قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية كبرياء أنثى (نساء متمردات ج2) للكاتبة منى لطفي الفصل الرابع والثلاثون

رواية كبرياء أنثى (نساء متمردات ج2) للكاتبة منى لطفي الفصل الرابع والثلاثون

رواية كبرياء أنثى (نساء متمردات ج2) للكاتبة منى لطفي الفصل الرابع والثلاثون

وقف أدهم في منتصف غرفتهما واضعا يديه في خاصرته يطالع في ريتاج الجالسة فوق طرف الفراش بدهشة وحيرة فيما هتف بها بحدة لم يستطع إخفائها:
- أنا مش قادر أفهم أنتِ مالك بالظبط يا ريتاج؟، بئالك مدة عصبيّة ومش عارف فيكي إيه؟!، الأول قلت يمكن عشان مراد شلت إيدي من الموضوع خالص وقلت ماشي أراقب من بعيد. لكن بردو أنتِ مش طبيعيه معايا!

وأتبع عباراته الحانقة بزفرة ضيق واضحة فيما عيناه مسلطتان على تلك القابعة أمامه بسكون تكاد تُخرجه عن طوره فالقلق يوشك أن يفتك به من حالتها الغريبة التي يراها لأول مرة عليها، بينما جلست ريتاج في صمت تام مشيحة بعينيها جانبا حائرة. كيف تذكر له سبب تغيُّرها المفاجئ نحوه؟، ربّاه. أنها تشعر بالحرج البالغ!، كيف تقول له وبكل بساطة وابتسامة بلهاء تشق حلقها:.

- أدهم حبيبي. سوربريييز. أنا حاااامل!، أنها ليست بفتاة صغيرة في السن. تبًّا هي بالفعل لا تدري كيف تخبره؟!

اقترب منها ادهم لينتزعها من شرودها فجلس بجوارها محاولا التحدث بهدوء كي يجعلها تُجيب على سؤاله عن سبب التغيير الذي طرأ عليها:
- تاج أنا...
ولكنه لم يدري بما فعله باقترابه منها حتى غضّنت أنفها فجأة واقتربت منه بوجهها تتشمم رائحته وقاطعته وهي تقول بتكشيرة ونبرة استهجان تلوّن صوتها:
- إيه دا يا أدهم. أنت ما أستحميتش من إمتى؟

أصابت أدهم دهشة بالغة جعلت حاجباه يرتفعان إلى الأعلى حتى كادا يلامسان مقدمة شعره لفرط ذهوله وأجابها بدهشة حائرة:
- نعم؟، أستحميت!، ليه؟
أجابته وهي تضع يدها على أنفها تطالعه باستنكار تام: - الرّيحة فظيعة يا أدهم. إيه البرفان اللي أنت بتحطه دا؟، مين اللي جايبهولك؟، اللي جايبه بصراحة معندوش ريحة الزوق!

صرخ أدهم من فرط دهشته فيما أمسك بياقة منامته يشمّها: - برفان إيه؟، أولا أنتِ اللي جايبه البرفان دا يا هانم!، تاني حاجه بأه. أنت عارفة أن أول حاجه بعملها أول ما برجع البيت انى لازم آخد شاور، تالت حاجه ودي الأهم. حالا دلوقتي تقوليلي انت ما عودتيش طايقاني ليه؟

ردت ريتاج بعناد وهي تشيح برأسها بعيدا: - قوم استحمى الأول!
مال عليها أدهم هامسا بتهديد: - تاج. ما تخلنيش أتجنن!، أنا لسه مستحمي من شوية، وريحي نفسك. حوما مش هستحمى إيه رأيك بأه؟، ولو على ريحتي اللي انت مش طايقاها دي انا بقه هريحك مني أنا شخصيًّا خالص!

ثم نهض متأففا بغضب وتوجه إلى الخزانة ليتناول غطاءا ووسادة ثم اتجه إلى الأريكة ليصنع منامة له واستلقى عليها موليا ظهره إلى ريتاج التي كانت تقضم شفتيها في ندم لتسببها بغضبه.

نظرت ريتاج مليّا الى ظهره العريض قبل أن تتنفس بعمق وقد اتخذت قرارها، فنهضت متجهة إليه على مهل ثم جلست على الأرض راكعة على ركبتيها ومدت يدا ترتعش نحوه وهي تهمس بخفوت ورقّة:
- أدهم...
ووضعت يدها على كتفه لتفاجأ بتقلص عضلاته القوية تحت راحتها الصغيرة فتابعت وهي تدعو الله أن يلهمها المقدرة كي تخبره بسبب التغيير والذي يجهله:
- أدهم الموضوع مش زي ما أنت فاهم أنا...

استدار إليها ادهم وجلس في مكانه وهو يهتف بحنق: - أنت مش طايقاني من ساعة موضوع مراد صح؟، عموما ما فيش مشكلة يا ريتاج براحتك!، أنتِ مش عاوزة تفهمي أنا أتصرفت كدا ليه ولأول مرة يا تاج أحتاج أبرر لك موقفي!، عمري ما كنت أتصور انك تحتاجي لتفسير منِّي او أني صعب أني أقنعك للدرجة دي عشان تصدقيني!

نظرت إليه ريتاج برجاء وهي تحاول ان توقف سيل اتهاماته: - أنت مش فاهم يا أدهم أنا...
قاطعها مجددا قائلا ببرود تام وهو يعود ليستلقي وقد أولاها ظهره: - أنا عاوز أنام يا تاج لو سمحت. عندي شغل الصبح واعتقد انت كمان عندك شغل. شغلك اللي انت أهملتيه خالص ومش بتروحيه من مدة طويلة!..

صمتت تاج لثوان قبل أن تستقيم واقفة وتهتف بصوت عال أشبه بالصراخ فقد يئست من محاولاتها كي يستمع إليها:
- أنا. أنا حامل يا أدهم. حاااااامل!..
ساد السكون التام بعد إعتراف ريتاج الذي ألقته وبقوة، ليتحرك أدهم وينهض واقفا أمامها وهو يتساءل بذهول فيما يقطع الخطوات التي تفصلهما ببطء:
- أنتِ. أنتِ إيه يا تاج؟
زفرت تاج بتعب وأجابته وهي تشيح بنظرها إلى البعيد: - حامل يا أدهم. حامل!..

أغمض ادهم عينيه وهو يستنشق نفسا عميقا ثم ما لبث ان فتحهما فيما تشق إبتسامة عريضة شفتيه ويمد يديه قابضا على كتفيها وهو يهتف بدهشة وعدم تصديق:
- أنتِ. أنتِ بتتكلمي بجد يا تاج؟، حامل؟
أومأت ريتاج بالإيجاب ووجهها تكسوه حمرة الخجل فسارع لجذبها بين ذراعيه مطوقا إيّاها بقوة وهو يردف بفرح غامر:
- معقول يا تاجي؟!، هكون أب من أول وجديد!
ثم ضحك ضحكة كبيرة ترددت صداها في أرجاء الغرفة...

ابتعد أدهم عن ريتاج قليلا ممسكا بكتفيها وهو ينظر إلى بطنها قائلا بلهفة والفرحة تتقافز بين رمادي عينيه:
- في الشهر الكام يا روح أدهم؟، وعرفتِ إمتى وما قولتليش ليه و...
قاطعته ريتاج وهي تضحك وتطرق رأسها بخجل: - بالراحة عليّا يا أدهم واحده واحده. أنا كنت هموت من الكسوف ومش عارفة أقولك إزاي ولا هقول للولاد إيه؟

ابتسم ادهم قائلا: - مكسوفة؟، مكسوفة من إيه يا أحلى حاجه في حياة أدهم؟!، وبعدين ولاد مين دول؟، خلِّيهم يعرفوا أن أبوهم وأمهم أصبا منهم!، هيشيلوا همَّا ابننا قبل ما نشيل أحنا ولادهم!

همست ريتاج بغموض وابتسامة صغيرة تزيّن محياها: - الله اعلم يمكن حد فيهم يبقى معانا!..
لم ينتبه أدهم لعبارتها وبدلا من ذلك أمسك برفق بيدها وسار بها متجها إلى فراشهما وهو يقول بجدية وحنان:
- المهم دلوقتي أنه ما فيش حركة خالص، مش عاوزك تقومي من السرير وكل حاجة عاوزاها هتجيلك لغاية عندك، ومواعيد الدكتور وكل تعليماته هنلتزم بيهم، وأنا بنفسي اللي هشرف على أكلك ومواعيد الدوا بتاعك و...

هتفت ريتاج مقاطعه وقد وقفت تطاله بدهشة: - إيه يا أدهم أنا حامل حبيبي مش عيّانة لا سمح الله!
وقف أدهم أمامها يطالعها بعشق صاف وهو يجيب: - أنت حامل يا ريتاج. عارفة يعني إيه؟، يعني جوّاكي أجمل هدية ممكن تهديهاني، ربنا يقدرني وأفرحك يا فرحة عمري كله أنتِ، أنا مهما قلت لك مش ممكن تعرفي سعادتي أد إيه وبالحمل دا مخصوص، رباط جديد بيشدنا لبعض، حامل يا ريتاج. حامل.

قطبت ريتاج وقد ساورها القلق على أدهم لفرحه الشديد هذا، فهي تخشى عليه من سعادته القويّة تلك، لتسارع هي بإمساك يده وتسير معه مجددا حتى إذا وصلا للفراش أجلسته على طرفه وهي تقول بمداهنة:
- طيب أقعد بس يا أدهم وخد نفس وهدّي نفْسَك، الأنفعال الزيادة مش كويّس!
قطب أدهم لثوان ثم انتزع يده من راحتها الناعمة وهتف بها بحنق: - أنتِ اللي حامل يا تاج مش أنا!، يعني الإنفعال خطر على حالتك أنتِ مش حالتي أنا!

أجابته وهي تربت على كتفه بعد أن جلست بجانبه وهي تهادنه كمن يهادن طفلا صغيرا: - وأنا وأنتَ إيه يا حبيبي مش واحد؟!، ولا تزعل. ياللا بينا نرتاح!
علّق أدهم وهو يميل عليها بمكر: - ما هو أنا لو ريّحت جنبك مش هسيبك ترتاحي!، إلا صحيح الحمل دا مخلّيكِ حلوة أوي كدا ليه؟

سارعت بدفعه برفق واضعة راحتيها فوق صدره العريض وهو تجيب بحزم مصطنع: - حمل إيه بس اللي مخليني حلوة!، أدهم بقولك إيه أنا اقتنعت بوجهة نظرك.
قطب أدهم متسائلا: - اللي هيَّا؟!
أجابت بجدية: - أنا فعلا لازمني راحة تااااااامة، عشان كدا...
وسكتت قليلا فيما حانت منها نظرة الى الأريكة العريضة أمامهما، فتتبع أدهم مسار عينيها وهو يقطب بريبة في حين أردفت بمكر أنثوي:.

- من الليلة دي يا عمدة هتنام على الكنبة اللي قودامك دي. تمام؟!
زفر أدهم وقال بغلّ من بين أسنانه وهو ينتفض واقفا: - تمام يا أم الولاد.
ووقف مشرفا عليها لينحني بعدها ينظر الى عينيها متابعا بخبث: - ولو أني عارف ان وحمك بيكون عليّا، فياريت ما ألاقيكي جاية تتسحبي وتنامي جنبي، وقتها بقه يبقى انت اللي جيتي لغاية عندي برجليكي...

انطلقت ضحكة ريتاج رقراقة في حين اتجه أدهم الى الباب وهو يهتف: - هقول لصباح تعملك عصير برتقال حالا بس الأول أنا اللي هفرّح ماما سعاد...
وأنصرف تشيّعه نظرات محملة بعشق خالص من تاجه.

كانت تجلس في غرفتها تطالع السماء الزرقاء من شرفة غرفتها حينما سمعت صوت طرقات عالية فدعت الطارق للدخول من دون أن تلتفت ليدلف الطارق ويتعالى صوت يقول بحيوية:
- وحشتيني قلت آجي نشرب الشاي سوا.
التفتت همس الى صاحبة الصوت وهي تنتفض واقفة متجهة الى تاج الوقافة بالباب تحمل صينية عليها أقداح الشاي، تناولتها منها وهي تهتف:
- ماما تاج. اتفضلي طبعا، حضرتك كمان وحشتيني أوي.

وضعت الصينية على الطاولة الزجاجية الصغيرة ثم التفتت ترحب بتاج، بعد أن استقرّا في جلستهما مالت ريتاج لتناول همس قدح الشاي وهي تقول:
- أعمل إيه كل ما آجي يا تكوني نامية يا مش موجودة، وبصراحة وحشتيني حتى التليفون مش بسمع صوتك، قلت أعملهالك مفاجأة. اتفضلي الشاي، بس خلي بالك أنا حطي تلك عليه لبن. عشان الشاي لوحده مش مناسب ليكي!

تناولت منها همس القدح شاكرة لتسترعي انتباهها عبارة ريتاج الأخيرة فقطبت وقد ساورها القلق، رفعت رأسها تسألها بارتياب:
- للي في حالتي؟، قصدك حضرتك إيه؟
نظرت اليها تاج من فوق حافة كوبها وهي ترتشف رشفة منه، ثم أعادته الى الصحن الصغير لتضع قدحها فوق الطاولة وتنظر اليها مسلطة عينيها عليها وهي تجيب بابتسامة وتلقائية مزيفة:
- اللاه. انتِ ما لاحظتيش أني كمان بشرب الشاي بلبن؟، الكافيين غلط على، الحامل!

شهقت همس وأنزلت كوبها تضعه بارتباك فوق الطاولة فتساقطت بعض القطرات الساخنة على يدها فنفضت يدها تمسح مكان القطرات باضطراب وأجابت بنظرات زائغة مرددة كلمة تاج:
- حا. حامل!
قالت ريتاج بهدوء: - أنتِ متعرفيش أني حامل ولا إيه؟، معقول!، دا خالك أدهم كان ناقص يحط إعلان في الجرايد من فرحته!

ابتسمت همس ابتسامة صغيرة وأجابت: - لا طبعا عرفت. مبروك يا ماما تاج.
عاجلتها ريتاج: - ومبروك ليكي أنتِ كمان يا همس، ولو أني زعلانة منك كاتن نفسي أنتِ اللي تفرحيني بالخبر دا مش أعرف بالصدفة!

تلعثمت همس وقد شعرت بخطئها في حق هذه السيدة الرائعة التي كانت كأمًّا ثانية لها وقالت بخجل منها:
- ما تزعليش مني يا ماما تاج. أنا كنت في حالة زي انعدام وزن ومش عارفة أعمل إيه، حضرتك عارفة اللي أنا فيه، حالتي ما كانت تسمح بأي كلام ولو كنتم عرفتوا كان أكيد هو كمان هيعرف وأنت أكتر واحدة عارفة أنه كان هيركب دماغه أكتر والله أعلم كان هيعمل إيه أكتر من كدا!

طالعتها ريتاج بتركيز وأجابتها بقوة: - مين هو اللي أنت بتتحاشي ذكر إسمه دا يا همس؟!
اضطربت همس ونظرت اليها بطرف عينها سريعا ثم لعقت شفتيها لترطب حلقها وأجابت بارتباك:
- أنا. أنا مش قصدي أرجوكِ ما تزعليش مني أنا.
هتفت ريتاج تقاطعها بقوة: - أنتِ غلطانة يا همس!، غلطت في الأول ولغاية دلوقتي مصرة على الغلط واللي هيدفع التمن في الآخر ابنكم اللي مالوش ذنب في اللي حصل دا كله!..

هتفت همس وقد غزت الدموع عينيها: - حضرتك اللي بتقولي كدا؟، انا بردو اللي غلطانة.
أصرّت ريتاج قائلة بقوة: - أيوة يا همس غلطانة. وخلّينا نقلب الأدوار. يعني مثلا لو مراد كان خاطب واحدة قبلك وانتِ شوفتيه فجأة داخل شقة معها ولوحدهم هتقولي إيه ولا هتتصرفي وقتها إزاي؟، أبسط حاجة وقبل ما تسألي وتستفسري هتتهميه بالخيانة. صح ولا لأ؟

انتفضت همس واقفة وسارت مبتعدة عن ريتاج التي لحقتها لتقبض على مرفقها وهي تديرها إليها مردفة بجدية:
- الهروب مش هينفعك. حطي عينك في عيني وجاوبيني. كان دا هيبقى رد فعلك وقتها ولا لأ؟

رفعت همس وجها غارقا في الدموع وطالعت ريتاج تسترحمها ولكن ريتاج لم تلن تعابير وجهها الجامدة في حين أن قلبها كان يتمزق شفقة عليها ولكنها قررت أن هذا الأمر قد طال وأصبح خانقا للإثنين ولا بد من وضع حد له، نظرت همس الى ريتاج التي وقفت تبادلها النظر ببرود، فأطرقت همس برأسها إلى الأسفل وأجاتب بخفوت:
- أيوة يا طنط. كان دا هيبقى رد فعلي.

فعلقت ريتاج وقد تركت مرفقها ووضعت يدها أسفل ذقن مس ترفع وجهها إليها: - يبقى حرّمتي على مراد ليه حقه في أنه يغير ويتضايق ويعمل اللي أنت كنت هتعمليه لو كنت في مكانه؟!، انا معاكي انه رد فعله كان قاسي جدا لكن المفروض بعد مرور وقت كاف ليكم أنتم الاتنين أنكم تهدوا كنت راجعتي نفسك لكن اللي حصل أنه ابني بس اللي حس بغلطه وأتأسف بدل المرة عشرة وألف لكن أنتي لسه عايشة في دور المظلومة والضحية. لدرجة أنك ظلمتي مراد بدم بارد.

شهقت همس معترضة: - أنا؟ أنا ظالمة!، وظلمته إزاي؟، أنا اللي ضربته وأهانته وخوّنته؟
قاطعتها تاج بقوة حاسمة: - خبيتي عليه أنه هيكون أب!، تفتكري دا مش ظلم؟، حقه أنه كان يفرح بابنه اللي جاي ولّا لأ؟، ليه القسوة دي؟، أنتِ حتى منعت مامتك أنها تقولي أنا!، أنا يا همس!، أنا اللي كنت في صفك على طول الخط ضد ابني!، وجاي تقولي أنك مش ظالمة!، للأسف يا همس أنتِ مش بس ظلمت مراد لأ. أنتِ ظلمتينا احنا كمان!

سالت دموع همس غزيرة وهي تقترب من ريتاج هاتفة بأسى: - أنا ما كان في نيتي اللي حضرتك فهمتي هدا، كل اللي حصل أني اتفاجئت أني حامل وبعدين لما استوعبت دا خفت مراد يضغط عليا عشان أرجع له واخد الحمل حجة. أنا مش هنكر أني بحب مراد وعمري ما هقدر أشيل حبه من قلبي، لكن في اللحظة اللي إيده ضربتني فيها هي نفسها اللحظة اللي حاسيت أنه كسر حاجة كبيرة أوي بيننا، وأنا بشر مش ملاك!

وانخرطت همس في بكاء عميق فاحتوتها ريتاج بين ذراعيها هامسة بحنو: - هشششش. خلاص يا همس يا حبيبتي، أنتو الاتنين غلطتوا بس عشان خاطري لازم المسألة دي يتوضع لها حد، عاوزة تعاقبيه ومالو بس وأنتِ في بيته. يا حبيبتي الراجل اللي زي مراد بيكون صيدة سهلة أوي وخصوصا أنه مراته حبيبته مش جنبه وفيه كتير نفسهم في فرصة زي مراد وما هيصدقوا!

رفعت همس رأسها فجأة مبتعدة عن ريتاج وهمست بتقطيبة عميقة: - قصد حضرتك إيه بالظبط؟
قاطع حوارهما صوت طرقات على الباب تبعها دخول الطارق بدون أن ينتظر الإذن بالدخول يصاحبه صوته المرح:
- شكلك نسيتيني، وأنا كمان همس وحشتني وعاوز أشوفها.

أسرعت همس بمسح دموعها وسارت الى أدهم الذي شحبت ابتسامته ووقف ينقل نظراته بين همس وهو يميل عليها مقبلا وجنتيها وبين تاج التي طالعته بهزة رأس خفيفة لم تنتبه لها مس التي قالت ترحب بخالها بابتسامة شاحبة:
- أهلا يا خالو أزي حضرتك، وأنت كمان وحشتني أوي.
قال أدهم متعمدا المرح: - فين دا؟، دا حتى مبروك ما سمعتهاش منك!
قالت همس بخفوت: - مبروك.
نظرت ريتاج الى همس ثم سارت اليها ومالت عليها هامسة في أذنها: ط.

- على فكرىة محدش لسه يعرف أنا بس اللي عرفت بطريق الصدفة وقلت أسيبك أنت اللي تقولي لخالك!

نظرت إليها همس شاكرة ثم التفتت الى خالها الذي كان يتابع الهمس الدائر بينها وبين تاج بتقطيبة حائرة، قالت همس بعد أن تنفست عميقا:
- أنا كمان يا خالو عاوزة أقولك خبر هيفرحك. أنا. أنا حامل!
نظر اليها أدهم بدهشة أول الأمر ثم ما لبث أن احتواها بين ذراعيه مهللا وهو يهتف بسعادة:
- بجد؟، مبروووك يا هموس.
سارعت ريتاج قائلة: ط
- بس الخبر دا حصري ليك أنت سيب همس هي اللي تبلغ الباقيين.

نظر اليها أدهم وقد فهم أنها ترمي الى مراد فهو رأسه وأجاب بتأكيد: - أكيد لازم هي اللي تفرّح. الباقي!
هتفت ريتاج فجأة وهي تضع يدها على جبهتها: - آه...
هرع أدهم إليها وهو يمد أليها يده ليساعدها على الوقوف هاتفا بلهفة وقلق: - مالك يا تاج حبيبتي؟، فيه إيه؟
اتجهت همس أليها متساءلة في قلق: - فيه إيه يا ماما تاج؟
نظرت أليهما تاج من تحت أهدابها هامسة بضعف: - معلهش فجأة كدا حاسيت الدنيا بتلف بيّا.

أدهم محتدا: - أنتِ ما بتسمعيش الكلام 100 مرة أقولك الدكتور قال لازم الراحة، اتفضلي ياللا عشان نروّح.

تاج بحزن: - يا أدهم ما أنا مش بطيق قاعدة السرير وبعدين أنا عملت إيه يعني، قلت أزور راندا منها تغيير جو ومنها أشوف همس.

أدهم بصلابة وهو يساعدها على السير متجها الى الخارج: - وأديكي شوفتيها يا ستي اتفضلي يا للا عشان نروّح، قادرة تمشي ولا أشيلك؟
تاج معترضة وبقوة: - لا طبعا همشي. ايه تشيلني دي؟!
أدهم بحزم: - هتروحي ومش همشي الا لما أطمن أنك في السرير وهخلي صباح تاخد بالها منك...
تاج بتساؤل: - وأنت رايح فين؟
أدهم بتلقائية: - الشركة مراد لسه مكلمني فيه شوية شغل محتاجني فيهم.

شحب وجه همس ما أن سمعت باسم مراد في حين علقت تاج: - بصراحة مراد هالك نفسه في الشغل انا كنت خايفة عليه لا بياكل ولا بيرتاح زي الناس أنما أنا دلوقتي أطمنت عليه الحقيقة رباب السكرتيرة الجديدة دي طلعت بنت حلال أوي تتصور يا أدهم أنه بيقول لي أنها بتجيب له الغدا مخصوص معها؟، دي بتعمله في البيت وتجيبه لأنها لاحظت أنه مش بياخد حتى استراحة للغدا!

قطب أدهم متساءل غير واع لتلك التي تقف بوجوم شديد يكاد قلبها ينخلع من صدرها من فرط شدة دقاته المتتابعة:
- رباب!، غريبة!، أنا افتكرتها مش هتكمل معها خصوصا أنه استايل لبسها وطريقتها مش مناسب خالص وأنا نبهت عليه أنه يخليها تحتشم شوية في لبسها!

كتمت ريتاج ابتسامة وهي تلاحظ تقطيبة همس العميقة وهي تستمع إلى وصف أدهم لتلك ال، رباب!

تاج بتلقائية زائفة: - ما هو قالها والبنت الشهادة لله مراد مبسوط منها أوي، بيقوللي أنها بتحب شغلها جدا وأي ملاحظة صغيرة بيقولها لها بتنفذها على طول!

دفعها أدهم برفق لتتقدمه خارج الغرفة وهو يقول بلا مبالاة: - طيب كويس، اتفضل يبقه عشان نمشي...
اتجهت همس أليهما وهي تقول بهدوء زائف: - أنا هاجي أزور حضرتك ان شاء الله عشان أطمن عليكي.

مالت عليها مقبلة وجنتيها عندما همست لها تاج في أذنها فلم يصل صوتها الى أدهم: - خلي بالك يا همس، أنا مش بقولك سامحيه عاوزة تعاقبيه وماله. بس وهو تحت عينيكي وأنتي في بيتك. اعملي فيه اللي أنتِ عاوزاه. ما تسيبهوش مطمع لأي واحدة...

وابتعدت تطالعها بتركيز لتبادلها همس النظر وقد وصلتها رسالة تاج كاملة...
ما أن أختفى أدهم وتاج وراء الباب حتى اعتلى وجه همس تعبير إجرامي وهمست بوعيد: - بقه كدا يا سي مراد. عجباك رباب أوي؟!، خسارة، أيامها في شغلها معاك بقيت معدودة دا أذا ما كانش أيام عمرها هي اللي بقيت معدودة! ، وما لبث أن غشى الحزن عينيها وهي تتذكر لهفة خالها على زوجته وخوفه عليها لتمسد بيدها بطنها قائلة وهي تنظر اليها:.

- يا ترى مراد لما يعرف أني حامل هيكون خايف وملهوف بالشكل دا؟
وفي خارج الغرفة ما أن أغلق أدهم الباب خلفهما حتى فاجئته تاج بأن اعتدلت واقفة وابتعدت عنه وهي تترك يده قائلة بتلقائية:
- شكرا يا أدهم. شايلينك لوقت عوزة!
أدهم بتقطيبة حائرة وذهول: - إيه دا؟، أومال إيه اللي حصل جوّة من شوية دا؟
تاج بابتسامة ماكرة وهي تغمزه بخبث: - دا تكتيك بس على تقيل!

سكت أدهم قليلا يبادلها النظر وما أن أشرق وجهه بالفهم حتى هتف بابتسامة: - أنتِ كنت قاصدة تضايقي همس؟
تاج بابتسامة ولمعة في عينيها: - أنا كنت قاصدة أفوّق همس!

تقرر عقد قران مهدي ولبنى في فيلا والده بعد أن وافقت راندا على إتمام عقد القران بدلا من الخطبة فقط نظرا لظروف لبنى فهي وخالتها سيدتان تعيشان بمفردهما وتكرار زيارة مهدي لهما سيكون موضع تساؤلات وأقاويل كثيرة ممن حولهم، ولكن لتفاجئ راندا ولبنى أن عقد القرآن قد تحول بين ليلة وضحاها إلى، عقد قرآن و. زفاف!

كانت همس ترفل في فستان من الأورجانزا المشغول باللون الأبيض ينسدل على جسمها ليلامس الأرض مخفيا البروز الخفيف في بطنها والتي لم تكن قد أبلغت به مراد بعد، فمنذ زيارة تاج لها وهي تتقلب ما بين رغبتها بإخباره بحملها وبين غضبها مما سمعته من تاج عن هذه الرباب حتى أنها قد أوشكت أكثر من مرة على القيام بزيارة مفاجئة له ولكنها في كل مرة تعمد إلى تغيير قرارها في اللحظة الأخيرة خوفا من المواجهة!

تقدم مراد الذي كان يرتدي حلة سوداء من أرماني وقميص أسود وربطة عنق يختلط فيها الأسود بالرمادي وقد ظهرت على وجهه لحية خفيفة زادت من وسامته الظاهرة من والدته التي تجلس إلى مائدة قريبة من مكان العروسين تتهامس مع والده عندما مال مراد عليها هامسا بحدة من بين أسنانه:.

- اتفضلي يا والدتي العزيزة مش دي فكرتك؟، قولتيلي خليني زوق مع اللي اسمها رباب دي وأهي مش سايباني في حالي، بقولك إيه يا أمي شوفي لك صرفة فيها بدل ما أخنقهالك قبل ما تخنقني هيا بلزقتها اللي زي شكلها دي!

ضحكت تاج وقالت وهي تربت بحنو على وجهه: - ولا يهمك يا حبيبي عموما هي خلاص سبب وجودها انتهى، من بكرة هتلاقي على مكتب السكرتارية واحدة تانية خالص، وعلى ضمانتي أنا المرة دي.

زفر مراد فيما قاطع أدهم تهامسهما بتساؤل حائر: - انتم بتتهامسوا في ايه؟، في ايه اللي بينكم وبين بعض بالظبط؟، كل ما أشوفكم لازم ألاقيكم بتتهامسوا؟

مراد بفكاهة: - جرى إيه أنت بتغير ولا إيه يا بوس؟!
أجاب أدهم وهو يحتوي بذراعه كتفي ريتاج: - أكيد طبعا!
همّ مراد بإلقاء عبارة مازحة أخرى حينما حانت منه التفاتة الى باب القاعة حيث كاد قلبه أن يتوقف عن العمل ثم أسرع في خفقاته لدرجة آلمته لدى رؤيته لحبيبته والتي كانت المرة الأولى التي يقابلها بها وجها لوجه منذ فراقهما!..

كان يتردد كثيرا على مكان عملها فقط ليراقبها ويطمئن على حالها بدون أن يدع لها الفرصة كي تلاحظه، وكان قد امتنع عن الاتصال بها او ارسال الورود منذ ان طلبت منه ذلك...

سار مراد متجها إليها وكأنه منوم مغناطيسيا لا يكاد يسمع من ضوضاء الحفل شيئا، وقف مراد أمام همس وهو ينظر إليها بدءا من شعرها الذي رفعته إلى أعلى على هيئة شنيون بينما تراقصت بعض خصلات منه حول وجهها لتعطيها منظرا جذابا مرورا على باقي أجزاء جسمها بحميمية جعلت جسدها يقشعر وكأن تيارا كهربائيا قد صعقه وهي تشعر باستجابة جسدها الخائن للشرارت المنبعثة منه، حتى وصل إلى قدميها الصغيرتين المختبئتين في حذاء لامع براق، قال مراد بصوت خرج أجش بالرغم منه:.

- أزيك يا همس.
ابتلعت همس ريقها محاولة الظهور بمظهر القوة وحاولت التحدث ببرود خالف تلك الرعشة البسيطة التي شابت صوتها:
-الحمد لله. انت عامل ايه؟
أجابها مراد وهو يلتهم تفاصيلها بعينين جائعتين وقلب يصرخ بأن يحتوي حبيبته بين ذراعيه ولا يفلتها أبدا:
- أنا مش عايش يا همس.

اضطربت همس من عبارته المفاجئة لها بينما تتلفت حولها علّها تجد من ينقذها ولكنها رأت الجميع مشغولون بتهنئة العروسين اللذان وقفا يتلقيان التهاني، قالت مس برجاء وعينيها تنظران إليه بتضرع:
- أرجوك. أرجوك يا مراد بلاش...
قاطعها مراد وهو يميل عليها ناظرا في عينيها بقوة لتأسرها عيناه: - بلاش إيه يا همس؟، أرجوكي أنت يا همس...

آثرت همس الهرب من أمامه فتمتمت باعتذار واه أنها ستذهب للبنى التي تشير اليها فيما كانت لبنى في ذات الوقت تطالع مهدي بطرف عينها بغضب خفي لفعلته الماكرة حيث أجبرها على الزفاف بعد أن أقنع والدته وخالتها فأُسقط في يدها خاصة وقد أتخذ من أحمد صغيرها حليفا قويّاً له ولكنها لن دعه يفلت بفعلته تلك دون عقاب!

لم يجد مراد بدًّا من أن يقوم بما أراد القيام به منذ أبصرها في الحفل، إذ لم يعطها الفرصة للتملص منه فقبض على يدها وهو يتلفت يمينا ويسارا ثم جذبها ليخرج بها الى الحديقة حيث لا مجال لمقاطعتهما...

وقفت همس أمامه عاقدة ذراعيها أمامها فيما كان يهتف بها بقوة وهو يزفر بعمق: - يعني لسّة مُصرَّة ما تدينيش فرصة تانية يا همس؟
نظرت همس بعيدا عنه وهي تجيبه ببرود بينما داخلها يرتعش: - اللي عندي قلته يا مراد.
قال مراد بغموض: - لكن انا لسه ما قولتش اللي عندي يا همس!، وأِنت مش عاوزة تسمعيني. للأسف عنادك ما سابليش غير حل واحد!

وقبل أن تستفسر منه عما قصده انحنى فجأة ليحملها بين ذراعيه فشهقت عاليا بينما يسرع هو بها ليجتاز الحديقة متجها الى مكان وقوف السيارات بينما تضربه بقبضتيها في كتفه لكي ينزلها وهي تصرخ هاتفة بحنق:
- انت مجنون يا مراد. نزلني.

فيما اتجه مراد الى سيارته حيث فتح بابها ن طريق جهاز التحكم عن بعد الخاص بها والمعلق في سلسلة مفاتيحه، ثم أنزلها على المقعد المجاور للسائق محكما غلق حزام الأمان حولها وهو يجيبها بقوة:
- ولا كلمة زيادة يا همس، ولمصلحتك أنت ما تختبريش صبري عليكي أكتر من كدا!
صمتت همس تماما بعد صراخه بها وقد اعتراها قلق عميق فهي من أوصلته الى حالة نفاذ الصبر والغضب العنيف التي تراه عليها.

استدار مراد سريعا صاعدا إلى مقعد السائق بعد أن أغلق الابواب اوتوماتيكيا وأدار المحرك ليقود السيارة بسرعة عالية كمن يهرب مبتعدا بكنزه الثمين عن الجميع!..

وصلا حيث منزلهما حيث ترجل مراد وفتح الباب المجاور لها يدعوها للترجل ولكنها رفضت بتعنت فما كان منه إلا ان هبط الى مستواها وحملها وسط اعتراضاتها بينما تركل بقدميها الهواء ليتركها ولكنه لم يجب على أي من استفزازتها التي أطلقتها نحوه واتجه بها ناحية المصعد غير مبال بحارس العقار الذي فتح فمه بدهشة بالغة مراقبا ما يحدث أمامه بحيرة ولكن من غير أي تدخل منه فهو خلافا لعلمه أنهما من قاطني هذه البناية الفخمة ولا شأن له بما يحدث بينهما فأن من يرى تعبير وجه مراد في هذه اللحظة سيعلم جيدا أنه لو كان يخشى على حياته فمن الأسلم له الأختفاء من أمامه بل وكتم النفس تماما!..

لم يترك مراد همس سوى وسط صالة الأستقبال. وسرعان ما ابتعدت عنه بينما قام باغلاق الباب خلفهما بالمفتاح واضعا إياه في جيبه وهي تتابعه بدهشة، ليقف بعدها أمامها قائلا بحزم:
-دلوقتي بأه هتسمعيني يعني هتسمعيني!
هتفت همس بحده: - تقدر تقولي اللي حضرتك عملته دا يبقى إسمه إيه؟، أنت خاطفني!، افتح الباب حالا يا مراد...

أجابها مراد وهو يهز برأسه رافضا وبقوة: - لأ يا همس. وبعدين عاوزه تسميه خطف تمام وهو كذلك. خطف يا همس!، واحد وخطف مراته ما حدش له عندي حاجه!

ابتعدت همس عنه بضعة خطوات زافرة بحنق وقالت بينما تفرك ذراعيها وقد شعرت ببرودة مفاجئة تباغتها:
- حاضر يا مراد أنا هريّحك. أتفضل قول اللي انت عاوزه وخلّصني. بس بسرعة علشان لو بابا ولا مهدي خدوا بالهم انى مش موجوده هيعملوا مشكلة.

اقترب مراد منها حتى وقف على بعد خطوات قليلة وقال بهدوء مستفز: - لا من الناحية دي ما تقلقيش. اطمني خالص. مهدي أخوكي عارف أنتِ فين دلوقتي وهيطمنهم لو أتأخرنا!

ثم أشار بيده الى مقعد قريب وهو يردف: - ممكن بأه ترتاحي علشان نعرف نتكلم...
أجابت همس بسخرية: - أرتاح!، عمري ما هعرف أرتاح يا مراد وانت كلامك لسه في وداني، أزاي. أزاي قدرت تشكّ فيّا يا مراد. أزاي قدرت تنطقها؟

قطع الخطوات التي تفصلهما بسرعة ووقف أمامها قائلا برجاء ونبرة يغشاها التوسل: - سامحيني يا همس. أنا عارف أنى مهما قلت مش هقدر أكفّر عن غلطي في حقك. لكن اللي يشفع لي هو عشقي المجنون ليكي...

وامتدت يداه تمسكان بذراعيها بتلهف مجنون بينما تحاول هي الفكاك من قبضته هاتفة بحزن وغضب:
- أنت ما بتحبنيش يا مراد. دا مش أسمه حب. دا أي حاجه تانية غير الحب. ممكن هَوَسْ أو حب تملك. لكن الأكيد أنه مش حب حقيقي أبدا...

ضمها بين ذراعيه بقوة وهو يردد بجنون بينما أخذ يمطرها بقبلات متلهفة على وجهها فيما كانت تحاول الهر بمن قبلاته المجنونة وهي تتلفت يمينا ويسارا ولكنه لم يأبه لمحاولاتها وهتف من بين قبلاته النارية قائلا:
- ما تقوليش كدا يا همس، أنا حبك دا بيجري في دمي، من غيرك ما أقدرش أعيش ومش عاوز أعيش. سامحيني، سامحيني يا أغلى ما ليَّا.

أجابت من بين دموعها التي سالت مغرقة وجهها: - اللي بيحب حد ما يهينوش يا مراد، ما يجرحوش، ما، ما يضربوش!
تأوه عاليا وهو يضمّها بقوة ضاغطا إياها بعمق بين ذراعيه مما أخافها فحاولت الابتعاد عنه واضعة ذراعها حائلا بين بطنها وبينه فيما هتف من دون أن ينتبه إلى محاولاتها في حماية جنينها الذي ينمو في أحشائها بالابتعاد عن طوق ذراعيه المحكم حولها بينما صوته تغلفه اللهفة والرجاء:.

- أنا آسف. أنا كنت بموت في كل دقيقة وأنتِ بعيده عني. أرجوكي يا همس إديني فرصة تانية. ما تحكميش عليا بالموت وأنا عايش يا همس. المدة اللي فاتت دي كلها وأنا بعيد عنك كنت زي الميّت بالحيَا!

قالت همس وهي تحاول دفعه بعيدا: - بتقول كدا وهترجع تاني زي الأول يا مراد.
نفى مراد بلهفة لإقناعها: - أبدا. جرّبيني. طيب أثبت لك أزاي؟
خمدت محاولاتها في الابتعاد عنه وهتفت باندفاع: - تحضر معايا فرح أسامة ويارا!
توقف مراد لوهلة عن تقبيله لها وابتعد عنها قائلا بعينين يغشاهما الغموض: - فرح أسامة ويارا؟ أمتى؟، همّا مش المفروض كانوا أتجوزوا من زمان؟!

أجابته همس بلهفة وترقب وهي تدعو الله ألاّ يخيب مراد ظنها: - حصلت ظروف خلّيتهم يتأخروا، الشقة ما استلموها إلا من أسبوع بس، فرحهم الخميس اللي جاي...

تساءل مراد بهدوء أثار ريبتها: - يعني بعد بكرة أن شاء الله؟
حركت رأسها بلهفة بالإيجاب فأردف وهو ينظر إليها بثبات وكأنه يقرّ أمر واقع: - يبقى أنت مش هتخرجي من هنا إلا يوم الفرح. ورجلي على رجلك!
ثم انحنى بغتة يحملها بين ذراعيه وهو يتابع من دون أن يدع لها مجالا للاعتراض: - ومن هنا ليوم الفرح هحاول أعوض الشهرين اللي فاتوا عليا سنين، وهبتدي من الليلة...

وضعها مراد في منتصف الفراش برقة وكأنها آنية زجاجية يخشى عليها من الكسر ومال فوقها مشرفا عليها وهو يهمس بصوت أجش بينما يرسم بأصابعه خطوط وجهها الذي أشتاق إليه:
- وحشتيني. وحشتيني أوي أوي يا همسي.
ومال عليها محاولا معانقتها ولكنها أشاحت برأسها جانبا وهي تقضم شفتيها فامتدت يد مراد لتدير وجهها إليه وقال بتساؤل:
- فيه إيه يا همس؟، لسه بتشكِّي في وعدي ليكي؟

أجابت همس بخفوت وهي تهرب بعينيها بعيدا عنه: - لا. الموضوع مش كدا!
قطب مراد بحيرة وقال: - أومال إيه يا همس، فهميني يا حبيبتي؟
أجابته بتلعثم طفيف: - أصلي مش في حالتي الطبيعية. أنا مش زي الأول!
قال مراد مستفهما وقد زاد عمق تقطيبته: - أنتِ بتتكلمي بالألغاز ليه يا همس؟
رفعت عينيها لتواجه عينيه وأجابت بنعومة بينما في داخلها تخشى ردة فعله على ما ستقوله:
- أنا، أنا حامل يا مراد...

سكت مراد قليلا ثم تحدث ببطء يعيد ما سمعه منها بغير تصديق: - أنتِ. أِنت حامل؟!، بتتكلمي بجد؟
صمت لثوان ليردف بعدها وقد بدأت ابتسامة بشق طريقها الى وجهه: - يعني أنا. أنا هبقى أب!
هزت همس رأسها بنعم وهي تقول: - آه، وأنا هبقى أم...
عاتبها مراد وهو يبعد خصلاتها المتناثرة حول وجهها جانبا: - وقدرتِ تخبي عليا المدة اللي فاتت دي كلها؟

قضمت همس شفتها السفلى وقالت بينما شعورها بالذنب لإخفائها خبر حملها عنه يزداد: - أنا عرفت وأنا حالتي النفسية كانت في الأرض يا مراد، وبعد كدا كنت خايفة تجبرني أرجع لك عشان البيبي، صدقني يا مراد أنا كنت محتاجاك جنبي الفترة اللي فاتت دي، جهلك بحملي كان عقاب ليّا أنا أكتر منه عقاب ليك على غضبي منك!

قال مراد بهدوء وهو يطالع عينيها بحب: - وأنا مسامحك لأني عاذرك، بس مش مسموح لك تاني أنك تخبي عليا أي حاجة، حتى لو زعلنا. اتخانقنا. لا مسموح أنك تخبي ولا أنك تسيبي بيتك تاني أبدا. مفهوم يا أحلى ماما؟

أجابت همس برقة: - مفهوم يا أعظم بابا...
ابتسم مراد وكأنه قد انتبه الآن فقط وعلّق بمزاح: - صحيح. يعني أنت وماما...
قاطعته همس ضاحكة وهي تكمل عبارته: - آه، أنا وحماتي...
انحنى فوقها مراد مما جعلها تنسدح فوق الفراش وهمس بخفوت بينما أصابعه تداعب سحاب الفستان الخلفي:
- عموما مسامحتي ليك في أنك خبيتي عليا حملك مش لله في لله، أنا عاوز تعويض كبير. ومن دلوقتي!..

ثم اقترب بوجهه من وجهها فيما رفعت ذراعيها لتحيط بهما عنقه بينما تناول شفتيها في قبلة رقيقة تحولت الى أخرى متطلبة وعناق عنيف أخرج فيه مراد ما اختزنه من عواطف هوجاء وقد بادلته همس عواطفه المجنونة.

أبعدت همس شفتيها عن فمه المتطلب بصعوبة وهي تهتف به وقد تذكرت: - أستنى بس يا مراد...
أجابها مراد وسط قبلاته الساخنة بينما يداه تعبثان بجسدها بتملك وتوق: - أستنى إيه بس؟
أبعدته همس بالقوة وهتفت وهي تحتوي وجهه بين راحتيها: - إيه حكاية اللي اسمها رباب دي؟
قطب مراد متذكرا ثم أشرق وجهه بالفهم وقال: - ربا...
ليبتر عبارته مطلقا ضحكة عاليا وهو يردف: - مش ممكن ربنا يكون في عونك يا بوس!

قطبت همس متسائلة بريبة: - قصدك إيه يا مراد مش فاهمة؟
مال ليها مراد وأجابها بينما عيناه مسلطتان على شفتيها المنتفختين من أثر غزوه لهما:
- هفهمك.
ليتابع ما كان يهمس به إليها قبلا فلم تستطع همس المقاومة فقلبها يصرخ بها أن تحنو عليه وتعيده إلى حبيبه حيث الأمان والدفء والحنان.

أغلق مهدي باب جناح العرائس خلفهما واتجه من فوره الى عروسه التي تقف في منتصف الجناح تفرك يديها بتوتر، ما أن دنا منها حتى رفعت لبنى سبابتها في وجهه وهتفت قائلة:
- إبعد عني خالص!
ابتسم مهدي وأجاب وهو ينزع سترته ليلقيها جانبا يتبعها بربطة العنق وسط ذهولها من خلعه ثيابه أمامها:
- لا يا حبيبتي. أبعد عنك كان زمان. أنما دلوقتي.

وبتر عبارته ليباغتها باحتضانه لها فحاولت دفعه بعيدا دون طائل بينما أردف بخبث: - هقرّب وأقرب وألزق كمان!

حاولت لبنى الأبتعاد عنه وحينما وجدت أنه لن يسمح لها هتفت به حانقة: - بتحطني قودام الأمر الواقع يا مهدي؟، أتفاجئ بمامتك وأخواتك وعيلتك كلها جايين عندنا امبارح عشان الحنة!، فيه عروسة تحضر حنتها وهي متعرفش؟!، وعشان تحطني في خانة اليك خلِّيت مامتك هي اللي تقنعني أنه انهرده يبقى الفرح مع كتب الكتاب وأنها اقتنعت بكلام خالك أدهم لما قالها أن الفترة لو طولت أعصابك هتتعب ومش بعيد تفكر أنك تسافر شوية لغاية ما معاد جوازنا يقرب!، أنا مش فاهمه هو أنا دخلت برجليا فين بالظبط؟

أجابها مهدي ساخرا: - أنتِ دخلتي برجليكي عرين الأسد يا قطتي، خالي أدهم ما فيش حاجة تقف قودامه ولما وعدني أن فرحنا هيبقى في المعاد اللي أنا عاوزه أنا صدقته، وبعدين هو سألك يوم ما جينا نتقدم لك رسمي، قالك بتحبيه وانتي جاوبتيه ويومها قالي ما تقلقش. مش هيحصل الا اللي أنت عاوزه!

حاولت الافلات منه وقالت باعتراض واه: - بردو!، أنت غشاش ونصاب!
صدحت ضحكته عاليا وقال وهو يضغطها أقرب إليه: - مقبوله منك يا ستي، ممكن بقه تسيبي دا كله وتركزي معايا. انهره دخلتنا. عارفة يعني إيه الدخلة؟!

رفعت عينيها إليه وقد شغلها سؤاله الماكر عن محاولتها للابتعاد عنه وأجابته بريبة:
- يعني إيه مش فاهمه؟
مال بوجهه عليها هامسا أمام شفتيها لتضرب أنفاسه الساخنة وجهها: - أنا هفهمك كل حاجة...
ما أن همّت بالكلام حتى سارع لألتقاط شفتيها في قبلة ملتهبة، ويداه تضغطان ظهرها بقوة حتى كاد أن يعتصرها بين ذراعيه، وحينما شعرت بأن يداه بدأتا بالعبث في فستانها، أبعدت شفتيها بصعوبة شديدة عنه وقالت بلهاث:.

- استنى بس يا مهدي. عاوزة أغيّر هدومي الأول.
أبتعد مهدي على مضض وقال وأنفاسه اللاهثة تضرب بشرتها الحليبية: - حاضر يا عروسة، فيه حمام في أودتنا جوة وأنا هستخدم الحمام اللي هنا.
أسرعت الى الغرفة مغلقة الباب خلفها بينما زفر مهدي بقوة ثم شرع في خلع قميصه وتناول منامته الزرقاء وتوجه للاغتسال في الحمام الخارجي بالجناح.

طالت غيبة لبنى فطرق مهدي الباب قائلا بحنان: - لبنى حبيبي أنت أتأخرتي ليه؟، أوعي تكوني نمتِ.
لم يسمع جوابا فأعاد الطرق بإلحاح وقد بدأ القلق يتسرب إليه، لم تجد لبنى بدّا وفتحت الباب ثم ابتعدت عنه ووقفت في منتصف الغرفة، دلف مهدي مغلقا الباب خلفه حتى إذا التفت فوجئ بها وهي تقف ولا تزال في ثوب زفافها، قطب واقترب منها وهو يقول:
- مغيرتيش هدومك ليه يا لبنى؟

حانت منها إلتفاتة إليه لتشهق عاليا وهي تهتف مديرة وجهها إلى الناحية الأخرى: - أنت أزاي تقف قودامي كدا؟
نظر مهدي إلى شكله حيث اكتفى بارتداء سروال منامته فقط فيما ترك سترة منامته فظهرت عضلات صدره القوية السمراء، اقترب منها وأمسك بكتفيها من الخلف برفق وهمس في أذنها:
- مكسوفة؟، لا. لازم تتوعدي. أنا مش بنام غير كدا. ، ودلوقتي بقه ممكن أعرف أنت لسه بفستانك ليه؟

قضمت لبنى شفتيها ثم لم تجد حلا إلا إخباره بينما علت وجهها حمرة قانية: - الفستان. مش عارفة أخلعه...
قطب مهدي ثم نظر الى ظهرها ليفاجئ بأربطة عديدة متشابكة تمسك الفستان، قال وهو يحاول فكّها:
- إيه اللي خلّاكي تشتري فستان زي كدا؟
أجابته بقنوط وبراءة أسرته: - همس أختك هي اللي قالت لي أنه شكله حلو أوي وأنا ما رضيتش أكسفها!

تذكر مهدي عبارة همس التي ألقتها عليه قبل أن تهبط لبنى إليه متأبطة ذراع أدهم حيث قالت بمكر وقتها:
- فستان الفرح مفاجأة.

وبالفعل صدقت همس، فالثوب كان مفاجأة بجميع المقاييس وأجملها على الأطلاق تلك الأربطة المتشابكة التي تربطه بقوة، ومع آخر رباط نجح في خلعه أمسكت لبنى بالفستان جيدا قبل أن يسقط عند قدميها، ولكنه سارع بإدارتها إليه وهو يقبض على يدها التي تشد على ثوبها فهتفت بضراعة سلبت البقية الباقية من تماسكه وهي تهمس بخفوت:
- مهدي.
ليجيبها بلهفة وهو يحملها بين ذراعيه: - فداكي مهدي وقلبه وروحه يا عشق مهدي.

ثم وضعها على الفراش حيث حملها إلى عالم مجنون مليء بالحب والرغبة لم تختبره قبلا ولا حتى مع زوجها الأول، فكانت له كتلميذة في مدرسة الحب يعلمها هو أبجديات العشق والهوى.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة