قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية كبرياء أنثى (نساء متمردات ج2) للكاتبة منى لطفي الفصل الثاني والثلاثون

رواية كبرياء أنثى (نساء متمردات ج2) للكاتبة منى لطفي الفصل الثاني والثلاثون

رواية كبرياء أنثى (نساء متمردات ج2) للكاتبة منى لطفي الفصل الثاني والثلاثون

- تاج، ، نادى أدهم ريتاج التي كانت تصعد درج منزلهما متجهة الى الأعلى حيث غرفتهما، توقفت ريتاج مكانها ثم التفتت ناظرة اليه بابتسامة فاقترب من اسفل الدرج ناظرا اليها وهو يتساءل مقطبا:
- كنت فين يا ريتاج المدة دي كلها؟، وقافلة موبايلك ليه؟ نظرت اليه بابتسامة غامضة وهي تجيب:
- كنت في مشوار يا ادهم.
والتفتت لتتابع صعودها عندما استوقفها سؤاله الساخر: - وما ينفعش أعرف المشوار دا ايه؟، ولا هو، سر؟!

حانت منها نصف التفاتة اليه ناظرة اليه من فوق كتفها بابتسامة إغاظة بينما تلمع عينيها بنظرة غموض وهي تقول:
- حاجه زي كدا!..
وعاودت الصعود الى اعلى تاركة ادهم وقد ارتسمت علامات الحيرة والتساؤل على وجهه ثم لم يلبث ان لمعت عيناه ببريق المعرفة ولحق بها الى أعلى...

انتبهت ريتاج التي كانت تخرج ثيابا لها من خزانة الملابس على صوت صفق الباب فنظرت من خلف باب الخزانة لتجد أدهم وقد وقف في منتصف الغرفة واضعا يديه في منتصف خصره ناظرا اليها بقوة وهو يتساءل بشك ولكنه على يقين من الاجابة:
- كنت عند مراد صح؟، ايه البيه أخيرا حنّ على حد فينا وظهر؟
ابتعدت ريتاج حاملة ثياب لها واغلقت باب الخزانة واقتربت من ادهم مبتسمة ابتسامة متسائلة وقالت:.

- ايه يا ادهم مالك بتقولها كدا زي ما اكون روحت عند حد غريب؟، وبعدين ايه اللي يضايقك انى اروح عند ابني؟

وما لبثت ان غابت ابتسامتها وهي تطالعه اليه بقوة مردفة وهي ترفع ذقنها بينما لمعت عينيها بلمعة يحفظها ادهم جيدا عن ظهر قلب لمعة تمرد لم تغب عنه:
- مهما حصل يا ادهم مراد ابني. وما ينفعش احنا الاتنين نكون ضده، لازم حد مننا يسمع له ويحاول يِّفَهمه ويفَهِّمه!، انما احنا الاتنين ناخد جانب همس ونسيبه كدا؟

هزت رأسها الى اليمين واليسار نافية وهي تبتسم بأسف متابعة: - ما ينفعش!، يبقى احنا بنعمل نفس اللي هو عمله مع همس حاكم وأدان وعاقب من غير ما يسمع!

صاح أدهم بحدة مشيحا بيده امامها: - يعني هو مراد مش ابني أنا كمان يا تاج؟، انت عارفة مراد بالنسبة لي يبقى ايه. دا عكازي في عجزي يا تاج!، دا اللي هيشيل مسؤولية العيلة كلها من بعدي، دا كبير العيلة من بعدي يا تاج، بس انا اتصدمت فيه!، أد كدا وصل بيه غيرته وغروره انه يتصرف بالشكل دا؟!

ثم تابع ساخرا: - وان شاء الله سمعتيله؟، حاكالك حاجه ولا استمر على سكوته وهروبه؟، انت ناسيه انا حاولت أد ايه انى أكلمه وهو يا قافل الموبايل يا ما بيردش على أي مكالمات؟، ما حدش يعرف يكلمه ولا يروح له الا جوز أخته. هو اللي هرب يا تاج!

تقدمت تاج من ادهم حتى وقفت امامه وقالت بجدية وهي تنظر الى عينيه بتركيز: - ويرد عليك ليه يا أدهم وانت أمرته انه يطلق مراته؟!، انت اتعاملت معاه على أساس انه لسه طفل صغير مش راجل ومتجوز وله بيت وزوجة!، ومهما غلط دا ما يخلكش تدخل بالطريقة دي لدرجة انك تكون متشدد اكتر من ابوها نفسه!

هتف ادهم بقوة وهو يميل عليها ناظرا في عينيها لترى فحم عينيه المشتعل: - انا بربيه يا تاج!، ابنك غيرته المجنونة دي كانت ممكن تخليه يرتكب جريمة!، لازم يعرف انه طريقته دي غلط. لازم يعرف ازاي يتحكم في انفعالاته، انا مش بكرهه ولا انا بتصرف معاه انه طفل صغير لأ. انا بأدي دوري يا تاج، لما ألاقي ابني ماشي برجليه في سكة ضلمة لازم أقف وأقوله ستوب واضربه لو لزم الامر علشان يفوق!

قالت ريتاج ساخرة: - ما انت ضربته!
أجاب ادهم بحدة: - وقلمي هو اللي فوّقه يا تاج!
هزت ريتاج كتفيها بلامبالاة ولم تعلّق واتجهت الى الحمام الملحق بغرفتهما فناداها أدهم من خلفها قائلا:
- يعني ما قولتليش مراد قالك ايه؟
وقفت أمام بابا الحمام والتفتت اليه وأجابت بابتسامة اغاظة: - فكّر، بس ياريت وانت بتفكر تعمل حسابك انه ابنك وبتربيه زي ما بتقول مش عدوك وبتعاقبه!

لتدلف الى الحمام مغلقة الباب خلفها تاركة أدهم ينظر في أثرها مقطبا الجبين وهو يتمتم قائلا:
- هي مالها انهرده؟، مش عارف ليه قلبي حاسس انها بتخطط لحاجه. وانا عارف تخطيطها دا مش بيقى سهل ابدا. لكن مهما كان ترويضك يا مراد مش هيبقى أصعب من ترويض مامتك. المتمردة نفسها!

ولمعت عيناه وهو يطالع باب الحمام حيث اختفت ريتاج خلفه وقد ارتسمت على فمه ابتسامة ثقة وتحد!

طرقت همس باب غرفة مهدي شقيقها لتسمع صوته يدعوها الى الدخول فدفعت الباب لتدخل لتجد شقيقها وهو يعمل على حاسوبه الشخصي والذي ما ان رفع عينيه ورآها حتى انتفض من مكانه واقفا وسار اليها وهو يقول بابتسامة:
- همس!، ايه المفاجأة الجميلة دي؟!
تقدمت همس اليه ووقفت امامه مبتسمة ابتسامة صغيرة متسائلة بخفوت: - هعطّلك؟!

ابتسم مهدي وهو يدفعها بخفة واضعا يده خلف ظهرها متجها بها الى الأريكة الموضوعه في طرف غرفته مقابل التلفاز وأجابها بمرح:
- يا ستي ولا هتعطلي ولا حاجه انا عينيا وجعتني من كتر الشغل على اللاب. تعالي اقعدي.

أجلسها على الأريكة ثم اتجه الى الميني – بار الموضوع بغرفته وفتحه سائلا اياها: - ها تشربي ايه بأه؟
ابتسمت قائلة: - أي حاجه. ، تناول علبتي عصير وكوبين واتجه اليها جالسا بجوارها، فتح علبة العصير وسكبها في كوب زجاجي وناولها اياه ثم كرر نفس الشيء للعلبة الاخرى وارتشف رشفة باردة كبيرة أغمض عينيه بعدها هاتفا:
- ياااااه. تصدقي الواحد كان عطشان أووي!

ابتسمت همس ونظرت اليه قائلة: - وإيه اللي عطشك أوي كدا؟، حتى التكييف عندك هنا يحسس الواحد انه في الشّتا؟!
اعتدل مهدي في جلسته وقال وهو ينظر امامه بعد ان رنا اليها بطرف عينه: - اعمل ايه في مراد بيه؟، تقريبا شكله كدا بياخد بتاره مني فهالكني شغل!، من ساعة ما رجع الشغل وهو لا بيرتاح ولا بيسيبنا نرتاح!..

نظرت اليه همس وهي تشعر بقلبها وقد تعالت نبضاته بينما شحب وجهها وهي تقول في تلعثم بسيط:
- هو. هو مراد رجع الشغل تاني عند خالي أدهم؟
ثم تابعت بتردد خفي وهي تشرد بعينيها بعيدا حتى لا تفتضح ما اختلجها من مشاعر ما ان سمعت اسمه:
- اصلي عرفت ان خالي أدهم من ساعة اللي حصل وهو شبه مقاطْعُه!

ابتسم مهدي مجيبا وهو ينظر اليها: - انت عارفة خالي أدهم الشغل عنده شغل. هو رجع من اسبوع تقريبا وتشوفيه تحسي انه جاي ينتقم من الشغل!، مشغلنا كلنا ال 24 ساعه. حتى الوقت اللي بنقعده في بيوتنا بردو بنشتغل فيه!، وخالك رجل اعمال شاطر وطالما عنده واحد زي سي مراد كدا بيشتغل ويكبر له المجموعه هيرفض ليه؟، بس اللي اعرفه انه خالي برّه الشغل مطنشه خالص والتاني بيحاول ما يفتحش معاه كلام الا قليل. لكن اللي مستغرب له طنط تاج!

قطبت همس متسائلة: - مالها طنط تاج؟
أجاب مهدي بحيرة واضحة: - انا عندي احساس انها السبب في رجوع مراد بالشكل دا، انت عارفة انه كلمني؟
نظرت اليه بدهشة وهتفت بغير تصديق: - ايه؟، كلِّمك؟

أومأ مهدي ايجابا وقال: - آه كلمني، بعد اللي حصل بأكتر من اسبوع تقريبا، بس انا كنت لسه غضبان ومارديتش عليه. ولما رجع الشغل لاقيته جاي لي مكتبي وقعد اتكلم معايا بالراحه كدا وبهدوء عكس الغضب والحدة والجنان اللي كان بيعمله الأول. ودا اللي خلاني عندي شك بنسبة 99% ان طنط تاج لها يد في التغيير اللي حصل له.

قالت همس وهي تحرك كتفيها بلامبالاة مصطنعه: - والله كويس ان فيه حد قدر يغير من اخلاقه شوية!
نظر اليها مهدي بجدية قائلا: - وحضرتك ناوية تفوقي لنفسك امتى وترجعي شغلك وترجعي همس القوية اللي انا اعرفها؟

نظرت اليه همس قبل أن تجيبه بهدوء: - ما تستعجلنيش يا مهدي، انا اللي مريت بيه ما كانش سهل عليا.

قال مهدي: - ولا كان سهل عليه!، همس انا عارف ومتأكد ان مراد مجنون بيكي ومعنديش شك في كدا. اوعي تفتكري اني لما ضربته معنى كدا انى خلاص كرهته او انى عاوزكم تسيبوا بعض؟، لأ. يا همس!، انا ضربته علشان شكه فيكي وانه اتغابى ومد ايده عليكي. هو عمل فعل ودا كان رد الفعل بتاعي. لكن مش معنى كدا انى اقول انه وحش او ما ينفعكيش، شوفي يا همس. ما فيش حد مننا كامل. ولازم نقبل بعض بعيوبنا، وانت العيب القاتل اللي كان في مراد وانت عارفاه كويس اووي كان غيرته الفظيعه عليكي. والعيب دا لازم يتحل. لكن بردو انا ما اتمناش انى اشوف اختى بيتها يتخرب وتبعد عن الانسان الوحيد اللي هي حبيته واللي بيبادلها حبها بحب أعنف منه كمان، انت انسانة ذكيه يا همس وتقدري تغيّري مراد. أهم حاجه ما تفقديش ثقتك لا في نفسك ولا في حبك ولا في حب مراد ليكي.

ابتسمت همس قائلة وهي تطالعه بحب أخوي وفخر كبير: - تصدق يا مهدي ما كنتش أتوقع انك بالعقل دا كله؟!

نظر اليها رافعا حاجبه بحنق مفتعل فاستدركت وهي تضع يدها على فمها لتكتم ضحكتها: - لا لا مش قصدي ما تفهمنيش غلط. انا قصدي انك عمرك ما اتكلمت بالاسلوب دا. انت طول عمرك بتحب الضحك والفرفشة بس من ساعه رفض بابا لموضوع سفرك وانت اتغيرت. يمكن انت معايا بنتكلم ونضحك لكن كنت بحس ان جواك كمية غضب كنت بتخرجه بالبرود اللي كنت بتتعامل بيه مع اللي حواليك. انت كنت شبه فاصل نفسك عن العيلة كلها حتى لما كنا بنتجمع نادر لما كنت بتقعد معانا...

ثم نظرت اليه بخبث مردفة: - أقدر أقول ان الفضل في دا ل. لبنى؟!

ابتسم مهدي وغامت عيناه لذكر اسمها الذي يثير شجونه وشوقه الملهوف اليها فمنذ أن زارها بمنزلها ليبارك لها بشفاء ابنها وتعاملت معه حينها برسمية شديدة وهو لم يرها. لا ينكر أنه يهاتفها من حين الى آخر بحجة الاطمئنان على ولدها ولكنه يتحرق شوقا الى رؤيتها، وهو لا يريد في ذات الوقت الاقدام على خطوة جدية بدون رضا والدته وهو يعلم تماما ان والدته لن تلبث ان توافق ما ان تلتقي بها وتستمع اليها وتلمس عن قرب دفء شخصيتها ورقة طبعها!، بل انه كان قد صمم بالفعل لى إقناع والدته برؤيتها والحديث معها في أقرب فرصة ولكن تجري الرياح بما لا تشته يالسفن فما حدث لهمس أجبره على تأجيل تنفيذ قراره...

أجاب مهدي بشجن سؤال همس عن لبنى: - لبنى!، لبنى طلّعت أحسن وأسوأ ما فيا!، ما كنتش أعرف اني لما هحب هحب بالقوة دي!، عارفة. انا عاذر مراد لما بابا وخالي ادهم طلبوا منه انه يطلقك؟

نظرت اليه بدهشة فتابع بابتسامة صغيرة نؤكدا على قوله السابق: - بجد فعلا أنا عاذره، وقتها مراد اتجنن وهاج وكأن حد جاي ياخد روحه منه، حطيت نفسي مكانه وحسيت بيه فعلا، علشان كدا لما رجع يكلمني سمعت له!، ما ينفعش اللي بيحب يبعد عن الانسان اللي بيحبه لانه دا هيبقى معناه الموت بالنسبة له!

قالت همس بابتسامة ناعمه: - يااااه. انت بتحبها أووي كدا يا مهدي؟!

ابتسم مهدي مجيبا بنظرات تشي بعشقه السرمدي: - أنا عمري ما حبيت قبل كدا فبالتالي معرفش هو دا الحب ولا لأ؟، لكن اللي أنا عارفه كويس ومتأكد منه انى عاوزها معايا ال 24 ساعه، وان طول ما هي بعيد عني وأنا بفكر فيها وهتجنن من القلق عليها، بعشق نظراتها ليا وهي غضبانه ولا طريقتها في تكتيفة ايديها وهي متعصبة. شكلها وهي بتلومني ولا وهي بتقول لي المفروض اعمل ايه. كل لفتة وحركة منها عمرها ما بتروح من بالي ابدا.

ضحكت همس قائلة بجدية زائفة: - لا تصدق دا مش حب فعلا يا مهدي!
نظر اليها مهدي متسائلا فتابعت بابتسامة حانية: - دا، عشق!، انت عشقت حتى تفاصيلها الصغيرة!
ثم استدركت لتضفي طابع المرح على محادثتهما: - ها وهشوف اللي خطفت قلبك امتى؟
نظر اليها مهدي هاتفا بعدم تصديق: - صحيح يا همس؟، عاوزة تشوفيها؟

أومأت همس بالايجاب مجيبة بحماس: - طبعا يا أستاذ. المفروض كنت شوفتها من أول ما حكيت لي عنها لكن الظروف اللي مريت بيها هي اللي خلتني أجلت اني اقابلها، عموما حصل خير احنا لسه فيها. كلمها وقولها انى عاوزة أشوفها في أقرب فرصة.

ابتسم مهدي وقد انتقل حماس شقيقته اليه وكأنه كان في انتظار أدنى اشارة ليحدث من حرمة عينيه لذة النوم الهانيء، فرفع هاتفه المحمول ضاغطا على بضعة أرقام أمام نظرات همس المندهشة والتي علقت بعدم تصديق ضاحكة:
- انت بتعمل ايه؟

ابتسم مهدي مجيبا بثقة وهو ينتظر سماع صوت معذبته الشجي: - بضرب الحديد وهو سخن!، فرصة وجات لي لغاية عندي. حد عارف ممكن يحصل ايه تاني ولا المجنون بتاعك دا ممكن يعمل ايه؟، ألحق أنا مجنونتي وأهو خير البر عاجله بردو!..

أطلقت همس ضحكة مرحة على تعليق شقيقها ولكنها سكتت ما ان رفع مهدي يده امامها آمرا لها بالتزام الصمت فيما سمعته وهو يتحدث بهدوء يخالف ما كان عليه منذ ثوان وهو يتبادل معها التحية ويستفسر منها عن صحة ابنها ثم ما لبث أن أبلغ لبنى ببضع كلمات منمقة عن رغبة همس شقيقته في القدوم اليها لتهنئتها بنجاح عملية أحمد فوافقت لبنى وهي مرتابة في السبب الحقيقي لهذه الزيارة فمنذ جلستها مع خاله أدهم وهو لم يفاتحها في موضوع ارتباطهما مجددا وان استمر على اتصاله الدائم بها وسؤالها عن احوالها واحوال احمد!..

أنهى مهدي المكالمة التي لم تستغرق سوى دقائق معدودة ونظر الى همس قائلا بابتسامة:
- انهرده الساعه 8 بالليل ايه رايك؟، اوكي؟
أومأت همس برأسها ورفعت ابهامها الى فوق علامة النصر هاتفة بحماس: - أوكي!
ثم ما لبثت ان استدركت بخبث متسائلة: - انما ايه العقل دا كله اللي كنت بتكلمها بيه؟، اللي يسمعك ما يقولش انه دا مغرم صبابا اللي كان ناقص يقول لي فيها شعر!

ضحك مهدي وأجاب: - لأني عارفها كويس أوي، هتتحجج بأي حجة عشان ترفض المقابلة، هي لسه متعرفش أنا بحبها ازاي، فاكرة ان كل دا لأني انسان شهم وظروفها هي وابنها صعبت عليا، فلازم أقرب منها بالراحة لغاية ما أضمن موافقتها، هي يمكن تكون ذكية جدا في الشغل لكن للأسف في حياتها الشخصية لسه طفلة صغيرة لأنه مهما كان شهامتي مش ممكن هتجوز واحدة عشان آخد بالي منها هي وابنها؟، كبيري أسعادها في شغلها أعلي مرتبها أو أرقيها كدا لكن جواز!، لأ طبعا، لبنى فاقدة الثقة في نفسها ودي مهمتي أنا. لبنى لازم ثقتها ترجع لها تاني، عشان تثق في حبي ليها لااااازم تثق في نفسها الأول!

ابتسمت همس وربتت على يد أخيها وقالت وعينيها تلمعان بدموع الفرح لشقيقها لاستطاعته تلعثور على نصفه الآخر أخيرا:
- وأنا متأكدة انك أدّها يا مهدي.

- يا بنتي ربنا يهديكي ما ينفعش يا يارا، احنا مش اتفقنا انك هتفضلي معانا هنا لغاية ما تتجوزي انت واسامة؟، وبعدين اسامة مش مضايقك في حاجه هو قاعد في شقتكم!

زفرت أم أسامة بتعب بعد انهائها لعباراتها محاولة اقناع يارا بالعدول عن قرارها في حين أجابت يارا والتي كانت تضع ثيابها في حقيبة الملابس بابتسامة صغيرة:
- اسامة مش مضايقني في حاجه أنا اللي مضايقاه يا ماما.
لتبتر حديثها فجأة وقد تذكرت والدتها فاغرورقت عيناها بالدموع، تقدمت منها والدة أسامة واحتوتها بين ذراعيها وهي تقول بحنو بينما تربت على كتفيها:.

- اطلبي لها الرحمة يا بنتي، أنا متأكده انها ان شاء الله في مكان أحسن بكتيييير من اللي احنا فيه. هي كانت ست مؤمنه ومصلية وصايمة ربنا يرحمها برحمته يارب ويصبرك على فراقها...

ألقت يارا بنفسها بين ذراعي حماتها وهي تقول من بين شهقات بكاؤها الحار: - الله يرحمها. انا عارفة ان دي سنة الحياة بس. بس الفراق صعب أووي أووي. وهي وحشتني أووي أووي أووي...

أجابت حماتها التي غلبتها دموعها هي الأخرى: - ربنا يصبرك على فراقها حبيبتي على قد غلاوتها عندك، ويا رب ما تدوقي فراق غالي ابدا تاني، بس علشان خاطري لو انت فعلا بتحبيني وشايفاني زي مامتك الله يرحمها. ما تمشيش. خليكي معانا حبيبتي، ما توجعيش قلبي عليكي أكتر ما هو موجوع، ربنا العالم انا حبيتك أد إيه. انت في غلاوة أسامة ابني ان ما كانش أكتر!

- الله الله. كدا يا ست يارا. تاخدي عقل الست الوالدة؟، اتركنت على الرف انا بأه؟!

قاطعت عبارة أسامة المرحة جو الحزن المغيم عليهما وابتعدت والدته عن يارا وهي تجيب بابتسامة بينما أشاحت يارا بوجهها لتمسح دموعها بكفيها الصغيرتين:
- انت ابني حبيبي ونور عيني وما تنساش ان غلاوتها زيادة شوية. مش مرات ابني الغالي.

اقترب اسامة منهما وأجاب وهو مبتسم ابتسامة طفيفة بينما عيناه متعلقتان بيارا التي أشاحت بوجهها جانبا متجنبة النظر الى وجهه:
- ربنا يخليكي لينا يا ست الكل، انا بضحك. اذا كانت أغلى عندي من نفسي يبقى هزعل لما تحبيها اكتر مني؟!

علّقت والدته بابتسامة حنون وهي ترنو الى يارا: - طيب ما تشوفها يا اسامة مصممة انها ترجع بيتها القديم تاني. انا معرفش ايه اللي حصل؟، احنا اتفقنا انها تفضل هنا لغاية ما تتجوزوا لكن من ساعة ما راحت الشقة القديمة تجيب شوية حاجات ليها من يومين وهي متغيرة وانهرده لاقيتها بتقول لي انها هتسيبنا وترجع هناك تاني!..

سلّط اسامة نظراته على يارا وهو يجيب والدته بهدوء يخفي غضبا من هذه العنيدة التي تكاد تطير بصوابه بعيدا لتجاهلها له منذ دخوله:
- طيب معلهش يا أمي سيبينا شوية مع بعض...
نقلت والدته نظراتها بينهما لتطالعها نظرات يارا المترجية ألاّ تتركها معه بمفردها ولكنها أشاحت بعينيها بعيدا واصطنعت عدم الفهم لرجاءها الصامت وقالت لابنها:
- حاضر يا حبيبي.

وانصرفت وهي تدعو الله أن يستطيع ابنها اقناعها بالعدول عن رأيه وما يطمئنها أننها تعلم ابنها جيّدا وعلى يقين من أنه يستطيع ان يجعلها تتنازل عن تشبثها بقرارها فإن كانت هي عنيدة فهو أعند منها بمرااااحل.

تقدم أسامة من يارا حتى وقف أمامها وتنهد زافرا بعمق وهو يقول بتعب واضح: - ايه اللي حصل يا يارا عاوزة تمشي ليه؟
هربت بنظراتها مشتتة اياها جانبا وهي تجيب بارتباك طفيف لم يفُته: - أبدا. بس بصراحه حاسة انى عملت قلق وليك انت بالذات!، انت سايب بيتك وحالك ورايح الشقة التانية ومتشحطط بين هنا وهناك وانا مش شايفه مانع انى ارجع بيتنا.

مال عليها اسامة حاصرا عينيها بنظراته العميقة فلم تستطع الافلات من أسر عينيه بينما قال بهدوء يشوبه بعض الحدة الخفيفة:
- انا اشتكيت لك؟، وبعدين ما اسمهاش الشقة اسمها شقتنا!، وما اسموش بيتي. اسمه بيتنا!، بيتنا هو اللي هنتجوز فيه، وبعدين تقدري تقوليلي هتقعدي لوحدك هناك ازاي؟، انا مش هكون مطمن عليكي...

كتفت ذراعيها وأجابت بهدوء حازم وهي تنظر اليه: - لا اطمن وما تقلقش. انا مش هكون لوحدي، احنا عندنا مش زي هنا. الجيران ما تعرفش بعض وبالكتير اووي لو شافوا بعض يبقى كتر خيرهم لو رموا السلام!، عابدين الناس كلها اخوات واهل واصحاب، وأنا متأكده ان انا هناك مش هحس بأي وحدة، وبعدين اطمن انا متأكده أنه الحاج ابراهيم مش هيغفل عنى خالص. الراجل دا كبير حتتنا والكل بيعمله ألف حساب. حتى ماما الله يرحمها لما وصّت وصّته هوّ عليا!

سخر أسامة بحدة مكبوتة: - آه فعلا الحاج ابراهيم راجل جدع بصراحه. بس يا ترى بأه الحاج ابراهيم بس اللي هياخد باله منك ولا. ابن الحاج ابراهيم كمان؟!..

شهقت يارا بدهشة وهتفت بانفعال: - انت بتقول ايه؟، انت اتجننت يا اسامة؟
وهمّت بالابتعاد عنه عندما أسر ذراعها بقبضته القوية مجيبا بغضب عنيف مكتوم: - انا شوفتكم يا هانم وانا جاي آخدك من يومين!، كان بيعرض عليكي خدماته!، وما رضيتش أتدخل وبعدت علشان ما عملش مشاكل لأني لو كنت اتكلمت كنت طحنته، ودا كله بردو علشان انا عامل خاطر للحاج ابراهيم!..

صاحت يارا بحنق وهي تحاول سحب ذراعها من قبضته الشديدة دون جدوى: - انت بتقول ايه؟، انت اكيد مش في وعيك!، رمزي كان بيعزيني وبيطمن عليا مش اكتر، مهما كان هو اعتذر مني عن مضايقاته ليا وهو ابن الحاج ابراهيم الراجل اللي ليه أفضال عليا وعلى والدتي الله يرحمها من بعد ربنا...

قال أسامة وهو يقترب بوجهه من وجهها حتى غدا على بعد بوصات قليلة منه: - ولو ناسية أحب أفكرك أنه هو دا بردو الراجل اللي كان عاوز يتجوزك. ولما رفضت حاول يشوه سمعتك. وانا كنت موجود يوم ما وصّلتك البيت وشوفناه وعمل الهيصة اللي عملها ساعتها!

أجابت يارا وهي تنظر الى عينيه بقوة وترفع ذقنها الصغير بشموخ وعناد: - واحنا بردو عارفين سبب ارتباطك بيا!، الحاج ابراهيم غلط في الكلام لما جه يسلم عليا وانا هناك وقال لي انه كان خايف لا يكون ضغط عليك انك تتقدم لي وانه بكدا هيتعسنا بل ما يسعدنا لكن لما شافك واقف جنبي وخايف عليا فرح وعرف انه كلامه ليك وطلبك منه انه يتقدم لي كان صح!

وتابعت مبتسمة بسخرية بينما الحسرة والغصّة تقطع نياط قلبها لعلمها انه لم يرغب بالارتباط بها الا بناءا عن طلب من الحاج ابراهيم نفسه:.

- الحاج كان فاكر انى عارفة لأنه صارح ماما الله يرحمها في آخر يوم شافها فيه في المستشفى بكدا!، افتكر انها قالت لي، ما يعرفش انه يومها تعبت ولما رجعت لها كانت في العناية. عرفت بأه انا ماشية ليه؟، انا ماشية لان التمثيلية السخيفة اللي احنا بنمثلها دي لازم تنتهي لحد كدا!..

ابتلع اسامة ريقه بصعوبة وقال وهو يترك ذراعها ليقبض على كتفيها بقوة: - اسمعيني يا يارا وافهمي كلامي صح كويّس. انا يمكن في الاول فكرت في طلب الحاج ابراهيم، لكن تأكدي اني لو ما كنتش عاوز أرتبط بيك ولا مليون حاج ابراهيم كان قدر يقنعني!، انا يمكن في الاول فكرت في الكلام وقلت ايه المانع انا بردو مسيري انى اتجوز وانا اعرفك كويس يبقى مافيش ما يمنع!، أنا لما اتقدمت لك كان جواز عقل. بس واحده واحده ابتديت أحس انك مش مجرد زوجة مناسبة وخلاص. لأ!، أبتدت حاجات تانية أحس بيها، حاجات ملهاش دعوة خالص بحسابات العقل!، حاجات كنت فاكر اني نسيتها ومش هفكر فيها تاني بعد التجربة اللي مريت بيها وخليتني قررت اني امشي بعد كدا ورا كلام العقل بس، لكن معاكي انتي القرار دا حصل له خلل، انتي اخترقتيه وبقوة يا يارا!، خليتيني غصب عني أسلّم أنه قلبي لسه موجود ومش بس كدا لأ!، دا بيعلن عن نفسه وبقوة!، أحاسيس هاجمتني وبعنف وبكل قوتها!، لاقيتني لما بتغيبي عني شوية بتوحشيني. ابتديت أحس برغبة فظيعه انك ما تبعديش عن عيني لحظة واحده. صممت على كتب الكتاب علشان نقرب من بعض أكتر ونتعرف على بعض أكتر، لاقيتني انى كل ما بقرب منك وبعرفك بتعلق بيكي بصورة جامدة جدا!، لاقيتني انى عاوزك في حضني على طول. لاقيتني عاوزك في بيتي تنوريه ورافض تماما انى اشوف أي واحده تانية تبقى هي مراتي غيرك. ساعتها اعترفت لنفسي إني. انى بحبك يا يارا!، بحبك يمكن اكتر مما كنت انا نفسي أتخيل!، بحبك وعاوزك جنبي على طول، بحبك ونفسي تقبلي حبي ليكي وتعذري قلبي الغبي انه اتأخر في اعلان حبه. بحبك يا يارا والله العظيم بحبك.

اغرورقت عيناها بالدموع وأجابته بصوت مشروخ: - واللي بيحب حد يجرحه بالشكل دا؟، انت ما جرحتنيش يا أسامة انت دبحتني بسكينة تلمة لما نادتني ب. همس!

سارع أسامة لاحتضانها واعتصارها بين ذراعيه وهو يهتف متضرعاً بصوت متحشرج: - والله العظيم. وربنا اللي أغلى من الكل. أنا ما كان في نيتي حاجه أبدا، يمكن كان عقلي الباطن ساعتها بيفكر انه ربنا عوضني بقلبك الطيب الجميل، ويمكن كنت بناديها تيجي تشوف انى قدرت أقف وأكمل حياتي وان حبي ليها كان وهم بينما حبي ليكي الشيء الوحيد الحقيقي في حياتي، يارا انت ما تتصوريش احساسي انك بتحبيني عمل فيا ايه؟، رجع لي ثقتي في نفسي اللي فقدتها على ايدين همس لما حاسيت انها ما حملت أي شعور خالص لي. بالعكس كل مشاعرها كانت لابن خالها وبس، وكانت خطوبتنا زي قفاز التحدي بالنسبة لها اللي رمته في وشّه!، انت خليتي ثقتي في نفسي ترجع تاني. احساس جميل أوي ان الواحد يحب بس الأجمل انه كمان يتحب.

لم تستطع يارا مقاومة هتاف قلبها العاشق له أكثر من ذلك وطوقته بدورها بذراعيها ورفعت عينيها اليه بينما دموعها تنسكب مغرقة وجهها وهي تقول من بين دموعها:.

- ما تقولش كدا يا اسامة، انت أي واحده تتمناك، أنا. أنا حبيتك من اول يوم اشتغلنا فيه سوا!، كنت في الأول فاكراه اعجاب بشخصيتك الرزينة ومرحك وهدوءك لغاية ما اكتشفت انى غرقانة في حبك مش مجرد إعجاب وخلاص!، كل يوم كان بيمر عليا كنت بحبك اكتر وبدعي ربنا انك تبادلني الحب دا، ما تتصورش حسِّيت بإيه لما خطبت همس؟، زي ما يكون حد قبض روحي!

اشتد ضغط ذراعيه حولها بينما أردفت هي متابعة وهي تستند براحتيها على صدره العريض فوق خافقه الذي كان يطرق بعنف وقوة:
- وبالرغم من انك ارتبطت بغيري لكني قررت انى لو ما كنتش زوجة ليك يبقى لا يمكن هكون زوجة لحد تاني!، لاني ببساطة مش ممكن اتجوز واحد وانا بفكر فيك بالشكل دا. وعارفة ومتأكدة اني هقارن بينكم في كل حاجة وإن المقارنة مش هتبقى في صالحه خالص...

مال اسامة على وجهها ينثر قبلات ملتهبة وهو يقول بصوت متهدج من شدة رغبته التي تكاد تفتك بأوصاله:
- وانا بعشقك يا يارا ولازم نتجوز في اسرع وقت، أنا خلاص مش قادر أستحمل بُعدك عني، لما دخلت من شوية وشوفتك بتحطي هدومك في الشنطة قلبي كان هيقف من الخضة، أرجوكي يا يارا وافقي اننا نتجوز الخميس دا!

شهقت يارا باستنكار وهي تحاول دفعه بعيدا عنها ولكنه لم يتزحزح واستمر في توزيع قبلاته الساخنة التي تلهب بشرتها وتثير فيها زوبعة من العواطف الهوجاء بينما هتفت باعتراض:
- الخميس دا؟، يعني كمان 3 ايام؟، لا لا مش هينفع يا اسامة أنا...
قاطعها وهو يقترب بشفتيه من شفتيها متمتما بشوق ملتهب: - انت ايه بس؟
أجابت بلهاث خفيف أفقده البقية الباقية من رباطة جأشه: - أنا...

لتلفح أنفاسها الساخنه صفحة وجهه فينقض عليها بعناق متطلب قاس بينما تتلمس يديه جسدها بشوق عارم مما جعل مقاومتها تضعف لتبادله قبلاته بشوق أشد...

بعد مدة طويلة ابتعد اسامة عنها بصعوبة مجبرا نفسه على التوقف قبل أن يغلبه توقه القوي لها وقال وهو يزفر أنفاسا ساخنة بينما يحمل صوته رنة تهديد واضحة بينما يسند جبهته الى جبهتها:
- اعملي حسابك الخميس اللي جاي جوازنا وأي نص ساعه تأخير انت اللي هتتحملي النتيجة!..

ضربت والدة اسامة على صدرها وابنها يبلغها بوعد الزفاف بينما يقف امامها شابكا أصابعه بأصابع يارا التي حاولت مرارا الفكاك منه ولكن دون جدوى، هتفت والدته باعتراض:
- لا لا لا خميس ايه يا بني؟، احنا انهرده الاتنين. مش هنلحق نعمل حاجه!

قال اسامة باصرار وحزم: - احنا متفقين اننا مش هنعمل أي حاجه علشان الظروف، هنعزم الناس القريبين مننا وبس، الفرح هيكون عبارة عن اشهار لجوازنا عشان الناس، وهنسافر يومها انا ويارا، انا قدمت على طلب اجازة شهر بحاله بإسمي واسمها علشان شهر العسل مش هنقص منه يوم واحد!، ولو الشغل مش هيوافق مش مشكله هناخد الأجازة ولو بالخصم!، يبقوا يخصموا من المرتب مش فارقة كتير!

اقتربت والدته منهما بينما تخضب وجه يارا بالاحمرار الشديد وهي تهمس بدون صوت ناظرة اليه بعتاب وخجل:
- مجنون!
ليبتسم أسامة الذي استطاع قراءة شفتيها ليبادلها بكلمة هامسة تمتمت بها شفتيه بينما غمزتها عينه بشيطنة ماكرة:
- بيكي!

فيما قالت والدته التي وقفت أمامهما تنقل نظراتها بينهما: - شوف. ز انا مش عارفة انت عملت في البنيّة ايه بالظبط؟، لكن اللي اعرفه انه. بردو وَ لَوْ!، مش معنى انه اشهار انها ما تتجهزش زي باقي البنات، شوف من الآخر كدا. الجواز هيبقى الخميس الأخير من الشهر دا. يعني بعد اسبوعين تقريبا. ها رأيك ايه يا يارا؟

أسدلت يارا عينيها الى الأسفل وأجابت بصوت خفيض خجِل بينما اسامة يصدر اصواتا معترضة:
- اللي تشوفيه يا ماما!
حدجها اسامة بنظرة حانقة في حين تابعت والدته بفرح: - ربنا يتمم بخير يا ولاد...
ليتحدث اسامة هاتفا بنزق: - بأه دا اتفاقنا يا يارا؟، طيب انا مش موافق!

لتبعد والدته يد يارا القابض عليها بين أصابعه عن يده بقوة وتجيبه هي عوضا عن يارا التي كتمت ضحكتها بصعوبة لتتلون بشرتها الخمرية بابتسامة خجل زادتها فتنة وجمالا وهي تسمع حماتها تقول بحزم أمومي مغيظ:
- المهم إن العروسة موافقة، احنا مش هنْكَروِت. ايه سلق بيض هو؟!، روح بأه لحال سبيلك شوف وراك ايه وما تعطلناش انا وبنتي حبيبتي ورانا لف كتير اووي.

ودفعت يارا أمامها لتسبقها في الخروج من غرفة الجلوس بينما تلاحقها نظرات اسامة بشوق واحباط!..

رن محمول همس بينما هي تتصفح شبكة المعلومات العنكبوتية امامها على حاسوبها الشخصي فألقت بنظرها اليه ليطالعها اسم حبيباً كان بالأمس أقرب اليها من أنفاسها ولكنه أصبح اليوم بعيداً عنها بعد السماء، أمسكت هاتفها في يدها ثم وضعته جانبا متجاهلة اياه ليعلو رنينه مرة اخرى وأخرى بينما هي تتجاهله في كل مرة!

استمر الهاتف في الرنين لمدة ربع ساعه متواصلة حتى كادت اعصاب همس ان تتدمر فضغطت زر الاجابة وهي في كامل انفعالها وهتفت بعصبية واضحة:
- نعم؟، أظن ما رديتش اول مرة يبقى خلاص!، مش ورا بعض ورا بعض ايه؟، حرق أعصاب وخلاص؟!..

لم ينطق مراد سوى بكلمة واحدة كانت أكثر من قادرة على سلبها جميع عصبيتها وانفعالها. كلمة كانت كالبلسم الشافي لروحها المجروحة. كلمة خرجت من أعماق روحه لتصل وبقوة الى أعماق قلبها. كلمة تلفظ بها بصوت هامس أجش:
- بحبك...

لينهي بعدها المحادثة مغلقا الهاتف تاركا اياها وقد ألجمتها الدهشة التي لم تلبث ان ذهبت ليحل بدلا منها الألم الرهيب الذي تشعر به ينخر في قلبها فاحتضنت هاتفها بينما تنسكب الدموع الغزيرة من عينيها الشفافتين مغرقة وجنتيها الشاحبتين!..

جلست همس بجوار لبنى بينما يلعب احمد ابنها باللعبة الاليكترونية الجديدة التي أهدتها له همس بمناسبة شفائه، وكان يشاركه في اللعب مهدي الذي كان في قمة سعادته، كان في منتهى الأريحية ويتعامل بطبيعية شديدة، كانت ضحكاته عالية تشي بسعادة صاحبها، وكان يتحدث مع الجميع بمرح جعل همس تنظر اليه بحنو وهي تقول في نفسها ان لبنى قد نجحت فيما فشلت فيه عائلتها. فقد أعادت اليهم مهدي الأول بنفس مرحه المعهود...

نظرت همس الى لبنى قائلة بابتسامة حانية: ما شاء الله على أحمد ابنك ربنا يخليهولك يارب.
ابتسمت لبنى لتجيب وهي ترمق صغيرها بنظرات رقيقة مليئة بالحب والحنان: - ربنا يخليكي يا همس ويرزقك بالذرية الصالحة ان شاء الله.

أحاطت همس بطنها بذراعيها لا إراديًّا بينما ارتسمت ابتسامة حانية على شفتيها وهي تشرد في طفلها هي ومراد الذي ينمو في أحشائها، كعادتها كلما تطرأ الحديث للكلام عن الأطفال، فكانت كثيرا ما تتلمس بطنها بيدها بحنان وهي تتحدث هامسة إلى طفلها تشتكي إليه من والده مرة وتحكي له عن حبها لوالده مرات!..

قالت همس للبنى بابتسامة خفيفة: - تسلميلي يا حبيبتي، بصراحة انا ارتحت لك من اول ما شوفتك ونفسي توافقي وتبقي اخت تالته ليا انا وريما.

أجابت لبنى بابتسامة صغيرة: - دا شرف ليا أنا يا همس، أنت كمان دخلت قلبي من اول ما شوفتك.
وضعت احلام الصينيه الموضوع فوقها كؤوس العصير على الطاولة الصغيرة بالقرب منهما لتجلس وهي تقول بعد ان تطرق إليها جملة لبنى الاخيرة:
- بصراحه القلوب عند بعضها.
التفتت همس الى أحلام قائلة بابتسامة: - ربنا يخليكي يا طنط، بصراحه انا بحسد لبنى على حضرتك، ما شاء الله دمك زي السكر.

علقت احلام ببهجة وهي تضحك: - انت اللي سكر والله.
فالتفتت همس الى لبنى المبتسمة وأردفت: - انا عاوزة اشكرك يا لبنى!
نظرت اليها لبنى بابتسامة حائرة وتساءلت مقطبة: - تشكريني؟، تشكريني على ايه يا همس؟

حانت من همس التفاتة الى شقيقها الجالس في آخر الغرفة مع احمد يلعبان بلعبة احمد الجديدة وكانت قد لاحظت تعلّق أحمد بمهدي في الآونة الأخيرة. فإن مرّ يوم ولم يتصل به مهدي للسؤال عنه كان أحمد يصر على أن يهاتفه هو بإلحاح شديد لدرجة جعلت لبنى تكاد تفقد رشدها.

أجابت همس بحنان بينما تتبعت لبنى سير نظراتها لترى عينيها تقعان على أخيها: - أشكرك انك قدرت تخلي مهدي يضحك من قلبه كدا، أنا من زمان ما شوفتوش بيضحك بالشكل دا والفرحة بتتنطط في عينيه!

قالت لبنى بهدوء بينما داخلها يعتصر بقوة فهي لا تنكر انها قد أصبحت مثل صغيرها تتلهف على مكالمته الهاتفية المعتادة يوميا كل مساء للسؤال عنها وعن أحمد:
- أنا ما عملتش حاجه يا همس.
سكتت قليلا ثم نظرت الى همس مردفة بهدوء وصدق: - شوفي يا همس. انا عارفة انك أكيد من جواكي مستغربة ازاي انا لسه على موقفي ورافضة مهدي، اللي بيجبرني اني ارفض حاجه اكبر مني ومنه يا همس!

نظرت اليها همس بجدية وسألتها: - انت مش بتحبيه يا لبنى؟
تفاجئت لبنى من سؤالها واندفعت هاتفة بقوة: - آه طبعا...
ثم بترت عبارتها قاضمة على لسانها لتفوهه بما لا تريد ان تفصح به لأيٍّ كان وتخضت وجهها باللون الأحمر الشديد لخجلها وهربت بنظراتها بعيدا عن عيني همس المبتسمتين لما اعترف به لسانها رغما عنها!، وسرعان ما ابتسمت همس وقالت بحنو:.

- بصي يا لبنى انا مش هسألك حاجات ايه دي اللي تمنع ارتباطك بأخويا. لكن أنا هنصحك نصيحة واحدة بس. إوعي تضيّعي حب حقيقي من إيدك، الحب الحقيقي فعلا عملة نادرة أوي دلوقتي، أوعي تفرطي فيه بسهولة، الحب دا بينكم انتم الاتنين. لازم أي قرار تاخديه تشركي في مهدي لأنه مش من حقك انك تاخدي قرار في حاجة مشتركة بينكم انتم الاتنين، لازم تحطيه في الصورة معاكي، انت قلت لمهدي؟، صارحتيه؟، قوليله وصارحيه وإديه فرصة انه يختار ويقرر معاكي. ليه تحرميه من حقه في الاختيار وتحرمي نفسكو من سعادة ممكن تعيشوها سوا ومن حب حقيقي مش بسهولة ومن الصعب جدا وممكن يكون مستحيل أنه يتعوّض؟!

سكتت همس فيما غامت عينا لبنى وقد شردت الى البعيد حتى أنها لم تشعر بهمس وهي تنهض وتنصرف لتنتبه بعد ذلك وفي غضون ثوان ما إن تلفتت حولها أن المكان خال إلا منها هي و. مهدي!

دخل أدهم الى غرفة النوم متأففا فالتفتت اليه ريتاج وهي تجلس الى كرسي زينتها وتساءلت بهدوء:
- مالك يا ادهم؟
تقدم ادهم بضع خطوات الى منتصف الغرفة ووقف مجيبا: - ابنك يا تاج!
نهضت ريتاج واقفة وتقدمت قليلا حتى وقفت على مقربة منه وهي تقول مقطبة: - مراد؟، مالُه؟

تنهد ادهم بعمق قائلا: - هيجنينني!، بقوله انت ليه ساكت على موضوعك انت وهمس عجبك حالكم دا يبص لي ببرود ويرد يقول انتو قلتوا اللي عندكم ودي حياتي انا سيبوني انا احل مشاكلي براحتى!، المصيبة انه واقف محلك سر!، انا مش شايفُه بيحاول حتى انه يروح يتفاهم مع نزار!، لو الموضوع طوّل أكتر من كدا هيبقى التفاهم بعد كدا صعب ويبقى لازم ينفذ طلب همس.

ابتسمت ريتاج معلّقة ببرود: - أنا شايفه انه ما غلطش في حاجه، حقه أنه يعيد حساباته من تاني، وبردو حقه أنه يطلب منكم تسيبوه هو ومراته يحلوا مشاكلهم بنفسهم. خصوصا ان همس غلطت وتتحمل نسبة كبيرة من اللي حصل، ما كانش ينفع تطلع مع اسامة الشقة فوق. غلط وأكبر غلط كمان!

قطع أدهم الخطوات الفاصلة بينهما ليقف أمامها ويميل عليها ناظرا اليها بعمق متسائلا بتقطيبة عميقة فوق جبينه:
- يعني في رأيك مراد ما غلطش؟، لما يشكْ في مراته والشّك دا يوصل لمرحلة انه ممكن كان يعمل جريمة ومش بس كدا لأ. دا مد ايده عليها كمان وضربها. دا في رأيك مش غلط؟!

زفرت ريتاج بضيق وهتفت بحدة: - انا مش بعفي مراد من اللوم، أنا معترفة ان مراد بالغ في رد فعله اووي وغلط مش بنكر. لكن انا بتكلم ان همس شاركت في الغلط، همس تتحمل جانب كبير جدا من اللوم وان الموضوع يوصل لكدا بتصرفها الغير مسؤول.

سكتت قليلا ثم تنهدت بنفاذ صبر متابعة: - بقولك ايه يا ادهم. ممكن تعمل زيي؟، خليك مشاهد بس، استنى شوف ابنك هيتصرف ازاي ولو لاقيت ان الموضوع محتاج انك تتدخل يبقى ساعتها اتدخل لكن سيب له فرصة انه يصلح بينه وبين مراته!

قال ادهم ساخرا: - عاوزة تفهميني انك متفرجه وبس يا تاج؟، انا حافظك يا تاجي وزي ما انا عارفك كويس أنا كمان عارف ابني كويس أوي، مش دا مراد اللي انا شايفه قودامي اليومين دول!، مراد اللي انا عارفه عصبي وانفعالاته سابقة تفكيره، لكن مراد اللي بشوفه دلوقتي واحد تاني خالص، بيتعامل بهدوء زيادة وصبر وبرود مش من طباعه. فأكيد دي تعليماتك أنتِ!..

ضحكت ريتاج ضحكة ساخرة صغيرة وأجابت: - حتى لو اللي بتقوله دا صحيح وانه بينفذ توجيهاتي، تقدر تقوللي دا يزعلك في إيه إن شاء الله؟، المفروض دي حاجة تفرحك أن مراد ابتدا يتغير ويسيب عصبيته وانفعاله دول شوية ويتعامل بهدوء أكتر، إيه المشكلة لما انصح ابني بحاجه في مصلحته؟، لكن انا هريّحك. لا يا أدهم. أنا لسه بتفرّج. مش بحشر مناخيري في اللي ماليش فيه!..

أحاط أدهم خصر ريتاج بذراعيه وقال وهو يشدها اليه بقوة: - أنا يا تاج؟، أنا بحشر نفسي في اللي ماليش فيه؟، ايه قصدك تقولي انى حشري يعني؟

أجابته ريتاج وهي تحاول دفعه بعيدا: - أهو. انت اللي قلت انك حشري!، وبعدين انت بئيت تجادل معايا كتير أووي اليومين دول لما بئيت ماشية بدوا قرحة المعدة على طول. انت اتغيرت يا ادهم!

لم يعر أدهم محاولاتها للابتعاد عنه انتباها واحتضنها مشددا عليها مطلقا ضحكة مجلجلة وهو يقول:
- أنا اللي اتغيرت ولا انت اللي كبرتِ؟!
هدأت قليلا ورفعت اليه عيناها بدهشة هاتفة باستنكار حانق: - أيه؟
وما لبثت أن برقت عيناها بشرارات من لهب ناري وأردفت بغضب عنيف هاتفة وهي تدفعه في كتفه بقوة:
- يا سلام. ليه يعني؟، انت اكبر مني ب 8 سنين واساسا اللي يشوفني جنب بنتك يفتكرنا اخوات.

ثم تابعت راغبة في إثارة غيظه واستفزازه: - واللي يشوفني جنبك يفتكرك، بابي!، وان كنت ناسي أفكرك!
ونظرت اليه بسخرية رافعة حاجبها الأيمن بخبث وعينيها الماكرتين تداعبانه بإغاظة!

ضغط ادهم بذراعيه حولها وهو ينظر اليها قائلا: - بابي، ما تفكرنيش. انا أونكل مش كدا؟!

غامت عيني ريتاج بحلاوة الذكرى التي تدافعت اليها هي وأدهم وهما يتذكران ما حدث في الفندق الذي قضيا فيه ليلة زفافهما وكيف استفزها لتجعل من شكلها كفتاة صغيرة مما جعل أحد النزلاء الشباب يتقرب منها بغرض مغازلتها وعندما تصدى له ادهم عرض عليه القدوم مع والده لخطبتها لاثبات حسن نواياه وانه بالفعل يريد الارتباط ب، ابنته!

همس ادهم بصوت حان: - فاكرة؟، كنت هتخليني ارتكب جناية يومها!
تتبعت ريتاج بإصبعها خطوطا وهمية على كتفيه وهي تتمتم بخفوت: - انت اللي على طول كنت نار قايده. تمام زي ابنك دلوقتي. ما كنتش بتستحمل حد يبص لي بطرف عينه حتى!

مال ادهم بوجهه عليها ليمطر صدغها بوابل من القبلات الساخنة وهو يهمس من بين قبلاته الملهوفة:
- كنت؟، انا كنت وما زلت ولغاية آخر نفس في صدري وأنا بحبك وبموت من الغيرة عليكي.

ما ان همت بالكلام حتى وجدت شفتيه ضالتهما ملتهمة شفتيها ليمتص رحيقهما فيروي عطشا شديدا مهما نهل من عذب شفتيها فإنه لا يستطيع الارتواء أبدا!

ابتعد أدهم عن ريتاج مجبرا ما ان سمع صوت دقات على الباب لتبلغه الخادمة بوجود ضيف بانتظاره في غرفة المكتب، تحدث بصوت حاول ان يتحكم بتماسكه بصعوبة بينما أنفاسه تخرج ثائرة وجسده يعترض وبقوة على حرمانه من نعيم قربها:
- اوكي يا دادة، اعملي فنجالين قهوة على ما أنزل.
ابتعدت خطوات الخادمة لينظر ادهم الى تاجه بوجهها الاحمر وشعرها الذي شعثت خصلاته لمداعبته بأصابعه بشدة وقال بصوت يقطر رغبة:.

- هضطر اسيبك وانزل اشوف مين. دا أكيد خليل المحاسب كنت طلبت منه يفوّت عليا فايل المناقصة الأخيرة كان فيه شوية تعديلات طلبتها منه، لكن أوعدك انهرده هثبت لك انى لسه بموت فيكي زي الأول واكتر كمان.

ثم غمزها بخبث واتجه خارجا من الغرفة بينما ضغطت بيدها على معدتها المهتاجة وما أن أغلق الباب خلفه حتى أسرعت الى الحمام الملحق بالغرفة وهي تشعر بنار في جوفها لتتقيأ ما في معدتها حتى شعرت ان معدتها تكاد تخرج من جوفها، وكانت قد حاولت التماسك قدر استطاعتها كي لا ينتبه أدهم الى حالتها...

بعد ان غسلت فمها جيدا نظرت الى نفسها في المرآة المثبتة على الجدار الرخامي أمامها وهمست باضطراب بينما تسلل الخوف ليحكم قبضته على قلبها:
- انا لازم اروح للدكتور واضح كدا ان الموضوع مش موضوع حموضة عادية، انا جوايا نار بتكويني، ربنا يستر!

بينما هاجمتها كافة الهواجس السوداء عما يكون سبب ما يحدث لها منذ فترة ليست بالبعيدة وتلك الآلام الشديدة التي تداهمها فجأة وبمنتهى القوة حتى تكاد تفتك بها.

فقد كانت قبلا تتجاهلها معللة السبب أنها راجعة الى القولون العصبي الذي تعاني منه منذ زمن ولكن الأمور تتطور إلى الأسوأ وبسرعة كبيرة ولا بد لها من الوقوف على السبب الحقيقي لحالتها الصحية الراهنة وذلك الضعف والوهن الذي يصيبها على فترات متقاربة ولمدة ليست بالقصيرة، لا بد لها من الذهاب الى الطبيب حتى لو تحققت أسوأ مخاوفها!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة