قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية كبرياء أنثى (نساء متمردات ج2) للكاتبة منى لطفي الفصل السابع والعشرون

رواية كبرياء أنثى (نساء متمردات ج2) للكاتبة منى لطفي الفصل السابع والعشرون

رواية كبرياء أنثى (نساء متمردات ج2) للكاتبة منى لطفي الفصل السابع والعشرون

استقل العرسان الأربعة السيارة الرينو - والتي كان مراد قد استأجرها من الفندق المقيمين به – بعد خروجهم من المطعم.

عمدت همس الى الصعود في السيارة بالخلف لتكون بجوار شمس مما اضطر اسلام للصعود الى الامام بجوار مراد الذي نظر شذرا الى همس في المرآة الامامية وهو يتوعدها في ضميره...

نظرت شمس وهمس كلا منهما الى الأخرى بحنق من هذين الرجلين الجالسين امامهما ثم لم تلبث اساريرهما ان تحولت من الحنق والقهر الى الابتسام الذي انقلب الى ضحك صاخب جعلت اسلام ومراد يتميزان غضبا وغيظا وقال مراد بقوة صارمة:
- اظن ما فيش حاجه تضحك...
لم يزدهما قوله الا ضحكا فأردف اسلام بغضب: - الله. جرى ايه. حد قال نكتة؟، شمس. اظن الضحك من غير سبب...

وترك جملته معلقة من دون إكمالها فقالت شمس من بين ضحكاتها وعيناها تذرفان الدمع من شدة الضحك:
- ومين. مين اللي قال انه ما فيش سبب ل. لضحكنا؟
أجاب مراد ساخرا: وايه هو السبب يا شمس هانم ممكن تقولوا لنا؟، على الاقل ضحكونا معكم...
تكلمت همس التي كانت تمسح عينيها التي دمعت لشدة الضحك: - اصل شكلكم وكل واحد فيكم ماسك جان من قفاه كان مسخرة بصراحة!

التفت مراد عفويا الى الخلف ناسيا انه يقود سيارة في وسط شارع مزدحم وهو يصرخ هاتفاً باستغراب وحنق:
- اييييه؟، مسخرة!
لتقاطعه صرخة اسلام: - مراد، خلي بالك!
انتبه مراد الى صرخة اسلام فعدل مسار السيارة والتي بدأت في الخروج عن مسارها قابضا بقوة على المقود متمتما شتيمة خرجت من بين شفتيه المطبقة فيما قال اسلام بسخرية:.

- لو على المسخرة يا همس انت والهانم مراتي يبقى مش شكلنا احنا. لا. شكله هو!، وبعدين اظن ما فيش راجل محترم يسمح بالمسخرة اللي حصلت دي. عرفتوا بأه مين اللي شكله كان مسخرة فعلا؟!

قالت همس مخاطبة شمس: - سيبك منهم يا شمس هما اساسا متغاظين من جان ومش عارفين يقولوا ايه!
سمعت صوت صرير عجلات السيارة ثم وقوفها بقوة جعلتها هي وشمس يترنحا ميلا الى الامام ثم التفت اليها مراد وعيناه حمراوين من شدة الغضب وهتف بعنف من بين أسنانه المطبقة:
- ايه؟، سمعيني تاني كدا يا حرمنا المصون. متغاظين!، من مين؟، دا أختي!، هتغاظ من اختي؟!

أجابت همس ببرود ناظرة اليه بطرف عينها: - لا مش اختي. جان انسان في منتهى الزوق والاحترام. جنتل بجد زي ما بيقولوا!، وبعدين كفاية انه بيعرف يتعامل ويتكلم مع الستات برقة ولطف. مش بيحدّف طوب ودبش!، بصراحة كدا. انا بحسد سوزانا عليه!..

تقصدت همس اغاظة مراد بحديثها هذا فقد استفزها في المطعم بسلوكه وكلامه الذي كان يرمي به من انه لولا وجوده معها لكانت سمحت لجان بالتمادي معها وأقسمت في نفسها انها سترد له الصاع صاعين!

علّق مراد بقوة: - وهو التسبيل والنحنحة اسمها جنتلة؟! وبعدين تعالي هنا انت وهي. انتو ازاي تسمحوا لراجل غريب يتكلم معاكم بالشكل دا؟ ثم رقق صوته مقلدا اياه بسخرية وبلكنة جان الفرنسية:
- شمس الوجود. همس القلوب. ايييه احنا فين هنا؟

أجابت شمس ببرود مغيظ: - مش قلنا لكم جنتل؟، حد فيكم فكّر مجرد تفكير بس مش تنفيذ واحنا راضيين بالتفكير. انه ينادي لنا كدا؟، انتو مش واخدين بالكم لطريقتكم معانا في الكلام؟، بالظبط زي الظابط والعسكري بتاعه!، كله أوامر وشخط ونطر. دا حتى يا مؤمن وانتو بتتقدموا لنا بالظبط كأنك بتدي امر للعسكري بتاعك انه يجهز قوة علشان يهجم على كمين!، وجايين تقولوا معرفش ايه على جان. روحوا روحوا احنا لينا الجنة ان شاء الله اننا مستحملينكم!

استدار اسلام الى شمس ناظرا اليها بحدة فبادلته النظر رافعة حاجبها بتحد وابتسامة مغيظة ترتسم على شفتيها الكرزتين فقال اسلام بغضب بارد:
- ماشي يا شمس. طريقتنا مش عجباكم!، عن نفسي طريقتي هتتغير 180 درجة وصدقيني هتعرفي الفرق بين الجنتلة والمسخرة!

شعرت شمس بالعرق البارد يتصبب على طول عمودها الفقري فنظرة اسلام تحمل تهديدا ووعيدا مخيف ولكنها تمالكت نفسها امامه وهزت كتفيها بلامبالاة جعلته يعض على أسنانه كمدا وقهرا بينما التفت الى مراد مردفاً بجمود:
- ياللا يا مراد خلينا نوصل ما ينفعش الكلام في الشارع...

رمى مراد بنظرة جعلت همس تشعر بأطرافها باردة كالصقيع لقسوة نظراته وما ارسلته اليها من انذار مخيف جعلت فرائصها ترتعد فأشاحت بوجهها بعيدا عنه فيما قال مراد وهو يعتدل في جلسته:
- عندك حق يا اسلام. احنا نروّح وبعدين نبقى نشرح لهم الفرق بين. الراجل اللي بجد و الراجل المسخرة المبهورين بيه.

دخلت يارا المنزل بعد ان فتح اسامة الباب بمفتاحه الخاص وتنحى جانبا قائلا بابتسامة:
- اتفضلي يا عروسة بيتك.
ابتسمت ابتسامة خجل ودخلت ثم وقفت مكانها تتجول بعينيها فيما حولها عندما سمعت اسامة وهو يقول بينما يحيط كتفيها بساعده القوي:
- يا للا حبيبي ادخلي اتفرجي على شقتنا.

نظرت اليه بتردد ثم تقدمت الى الداخل بينما لا تزال ذراعه تطوّق كتفها، نظرت الى انحاء الردهة الواسعه وأُعجبت بألوانها الهادئة، لفت نظرها نافذة عريضة فسارت متجهة إليها لتجدها تطل على حديقة جميلة تقع أمام المنزل مباشرة...

تابعا جولتهما في أنحاء المنزل الذي استأجره أسامة ليسكنا فيه بعد الزواج ريثما تنتهى شقته السكنية فهي لا تزال قيد التشطيب الداخلي.

هامت يارا حبّا بالمنزل، شعرت به بالدفء والحنان، لم يكن بالكبير ولا الصغير للغاية، فمساحته متوسطة يتكون من غرفتي نوم وحمامين احدهما خارجي للضيوف والآخر ملحق بغرفة النوم الرئيسية، اما المطبخ فقد نال استحسانها التام فمساحته الواسعة الى حد ما جعلته يصلح لتناول الوجبات الرئيسية فيه تاركين مائدة السفرة لدعوات الطعام سواءا للأهل أو الأصدقاء.

وقفت يارا مترددة في الدخول إلى ما أشار إليه أسامة بأنها. غرفة النوم الرئيسية!، ولكن فضولها تغلب عليها لتدلف الى الداخل يتبعها أسامة مبتسما ابتسامة واسعة، أخذت تتجول بنظراتها في الغرفة وهي تشاهد بعين خيالها الفراش الذي سيحتويها مع. فارسها أسامة!

وضع اسامة راحتيه على كتفيها من الخلف ومال على اذنها هامسا: - ايه رايك يا عروستي؟، اظن مش فاضل الا العفش ودا في 24 ساعة يكون جاهز. هنروح اكبر محل موبيليا وتختاري اللي انت عاوزاه وبالنسبة للمطبخ انا عملك مفاجأة!، اتفقت مع وودي وود بيكر هيعملنا مطبخ هيعجبك اوي، انما في شقتنا التمليك لما تخلص ان شاء الله ليكي عليا أتفق مع عمرو حلمي هو اللي يعمله ايه رأيك بأه؟

التفتت اليه يارا هاتفة بسعادة وهي تطوق عنقه بذراعيها بتلقائية وبدون شعور: - بجد يا اسامة؟، ربنا يخليك ليا يا حبيبي...

ولا شعوريًّا احتضنته وهي تبتسم بسعادة فما كان منه الا ان طوقها بذراعيه بقوة ضاغطا جسدها الضئيل الى جسده العضلي الذي ما ان شعرت به حتى حاولت الابتعاد خجلة من مبادرتها لاحتضانه بينما تخضبت وجنتيها بلون الفراولة الناضجة فلم تدرِ أي صورة جذابة صارت عليها وارتسمت أمامه وقالت بارتباك خجِل وهي تضع راحتيها الصغيرتين على صدره دافعة اياه قليلا:
- مش. مش نمشي بأه احسن زمان ماما قلقانه علينا؟!

حاول اسامة جذبها الى ذراعيه مجددا وهو يقول بعاطفة متقدة بينما نتظراته مسلطة على ثغرها الفاتن الذي سلب لبّه:
- مش قبل ما اسمعها منك تاني الاول!
كفت يارا عن محاولاتها للابتعاد عنه ورفعت عينيها اليه ناظرة اليه بحيرة وهي تتساءل:
- تسمعها؟، هي ايه دي اللي عاوز تسمعها مني الاول؟

أجاب اسامة ونظراته لا تزال معلقة بشفتيها النديتين: - كلمة حبيبي!، الكلمة اللي اول مرة اسمعها منك. دايما بتتهربي مني ودي فرصتي علشان تقوليها لي وأسمعها منك كمان مرة!

أشاحت بعينيها جانبا وقالت بخجل بينما تقضم شفتيها كعادتها عندما تشعر بالتوتر: - يا سلام وهو انا لازم اقولها علشان تعرف انى اقصدها؟، لو ما كنتش كدا. كنت هوافق عليك ليه؟

رد اسامة بصوت اجش لفرط رغبته المتصاعدة: - ايه هو بأه اللي كدا دا؟
سكتت ولم تحر جواباً، فلأول مرة ترى اسامة بهذا الإصرار العجيب لسماعه كلمة حب من بين شفتيها، تُرى هل شعر اخيرا بما تحمله له من حب بين حنايا ضلوعها وبقلبها الذي يكاد ينفجر من كمية المشاعر التي تكنها له؟، هل بدأ الجليد الذي يغلّف قلبه بالذوبان؟، هل صحَّت توقعات والدتها ونجحت في الوصول الى قلبه واحتلال مشاعره؟

انتبهت من شرودها وتساؤلاتها على صوته الآمر وهو يهتف: - ما تعمليش كدا!
رفعت عينيها ناظرة اليه في حيرة ودهشة قائلة: - اعمل ايه؟

لم يستطع منع نفسه. صدقا لم يعد يستطيع الابتعاد عن تلك الفاتنة التي تنظر اليه بنظرات زائغة وكأنها تخشى ان يأسر عينيها اللوزتين، بينما تصل به الى اقصى درجات ضبط النفس بحركتها المتوترة التي تلتهم بها شفتيها المكتنزتين فيما تطالعه بنظرات حائرة كالطفل الضائع الذي لا يعلم الى اين تقوده قدماه!

تأوه أسامة تأوهاً شديدا ثم أحنى رأسه باتجاهها فجأة فما كادت ان تشهق دهشة حتى ابتلع شهقتها بفمه فور انقضاضه على شفتيها ملتهما إياهما بعناق قوي ساحق بينما يحتضنها بقوة كادت تهشم ضلوعها الرقيقة وبتلقائية حاولت دفعه بعيدا في البداية ولكنه لم يذعن لمحاولتها الضعيفة ولم تزل كذلك حتى استسلمت لطوفان حبه الذي يكاد يغرقها وارتفعت ذراعيها بتردد واهن لتحيط بعنقه وما ان شعر بذراعيها الرقيقتين تحيطانه حتى اعتصرها بين ذراعيه متأوها وهو يدفن رأسه بين حنايا عنقها فيما تسبح هي في هذا العالم الجديد عليها والذي كانت تجهل وجوده ولم تدخله الا على يدي حبيبها الأوحد، اسامة!

أطلق اسامة سراحها بعد فترة طويلة بعد ان استشعر حاجتها للهواء وأسند جبينه الى جبينها وقال وهو يشبك أصابعه خلف ظهرها بصوت متقطع لاهث من شدة الحرارة التي سادت عواطفهما:
- اعملي حسابك اول ما نفرش الشقة هنتجوز على طول. واضح؟
لم تستطع النطق فهي لا تزال ترتعش من جراء بحر عواطفه الهائجة والذي ألقى بها اليه بكامل قوته!، هزت برأسها إذعانا فاحتضنها بقوة مقبلا شعرها وقال بصوت أجش:.

- ياللا يا قلبي علشان أروّحك ونفاتح مامتك في تحديد معاد الفرح.

مر الوقت بعد ذلك على يارا وهي كالمغيبة فما ان قام اسامة بإيصالها الى منزلها حتى طلب التحدث الى والدتها التي قدمت مرحبة به وبعد جلوسهم اخبرها انه قد استأجر منزلا لهما ليس ببعيد عن منزلها لكي لا تبتعد عن يارا وانه يزمع ان ينتهيا من تأثيث المنزل خلال اسبوع وانه سيترك ليارا مهلة اسبوعين لتجهيز احتياجاتها الشخصية فهو لا يريدها الا بحقيبة ثيابها وطلب من والدة يارا الموافقة على اتمام الزفاف بعد ثلاثة اسابيع!

قالت والدتها وهي تنظر الى ابنتها واليه بابتسامة: - بس يا بني مش هنلحق كدا نعمل حاجه. ليه السرعة دي؟، كنت استنيتوا شقتك المِلك لما تخلص ونفرش ونوضب براحتنا!

نظر اسامة الى يارا بعينين يموج فيهما مشاعر شتى وأجاب: - انا لو عليا مش عاوزها الا بشنطة هدومها بس!، واي حاجه عاوزاها تشتريها وهي معايا. بس انا عارف ومقدر ان حضرتك عاوزة تجهيزيها وتفرحي بيها زي أي عروسة وهي كمان مش عاوز احرمها من فرحتها دي. وبالنسبة للشقة هي محتاجالها شوية وقت وأنا عاوز أستقر والحمد لله ربنا وفقني في شقة ايجار جديد جنب حضرتك، فيا ريت حضرتك توافقي على معاد الفرح؟

نظرت امها اليها وقالت بابتسامة: - المهم رأي العروسة. ها يا يارا موافقة؟
نظرت بارتباك الى امها لا تدري ما القرار الصحيح، هي لا تنكر رغبتها بألا تبتعد عنه دقيقة واحده ولكنها في ذات الوقت لا تعلم لما هذا الاحساس الذي يخالجها ان اسامة يدفعها دفعا للموافقة لسبب آخر لم يصفح عنه بينما تخشى هي مجرد التفكير به!

نظرت الى والدتها بينما اعتلى القلق نظرات اسامة بالرغم من تماسكه الظاهر في انتظار سماع رأيها والتي سرعان ما أدلت به وهي تبتسم على استحياء قائلة:
- وانا موافقة يا ماما.
ارتسمت ابتسامة سعيدة على وجه اسامة بينما اطلقت امها الزغاريد وهي تقول فرحة محتضنة اياها وعيناها تلمعان بدموع الفرح:
- ألف ألف مبروك يا حبيبتي. ربنا يتمم لكم بخير يارب ويمد في عمري لغاية ما أشوف عيالك.

بعد ذلك وفي وقت لاحق لدى انفراد اسامة بنفسه في منزل والديه بعد ان اخبرهما بميعاد الزفاف وقد ألقى عليه والديه نظرات متسائلة حائرة تعمّد تجاهلها ودخل الى غرفته ناشدا الهدوء والراحة. واجه نفسه بسؤال أحرق أعصابه ولا يعلم ما الاجابة الواضحة عليه:.

- يا ترى يا اسامة انت عملت كدا علشان فعلا يارا أصبحت شيء اساسي في حياتك ولا علشان رغبتك اللي كل ما بتشوفها بتتحرك جواك بشكل عنيف؟، يا ترى دا حب ولا رغبة ولا. علشان وقت رجوع همس للشغل تكون انت ويارا متجوزين؟!

ألقت همس بحقيبتها اليدوية جانبا ما ان دخلت غرفتهما بالفندق والتفتت الى مراد واضعة يديها في وسطها وقالت بتحد معتمدة ان خير وسيلة للدفاع الهجوم:
- أفندم، هات اللي عندك!
تقدم مرام منها بخفة الفهد ووقف امامها قائلا ببرود مخيف جعل مفاصلها تتجمد بالرغم منها:
- أظن يا همس مش من مصلحتك خااالص انك تفتحي مناقشة معايا دلوقتي لأنك صدقيني هتشوفي وشّ عمرك ما شوفتيه!

نظرت اليه بتحد رافعة رأسها وأجابته بلامبالاة مزيفة: - مش مشكلة. بجملت الوشوش اللي شوفتها منك.
نظر اليها نظرة سوداوية وهمّ بالكلام عندما أعرض عن ذلك في اللحظة الأخيرة وهتف حانقاً وهو يلتفت مبتعدا بينما يخلع بلوزته الرياضية:
- انا هدخل آخد شاور.
لحقته همس ووقفت أمامه وجذعه العلوي عار تماما فلمع صدره البرونزي العريض تحت أضواء الغرفة، هتفت معترضة طريقه قائلة بتحفز:.

- لا يا مراد مش هتروح في حتة لغاية ما تقول اللي عندك، انا مش بحب جو الغموض دا!
اقترب منها حتى وقف أمامها تماما فيما بدأت القشرة الباردة التي احاط نفسه بها بالتصدع قائلا بغضب عنيف خرج كالهسيس من بين أسنانه:.

- عاوزاني اقولك ايه يا همس؟، أقولِّك انى لأول مرة أحس برغبة مخيفة في القتل!، ولّا أقولِّك انى مسكت نفسي بصعوبة من اني أطحن جان دا وانا بسمعه بيدلعك؟!، عاوزاني آخد الموضوع عادي وإيزي خالص؟، انت خليتيني مريت بإحساس صعب اني أوصفه!

فوجئت همس من انفجاره ومن عنف مشاعره التي لم تكن تتخيل انها بهذه القوة والشدة!

هي تعلم تماما كيف ان مراد غيور وبشدة ولكن ان تصل درجة غيرته الى الرغبة بالقتل فهذا ما لا تستطيع ان تصدقه؟، هي تشعر بالعجز عن وصف مشاعرها أهو الفرح لغيرته القوية تلك والتي هي دليل الحب أم الخوف من هذه الغيرة العنيفة التي تكاد تكون مدمرة؟، بل إنها تشعر بالرعب من أن تدمِّر هذه الغيرة ما بينهما من حب وسعادة!

انتبهت من شرودها على صوته العنيف الذي يهتف بحدة بينما يمسك بمرفقها بقوة بالغة: - سكتي ليه يا مدام؟، مش كنتِ عاوزانا نتكلم واقولك على اللي في بالي ما بترديش ليه دلوقتي؟

أجابت همس بحدة وهي تحاول لملمة شتات نفسها رافضة النظر اليه بينما عرقه النابض ينفر بقوة في عنقه مما يدل على وصوله إلى أقصى درجات الغضب العنيف:.

- كلامك للأسف مش كلام واحد عاقل. إيه اللي عمله جان علشان دا كلّه؟، علشان ناداني بهمس القلوب؟، هو طبيعته كدا. ولعلمك كل واحد كان معانا في الفوج جان كان بينادي له بإسم دلع ليه. يعني مش انا بس وهنروح بعيد ليه. انت مش سمعته بينادي شمس أختك بشمس الوجود؟، معنى كدا انه مش بيحمل لي مشاعر معينة. لكن هو انسان اجتماعي ومرح بطبعه وتحس معاه انك عارفه من زمان.

سكتت تطالعه باستفزاز قبل أن تتابع: - وبصراحه انا بحسد مراته عليه!
علمت انها قد أخطأت بعبارتها الأخيرة وذلك عندما فوجئت بالتعابير التي ارتسمت على وجهه ما إن أنهت عبارتها الأخيرة حيث ارتدت رأسه الى الخلف فجأة ثم شدد من قبضته وسحبها بقوة باتجاهه قابضاً على مرفقها الآخر وهو يقول من بين اسنانه بغضب وحشي:
- بتحسدي مراته عليه؟، ماشي يا همس. انا هديلك سبب مقنع علشان تحسديها بجد!

لا تعلم همس ماذا حدث بعد ذلك فقد تفاجأت بمراد آخر غير الذي أحبته وتزوجت به، فقد اعتلى وجهه قساوة بالغة وحملها بقوة راميا إياها فوق الفراش فصرخت فزعه ولكنه لم يمهلها لتبتعد فانقض عليها معانقا بوحشية بالغة وبدلا من أن يصبح لقاؤهما لقاءاً حارًّا مشبع بعواطف ساخنة وحب لاهب. أصبح متنفساً ينفس بها عن غضبه وكأنه يعاقبها على إعجابها الذي صرَحت به وبكل ثقة برجل آخر سواه!، لقد أفلت مارد غضبه من عقاله ولم يعد يستطع التحكم به بعد ان هيأ له شيطان الغيرة ان همس قد تلتفت الى رجل آخر ولو بإعجاب بسيط ففي ذلك سيكون نهايته هو. فهو. عاشق حتى النخاع لهمسه ولا يستطيع مجر تخيّل أن هناك رجلا آخر قد يثير اعجابها ولو عرضاً!..

تدثرت همس بملاءة السرير بعد ان ابتعد عنها مراد وقد غسلت دموعها وجهها، فهذه هي المرة الأولى التي يطارحها زوجها فيها الغرام بهذه الوحشية والعنف...

لا تنكر انها لم تستطع مقاومته فهو أقوى منها وسرعان ما استسلم جسدها الخائن للمساته الحميمة، ولكنها لا تستطيع ان تنسى انه فرض نفسه عليها بالقوة. لقد كان الأمر أشبه ب، الاغتصاب!

جلس مراد على طرف الفراش مطأطأ رأسه الى أسفل دافنا وجهه بين راحتيه مغمضا عينيه وبقوة وهو يسمع شهقات همس الخافتة بينما أخذ يسب ويلعن ذاته لما فعله بهمسه!

لم يستطع احتمال بكاؤها فالتفت اليها وراعه ان يراها تبتعد عنه وجلة وهي ترى يده الممدودة اليها، لم يبال بخوفها بل اقترب منها وجذبها بحنو الى صدره وهو يقول بحزن وأسف حقيقي بينما تحشرج صوته بغصة حزن كبيرة:
- أنا. أنا آسف يا سلطانتي!، سامحيني. أنا عارف اني مهما قلت مش هقدر اخليكي تنسي اللي حصل.

تعالى صوت بكاؤها بينما شدد من احتضانه لها وما جعله يشعر بالراحة انها لم تدفعه بعيدا عنها بل ارتاحت رأسها فوق صدره ليحتويها بقوة أكثر بين ذراعيه القويتين بينما انخرطت هي في بكاء حار ليهمس لها وهو يقبل شعرها ممسِّداً فوق كتفها بحنان فائق:.

- سامحيني حبيبتي، انا غلطان وغبي وما أستاهلكيش. بس. بس انا بموت يا همس لما بحس انك ممكن تبصي لغيري او ان أي راجل تاني ممكن يبص لك ولو بطرف عينه حتى. او يعجب بيكي. بحس بنار قايده جوايا يا همس. سامحيني يا حبيبتي. أي حاجه ترضيكي هعملها بس بلاش نظرة الرعب اللي في عينيكي دي يا همس، ما استحملش اشوفك خايفه مني، بموت من جوايا يا همس لما بشوفك خايفه مني بالشكل دا!

ثم أبعدها قليلا عن صدره محتضنا وجهها بين راحتيه بينما عينيها مسدلتان الى أسفل فقال باستعطاف وتوسل:
- ارفعي عينيكي يا سلطانتي. بصّي لي يا همسي.
لترفع عينيها الغائمتين بالدموع المنهمرة بصمت على وجنتيها المرمريتين فاندفع يجفف دموعها بشفتيه الدافئتين وهو يردد بلهفة وحب من بين قبلاته المتلهفة الكثيرة:.

- أنا آسف. آسف. آسف. وغبي وحمار بس. بس بحبك يا همس. بعشقك يا سلطانتي. ما تطردينيش من محراب حبك يا همس. ارحمي عاشق غيور بيحبك بجنون ومش قادر يتخيل حياته ثانية واحده من غيرك بعد ما بئيتي اغلى عنده من الهوا اللي بيتنفسه.

تضاءل بكاؤها حتى غدا شهقات متفرقة بينما لم يدع لها مراد الفرصة للإجابة عليه أو الإفلات منه وغيّبها في عناق ساحر محا بدفئه وحنانه القسوة التي شهدتها منه سابقاً، بل انها شعرت في عناقه بالتوسل والرجاء فلم يستطع قلبها الصد عنه كثيرا وبعد ان كانت شبه مخدرة بين ذراعيه أشعلت ناره الشوق في أحشائها فبادلته العناق حيث أودعته كل ما يعتمل في قلبها من عشق سرمدي له وقالت كلمة واحده خرجت محملة بشوق قوي كان لها مفعول السحر على روحه الثائرة التي خمدت نارها لدى سماعها هذه الكلمة السحرية:.

- بحبك...
ليحملها بلهفة الى حيث الحب السرمدي الذي عاهد نفسه على الحفاظ عليه وألاّ يدع شيطان الغيرة يتحكم به ثانية ولكن هل سيستطيع الوفاء بعهده أم ستحمل اليه الأيام اختبارا حقيقيا بل وفي غااااااية القسوة؟!

دخلت شمس من فورها حيث خزانة الثياب لتتناول ملابس لها ثم اتجهت الى الحمام للاغتسال بخطوات محتدة عندما أوقفها صوت اسلام وهو يقول ساخرا:
- رايح فين يا شاويش؟، فيه عسكري يمشي من غير أمر الضابط بتاعه؟

سكتت شمس في البدء وأحجمت عن الرد عليه وقد أمسكت لسانها بصعوبة كي لا يفلت بعبارات تعلم يقينا انها ستزيد من اشتعال أتون غضبه وآثرت ان تبتعد عنه ريثما يهدأ قليلا فهو في حالة لم يسبق لها وان شاهدتها عليه سابقا...

ثم قالت ببرود وهي تتابع سيرها الى الحمام غير ملتفتة اليه: - بص يا اسلام واضح كدا ان اعصابك تعبانه وانا مش مستحمله، فأنا شايفه اننا نأجل أي كلام دلوقتي لغاية احنا الاتنين ما نهدى.

سارع في اللحاق بها وامسكها بقوة من مرفقها مديرا إياها لتواجهه بقبضة شديدة آلمتها لدرجة إطلاق تأوه بالرغم منها ولكنه لم يعبأ لألمها فقد أراد إمساكها وهزها بقوة ترتج لها اسنانها لتشعر بشيء ولو بسيط من معاناته هو.

هتف بغضب وحشي: - وإيه اللي تاعب أعصابك يا هانم؟، انتِ مش بتنفذي اللي في دماغك من غير ما تسألي في حد ولا تراعي مشاعر حد. يبقى اعصابك تعبانه من ايه؟، ولا الكلمتين اللي قالهم لك الهايف اياه هما اللي خلوا أعصابك تعبانه ويمكن ندمانه كمان انك ما اتجوزتيش واحد زي شبيه الرجالة دا؟!

نظرت اليه بثبات زائف بينما قلبها يقرع في حلقها لشدة خوفها من هذا المارد الذي يقف أمامها بكل صلافة وغرور وقالت تعتمد البرودة والاستفزاز في ردها:
- والله انا مش شايفه أي هيافة في جان بالعكس بأه. دا بيحس باللي حواليه وعنده كمية مشاعر مش موجودين في ناس غيره كتير وصعب انها تتوجد فيهم كمان!

شدد اسلام من قبضته وقال بهدوء مخيف: - قصدك مين يا شمس؟، بتلمحي عليا؟
أجابت وهي تحاول جذب مرفقها من قبضته ولكن بلا طائل: - والله انا ما قولتش اسمك. لكن هقول ايه. ما هو أصل اللي على راسه بطحة بيحسس عليها!

التمعت عينا اسلام ببريق مخيف وهمس بصوت خفيض ينذر بهبوب عاصفة من الغضب العنيف ستكتسح ما أمامها بدون هوادة بينما يقترب بوجهه منها حتى شاهدت قطرات العرق تتفصد فوق جبينه:
- تصدقي عندك حق!، بس البطحة دي مش على راسي انا يا شمس هانم!

هتفت بحدة وهي تحاول الإفلات بصعوبة من بين براثنه: - انت عاوز ايه بالظبط يا اسلام؟، ايه. تعبك اوي اني قلت ان جان بيعرف يتعامل مع الستات؟، آه. ايه رايك بأه؟، وأظن كفاية سمعة الفرنسيين انهم بيعرفوا يكلموا الستات ويتعامل معهم بمنتهى الرقة والحنان مش زيكم مدب في كلامكم وتصرفاتكم!

رد إسلام وهو يقربها اليه حتى التصق جسدها اللين بصلابة جسده الضخم بينما يحمل صوته نبرة وعيد جعلت فرائصها ترتعد:
- ماشي يا شمس. احنا مش بنعرف نتعامل مع الستات؟، ندمانه على جوازك منّي؟، طيب ايه رأيك بأه لو اديتك سبب قوي علشان تندمي بصحيح؟!

لم تكد تفهم ما يعني بكلامه حتى رمى بها في بركان مشاعره المكبوتة بعناق وحشي قاس بينما تخدش لمساته الجريئة بشرتها الحليبية!

لم يفطن في البداية لوهن مقاومتها وسرعة استجابتها له وما ان انتبه الى ذلك حتى ابعدها عنه ناظرا في وجهها بتساؤل وقلق ليجيبه وجهها الذي يشي بعشقها المكبوت له وتجيب عينيها على تساؤله الصامت بنظرات محملة بحب خالص له وحده وسط دموع تشي بأسفها ولهفتها اليه لترتسم ابتسامة واسعة على وجهه ويحتضنها ضاما قدّها الرقيق بقوة بين ذراعيه يريد إدخالها بين ضلوعه وهو يهمس باسمها بشوق وولع حاملا إياها في عناق ملهوف محمل بشوقه الى معشوقته وأميرته. وحدها آسرة قلبه منذ ان عرف أبجديات الحب. انها هي. شمس حياته!

( لولولولولولولولولولولللللللي، زغردي يا أم فاروق، مبرووووووووووك يا إسلام ألف ألف مبرووووووك. تغلبها بالمال وتغلبك بالعيال. صبرت ونولت يا بني صبرت ونولت يا ضنايا آخرة الصبر خير. عذبتك معايا لكن شمس تستاهل صح؟!، عقبال عندكو يا حبااااااايب)...

دقات تعالت على باب غرفة مكتب نزار ليرفع رأسه من فوق الأوراق التي يراجعها داعيا الطارق للدخول ليفاجأ بابنه مهدي فنهض واقفا من كرسيه مندفعا وهو يقول بلهفة وقلق:
- مهدي!، خير فيه حاجه؟
تقدم مهدي من والده الذي غادر مكانه متجها اليه مقطبا جبينه في حيرة وتساؤل بينما ابتسم مهدي وهو يقف امامه قائلا بهدوء:
- جرى ايه يا والدي العزيز. يعني لازم يكون فيه حاجه علشان أزورك؟

ابتسم نزار ابتسامة صغيرة وقال بينما يتجه مجددا الى مقعده: - ابدا بس أصلك عمرك ما عملتها الا نادر اوي. وبيكون فيه حاجه خطيرة. لكن زيارة ودي كدا. عمرها ما حصلت!

كان نزار يهم بالجلوس عندما علّق مهدي بهدوء: - المفروض الواحد لما يفكر يتجوز والده يكون اول واحد يعرف صح؟
تسمّر نزار في وقفته ونظر اليه باندهاش وردد قائلا: - ايه؟، تتجوز؟..
أومأ مهدي برأسه ايجابا بينما لم يصدق نزار ما تسمعه أذناه. ابنه البكري يريد الزواج ويريد إبلاغه أولا!

لا ينكر أن علاقته بولده الوحيد متوترة منذ أن عارض أمر هجرته، فقد أغلق مهدي على نفسه ولم يعد كالسابق. وحدها راندا من استطاعت إخراجه قليلا مما هو فيه. حتى بدأ رويدا رويدا في العودة الى حياته الطبيعية، ولكنه يشعر ان مهدي السابق قد ولىّ وحل بدلا منه شخصاً آخر وان كان على نفس مرحه السابق ولكنه يشعر انه مرح يخالطه حزن!، وكان بالمقابل أن خسر علاقته مع وحيده. فآثر الابتعاد عنه وتركه وشأنه ولم يحاول التحدث بشأن طريقته في التعامل معه هو والده أو تبرير ما فعله من منعه قسريّا من السفر مستخدما مكانته كوالد له، ولكنه كان مطمئن فهو متأكد من أن مهدي ذكي وسيعلم ان معارضته لموضوع سفره كان في صالحه هو قبل أي شيء آخر!

تقدم مهدي من والده الذي وقف ينظر اليه لا يستطيع تصديق عينيه فقد. لمحه!، نعم لمح مهدي القديم وهو يسير ناحيته! يكاد يقسم ان ابنه قد عاد اليه وان كان السبب تلك الفتاة التي يريد الزواج منها وهذا ما هو متأكد منه بنسبة كبيرة فهو موافق بدون قيد او شرط فيكفي انها الوحيدة من استطاعت ان تجعل عينيه تلمعان ببريق اختفى منذ فترة طويلة وجعلت وجهه يعلوه مسحة فرح وابتسامة نابعة من القلب...

وقف مهدي لينظر اليه والده الذي لا يزال على صمته بينما يردف بابتسامة: - ممكن آخد من وقتك شوية يا والدي العزيز؟
كادت الدموع أن تطفر من عيني نزار ولكنه تمالك نفسه وضغط على زر جهاز الاتصال الداخلي وقال بصوت خرج بالرغم عنه متحشرج:
- ليلى. إمنعي أي اتصالات. ومش عاوز أي حد يدخل عندي مهما كان...

أشار الى مهدي الى جلسة جانبية فسارا اليها حيث جلس نزار الى الأريكة وجلس مهدي الى المقعد الجلدي المجاور لها...

بدأ نزار الكلام وابتسامة أبوية تظلل شفتيه: - خبر جميل بجد يا مهدي. ويا ترى ماما قالت ايه لما عرفت؟
نظر مهدي الى والده قائلا بجدية: - ماما ما تعرفش. انا قلت أقول لحضرتك الأول.
قطب نزار حاجبيه متسائلا بابتسامة حائرة: - غريبة!، انا كنت متوقع ان مامتك اول واحده هتعرف بحاجه زي دي؟!..

اشاح مهدي بنظراته بعيدا مما جعل نزار يشك ان الموضوع ليس بالسهولة التي يعتقدها. فمن الواضح ان هناك شيء خفي قد يسبب بعض العراقيل هذا، إن لم يكن أشياء!..

أجاب مهدي بنبرات هادئة: - الموضوع يا بابا فيه حاجات ممكن ماما يكون لها تحفظات عليها. وعلشان كدا عاوز دعم حضرتك ليا!..

لو يعلم مهدي ما فعلته كلماته البسيطة تلك في قلب والده!
لقد دمعت عينا نزار وكاد أن يبكي من فرط سعادته للجوء ابنه اليه ولو كحلٍّ وحيد لمساعدته في موضوع زواجه، ولكنه على يقين ان مهدي لم يلجأ اليه إلا ليقينه انه سيحصل على دعمه الفعلي والذي عاهد نفسه على تقديمه إليه سواءاً دعماً معنويًّا أو آخر ماديّ، ولكن يبقى السؤال. ترى من هي التي ينوى مهدي الاقتران بها؟..

ربت نزار على كتف مهدي بقوة وهو يقول بتأكيد: - ولا يهمك يا مهدي، طالما انت مقتنع بالبنت انا كفيل براندا. بس صارحني. انا أول واحد تفاتحه في الموضوع دا ولا اتكلمت مع حد قبلي؟..

تلكأ مهدي قليلا قبل ان يجيب قائلا وهو يهرب بنظراته جانبا: - بصراحة حضرتك. تاني واحد!..
نظر اليه نزار مفكِّرًا ثم تكلم وكأنه يتحدث الى نفسه متمتما بصوت مسموع: - طالما راندا ماتعرفش وهمس مسافرة ودول بس اللي انت ممكن تتكلم معهم يبقى مافيش غير...

سكت قليلا مفكّرا ثم رفع حاجبه وتابع وهو ينظر اليه بتساؤل: - خالك، أدهم؟!
فضحت مهدي نظرات الدهشة التي أطلت من عينيه ليطلق نزار ضحكة عالية ثم أردف بعد أن هدأت ضحكته قليلا:
- مالك مستغرب ليه كدا؟
أجاب مهدي بحيرة: - لا. أبدا. بس كنت فاكر انك...
قاطعه نزار متمًّا عبارته بابتسامة: - ايه؟، فاكر اني هزعل مثلا؟..

ثم مال ناحيته متابعا: - عارف. خالك ادهم كان هو المستشار العاطفي بتاعي مع مامتك!، ولعلمك. لغاية دلوقتي بحتاج له أحيانا، أصلها تربية ايده فهو اكتر واحد يفهم لها.

أتبع كلامه بنظرة باسمة وتابع مستوضحاً بهدوء: - بس اللي انا عاوز اعرفه فعلا. ادهم هو صاحب اقتراح انك تقولي ولّا انت جيت لي من نفسك؟

هتف مهدي بتلقائية شديدة ولهجة واثقة جعلت نزار يثق في صدقه: - لا. خالي ادهم مالوش دعوه بكلامي مع حضرتك. انا اللي حسيت انى محتاج لك تقف جنبي وتدعمني عند ماما...

قال نزار بابتسامة واسعة من فرط سعادته: - وأنا سعيد جدا انك فكرت فيا. وصدقني هعمل المستحيل علشان مامتك توافق. بس الأول مش اعرف هي مين وليه راندا ممكن تعترض؟..

نظر اليه مهدي قائلا بهدوء يخفي بين طياته قلقا من ردة فعل والده حينما يعمل بظروفها وحالتها الراهنة:
- اسمها لبنى عبد العزيز. كانت المساعدة الشخصية بتاعتي...
سكت نزار قليلا ثم أجاب: - أيوة. أيوة. افتكرتها، هي بنت تيجي في اول العشرينات مش كدا؟
استغرب مهدي قائلا: - وحضرتك عرفت منين؟، على ما اعتقد لبنى نادر لو حضرت دعوات للشركة!

أجاب نزار بثقة: - هو انت فاهم علشان بتشتغل بعيد عني في شركة خالك يبقى ما اعرفش حاجه عنك؟

ثم ابتسم متابعاً: - لا يا مهدي، أنا عارف كل حاجه عن شغلك وقبل ما تضايق مش علشان انك لسه عيل صغير في نظري. لأ. علشان انا أب يا مهدي. أب بيخاف على ولاده وبيحب يطّمن عليهم دايما مهما كبروا بيفضلوا في عينيه ولاده اللي كانوا في وقت بيتنططوا حواليه وما كان بينام قبل ما يطمن عليهم انهم نايمين ومرتاحين، وبكرة تجرب غلاوة الإبن.

سكت قليلا ثم تابع بابتسامة صغيرة: - انما إنت لسه ما قولتليش. ايه اللي ممكن يخلي راندا ترفض؟
أجاب مهدي وهو ينظر الى والده بثبات: - ظروفها ملخبطة شوية...
قال نزار متسائلا: - المهم الأخلاق يا مهدي؟!
أجاب مهدي بثقة مطلقة وبقوة: - أخلاقها لا غبار عليها يا والدي...
رفع نزار كتفيه وانزلهما بعدم فهم وهو يقول: - خلاص. طالما البنت أخلاقها ممتازة يبقى انا مش شايف مشكلة حتى لو كانت البنت من أسرة بسيطة؟!..

تنحنح مهدي مجيباً وهو ينظر في عيني والده مباشرة: - دا سبب من الأسباب. لكن مش دا السبب الرئيسي!..
زفر نزار بعدم فهم وعلّق: - يا بني ما تتكلم على طول وبلاش الألغاز دي. لبنى فيها ايه بالظبط يخلي راندا ترفضها؟

سحب مهدي نفسا عميقا قبل ان يواجه والده هاتفا بقوة: - لبنى عندها طفل من جواز قبل كدا!..
فتح نزار عينيه على وسعهما قائلا بدهشة فائقة: - إيه؟، أرملة!
سلّط مهدي نظراته على والده كي لا يغيب عنه ردة فعله لدى إلقائه للسبب الرئيسي الذي سيجعل والدته ترفض هذه الزيجة بل وتتشبث برفضها ذاك:
- لا يا بابا. لبنى مش أرملة. لبنى. مطلقة!
كرر نزار كلمته بشبه صرخة تعبر عن دهشته: - ايييه. مطلقة؟!..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة