قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية كبرياء أنثى (نساء متمردات ج2) للكاتبة منى لطفي الفصل السادس والعشرون

رواية كبرياء أنثى (نساء متمردات ج2) للكاتبة منى لطفي الفصل السادس والعشرون

رواية كبرياء أنثى (نساء متمردات ج2) للكاتبة منى لطفي الفصل السادس والعشرون

انتهت شمس من ارتداء ثيابها للحاق بزوجها للذهاب الى بهو الفندق حيث مراد وهمس في انتظارهما...

- انا جاهزة يا اسلام.
استدار اسلام ما إن سمع عبارة شمس حيث كان واقفاً أمام النافذة العريضة يشاهد نهر السين بينما عقله شاردا في العلاقة السائدة بينه وبين شمس وماذا سيكون الحال عليه؟..

زفر اسلام وقال وهو يرفع نظره تلقائيا اليها: - اوك يا شمس ياللا...
ثم بتر عبارته قاطبا جبينه وسار متجها اليها واستدار حولها يناظرها من اعلى الى اسفل ثم وقف امامها وهتف وهو يشير بسبابته الى ثيابها باستهجان واضح:
- ايه دا؟
نظرت شمس الى نفسها وقالت بحيرة: - ايه دا ايه يا اسلام؟
أجاب اسلام بحدة وهو لا يزال يشير بسبابته اليها: - ايه اللي انت لابساه دا؟

ردّت شمس وهي تنظر الى فستانها الصيفي الذي ترتديه: - فستان يا اسلام هيكون ايه يعني شوال بطاطا؟!
قطب اسلام وهتف بحنق: - ما انا عارف انه فستان. بس مش ملاحظة انه مكشوف شويتين؟
أجابت شمس ببراءة: - ولا مكشوف ولا حاجه.

ثم أعادت نظراتها الى فستانها الذي يصل الى منتصف الساق، محكم من الأعلى ويضيق عند خصرها ليتسع بعد ذلك كفساتين الستينيات ذو حمالات رفيعة وفتحة عنق واسعة على شكل مربع ذات أزرار الى الخصر، يميل لونه الى الأصفر الكناري الموشي بتعرجات بيضاء وقد رفعت شعرها بمشبك ماسي تاركة بعض الخصلات حرّة لتتطاير حول وجهها، وحددت عينيها بالكحل الأسود فأظهر بركتي العسل المصفى القابعتين داخل عينيها النجلاويْن واكتفت بوضع احمر شفاه وردي اللون ذو لمعة خفيفة مما أسبغ على شفتيها جاذبية شديدة لم تفطن اليها، واخيرا رشت بضع قطرات من عطرها الخاص (ميس ديور) برائحته الخلابة الذي كان ينتشر حولها وكأنها ملتفة بغمامة من العطر وانتعلت حذاءا صيفي مسطح ابيض اللون...

قالت شمس وهي ترفع نظاراتها اليه: - الفستان مافهوش حاجه. عادي يعني، وبعدين عاوزني ألبس ايه وأنا في باريس؟
ثم زفرت حانقة وأردفت وهي تستدير متأهبة للخروج: - بقولك ايه يا اسلام. شكلك عاوز تتخانق وخلاص. وانا بصراحه ماليش مزاج للخناق دلوقتي. انا عاوزة اخرج انبسط وافرفش مع اخويا وصاحبتي، هتيجي ومودك هيكون كويس ومش هتنكد علينا تعالى. هتكون منكّد ومودك مش اللي هو. يبقى خلّيك هنا وهقولهم انك مصدّع!..

ما ان سارت شمس خطوتين في طريقها للخروج حتى أوقفتها صرخة قوية باسمها جعلتها تقف في مكانها بينما ارتعدت فرائصها خوفا. فإسلام الذي تراه أمامها اليوم ليس اسلام الذي عاشت معه عمرها بأكمله تقريبا.

سار اسلام حتى وصل اليها ثم مد يده ممسكا بذراعها ليديرها امامه بقوة وهو يهتف بعنف:
- ايه دا يا هانم؟، انت شوفتي ضهرك؟
وقفت امامه محاولة التقاط أنفاسها الهاربة بعد أن فاجئتها صيحته القوية، كتمت ابتسامة خبث كادت تفضحها واعتمدت البرود وهي تجيب محركة كتفيها بلا مبالاة زادت من غضبه المتأجج:
- ماله؟، فيه ايه ضهري في اليوم الغريب دا؟

مال عليها ناظرا في عينيها بقوة وهتف من بين اسنانه المطبقة: - انت راسمة حنة على ضهرك؟
أجابت شمس ببرود وهي تشيح بنظراتها بعيدا: - آه. عادي. العرايس دلوقتي بيرسموا حنة ايش معنى انا يعني؟، ماليش نفس؟!..
جذبها إليه حتى تلامس جسداهما بينما ضربت أنفاسه الساخنة بشرتها الحليبية وقال بحدة وهو ينظر في عينيها وقبضته تزداد شراسة على مرفقيها:.

- ارسمي زي ما انت عاوزة. لكن تطلعي بالشكل دا مرفوض!، وبعدين. شيلي الكحل اللي على عينيكي دا و.

بتر عبارته ليدس أنفه في تجويف عنقها مستنشقا رائحتها الجذابة بينما ضعفت ساقيها وأوشكت على السقوط من رائحة أنفاسه التي ضربت وجهها وحمدت الله أنه يمسك بها ماذا وإلا لكانت الآن تفترش الأرض تحت قدميه!، طالعته بغرابة محاولة تمالك نفسها وهي تدعو الله في سرها أن يبتعد عنها فلم تعد تستطيع تمثيل عدم المبالاة أكثر من هذا، بحق السماء انه حبيبها وزوجها!، أبعد إسلام رأسه قليلا وقال وهو يحاول الثبات بصعوبة بعد ان تاه في رائحتها الخاصة التي اتحدت مع عطرها لتصنع عبيرا خاصا بها مثيرا للحواس فهتف مزمجرا:.

- وبلاش البرفان دا. ولا اقولك. استحمي احسن!
كانت عباررته الأخيرة كفيلة بأن تصحو شمس من نشوة اقترابه منها، فقطبت باستهجان وجذبت مرفقها من قبضته بقوة آلمتها ولكنها لم تبالي وقالت له بحدة بالغة:.

- انت شارب حاجه؟، برفان ايه اللي استحمى له دا وكحل ايه اللي اشيله؟، انت في باريس. عارف يعني ايه باريس؟، واللي انا لابساه دا عادي جدا وبيتلبس عندنا في مصر مش هنا؟، وبُص بأه من الآخر. هدومي وعجباني ومش هغيرها، والبرفان لو ريحته مش عجباك دي مش مشكلتي. ليك عليا مش هاجي جنبك. أي اوامر تانية قبل ما ننزل للناس اللي احنا لاطعينهم بئالنا زمان تحت؟!

لم تفطن شمس لتغير نظراته التي ازداد سوادها ولم يسمع إسلام اكثر من نصف كلامها فكان نظره وجميع حواسه مسلطة على رؤية شفتيها وهي تتكلم وتأوه داخله مرارا للرغبة الحارقة التي تنهش جوفه تدفعه لقطف هاتين الشفتين والارتواء من رحيقهما ليروي ظمأه اليهما ولكنه حاول تمالك نفسه فهو لن يظهر أي ضعف امامها حتى وان تلوت احشائه كمدا وارهقته فهو لن يتنازل وسيجعلها تعلم جيدا ما معنى ان تلهو بمشاعره كما فعلت؟..

نظرت اليه شمس ونادته ولم يجبها فرفعت يدها ملوحة بها امام وجهه وهتفت: - هيييييي، اسلام روحت فين؟
ثم زفرت حانقة وكان هذا خطؤها الذي لم يستطع اسلام الصمود امامه فما ان لفحت انفاسها الدافئة صفحة وجهه حتى تحطم آخر قيد من تماسكه الهش واعلنت حواسه العصيان!

وكأن لذراعيه ارادة خاصة بهما اذ سرعان ما جذبها ناحيته بقوة جعلتها تشهق بدهشة بالغة ولكنه قطع دهشتها بعناق ساحر جعلها تتيه في احاسيس ومشاعر لم تتخيل يوما وجودها وكأن ألعاب نارية قد تفجرت امامها بين جفنيها المطبقين لتسري شرارة كهربائية على طول عموها الفقري، وبعد ان قاومت قليلا في البداية اذ بقلبها يعلن استسلامه لآسره لتبادله عناقا بعناق أقوى وشوقا بشوق أشد!..

اعتقدت شمس ان عناق إسلام سيدوم مدى الحياة وتاهت في حلاوته تستشعر انفاسه الحارقة التي تضرب صفحة وجهها بينما تسمع نطقه باسمها مرارا بلهجة حارة جعلت مفاصلها تذوب وتشعر بساقيها وكأنها قطعة من هلام فاضطرت للاستناد على جسده القوي فساقيها لم يعودا قادرين على حملها، فاحتضنتها ذراعيه بشدة ورفعها الى الأعلى قليلا لتكون بموازاته وهو مستمر في عناقها وكأنه عناق أبدي لم يرد أي منهما ان يوقفه!، ولكن اضطر اسلام في النهاية لقطعه عندما استشعر حاجتهما الى الهواء ولجعلها تلتقط أنفاسها، واحتواها بقوة بين احضانه ضاما اياها بشدة ثم فجأة وكأنه انتبه لما حدث بينهما أبعدها عنه من دون ان ينظر اليها وكأنه قد أفاق من السبات العاطفي الذي كان يسبح به واستدار مبتعدا عنها متجها الى باب الغرفة بخطوات واسعه وكأنه يهرب من شيء وامسك مقبض الباب ليفتحه وهو يقول بصوت متهدج متقطع من حرارة العواطف التي تبادلاها دون الالتفات اليها:.

- انا هسبقك. رتبي نفسك وحصّليني.
نظرت شمس في أثره غير مصدقة ان اسلام الذي كان يعانقها قبل قليل معتصرا اياها بين ذراعيه وكأنها كنزه الثمين الذي يود ادخاله بين ضلوعه هو ذاته اسلام الذي هرب من مواجهتها ما ان تركها!

نظرت شمس في المرآة وهي تصلح زينتها وقالت بابتسامة ماكرة: - ماشي يا اسلام. اهرب براحتك. بس صدقني مش هتقدر تهرب مني كتير...
ثم اسرعت بالخروج للحاق بالبقية...
اتجه الاربعة الى شارع الشانزليزيه لمشاهدة المحلات وابتياع الهدايا والتذكارات للأهل والأصدقاء ثم تناولوا طعام الغذاء في احد المطاعم المنتشرة هناك...

- من أرى أهي فعلا شمس الوجود؟
وضعت شمس قدح الشاي الذي كانت تحتسيه ورفعت عيناها حيث ينظر الباقين لترتسم ابتسامة عريضة على وجهها وتنهض مرحبة بالوافد الغريب هاتفة بابتسامة واسعة وسط استغراب رفاقها واستهجان اسلام الجالس بجوارها والذي لا يعلم هويّة هذا المتحذلق الواقف بجوار طاولتهم؟!، سمعها وهي تقول بفرنسية طليقة والضحكة واضحة في صوتها:
- من؟، جان بيير؟، أنا لا اصدق عيني؟، كيف حالك؟

اندفع جان معانقا اياها تلقائيا بفرحة طاغية فلم يشعر الا وقبضة تمسك به من ذراعه بقوة وصوت غليظ يقول بنزق بلغة لم يفهمها:
- ايه ايه رايح فين. رايح فين؟!

كاد اسلام ان يصاب بنوبة قلبية لدى رؤيته لهذا الرجل وهو يندفع ليعانق شمس ولم يشعر بنفسه الا وهو ممسكا اياه من ذراعه بقوة تمنى معها ان تكون رقبته بدلا من ذراعه ونسي في خضم المفاجأة ان جان لا يفقه العربية بينما تحدث هو بها تلقائيا، تدخلت شمس بابتسامة محاولة ان تدع اسلام يترك ذراع جان التي تكاد تقسم انها تكاد تنخلع في يده:
- سيبه يا اسلام هو مايقصدش.
ثم ابتسمت الى جان مردفة: - كيف حالك جان؟

كان اسلام قد تركه دافعا ذراعه بقوة وهو يرميه نظرة سخط بالغ، شعر جان بتكهرب الجو وانه قد صدر منه فعلا اغضب هذا الرجل القوي الذي كاد ان يصيبه بتلف في ذراعه لشدة قبضته فأجاب جان بابتسامة متجاهلا ما حدث:
- آ آ آ. بخير. على خير مايرام، كيف حالك انت ومنذ متى وانت في باريس؟، ولماذا لم تهاتفيني كما وعدتني عندما كنت لديكم في القاهرة؟

أجابت شمس بابتسامة عريضة بينما وقف اسلام على مهل يتأمل في هذا ال، جان مطولا بدئا من شعره الأشقر مرورا بعينيه الزرقاء ثم جسده الرياضي الممشوق وطوله الفارع، وقد كاد ان يلكمه في انفه لدى سماعه كلمته وعدتني!، بماذا وعدتِ هذا المتحذلق السمج يا شمس؟، عاهد نفسه انه لن يدع هذا الموقف يمر مرور الكرام ولكنه مضطرا الآن لمسايرتهم لوجودهم في مكان عام حيث لاحظ انهم قد بدأوا بالفعل بلفت انتباه اغلب الموجودين. إذن فليصمت الآن على مضض وبعد عودتهم للفندق سيكون له معها شأن آخر!

زفر اسلام بحنق بينما سمع شمس وهي توضح قائلة لجان: - انا هنا بصحبة زوجي - وأشارت الى إسلام الذي نظر اليه جان فرسم إسلام ابتسامة صفراء باردة على وجهه في حين لم ينتبه جان الى زيف ابتسامته – مد جان يده مصافحا اسلام بتردد خائف بينما تابعت شمس قائلة بحياء طبيعي وقد تلونت خديها بحمرة الخجل:
- نحن هنا لقضاء شهر العسل ومعنا شقيقي وزوجته وهما يقضيان شهر العسل ايضا.

التفت جان الى مراد الذي نهض واقفا للترحيب به فصافحه، وما ان ترك مراد يده حتى مال على أذن اسلام الواقف بجواره وكانت نية القتل ترتسم بوضوح على وجهه وهو يطلق شرارات نارية من عينيه الى المدعو جان وهمس مراد اليه:.

- ايه يا بني مالك؟، انت مِأَفْوَرْ ليه كدا؟، واضح انه كان واحد من السيّاح في جروب من جروبات شركة السياحة عند شمس وبيرحب بيها، وانت عارف الخواجات مش زينا. طباعهم غيرنا خالص. فعادي يعني كبّر دماغك يا سولُم وانت الحمد لله لحقته قبل ما يسلم بضمير!

أجاب اسلام من بين اسنانه بحنق وداخله يغلي من الغضب: - وانا لحقت اعمله حاجه؟، الست اختك نجدته من بين ايديا.
قال مراد هامسا: - خلاص عديها دلوقتي وابقى اتصرف معها بعدين. عموما انت عندك حق.

انتبه لجان وهو يحدثه مهنئا له على زواجه ثم لفت نظره جان وهو يبتسم الى نقطة خلفه ابتسامة ترحيب. فالتفت ليراه يرحب ب، همس. التي كانت في الحمام تصلح زينتها بعد انتهائهم من تناول الطعام واثناء عودتها الى طاولتهم لفت انتباهها وقوف شخص غريب مع رفاقها وما ان دققت النظر جيدا حتى عرفته فاتجهت اليهم وهي تبتسم بفرح حقيقي قائلة بفرنسية سليمة:
- من؟، جان بيير؟، انا لا اصدق عينيّ!

التفت جان الى الصوت الأنثوي الناعم ليفتح عينيه على وسعهما وهو يهتف بترحيب حار: - من؟، همس القلوب؟، يا لها من مفاجأة جميلة!
واندفع للترحيب بها على غرار ترحيبه بشمس لولا ان اوقفته قذيفة سحبته من الخلف من قبّة قميصه وصوت اجش غاضب يقول بلغة لم يفهمها هي ذاتها لغة هذا ال إسلام الغاضب الآخر:
- ايه مالك يا عم داخل زي القطر كدا؟!، انت نهار اهلك مش معدي انهرده!، انت كل ما تشوف ست تروح راشق؟!

كاد جان ان يختنق بينما حاولت همس فك أسره من بين يدي مراد بصعوبة وهي تقول برجاء:
- سيبو يا مراد هيموت في ايدك!
قال مراد بغضب: - ما يموت ولا يغور في ستين داهية حتى. ايه الراجل دا؟!، مافيش لا خشا ولا حيا ابدا!

قالت همس بإلحاح: - خلاص سيبو بأه هو عمل ايه يعني؟
التفت مراد الى همس صارخا: - ايه؟، عمل ايه؟، وانت كنت عاوزاه يعمل ايه اكتر من انه كان عاوز ياخدك في حضنه ويبوسك؟، وقودامي كمان!، انتِ فاكراني نوال ولا ايه؟

كاد مراد ان يتهور ويلكم جان على وجهه عندما قبض اسلام على ساعده وهمس بصوت منخفض:
-عييب. عيب. انت عاوز الناس تقول علينا ايه؟، عادي يعني. شافها بيسلم عليها زي عوايدهم. انت ناسي ان الأجانب غيرنا؟، انت مزعل نفسك ليه؟، يا عم كّبر. كبّر!

وأتبع كلامه بالنظر الى مراد بإغاظة بينما بادله مراد النظر بغضب وقال بخفوت من بين اسنانه المطبقة:
- اسلام اشتري نفسك يا ريت، واسكت خالص الساعة دي. بدل ما اطلع غضبي كله عليك، خليني اشوف آخرتها مع أختي دا!،.

كتم اسلام ضحكته بصعوبة في حين نظر اليه مراد بطرف عين فبادله اسلام النظر باستخفاف علم منه مراد ان اسلام يعيد على مسامعه كلامه له فحاول تمالك نفسه منهيا هذا المشهد السخيف بأعصاب كادت تفلت منه ثانية ما ان حادت عيناه اليه ومنع نفسه بصعوبة من جعل يده تعطيه ذكرى دائمة يحملها في وجهه!

همست همس بسخط بعد ان نجحت في افلات جان من بين يدي مراد بصعوبة: - يعني هو دا اللي مضايقك؟، قودامك؟ ولو من وراك ايه. عادي؟!
قبض مراد على مرفقها بقبضة قوية وقال بغضب مستعر من بين اسنانه المطبقة: - همس. كلمة زيادة وما اضمنش ممكن اعمل فيكي وفي شبيه الرجالة دا ايه،! لمي نفسك أحسن لك!

كادت همس ان ترد عليه بكلمات حادة لولا انتباهها لالتفات جميع من بالمطعم اليهم فعلّقت من بين اسنانها بحدة:
- ماشي يا مراد. حسابنا على الكلام اللي انت قلته دا مش هنا، مش هنبقى فُرجة قودام الناس. كفاية اللي اتفرجوا عليه مننا اوي لغاية دلوقتي!

ثم التفتت معتذرة الى جان وهي تقول بأسف حقيقي بينما ترمي بنظرات سخط الى مراد: - عذرا جان. ولكنك تعلم اننا لا نقوم بالترحيب بالرجال بالمعانقة. فزوجي غيور قليلا!

قال جان وهو يسعل بشدة: - قليلا؟!، إذن كيف يكون الحال لو كثيرا؟!
ثم سكت محاولا تمالك أنفاسه الضائعة وأردف معتذرا وهو يرفع يديه الاثنتين امامه كعلامة استسلام فهو يعلم انه قد يسبب الضرر لزوجيْ همس وشمس فيما لو تدخل مدير المطعم او احد الندلاء فهو مواطن فرنسي يتهجم عليه اثنان من السيّاح الأجانب!

قال محاولا الابتسام لرأب الصدع الذي حدث بدون قصد منه: - عذرا يا رفاق. ولكنى لم اقصد سوءا بالسلام عليهن فهذا من قبيل سروري لرؤيتهن فزوجاتكن من أعز الأصدقاء بالنسبة لي!

نظر اليه كلا من مراد واسلام شزرا فزفر بتعب ثم توجه بالحديث الى همس وواصل بابتسامة محاولا تغيير دفة الحديث:
- ما زلت كما انت يا همس القلوب لم تفقدي أيًّا من سحرك الشرقي انت وشمس الوجود!، ستسر سوزانا كثيرا عندما أخبرها برؤيتي لكما اليوم!

قالت شمس بحبور متجاهلة الشرر المنبعث من اسلام الواقف بجانبها: - صحيح. أين هي سوزانا جان وكيف حالها الآن؟
ضحك جان وكأن بذكرها لحبيبته قد نسي هجوم التتار الذي كان يواجهه منذ ثوان!، أجاب ضاحكا:
- لقد رُزقنا بنفرتاري!، أسميناها كذلك تيمّنا بنفرتيتي الملكة الفرعونية. فقد أصبحت سوزانا من المهووسين بالحضارة الفرعونية القديمة وأساطيرها الساحرة!

ابتسمت همس وهتفت بسعادة: - مُبارك لكما المولودة الجديدة. أبلغ سوزانا خالص سروري وتحياتي لسماعي لوصول الملكة نفرتيتي بالسلامة!

أردفت شمس بسعادة بالغة هي الأخرى: - ان هذا الخبر من أفضل ما سمعت منذ فترة طويلة!، مبارك لكما جان.
ضحك جان وأجاب: - شكرا لشعوركما الجميل هذا. ولكم أتمنى أن يسمح وقتكما بقبول دعوتي لزيارة منزلنا.

ثم تنبه للنظرات السوداء التي يلقيها اليه كلا من مراد واسلام فتدارك قائلا بتلعثم طفيف:
- أنتن وأزواجكن بالطبع. فستفرح سوزانا بشدة لرؤيتكما. فنحن لم ننسى بعد شجاعتكما التي كانت السبب في إخلاء سبيل الفوج السياحي الذي تعرض للاختطاف على يد مجموعه من المجرمين!

ضحكت همس وقالت بدهشة: - ألا تزال متذكرا لهذه الحادثة جان؟، لقد كانت منذ أمد بعيد!
قال جان باندفاع: - بالطبع لن نستطيع نسيان هذه الحادثة. فقد كانت مسار حديث لنا مع أصدقائنا وذوينا لفترة طويلة وخاصة شجاعتكما فقد شبهت سوزانا كلا منكما بالمرأة الخارقة!

ضحكت شمس وقالت: - وأنا ممتنة لهذه الحادثة لأنها كانت السبب في معرفة أصدقاء مميزين مثلكما أنت وسوزانا!

طوال الحديث الدائر بين همس وشمس من ناحية وجان من ناحية أخرى ومراد وإسلام يحاولان ضبط النفس لكي لا يردياه قتيلا!، وما ان سمعا دعوته لهما حتى بادر مراد قائلا بفرنسية طليقة - كان قد نسي أنه يحسن التحدث بها ما ان شاهده وهو يحاول معانقة همس فتحدث بالعربية دون أن يعي- وابتسامة باردة تزين وجهه:.

- عذرا أخ جان لما حدث، ولكنه كما سبق وعرفت. ليس من عاداتنا ولا ديننا أن نسمح لرجل بالتباسط مع نسائنا. وأرجو ان تتقبل تهاني بقدوم المولودة السعيدة ولكننا نأسف عن عدم قبول دعوتك فسنغادر باريس في الصباح الباكر!

نظرت شمس وهمس الى بعضهما البعض بدهشة ولم يعلقا على كلام مراد وبعد قليل استأذن جان في الانصراف فنظرت كلا منهما الى زوجها وتحدثتا في وقت واحد:
- ايه حكاية اننا مسافرين بكرة دي بأه ان شاء الله؟
ونظرا الى زوجيهما في انتظار سماع إجابة على سؤالهما، ليفاجئا بمراد وإسلام يهتفان معاً في ذات اللحظة وبلهجة تنذر بالشر ونظرة وعيد تلمع في عينيهما:
- ولا نفس...

سكتتا على مضض بينما دفع مراد حساب المطعم وانصرفوا وسط نظرات الموجودين التي تباينت بين مستهجن لما رآه وبين مبهور لما عليه هذين الرجلين من وسامة وغيرة على حبيبتيهما، في حين كان كلا من مراد واسلام يتميز غيظا مما حدث في المطعم ولم يشفع لديهما ان هذا ال، جان متزوج!

جلس مهدي شابكا اصابعه امام وجهه غارقا في تفكير عميق ولم يلبث ان خرج منه وقد ارتسمت علامات العزم والتصميم على سمات وجهه وقام من فوره خارجا من مكتبه حيث القى بتعليماته لسكرتيرته وهو يسير مندفعا بخطوات واسعة الى الخارج:
- شذى إلغي كل ارتباطاتي والمواعيد اللي عندي وأي حاجه تحتاجيها ضروري كلميني على الموبايل.

طرق مهدي باب غرفة المكتب مندهشا لعدم وجود مساعدة خاله الشخصية على مكتبها بالخارج ثم اندفع فاتحا الباب من دون أن ينتظر الإذن بالدخول وهو يهتف بمرح:
- سكرتيرتك الحسناء راحت فين يا بوس؟
ليفاجأ بصدمة عمره فخاله لم يكن وحيدا بل كان جالسا مع، لبنى!
قطب مهدي ودلف الى الداخل مغلقا الباب خلفه وهو يقول باستغراب وتساؤل: - لبنى؟!

تهرّبت لبنى من النظر اليه بينما جلس ادهم يلاعب قلمه الذهبي بين أصابعه وهو ينظر الى ابن شقيقته وهو يسير متقدما تجاههما وقد تحفزت عضلات جسده وظهر على وجهه الرغبة في حماية تلك الغزالة البرية القابعة أمامه والتي كانت تتحدث معه منذ هنيهة بمنتهى الكبرياء والاعتداد بالنفس ومن يسمعها لا يصدق انها آتية إليه لتقديم طلب قرض بضمان راتبها!، علما بأن القرض يساوي عشرة أضعاف هذا الراتب!، ولكنها على أتم الاستعداد للعمل بالمجان الى ان تسدد كامل القرض وهذا ما استشعره من نبرة صوتها ومن طريقتها في إقناعه مصّرة على أنها لا تزال في ريعان شبابها وأنها على أتم الاستعداد في مواصلة الليل بالنهار لسداد القرض!، ولكن ما أثار دهشته وحيرته في وقت واحد هو طلبها الغريب أن تنتقل الى العمل في قسم آخر وإن كان من الأفضل أن تنتقل الى فرع آخر تماما مغاير لهذا الفرع فهي تريد ترك عملها الحالي كمساعدة شخصية لمهدي نزار!، وهذا ما جعله على يقين من أن لابن شقيقته الوحيدة يد في رغبتها بترك وظيفتها تلك. ربما فرارا من ضغط ما يمارسه عليها وبكل قوة!..

وقف مهدي أمامهما بينما نهضت لبنى من مقعدها الجلدي أمام أدهم القابع على كرسيه الجلدي الفاخر خلف مكتبه، ثم نظرت الى ادهم متجاهلة مهدي وقالت وهي ترسم ابتسامة خفيفة على ثغرها المكتنز:
- متشكرة اوي لحضرتك يا ادهم بيه. وأوعدك انى هكون عند حسن ظنك.
استدارت تنوي الانصراف عندما همّ مهدي بقطع الطريق أمامها ليعلو صوت أدهم قائلا: - لحظة يا لبنى لو سمحتِ.

نهض أدهم وسار متجها اليها ليقف أمامها بينما لا يزال مهدي واقفا على مقربة منها ناقلا نظراته بينهما في تساؤل، مد ادهم يده الى لبنى ببطاقة تعريف قائلا:
- دا كارت الدكتور رفعت عبد الغني وعنوان المستشفى بتاعه روحي له يا لبنى وانا هكلمه وهو هيعمل اللازم. ،.

رفعت لبنى عيناها اليه وعرفان الجميل تكاد تنطق به نظراتها التي انطلقت من عينين يغشاهما الدمع وقالت بصوت يحمل غصة البكاء:
- انا مش عارفة اشكر حضرتك ازاي يا ادهم بيه، بجد جميلك دا طوق في رقبتي هفضل مديونالك بيه طول عمري.

ثم تناولت البطاقة من يد أدهم وتابعت بابتسامة مرتعشة بدون الالتفات الى مهدي الذي يقف يحترق كمدا وغيظا فقد علم سبب تواجد لبنى مع خاله ولكن الإحساس الذي غلب عليه هو. الغيرة!

قالت لبنى بابتسامة شاحبة: - بعد إذن حضرتك أنا مضطرة أستأذن، معلهش اخدت من وقت حضرتك كتير ومتشكرة كمان مرة.

ثم ألقت بنظرة سريعة الى مهدي وما لبثت ان أشاحت بعينيها بعيدا عنه واتجهت الى خارج الغرفة وما كادت تصل الى الباب حتى سمعت مهدي ينادي بقوة:
- لبنى استني...
ارتعشت لبنى في مكانها ولم تدر ماذا تفعل؟، فوقفت وقد تسمرت قدميها في الأرض رافضة الحركة حتى أنقذها ادهم الذي امسك بمرفق مهدي مانعا إياه من اللحاق بها وأمره بهدوء:
- سيب لبنى يا مهدي تشوف اللي وراها.

ثم وجه حديثه الى لبنى متابعاً: - اتفضلي انت يا لبنى.
انتهزت لبنى الفرصة لتنصرف مسرعة قبل أن تطالها نيران الغضب التي تراها تتراقص في مقلتي هذا التنين الغاضب! لتخرج مغلقة الباب خلفها وبكل هدووء!

تعلّق بصر مهدي بلبنى حتى توارت تماما خلف الباب مغلقة اياه خلفها وشرد في آثارها حتى انتبه على صوت ادهم وهو يقول رافعا حاجبه بمكر:
- تعالى نقعد يا ابن اختي. واضح كدا انه فيه كلام كتير عندك ولازم اسمعه!..
رفع ادهم سماعة الهاتف الداخلي آمرا مساعدته الخاصة بعدم ادخال أي شخص اليه او تحويل أي مكالمات له.

أشار أدهم الى جلسة جانبية مكونة من أريكة جلدية عريضة يقابلها مقعدين أيضا من الجلد الفاخر ليجلس على أحدهما ويشير اليه بالجلوس على الآخر وهو يقول:
- اتفضل.
جلس مهدي امام ادهم الذي كتف ساعديه منتظرا ان يبدأ مهدي الحديث ولكن مهدي لم ينبس ببنت شفه فتنهد ادهم عميقا ثم قال:
-هتفضل ساكت كدا كتير؟
أجاب مهدي ببرود: - كانت هنا بتعمل ايه؟

تفاجأ أدهم من طريقة مهدي في الحديث فهذا ليس مهدي المرح الذي يعلمه جيدا ويكاد يقسم انه يشتم رائحة الغيرة بين أحرف كلماته، ليبتسم ابتسامة خبث جانبية ويقول في نفسه:
- شكلك وقعت يا ابن اختى...
تصنع ادهم البرود وهو يجيب قائلا: - وانت دخلك ايه يا مهدي؟، اعتقد إن مكتبي مفتوح لأي موظف معانا. ومش مطلوب مني انى اقدم كشف بأساميهم ولا بطلباتهم!..

استشعر مهدي الحرج واعتدل في جلسته متنحنحا وقال وهو يشيح بنظره بعيدا: - العفو يا خالي، بس أصلها اول مرة اشوف لبنى هنا وخصوصا ان...
وبتر عبارته التي اكملها ادهم بهدوء تام: - وخصوصا انها واخده اجازة علشان موضوع ابنها وكمان مش معرفانا هنا في الشغل انها عندها طفل!

بُهت مهدي ورفع نظره اليه هاتفاً بدهشة: - هي قالت لك؟!
أومأ أدهم برأسه ايجابا وأجاب: - أيوة قالت لي، وبصراحة انا بحترم شجاعتها جدا، هي غلطت انها خبّت علينا وجات بمنتهى الشجاعة تبلغني بكدا وانا كنت اكتر من سعيد انى لاقيت حل لمشكلتها!..

مال مهدي في جلسته ناحية خاله وقال بغضب يكاد بصعوبة يتحكم به: - حل؟، حل ايه؟
هز ادهم كتفيه بلامبالاة ظاهرة وهو يتعمد دفعه الى اقصى درجات ضبط النفس وأجاب ببرود:
- حل لمشكلة ابنها!، احمد هيعمل العملية ان شاء الله وهيخف ويبقى كويس ومش هتحتاج تستلف من حد، مامته بس هي اللي هتصرف على علاجه!

حدق مهدي في ادهم وهتف بدهشة: - يعني ايه؟، إزاي هي اللي هتصرف على...
قاطعه ادهم بحزم قائلا: - ايه اللي بينك وبين لبنى بالظبط يا مهدي؟، عاوز منها ايه؟
اندفع مهدي واقفا وقال بعنف مكبوت: - انا مش متهم بيتحقق معاه. وأرفض الحوار بالأسلوب دا!، أنا مش عيل صغير غلط فأهله هيضربوه على ايده علشان ما يكررهاش تاني. عن اذنك يا خالي!

واستدار ليسير بضع خطوات في طريقه للإنصراف عندما سمع صوت ادهم يأتيه قويا حازما من الخلف هاتفاً به:
- يبقى تتصرف تصرفات راجل عارف هو عاوز إيه وبلاش لعب عيال!
استدار مهدي لمواجهة خاله الذي وقف على بعد عدة خطوات منه وهو يكرر كلامه بدهشة: - لعب عيال!، انا يا خالي بلعب؟

تقدم ادهم منه بضعة خطوات ووقف مجيباً ببرود مستفز: - انا سألتك انت عاوز منها ايه. انت ما جاوبتنيش!، وعلى فكرة. لبنى ما قالتش أي حاجه خالص تخصك. كل الحكاية انها طلبت سلفة بضمان المرتب، وقالت لي بكل صراحة عن ظروفها هي وابنها. وعرضت تشتغل بالمجان لغاية ما تسدد السلفة دي، ولأن الحمد لله فيه عندنا هنا صندوق تكافل بنحط فيه كل سنة نسبة من الأرباح علشان ينفع الموظفين عندنا في ظروف فجائية زي دي. قلت لها انها هتقدر تعالجه وبأقل تكلفة وإدتها عنوان المستشفى اللي احنا متعاقدين معاها وعاملين تأمين صحي للموظفين عندهم. هتعمل العملية لابنها بمبلغ معقول هيتكفل بيه صندوق التكافل عندنا من غير ما تمد ايدها لحد ولأنها ما كانتش قايلة على ظروفها ومابتتكلمش مع أي حد في أي شيء خاص ما كانتش عارفة بموضوع الصندوق دا، مع انها لو كانت كلّفت نفسها وبصِّيت في مفردات المرتب كل شهر كانت هتلاقي في جزء صغير منه بيروح لصندوق التكافل بس الظاهر انها ما بتاخدش بالها ولا بتراجع.

قال مهدي بحيرة: - اومال حضرتك سألتني ليه انا عاوز منها ايه؟
أجاب ادهم بجدية: - علشان انت ماشوفتش وشّك اول ما دخلت هنا وشوفتها هي كمان كانت عاملة ازاي؟!، إنت كنت زي اللي اتخبط على دماغه وهي وشّها كان أصفر وحاسيت للحظة انها هيغمى عليها!، واظن دا مش شيء عادي ان انت و هي تكونوا بالمنظراللي انا شوفته دا!..

زفر مهدي يأسا وقال: - من الآخر يا خالي انا عرفت بحكاية لبنى من زمان وعرضت عليها مساعدتي!
سكت أدهم ولم يعلق سوى بكلمة واحده: - و،؟
أشاح مهدي بنظره بعيدا وهو يمرر يده في شعره الأبنوسي مجيبا: - واضح انها رفضت. بدليل انها جات هنا انهرده تحكيلك مشكلتها وتعترف بنفسها انها كدبت وغيّرت في شروط الوظيفة عشان تاخدها...

علّق ادهم بهدوء: - ومساعدتك ليها كانت هتبقى ازاي يا مهدي؟
هرب مهدي بنظراته من عيني أدهم المتربصتين به كما الصقر فهو يعلم تمام العلم ان خاله أكره ما عليه الابتزاز وأجاب:
- عرضت عليها فلوس رفضت، واتجننت لما عرفت انها راحت لطليقها. فعرضت عليها انها. تتجوزني قبل عملية احمد علشان مابئاش غريب وترضى تقبل مساعدتي!

فتح ادهم عينيه على وسعهما دهشة وكرر قائلا: - ايه؟، تتجوزك؟..
نظر مهدي اليه وقال بأسف: - بس واضح انه حتى العرض دا كمان اترفض بدليل وجودها هنا انهرده ومش بس كدا. دا حضرتك كمان حلِّت لها مشكلتها من أوسع الأبواب...

نظر ادهم الى مهدي وتساءل بصرامة: - وانت كنت عاوز تتجوزها علشان تحل لها مشكلتها وبس؟
زفر مهدي بحنق وأجاب محاولا عدم النظر الى أدهم وأجاب ببرود زائف: - اكيد.
سارع ادهم ينفي بشدة ما قاله وهو يهتف بغلظة: - كداب!
استهجن مهدي كلمة خاله ونعته له بالكذب فصاح معترضا: - خالي!

أردف ادهم بحدة: - بلا خالي بلا عمي. أيوة انت كداب يا مهدي!، خلِّيك شجاع واعترف انه دا مش السبب الرئيسي انك طلبت منها الجواز؟!، لأنك لو عاوز فعلا تساعدها كنت قلت لها من الأول على صندوق التكافل الاجتماعي اللي عندنا، لكن انت ماكنتش صريح معاها من البداية. تقدر تقولي ليه؟

أشاح مهدي بوجهه بعيدا فتابع ادهم قائلا بقوة: - اقولك ليه!، لأنك جبان يا مهدي!
استدار مهدي ناظرا اليه بغضب عنيف وهو يهب واقفا هاتفا بنزق: - خالي أرجوك بلاش تجريح. انا مش عيل صغير علشان يتقال له الكلام دا. وانا مش جبان!

وسار بضعة خطوات غاضبة قبل أن يتقدم ادهم منه حتى وقف أمامه تماما ليعيق طريقه وقال بصوت مرتفع:
- عاوز تتجوز لبنى ليه يا مهدي؟، وماتقوليش علشان ظروفها ولا علشان صعبت عليك. خليك صريح وقول ليه؟

صرخ مهدي بغضب: - علشان. علشان، بحبها!
ثم وكأن هذا الإعتراف قد فاجئه هو شخصيا فأعاد كلمته بجدية: - ايوة بحبها. ومش هسيبها. ومش هتجوز حد تاني غيرها. ارتحت يا خالي؟

زفر ادهم بعمق وراحة!، فقد حصل أخيرا على مراده من استفزازه لأبن أخته!، فهو قد عمد الى استفزاز مهدي والضغط عليه ليعلم حقيقة مشاعره التي كان يرتاب فيها، فكان يخالجه الشك من كُنه هذه المشاعر التي يحملها مهدي الى لبنى والتي رآها في عينيه شعر بها في لهفته عليها ولكن كان لا بد له من التأكد من صدق حدسه، وكم فرح عندما علم ان ابن شقيقته قد تسلل اليه الحب أخيرا!، فمهدي خلافا لشباب العائلة إنسان غامض لا يستطيع أحد ان يسبر أغوراه بسهولة، وبصرف النظر من إنه شخصية يغلب عليها طابع المرح والفكاهة ولكن تلك هي القشرة الخارجية بينما داخله إنسان يحيطه الغموض ولا يستطيع أيًّا كان إدراك كُنه أحاسيسه بسهولة ونجاح، لبنى وحدها من نجحت في اختراق هذه القشرة الظاهرية والوصول الى عمق مشاعره وجعله يحبها لدرجة الاعتراف وبقوة بذلك الحب مما يدل على انها هي الإنسانة المناسبة بالفعل لشخصية كشخصية مهدي، فقد استطاعت تحريك بركان مشاعره الخامد، فما انفكت راندا تشكو اليه من برودة مشاعر ابنها وقلقها عليه لخلو حياته من الدفء الإنساني!، ليثور هذا البركان ويطلق حممه وينقلب الجليد الى نيران جامحة والسر يكمن في كلمة واحدة. لبنى!

ربت ادهم على كتف مهدي وقال بابتسامة ابوية: - طالما انت بتحبها وعاوز تتجوزها. تأكد انك هتتجوزها يا مهدي ودا وعد مني، وانت عارفني عمري ما خلفت وعد!

انفرجت اسارير مهدي بابتسامة سرور وهتف بغير تصديق: - صحيح يا خالي؟
أومأ أدهم برأسه ايجابا وهو يقول مبتسما: - صحيح يا ابن اختى.
قطب مهدي متسائلا بريبة: - بس ماما هتعلن الحرب علينا ومش هتقتنع بسهولة!
أجاب ادهم بابتسامة: - ما تخافش يا ابن أختي. راندا انا اللي مربيها، وبعدين انا متأكد انها هتقتنع بلبنى. وعلشان بس تكون عارف. لا انت ولا انا اللي هنقنعها. عارف مين اللي يقدر يقنعها؟

سأل مهدي بحيرة: - مين؟
أجاب أدهم بغموض: - لبنى نفسها هي اللي هتقنعها!
حرّك مهدي رأسه يمينا ويسارا وهو يقول بغير إقتناع: - انت بتقول ايه بس يا خالي؟!، اذا كانت لبنى نفسها مش مقتنعة!
أجاب أدهم بمكر وابتسامة خبث تلوح على وجهه: - هتقتنع يا مهدي صدقني هتقتنع. خالك لما يحط حاجة في دماغه بينفذها. وبكرة تشوف!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة