قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية كبرياء أنثى (نساء متمردات ج2) للكاتبة منى لطفي الفصل الخامس

رواية كبرياء أنثى (نساء متمردات ج2) للكاتبة منى لطفي الفصل الخامس

رواية كبرياء أنثى (نساء متمردات ج2) للكاتبة منى لطفي الفصل الخامس

لم تستطع همس سوى النطق بكلمة واحده عند رؤيتها لمراد يتوسط فراشها حيث همست بصوت مختنق:
- مراد!
قام مراد من مكانه واعتدل جالسا بينما نظر اليها بنظرة غامضة وابتسامة ساخرة تعتلي شفتيه، ثم نهض متوجها اليها بينما تراجعت بظهرها لتصطدم بمنضدة الزينة وراءها، مد مراد يده ممسكا رسغها بينما كانت تحاول تمالك نفسها وقال ببطء:
- خلِّي بالك.

وسحبها بعيدا عن المنضدة، أفلتت رسغها من قبضته وسارت الى وسط الغرفة وقالت بصوت أرادت إظهاره هادئا ولكنه خرج بالرغم منها متلعثم وهي تتحاشى النظر اليه بينما تدعك موضع قبضته لرسغها:
- انت. انت دخلت هنا ازاي؟
نظر اليها وقد كتف ذراعيه أمامه وقال رافعا حاجبه الأيمن بسخرية: - حبيت اعملهالك مفاجأة! مفاجأة حلوة صح؟

أشاحت بوجهها بعيدا وتحدثت بهدوء نسبي وقد استعاد وجهه بعض من لونه الاحمر بعد ان جفت دماؤه من صدمتها لدى رؤيتها له في غرفتها بل وفوق فراشها. فقالت:
- من ناحية انها مفاجأة فهي فعلا مفاجأة! ممكن تقولي دخلت ازاي وليه؟

فك ذراعيه وسار حتى وصل اليها وقال ببراءة مزيفة: - دخلت ازاي سهلة اووي. انت ماتعرفيش انى نازل في الاودة اللي جنبك ولا ايه؟ ولو كنت شوفتي كنت هتلاقي ان بين اودتي واودتك حيطة البلكونة بس، عدِّيت!

فتحت عينيها على وسعهما وهتفت بدهشة شديدة: - اييه؟ عديت؟ انت عاوز تقول انك عديت من البلكونة بتاعتك للبلكونة بتاعتي واحنا في الدور ال 6 عادي كدا؟

هز برأسه موافقا وقال بثقة: - آه، انت عارفاني لما بعوز أعمل حاجه مافيش حاجه بتقف قودامي حتى لو في الدور ال 20 مش ال 6 بس!

قالت بذهول وهي تهز برأسها يمينا ويسارا: - انت مش ممكن! انت مجنون أكيد مجنون!
ثم كتفت ذراعيها امامها مردفة بنبرة محتدة: - طيب وثانيا؟ اولا وعرفت انت دخلت ازاي ثانيا ايه اللي خلاك تيجي في وقت زي دا؟

أشاح بنظره قائلا بهدوء مغيظ: - امممم، ثانيا فعلا...
نظر اليها متابعا بنبرة ساخرة: - اقولك ثانيا.
سكت واقترب منها ببطء كما الفهد يقترب من فريسته مواصلا بسخرية: - اصل اظاهر والله اعلم بما انك اول مرة تسافري لوحدك بره ففهمت الحرية اللي ادهالك عمي نزار غلط!

قطبت جبينها وقالت بحدة وتساؤل: - ايه؟ حرية ايه اللي فهمتها غلط؟
ثم ارتفعت نبرة صوتها هاتفة بغضب: - انت بتقول ايه بالظبط؟ انت واعي لكلامك يا مراد؟
نظر اليها بغموض قليلا ثم مسح أرنبة أنفه قبل ان يقول بتساؤل مصطنع مشيحا بنظره:
- صحيح. انت واعي للي بتقوله يا مراد؟

اقترب منها بخفة ثم فاجئها بالقبض على ذراعها بقوة وهو يقول بغضب مكتوم: - لا وانت الصادقة. انت اللي واعية للي بتعمليه؟ انت ازاي تسمحي لنفسك انك ترقصي مع الكائن اللي كان معاكي دا؟ لأ ومش بس كدا قعدتو مع بعض وكلام وضحك ومَسْك ايدين! انت تحمدي ربنا انى ما صورتش قتيل تحت وانا محزرك تبعدي عنه لكن واضح كدا انك كنت فاكره تحذيري دا في الهوا؟!

قالت بغضب وقد جذبت ذراعها من قبضته بعنف ولكنها لم تلتفت الى ألم ذراعها وبدلا من ذلك ابتعدت عنه صارخة في وجهه بغضب:
- انت ازاي تسمح لنفسك انك تكلمني بالشكل دا؟ بصفتك ايه اساساً؟ بابا عارف كويس أووي بنته مين ومربيني كويس اووي وما اسمحلكش تشكك لا في اخلاقي ولا تربيتي...

ثم رفعت سبابة يدها اليمنى موجهة ايَّاها اليه وهي تتابع بنبرة تحذير: - ولآخر مرة يا مراد بقولك ما تتكلمش معايا بالاسلوب دا. اسلوبك في الكلام والمعاملة مرفوض بالنسبة لي، يا تغير طريقتك يا اما أفضَّل انك ما تكلمنيش خالص! انت لا أبويا ولا اخويا ولا حتى جوزي علشان اسمح لك تتكلم معايا بالأسلوب دا!

تقدم منها بهدوء مثبت نظراته السوداء فوقها ووقف أمامها تماما وهو يقول بثبات: - حساب وهحسابك، وتصرفاتك ومش هفوت لك أي حاجه يا همس، ولو على صفتي ايه بالنسبة لك فإنت اظاهر نسيتي اني خطيبك؟!

ضحكت بصوت عال ساخرة وقالت بعد ان هدأت ضحكتها قليلا: - تصدق ضحكتني! مين دا اللي خطيبي؟ على حسب معلوماتي اني لسه سنجل مش مخطوبة؟ ولا انت خطبتني من ورايا وانا معرفش؟

ثم تابعت متهكمة غير مباليه بشرارات الغضب المنبعثة من مقلتيه تكاد تحرق ما تصادفه امامها:
- وبعدين انت عارف انه ماينفعش انك تخطبني؟
قطب قائلا بسخرية: - وليه ما ينفعش ان شاء الله؟
أجابت بابتسامة ساخرة: - انت عارف كويس اووي ما ينفعش ليه؟! ومجيّتك دلوقتي اكبر دليل انك سمعت اسامة وهو بيعرض عليا الجواز علشان كدا جيت بالطريقة المجنونة بتاعتك دي!

سكت مراد قليلا ثم فاجئها بالقبض على رسغها وقال بهدوء تماما كالسكون الذي يسبق العاصفة:
- ايه؟ انت بتقولي ايه؟ مين اللي عرض عليكي الجواز؟

سكتت همس قليلا وارتبكت فقد كانت شبه أكيدة ان قدوم مراد وسخريته منها ومناداتها بلقب العروس كل ذلك دليل على سماعه الحوار الذي دار بينها وبين اسامة ولكن من الواضح ان تحليلها كان خاطئاً، أفاقت من شرودها على صوته الغاضب الحانق وهو يقول لها من بين اسنانه بينما يهزها بين يديه بقوة:
- انت عاوزة تقولي ان اللي اسمه اسامة دا عرض عليكي الجواز؟ انطقي يا همس ما تجنيننيش؟

لم تستطع النطق بحرف واحد ولكنها هزت برأسها موافقة فهتف بها وقد أمسكها من ذراعيها بشدة:
- وحضرتك قولتيلو ايه ان شاء الله بأه؟
أجابت بتلعثم خفيف: - مراد مش كدا انا...
هدر بغضب عنيف وهو يهزها بشدة: - انت ايه يا همس؟ عارفة معنى ايه لما تقفي تقوليلي بكل بجاحه ان واحد تاني خطبك قبلي؟ انت بتقوليلي انه ما ينفعش اخطبك علشان هو سبقني! انت واعية لكدا؟

صاحت بألم وهي تحاول تمالك نفسها والفكاك من قبضته الحديدية: - مراد مش اسلوب كلام دا!
قربها منه ناظرا بقوة في عينيها العسليتين وقال بسخرية: - والله؟ بجد؟ اومال عاوزاني اتكلم معاكي ازاي؟ طيب ممكن حضرتك تقوليلي رديتي عليه قُلتي ايه؟

سكتت همس فقال وهسيس أنفاسه يضرب وجهها بقوة: - ردي عليا يا همس قولتي له ايه؟
نظرت اليه بعد ان حاولت التشبث بهدوئها المتداعي وقالت بقوة لا تشعر بها حقيقة:
- قلت له يسيبني افكر!
نظر اليها قليلا قبل ان ينفجر ضاحكا بسخرية وهو يقول ساخرا: - لالا بتهزري؟! يسيبك ت اييه؟ تفكري؟

ليميل عليها مردفا بشراسة: - نجوم السما اقرب له انه يلمس شعرة واحده منك، انا سبأ وقولتها لو قرب منك يا همس ماتزعليش على اللي هعمله فيه. اوكي؟ كلمة ومش هتنيها اول ما هترجعى من لبنان هتقدم لك رسمي والخطوبة وكتب الكتاب والفرح سوا وابقي اعترضي يا همس دا لو اسامة دا يهمك مصلحته اووي وصدقيني اللي حصل انهارده دا مش هعديه بسهولة!

جذبت ذراعيها بقوة ووقفت امامه برأس شامخ ووجه مرفوع بعزة وكرامة هاتفة بشموخ وإباء:
- وانا برفض طريقة سمعا وطاعة بتاعتك دي واحب اقولك لو كنت الاول قلت لأسامة يسيب لي وقت افكر فأنا دلوقتي فعلا قررت والفضل بعد ربنا ليك طبعا!

نظر اليها متسائلا بصدمة حاو اخفائها: - يعني ايه؟
أجابت بقوة مشيحة بنظراتها بعيدا: - يعني انا موافقة على اسامة! وأول ما نرجع مصر هيتقدم لي رسمي، وما تخافش. هبعت لك كارت الفرح اكييد!

سكت مراد وان كانت همس قد شعرت بنظراته تحوم فوقها ثم قال بهدوء خطر: - دا آخر كلام عندك يا همس؟
لم ترد تغيير كلامها فقالت بكل ما اوتيت من قوة: - ايوة يا مراد!
قال وقد اعتلت وجهه نظرة غامضة: - اوكي يا همس. بس افتكري انت اللي ابتديتي يا همس، والبادي يا بنت عمتي، أظلم!

ثم أمعن النظر في وجهها قليلا قبل ان يتجه الى باب الغرفة ويقف عنده ممسكا قبضته مردفا من فوق كتفه:
- افتكري كويس يا همس، مش انا اللي تقفي في وشّه، انت ليّ انا بس يا همس! وصدقيني قريب اووي هتكوني منورة بيتي!

ثم خرج صافعا الباب وراؤه بعنف ارتجت لها النوافذ تاركا اياها وقد انهارت فوق الفراش واضعة وجهها بين يديها مرددة في نفسها:
- انا ايه اللي عملته بس يا ربي! دا مجنون وممكن يعمل أي حاجه!
لترفع وجهها وقد برقت عيناها ببريق العزم واتجهت الى هاتفها ضاغطة على بعض الارقام حتى اذا سمعت صوت فتح الاتصال من الناحية الاخرى قالت بمنتهى الجدية:.

- ايوة يا اسامة انا عاوزة ارجع مصر على اقرب طيارة، لا لا ابدا بس فيه ظروف هناك حصلت ولازم ارجع بسرعه، بتقول ايه؟ لا لا ممكن نعتذر للقناة المستضيفة، احنا عموما خلاص مش فاضل غير يوم واحد، وموضوع شغلي معهم هفكر فيه واقولهم رأيي. يا ريت يا اسامة. اه عاوزة انزل مصر على اول رحلة. ميرسي يا اسامة ربنا يخليك، باي.

أنهت المحادثة ثم ألقت بهاتفها فوق الفراش ومررت يدها في شعرها وقالت بتنهيدة عميقة:
- هسيب لك لبنان كلها يا مراد بيه اما اشوف اخرتها معاك ايه؟

اهلا ازيك يا همس حمد لله على السلامة وحشتيني حبيبتي
احتضنت همس والدتها بقوة وهي تتشمم رائحتها مجيبة تحيتها بحب: - انت اكتر يا ماما
ابعدتها امها عن ذراعيها قليلا ونظرت اليها قاطبة وقالت مستفسرة بابتسامة خفيفة: - مالك يا هموسة؟ فيه ايه حبيبتي؟ شكلك مش عجبني!

قالت همس وقد عادت بين ذراعي والدتها ثانية: - ابدا يا ماما انت بس وحشتيني اووي وكنت خايفة تكونى لسه زعلانه مني علشان سافرت وانت كنت مش موافقة انى اسافر.

قالت راندا بحنان امومي وهي تمسح على شعر ابنتها: - لا حبيبتي انا كنت خايفة عليكي بس خلاص انت عارفة انا ماقدرش ازعل منك انت ابدا لا انت ولا اخواتك الحمد لله انك رجعت لنا بالسلامة البيت من غيرك كان وحش اووي.

الله الله يا سلام يا ست ماما وانا ايه صورة على الحيطة؟ .
ابتعدت راندا عن همس قليلا ثم مدت يدها الى ابنتها الصغرى التي وقفت بجوارها وقرصت اذنها قائلة بحزم مفتعل:
- انا مش قلت بلاش تيجي تتسحبي كدا؟ انت يا بنتي مش هتبطلي عادتك دي؟
قالت ريما وهي تحاول ابعاد يد امها عن أذنها: - أي أي أي يا روني، ودني حرام عليكي يا شيخة حد يعمل في اخر العنقود كدا؟ دا آخر العنقود سكر معقود.

قالت راندا بجدية مفتعلة: -سكر معقود بس معايا السكر اتحرق!
الله الله مين مزعل ريما حبيبة باباها؟
ركضت ريما الى حضن والدها الذي كان واقفا بالباب يطالعهم بابتسامة حانية وقالت وهي تختبئ بين أحضانه:
- يرضيك كدا يا بابا اللي مراتك عاملاه فيا دا؟ لا وايه بتقول لهمس انا ماقدرش ازعل منك ولا من اخواتك دا وما زعلتش مني اومال لو زعلت بأه هتعمل فيا ايه؟

ضحك ابوها بينما سمعت صوت ضحكة ذكورية أخرى من الخلف ولم تلبث ان سمعت والدها يقول ضاحكا:
- معلهش يا عصام نسيت اقولك تتفضل كنت بفض اشتباك بسيط كدا.
شهقت ريما خجلا بينما دخل عصام وهو يقول ضاحكا: - لا ابدا يا عمي نزار انا مش غريب.
صافحته راندا ورحبت به هاتفة: - ايه المفاجأة دي يا عصام، تعالى حبيبي انت وحشتني اووي.
سلم عليها ورحب بهمس وتحمد لها على سلامة الوصول ثم التفت الى ريما قائلا بابتسامة:.

- ازيك يا. آخر العنقود؟
كشرت ريما وجهها بطريقة طفولية محببة وقالت: - الحمد لله يا. أول العنقود!
ضحك الجميع بينما أشارت لهم راندا قائلة: - انتو كلكم واضح ان حماتكم بتحبكم دقايق ارتاحوا على ما اجهز الغدا. ثم ما لبثت ان التفتت الى عصام قائلة:
- صحيح يا عصام بابا وماما جايين امتى؟
أجاب عصام: - انهارده يا عمتي ان شاء الله الطيارة توصل على المغرب كدا.

قال نزار: - بدل ما يروح ويرجع ينزل تاني قلت له ييجي يتغدى معانا واسلام معرفش ييجي عنده تدريب اسكواش علشان البطولة خلاص قربت.

هزت راندا راسها موافقة ثم استأذنت منصرفة لتجهيز الغذاء.

صعدت همس الى غرفتها بعد ان تناولت بعض لقيمات كي لا تلفت انتباه الموجودين لعدم رغبتها بالطعام فتبدأ الاسئلة تنهال عليها، استئذنت لترتاح قليلا بينما جلس عصام مع نزار قليلا لاحتساء الشاي قبل ان يذهب لملاقاة والديه في المطار...

رن جرس الهاتف لدى همس فرفعت الهاتف ليطالعها رقم غريب قطبت حائرة ولم ترد فليس من عادتها الرد على ارقام غريبة وما لبث ان تردد الاتصال فأجابت خاصة وانها لاحظت انه رقم دولي ما ان فتحت الاتصال حتى سمعت صوت قاسيا يقول:
- هتهربي مني فين يا همس؟ انا بحذرك. اوعى يتقدم لك ولا تعملوا أي شيء، انا جاي على اول طيارة يا همس واشوفك هتعرفي تهربي مني ازاي؟

اغلقت همس الهاتف بسرعه من دون ان تجيبه وما لبث ان تصاعد رنينه ثانية فخافت ان تلتفت اليه وما ان حانت منها التفاته اليه حتى تنفست الصعداء فقد كان اسامة الذي صمم على الرجوع الى مصر معها، فتحت الاتصال وقالت بابتسامة صغيرة:
- اهلا اسامة.
انصتت قليلا ثم قالت: - لا الحمد لله.
تلعثمت قليلا ثم لم تلبث ان عقدت عزمها وقالت: - اسامة انت لسه عاوز تتقدم لي؟

هتف اسامة بصوت مرتفع يشي بسعادة جمة: - اكيييد يا همس.
قالت همس بابتسامة خفيفة: - طيب تقدر تكلم بابا في الوقت اللي انت عاوزه انا همهد له انهارده ان شاء الله وشوف انت عاوز تقابله امتى؟

اندفع قائلا: - انهرده!
ضحكت همس عاليا وقالت: - ما ينفعش يا سامة انهرده سيبني أمهّد له الموضوع وأشوف الوقت اللي يناسبه وأبلغك. اوكي؟

أنهت محادثتها معه وهو فرح للغاية من كلامها بينما هي لا تعلم لما هذا الشيء الذي يجثم على قلبها؟ شردت مع افكارها وحدثت نفسها قائلة:.

- انت عارفة يا همس كويس اووي ليه حاسة انك مش فرحانه زي أي واحده متقدم لها واحد بيحبها زي اسامة، لأنه فيه جدار بينك وبينه اسمه مراد! ولازم الجدار دا هي اللي تزيحه من طريقها علشان تحس بالانسان اللي بيحلم انه يرتبط بيها علشان بيحبها هي همس مش علشان انها لعبته اللي مش عاوز يسيبها!

تاج حبيبتي محمود ومها وصلوا انهرده ان شاء الله عاوزين نروح نسلم عليهم .
أجابت ريتاج سؤال أدهم وهي تخفض كتابها الذي تقرأه جانبا وهي جالسة فوق فراشهما العريض:.

- وماله يا حبيبي. عموما انا هكلم مها انهرده اسلم عليها ونتفق نروح لهم وبصراحه انا بفكر اعزمهم يوم الجمعه الجاية نقضيه سوا وهقول لراندا كمان وانت قول لنزار انت عارف جوز اختك حنبلي ازاي هيقول ادهم ما قاليش مراته اللي قالت لمراتي يعني ستات في بعض!

قالت عبارتها مقلدة نزار في طريقة كلامه مما جعل ادهم يضحك عاليا ثم قام من كرسيه متجها اليها وجلس بجوارها قائلا بضحكة:
- بأه نزار شكله بيكون حلو اووي كدا وهو بيتكلم؟
نظرت اليه ريتاج بمرح قائلة: - معرفش بصراحه انت ايه رأيك؟
أجاب بابتسامة عابثة: - رأيي انه مافيش احلى من نزار اللي قاعد جنبي دا!
ليصدح صوت ضحكات ريتاج عاليا...

طيب ممكن تفهمني فيه ايه بس يا مراد؟ ليه مش عاوز تكون موجود والعيلة كلها متجمعه عندنا انهرده؟ .

تساءل شمس وهي تطالع مراد الذي كان في غرفته يجهز نفسه لقضاء اليوم خارجا وكانت احواله منذ ان عاد من سفرية لبنان مختلفة حتى ان والده ووالدته قد سألاه كثيرا عما حدث في سفرته جعله على هذه الصورة من الكتمان والبرود الذي زاد عن المعتاد، فقد كان شبه منعزل في غرفته لا يأتي المنزل الا للنوم او لتبديل ثيابه للخروج ثانية اما في العمل فلم يكن يخوض أي نقاش خاص مع أي من والديه، نظر مراد ببرود الى شمس وقال:.

- بقولك يا شمس انا ماليش مزاج لقاعدتكم دي...
قالت شمس بابتسامة: - حتى لو عرفت ان همس جايه؟
قال مراد بهدوء لم يفضحه الا اهتزاز عضلة فكه دليل توتره: - ما تيجي اهلا وسهلا هعملها ايه يعني!
ثم توجه الى باب غرفته ليغادر هاتفا بشمس التي تحاول إثنائه عن المغادرة: - اطلعي من نافوخي يا شمس.
وفتح الباب ليفاجأ بوالده واقفا امامه، نظر اليه قليلا قبل ان يقول لابنته من دون ان يحيد بنظره عن ابنه:.

- سيبينا لوحدنا شوية يا شمس.
أومأت برأسها ايجابا وتمتمت منسحبة بينما دخل ادهم مغلقا الباب وراؤه ووقف امام ابنه قائلا له بهدوء وقد وضع يديه في جيبي بنطاله:
- على فين كدا ان شاء الله؟ انت مش عارف ان عمك وعمتك وعيلتهم جايين انهرده؟ حتى اسلام وعصام ومهدي جايين ايه اقولهم انت روحت فين؟

سار مراد عائدا الى وسط الغرفة وأولى والده ظهره وهو يجيب: - جايين لكم انتم مش انا، وعموما عصام واسلام ومهدي بشوفهم يوميا تقريبا هما جايين يشوفوك انت وماما.

قال أدهم ببرود: - مراد بص لي!
التفت مراد اليه وتنهد عميقا وقال: - نعم يا بابا، أفندم؟ انت محسسني اني لسه ولد صغير!
أجاب ادهم وقد اخرج يديه من جيوبه قائلا بحده قليلا: - لما تبقى تصرفاتك تصرفات واحد كبير ومسؤول ساعتها اتعامل معاك انك كبير، انا عاوز أسألك سؤال يا مراد مين كبير عيلة شمس الدين؟

قطب مراد واجاب: - حضرتك
أدهم بحزم: - ومن بعدي مين؟
مراد متأففاً: - مين يا بابا؟ ليه الكلام دا؟ عموما اكيد عمي محمود!

قال ادهم بغلظة: - مش بقولك مش فاهم حاجه! انا وعمك محمود الجيل اللي فات لكن انتو الجيل اللي جاي وحضرتك اللي هتكون كبير عيلة شمس الدين من بعدي فهمت؟ والكبير لازم يتصرف على الاساس دا. يعني فيه حاجات كتير بتكون مغصوب عليها بس بيكون مضطر لها علشان العيلة، عمك ومرات عمك رجعوا من السفر تقدر تقول لي رفعت سماعه التليفون سلمت عليهم؟ وما تقوليش دي اجتماعيات ومعرفش ايه انت رجل اعمال وعارف ان العلاقات الاجتماعية دي أد ايه مهمة في شغلنا فما بالك بالنسبة للعيلة الواحده؟

صمت لثوان أردف بعدها بجدية شديدة وهو يستدير منصرفا: - مراد ما ينفعش الجزيرة المنعزلة اللي انت عايش فيها لوحدك ومع نفسك دي، واذا كان على همس...

نظر مراد الى والده بريبة بينما اكمل ادهم بخبث: - ابقى اعمل نفسك مش شايفها. اتقل! ايه ماتعرفش تتقل؟!
ثم ضحك بمكر وخرج بينما ترك مراد يرغي ويزبد وهو يهتف حانقا في نفسه: - ماشي يا بوس، بتتريق عليّ! انت مش عارف انا عاوز ابعد ليه؟ علشان مش عاوز النار اللي جوايا تطول أي حد لانها لو طلعت من جوايا هتحرق اللي يقف في وشها وانا مش عاوز أحرقها! هصبر عليها، بس كل صبر وله آخر!

تناول الجميع طعام الغذاء وسط مرح وصخب ولاحظت راندا هدوء مها الملحوظ وشرودها بين كل حين وآخر وكانت تشير بعينيها الى ريتاج التي كانت توافق بهزة بسيطة من رأسها بينما انشغل الرجال في الحديث عن العمل وان كانت ريتاج قد لاحظت الهمس الذي دار بين ادهم زوجها ومحمود لدى حضوره هو ومها وما لبث ان غيرا الحديث لدى انضمامهما اليهما قبل ان يحضر الباقيين، كما لاحظت بعض الشحوب على وجه صديقتها وازدياد الشعيرات البيضاء التي تتخلل شعر محمود البني وكأن من يراه يحسبه من عمر أدهم وليس أصغر ب 5 سنوات!..

انت بتقول ايه يا بابا؟
سألت همس والدها فيما كانا يسيران في الحديقة تاركين الباقين جالسين وكان قد طلب نزار من ابنته مرافقته قليلا للسير سوية عندما همس لها بذلك بينما كانت تجلس بجواره، قال نزار وهو يضع ذراعه حول كتفيها بحنان أبوي:.

- بقولك ان مخرج البرنامج بتاعك اسامة عبد الحميد جالي الشركة انهرده وعرفنى بنفسه وطلب انه يتقدم لك رسمي وطلب منى معاد علشان يجيب والده ووالدته وييجوا يزورونا في البيت! السؤال هنا بأه ليه ما قولتليش حاجه؟

هربت همس بنظراتها من والدها وقالت بتلعثم خفيف: - هو بصراحه فاتحنى في الموضوع واحنا في لبنان وانا كنت هقول لحضرتك بس انا كنت...

قاطعها قائلا: - انا عارف يا بنتي انت كنت ايه؟ انت كنت مترددة! ما تستغربيش! انا حاسس بيكي كويس اوي يا همس، بصي حبيبتي انا عارف انك من صغرك وهما بيقولوا همس لمراد. صعب انى اقولها كأب بس لازم اكون صريح معاكى علشان تعرفي انت عاوزة ايه وماتعيشيش في الحيرة دي كتير، يا ترى تعلقك بابن خالك دا تعود؟ ولا انت شوفتى فيه فعلا مواصفات فارس احلامك؟ معلهش يا همس لو سألتيني رأيي فيه كأب هقولك انا خايف منه؟

قطبت متسائلة: - ليه يا بابا خايف منه؟

أجابها وهو يعاود المسير معها متأبطا ذراعها: - غموضه مش مريح ابدا وبعدين بيتصرف من ناحيتك بطريقة فيها نوع من التملك! دا يا بنتي لسّه لغاية دلوقتي ما اتقدمش يخطبك رسمي وفي نفس الوقت بيتدخل في كل صغيرة وكبيرة تخصّك يمكن أكتر مني أنا ومهدي أخوكي كمان! لكن اسامة، صحيح أنا معرفوش لكن ارتحت له وتوسمت فيه نبل الاخلاق والتفاهم وكان واضح وصريح في كلامه معايا، بصي يا همس حبيبتي اهم حاجه يكون انت وزوجك بينكم درجة تفاهم عالية انت عارفة. والدتك من نظرة واحدة بس بتفهم انا عاوز اقول ايه، يمكن انا غامض برّه مع الناس التانية لكن معاها هي لا، مش بقدر، بتقراني ومن هي لسه عندى طالبه في الكلية مش من بعد ما اتجوزنا لأ، وعشان كدا لازم تسألي نفسك سؤال مهم. انت تقدري تعيشي مع غموض مراد؟ طيب ولو غموضه دا كان السبب انه المشاعر اللي جواكى دي تموت هتكملي ازاي؟ فكري يا همس وصلي استخارة وانا هسأل على زميلك ولو انى مبدئيا موافق انا عارف طبعا ان مامتك هتزعل مني ويمكن تخاصمني لكن انا ماعنديش اغلى منك انت وريما وعاوز اطمن عليكم مع ازواج محترمين يقدروكم ويستاهلوكم بجد...

اتفضلي اقعدي هنا وقوليلي مالك بالظبط فيكي ايه؟ . هتفت ريتاج بسؤالها في مها وهي تجلسها على المقعد بالقوة وكانت قد قادتها الى غرفتها معللة ذلك انها تريد مشاورتها في أمر ما وكانت راندا بانتظارهم بالغرفة، اغلقت ريتاج الباب وراءها وقالت لمها وهي واقفة امامها تتخصر:
- عارفة يا مها لو ما قرِّيتيش دلوقتي حالا وقلت فيكي ايه مش هيحصلك كويس؟ انت ومحمود شكلكم غريب بصراحه، فيه ايه عاوزة اعرف؟

راندا وهي تضع يدها على يد مها الجالسة بجوارها وقد زاغت نظراتها: - فيه ايه يا مها؟ انت عارفة اننا اكتر من الاخوات انا ملاحظة سرحانك والنظرات اللي كانت بينك انت ومحمود فيه ايه بالظبط؟

تنهدت مها بصوت مسموع وقالت: - هقولكم. وعلى فكرة يا ريتاج من غير ما كنت تسأليني كنت هصارحكم لأني ماليش غيركم بعد ربنا ووفاة بابا وماما الله يرحمهم.

جلست ريتاج على الاريكة امامها وقالت مقطبة: - طيب فيه ايه اتكلمي.
قالت مها مشيحة بنظراتها: - سفري لفرنسا انا ومحمود مش علشان شغل ولا شهر عسل زي ما كنتنو فاهمين انا كنت رايحه اعمل تحاليل وفحوصات!

قالت راندا مستفهمة: - ايه؟ تحاليل وفحوصات؟ علشان ايه يا مها؟ تشيك – أب كامل مثلا؟
أجابت مها مبتسمة بحزن: - لا يا روني حبيبتي، انا هنا كنت عملت تحاليل واشعة وحبينا نتأكد فسافرت بره واتأكدنا!

زفرت ريتاج بضيق وهتفت منفعلة: - اتأكدتم من ايه يا مها؟ يا بنتي ما تتكلمي من غير ألغاز!
عضت مها على باطن شفتها السفلية وقالت بصوت مهتز: - انا، انا لازم أعمل عملية في اقرب فرصة!
شهقت ريتاج وراندا عاليا وكانت ريتاج من افاقت ذهولها سريعا لتهتف بهلع ونظرات يملؤها القلق:
- عملية؟ عملية ايه دي؟

اجابت مها وهي تحاول ان تتمالك نفسها كي لا تنفجر بالبكاء: - انا، من فترة كنت ملاحظة حاجه غريبة فيا ولما روحت للدكتور وعملت التحاليل والاشعه اللي طلبها مني وطلعت النتيجة سافرت فرنسا قلت علشان اعمل تحاليل تاني وأشوف حالتي وصلت لإيه بالظبط! انا، انا عندي سر، سرطان الثدي!

شهقت راندا عاليا وسرعان ما غامت عينيها بالدموع بينما حملقت فيها ريتاج وقالت بصوت مختنق:
- مها انت بتقولي ايه؟
لتنفجر مها في البكاء التي كانت تخنقه بداخلها كي لا يراها محمود فقد كانت ترسم على شفتيها ابتسامة دائمة كي لا تزيد من حزنه وتشعره دائما انها متفائلة بينما هي داخليا خائفة بل وترتجف خوفا، لتحتضنها ريتاج بين ذراعيها وهي تمسد شعرها وتقول لها بصوت أرادته قويا كي لا تزيد في بكائها:.

- كدا يا مها حبيبتي؟ احنا مش اخوات؟ ما قولتوش ليه؟ ليه تشيلي كل دا في قلبك؟

قالت مها وقد ابتعدت عن ذراعي ريتاج وهي تمسح دموعها: - ادهم بس اللي كان عارف محمود قال له ووصّاه ما يجيبش سيرة لحد لغاية ما نرجع ما كنتش عاوزاكو تعيشوا الوقت الصعب اللي فات دا معايا!..

هتفت ريتاج بعصبية: - انت اتهبلت؟ اومال اخوات ايه بأه؟ وادهم عارف وما يقوليش؟
راندا وصوتها محمل بالبكاء: - اخص عليكي يا مها انت مش مرات اخويا لأ. انت اختي انا!

مها بوجه أحمر وعينان دامعتان وصوت مغلف بنبرة البكاء: - يا جماعه كنتو هتعملوا لي ايه يعني؟ انا لغاية ما سافرت فرنسا انا ومحمود وكان عندنا امل التحاليل والاشعة اللي عملتها هنا تطلع غلط، لكن اتفاجئنا انها صح وانى لازم اعمل العملية في اسرع وقت، ساعتها اخترت انى اعملها وانا بينكم وبين ولادى علشان لو لا قدر الله جرالي حاجه ما موتش غريبة في بلد غريبة وتكونوا جنب محمود، حتى هَنا بنتي ما تعرفش هقولها لما نحدد معاد العملية انا شوفتها هي وبنتها الحمد لله واطمنت عليهم.

ريتاج وهي تضع ذراعها على كتف مها: - انت عارفة؟ انت هتقومى بالسلامة ان شاء الله وهتفرحي بولادك بإسلام وعصام وبولادهم وولاد شهد كمان ايه رايك؟

ابتسمت مها من بين دموعها وقالت: - انت عارفة يا ريتاج، الامل اللي بحسه في كلامك والقوة اللي بحسها منك دي كان سبب انى ارجع واعمل العملية هنا.

ثم نقلت نظراتها بين ريتاج وراندا مردفة ودموعها تغرق وجهها: - صدقوني انتو اعز اخوات ربنا رزقني بيهم، وانا مطمنه على محمود واسلام وعصام طول ما انتو جنبهم!

فانفجرت راندا في البكاء بينما احتضنت ريتاج مها ودموعها تسيل بدون صوت من عينيها مغرقة وجهها فها هي صديقة عمرها وتوأمها الروحي تواجه الموت وهي تقف مكتوفة اليدين لا تستطيع سوى الدعاء لها والصلاة بأن يكتب الله لها الشفاء العاجل!..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة