قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية كبرياء أنثى (نساء متمردات ج2) للكاتبة منى لطفي الفصل الحادي والثلاثون

رواية كبرياء أنثى (نساء متمردات ج2) للكاتبة منى لطفي الفصل الحادي والثلاثون

رواية كبرياء أنثى (نساء متمردات ج2) للكاتبة منى لطفي الفصل الحادي والثلاثون

تعالى رنين جرس الباب بإلحاح فركضت ريما لتفتح وهي مندهشة لتتفاجأ بهمس ترتمي منهارة بين ذراعيها في نوبة بكاء حار فصرخت ريما بلوعة:
- بابا. ماما. مهدي. الحقووني...
ركض الثلاثة اليها يتدافعون حتى اذا أبصروها صرخت راندا بهلع: - همس. بنتي!
تقدم مهدي مسرعا متناولا شقيقته من بين يدي ريما وهو يرفعها بينما نزار يحاول الاقتراب من ابنته قائلا:
- همس حبيبتي...

قالت راندا وهي تبكي قلقا على ابنتها: - طلعها على أودتها يا مهدي بسرعة...
وضع مهدي همس في الفراش ثم ضرب بخفة على وجنتيها لتفيق بينما حضرت راندا تركض حاملة قارورة من العطر وجلست بجوار همس ثم رشت بضع قطرات على منديل بيدها ووضعته بالقرب من أنف همس وهي تقول بخوف شديد:
- همس حبيبتي فوقي يا بنتي. نزار الحقني يا نزار.

تقدم منها نزار سريعا الذي لم ينتظر استنجاد زوجته به في حين ابتعد مهدي ليفسح لوالده المكان ليجلس الأخير بجوار همس. في حين وقف مهدي بجوار فراشها وما أن فعل حتى جحظت عيناه ذهولا بينما انتفخت أوداجه غضبا قويا وكيف لا وقد وقعت عيناه على كدمة زرقاء تلوّن صدغ أخته الأيسر!

تحدث نزار قائلا: - انا طلبت الدكتور يا راندا وزمانه جاي بس ايه اللي حصل خلاها تنهار بالشكل...
وبتر عبارته فجأة عندما أدارت همس رأسها الى اليمين باتجاه والدتها لتطالعه الكدمة الزرقاء التي تلون وجنتها اليسرى ففتح عيناه على وسعهما ورفع عينيه في تساؤل الى مهدي الواقف بغضب مستعر وتحفز وقد كور قبضة يده قائلا من بين أسنانه:
- لو طلع اللي في بالي صح، حسابك معايا هيكون عسير أوي يا مراد!

هتفت ريما وهي تبكي بكاءا حارا فيما يتقطع قلبها حزنا على حال أختها الكبرى: - فيه ايه يا ماما. إيه اللي جرى لهمس وخلّاها بالشكل دا؟ نظرت راندا إلى ابنتها الصغرى وأجابت محاولة بث الهدوء في نفس صغيرتها:
- ما تقلقيش يا حبيبتي. ان شاء الله همس هتبقى بخير، كلها دقايق وهتفووق...
وما هي إلا ثوان حتىىسمعوا أنينا يصدر من بين شفتي همس فمالت راندا عليها هاتفة بقلب الأم الملتاع على فلذة كبدها:
- همس حبيبتي.

فتحت همس عينيها لتطالعها وجوه عائلتها الخائفة المترقبة وللحظات لم تعلم سبب وجودها في منزل عائلتها وتطلعت حولها لتفاجأ بأنها في غرفتها القديمة فقطبت قليلا ثم لم تلبث أن مر شريط الذكرى ببالها فتدفقت الدموع مجددا بالرغم منها مغرقة وجهها فشهقت راندا ملتاعة وهي تهتف محاولة حبس دموعها المشفقة على حال ابنتها:
- همس حبيبتي فيه ايه يا قلبي؟

فرمت همس بنفسها بين ذراعي والدتها وهي تصيح بصوت مكتوم أشبه بالنواح: - آآآه يا ماما، تعبااانه يا ماما تعبااانه أوي.
احتضنتها راندا بقوة بين ذراعيها وقالت بلهفة واضحة: - سلامتك يا قلب ماما، ايه اللي جرا بس. فيه ايه؟

أجابت همس من بين شهقات بكائها المتقطعة بكلمة واحده ولكنها كانت كفيلة بأن ينظر نزار الى مهدي نظرة خاصة وكأنهم قد علموا جواب السؤال الذي راودهما ما ان شاهدا الكدمة التي تلون صدغ همس، قالت منتحبة:
- مراد يا ماما. مراااد!
وكأن همس بذكرها له قد استحضرته حيث سرعان ما تعالى رنين جرس الباب بقوة وبإلحاح يتبعه صوت مراد بعد ان فتح الباب له أحد الخدم وهو ينادي صارخا:
- هاااااامس!

تشبثت همس بذراعي والدتها ودفنت وجهها في صدرها وهي تسمع مراد يصرخ بلوعة باسمها وهتفت في شبه انهيار:
- مش عاوزة أشوفه. مش عاوزة يا ماما.
اتجه مهدي بخطوات قوية تكاد تحفر الأرض أسفلها من شدة غضب صاحبها في طريقه إلى الخارج وهو يجيبها بجدية بالغة:
- اطمني يا همس. انا هتصرف.
قاطعه نزار بقوة وهو ينهض واقفا: - استنى يا مهدي. انا جاي معاك.
وانصرف الاثنان وبداخلهما غضب عميق يهدد بحرق من يقف أمامه.

وقف مهدي ونزار أمام مراد التي كانت هيئته تدعو الى الشفقة، فلأول مرة يرى مهدي ابن خاله وهو بهذا الشكل المزري حيث ثيابه غير مهندمة بالمرة وشعره أشعث دليلا على تمريره لأصابعه فيه أكثر من مرة بل وبقوة كما كان وجهه وكأنه قد فقد عزيزا لديه. حتى أن مهدي كاد أن يقسم ان مراد قد خرج لتوه من حالة بكاء وانهيار تامّيْن!، ولكن هذا لم يشفع له عندهما فطالعاه بغضب ناري يشع منهما بينما وقف مراد يفتش بعينيه فيما حوله بلهفة وهو يتساءل بصوت ملهوف خشن:.

- همس فين يا عمي؟، عاوز أشوف همس يا مهدي.
تجاهل نزار تساؤله عن همس وبدلا من ذلك أجابه ببرود صقيعي: - ايه اللي حصل بالظبط يا مراد؟
ولكن مراد كان في حالة يرثى لها وكأنه لم يسمع سؤال نزار ليتابع بنظرات زائغة: - انا عاوز همس.
اقترب مهدي منه قليلا قائلا ببرود ثلجي: - انت مدّيت ايدك على همس يا مراد؟
سكن مراد فجأة ثم رفع عينين يملؤها الندم والحزن وأجاب بتلعثم لمهدي: - مهدي أنا...

قاطعه مهدي بقوة: -انا بسأل سؤال محدد. انت ضربت همس؟
أشاح مراد بعينيه ولم يكد يبتعد بنظراته عن مهدي حتى شعر بقذيفة تنطلق في وجهه ليترنح وقد أوشك على الوقوع من شدة قوتها ولكنه تماسك بصعوبة ووضع يده فوق وجهه حيث هوى مهدي عليه بلكمته القوية، نظر مراد اليه في حزن بدون ان يحاول الدفاع عن نفسه قائلا:
- لو الضرب هيرجع لي همس فأنا مستعد أتجلد بس. ترجع لي وما تبعدش عني!

تبادل مهدي ووالده النظرات فيما كان مهدي يلهث من شدة ما يعتمل بداخله من حنق وغضب تجاه زوج أخته بينما ضيق نزار عيناه وهو يطالع مراد بغموض، هو لم يحاول إثناء ابنه عن ضربه وقد علم ما انتواه قبل أن يلكمه ولكن مهما كان ما حدث بينهما فلا يشفع له أي شيء لضربه ابنته، اقترب نزار من مراد قائلا بصرامة بينما عينيه تطلقان شرارت من الغضب الناري:
- انا بسألك تاني يا مراد ايه اللي حصل بينكم بالظبط؟

صدح صوت يقول بنبرة قوية وان تخللها بعض الارتعاش: - انا هقولكم.
لترتفع ثلاثة أزواج من الأعين الى مصدر الصوت زوجين باندهاش وتساؤل وثالثة بندم يكاد يفتك بصاحبها، نزلت همس الدرج الى الأسفل متكئة إلى ذراع والدتها وريما حيث أصرت على مواجهة مراد مرة. والى الأبد!..

سارت همس حتى وقفت بجوار والدها مستندة الى والدتها وشقيقتها لتنظر في وجه مراد الذي كانت عيناه تلتهمانها في ولهٍ وشوق شديدين وقالت وهي لا تكاد تقف على قدميها بصوت على الرغم من نبرة البكاء التي تغلفه ولكنه خرج ثابتا شامخا:
- مراد بيه بيشك فيا يا بابا!

شهقت راندا عاليا في ذهول بينما نظرت ريما الى مراد بعدم تصديق فيما زمجر مهدي بعنف محاولا التقدم من مراد للفتك به ولكن يد نزار منعته ناظرا وبقوة الى مراد ليهتف بغضب مكتوم:.

- انا مش هسألك ايه اللي خلّاك تشك في بنتي. ولا عايز أعرف ايه اللي حصل، بس انا هقول لك كلمة واحده بس. عتبة بيتي من هنا ورايح ما تخطيهاش، ومالكش زوجة عندنا، وكلامي من هنا ورايح هيكون مع أدهم. والدك، الراجل اللي حط ايده في ايدي وسلمته بنتي لابنه!، أما دلوقتي بقه فيا ريت تخرج وما تحاولش تقرب من همس بأي شكل من الأشكال لأني بجد مش عارف ساعتها أنا ممكن أعمل فيك إيه!

نظر اليه مراد في استجداء وقال بصوت مغلف برجاء يائس: - لا يا عمي أرجوك. أنا. أنا غلطت. وبعترف بغلطتي ومش بنكِرها. لكن اديني فرصة أدافع فيها عن نفسي، أرجوك يا عمي ما تموّتنيش بالحيا، همس هي روحي لو بعدتها عني يبقى بتاخد روحي منِّي!

ثم نظر الى همس بعشق ممزوج بندم ورجاء مردفاً: - همس أرجوكِ. أنا مستعد اعمل أي حاجه بس ما تسيبينيش، شوفي الحاجة اللي ترضيكي وأنا موافق عليها من غير نقاش بس ما تبعديش عني!

لينقل نظراته الى راندا متابعا بتوسل: - أرجوكِ يا عمتي قولي حاجه، أنا عارف أن الغلط راكبني وانى مهما قلت وعملت مش بسهولة أنها تنسى اللي حصل، لكن أرجوك أنتِ أكتر واحده عارفة همس تبقى إيه بالنسبة لي، أنا مقدرش أعيش من غيرها. أرجوكِ يا عمتي.

لم تعلم راندا بماذا تجيب، ولكن ما تعلمه جيّداً والحقيقة التي تتجلى أمامها وبوضوح أن ابنتها قد جاءتهم في حالة انهيار تام ومراد وحده هو المسؤول عن هذه الحالة التي تراها لأول مرة عليها، ومن الواضح انها تتعلق بغيرته التي تخطت الحدود هذه المرة ووصلت الى، الشك بابنتها!، هذا الاستنتاج دفعها للنظر الى مراد مجيبة ببرود فابنتها أغلى لديها من أي شخص آخر:.

- اللي انا اقدر اقوله يا مراد ان بنتي أغلى عندي من أي حاجه تانية وعلشان كدا يا ريت تنفذ كلام نزار. خلاص انت ما عادلكش زوجة عندنا!..

ليصرخ مراد بهستيريا: - لا. همس مراتي. ومش هسيبها...
فتقدم مهدي منه وهو يدفعه وبقوة إلى الخارج بينما صراخ مراد يتعالى بهستيريا وجنون:
- مش هسيبك يا همس. ولآخر يوم في عمري مش هتبعدي عني، انتي مراتي أنا، حبيبتي أنا، أنا يا همس. انا بحبك. بحبك يا همس. سامحيني يا همس...

وهو يحاول إزاحة مهدي جانبا ولكن مع حالة الأنهيار التام التي أصابته لم يستطع التصدي لمهدي الذي دفعه خارجا مغلقا الباب خلفه وبقوة بينما خفت صوته تدريجيا الى أن اختفى تماما!

اقترب مهدي من همس التي رفعت عينيها اليه وقالت بصوت مبحوحا لكثرة ما ذرفته من دموع بينما تلونه غصّة البكاء:
- مشي؟
أومأ مهدي برأسه في صمت بنعم لتنفجر هي في وصلة بكاء حار وتتهاوى بين ذراعي والدتها لتتلقفها يديْ مهدي قبل ان تلامس الأرض.

لا يعلم مراد كيف وصل إلى منزل والديه فكان يقود سيارته بسرعة مجنونة وكانت الرؤية غائمة بالنسبة له فلم يكن يرى أمامه إلا، همس فقط!

دلف مراد الى المنزل بعد ان فتحت له الخادمة الباب ليتوجه من فوره الى الدرج للصعود الى أعلى عندما سمع صوت والدته حيث كانت تقف أسفل الدرج وهي تهتف بفرح:
- مراد حبيبي. إيه المفاجأة الحلوة دي؟!..
تقدمت منه والدته فاستدار اليها قائلا بشبح ابتسامة: - اهلا يا امي...

شهقت ريتاج عاليا واضعة يديها على فمها عندما وقع نظرها على هيئة مراد المزرية ثم مدت يداً ترتعش لتلمس الكدمة التي تزيّن وجنته اليسرى والتي نالها من قبضة مهدي وهي تتساءل بقلق وتقطيبة عميقة تزين جبينها:
- مراد ايه اللي حصل؟، مين اللي عمل فيك كدا؟
أجاب مراد بنفاذ صبر: - ما فيش حاجه يا ماما ما تشغليش بالك أنتِ!
أجابت بهلع: - ما أشغلش بالي ازاي؟، ثم أردفت تنادي بصوت مرتفع: - أدهم إلحقني يا أدهم.

حضرت شمس مسرعة ما ان سمعت صوت والدتها المرتفع وهي تتساءل بلهفة: - فيه ايه يا ماما أنت...
لتبتر عبارتها شاهقة بدهشة وهي تضع يدها على فمها تتطلع في شقيقها بذهول: - إيه دا؟، مين اللي عمل فيك كدا يا مراد؟
نفذ صبر مراد وزفر بضيق وتجاهل الأجابة على تساؤلاتهم مشيحا برأسه جانبا وهو يتمتم في نفسه انه قد أخطأ بالقدوم الى هنا وهو في حالته هذه...

سمع ريتاج وهي تسأل ابنتها قائلة: - هو بابا فين يا شمس؟
أجابت شمس وهي تطالع مراد باستغراب وتوجس: - بابا مع اسلام في أودة المكتب.
قال مراد وهو يلتفت ليهمّ بالصعود إلى غرفته في الطابق العلوي: - معلهش يا ماما أنا تعبان هطلع آخد شاور وأرتاح شويّة وبعدين نبقى نتكلم.
ما ان وضع مراد قدمه على أول درجة حتى سمع صوت والده يدوي بقوة هاتفاً: - مراااااد...

تيبس مراد في مكانه هنيهة ثم استدار لينظر الى والده وقد وقف بجواره إسلام، لم يتابع صعوده الى الأعلى وهبط متجها الى والده وهو يقول زافرا بعمق:
- نعم يا والدي.
ليطالعه أدهم بنظرات نارية وغضب أسود قبل أن يهوي بصفعة مدوية على وجهه كانت من القوة أن جعلت رأس مراد يرتج بينما اردف أدهم بغضب عنيف:
- دا الرد الوحيد على اللي عملته!
شهقت ريتاج بلوعة وهي تصيح متجهة الى ابنها في خطوات متعثرة: - ابني...

بينما كتمت شمس شهقتها وعيناها تذرفان الدموع فيما أحاط اسلام خصرها بذراعه داعما إياها لتخرق ريتاج الوجوم السائد بينهم وهي تتساءل بذهول حاد:
- ليه يا أدهم؟، دا أنت عمرك ما عملتها وهو طفل صغير!، إيه اللي حصل لدا كله؟
أجابها أدهم بغضب عنيف وهو يشير الى ولده بسبابته: - يمكن لو كنت ضربه وهو صغير ما كانش بأه كدا!، اسألي البيه عمل ايه؟

قالت ريتاج وهي تنقل نظرات حائرة بين زوجها وابنها: - فيه ايه يا مراد. إيه اللي حصل؟
كتف أدهم ساعديه واقفا أمام ابنه وهو يقول بتحد موجها كلماته إليه: - تقولها ولا أقولها أنا؟
لم يحر مراد جوابا فأردف أدهم ساخراً: - البيه المحترم بيشك في مراته!، ومش بس كدا. دا مد إيده عليها كمان!
نظرت ريتاج الى ابنها في ذهول وهتفت بغير تصديق: - اللي باباك بيقول له دا حصل؟

أشاح مراد بعينيه جانبا بينما تابعت ريتاج ونبرة صوته تعلو بحدة بالغة: - جاوبني يا مراد. أنت فعلا شكِّيت في همس ومديت إيدك عليها كمان؟
ولكن لم ينطق مراد بحرف واحد يشفي غليلهم به فأمسكت ريتاج بمقدمة قميصه وهي تهزه بقوة مردفة بغضب عنيف:
- ما تتكلم يا مراد ساكت ليه، انت فعلا عملت كدا؟

أجاب أدهم بشراسة وهو يطالعه بغضب أسود: - هينطق يقول إيه؟، يقول انه إتجنن؟، يقول انه حاكم مراته وأدانها من غير ما يسمع منها؟

ثم تقدم من مراد بينما ابتعدت ريتاج وهي شبه مترنحة لتسندها شمس التي كانت دموعها تجري بصمت على وجهها بينما تابع أدهم بقوة:
- هي كلمة واحده. اللي عاوزاه همس تنفذه ومن غير ولا كلمة!
رفع مر اد عينيه في ذهول الى والده الذي استمر في حديثه الغاضب بذات القوة: - أنت غلطت وتتحمل نتيجة غلطك. الشيء اللي يرضيها هي أنت تنفذه حتى لو كان. الطلاق!

شهقت ريتاج بقوة بينما تبدّلت نظرات مراد إلى العنف والتحد وهو يتحدث لأول مرة منذ انفجار أدهم به بحزم ناظرا الى والده بثبات:
- أعمل أي حاجه. أي حاجه. إلاّ، الطلاق، على جثتي!
وسكت قليلا يدور بعينيه بين وجوه عائلته قبل أن يستدير مغادرا المنزل صافقا الباب خلفه بعنف ليهرول إسلام خلفه مناديا إياه بقوة وإلحاح وهو يحاول اللحاق به.

خرج الطبيب من غرفة همس والذي استدعاه والدها بعد أن سقطت مغشيا عليها بينهم، وقف أمامه نزار متسائلا بقلق:
- خير يا دكتور ان شاء الله. همس مالها؟

أجاب الطبيب بهدوء: - أنا فهِّمت والدتها على كل حاجه، هو فيه شك بس مش هقدر أحدد بالظبط الا لما تعمل التحاليل اللي قلت عليها الأول، ويا ريت لما النتيجة تطلع تجيبوا لي التقرير عندي في العيادة. بس من هنا لغاية ما نتيجة التحاليل ما تظهر لازم راحة تامة وأهم شيء ما فيش انفعالات خالص. ممنوع منعا باتا أي انفعال من أي نوع سواء فرح أو لا قدر الله حزن، لأنه المشكلة كمان دلوقتي ان بنت حضرتك بتعاني من صدمة عصبية حادة ولو شكِّي طلع في محله يبقى الموضوع خطر، عموما إحنا مش هنسبق الأحداث أهم حاجه تلتزم بالغذا الكويس والراحة التامة، عن أذنكم.

شكر نزار الطبيب في حين قام مهدي بدفع أجرته وهو يرافقه حتى باب المنزل فيما دخل نزار إلى ابنته حيث كان برفقتها راندا بينما لجأت ريما إلى غرفتها تبكي حالة شقيقتها الوحيدة.

سأل نزار راندا بهمس وهو يتطلع الى همس النائمة: - هي عامله إيه دلوقتي يا راندا؟
نظرت راندا الى ابنتها بحنان أمومي وهي تمسح على شعرها: - الحمد لله يا نزار. بس الدكتور اضطر يديها حقنة مهدئة علشان أعصابها كانت مدمرة، مع انه ما كانش عاوز يديها أي مهدئات لغاية ما نتيجة التحاليل تظهر...

اقترب نزار من همس الراقدة بهدوء ومال فوقها مقبلا إياها على وجنتها بخفة وهو يقول بحنان أبوي:
- خير، إن شاء الله خير...

وقفت ريتاج أمام أدهم هاتفة بحدة: - ممكن أعرف بقه إيه اللي حصل بالظبط؟، أنا لغاية دلوقتي مش فاهمه حاجة، إزاي مراد توصل بيه غيرته انه يشك في همس ومش بس كدا. لأ. دا ضربها كمان!، إيه اللي حصل بالظبط وصّل الأمور بينهم للدرجة دي؟!

تأفف أدهم زافرا بضيق وهو يجيبها: - ريتاج عشان خاطري. أنا مش قادر أتكلم!
قالت تاج بإلحاح: - ما هو لما ابني الراجل الكبير ينضرب بالقلم من أبوه وقبلها بالبوكس من مهدي يبقى فيه حاجه وحاجه كبيرة أوي كمان!، وبعدين إيه حكاية الشك دي مراد عمره ما شك في همس ولا يمكن أنه يشك فيها؟

زفر ادهم بيأس وأجاب والمرارة تقطر من أحرف كلماته: - أنا معرفش. كل اللي أعرفه أن نزار كلمني وهو ثاير جدا وبيقول لي ان همس راحت لهم البيت في حالة انهيار تام ومضروبة وكل اللي فهموه انه البيه ابنك شاكك فيها ومش بس كدا. دا تقريبا أتهمها ب، – وسكت قليلا يشعر بصعوبة في نطق الكلمة ليلفظها من فمه بقوة - الخيانة!

شهقت شمس عاليا والتي كانت تتابع الحوار بين والديها وهتفت بغير تصديق: - معقولة!
بينما نظرت اليه ريتاج في ذهول تام معلّقة: - معقول الغيرة وصلت بمراد للدرجة دي؟، دا يبقى اكيد اتجنن!
سكت أدهم ولم يعلق واكتفى بأن هز رأسه بيأس وإحباط قبل أن ينفخ بضيق بالغ ويستدير مغادرا المكان تاركا ريتاج وشمس يتبادلان النظرات الذاهلة والمتسائلة فيما بينهما...

مرّ أسبوع على أبطالنا وقد كانت أيامه أطول وأقسى أيام، فقد امتنعت همس عن الحديث تماما وكأنها فقدت القدرة على الكلام، فلم يستطع أيًّا كان أن يخرجها من حالة السكون التام التي تهيم فيها، وذهبت محاولتهم جميعا لجعلها تتكلم وتخبرهم بما حدث لتخرج مكنونات صدرها أدراج الرياح، في حين اعتزل مراد الجميع بما فيهم عائلته فلم يكن يجيب اتصالات والدته أو شقيقته الكثيرة، وحده إسلام من كان على اتصال دائم به ليطمئن على أخباره، فحالة مراد يوم انصرف غاضبا من منزل والده بعد مواجهتهما النارية جعلته في غاية القلق عليه حتى أنه قد خشي ان يقوم بعمل متهور قد يزيد الطين بلّة. فقد كان يهذي باستمرار بأن همس له وحده وانه لن يسمح لمخلوق بإبعادها عنه وان كان والده نفسه!..

وسط كل ذلك كانت نتيجة التحاليل التي أجرتها همس والتي جعلت نزار يعيد التفكير في أمر الطلاق فلا بد من معرفة القصة كاملة قبل ان يتخذ القرار الصائب فهو لا يريد أن يسعى في إنهاء زواج ابنته قبل أن يتيقن من أن هذا القرار هو القرار الصحيح بالفعل خاصة وأن هناك. جنيناً ينمو في أحشاء ابنته!

- همس حبيبتي أنت بقالك أكتر من أسبوع دلوقتي وأنتِ حابسة نفسك ومش عاوزة تتكلمي ولا تفهمينا إيه اللي حصل بالظبط!، حبيبتي أحنا لازم نفهم فيه إيه. ما بقيتش حياتك أنتِ ومراد لوحدكم. لأ. فيه طفل جاي في السكة ما ينفعش أول ما يتولد يلاقي باباه ومامته منفصلين، انا سايبك براحتك خالص لغاية ما تهدي، إنا طول عمرنا أصحاب يا همس، احكي لي حبيبتي. فهميني ايه اللي حصل؟!

نظرت همس الى والدها الجالس أمامها على كرسي خيزران في الحديقة الملحقة بمنزلهم وقد ألح عليها كثيرا لتقبل بالجلوس معه محاولا إخراجها مما هي فيه وأن تجعلها تفضي إليه بما حدث وتسبب ليس في انهيارها وحده بل وتصدع حياتها الزوجية أيضاً، أجابت همس بنبرة حزن ومرارة واضحة:.

- أنا فعلا تعبانة أوي يا بابا ومحتاجه حضرتك تسمعني لأني خلاص حاسة أن الكابوس اللي انا عايشة فيه هيقضي عليّا، عشان كدا أنا هحكي لحضرتك كل حاجة.

وطفقت تسرد على أسماع والدها ما حدث بالتفصيل المملّ.
سكتت همس بعد أن انتهت من شرح ما حدث كاملا، وشاركها والدها الصمت السائد قليلا قبل أن ينظر إليها بتركيز زافرا بعمق وهو يقول بهدوء وتروي:.

- شوفي يا همس. بالنسبة لي كأب مراد مافيش أي مبرر مهما كان يشفع له اللي عمله عندي، كون أنه يشك فيكِ ويتهمك اتهام بشع زي دا دي حاجه مش بسيطة ولا سهلة، لكن. وخلي بالك انا بردو مش بعفيه من الغلط لكن أنا هحاول أتكلم بموضوعية شوية عشان لا أظلمك ولا أظلمه.

سكت قليلا ليضمن إصغائها بالكامل إليه لافي حين التفتت هي بكليتها مصيخة السمع لما أراد والدها قوله بانتباه وتقطيبة خفيفة تعتلي جبينها:
- مرواحك أساسا مع أسامة غلط!
طالعت همس والدها بدهشة هاتفة: - إيه؟، يا بابا أنا كنت تعبانه و...

قاطعها والدها بصبر: - عارف يا حبيبتي ومصدقك والله. بس أنت عارفة أسامة بالذات مراد حساس من ناحيته أد إيه، عارفة لو كنت روّحتي مع أي زميل ليكي تاني يمكن مراد ما كانش هاج بالشكل دا، وبعدين الناس ما تعرفش حكاية انه زميلك و أنت تعبت فعشان كدا اضطريتي تركبي معاه عشان يوصلك البيت، دا غير موضوع اختفاء يارا وانتي روحتي تدوري عليها معاه، ومش بس كدا انتي روحتي معاه شقة مامتها، الناس ليها الظاهر يا بنتي، افرضي أي حد شافك وانت طالعه معاه العمارة كان ممكن يفتكر إيه ولا يقول إيه؟، حبيبتي أنت عايشة وسط ناس ومجتمع أبسط حاجه كنت ممكن تعمليها وأنت مقدرة خوفه وقلقه عليها أنك ما كنتيش طلعتي معاه، كان طلع هو لوحده شاف مراته وانت استنيتيه تحت في العربية، وقتها مهما مراد زعل أو غضب لكن كنتِ ممكن تتكلمي معاه ويفهم منك، لكن اللي حصل دا غلط بكل المقاييس، ومع غيرة مراد الجنونية من أسامة كل دا خلّا الشيطان يدخله من أوسع الأبواب ويلعب بدماغه، ولتاني مرة بأكد لك أنا مش بدور له على مبرر لاتهامه الفظيع دا، لكن بردو لازم اكون أمين معاكي يا بنتي. انت مشتركة في الغلط يا همس!

قالت همس بانفعال واضح بينما بدأت عيناها تمتلئان بالدموع: - أنا يا بابا؟، أنا اللي قلت له يشك فيَّ؟، دا مد إيده عليَّا يا بابا، من غير ما يحاول يفهم مني، ما اداش فرصة لنفسه انه يسألني ويسمع مني، على كدا أنا أعذر الناس الأغراب بقه لو شكوا فيَّا، إذا كان جوزي اللي المفروض يقف معايا ويدافع عني اتهمني اتهام شنيع بالشكل دا. أومال اللي ميعرفنيش يقول ايه بأه؟

أجابها نزار محاولا تهدئتها: - همس حبيبتي هدي نفسك. أنا مش معنى كلامي أنى بقول انه مش غلطان. لأ، أنا كل اللي طالبه منك انك تفكري تاني وتالت عشان ابنك اللي جاي، أما من ناحية غيرة مراد الفظيعة دي. فسيبيها علينا. أنا وخالك أدهم هنربيه تمام!

مسحت همس دموعها المنسابة على وجهها وتساءلت قائلة: - خالي ادهم؟، تصدق يا بابا انه من ساعة اللي حصل وخالي ادهم وطنط تاج وشمس كل يوم بيكلموني يطمنوا عليّا وطنط تاج في كل مرة تقول لي انها مش عاوزة تتكلم معايا لغاية ما أعصابي تهدى...

أجابها نزار وهو يراقب وجهها بتركيز ليرى ردة فعلها على ما سيقوله: - أنتِ عارفة ان مراد تقريبا مقاطعهم؟، أتخانق مع خالك ادهم يوم ما حصل اللي حصل وانهرتي وخالك. ضربه!

لم تستطع همس كتم شهقتها مرددة بدهشة: - إيه؟، ضربه؟
أومأ نزار برأسه إيجابا وهو يقول: - أيوة ضربه، اللي قال لي إسلام. جالي بعدها عشان يطمّن عليكي ويشوف مهدي اخوكي وهو اللي حكى لي اللي حصل بين مراد وبين أدهم.

غشيت عيني همس نظرة ضبابية فيما شعرت بالدهشة من ذاتها!، فمن المفترض أن تشعر بالفرح لغضب خالها منه من أجلها لدرجة أنه قام بصفعه تماما كما صفعها هي، ولكنها بدلا ذلك اعتراها حزن عميق!، بل أنها تشعر الآن بالغيظ الشديد من خالها!، نعم. فمراد ليس بالطفل الصغير الذي يُعاقب بالضرب!

زفرت همس حانقة من نفسها وهي تتمتم في سرّها مناجية قلبها. أيا أيها القلب الضعيف إلى متى ستظل تبكي على أطلال حبه؟، هو لم يقم بأي بادرة تدل على ندمه مما اقترفه في حقي، فمنذ ان لحق بي يومها الى هنا وطرده أبي ومهدي. لم يحاول محادثتي حتى هاتفيا ولو لمرة واحده على الأقل، انساه يا قلب لقد نحرك من الوريد الى الوريد وبمنتهى البرود...

نهضت همس واقفة بغتة فطالعها نزار بتساؤل ودهشة لتجيب تساؤله الصامت بتردد بسيط وهي تهم بالسير مبتعدة:
- معلهش يا بابا انا تعبانه شوية هطلع أرتاح في اودتي.
نهض والدها ليقف بجوارها مرّبتًا على كتفها وهو يقول بحنوّ: - ارتاحي يا بنتي وما تشيليش همّ حاجه، المهم صحتك أنتِ، وحاولى تفكري في الكلام اللي قلناه.

هزت همس برأسها إيجابا ثم انصرفت من أمامه مسرعه...

- شمس إسلام هييجي امتى؟، هو الوحيد اللي عارف أخبار أخوكِ، أنا تعبت. كل أما أتصل بيه يا ما يردّش يا مقفول. مش عارفة أوصل له خالص!

أجابت شمس والدتها الجالسة برفقتها هي ومها في حديقة منزل الأخيرة: - زمانه جاي يا ماما ان شاء الله.
قالت مها بمواساة لصديقة عمرها: - ان شاء الله خير يا تاج، أنا متأكدة أن الموضوع كله زوبعة في فنجان وهتعدي بإذن الله.

هتفت ريتاج وكلماتها تقطر حزناً: - إزاي بس يا مها؟، إذا كان أدهم راسه وألف سيف ان مراد لازم يتربى. وانه ما فيش حاجه هتربيه غير انه ينفذ لهمس رغبتها!، انا بيتهيألي انه متشدد اكتر من نزار!، وبعدين فيه حاجه مش مريحاني في الموضوع. آخر مرة وانا بزور همس نزار نظراته ليا والنظرات اللي بينه وبين راندا ما كانتش طبيعيه!، زي ما يكون فيه حاجه ومش عاوزين أو بالأصح خايفين يقولوها!..

نظرت شمس الى والدتها ثم قالت بتردد: - انا عارفة هما عاوزين يقولوا ايه يا ماما. بس مش قادرين عشان همس محلّفاهم انهم ما يقولوش لأي حد مننا، لكن أنا عرفت من ريما لما كلمتني من يومين منهارة وبتعيّط عشان همس ومش عارفة تعملها إيه وهي في حالتها دي!

تساءلت ريتاج قاطبة جبينها في حيرة: - حالتها؟، حالة ايه دي اللي فيها همس يا شمس؟
أجابت شمس بتلعثم: - همس. همس حامل يا ماما!
شهقت كلا من مها وريتاج لتهتف تاج بدهشة: - إيه؟، حامل!
ثم تطلعت إلى مها في تساؤل مردفة: - وأنتِ كنت عارفة يا مها؟
هزت مها راسها نافية بقوة وهي تجيبها بصدق تام: - لا طبعا يا تاج، انا أول مرة اعرف دلوقتي زيّك بالظبط.

لتنقل ريتاج نظراتها إلى ابنتها وهي تسألها محتدة وبحيرة: - وأنتِ ما قولتليش من أول ما عرفتي ليه يا شمس؟
أجابت شمس برجاء: - كنت خايفة يا ماما أحسن الموضوع يتعقد بزيادة. وأنت عارفة مراد مجنون إزاي، دا أنا حتى ما قولتش لإسلام. خفت يقع بلسانه قودامه.

تنهدت ريتاج بعمق قائلة: - خلاص ولا كأنك قولتيلي حاجه، سبيلي الموضوع دا أنا هتصرف فيه، المهم دلوقتي أنى اعرف أوصل لأخوكي والوحيد اللي يقدر يوصلني ليه هو جوزك.

قالت مها بأسى: - تصدقي يا تاج حتى محمود حاول يكلمه كتير مش بيرد عليه، واتكلم مع أدهم أكتر من مرة في الموضوع دا وما فيش فايدة، أدهم زعلان أوي من اللي عمله مراد.

وافقتها تاج قائلة: - أدهم فعلا مليان غضب على مراد واللي مزود غضبه دا. أن مراد ماحاولش انه يتكلم ولا يشرح لحد فينا السبب، واللي عرفناه كان من راندا ونزار بعد ما همس حكِّيت لهم.

دخل اسلام إلى شقّته المنفصلة هو وشمس بالطابق العلوي لمنزل والديه وأغلق الباب خلفه ثم استند عليه متنهدا بعمق واعتدل متجها الى غرفتهما وهو ينادي شمس التي حضرت سريعا ما أن سمعت صوته وهي تقول:
- أنا هنا، حمد لله على السلامة يا حبيبي. وصّلت ماما لمراد؟

اتجه إسلام إليها مقبلا لها على وجنتيها ثم أجاب: - آه يا حبيبتي وصّلتها ومشيت على طول، هي اللي طلبت مني كدا، قالت لي انها هترجع هي براحتها، ما احنا روحنا سوا في عربيتها وأنا رجعت بتاكسي.

قطبت شمس قائلة بتساؤل: - هو مراد في شقته صح؟
أومأ إسلام بالإيجاب ثم التفت متجها إلى غرفتهما وهو يجيبها: - أيوة في بيته بس ما كانش بيرد على أي تليفونات ولا بيفتح الباب لحد غيري، لو تشوفيه يا شمس. أخوكي اتبدل!، مش دا مراد اللي أنا أعرفه!

دلف الى غرفتهما ولحقته شمس وبينما جلس فوق الفراش ليخلع حذائه وقفت شمس أمامه هاتفة بتشفٍّ:
- أحسن. يستاهل!
رفع إسلام رأسه بدهشة مرددا: - إيه؟، يستاهل؟، دا أخوكي يا شمس!، معقولة مش صعبان عليكي؟!

اقتربت منه شمس وهي تضع يديها في خصرها وتجيبه بحنق: - ويصعب عليا ليه أن شاء الله؟، هو اللي غلط في حق همس وهو اللي يتحمل نتيجة غلطته دي، ويا ريتها غلطة بسيطة لأ. اللي هو عمله دا إسمه جريمة في حق مراته!، عارف لو أنا بعد الشر بعد الشر يعني في مكانها لو تعملّي إيه بالَّذي مش ممكن أسامحك!

كان إسلام قد نهض واتجه إلى خزانة الثياب متناولا منامة له عندما سمع عباراتها الغاضبة فنظر اليها متسائلاً بغرابة:
- معقول يا شمس؟، يعني ما فيش حاجه تشفع لي عندك؟، لا حبي ولا أيامنا الحلوة سوا؟

أجابت شمس بحدة: - وهو كان الحب ولّا الأيام الحلوة اللي بين مراد وهمس شفعت لها عنده؟، أنا نفسي أعرف. قدر يشكّ فيها إزاي؟، وغير أنها مراته فهي بنت عمته. يعني المفروض هو أكتر واحد عارف تربيتها شكلها إزاي ومتأكد من أخلاقها!، لكن هقول إيه، واضح كدا أن الرجالة كلها عُقد وبتطلعها على ستاتها!

رمى إسلام برأسه إلى الوراء ضاحكا ثم قال: - أنت ليه عصبية أوي كدا؟، شكل عملة أخوكي هتخليكي تقلبي عليّا!، بقولك إيه يا شمس. أحنا حبيبتي مالناش دعوه بيهم، هما حاجة وأحنا حاجة، أحنا ندعي لهم ربنا يصلح لهم الحال.

اقتربت شمس منه حتى وقفت أمامه تماما ثم رفعت عينيها إليه قائلة في جدية تامة: - إسلام لو أنت مكان مراد وأنا مكان همس وشوفتني زي ما مراد شاف همس. كنت هتعمل إيه بالظبط؟

حكّ إسلام رأسه مجيبا بضحكة قصيرة: - وليه الأسئلة المحرجة دي بس؟!
ولكن شمس أردفت بجدية: - شوفت انت بتهرب من المواجهة ازاي؟، انا بسأل سؤال بسيط لو شوفتني في نفس الوضع اللي اتحطت فيه همس هتعمل إيه؟

مال إسلام بوجهه على وجه شمس ليتيه في مقلتي عينيها وهو يقول بجدية تامة: - بجد. بجد؟
أومأت شمس إيجابا بينما تطالعه بترقب فتابع بحزم: - ما كنتش هسكت طبعا!، كنت هديكي اللي فيه النصيب وهوّ أرنّه حتة دين علقة لغاية ما يبان له صاحب!

شهقت شمس هاتفة: - يعني كنت هتشك فيّا؟
أجاب إسلام بمهادنة وإبتسامة صغيرة ترتسم على محياه: - حد جاب سيرة شك دلوقتي؟، انت بتسأليني كنت هعمل إيه وأنا جاوبتك!، لكن من ناحية الشك فما تزعليش مني مراد أخوكي عنده حق!

احتدت شمس هاتفة: - اييييييه؟، عنده حق!، بس أقول إيه. ما انتو كلكم صنف واحد، مش أنت صاحبه؟، يبقى أكيد تفكيرك زي تفكيره بالظبط!، لكن أنا اللي غلطانه انى بتكلم معاك من الأساس.

ثم استدارت متجهة للخروج عندما امتدت يد إسلام تعيقها وهو يقول ضاحكا: - تعالي بس انت رايحه فين؟
أجابته حانقة بشدة فيما تحاول دفع يديه بعيدا عنها: - ابعد عنى يا إسلام دلوقتي لو سمحت.
رفض إسلام الانصياع لها وأدارها إليه لتصبح في مواجهته ولكنها أبت النظر إليه مشيحة بعينيها إلى البعيد فقال محاولا إرضاءها:.

- افهميني يا حبيبتي. أنا عارف ومتأكد ان همس أخلاقها لا يختلف عليها إتنين. ومراد من جوّاه متأكد من كدا، لكن هي بردو عارفة ان مراد بيولّع من حد اسمه أسامة. ومش عشان انه خطب يارا زميلتهم يبقى خلاص ينسى الهسهس اللي في دماغه اللي اسمه أسامة دا، لأ، أسامة لو عنده أورطة ولاد بردو مراد مش ممكن يطيقه ولا يآمن له ودا طبيعي، وما تستغربيش من كلامي. أنا مش بعفي مراد من الغلط وعارف انه أَفْوَرْها أووي. لكن بردو بحاول ما أكسروش!، عمي أدهم وعمي نزار بإصرارهم على موضوع الطلاق دا بيكسروه يا شمس.

سكت قليلا ناظرا إليها بهدوء ثم عمد إلى تغيير محور الحديث فأردف بمرح: - ودلوقتي بقه ممكن نسيبنا من موضوع همس ومراد ويا ريت أنتِ بقه تجاوبيني على سؤال حيوي جدا؟!

نظرت إليه بتساؤل فتابع ضاحكا: - هتغدى ولا النظام ايه بالظبط؟
شمخت بأنفها عاليا وأجابت وهي بغاية الثقة الزائدة بالنفس: - هَهْ!، لا طبعا يا بابا!
فتح إسلام عينيه واسعا وهو يهتف: - إيه؟، لأ!، أنتِ يا بنتي مش طلبتي مني أننا مش كل قعدتنا تبقى تحت وانك عاوزة تحسي انك في بيتك وبتعملي المحمر والمشمر لجوزك؟! فين بأه أن شاء الله؟..

هزت شمس كتفيها وأجابت وهي تضع راحتيها على صدره: - وأنا أعمل إيه؟، رجعت من الشغل متأخر وبعدين ماما جات قعدت معاها لغاية ما أنت جيت وما لحقتش أعمل أكل، أنت يدوب وديتها لمراد ورجعت على طول، هلحق في الفسوة الزمنية دي أعمل الغدا؟!

ثم ابتسمت ساخرة وهي تتابع بأسى مصطنع: - هَهْ. ناس طيبين أووي!
نظر إليها إسلام بنصف عين قائلا: - طيب أنا دلوقتي راجع جعان من الشغل. ممكن حضرتك تقوليلي الحل إيه؟، بالنسبة لي هو حل واحد. أنزل آكل تحت عند أمي!

نظرت اليه شمس مشدوهة وهتفت بذهول: - أنت بتقول إيه؟، أنت عاوز مامتك تعرف أن مراتك مش بتهتم بجوزها وما عملتش غدا؟، عاوزها تاخد عني فكرة غلط؟!

تمتم إسلام في نفسه قائلا: - هي لسه هتاخد؟، ما خدت واللي كان كان!
تطلعت إليه شمس بريبة وتساءلت مقطبة: - إسلام أنت بتقول حاجه؟
أجاب إسلام: - ها؟، لا لا لا يا حبيبتي هكون بقول إيه يعني؟، أنا بس بسأل الحل في نظرك إيه يا شارلوك هولمز؟

هزت شمس كتفيها ورسمت خطوط وهمية على ياقة القميص بيدها وهي تجيب ببساطة: - أبدا يا حبيبي. الحل سهل أووي. انزل هات لنا غدا!
تساءل رافعا حاجبه الأيمن وهو يراقب تعابير وجهها الذي ترتسم عليه علامات البراءة المصطنعة:
- وإيه اللي يخليني أنزل؟، ما نطلب دليفري!، أنا جاي تعبان وهلكان من بره وبعدين ما أعتقدش أن أمي بتعمل عليكي حما يا شمس هانم؟

نفت بقوة: - لا لا لا طبعا مين اللي قال كدا؟، ماما مها عمرها ما كانت حما. أنا اللي مش عاوزاها تاخد عني فكرة أني مقصرة مع جوزي حبيبي اللي هو أبنها، أكيد طبعا هتصعب عليها مش أبنها؟!، عرفت بقه؟، المهم عشان ما نضيعش وقت أحنا لو طلبت دليفري اللي تحت هيسمع الجرس وياخد باله. لكن لما تنزل أنت هتنزل وترجع من الباب اللي على الجنين اللي فاصل دورنا عن باقي الفيللا.

تنهد إسلام بعمق وقال: - شمس عشان خاطري. أنا هلكان من التعب والجوع، أقولك. افتحي لنا علبه تونة أو اعملي أي حاجه سريعة.

نظرت إليه بسخط قائلة: - تونة!، كل يوم تونة!، لا طبعا، أنا خلاص لو عصروني هنزل تونة!
علّق إسلام ساخرا: - ودا غلط مين يا ست البيت؟، مش غلطتك أنتِ؟، أنتِ اللي واخده توكيل التونة عندنا هنا شكلك كدا!..

رفعت شمس ذراعيها محيطة بها عنقه قائلة بدلال: - عشان خاطري يا سلامونتي، نفسي في لازانيا!..
قبض إسلام على يديها المحيطة بعنقه وأجاب وهو يطالع وجهها وقد لمعت عيناه ببريق مكر تعلمه شمس جيدا جعل أحشائها تتقلص:
- بقولك إيه يا نزاكة. ما تيجي نُسُك على التونة وعلى اللازنيا وأكِّلك أنا بأه أحلى أكلة ممكن تاكليها؟!

سحبت شمس يديها من قبضته وحاولت الابتعاد عنه بينما أحاط خصرها بذراعيه بقوة رافضا إفلاتها بينما رفضت عرضه بقوة:
- لا لا لا شكرا أنا عارفة الأكل بتاعك كويس، معلهش أنا عايزة مام بجد، بحق وحقيقي، المام بتاعك. كدا وكدا!

همس وهو يميل عليها محاولا تقبيلها بينما حاولت الابتعاد بوجهها عنه: - بأه المام بتاعي مش عاجبك دلوقتي؟!
ونجح في تطويقها بين ذراعيه ودفن رأسه في عنقها يمطره بوابل من قبلات ساخنة بينما حاولت إزاحة رأسها جانبا وهي تهتف برجاء:
- طيب استنى بس. أنا عندي فوكيرة حلوة. إيه رأيك نتغدى بالمام بتاعي اللي أنا عاوزاه وبعدين نحلي بالمام بتاعك؟!

رفع رأسه ناظرا إليها وهو يتساءل في لهفة: - بجد؟، غمزته ضاحكة وهي تجيب: - وجد الجد كمان.
فقبّلها قبلة ناعمة سريعة على شفتيها ثم ابتعد عنها وانتشل مفاتيحه ومحفظته سريعا وهو يقول:
- فركيكو. مسافة السكة وأنا عندك يا نازاكة...
نادته شمس فيما كان يدير مقبض الباب هامًّا بالخروج قائلة بغنج: - متتأخرش عليّا يا سلامونتي!..

جلس مراد على الأريكة المذهبة بينما جلست ريتاج بجانبه وقالت وهي تضع يدها على ذراعه:
-عجبك اللي انت عامله في نفسك دا؟، الأمور مش هتتحل بالشكل دا يا مراد!
نظر مراد إلى الأسفل وابتسم بمرارة وهو يجيب: - مش هتتحل بالشكل دا؟، هي باين لها حل من أصله؟، إذا كان أكتر واحد واقف ضدي هو والدي العزيز. يبقى هتتحل منين؟

أجابت ريتاج بهدوء: - شوف أول حاجة تقوم تحلق دقنك وتاخد شاور على ما أنا أجهز لك حاجه تاكلها وبعدين نتكلم، أنت شاكلك زي ما تكون بئالك شهر ما أكلتش.

نظر إليها مراد ثم أومأ برأسه باستسلام قبل أن ينهض ليغتسل بينما تتابعه ريتاج بنظراتها وقلبها يتمزق على حال ولدها...

أنهى مراد إغتساله ولحق بوالدته والتي كانت قد رتبت غرفة الجلوس والمطبخ سريعا ثم صنعت طبق من الباستا الإيطالية بصوص البولونيز وهو من الأطباق المفضلة لدى مراد وطبقا من السلاطة الخضراء...

جهزت ريتاج المائدة الصغيرة الموضوعة في المطبخ لتناول الطعام، دلف مراد وجلس على الكرسي أمام الطاولة الخشبية المعدة لأربعة أشخاص ولم يمد يده لتناول الغذاء فقالت ريتاج مبتسمة وهي تجلس بجواره بعد ان سكبت له بعض الطعام في صحنه:
- بقولك إيه. أنا اللي طابخة، وأنت عارف أكل مامتك. وعاملالك الطبق اللي بتحبه، فاتفضل كول وبعد الأكل لينا مع بعض قاعدة طويلة...

تناول مراد الشوكة مغترفا بها بعض الطعام وتناوله مبتلعا إيّاه بصعوبة على الرغم من طعمه اللذيذ ورائحته الشهية ولكنه شعر بطعمه في فمه كنشارة الخشب، تابع تناول طعامه مزدردا إياه بصعوبة من أجل خاطر والدته، فيكفيه غضبها منه لعدم إجابته على مكالماتها الهاتفية بل ومقاطعتهم تقريبا مكتفيًّا بإسلام فقط ليكون همزة الوصل التي تنقل إليه الأخبار، مفضّلاً الابتعاد كي لا يقوم بما لا يحمد عقباه أن استمر والده ووالدها في انحيازهما لقرارها بالطلاق...

أنتهيا من تناول الطعام واقترحت ريتاج على مراد انتظارها في غرفة الجلوس ريثما تعد كوبين من القهوة لاحتسائها.

رشف مراد بضع قطرات من قدحه ثم وضعه جانبا بينما تحدثت والدته قائلة بهدوء: - أنت ما نسيتش صح؟
رفع عينيه إليها بتساؤل فتابعت شارحة: - أنت ما نسيتش ان همس في يوم من الأيام وافقت على أسامة ورفضتك. صح يا مراد؟

ابتلع مراد ريقه بصعوبة قبل أن يجيب قائلا: - أنا، ، قاطعته ريتاج واضعة يدها على ساعده وهي تقول بابتسامة صغيرة: - حبيبي أنت ابني وأنا حافظاك زي كف إيدي تمام، أنت عارف ومتأكد ان همس بتحبك أنت، وأن موافقتها عليه كانت نوع من التحدي ليك، وأنت متأكد مليون في الميّه أن كل الكلام اللي انت قلته دا وشكك فيها كلام في الهوا لأنك عارف همس ومتأكد منها يمكن اكتر مما تكون متأكد من نفسك كمان، لكن للأسف أنت مش قادر تنسى موضوع خطوبتها القديم. مع أنكم اتجوزتوا وهو كمان ارتبط بزميلتهم لكن أنت من جواك مش قادر تسامحها فعلا يا مراد!، أنت اللي عملته مع همس دا كله كان عقابك ليها على موافقتها على غيرك. كان الغضب دا كله متخزن جواك وأول ما حصل حاجه بسيطة نكشِته خرج زي المارد اللي طلع من القمقم بتاعه!، طول ما الغضب دا مالي قلبك عمرك ما هتقدر تعيش في سعادة كاملة مع همس وهيفضل شبح الانفصال يطاردكم!

قال مراد بيأس: - أنا. أنا مش عارف أنا قلت لها كدا ولا عملت كدا ازاي؟!
ثم سكت رافعا يده التي صفع بها همس ناظرا إليها وهو يتابع بصوت متحشرج من الحزن الشديد وعينيه تلمعان بدموع مكبوتة جاهد كي لا تسقط:
- أنا معرفش إزاي قدرت أمد إيدي عليها؟!، همس؟، دي الهوا اللي انا بتنفسه.
نقل نظراته إلى والدته الجالسة بجواره وهو يردف بأسى: - أعمل إيه يا ماما؟

فتحت ريتاج ذراعيها لابنها ليندس بينهما فاحتضنته بقوة مربتة على كتفيه وهي تقول بحنان أمومي فيّاض بينما عينيها تترقرقان بالدموع:
- يااااه، عمري ما شوفت دموعك دي يا مراد، أنت أد كدا بتحبها؟

أجاب مراد وهو يحتضن والدته بقوة ساندا رأسه على كتفيها مغمضا عينيه: - بحبها دي كلمة قليلة أووي على مشاعري بالنسبة لها، همس دي عمري كله، أيامي اللي فاتت واللي جاية، همس أغلى عندي من الهوا اللي انا بتنفسه، دلّيني يا أمي أعمل إيه؟، أنا مش قادر أعيش من غيرها. مش قادر ومش عاوز!

أجابت ريتاج وهي تمسّد شعره: - تسمع كلامي واللي أقولك عليه تنفذه من غير ولا كلمة؟!
رفع مراد رأسه مبتعدا عنها قليلا وهو يجيبها وقد بدأ الأمل يداعبه وابتسامة صغيرة تشق وجهه بينما حمل صوته رنة لهفة لا تخطئها الأذن:
- أنا من إيدك دي لايدك دي.
ولكن ما لبث أن اعترى وجهه القلق وهو يردف بتوتر: - بس...
وسكت باترا عبارته فطالعته ريتاج وتساءلت وهي تقطب جبينها: - بس؟، بس إيه؟

أجاب مراد بخوف جلي: - بابا هددني انه هينفذ لها اللي هي عايزاه. وإسلام آخر مرة قال لي ان عمي محمود مقدرش يقنعه انه يحاول يتفاهم مع عمي نزار ومهدي بالعكس. دا لاقى بابا متشدد يمكن أكتر منهم كمان، هنحلها إزاي دي؟

ابتسمت ريتاج ابتسامة غامضة وقالت بتسلية: - والله من زمان ما تمردتش على باباك!، أعتقد لازم شوية تمرد صغيرين كدا!، عموما ما تقلقش أنا متعودة على كدا. هو كان سمّاني. المتمردة من شوية!..

وأرفقت كلماتها بابتسامة خبث عريضة وهي تومئ برأسها لابنها بتواطئ فيما انفرجت أسارير مراد عن ابتسامة واسعة وقد تأكد أن المتمردة ستجد له الطريق الأمثل لإصلاح ما أفسده باندفاعه المتهوّر.

ولكن. يبقى الخصم العنيد القوي أمامهما والذي لا يستهان به حتى وان كان قلبه ملكا خالصا لمتمردته ألا وهو، أدهم. ترى هل ستستطيع المتمردة الوقوف أمام، مروّضها؟!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة