قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية كبرياء أنثى (نساء متمردات ج2) للكاتبة منى لطفي الفصل الثامن والعشرون

رواية كبرياء أنثى (نساء متمردات ج2) للكاتبة منى لطفي الفصل الثامن والعشرون

رواية كبرياء أنثى (نساء متمردات ج2) للكاتبة منى لطفي الفصل الثامن والعشرون

طار العرسان الأربعة الى روما لتكملة شهر العسل بعد ان افصح مراد واسلام عن سر ذلك لعروستيهما وهو لرؤية هَنا شقيقة اسلام والتي انتقل زوجها الذي يعمل بالسلك الدبلوماسي بوزارة الخارجية المصرية من العمل في مكتب السفارة المصرية بباريس الى العمل في مكتبها بروما ووجدوا انها فرصة سانحة للاطمئنان على احوال عصام والذي منذ أن سافر في المنحة التي تقدمت همس باسمه اليها لمدة 6 شهور لم يروْه حتى أنه لم يستطع حضور حفل زفافهم.

وجدوا عصام وطارق زوج هَنا في انتظارهم بالمطار وبعد السلامات والتحيات اتجهوا الى المنزل حيث هنا بانتظارهم مع ابنتها شهد البالغة من العمر سنتين...

- اسلام حبيبي وحشتني اووي اووي يا اسلام،
ألقت هَنا بعراتها مرتمية في حضن شقيقها ما ان وقعت عيناها عليه والذي احتضنها بقوة وهو يقول ضاحكا:
- انت وحشتيني اكتر يا هنو يا حبيبتي.
ابتعدت عنه قليلا ثم نظرت الى مراد مصافحة اياه وبعد ذلك اتجهت الى العروستين معانقه اياهما وهي تقول مبتسمة برقة:.

- معلهش يا هموس انت وشموسة أول ما شوفت اسلام نسيت نفسي. أصله كان وحشني اووي، بئالي زمان ماشوفتوش، بابا وماما كانوا عندي من كم شهر وعصام انا هنا معاه. هو الوحيد اللي ماشوفتوش من ساعه ما سافرت مع طارق باريس.

ابتسمت همس وأجابت: - لا ابدا يا هنو حبيبتي حقك طبعا.
أوصلت هنا ضيوفها الى غرفهم وطلبت منهم الحصول على قسط من الراحة حتى يحين موعد الغذاء، ولكنهم رفضوا وفضّل الرجال الاستجمام في الحديقة مع عصام وطارق بينما صممت همس وشمس على مساعدتها في تحضير الطعام...

قالت هنا لهما فيما تجهز طبق السلاطة الخضراء: - فيه واحده ست بتيجي يومين في الاسبوع علشان التنضيف والحمد لله الحياة هنا جميلة مش ناقصني غيركم بس.

أجابت همس بابتسامة: - أحلى حاجه انك تكونى سعيدة ومبسوطة في المكان اللي انت فيه.
فهتف الثلاثة في وقت واحد: - الحمد لله...
قالت شمس: - اومال شهد هتصحى امتى؟، هتجنن عاوزة اشوفها.
ضحكت هنا قائلة وقد انتهت من اللمسات النهائية لطبق السلاطة وقد رفعته متوجهة الى غرفة الطعام:
- ماتستعجليش على رزقك، دلوقتي لما تصحى ما تلوميش الا نفسك. شقاوة معرفش جايباها منين؟!

ضحكت شمس قائلة: - ربنا يخليهالك يا رب وعقبال ما تجيبي لها أخ أو أخت.
علّقت هنا ضاحكة وهي تتجه الى خارج المطبخ المجهز بجميع الأدوات الكهربائية الحديثة:
- عقبالكم انتم الأول...
ساعدت همس وشمس هَنا في تجهيز مائدة الطعام ثم وقفت هَنا على باب الشرفة الواسع المطل على الحديقة الخارجية ونادت ازواجهم لتناول طعام الغذاء...

تبادل الجميع الاحاديث الخفيفة عند تناولهم الطعام عندما اصدر الجهاز الذي تحمله هنا صوتا يدل على استيقاظ شهد فابتسمت موجهة حديثها الى الوجوه المتسائلة حولها:
- شهد هانم صحيت.
همت بالوقوف للذهاب اليها عندما هبت همس واقفة وهي تهتف بلهفة: - علشان خاطري يا هنا خليني اروح لها. سيبي لي انا الطلعة دي!

ضحك الجميع ثم أجابت هنا رافعة حاجبها بمرح: - اتفضلي يا ستي. بس لو فتحت لك الحنجرة بتاعتها وغنيت لك اوبرا عايده انا ماليش دعوه!

هزت همس برأسها إيجابا بحماس واندفعت في الاتجاه الذي اشارت اليه هنا تلاحقها نظرات مراد المحبة التي انتبه اليها الحاضرون وما لبث ان نهض من مقعده قائلا وهو ينظر بين كل فينة واخرى في الاتجاه الذي غابت فيه همس:
- سفرة دايمة يا طارق وتسلم ايدك يا هَنا. عن اذنكم انا أغسل إيدي.
قال اسلام بخبث ناظرا في نفس الاتجاه الذي يطالعه مراد: - تغسل ايدك بردو؟!

ضحكت هَنا معلّقة: - يا عم مراد بالراحة على البنت. ايه مش هاين عليك تغيب عنك خالص؟!
نظر اليهما مراد مضيّقا عينيه ليجيب رافعا حاجبه بغرور وثقة بينما يهم بالابتعاد في ذات الاتجاه الدي سلكته همس:
- ولا تبعد عن عيني ثانية واحده حتى. ايه رأيكم بأه؟! وانصرف مغادرا وسط ضحكات الجميع...

دخلت همس الغرفة الملونة باللون الوردي بينما تتناثر الألعاب في أرضية الغرفة وقد زينت الحوائط برسومات من والت -ديزني للأميرات. انتبهت الى الفراش الصغير بلونه الوردي وقد وقفت في وسطه طفلة ملائكية ببياضها الحليبي وشعرها الناعم القصير البني الذي ورثته عن والدتها، تقدمت همس اليها ووقفت أمامها تطالعها بحب بينما تبادلها النظرات تلك الفاتنة الصغيرة بعينين بلون البحر واللتان قد اكتسبتهما من والدها ناظرة الى همس بطفولة محببة أخذت بلبّ الأخيرة والتي مدّت يديها إليها فرفعت الطفلة يديها تلقائيا الى همس لترفعها من مكانها وهي تهمس برقة:.

- بسم الله ما شاء الله الله اكبر. إيه الجمال دا؟
ثم قبّلتها على جبينها بينما تنظر إليها شهد بتساؤل علّها تتعرف على هذه السيدة وقد قطبت جبينها بتركيز تام!..

ضحكت همس وهي تدغدغ شهد بوجهها في عنقها وقد احتضنتها وتعالت قهقهات شهد بينما شعرت همس بأنفاس تضرب عنقها من الخلف وصوت ذكوري محبب يهمس بمرح:
- انا هغِير كدا!
كفت شهد عن الضحك ناظرة الى الغريب بتركيز عاقدة جبينها الصغير بينما أردف مراد قائلا بضحك:
- شوفي بتكشّر ازاي؟، الهانم شخصية تلاقيها بتقول مين اللي هبط علينا فجأة دا؟!

فاجأتهم الصغيرة عندما مدت ذراعيها الى مراد كأنها تطلب منه حملها فتبادل النظرات الدهشة مع همس التي قالت بابتسامة:
- اتفضل يا سي مراد. واضح ان جاذبيك محدش يقدر يقاومها من الجنس الناعم كله حتى البيبيهات. الهانم عاوزاك تشيلها!

تناول مراد شهد من بين ذراعي همس فسكنت بين أحضانه تطالعه بنظرة مليئة ببراءة الطفولة بينما تعتلي وجهها ابتسامة سعيدة وقد وضعت كفيها الصغيرين على وجهه وكأنها تستكشف حناياه!، مما جعل مراد يطلق ضحكة عاليه مرحة صاخبة قبل أن يميل برأسه مدغدغا بطنها لتتعالى قهقهاتها الطفولية الضاحكة بصخب.

نزل مراد إلى الأسفل برفقة همس حاملا شهد التي ما ان وقع نظر اسلام وشمس عليها حتى اندفعا اليها لحملها من بين ذراعي مراد الذي أبعدها عن متناولهما وهو يهتف بابتسامة مغيظة:
- ايه ايه. حيلك حيلك انت وهي، هي اختارتني انا. بالدور استنوا لما نشوف هتختار مين فيكم؟

فاجأتهم شهد عندما مد كلا من اسلام وشمس يديه لتناولها بذهابها الى. اسلام!، مما جعل الضحكات تتعالى وقالت همس بمرح:
- خلّي بالك يا هَنا بنتك من دلوقتي شكلها بتحب الرجالة. دي اول ما شافت مراد هي اللي مدت له ايديها ودلوقتي اختارت اسلام!

أردفت شمس بضحك: - بيني وبينك رجالة العيلة دي تتحب، البنت عندها زووء بصراحة.
ضحك الجميع لعبارتها بينما اقترب اسلام من شمس هامسا لها وهو يغمز بمكر: - ايه رأيك علشان الكلمتين الحلوين دول. اني هخليكي تنولي شرف شيل الاميرة شهودي!

لتتناولها شمس وسط ضحكات الجميع ومرحهم بينما هتف عصام بحنق مفتعل: - انا حاسس انى عزول في وسطيكم. شكلي كدا هقوم أروّح. أجابت شمس وهي تربت على رأس شهد:
- انت اللي عامل في نفسك كدا. حد قال لك ما تتجوزش؟!
أجاب عصام: - لا. أصلك مش عارفة اللي فيها!، المعهد اللي اخدت فيه المنحة عرض عليا اشتغل فيه وأكمل دراسات، والعقد لمدة سنتين. وشكلي هوافق لأنها فرصة بجد ما تتعوضش، فطبعا لا هيبقى فيه جواز ولا يحزنون.

قال اسلام: - طيب استلقى وعدك بأه من الست الوالدة اللي بتعد الأيام علشان رجوعك...
مر الوقت سريعا وسط الضحك والمرح الذي ساد الأجواء خاصة هَنا التي فرحت بوجود عائلتها...

تحدد موعد إجراء العملية الجراحية لأحمد وأبلغت لبنى ادهم بالموعد بناءا على طلبه...
كانت تجلس بجوار احمد الراقد فوق فراشه في غرفته بالمستشفى عندما دق الباب وفُتح لتفاجأ ب. أدهم!

جلست لبنى امام أدهم في المقهى التابع للمستشفى بعد ان تركت أحلام بصحبة ابنها والتي رحبت بأدهم عندما علمت من لبنى انه صاحب العمل الذي ساعدها في تسهيل إجراء العملية لولدها.

قال ادهم بينما تتصاعد الأبخرة من قدحي القهوة الساخنة الموضعيْن أمامهما على الطاولة التي تفصل بينهما:
- إنتِ أكيد مستغربة من زيارتي صح؟!

ارتشفت لبنى بضع قطرات من كوبها قبل ان تضعه امامها على الطاولة وأجابت بهدوء: - بصراحة انا اول ما شوفت حضرتك اتفاجئت. بس الحقيقة رجعت قلت انى عارفة أد ايه حضرتك انسان زووء ومحترم وممكن من باب الإنسانية حضرتك قمت بالزيارة دي عشان كدا كنت مصمم إني أبلغك بمعاد العملية!

قال ادهم وهو يخفض كوبه بعد ان ارتشف منه قليلا: - إنت عندك حق، أكيد طبعا كنت عاوز أطمن على أحمد بس مش دا السبب الوحيد لزيارتي انهرده، وعلشان أكون صريح معاكي زيارتي دي عشان عندي استفسار معين وأتمنى انك تجاوبيني عليه وبصراحة...

نظرت اليه لبنى وابتسامة خفيفة تظلل وجهها المرهق قائلة: - أكيد اتفضل حضرتك.
نظر اليها ادهم جيدا قبل ان يقول مراقبا انفعالاتها: - انت ليه رفضت ارتباطك بمهدي؟
ارتد رأسها الى الخلف دهشة من السؤال ثم ما لبثت ان حاولت استعادت هدوءها وأجابت مشيحة بنظراتها:
- اعتقد ان الإجابة على السؤال دا بديهية!
تساءل ادهم عاقدا جبينه: - ليه بديهية؟، يمكن قصدك عشان بتشتغلي عنده سكرتيرة؟

رفع كتفيه بحركة خفيفة وأردف متابعا: - اعتقد يا لبنى ان زمن ابن الباشا وبنت الجنايني ولّى خلاص؟
قالت لبنى وابتسامة مريرة ترتسم على محياها الذي بالرغم من شحوبه لم يفقد جماله الواضح:
- اسمح لي أعارضك في الرأي دا. من اللي أنا شوفته فللأسف التفكير دا لسّه موجود مهما اتقدم الزمن، يعني حضرتك تقدر تقول ان دي حاجه في جينات الناس مالهاش دعوه لا بان الزمن إتغير ولا حاجه.

علّق ادهم بنصف ابتسامة: - انت بتتكلمي بالالغاز يا لبنى. انت عمرك مش اكتر من 22 او 23 بالكتير...
قاطعته قائلة: - 23 وبعد شهور هتمّ 24 ان شاء الله.
فقال معقّباً: - طيب يعني لسه في بداية حياتك خالص. تجارب ايه اللي مريتي بيها وسابت عندك الانطباع دا؟ يمكن قصدك تجربة طلاقك؟!..

شردت لبنى بنظراتها الى البعيد ثم أجابت بتردد بسيط: - تجربة جوازي وجواز امي الله يرحمها.
ثم عادت بنظراتها اليه متابعة بصوت واضح النبرات واثق وقد قررت كشف المستور: - انا هحكي لحضرتك حكايتي من الأول...
غامت عينا لبنى بذكرياتها المتدافعة فبدأت الحديث بصوت خرج بالرغم منها حزيناً: - انا والدي عبد العزيز السيوفي من عيلة السيوفي. عيلة مشهورة جدا واكيد حضرتك سمعت عنها؟

قال ادهم بدهشة: - اكيد طبعا. عيلة السيوفي عيلة مشهورة اووي خصوصا في مجال المقاولات.

تابعت لبنى مبتسمة بحزن: - بابا كان الابن الكبير لوالده عبد الحميد السيوفي. وطبعا كان مرسوم له خطة لحياته ما ينفعش يخرج عنها. المفروض كان يتجوز واحده من مستواهم، وبالتحديد بنت شريك والده في الشغل علشان يضمنوا ان الفلوس والشغل ما يطلعش بره، بس اللي حصل انه بابا بعد ما اتخرج من كلية التجارة واشتغل في شركتهم شاف بنت بتشتغل سكرتيرة لواحد من رؤساء الأقسام، البنت دي كانت بنت يتيمة خالتها اللي مربياها وكان مخلّصة معهد سكرتارية وربنا كرمها واشتغلت بالشهادة دي. على أد ما كانت ظروفها هي وخالتها على قدّهم لكن كانت الضحكة ما بتفارقش وشّها ودا اللي خلّا عبد اعزيز السيوفي ابن الذوات ما يقدرش يشيلها من باله، وحاول يتقرب لها بكل الطرق، وكل ما كان يقرب كان يلاقى حيطة سد قودامه. لانها كانت عارفة هو مين وهي مين، وما كانتش عاوزة مشاكل. كل أمنيتها انها تشتغل وتصرف على نفسها وعلى خالتها اللي ربيتها، لغاية ما في يوم عمل حادثة بسيطة. اليوم دا كان قبله صارحها بمشاعره وانه عاوز يتجوزها ومستعد يقف قودام اهله بس هي رفضت. لما عمل الحادثة كانت هتموت من قلقها وإحساسها بالذنب. راحت زارته في المستشفى بعد ما اطمنت انه لوحده وهناك كشفوا مشاعرهم لبعض واتعاهدوا على الجواز، وطبعا بعد ما خرج من المستشفى وفاتح أهله وقفوا قصاده وأولهم والده اللي خيّروا بين أهله وبين حبيبته واختار حبيبته، وما ندمش ابدا ولا لحظة لأختياره دا، واضطروا انهم يسيبوا البلد كلها وخرجوا من اسكندرية بشنطة هدومهم ومعهم خالتها وقسيمة الجواز وراح اشتغل في مصر. مسك حسابات مطبعة أبو واحد صاحبه، وخلفوا بنت كانت ماليه عليهم دنيتهم لغاية ما في يوم كان عندها 12 سنة تقريبا كانوا راجعين من رحلة. الميكروباص اتقلب بيهم ولظروف خالتها ماراحتش معهم وما نجِيش من الحادثة الا بنتهم بس. اللي خدتها خالة مامتها وربّتها وطبعا اهل عبد العزيز اتنكروا لها وقالوا ابننا مات من زمان...

رفعت نظراتها اليه وقالت بينما عيناها مليئة بالدموع التي انهمرت في صمت ومسحتها بيدها:.

- البنت دي تبقى انا. انا اللي كبرت على قصة حب عبد العزيز ولميا اللي كنت بطلب من ماما كل ليلة تحكيها لي ولما إتوفت الله يرحمها هي وبابا كانت ماما أحلام بتحكيها لي، وكبرت. وانا في ثانوي قابلت شريف. وحسيت ان حكاية عبد العزيز ولميا بتتكرر تاني، وعلشان أحلام المراهقة حبيت انى اكون بطلة قصة زيّهم، لكن ماما أحلام كانت رافضة، شريف كان لسه متخرج وعنده 22 سنة ومن عيلة المسيري عيلة كبيرة اوي بردو، وأنا كان عندي 15 سنة في تانية ثانوي كنت عايشة في حلم وردي جميل واتهيألي انى هقدر أعيد قصة حب ماما وبابا تاني الله يرحمهم.

سكتت قليلا لترتشف بعض من القهوة لتمدها بالقوة لتكمل ما بدأته من سرد قصة حياتها ولكنها تفاجأت ببرودتها فدفعتها جانبا ثم تابعت بينما لم يقاطعها ادهم مفضلا الاحتفاظ بصمته حتى تنتهي من روايتها، قالت بعينين تظللهما غمامة من الحزن:.

- طبعا انا بالنسبة له كنت بنت غير كل البنات اللي عرفهم قبل كدا. بداية تعرّفنا ببعض كانت خناقة. كان سايق عربيته الآخر موديل وانا كنت خارجة من المدرسة مع صحابي وكان هيخبطني بالعربية. طبعا زعقت له وقولت له انه معندوش أي احساس بالمسؤولية وان مامي جايبالو العربية علشان يدوس بيها على خلق الله. يعني تقدر تقول انه حاطنى في دماغه من ساعتها علشان انا كنت اول بنت تقف في وشّه، حاول يتقرب لي كتير وانا طبعا ممانعه بس كنت من جوايا فرحانه ان الشاب اللي البنات كلهم يتمنوا بصة واحده منه وخصوصا انه كان وسيم جدا ورياضي سابهم وبصي لي انا، وطبعا مرة في مرة كنت بضعف لغاية ما فاجئني وطلب اننا نتجوز انا ما اتعودتش اخبي حاجه على ماما احلام اللي طبعا رفضت وقالت مافيش مأذون هيرضى يكتب لنا لأني صغيرة وبلغته برفضها بس هو قال لي اننا نتجوز. عرفي!

لم يستطع ادهم إخفاء دهشته ولكنه لم يعلّق محترما صراحتها وفي ذات الوقت أرجأ حُكمه على حكايتها الى أن تنتهي من سردها له، في ذات الوقت شعرت لبنى بالشكر له فهو لم يهاجمها بل امتنع عن التعليق الى أن تنتهي من روايتها!

تابعت وهي تشبك أصابعها ببعض ثم تفلتهم لتعود وتشبكهم مرة اخرى في حركة عصبية متوترة:
- بس للأسف كنت منبهرة بحكاية سندريللا وقدرني انه يضغط عليّا، وافقت!

رفعت نظراتها اليه وتابعت بنبرة غلفها التوسل والرجاء: - بس والله ما قرب مني. أول ما خرجنا من عند المحامي اللي روحنا له مع اتنين اصحابه واللي كان معرفة واحد صاحبه رفضت اننا نروح أي مكان لوحدنا، وصمتت انه ييجي معايا وواجهنا ماما احلام، وطبعا بعد ما صوتت ولطمت واتخانقت معانا راحت للأستاذ رضا جارنا. كان راجل مربي فاضل على المعاش. وحاكت له الحكاية، الراجل خدنا بلده، العمدة كان ابن عمه وقال له انى يتيمة وانه اتقدم لي عريس وعاوز يكتب عليا قبل ما يسافر، طبعا هو اضطر انه يفبرك الحكاية دي علشان العمدة يرضى يساعدنا وقال له انى عندي 15 سنة ومافيش أي مأذون في مصر هيرضى يكتب الكتاب. العمدة طبعا عارف كدا والريف مليان بنات بتتجوز وعندها 13 سنة كمان. طلعوا لي مستخرج رسمي من الصحة وإتكتب الكتاب والأستاذ رضا كان الولي بتاعي لأني مقطوعة من شجرة فالمأذون اعتبره في مقام وليّ أمري. وطبعا ماما أحلام طلبت منه الورقة العرفي اللي معاه، واخدتها مع ورقتي وقالت كدا دول مالهومش لازمة انتو متجوزين رسمي وقطعتهم، رجعنا وعشنا مع ماما أحلام. هو كان واعدني انه هيفاتح باباه ومامته في الموضوع بس كان بيماطل لغاية ما حملت في احمد كنت وقتها خلصت ثانوية عامة ومقدمة في الجامعة، على أد ما أنا كنت فرحانة ومش مصدقة نفسي من الفرحة على أد هو ما اتعصب واتخانق معايا وقال لي مش وقته وأصرّ إني انزله!

ارتسمت ابتسامة مريرة على شفتيها وتابعت: - وقتها بس عرفت ان حكاية عبد العزيز ولميا مش ممكن تتكرر، ورفضت فهددني إنه هيسيب البيت ولما ما رضختش ليه نفذ تهديده وساب البيت فعلا!، وكل ما الأيام تمر وحملي يكبر كنت بصبّر نفسي انه اكيد هيراجع نفسه. لغاية ما في يوم والدته دولت هانم زارتني ورمت في وشي فلوس وقالت لي انسى خالص إنك مراته، وقالت لي ان ابنها المحترم طلقني غيابي وورقتي هتوصلني عن طريق القسم وان الطلاق بائن، ومش بس كدا، دي هددتني انى لو روحت لهم أو طلبت منهم أي حاجه للي في بطني إني مش هشوفه تاني خالص، انا الصدمة خلتني زي المشلولة، خفت منهم دول ناس ما يعرفوش ربنا وانا وماما احلام مهما كان اتنين ستات ما فيش راجل يقف لهم، ومش عاوزة أعمل مشاكل تاني لماما أحلام كفاية اللي حصل، فوافقتها وقلت لها اني عمرهم ما هيشوفوني لا أنا ولا ابنهم اللي جاي في السكة، وقبل ما تمشي لمِّيت لها فلوسها وادتهوملها وانا بقول لها اني مش محتاجه فلوسهم وانى هحاول انسى اني في يوم عرفت ناس زيّهم.

رفعت عينيها الى ادهم الواجم مردفة: - تفتكر حضرتك بعد اللي حكيتهولك دا ممكن اجازف تاني واكرر تجربة الجواز كمان مرة؟

ثم تابعت دون ان تمهله فرصة للرد قائلة: - لا وايه. كلاكيت تالت مرة. بردو العريس من عيلة غنية اوي، ادهم بيه. لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين!

سكت ادهم قليلا قبل ان يتحدث لأول مرة منذ ان بدأت في سرد حكايتها: - شوفي يا لبنى انا مش هقدر اعترض على كلامك ومعاكي حق في كل خوفك دا. بس فيه حاجة تايهة عن بالك والحاجة دي مهمة جدا...

نظرت اليه لبنى بتساؤل فتابع بهدوء: - ان في الحكايتين سواء حكاية مامتك او حكايتك اهل العريس كانوا رافضين الارتباط دا. بينما في موضوعك انتي ومهدي عيلة مهدي اللي هي احنا مش رافضة الارتباط بينكم. بدليل انى انا أهو خاله. جاي اسألك انت ليه رافضة مهدي، ما حاولتش اني اقنعه انه يسيبك طالما انت رافضاه. لأ. بالعكس أنا بحاول أقنعك إنتِ انك توافقي عليه!

ارتسمت علامات الذهول على وجه لبنى بينما تابع ادهم مبتسما: - خدي وقتك كله في التفكير، بس حطي قودام عينيكي ان عيلة مهدي عمرها ما تطرد حد من ولادها، مهما كان الاختيار في الأول والآخر احنا بنحرتم رأيهم وبنقف جنبهم خصوصا لو الاختيار دا صح واحنا موافقين عليه، وحاجة كمان. احنا عمرنا ما كان المقياس بالنسبة لنا الاسم والفلوس واللقب، أهم حاجة الأخلاق والمباديء وانتي يا لبنى صدقيني تتشرّف بيكي أي عليلة انك تنتمي ليهم.

ابتسمت بخجل ونظرت الى الأسفل بينما تابه أدهم بجدية: - لما مهدي فاتحنا انا والده في موضوع ارتباطكم كنّا طبعا لازم نسأل ونستفسر، بس ا سألناش على لقب العيلة ولا رصيدها في البنك لأ، سألنا على شخصيتك نفسها، وعشان تعرفي بصفتي رئيس مجلش الادارى عملت عليكي تحريات شاملة والنتيجة كانت في صالحك مليون في الميّه، مهدي ابن اختي يعني ابني، ولما يختار زوجة معنى كدا أنه بيختار أم لولاده وأحفادي، يعني أنا لازم أتأكد من الأم دي، أهم حاجة الأخلاق والأحترام، ولما اطمنا واتكلمت مع باباه رحّبنا بيكي وسطينا، صوابعك مش زي بعضها با لبنى، أتمنى انك تفكري كويّس في كلام يدا وياريت المرة الجاية لما اشوفك. اسمع موافقتك.

رجع أدهم ولبنى الى غرفة احمد حيث ألقى ادهم التحية على احمد والذي كان قد أهداه لعبة اليكترونية عند قدومه ووعده انه سيلاعبه بها لاحقا...

التفت أدهم إلى أحلام وقال وهو يلقي بنظره الى لبنى منتهزا فرصة انشغال احمد بلعبته الجديدة:
- ست أحلام انا عارف انه دا مش وقته. بس حابب احط حضرتك في الصورة. مهدي ابن اختي عايز يتقدم لبنتك لبنى، انا بدي حضرتك فكرة وأول احمد ما يقوم بالسلامة ان شاء الله مهدي هييجي معايا انا وباباه وخاله محمود علشان يتقدم رسمي!

نظرت احلام الى لبنى التي ارتسمت علامات الذهول البالغ على وجهها، ولسان حالها يقول الآن فقط علمت من أين أتى مهدي بصلابة الرأي والعناد الشديد، فهما قد اتفقا منذ دقائق على أن يدع لها مهلة للتفكير ولكن الآن يفاجئها أمام خالتها باعلانه رغبة ابن أخته بالزواج بها، لا ينقص سوى أن يحدد موعد الزواج معتبرا موافقتها من المسلمات!، هي تعتقد جديّا أنه لا وجود لكلمة لا في قاموسهم، وأنهم لا يقبلوا بديلا لما يريدون هم!

- مش ممكن يا بوس. اتقدمت لها فعلا؟
هتف مهدي بهذه العبارة بفرحة طاغية فقال ادهم بابتسامة: - طبعا يا بني، اضرب الحديد وهو سخن، خالك رجل أعمال مش سهل، وعارف امتى أنتهز الفرصة المناسبة، وأنا أأكد لك انى سايبها دلوقتي مبتفكرش غير في الموضوع دا!

أجاب مهدي والسعادة ترتسم على وجهه الرجولي الجذاب: - لكن ما قولتليش يا بوس. انت اتكلمت معاها في ايه؟، وازاي قدرت تقنعها انها ترجع تفكر تاني في موضوعنا بعد ما كانت رافضة نهائي، مش بس كدا ا انت فاتحت فعلا خالتها في جوازنا؟!

اكتست عينا ادهم نظرة غامضة وأجاب: - من ناحية الكلام فاحنا اتكلمنا كتير، واللي انا عرفته هو اللي خلاني قدرت أقنعها انها تفكر في ارتباطكم بجدية أكتر، انما ايه هو الكلام أو قلنا ايه فالموضوع دا مش من حقي احكيهولك، عموما ما تستعجلش هي أكيد هتحكيلك كل حاجه وفي الوقت المناسب...

ثم مال ناحيته مردفاً بجدية: - ولما ييجي الوقت دا. تأكد انه دا الوقت اللي هتوافق عليك! قطب مهدي متسائلا: - ايه؟، أيه يا خالي الألغاز دي؟
أجاب ادهم وهو يعتدل في جلسته مستندا الى ظهر المقعد: - ما تسألش كتير. مسيرك هتعرف حكايتها، المهم رأي نزار ايه لما فاتحته أنا أكدت لها انه والدك موافق وكنت لسه معرفش بس راهنت على عقل نزار؟!

أجاب مهدي بتلقائية: - ابدا. رأيه ان اهم شيء الإحترام والأخلاق ومش عيب انها سبق لها الجواز ولو انه ليه تحفظ على سبب الطلاق اللي انا معرفوش لغاية دلوقتي، كل اللي أنا حاسس بيه انه اكيد طلع ندل وواطي بدليل انه شايل ايده خالص من موضوع علاج ابنه.

ابتسم أدهم استحسانا وقال وهو يهز برأسه معجبا بموقف نزار: - انا كنت متأكد اني مش هخسر الرهان، نزار طول عمره عقله كبير، وأهم حاجة اننا كسبنا نزار في صفنا.

تساءل مهدي قاطبا حاجبيه بريبة: - وماما يا خالي؟، انت عارف كويس اوي ان اقناعها صعب جدا.
أجاب ادهم وهو ينظر الى عيني ابن اخته بتركيز: - مهدي انت عايز لبنى ولا لأ؟
هتف مهدي مندفعا: - اكيد يا خالي.

تابع ادهم بثبات: - يبقى خلاص. اطمن، انا هكلمها. وزي ما قلت لك قبل كدا انا متأكد ان راندا لما تعرف لبنى كويس أوي هتوافق، لبنى هي اللي هتقدر تقنعها بنفسها. بشخصيتها وأسلوبها، أهم حاجه دلوقتي انك تقف جنب لبنى لغاية ما ابنها يقوم بالسلامة، صدقني هي في الوقت دا محتاجة للي يقف معها ويطبطب عليها ويطمنها على ابنها، طبعا خالتها معاها ومش بتسيبها، لكن لما تيجي منك انت حاجه تانية. خصوصا واني حسيت انها مش زي ما حاولت تفهمك انها مش حاسة بيك خالص!

انفرجت أسارير مهدي وقال بلهفة غير مصدق لكلام خاله: - صحيح يا خالي؟
ألقى ادهم بعلبة المناديل الورقية الموضوعة أمامه على مهدي لتصيبه في كتفه وهو يهتف بغضب مفتعل:
- هو انا لسه صغير هكدب عليك ولّا مش هعرف افهم اللي قودامي؟، خلي بالك خالك ما يفوتوش الحاجات دي. خصوصا لغة العيون يا. باشمهندس!

ضحك مهدي قائلا وهو يقف: - انا اسف يا خالي العزيز. عن اذنك أنا بأه اروح اشوف حالي، ادعي لي ترضى عليا يا بوس...

كان قد وصل الى الباب عندما أوقفه سؤال ادهم الذي ألقاه بحنان ابوي: - بتحبها يا مهدي؟
التفت مهدي بعد ان أمسك بالمقبض حيث كانا في غرفة المكتب الخاصة بأدهم في المجموعة وأجاب بابتسامة حانية ترتسم على شفتيه المظللتين بلحية خفيفة بينما خرج صوته واثق النبرات وبمنتهى القوة:
- اكتر مما كنت انا اتصور يا خالي...

وخرج مغلقا الباب خلفه بينما حملت نظرة عيني ادهم وعدًا أنه لن يتوانى عن جمع شمل ابن شقيقته بمن يهواها قلبه رغمًا عن أنف الجميع وأولهم. لبنى نفسها!

- الله يا اسامة الشقة بقيت جميلة جدا بعد ما اتفرشت.
هتفت يارا بعبارتها تلك وهي تتجول بعينيها في أنحاء الشقة غير مصدقة لما أصبحت عليه من جمال بعد أن تم فرشها بالكامل، قال أسامة وهو يبتسم بسعادة واقفا خلفها فيما كانت لا تزال تطلع بانبهار في أرجاء منزلهما الجديد:
- يعني عجبِتِك يا قلبي؟

التفتت اليه مجيبة وهي تضع راحتيها الصغيرتين على صدره العريض وتقول: - هي عجبتني بعقل؟، ربنا يخليك ليا وما يحرمني منك ابدا يارب.
ضمها اسامة بين ذراعيه وقال وهو مغمضا عينيه: - ربنا يخليكي انت ليا، انت ما تتصوريش انت عملت فيا ايه، نفسي أغمض عين وأفتح ألاقيكي بين ايديا هنا في بيتنا.

ابتسمت يارا وارتفعت دقات قلبها عنان السماء فقد شعرت انها قاب قوسين او ادنى من قلب أسامة وأغمضت عينيها تتلذذ بهذه اللحظة وهي تشعر بنفسها طائرة وسط السحاب لتهوى وبقسوة الى الأرض وتتحطم الى أشلاء مبعثرة شاعرة بقلبها الذي كان يزغرد عاليا وهو يرفرف الآن كالطير المذبوح بسكين حامِ لدى سماعها لجملته التالية التي قالها في غفلة منه حيث همس بصوت يحمل في طياته مشاعر دفينة:.

- ما تتصوريش انا فرحان أد ايه ان البيت عجبك يا. همس!
شهقتها الملتاعة جعلت أسامة ينتبه لما انزلق على لسانه من كلمات لا يعلم كيف قالها؟!، فابتعد عنها وهو ينظر في عينيها المصدومتين قائلا برجاء:
- يارا أنا...
حاولت الابتعاد عنه دافعة اياه في صدره بكل قوتها بينما هو يحاول احتضانها بين ذراعيه لتهدئتها وقد شعر بمقدار ألمها وهي تصرخ بألم وغضب بينما تضربه بقبضتيها الصغيرتين في صدره صائحة:.

- انا اللي كنت غبية وما بفهمش. اتهيألي انى هقدر أنسيهالك، لكن انا طلعت حمارة يا اسامة. حمارة!

ابتعد عنها تحت سيل ضرباتها العديدة ورفع يديه أمامه داعيا إيّاها للهدوء قائلا: - هششش خلاص يا يارا أنا آسف سامحيني، أنا مش عارف أنا قلت كدا ازاي بس...
قاطعته وهي تقف أمامه محاولة تمالك نفسها هاتفة بكل ما استطاعت من قوة وشموخ: - هو فعلا زي انت ما قلت كدا يا أسامة، بس!
قطب أسامة متسائلا بينما قلبه يقرع في جوفه بخوف غريب: - بس؟، قصدك ايه يا يارا؟

اقتربت منه ناظرة في عينيه مجيبة بابتسامة مريرة: - قصدي انه كفاية اوي لغاية كدا، بس بالعربي يعني انتهينا، وبالانجليزي. إيتز- أوفر، وبالفرنساوي. سيفينيه، ولو عاوزني أقولها لك بأي لغة تانية. هقولهالك!

صمت اسامة قليلا قاطبا جبينه غير مصدق لما يسمعه قبل ان يقول مبتسما ابتسامة ترتعش محاولا تكذيب ما لمسه من صدق كلامها الذي كانت تلقيه في وجهه بكل قوة وثبات:
- انت مش حاسة باللي انت بتقوليه، انت زعلانه مني وانا مقدر غضبك، لو عليّا أنا هنسى الكلام اللي انتي قولتيه دلوقتي، ومستعد أعمل أي حاجة عشان أرضيكي، لكن ما تحكميش علينا بالعذاب يا يارا!

أجابت ودموعها تنساب على وجنتيها مغرقة وجهها الصغير: - عذاب؟، انت مش هتتعذب يا أسامة، العذاب دا من نصيبي انا بس!، لكن اللي انا متأكدة منه كويس أوي انه لو بعدك عني عذاب. فقربك مني وواحدة تانية في قلبك دمار مش عذاب وبس!

ثم تناولت حقيبتها اليدوية الموضوعة جانبا واندفعت منصرفة من أمامه وقبل ان تغادر نظرت اليه من فوق كتفها قائلة وهي تحاول تمالك نفسها كي لا يزداد نحيبها:
- لو ليّا أي معزة عندك يا أسامة إنهي اللي بيننا في أسرع وقت، هستنى ورقتي. ويا ريت يكون قريب اووي!

واندفعت مغادرة المنزل صافقة الباب خلفها بقوة بينما تسمر اسامة قليلا وهو يردد بذهول:
- ورقتك!
ثم انتبه الى وجوده بمفرده ورحيل يارا فصرخ عاليا صائحا: - ياراااااااااااا...
واندفع لاحقا بها...
وصل اسامة الى منزل يارا لتستقبله والدتها السيدة الحنون وبعد أن أدخلته الى غرفة الضيوف مرحبة به - ولكن ليس كترحيبها المعتاد فقد شاب ترحيبها به بعض البرود - قالت له بعد جلوسهما:.

- أسامة يا بني انا عمري ما اتدخلت في أي شيء يخصك انت وبنتي. لكن لما بنتي تيجي شبه منهارة وما فيش على لسانها غير كلمة واحده. الطلاق، يبقى لازم اعرف ايه اللي حصل؟

تعالت دقات قلب اسامة عاليا واقسم بينه وبين نفسه انه لن يحقق ليارا طلبها طالما كان في صدره قلب ينبض. فهي امرأته هو ولن يتنازل عنها ابدا، وسيحاول بكل ما أوتي من قوة أن يثبت لها أنه ليس لديه أدنى استعداد لتركها، وسيبدأ بإقناع والدتها ليكسبها في صفّه ولكي يصل الى دعمها له لا بد له من أن يكون صادقا صريحا معها.

فالتفت الى والدتها قائلا وقد صمم على ان يكون صريحا مع هذه السيدة التي لم تتعامل معه الا بكل خير حتى بعد ان جاءتها ابنتها منهارة منه لم تطرده بل أكرمته وأدخلته منزلها:
- انا هقول لحضرتك كل اللي حصل وبصراحة...
بعد ان انتهى اسامة من سرد تفاصيل ما حدث بينه وبين يارا نظرت اليه والدتها وقالت بجدية:
- اسامة يا بني انا هسألك سؤال وعاوزاك تجاوبني عليه بصراحة.
قال اسامة: - اتفضلي حضرتك.

سألت الأم بهدوء: - انت لسه بتحب خطيبتك الأولانية؟

قبل ان تنتهي من سؤالها كان يشير برأسه نفيا وبقوة وهو يهتف مؤكداً: - أبدا. يمكن في الأول كنت بفكّر فيها لأنها أول واحده قلبي دق لها. لكن مع مرور الوقت وكل ما قربت من يارا ألاقي صورة همس بتبعد من بالي وصورة يارا اللي بتفضل قودام عينيا حتى وهي مش معايا!، انا بجد مش عارف انا ايه اللي خلاني قلت إسم همس. بس ما فيش عندي تبرير مقنع غير انى من جوايا وكرجل شرقي لسه حاسس بالضيق انها رفضتني وفي آخر لحظة قبل جوازنا، كنت عاوزها تشوف انى قدرت اكمل حياتي وما وقفتش عليها، مع اننا افترقنا واحنا بنقول اننا أصدقاء لكن ما ينفعش نكون اصدقاء حقيقيين وانا حاسس بالرفض ليا من ناحيتها، تقدري حضرتك تقولي اننا افترقنا بشياكة. وهي لو احتاجت حاجه في شغلها بتطلبها مني لا اكتر ولا اقل، لكن كون انى ناديت يارا انهرده باسمها مالوش سبب عندي غير ان عقلي الباطن كان عاوزها تيجي تشوف انى كملت حياتي وقدرت ألاقي الإنسانة اللي تحبني وانا كمان. أحبها!

أجابت والدة يارا: - وما قولتش الكلام دا ليارا ليه؟

قال اسامة بحزن: - هي ما ادتنيش فرصة اتكلم، خالتي انا عارف انى غلطت وحقها تزعل. بس ارجوكى لازم تعرف انى بحبها ومقدرش استغنى عنها، أنا يمكن ما قولتلهاش ولا مرة على إحساسي دا، أنا نفسي إتفاجئت لما واجهتنى انها عاوزة تطلق. كأن حد بيمد ايده عاوز ينزع روحي مني، أنا كان بيتهيألي انى برتبط بزواج تقليدي ببنت حلوة ومن بيت طيب وخلاص، لكن اكتشفت انى بحبها وبجد، حبي لهمس ماكانش حب. كان مجرد افتتان واعجاب، لكن يارا هي دي حبي الحقيقي. لهفتي اننا نتجوز انهرده قبل بكرة علشان أثبت لها أد ايه انا بحبها مش علشان نتجوز وخلاص، أرجوكى يا خالتي عاوز أقابلها، خليني أشوفها.

قالت والدة يارا وهي تقوم مستندة على ذراع مقعدها بتعب: - حاضر يا بني. بس ربنا يهديها وتوافق...
مر وقت غير بقصير عندما اندفعت يارا كالصاروخ الى غرفة الضيوف حيث أسامة وفي أعقابها والدتها التي تحاول تهدئتها بينما يارا تصرخ بغضب في اسامة هاتفة:
- أفندم، نعم؟!، وليك عين تيجي ورايا لغاية هنا؟!
نهض أسامة واقفا وهو يقول بمداهنة محاولا التفاهم معها بهدوء: - يارا حبيبتي لازم نتكلم اديني فرصة أشرح...

فقاطعته بحدة: - ما تقولش حبيبتي، وما فيش كلام بيننا. انا قلت كل اللي عندي. انا مش عاوزة غير الطلاق وبس.

تدخلت والدتها في النقاش الدائر بينهما ناظرة الى اسامة برجاء وقالت مستعطفة ابنتها:
- يا بنتي استهدي بالله الراجل شاريك. لو مش بيحبك ما كانش جه وراكى لغاية هنا وسمع كلامك اللي يسم البدن دا!

التفتت يار ا الى والدتها هاتفة بحنق: - ماما انت معايا ولا معاه؟
أجابت والدتها بجدية: - انا مع الحق، الراجل غِلِط. إديلو فرصة يدافع عن نفسه وبعدين قرري. ما ينفعش تاخدي قرار زي دا في لحظة انفعال!

قالت يارا بتصميم: - وانا معنديش كلام تاني، دا آخر كلام عندي. أنا عاوزة أطلق ومصممة على الطلاق كمان.

هتف أسامة بحدة بعد ان أغاظه طريقتها في الكلام: - وأنا مش هطلق يا يارا. إيه رأيك بأه؟
صرخت يارا بينما وقفت أمها بينهما: - وأنا مش جارية عندك انت سابيها، هتطلق يعني هتطلق يا أسامة.
قال أسامة بصوت عال وبغضب شديد: - طيب يا يارا. ورّيني بأه هطلقك غصب عني ازاي؟، وقودام مامتك أهو. الجواز الخميس اللي جاي. ووريني بأه هتعملي إيه؟

صرخت يارا بعصبية شديدة: - وانا مش موافقة، هوّ إيه...
وسكتت فجأة باترة عبارتها وهي تصيح بصوت عال: - ماماااااااااااا.
صاحت يارا بها صارخة بذعر وهي ترى والدتها وهي تتهاوى أرضا حيث تلقفتها ذراعي أسامة الذي انتبه على صرختها ليحول دون وقوع والدتها على الأرض...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة