يا صغيرة!

وغادرهما مطلقا ضحكة عالية بينما ريما تنظر في أثره مغتاظة، اقتربت منها همس هامسة لها وابتسامة تعتلي وجهها:
- لو عاوزاه بجد يبطل يبص لك انك لسه صغيرة بطلي انت تتعاملي معاه على انك صغيرة!

نظرت ريما الى شقيقتها فاتحه فاها بدهشة بينما نظرت اليها همس بخبث وقالت وهي تستدير لتنصرف من امامها:
- هروح ادور على شمس يا...
ثم نظرت اليها من فوق كتفها قائلة: - كبيرة!
وسارت مبتعدة عنها تاركة ريما ترغي وتزبد وتتوعد كل من يعاملها انها صغيرة انه سيرى ريما أخرى غير التي يعرفها!

آوووتش!
صرخت همس بعد ان صدمت في حائط بشري وقف في طريقها فجأة، رفعت نظرها لتفاجأ بنظرات غامضة تنظر اليها فقالت بنزق:
- ايه يا مراد مش تاخد بالك.
لم يجيبها وبدلا من ذلك قبض على رسغها وسار بها بين الاشجار حتى وصلا الى منطقة منعزلة وأوقفها امامه فجذبت يدها من قبضته بقوة آلمتها ولكنها لم تلتفت لألمها وبدلا من ذلك وقفت أمامه هاتفة بغضب ناري وهي تفرك رسغها:
- نعم يا مراد؟ افهم انت ليه شدتني بالشكل دا؟

نظر اليها بغموض قليلا قبل ان يتحدث قائلا: - رديتي عليه؟
قطبت وقالت متسائلة: - رديت على مين؟ هو مين دا اللي أرد عليه؟
قال بغضب مكتوم: - مش عاوز استهبال يا همس! انت عارفة كويس اووي انا بتكلم على مين، عريس الغفلة!

نظرت اليه بهدوء مستفز قبل ان تقول ببرود: - اولا ما تكلمنيش بالاسلوب دا، ثانيا عريس الغفلة له اسم لو ماتعرفوش اسمه اسامة. ثالثا بأه شيء ما يخصكش، ردي عليه يخصه هو بس!

قبض يديه بجانبه بقوة حتى ابيضت سلاميات اصابعه هاتفا بغضب عنيف: - همس ما تختبريش صبري عليكي اكتر من كدا. سؤال واضح وصريح ردك عليه كان ايه؟
هزت كتفيها بلامبالاة واشاحت بوجهها جانبا وهي تقول: - طلبت منه فرصة افكر واخد رأي بابا وماما.

أمسك بذراعها بقوة وهدر بعنف مكتوم من بين أسنانه: - انت بتستعبطي؟ بابا مين وماما مين اللي هتاخدي رأيهم؟ همس انت هترفضي الواد دا سامعه ولا لأ؟ وانهرده مش بكرة. دلوقتي مش بعدين هخلي بابا يكلم عمي نزار علشان تبقى رسمي وابقي تعالي قوليلي صفتك ايه، ايه رأيك يا همس؟..

حاولت افلات ذراعها من قبضته ولكن دون جدوى وبعد أن أعيتها محاولاتها أجابته ببرود مشيحة بنظراتها:
- أنصحك بلاش. بلاش تحرج خالي أدهم!
قطب متسائلا: - أحرج خالك أدهم؟ وايه اللي هيحرج خالك أدهم لما يطلب ايدك من عمى نزار؟
ليتابع بحنق: - عمي نزار هيرفضني؟

نظرت اليه بقوة وقالت بغيظ: - شوفت ازاي؟ انت مش متصور ازاي عمك نزار يرفضك؟ معقولة؟ يرفض مراد بيه ابن ادهم بيه شمس الدين؟ انا المفروض ابوس ايدي وش وضهر ان حضرتك تكرمت وتعطفت وهتتقدم لي رسمي!

ثم نظرت اليه بقوة وقالت بثبات: - انا قلت لك كلمتي. مش هينفع وخصوصا دلوقتي. ماعادش ينفع خلاص!
قطب وقال وهو يشد على ذراعها أكثر: - ايش معنى دلوقتي؟
أشاحت بوجهها بعيدا وهي تجيب بترد بسيط: - أسامة. أسامة. كلِّم بابا فعلا علشان يحدد له معاد يجيب والده ووالدته وييجوا يطلبوني رسمي!

لم تسمع منه شيئا ولولا صوت أنفاسه لأقسمت أنه تحول الى تمثالا من جموده المُفاجأ، ليرخي قبضته قليلا فجذبت ذراعها وفركت مرفقها وهي على يقين ان لونه سيتحول غدا الى جميع الالوان من شدة قبضته لذراعها، قال بهدوء مريب:
- يعني اسامة اتقدم لعمي نزار فعلا مش كدا؟

هزت برأسها موافقة واشاحت بنظرها بعيدا وهي تقول: - أيوة يا مراد. أسامة راح لبابا الشغل وعرفه بنفسه وفاتحه في الموضوع، فأرجوك كفاية لحد كدا. انا فعلا تعبت. وانت اكيييد هتلاقي نصيبك عند واحده تانية انما أنا نصيبي...

شهقت عاليا عندما جذبها اليه مكمما فمها بيده وهو يقول ناظرا في عينيها بعمق: - انما انا. نصيبك أنت! ايوة يا همس مش هتعرفي تخلصي مني، عارفة ليه؟ لاني نصيبك وانت نصيبي وعلى رأي جدتي سعاد اللي من نصيبك لازم يصيبك!، نصيحة مني ماتفرحيش أووي بالبيه اللي جالك دا علشان مش هتلحق فرحتك تكمل...

ثم ابعد يده عن فمها ونظر اليها بقوة قبل ان يستدير مبتعدا تاركا اياها تنتفض مما شاهدته في عينيه فلأول مرة ترى نظرات الغيرة الشديدة تلتمع في مقلتيه!..

تعالى يا واد يا مهدي هنا جنبي. كل واحد راح في حتة انا عارفة ايه دا علشان عجزت يعني؟ .

اقترب مهدي وقبّل رأس الجدة سعاد وقال بضحك وهو يجلس بجوارها: - عجزت ايه يا جدتي بس. انت أصبى واحده فيهم، انت اللي فيهم يا جميل.
قالت بضحك تدعو له: - ربنا يحلي ايامك يا حبيبي.
مهدي بمرح: - انما صحيح في ايه؟ ماما وطنط مها وطنط ريتاج دخلوا الاودة ما طلعوش ونفس الحكاية بابا وخالي ادهم وخالي محمود. ايه المباحثات السرية دي؟

خرج اليهم أدهم والباقون وبعد ان جلسوا وتناولوا الشاي قال ادهم بعد ان اخذ نفسا عميقا:
- زي ما انتو عارفين احنا مش مجرد عيلة واحده لا. احنا عيلة مترابطة اوووي زي الجسم الواحد بالظبط. الايام الجاية هتكون ايام عصيبة شوية بس انا متأكد اننا هنعديها ولازم نكون كلنا ايد واحده!

نظر اليه مراد مقطبا وقال: - فيه ايه يا بابا؟
ادهم وهو ينظر الى محمود الذي أومأ برأسه إيماءة خفيفة بالموافقة فتابع ادهم بينما تحتضن ريتاج كتفي مها:
- طنط مها هتعمل عملية صغيرة ندعي لها كلنا ان شاء الله انها تقوم بالسلامة.

شهقت همس عاليا بينما اعتلت نظرات شمس وريما القلق اما عصام واسلام فقد ساد تعبير غريب يجمع بين الخوف والقلق والحذر مما هو آت ونظر مهدي بقلق الى والده الذي أومأ برأسه ايماءة خفيفة تصديقا على كلام أدهم، كانت همس أول المتحدثين فقالت بصوت قلق:
- ليه يا خالي؟ طنط مها عندها ايه بالظبط؟
نظرت همس الى مها ونقلت نظراتها الى ريتاج وامها بينما قالت الجدة سعاد بحنان امومي:.

- يا حبيبتي يا بنتي ألف بعد الشر عنك يا مها. في ايه يا ادهم مها عندها ايه؟
وكان هذا أصعب ما في الموضوع كيف يخبرهم بمرضها فإسم المرض كفيلا أن تقشعر له الأبدان؟ عرف أي مسؤولية ألقاها شقيقه على عاتقه فقد أخبره انه لن يستطيع ان يخبر الجميع فتولى أدهم هذه المسؤولية وعلم مدى قسوتها الآن!

تنحنح أدهم قليلا قبل ان يقول: - ورم، في، في الثدي!
وضعت همس يدها على فمها كاتمة شهقتها وقامت من مكانها راكضة الى مها لترتمي في حضنها فهي تعدها بمثابة أم ثانية لها وقالت وعينيها مليئتان حيرة وقلق:
- صحيح يا طنط؟، هزت مها برأسها ثم مدت ذراعيها لها لتستقر في حضنها بعد ان افسحت لها راندا مكانا بينها وبين مها، مسحت مها على شعرها وقالت بشبح ابتسامة:.

- ايوة حبيبتي. انا عاوزاكو تكونو حواليا ومعايا علشان كدا مارضيتش اعمل العملية في فرنسا، هَنا ماتعرفش حاجه هقولها بعد العملية ان شاء الله.

قالت سعاد وهي تقف مستندة على عصاها العاجية وتسير متمهلة لتصل حيث مها وتجلس بعد ان قامت ريتاج لتجلس امها وقالت لمها:
- حبيبتي يا مها، ان شاء الله هتقومي منها بالسلامة يا بنتي.
نظرت شمس الى اسلام الذي كان ينظر الى امه وابيه مشدوها بينما قال عصام بقلق: - ماما انتو بتتكلموا بجد؟

محمود بحزم راغبا في انهاء الموضوع: - يعني هنهزر في حاجه زي دي يا عصام؟ الموضوع فعلا زي ما عمك ادهم قال وبكرة ان شاء الله هنروح للدكتور علشان يحدد لنا معاد العملية.

تقدم اسلام واقفا امام ابيه وقال بعتاب: - وليه ما قولتوش من الاول؟ ليه تخبوا علينا لغاية ما تتأكدوا؟ احنا مش اطفال صغيرين احنا بئنا كبار خلاص رجالة بشنبات وبنتكم زوجة وأم يبقى ليه خبيتوا علينا؟

نهض محمود واضعا يده على كتف ابنه وقال بهدوء نسبي: - اسلام احنا اتأكدنا في فرنسا لغاية ما سفرنا كنا بندعي تشخيص الدكتور اللي هنا في مصر يطلع غلط لكن للاسف تشخيص الدكتور طلع صح ومامتك مارضيتش تقول لهنا علشان عارفة ظروفها وظروف شغل جوزها ولما رجعنا قولنا لكم.

نظر اسلام الى والده بنظرات غائمة فشد محمود على كتفه وقال بابتسامة صغيرة: - ايه يا اسلام اومال هنا تعمل ايه؟ اجمد يا اسلام مامتك محتاجانا جنبها نحاول نبعد عنها القلق مش احنا اللي نزوده!

أومأ اسلام برأسه ثم التفت الى والدته وتوجه ناحيتها ثم ركع على ركبتيه امامها ففتحت ذراعيها اليه فرمى نفسه بين ذراعيها بينما لم يتمالك الباقيين انفسهم فاجهشوا بالبكاء من منظر هذا الرجل الضخم الذي أضحى كالطفل الصغير يرتمي في حضن والدته وتسيل دموعه بالرغم منه...

تحدد ميعاد العملية الجراحية وكان تشخيص الطبيب الجراح انه لابد من استئصال الثدي كاملا كي لا تنتشر الخلايا السرطانية ثم بعد العملية الجراحية ستخضع مها لجلسات العلاج الكيماوي وقد لا تحتاج لعلاج اشعاعي على حسب درجة المرض...

توجه الجميع الى المشفى يوم اجراء العملية وظلت ريما مع سعاد في منزل ادهم الذي رفض ان تأتي سعاد الى المشفى ووعدها انها عندما تنتهى العملية وتفيق مها سيأتي بها الى المشفى لتراها، أبلغت همس اسامة بالتطورات التي حدثت في عائلتها وقد تقرر تأجيل زيارته هو وعائلته ليتقدم اليها رسميا فتقبل اسامة عذرها وكان يهاتفها بين الحين والآخر ليسألها عن احوال زوجة خالها فهو يعلم تماما الى أي مدى همس مرتبطة بأفراد عائلتها وخاصة زوجة خالها التي كانت تقضي لديهم معظم ايام اجازاتها مع ابنة خالها هَنا...

كانت مها نائمة على السرير الجرار وكانوا يتوجهون بها الى غرفة العمليات عندما امسكت بيد محمود الملازم لها وقالت بصوت هامس محاولة التماسك:
- محمود. عاوزاك تعرف انى قضيت معاك أحلى ايام حياتي.
محمود وهو متشبث بيدها بشدة محاربا دموعه: - ولسه يا مها. انا متأكد انك هتقومي بالسلامة ان شاء الله وهنجوز عصام واسلام ونفرح بولادهم سوا.

مها بضحكة خفيفة: - يا رب يا محمود.
ثم رفعت عينيها اليه وأردفت وهي تشد على يده: - محمود، خلي بالك من الولاد. انا عارفة كبروا وبئوا رجالة لكن بالنسبة لي لسه ولاد. وخلي بالك من نفسك، وسامحني يا محمود لو في يوم زعلتك او قصرت في حقك.

محمود منفعلا وهو يقبل يدها بقوة: - زعلتيني؟
نظر اليها بعينين تغشاهما غلالة من الدموع التي تساقطت مغرقة وجهه من دون وعي منه وقال بصوت مبحوح:.

- انت زعلتيني انا يا مها؟ مها انت النسمة اللي في حياتي، انا من يوم ما حبيتك وانا انسان تاني. حلِّيتي ليا دنيتي، عارفة لما تقومي بالسلامة اول حاجه هعملها هاخدك ونعمل عمرة شكر لربنا ونزور الرسول عليه الصلاة والسلام وبعد كدا هلف العالم معاك. هنعمل شهر عسل جديد. بس، خليكي قوية وما تسيبينيش يا مها. انت عماله توصيني على العيال طيب وانا؟ هتوصي عليا مين؟ انت امي واختي ومراتي وحبيبتي وبنتي انت كل حياتي يا مها، علشان خاطري خلي عندك أمل كبير في ربنا سبحانه وتعالى. انا أملي في الله كبير أووي يا مها وعارف ان رحمته سبحانه واسعه، اتماسكي يا مها.

معلهش حضرتك كدا هنتأخر على الدكتور .
سارع الممرض الذي كان يسحب السرير ذو العجلات بدفع السرير مع زميله بينما تتشبث مها بيد محمود الذي سار معهم حتى سار معهم الى باب فوقه لوح مكتوب عليه غرفة العمليات الجراحية حيث أفلت يدها بصعوبة، دخلت مها تاركة اياه ينظر الى يده الخالية من يدها، شعر بيد توضع على كتفه يقول صاحبها بصوته الرجولي القوي:
- ادعي لها يا محمود ربنا يقومها بالسلامة ان شاء الله.

نظر محمود الى شقيقه وقال بذهول: - مها سابتني يا ادهم!
ثم ارتمى في حضن شقيقه كالطفل الصغير الذي غابت عنه والدته وهو يجهش بالبكاء بصوت فتت قلوب الباقين.

ادهم بقوة وصوت متحشرج من ألمه لرؤية أخيه منهار بهذه الصورة وحزنه وخوفه على مها زوجة شقيقه وتوأمة ريتاجه والتي ترعبه عليها فهي لم تبك ولم تلومه لعدم اخباره اياها بحالة مها الصحية بل انها تدعي الثبات والقوة وهو الوحيد الذي يعرف ان هذه قشرة واهية سرعان ما سوف تتفتت وتنهار ريتاج ويدعو الله ان تظل ريتاج متماسكة الى النهاية، فقال ادهم:.

- جرى ايه يا محمود سابتك ايه بس؟ اومال بنتك تعمل ايه ولا ولادك ولا البنات شوف شمس وهمس عمالين يقروا لها قرآن ازاي؟ تعالى تعالى ننرل نتوضا ونصلي ركعتين في المسجد اللي هنا وندعي لها. لسه فترة لما العملية تخلص.

ذهب محمود مع ادهم الذي اشار لنزار فرافقهم وذهب ثلاثتهم للصلاة في مسجد المشفى تاركين همس وشمس يتلون كتاب الله بينما عصام واسلام ومهدي يجلسون في قاعه الانتظار كل شارد في مخيلته أما مراد فقد وقف مستندا الى الحائط ينقل نظراته بين المكان الذي اختفت فيه مها تارة وبين همس وشمس تارة اخرى وقد اعتلت عيناه نظرة غريبة منذ أن رأى انهيار عمه محمود بين أحضان والده وخوفه على فقدانه رفيقة عمره وحبيبة روحه!..

صدق الله العظيم ، ختمت همس قراءتها القران واجابت على المتصل بصوت ضعيف فهي منذ ان علمت بخبر مرض زوجه خالها محمود لم تذق طعم النوم والراحة:
- ايوة. اهلا اسامة. لا دخلت العمليات من شوية ولسه ما خرجتش. ادعي لها يا اسامة انت لو شوفت حالة خالي محمود يصعب عليك بجد انا حاسة انه لو جرالها حاجه بعد الشر هيروح وراها على طول، ماليش نفس يا اسامة.

ابتسمت ابتسامة صغيرة وقالت: - حاضر هحاول، لالا بلاش تتعب نفسك وتيجي، لا مش قصدي، انا عارفة انك عاوز تقف جنبي صدقني كفاية سؤالك عليا بالتليفون. حاضر اول ما تخرج من العمليات هطمنك. لا الاه الا الله.

اغلقت الخط وقد شردت قليلا. الايام السابقة جعلتها تعلم معدن اسامة الحقيقي، لم يتوان عن الوقوف بجوارها لدى علمه بمرض زوجة خالها. فكان يبث فيها روح الامل وحسن الظن بالله. وعلمها بعض الادعية الخاصة بالشفاء تدعو بها الله بل وجعلها تلجأ الى الله بالصلاة وقراءة القرآن وكم كانت تشعر براحة عميقة عند انتهائها من صلاتها، فقد كان نعم السند لها، ومن ناحية أخرى تغير حالة مراد. فقد اصبح يلاحقها بنظرات غريبة، ويطمأن عليها هاتفيا اكثر من مرة في اليوم ولكن لم يتطرق الى موضوع خطبة اسامة لها!..

أسندت رأسها الى الحائط وراءها شعرت بمن يجلس بجوارها فظنت انها شمس التي قامت من جانبها قبل قليل، رأت كوبا من القهوة امامها فقالت وهي تشيح بنظرها:
- ماليش نفس يا شمس.
سمعت صوتا ذكوريا عميقا تعلمه جيدا يقول: - معلهش يا همس اشربي القهوة وكلي الساندوتش دا.
فوجئت همس من الصوت فالتفتت بدهشة لترى مراد مادا اليها يده يحمل كوبا من القهوة الساخنة والأخرى تحمل شطيرة نظر اليها مراد عميقا وقال بهدوء:.

- ماينفعش يا همس، لازم تاكلى انت كدا هتقعي من طولك.
همس وقد اشاحت برأسها جانبا: - ماليش نفس يا مراد ادِّي شمس.
مراد بصبر غريب عنه: - اديتها، همس لازم تاكلي علشان تعرفي تقفي على رجليكي. ولا عاوزانا نسيب طنط مها ونتشغل بيكي انت لو وقعت من طولك دلوقتي؟

نظرت اليه قليلا ثم مدت يدها بتردد وتناولت الشطيرة وكوب القهوة وشرعت في تناولهم بهدوء...

اسلام، ما تقلقش يا اسلام ان شاء الله طنط مها هتقوم بالسلامة .
نظر اسلام الى شمس الجالسة بجواره في حجرة الانتظار بينما قام عصام للاتصال بريما للاطمئنان عليها وعلى الجده سعاد واخبارهم ان والدته مازالت في غرفة العمليات، ليقول وقد اشاح بوجهه جانبا:
- ان شاء الله يا شمس.

وضعت شمس يدها على ساعده بدون شعور وقالت بقلق: - بس انت لازم تتماسك اكتر من كدا يا اسلام. انا قلقانه على طنط مها بس قلقانه عليك انت اكتر، انت من يوم ما عرفنا بحالة طنط مها وانت سايب شغلك ولا بتنام ولا بتاكل اومال فين ايمانك بربنا؟

قال اسلام وهو يتنهد بعمق: - ونعم بالله.
ثم أردف بحزن: - عارفة يا شمس انا بحسد عصام. شخصيته اقوى مني. يمكن انا بضحك واهرج لكن اتضح لي انى شخصيتي مش قوية زيه! عارفة عمل ايه؟ راح للدكتور وسأل عن حالة ماما بالظبط وتطورات المرض وخطوات العلاج انسان عملي فعلا مش زيي اترميت في حضنها وقعدت اعيط زي العيال قودامكم كلكم. حتى بابا، عصام اللي واقف جنبه وبيشجعه انه يتمالك اعصابه. لكن انا؟

ثم ابتسم ساخرا من نفسه وقال: - بيتهيألي ان هنا كانت هتبقى أقوى مني...

قالت شمس بقوة أذهلته: - انت مش ضعيف يا اسلام! عمر حبك لوالدتك وخوفك وقلقك عليها ما يبقى ضعف ابدا! مين اللي قال ان اللي يقلق على امه او حتى يبكي خوف عليها يبقى ضعيف ولا شخصيته ضعيفة؟ بالعكس دا بيبقى منتهى القوة انه ميخبيش مشاعره ويبينها. احيانا الناس اللي بنحبهم لما يكونوا في محنة بيبقوا محتاجين للي حواليهم يبينوا لهم هما أد ايه غاليين عندهم وبيحبوهم. ودا ما يعتبرش ضعف، عارف انا متاكده ان عصام بيحسدك انك قادر تصرح باللي جواك من غير خجل الصدق في المشاعر دا أنبل شيء وخصوصا في الوقت يكون اللي بنحبهم محتاجين يعرفوا غلاوتهم عندنا ايه، انت قوي يا اسلام، قوي بمشاعرك الصادقة. قوي بحبك لوالدتك اللي ما اتكسفتش انك تبينه قودامنا كلنا، انت عارف انت كبرت في نظري أووي بعد اليوم دا. وزعلت من نفسي انى ماكنتش مدياك حقك، انت راجل بجد يا اسلام ولو سمحت مش عاوزاك تقول عن اسلام ابن خالي كلمة واحده تانية، اسلام دا مافيش زيه!

نظر اليها اسلام بعينين تلمعان وقال بصوت متسائل: - بجد يا شمس؟ دا رأيك فيَّا؟ مش علشان صعبان عليكي ولا حاجه يعني؟
ضحكت شمس وأجابت: - صعبان عليا؟ لا لو صعبان عليا هديكي قرشين في ايدك ولَّا ادعيلك دعوتين وخلاص!

نظر اليها شزرا وقال بغلظة: - انا عارف كل حاجه لازم تقلبيها تهريج.
ثم نظر اليها مردفا بجدية وعينيه تلمعان بتصميم: - بس مش هتفضل تهريج كدا كتير!
قطبت شمس قائلة: - يعني ايه مش فاهمه؟
التفت اليها كاملا وقال: - يعني بعد ما اطمن على ماما ان شاء الله في كلام لازم اقوله ولازم تسمعيه. بس مش وقته دلوقتي...

خرج الطبيب من غرفة العمليات فهرع اليه الجميع في مقدمتهم محمود الذي كأنه قد كبر عشرون عاما على عمره وهتف بقلق:
- ايه الاخبار يا دكتور طمنَّا؟

نظر اليهم الطبيب وقال: - مبدئيا العملية نجحت، هتنزل الافاقة دلوقتي بس لسه باقي خطوات العلاج لازم هتاخد جلسات علاج كيماوي هقولكم على مدة العلاج بعدين اهم حاجه دلوقتي نفسية المريضة، لازم ما تتعرضش لأي نوع من انواع الانفعالات واهم حاجه تكون متقبلة للعلاج مش رافضاه للاسف ستات كتير بعد ما يقوموا من العملية ويشوفوا التغيير اللي حصل لهم بيجيلهم حالة من حالات الاكتئاب الحاد وترفض العلاج، الشفاء في المرض دا بيعتمد على النفسية بنسبة 50%، عن اذنكم وحمد لله على سلامتها كمان مرة...

أوقف محمود الطبيب سائلا اياه ان كان يستطيع رؤيتها فقال بابتسامة: - لما تصحى من البنج ان شاء الله هننقلها لغرفة خاصة وممكن ساعتها تشوفوها، عن اذنكم.

وانصرف الطبيب تاركا اياهم يهنئون بعضهم بعضاً فرحا بنجاح عملية مها بينما سجد محمود شكرا لله لإنقاذه رفيقة عمره من براثن الموت...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة