قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية كبرياء أنثى (نساء متمردات ج2) للكاتبة منى لطفي الفصل الخامس والعشرون

رواية كبرياء أنثى (نساء متمردات ج2) للكاتبة منى لطفي الفصل الخامس والعشرون

رواية كبرياء أنثى (نساء متمردات ج2) للكاتبة منى لطفي الفصل الخامس والعشرون

افاقت شمس من غفوتها على صوت رنين هاتف الغرفة لتفاجأ بنفسها راقدة فوق الفراش على نفس وضعها منذ انهيارها في البكاء بعد مغادرة اسلام وهو في حالة غضب شديد...

زحفت فوق الفراش لتصل الى الهاتف الموضوع فوق الجارور بجانب السرير ورفعت السماعه قائلة بصوت يحمل حشرجة واضحة:
- آلو...
قطبت همس التي كانت على الطرف الآخر من الهاتف وابعدت السماعة قليلا عن اذنها لتنظر اليها بحيرة ثم اعادتها ثانية الى اذنها وهي تقول مستفهمة:
- شمس؟، انت كنت نايمة ولا ايه؟، صوتك متغير!

عضّت شمس على شفتيها لتمنع نفسها من الانخراط في موجة بكاء حارة داهمتها وقالت محاولة التماسك بعد ان سعلت قليلا لتجلي صوتها:
- لا يا همس يا حبيبتي ما فيش حاجه، عيني اظاهر غفلت بس.
قالت همس مقطبة: - اومال فين اسلام؟، نايم هو كمان؟، انا برن لك من مدة ما حدش بيرد قلقت بصراحة!
أجابت شمس وقد بدأ تماسكها المزعوم بالإنهيار: - همس، اسلام. يا همس!
هتفت همس بفزع: - مالو اسلام يا شمس؟

أجابت شمس بصوت متقطع من غصات بكائها المتلاحقة وهي تقرص على شفتيها محاولة منع نفسها من الانهيار:
- طلع من...
وسكتت لتطالع ساعة يدها الموضوعة بجوار الهاتف لتفاجأ بمرور ساعتين منذ ان غادرها اسلام فتابعت وقد بدأت صوتها يعلو بالبكاء:
- طلع من ساعتين، اسلام سابني وخرج معرفش راح فين يا همس وانا هتجنن!
قالت همس بجدية: - انتم اتخانئتم؟

عضت شمس على شفتها السفلى قبل ان تجيب بصوت مهزوز: - أصل. أصله عرف، عرف باللي عملته يوم فرحنا!
شهقت همس عاليا وقالت وعينيها مفتوحتين على اتساعهما: - انت بتقولي ايه؟، اسلام عرف؟
أكدت شمس من بين شهقات بكاؤها الحار: - عرف يا همس وانا مش. مش عارفة. أعمل. اعمل ايه يا همس؟،.

قالت همس سريعا: - طيب اهدي يا شمس اهدي حبيبتي. ثوانى وانا عندك، ايه؟، لا طبعا مش هقول لمراد. يا بنتي مالكيش دعوه انا هتصرف. ياللا سلام.

أنهت همس محادثتها الهاتفية مع شمس وحمدت ربها ان مراد في الحمام فطرقت الباب وقالت بصوت طبيعي:
- مراد حبيبي انا هروح لشمس شوية على ما تخلص الشاور بتاعك...
سمعت صوته عاليا يأمرها بالانتظار ثم ما لبث ان فتح مراد باب الحمام قليلا وقال والصابون يغطي وجهه:
- هتروحي لشمس؟، طيب استني هخلص حمامي ونروح لهم سوا...

قالت وهي تستعد للانصراف: - لا انا هسبقك. اصل شمس عندها صداع، هدّيها قرصين بنادول عشان تعرف تخرج معانا. خلّص حمامك وكلّمني. سلام حبيبي.

وانصرفت سريعا قبل ان يعيقها ثانية فما كان منه الا ان قطب بحيرة من امرها ثم هز كتفيه بلامبالاة واغلق باب الحمام...

- يا بنتي اهدي شوية، عينيكي بئيت زي كاسات الدم من كتر العياط.
قالت شمس المرتمية فوق الفراش بجوار همس: - مش. مش قادرة يا همس. حاسة انى هموت. خايفة عليه أوي، من ساعة ما خرج ما اعرفش عنه حاجه، وكلمته كتير على الموبايل بس مقفول.

زفرت همس بيأس وقالت وهي تربت على كتف شمس: - مش عاوزة اقولك انك غلطانه وانه عنده حق يزعل وافكرك انى عارضتك لما قولتيلي على اللي ناويه عليه، لكن عموما كل دا كلام لا يودي ولا يجيب، اهم حاجه دلوقتي. ازاي تخلي اسلام ينسى اللي عملتيه؟!

رفعت شمس رأسها قليلا تنظر الى همس وقالت من بين شهقات بكائها المتلاحقة: - ما. ما اعتقدش انه. انه. هينسى يا همس. انا. انا خايفة يرجع. يرجع مصر ويسيبني لوحدي...

ضحكت همس ساخرة وقالت: - يا سلااااام!، هيسافر ازاي يا هانم وانتو المفروض في شهر العسل اللي اتقلب بفضل سيادتك بصل؟، وناسية كمان يا هانم انى انا ومراد اخوكي معكم؟، حبيبتي. اسلام بيحبك وزعله دا شيء طبيعي، المفروض انت بأه اللي تحاولي تصالحيه وتنسِّيه عملتك المهببه في حقه.

قالت شمس وقد انحسرت نوبة البكاء التي أصابتها قليلا بعد أن لاح لها بصيص أمل في أن يعفو عنها إسلام ويغفر لها غبائها:
- يعني اعمل ايه بالظبط؟
نظرت اليها همس غامزة بمكر: - اعملي عروسة.
فغرت شمس فاها دهشة وتساءلت: - نعم؟، اعمل عروسة؟، واعملها ازاي دي؟
مالت همس على أذن شمس وأجابت بخبث غامزة بعينها اليمنى: - انا هقولك ازاي!..

دخل اسلام الغرفة واغلق الباب خلفه بهدوء، سار قليلا الى الداخل فلم يسمع صوتا، قطب وتحدث هامسا مع نفسه:
- غريبة. راحت فين؟!
تابع سيره الى داخل الغرفة وهو ينصت بانتباه فسمع خرير المياه المنسابة في الحمام فاطمئن لوجودها...

لا ينكر ضيقه وغضبه منها ولكن في ذات الوقت هي زوجته وحبيبته وخشي ان تكون قد غادرت الغرفة بدون ان تترك له علما بمكان وجودها، هو يعلم تماما انها لن تلجأ لأخيها ولن تذكر ايا مما حدث له. فهذه أمور خاصة ولذلك يخشى من اندفاعها في التصرف برعونة كعادتها وبدون مشورته.

سكت صوت انسياب الماء في الحمام فعلم انها انهت حمامها، جلس على الكرسي المواجه للباب بينما خرجت شمس ملتفة بمنشفة عريضة واخرى صغيرة فوق شعرها ولم تنتبه لوجوده، سارت حتى وقفت امام مرآة الزينة وأزاحت المنشفة الصغيرة من فوق شعرها ثم هزت رأسها يمينا ويسارا بقوة ليتناثر شعرها حول وجهها بينما لمعت كتفيها المرمرتين بقطرات المياه المتناثرة من خصلات شعرها الكستنائي...

لمحت انعكاس صورة اسلام وراءها في المرآة فشهقت شهقة خفيفة من المفاجأة فهي لم تشعر بوجوده في الغرفة معها...

قام اسلام من كرسيه وسار حتى وقف خلفها ونظر الى صورتها المنعكسة في المرآة امامه وقال رافعا حاجبه بسخرية بينما وضع يديه في جيبي بنطاله:
- ايه. اتخضيتي؟، اومال مين يعني اللي هيكون موجود معاكي غيري يا زوجتي العزيزة؟

ابتلعت شمس ريقها بصعوبة وأجابت بتلعثم طفيف ناظرة الى صورته امامها: - لا ابدا، بس اصلي ما اخدتش بالي انك رجعت من بره.
قال اسلام بينما طارت عيناه الخائنتين تلتهمان تفاصيل عنقها الأبيض الطويل القابع فوق كتفيها الناعمتين اللتان تتحديان يديه التي تتمنى ملامستهما للشعور بنعومتهما تحت أصابعه مما جعله يكور قبضتيه في جيبيه منعا من ان ينفذا رغبتهما بملامسة بشرتها الحريرية والإحساس بها بين يديه:.

- سلامتك من الخضة، ياللا كملي لبس علشان ما تبرديش، وبعدين مش عاوزين نتأخر على مراد وهمس هما مالهومش ذنب في مشاكلنا.

التفتت شمس اليه ونظرت اليه بتضرع قائلة برجاء حار: - اسلام حبيبي ارجوك تسمعني. أنا...
قاطعها هاتفا بحدة: - شمس. انا سمعتك بما فيه الكفاية، ولولا اننا عرسان وعامل خاطر لوجود اخوكي معانا هنا. كان هيبئالي تصرف تاني معاكي خالص، فأرجوكي ما نتكلمش في الموضوع دا على الاقل دلوقتي.

هم بالانصراف وتركها عندما أمسكت به بصورة لا إرادية قلبضة بيدها الصغيرة على ذراعه قائلة بلهفة:
- ارجوك يا اسلام، انا مش هعرف اضحك قودام أي حد وانا عارفة انك زعلان مني.
نظر الى يدها فوق ذراعه وقال محاولا ازاحة يدها: - شمس. انا قلت لك مش عاوز اسمع أي تبرير لانه مافيش أي مبرر للي انت عملتيه دا في رأيي.

وقفت أمامه تسد عليه طريق المرور وقالت وهي تضع راحتيها الصغيرتين على صدره العريض رافعة عينان كبركتي العسل المصفى تنظران اليه والدموع تلمع في مقلتيهما مما أكسبهما بريقا يخطف الأبصار:
- ارجوك يا اسلام. لازم تعرف انى بحبك. والله بحبك يا اسلام، واللي انا عملته دا. كنت بنفِّس فيه عن غضبي من طريقتكم في فرض معاد الفرح عليا!

امسك اسلام بمعصميها بين يديه بقوة مزيحا اياهما من فوق صدره وهو يصيح صارخا بغضب شديد:
- بالكدب يا شمس!، بأنك تفسدي علينا احلى ليلة!، انا كان عندي أهون 100 مرة انك ترفضي معاد الفرح عن انك تعملي اللي عملتيه دا.

هزت شمس برأسها يمينا ويسارا وقالت بينما دموعها تنهمر تغسل وجنتيها شديدتي الإحمرارمن شدة البكاء:.

- انا غلطت ومعترفة بكدا. انت ليه مش عاوز تفهمني؟، اسلام انا اللي عملته دا مش معناه انى بكرهك ولا انى وافقت شفقة وبعدين اكتشفت انى اتسرعت ولا اني عاوزة افرض كلمتي عليك، ابدا!، انا اتصرفت وانا كنت منفعلة. تقدر تقول ما فكرتش كويس أو حتى اتغابيت!، لكن مش ممكن كنت اوافق عليك وانا مش بحبك، ولا حتى شفقة بعد موضوع الحادثة زي ما بتقول، لو مش بحبك ولا أي شيء كان ممكن يخليني على اقبل بارتباطنا ببعض من الأساس.

ترك معصميها وأجاب ناظرا اليها بغضب مشبع بالأسى: - للأسف يا شمس. لازمني وقت علشان أهدى وأنسى اللي انت عملتيه. ولازمك انتي كمان وقت علشان تثبتي لي انى غلط وانك صح، وصدقيني. أتمنى فعلا إني أطلع غلط، مع انى متأكد انى صح والأيام هتثبت لك ان رأيي كان مظبوط وانك ما وافقتيش الا علشان احساسك بالذنب لخناقتنا قبل الحادثة...

ما ان انهى حديثه حتى استدار اسلام ليسير مبتعدا عنها عندما واجهته شمس بكلمة طرقت سمعه كالقنبلة:
- انت اناني!
وقف مكانه متسمرا بينما سارت حتى وقفت على مقربة منه وقالت وهي تطلع الى ظهره بينما نبرة صوتها تعلو وجسمها يهتز من شدة انفعالها:
- ايوة أناني. ومابتحبنيش!، ودلوقتي بس انا اللي اتاكدت ان ارتباطك بيا كان عن تعود منك لوجودي في حياتك مش عن حب أو أي حاجه تانية!

استدار اسلام ببطء ناظرا اليها كمن يرى كائن غريب هبط أمامه فجأة من الفضاء الخارجي، عقد بين حاجبيه بشدة وكرر كلامها بينما يتابع اقترابه منها:
- ايه؟، اناني؟، ارتباطي بيكي تعود؟
وقف امامها وتابع مستنكراً بغضب مكبوت: - انت بتقولي ايه؟
رفعت رأسها ناظرة في عينيه تماما وهي تجيب بقوة: - بقول انك اناني وانك ما بتحبنيش زي ما بتقول.

امتدت يداه تقبضان على ذراعيها البضّتين وقال وهو يهزها بعنف: - ايه، طريقة جديدة دي علشان تقلبي الأدوار؟، عاوزة تحسيسيني بالذنب علشان تبريرك للي عملتيه دا ما أقنعنيش قلتي أقلب الترابيزة عليه وأخليه يحس انه هو اللي غلط في حقي؟

هتفت شمس بقوة: - واللي انت عملته يا اسلام؟، تسميه ايه؟
نظر اليها مندهشا وقال صارخا: - عملت ايه؟، انت هتجنِّيني؟
نظرت اليه بثبات وبعد ان كانت تحاول دفعه بعيدا ثبتت في مكانها ولا تزال قبضتيه تمسكان بها بشدة وأجابت بتحد:
- انت حرمتني من انى افرح زي أي عروسة يا اسلام.
نظر اليها مقطبا وقال بحنق: - انت بتقولي ايه؟

أجابت صارخة ودموعها تسيل مغرقة وجهها: - هي دي الحقيقة، حرمتني من حقي إني أختار يوم فرحي، من اني احس انى عروسة عريسها ملهوف عليها وكل شوية يتحايل عليها علشان يقدموا فرحهم، انت. انت حتى حرمتني من اني اختار فستان فرحي بنفسي!، انا عرفت بيوم الفرح زيي زي المعازيم وبعد دا كله جاي تقولي انت عملت ايه؟

ثم ضحكت ساخرة وتابعت: - انت حتى يا مؤمن ماعرفتنيش هنقضي شهر العسل فين؟، انا عرفت من همس!، حتى دي حرمتني من اني اختار المكان اللي نفسي أروحه مع عريسي اللي هو إنت! ،.

هتف اسلام بحدة: - ما رفضتيش ليه؟، كنتِ ممكن ترفضي وطنط تاج كانت هتقف معاكي بدل الحيلة الرخيصة اللي انت عملتيها علشان تاخدي بتارك مني.

جذبت ذراعيها من قبضتيه بقوة وأجابت ساخرة بصوت خرج متحشرجا يحمل بحة البكاء: - آآآآه. أرفض!، ارفض ازاي بعد ما حددتم كل حاجه؟، انتو حسيستوني انى لو رفضت هبقى زي الطفلة اللي بتقول لأ لمجرد ال لأ وخلاص.

أجاب اسلام وقد صدمته كلماتها والمرارة التي تقطر منها: - انا كنت عاوز فرحنا يتم انهرده قبل بكرة علشان بحبك وكنت بحلم باليوم اللي ما تبعديش عني فيه، ما كنتش مصدق نفسي لما وافقتي اننا نتجوز، خفت تغيري رأيك، خفت إحساسك بالذنب يكون هو اللي بيحركك وشوية وتفوقي منه!، أنا بعترف لك انى أناني!، بس أناني في حبي ليكي، قلت لما نتجوز ويتقفل علينا باب واحد هقدر أخليكي تحبيني زي ما بحبك، وهعمل أي حاجه علشان ما تندميش في يوم انك وافقتي على ارتباطنا، ما بصّتش لا لفستان فرح ولا لأي حاجه من اللي انت بتقوليها دي، كان كل همّي عروستي. اللي هيّا إنتي يا شمس.

أجابت شمس بصوت حزين: - وما صارحتنيش ليه؟، حسيستني إني ماليش أي أهمية وكأن رأيي دا حاجة مسلّم بيها!، انا منكرش ان الفرح كان ولا فرح قطر الندى وفستان فرحي وجهازي كله ما كنتش هجيب اروع من كدا. بس دا حقي في الاختيار!، انا مش هتجوز غير مرة واحده بس. وكنت عاوزة افرح زي أي عروسة، كان جوايا غضب كبير وخيبة امل أكبر!، حاسيت إني لو ما نفستش عنهم اني هيجرالي حاجة، لاقيت ان دي الطريقة الوحيدة اللي تخليني أفش غلّي شوية، حبِّيت أخليك تحس بنفس إحساسي لما حرمتني من حقي اني افرح بجد، وزي ما فيش مبرر بالنسبة لك للي أنا عملته إنت كمان مالكش مبرر عندي!، مش سبب أنك عاوزنا نكون مع بعض انهرده قبل بكرة، ليه ما قولتليش؟، ما حاولتش تتكلم معايا حتى؟، كل دا خلاني حسيت أني واحده هبلة في نظرك أهي هترضى وتوافق باللي تقوله، ومش لازم رأيها. مش مهم، المهم اللي انت عاوزه وبس. عرفت يا اسلام انت اد ايه وجعتني؟

نظرت اليه قليلا ثم أولته ظهرها فاقترب منها ومد يده مديرا إياها أمامه وقال بينما غطت بيديها وجهها منفجرة ببكاء حار:
- شمس. انا عمري ما فكرت ان الإحساس دا ممكن يوصلك ولا حتى واحد على الألف منه!، انا كل لهفتي كانت عليكي إنتي، أنا...

أزاحت يديها جانبا وهتفت بحدة بينما دموعها تجري على وجنتيها الشاحبتين: - أنا غلطت يا اسلام وكان عندي الشجاعة الكافية انى اعترف بغلطي لما واجهتني. ما هربتش ولا قلت أي أعذار مالهاش لازمة، واترجيتك مرة واتنين انك تسامحني لكن انت مش حاسس بغلطك ولسه بتكابر!، عارف. إظاهر انك فعلا عندك حق!

شحب إسلام قليلا وحاول التماسك وهو ينطق بينما تعالت ضربات قلبه مما ستقوله تلك المجنونة:
- ايه؟، عندي حق؟، عندي حق ازاي يعني؟
أجابت بجدية بالغة: - احنا المفروض ما نتكلمش في الموضوع دا دلوقتي على الأقل لغاية ما نهدى احنا الإتنين، ودلوقتي انا هروح ألبس. أكيد همس ومراد قلقوا، إحنا اتأخرنا عليهم جامد واحنا متفقين نتغدى بره سوا، مش عاوزينهم يحسوا إنه فيه أي حاجة بيننا، مش دا كلامك؟!

وتركته واتجهت الى غرفة الثياب الصغيرة الملحقة بغرفتهما دون أن تسمع جوابه بينما ينظر اسلام في أعقابها مشدوها كيف انه عندما عاد كان ثائرا يهدد ويتوعد في سره ويقسم انه لن يغفر لها فعلتها إلا بعد أن يجعلها تعضّ أصابع الندم، وكيف انها الآن قد قلبت الطاولة عليه وهو الآن المفترض أن يعتذر ويبرر وينتظر سماحها بل ويعض هو أصابعه ندما وحسرة على خطئه في حقها، ليزفر بحنق مقرًّا بحق أن، إن كيدهن عظيم!..

تناولت شمس ثيابها التي تريد ارتدائها ووقفت تلمع عيناها بتحد وهي تقول في نفسها متوعدة:
- ماشي يا اسلام. أنا هجننك لغاية ما انت بنفسك تقول لي خلاص. مش قادر أكمل اللعبة دي، بأه عاوزنا نمثل علشان أخويا بس ما ياخدش باله انه فيه حاجة بيننا؟، حاااضر. اما نشوف مين فينا اللي هيسلم الأول؟!

- انا عاوز افهم. انت ليه رافضة اننا نتمم جوازنا يا يارا؟
ألقى أسامة سؤاله بحيرة وإن لم تخلو من ضيق، ناولته يارا كوب الشاي الذي جلسوا لإحتسائه بعد تناولهم الغذاء فيما استأذنت والدتها من أسامة للذهاب الى غرفتها لنيْل قسطا من الراحة تاركة ابنتها وخطيبها ليتسامرا قليلا، قالت يارا بابتسامة وقد جلست على الأريكة بجواره:
- انا اللي عاوزة افهم ايه سبب استعجالك؟

وضع أسامة كوب الشاي أمامه على الصينية وهتف متعجبا: - مستعجل؟!، يارا احنا مش لسه هنتعرف على بعض!، احنا بنشتغل مع بعض من زمان، وبعدين الشقة وموجودة والعفش ننزل أكبر معرض واختاري الموبيليا اللي انت عاوزاها، ولو عاوزة نجيب العفش من دمياط ما فيش مشكلة ليكي عليا يا ستي افضي لك نفسي يوم نروح دمياط ونشتريه كله في يومها، حبيبتي انا عاوز أحس بالإستقرار في حياتي، أنا مش شايف داعي للتأجيل.

ابتسمت يارا بحزن فأسباب أسامة التي ساقها لإقناعها بتقديم موعد الزفاف تخلو من أهم سبب والذي هو الوحيد القادر على اقناعها بتقديم موعد الزفاف، بل أنها على أتم الإستعداد ان تُزف اليه اليوم قبل الغد، ولكنها تعلم تماما انه لن يتلفظ به، وعلى قدر حزنها فإنها تحترم فيه صدقه، فهو إنسان صادق لن يخبرها بما لا يشعر به حقيقة، لا تنكر أنها كأية عروس تريد أن يلح عليها خطيبها بالإسراع بالزواج لأنه لا يطيق صبرا حتى يجتمعان معا لشدة عشقه لها، فكلمة. حب. لم ترد على لسانه ولو صدفة، أو مجاملة حتى، أو كما يقولها أي خطيب لخطيبته، لذا هي لا تريد الإسراع بالزفاف إلا بعد أن تطمئن من خلو قلب اسامة من حب همس، وليس بالضرورة أن يحبها هي يارا بنفس قوة حبها له، ولكن من اللازم أن تتأكد من نسيانه لحبه لهمس قبل أن تشرع في إتمام الزواج، فهي قد إقتنعت بفكرة أمها من أنها تحبه وأنها قادرة على جعله يبادله ذلك الحب، والى أن تتأكد من ذلك. ستظل علاقتهما. زواج ولكن مع إيقاف التنفيذ، بمعنى. أنه زواج على الورق فقط بعقد قرآن لا غير!..

قال أسامة بتأفف: - يارا حبيبتي انت سرحتي مني وروحتي فين؟
انتبهت يارا من شرودها وتساؤلاتها الصامتة وأجابت راسمة ابتسامة صغيرة على شفتيها:
- ها؟، لا أبدا يا أسامة، بس بقول موضوع الموبيليا مش فارق معايا ممكن ننزل نتفرج على المحلات هنا، مش لازم نسافر دمياط، وبعدين أنا سمعتهم بيقولوا ان فترة الخطوبة أحلى فترة في الجواز وأنا عاوزة أتمتع بيها على أد ما أقدر!

اقترب منها أسامة ليجلس شبه ملتصقا بها وقال وهو يمد ذراعه خلفها فوق مسند الأريكة وقال ناظرا إليها بابتسامة مكر:
- ما انتي اللي مش راضية اننا نحس بحلاوتها، اومال احنا كاتبين الكتاب ليه؟
قطبت يارا وقالت بحيرة: - يعني ايه؟

رفع اسامة يده محيطا وجنتها اليمنى بيده اليسرى بينما تتلاعب أصابع يده اليمنى بخصلات شعرها الثائر وقال وهو يداعب بإبهامه زاوية فمها بينما الشامة التي تقبع على طرف شفتها العليا قد اجتذبت عيناه ومال عليها هامسا بصوت اجش:
- يعني، دا!

وسرعان ما قطف كرز شفتيها في قبلة ملتهبة جعلت ركبتيها تصطكان ببعضهما فحمدت الله على جلوسها وإلا فإنها كانت ستقع أمامه لعجز قدميها عن حملها!، حاولت مقاومته في البداية ولكنها سرعان ما استسلمت بكامل أحاسيسها المثارة، وبما يعتمل في قلبها من حب له هو وحده منذ ما يقارب السنتين، حب لم يبصر النور إلى الآن ولم تفصح له عنه. حتى وهي زوجته شرعا!..

ابتعد أسامة عنها بعد مدة طويلة ليجعلها تتنفس وقال ساندا جبهته إلى جبهتها وهو يتنفس بصعوبة:
- عرفت قصدهم ايه اننا نتمتع بفترة الخطوبة؟، ايه رايك بأه؟، بيتهيألي احنا نتجوز وبسرعة، وأنا أوعدك انك هتتمتعي بكل دقيقة تمر علينا واحنا سوا، ها. قلتي ايه يا حبيبتي؟

أجابت يارا وهي تنظر إلى الأسفل لا تستطيع رفع عينيها إليه خجلا مما حدث بينهما منذ قليل:
- طيب اديني وقت افكر يا اسامة. ممكن؟
أجاب اسامة مبتسما: - ممكن يا قلبي.

- لبنى يا بنتي هتدبري فلوس العملية منين؟
نظرت لبنى القابعة على الكرسي بجوار أحمد ابنها النائم فوق سرير المشفى إلى خالتها أحلام وأجابت محاولة بث الطمأنينة داخلها بينما تعاني هي من عدم احساسها بالاطمئنان:
- ما تخافيش يا ماما احلام. انا قدمت على سُلفة من الشركة بضمان مرتبي وان شاء الله يوافقوا...

ودعت الله في سرها أن يغفر لها كذبتها فهي لم تكن تريد إلّا طمأنت خالتها بينما هي لا تعلم إلى الآن من أين لها أن تدبر مصاريف العملية الجراحية التي ستتكلف مبلغا طائلا لا قبل لها به؟!

قالت احلام بتنهيدة عميقة: - يا رب يا بنتي، إن شاء الله هيوافقوا. ربك ما بينساش عبده أبدا.
قالت لبنى وهي تنهض واقفة: - معلهش يا ماما. انا هضطر أنزل الحسابات تحت. يا ريت تخلي بالك من احمد، انا هروح أدفع جزء من المبلغ اللي علينا.

- احمد شريف المسيري، الحساب مدفوع بالكامل يا مدام، دا غير إنه فيه فلوس كمان تحت الحساب.

وقفت لبنى مشدوهة أمام موظف الحسابات الذي أخبرها بدفع حساب المشفى لأبنها مع وجود أخرى تحت حساب اقامته لديهم، قالت لبنى بحيرة:
- حضرتك متأكد؟
نظر الموظف إلى الأوراق أمامه وأجاب بجدية: - أيوة يا مدام متأكد، الحساب اتدفع ومن أسبوع فات، بالتحديد بعد ما المريض دخل بتلات ايام بالظبط، والتاريخ قودامي أهو!

قالت لبنى بتساؤل: - طيب ممكن أعرف مين اللي دفعه؟، ودفع كم بالظبط؟
نظر الموظف في الأوراق قبل أن يجيب: - المبلغ المدفوع (، )
وذكر لها مبلغا كبيرا يتكوّن من أربعة أصفار ثم تابع قائلا: - و ايصال الدفع طالع بإسم الاستاذ مهدي نزار العايدي.
لم تستمع لبنى لباقي حديث الموظف بل تاهت في ما طرق سمعها واخبرها اياه عقلها من أن مهدي هو من دفع حساب المشفى لولدها!

تذكرت انها هي من دفع مبلغا للمشفى تحت الحساب قبل دخوله إليها وكيف تشاجرت مع مهدي الذي كان يريد الدفع ولم يستطع إقناعها فتركها لتفعل ما يحلو لها والآن فقط فهمت لما تنازل عن رأيه بسهولة!

عصف بها غضب عنيف واتجهت من فورها إلى غرفة ابنها وفتحت الباب لتدلف اليها كالعاصفة وهي تقول لأحلام التي شهقت من طريقتها في الدخول:
- انا رايحه مشوار يا ماما ومش هتأخر.
وقفت أحلام وسارت متجهة اليها وهي تقول بقلق امومي: - رايحه فين يا بنتي دلوقتي؟، وإيه اللي حصل ومعصَّبك أوي بالشكل دا؟

نظرت لبنى أمامها وقالت بجدية بالغة: - رايحه مشوار مهم يا ماما، لازم الناس تفهم اننا مش متسولين ومش منتظرين شفقة وعطف من حد، ولو هشتغل 24 ساعة في اليوم. لكن مش ممكن أقبل إن ابني يتعالج صدقة وإحسان!

واندفعت خارجة من دون ان تعطي مجال لأحلام للاستفسار أكثر من ذلك...

- ممكن أقابل مهدي بيه؟..
نظرت شذى المساعدة الشخصية المؤقتة لمهدي إلى لبنى الواقفة أمامها ترغي وتزبد والتي ألقت عليها بطلب مقابلتها لرئيسها في العمل بحدة لا تخطؤها الأذن!، وتعجبت في داخلها فلبنى من المشهور عنها أنها من النوع الهادئ المبتسم دوما، فكانت تشاهدها كثيرا لطبيعة عملها في المجموعة ولم تكن تضيق بأي استفسار منها أو بأي طلب!

كانت لبنى واقفة تحاول تمالك نفسها بينما سمعت شذى وهي تقول: - أنا متأسفة يا لبنى الأستاذ مهدي عنده اجتماع ضروري ومانع أي مقابلات دلوقتي، عموما تقدري تستنيه هو الاجتماع قرب يخلص.

رفضت لبنى احتساء أي شيء مما عرضته عليها شذى وبعد ان انتهى الاجتماع غابت شذى داخل المكتب قليلا لتخرج داعية إياها للدخول فدخلت كالقذيفة مغلقة الباب خلفها...

نهض مهدي من كرسيه خلف المكتب وسار ليلاقيها في منتصف الغرفة وهو يقول بابتسامة مرحبة:
- إيه المفاجأة الحلوة دي؟
عقدت لبنى ذراعيها ناظرة إليه ببرود ولم تجب تحيّته فقال مقطبا: - فيه ايه يا لبنى؟، مالك؟
ثم اعتراه القلق فتابع بصوت متسائل تكتنفه الريبة: - احمد بخير؟
أجابت ببرود: - الحمد لله احمد بخير، وان شاء الله هقدر أعالجه وهيخف وهيبقى كويس.
قال مهدي متسائلا: - طيب الحمد لله...

ثم اشار إلى جلسة مريحة في أقصى الغرفة عبارة عن أريكة جلدية عريضة ومقعدين كبيرين وهو يقول:
- طيب واقفة ليه. اتفضلي.
قاطعته قائلة رافعة يدها أمامه: - لا مالوش لزوم، أنا عموما مش هاخد من وقتك كتير، هو بس سؤال وعاوزة إجابة عليه. انت دفعت فعلا للمستشفى؟

أجاب مهدي وقد عقد ساعديه بدوره: - آه. هو الموضوع كدا!..
قالت لبنى ببرود: - ايوة الموضوع كدا.
ثم فتحت حقيبتها اليدوية المعلّقة في كتفها وأخرجت رزمة من النقود ومدت يدها اليه بها وهي تتابع:
- اتفضل.
نظر الى النقود التي بيدها وقال بجمود دون ان يمد يده اليها: - ايه دا؟
أجابت لبنى وهي تحرك كتفيها بلا مبالاة: - جزء من الفلوس اللي انت دفعتها، وان شاء الله يومين تلاتة وأدبر لك الباقي.

سأل ببرود ثلجي بينما لمعة الغضب في عينيه تنافي بروده ذلك: - منين؟
نظرت اليه ساخطة وهي تهتف بحدة: - مش مشكلتك منين، المهم انك تاخد فلوسك. ومتشكرة جدا على تعبك معايا، بس معلهش. ياريت ما تتكررش تاني لأني مش هعالج ابني شفقة وإحسان!..

فك مهدي ذراعيه وتقدم ناحيتها ببطء وهو يقول بهدوء غامض من يعرف مهدي تمام المعرفة يعلم أن هدوءه هذا ما هو إلا مقدمة لإعصار قادم من الغضب العنيف:
- شفقة وإحسان!، امممم...
ثم سرعان ما قبض على ذراعها متابعاً بهسيس غضب من بين أسنانه التي أقسمت أنها قد سمعت صريرها وهي تحتك ببعضها البعض من شدة الغضب:.

- أنا لما دفعت الفلوس يا هانم ما كانش في بالي لا شفقة ولا احسان، أي حد مكانى كان هيعمل كدا، انا حطيت ابنك مكان ابن اخويا. لو دا حصل له لا قدر الله كنت هعمل نفس اللي عملته دا، لا هو عطف ولا شفقة ولا أي حاجه أبدا من الهرتلة اللي انت بتقوليها دي.

قالت محاولة سحب ذراعها من قبضته: - وما قولتليش ليه؟، وبعدين إنت لا عمُّه ولا خالُه ولا ليك أي صفة خالص. يبقى تدفع فلوس علاجه ليه؟

هتف صارخا: - بحق الإنسانية على الأقل!، ابنك طفل لازم يتعالج ومالوش دعوه ان علاجه غالي أو انت معاكى أو لأ، لو الوضع اتعكس وانت اللي تقدري تدفعى وانا موظف عندِك في الشركة. كنتِ هتدفعي من نفسك ولا هتستني لما اطلب؟

تلعثمت قليلا ولكنها أجابت بصدق: - لا. كنت هدفع من غير ما تطلب.
قال محتدا وهو ينفض ذراعها بعيدا عنه بقوة: - ودا اللي انا عملته بالظبط، ابنك أهم حاجه دلوقتي انه يخف، الفلوس دي آخر حاجه تفكري فيها.

أجابت وهي تحاول تمالك نفسها: - بس أنا الحمد لله معايا، على الأقل لغاية دلوقتي!، فيا ريت تاخد المبلغ دا، وأرجوك أنا عاوزة أحس انى ما مديتش إيدي أشحت على علاج ابني!

كاد مهدي ان يشد شعر رأسه غضبا منها وهو يهتف حانقاً: - شحاتة ايه؟
أجابت وقد بدأت شفتاها ترتعش وصوتها يحمل غصة بكاء: - ارجوك يا مهدي. عاوزة أحس إنى أم بجد!، مش عاوزة أحس اني قصرت من ناحية ابني.

نظر اليها مهدي مندهشا وقال بنزق: - انت بتقولي ايه؟، وإيه اللي حصل لدا كله؟
انفجرت صائحة وقد انهارت واجهتها الباردة تماما: - مش عاوزة شريف يطلع معاه حق!، مش عاوزاه يشمت فيّا!، مش عاوزاه يقول لي. أنا قلت لك قبل كدا انك متنفعيش تكوني أم!..

سكت مهدي بينما انهمرت دموع لبنى منخرطة في بكاء صامت وهي تقف تنظر اليه بعينين تلمعان بدموع غزيرة، اقترب مهدي منها ومد يده متناولا رزمة النقود وقال بهدوء:.

- ما حدش يقدر يقول عليكي انك ماتنفعيش أم يا لبنى، بالعكس. انت أحن وأعظم أم، أنا هاخد الفلوس منك دلوقتي علشان أريّحك. بس عاوزك توعديني ان دي آخر مرة هنتكلم في موضوع الفلوس دا، ودي آخر مرة اشوف ثقتك في نفسك مهزوزة كدا، انت أم عظيمة. وأنا متأكد ان أحمد لما يكبر هيكون فخور بيكي جدا، وعاوز وعد منك انك لو احتجت أي حاجه هتطلبيها مني أنا، ودا لا شفقة ولا عطف. تقدري تعتبريني صديق شخصي للعيلة، دا غير إني بعتبر نفسي في مقام ولي أمر احمد، ولو فعلا ليا معزة عندك هتوعديني بكدا ومش هتحسيسيني اني غريب عنكم...

قالت لبنى من بين شهقات بكائها: - ليه؟، انت بتعمل كدا ليه يا مهدي؟
أجاب مهدي وهو يتنهد عميقاً: - اكدب عليكي لو قلت لك انى عارف؟، أنا كل اللي اعرفه اني لازم اقف جنبك. لازم أكون معاكي، لبنى يمكن الكلام اللي هقوله مش وقته دلوقتي. بس انا طول عمري بحب أواجه وعمري ما هربت من أي شيء، لبنى، أنا مشدود لك!

اعترضت بصوت واه قائلة: - مهدي!

اقترب منها ممسكا كتفيها برفق وقال وهو ينظر اليها برجاء لتتفهمه: - انا فعلا مشدود لك!، إنما ليه وإزاي وإمتى. معرفش!، اللي اعرفه انه من أول يوم شوفتك فيه وانت تحت المكتب وسمعتيني محاضرة على ان المدير لازم يكون قدوة للموظفين بتوعه وانا حاسيت انك غير أي واحده عرفتها، حاسيت بالفضول من ناحيتك، حتى لما حصل سوء التفاهم بيننا كنت هتجنن عاوز نصفّيه بأي طريقة، ولما روحنا العزومة مع الوفد وحاسيت انك بتتكلمي مع الكل والكل معجب بيكي ومتجاهلاني دا خلاني اتضايق ليه معرفش؟، أنا مش عاوز أفسر مشاعري دلوقتي لأنه المهم حاليا ان أحمد يقوم لنا بالسلامة. سامعاني يا لبنى بقول ايه؟، يقوم لنا. أحنا الإتنين. أنا معكم يا لبنى، وأرجوكِ بلاش تخليني أحس انى غريب عنكم تاني.

أزاحت لبنى يديه من فوق كتفيها ونظرت اليه قليلا قبل ان تقول بصوت متهالك: - مهدي بصرف النظر عن أي شيء. انت فعلا انسان رائع، وانا مقدرش اقول حاجه عن نبلك وكرمك معايا، بس يا ريت مشاعرك تقف لغاية كدا. علشان خاطرك انت!، انت تستاهل كل خير وأنا، أنا حكاية منتهية بالنسبة لك. ومن قبل ما تبتدي كمان، عن إذنك.

سارت متجهة إلى الخارج عندما ناداها مهدي بلهفة: - لبنى.
فتحت الباب قليلا واضعة يدها فوق مقبضه قبل ان تلتفت ناظرة اليه بابتسامة اصطبغت بطابع الحزن بالرغم منها وقالت بأسى بينما تعض على شفتيها محاولة حبس دموعها التي تهدد بالانهمار:
- إنساني يا مهدي، وصدقني. عمري ما هنسى وقفتك جنبي أبدا، عن إذنك.

وخرجت مغلقة الباب خلفها برفق بينما اعتصر مهدي قبضته موجِّهاً لكمة قوية إلى مسند المقعد أمامه زافرا بحنق قبل أن يتمتم متوعّدا:
- إنتِ دخلتي حياتي من غير أي إستئذان، فما تفتكريش أنك هتخرجي منها باستئذان أو غيره، انتهى يا لبنى، هتفضلي فيها وبأي طريقة وكل شيء مباح في الحب والحرب!

تم تحديد يوم إجراء العملية ولم يصل الى مهدي منها أي خبر، حاول مرارا الاتصال بها على هاتفها المحمول ليفاجأ بتغيّر رقم الهاتف، حاول أن يمنع نفسه مرارا عن الذهاب الى المشفى تنفيذا لرغبتها ولكنه وجد ان هذا الأمر يجعله يقاسي وبشدة!، اندهش من لهفته وشوقه لرؤيتها وسماع صوتها، وقرر بينه وبين نفسه انه سيذهب الى المشفى لرؤية احمد وليس لرؤيتها هي، وعامة أي أحد في مكانه كان سيشعر بالأسف والأسى على هذا الملاك الصغير، ورفض الإقرار ان ذهابه الى المشفى كان في الأساس لشوقه إلى رؤيتها، حيث كانت تنتابه شتى المشاعر المتضاربة، فأحيانا تنتابه الرغبة في الإمساك بها وهزها الى ان تصطك اسنانها، واحيانا اخرى يشعر انه يريد احتضانها وإخفائها بين ذراعيه عن عيون العالم أجمع!

- أهلا أهلا، إزيك يا مهدي بيه، اتفضل حضرتك.
دلف مهدي الى غرفة احمد بالمشفى وبعد السلام والتحية من الحاجة أحلام أعطى احمد لعبة كبيرة عبارة عن قطارا كبيرا وقال وهو يداعب شعره الأسود:
- لما تطلع من المستشفى بالسلامة ان شاء الله هنركّب القطر سوا ونلعب بيه مع بعض.

ثم التفت الى أحلام التي دعت له قائلة: - ربنا يخليك ويفرحك زي ما فرحته كدا.
ابتسم مهدي قائلا: - ربنا يخليكي يا حاجة، صحيح أومال لبنى فين؟، مش شايفها يعني؟
لم يغب عنه شحوب وجه أحلام الواضح فيما تلعثمت قليلا قبل ان تجيب: - في. في مشوار، مشوار بسيط كدا وجاية على طول!
قطب مهدي متسائلا: - مشوار؟، مشوار ايه؟
أجابت أحلام وهي ترسم إبتسامة على وجهها محاولة تغيير الحديث: - هي قالت مشوار قريب وجايه!

تدخل احمد فجأة قائلا ببراءة الأطفال: - راحت لبابا!
شهقت أحلام بينما التفت مهدي اليه بقوة هاتفا باستنكار: - ايه؟!
كرر احمد كلامه وهو فرح بلعبته الجديدة غير واع لما فجّره من غضب عاصف في نفس القابع بجواره:.

- انا سمعت ماما بتتكلم في التليفون وبتقول له انها لازم تشوفه. ولما سألتها اذا كان دا بابا. قالت لي ايوة هو، وانها هتروح تقابله، بس انا عارف انه مش هيرضى ييجي معاها، هو دايما مش بيحب يشوفني. لا هو ولا جدو ولا تيته!

صدح صوت لبنى عاليا: - أحمد!
وسرعان ما ركضت إليه محتضنة إياه بين ذراعيها بقوة وهي تتابع: - احمد حبيبي مين اللي قالك كدا بس؟، بابا مشغول يا قلبي وأول ما هيفضى هييجي يشوفك على طول!

قال احمد بحزن تخطى سنوات عمره الخمس: - ماما الكدب حرام!، كل مرة بتقوليلي كدا ومش بييجي، انا عارف انه مش عاوز يشوفني وانت اللي بتحاولي تخليه ييجي علشان يشوفني!، انا مش عاوز اشوفه يا ماما مش عاوز!

قالت لبنى وقد راعها ما قاله ابنها: - لا يا حبيبي ما تقولش كدا، بابا بيحبك.

صرخ في وجهها قائلا: - لا بيكرهني!، انا عارف انه بيكرهني، مابيجيش يشوفني خالص، حتى التليفون مش بيكلمني الا قليل اوي، وانا كمان مش عاوزه ومش عاوز اشوفه، انا كمان مابحلمش يكون عندي أب زي باقي الولاد!، مابتمناش انه يلعب معايا كرة ويشيلني على أكتافه، مابحلمش انه يعلمني العوم والتنس ويجري معايا! ثم انخرط في البكاء متابعا بحزن يتعدى سنوات عمره الخمس:
- انا. انا مش بحلم ببابا يا ماما. مش بحلم ببابا!

احتضنته بين ذراعيها ودموعها تنهمر حزنا على ابنها الذي انفجرت مشاعره المكبوتة بينما بكت معهما أحلام، كل ذلك حدث على مرأى ومسمع من مهدي الذي لم تنتبه بعد لبنى لوجوده!..

نام احمد بين ذراعيها فعدلت من وضعه فوق الفراش وسحبت ذراعيها من حوله وقد رفعت الغطاء عليه وبينما تستقيم واقفة سمعتا صوتا رجوليا تعلمه تماما يقول من خلفها:
- لما تطمني على احمد عاوزك شوية، انا هستناكي بره...

كان مهدي يروح ويجيء في المكان كالليث المحبوس وما ان أبصر لبنى خارجه من الغرفة حتى انطلق اليها بسرعة باغتتها وقبض على معصمها بقوة جاذبا إيّاها معه وهو يسير بخطوات واسعة سريعة متلفتا حوله حتى أبصر غرفة فارغة للمرضى فدفع بها اليها ودخل مغلقا الباب خلفه بإحكام...

فركت لبنى موضع قبضته على يدها ونظرت اليه بينما وقف مستندا الى الباب ينظر اليها بنظرات مبهمة بينما هي تسترق النظر اليه ووجدت أخيرا ان خير وسيلة للدفاع الهجوم فاندفعت قائلة:
- افندم!، ممكن اعرف ليه سحبتني بالشكل دا واحنا هنا بنعمل ايه؟
أجاب مهدي ببرود زائف: - كنت عند طليقك ليه؟

نظرت اليه لبنى بانزعاج مندهشة من تطفله على شؤونها الخاصة وهتفت بحنق: - أظن ان دي أمور شخصية مالكش أي دعوه بيها، وأظن كمان انى قلت لك انك تنسانا خالص.

اقترب مهدي منها بخطى بطيئة وقال معيداً سؤاله وقد وقف أمامها تماما: - كنتِ عنده بتعملي ايه؟
هربت بنظراتها منه وأجابت متأففة: - مع انه شيء ما يخصّكش. لكن اظن ان بيننا ولد وأكيد بنتقابل علشانه.
قال مهدي ببرود مسلطا نظراته عليها: - انت روحتي له علشان عملية احمد صح؟، الدكتو حدد معاد العملية؟
ارتبكت قليلا قبل ان تقول مشيحة بعينيها بعيدا: - هو والده ولازم يعرف معاد العملية!

تابع مهدي كأنه لم يسمع: - واللي فهمته من كلام أحمد انه مش مهم عند باباه، يبقى انت روحتي له علشان تكاليف العملية مش علشان تبلغيه بمعاد العملية. صح؟، على حسب ما عرفت انه ما زاروش ولا مرة طول ما هو في المستشفى. يبقى اكيد مش فارق معاه اذا كان هيعرف بمعاد العملية ولا لأ؟!

ارتبكت لبنى وآثرت الصمت فلم تعلم بما تجيب، أتخبره بأنه والد عاق لأبنه رفض حتى مجرد زيارته أو رؤيته؟!، أتخبره بقطيعة طليقها وعائلته لها ولولدِها ولم يشفع لولدها لديهم مرضه العضال؟!، لم تعرف بما تجيب فآثرت الصمت!

شهقت عاليا عندما شعرت بقبضتيه كالكماشة على ذراعيها وهو يقول بغضب مخيف: - انا سبق وطلبت منك انك توعديني أي شيء محتاجاه تطلبيه مني انا، حصل ولا ما حصلش يا لبنى؟

سكتت مصدومة من هيئته وهو في أقصى درجات الغضب بينما كرر سؤاله: - جاوبيني يا لبنى حصل ولا لأ؟
تلعثمت وقالت بينما استمر بهزّها بعنف: - ح، حص، حصل!

تابع بحدة عنيفة: - طيب ليه روحتي له هو؟، ليه يا لبنى؟، للدرجة دي أنا ماليش أي اعتبارعندك؟!، للدرجة دي رافضاني وفضلت انك تلجئي لطليقك عن انك تجيلي أنا؟!، دا أنا طلبتها منك يا لبنى، أنا شبه اترجيتك أنك لو احتجت حاجة تيجيلي أنا على طول، أنا كنت صريح معاكي، ليه يا لبنى ليه؟، تعملي في نفسك وفي ابنك كدا ليه؟، ومش بس كدا رميتي بكلامي على طول دراعك ولا كأني ليّا أي قيمة عندك!

حاولت لبنى الفكاك منه دون طائل فصرخت ودموعها تنهمر على وجهها بينما افلت شعرها الثائر من ربطته وهتفت:
- هو أبوه!، بالزووق بالعافية أبوه!، أبوه ولازم يتحمل مسؤولية ابنه!، ما ينفعش راجل غريب يصرف على ابني وأبوه موجود. حتى لو كان الأب دا بعيد عننا!

قال مهدي وعينيه تبرقان بإصرار غريب: - لو دي حجتك انا عندي الحل!
كفت لبنى عن محاولة الفكاك منه ونظرت اليه بتساؤل قائلة بينما وجهها يلمع لدموعها الغزيرة التي تغطيه:
- يعني ايه مش فاهمه؟
اقترب بوجهه منها وأجاب وعيناه تبرقان ببريق أشاع الإضطراب في قلبها: - يعني. تتجوزيني يا لبنى!
شهقت لبنى عاليا وهتفت باستنكار: - دا مش مجال للسخرية يا مهدي بيه أنا...

انقض على فمها الذي يكيل اليه الإتهامات ملتهما إياه بقبلة ناريّة عنيفة، حاولت دفعه لبنى بعيدا وكلما زادت محاولاتها للابتعاد عنه زادت قُبلته قوة وشراسة حتى أنهى عناقه الملتهب ليمسك بوجهها بين يديه الاثنتين ويقول بلهاث حاد:
- اعملي حسابك قبل احمد ما يدخل العمليات هكون كاتب كتابي عليكي...

شهقت عاليا ونظرت اليه بينما شفتيها الملتهبتين تحملان أثر عناقه العنيف واكتساحه لها، نظر اليها مليا قبل ان يميل على جبهتها مقبّلا بعمق ثم قال بهدوء نسبي:
- انا ماشي. وإياكي أعرف انك إتكلمتي مع طليقك لأي سبب، لأني هغضب. وانت لسه ماجربتيش غضبي شكله إزاي!، كتب الكتاب قبل عملية احمد، ودلوقتي روحي لابنك وحاولى تخلِّيه ينسى الكلام اللي قاله، سلام.

وانصرف مهدي تاركا خلفه زوبعة من الانفعالات تعتمل داخل لبنى وهي تنظر في أثره قلقا مما ستحمله لها الأيام على يد هذا المتهوّر المجنون!..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة