قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية كبرياء أنثى (نساء متمردات ج2) للكاتبة منى لطفي الفصل الثاني عشر

رواية كبرياء أنثى (نساء متمردات ج2) للكاتبة منى لطفي الفصل الثاني عشر

رواية كبرياء أنثى (نساء متمردات ج2) للكاتبة منى لطفي الفصل الثاني عشر

لامست زجاج نافذة غرفة الرعاية المركزة البارد بأصابع تضاهيه برودة وقد انفصلت تماما عما حولها مركزة فقط في الجسد المسجى امامها الذي يخرج منه العديد من الخراطيم والانابيب الرفيعه بينما تلتقط أذناها بعض من بكاء ونحيب، تريد ان تلتفت اليهم وتصرخ بهم آمرة اياهم بالكف عن البكاء فمُرادها حي ولن يتركها! منذ ان استيقظت من اغمائتها بعد سماع خبر الحادثة التي تعرض اليها مراد واسلام وقد صممت على الذهاب معهم الى المشفى وهي تقف وقفتها هذه. لا تعلم منذ متى وهي واقفة ولكنها تعلم جيدا انه منذ لحظة خروج مراد من غرفة العمليات ووضعه في غرفة الرعاية المركزة وكلام الطبيب الذي جاء مقلقا وبشدة عن حالة مراد الصحية من ان الحادث كان قويا وانه قد عملوا ما في استطاعتهم لوقف نزيف المخ الداخلي ولكنهم لن يستطيعوا تحديد مدى خطورة الحالة الا بعد ان يستفيق وهي تقف وقفتها هذه ولسانها لم يكف عن الدعاء الى الله العلي القدير أن يمن عليه بالشفاء...

تاج روّحي انت علشان ماما سعاد انا ومحمود هنفضل موجودين .
نظرت ريتاج بعينين منتفختين من البكاء الى مها الجالسة بجوارها وقالت بصوت خافتا من شدة الحزن:
- لا حبيبتي انا هفضل لغاية ما يفوق واطمن عليه.
نظرت الى اسلام الواقف بعيدا شاردا ينظر الى مراد من خلال زجاج غرفة الرعاية المركزة وقد وقفت بجواره شمس التي لم تكف عن البكاء منذ لحظة سماعهم خبر الحادث وقالت لمها:.

- خدي اسلام وروحوا، ابنك تعبان يا مها، كفاية اللي حصل له ولازم له الراحة. وانا متاكده ان شاء الله ان مراد هيقوم لنا بالسلامة كلها ابتلاءات من عند ربنا.

قالت مها وهي تربت على ذراعها: - اكيد ان شاء الله ربنا هيقومه لنا كلنا بالسلامة.
قامت مها متجهة الى محمود الواقف بجوار ادهم الواقف كما الطود ينظر الى ابنه الكبير قطعة منه وهو يشعر بالعجز عن فعل شيء له داعيا الله ان يشفيه...

اسلام. علشان خاطري. كلمني يا اسلام، طيب بلاش تتكلم، انت نزفت دم كتير اووي. اشرب علبة العصير دي.

ثم مدت شمس يدها اليه بعلبة العصير التي ابتاعتها مخصوص من كافتيريا المشفى لاسلام بعد ان شدد الطبيب عليه بأنه لا بد وان يشرب كمية وافرة من السوائل ليعوض كمية الدم التي فقدها بجانب المحاليل التي قاموا باعطائها له في المشفى، قال اسلام بجمود دون ان ينظر اليها:
- مش عاوز يا شمس.

شمس وهي تعض على باطن شفتها السفلى لتمنع شهقة البكاء من الخروج: - علشان خاطري يا اسلام. مش هستحمل لو جرالك حاجه انت كمان. مش كفاية مراد!
اسلام ونظره معلقا بجسد مراد الراقد خلف الزجاج: - مش قادر اتخيل يا شمس. ثانية واحده يا شمس. ثانية واحده فرقت، في لحظة بيتكلم وبيصرخ وفي التانية...

مسح بطرف اصبعه دمعه في زاوية عينه بينما قالت شمس: - اسلام انت شوفت مراد فين؟ وايه اللي خلاه يسوق بالسرعه الجنونية دي؟

قال وهو يتنهد بعمق: - كان نازل من شركة عمي نزار شوفته وانا رايح لعصام، وكان. كان منفعل اووي، زي ما انت عارفة اخوك لما بيتعصب بيكون عامل ازاي، وسواق العربية النقل كان ماشي مخالف وبسرعه جامده وفي ثانية مراد جه يتفاداه بس الخبطة كانت من ناحيته هو العربية لفت حوالين نفسها كم مرة لغاية ما ضربت في شجرة...

اقشعر بدن شمس من وصف اسلام للحادث، ثم انتبهت لكلام اسلام عن وجود مراد في شركة عمها نزار. لا تعلم لم تشعر ان همس تعلم بسبب وجود مراد في شركة والدها او على اقل تقدير تعلم بسبب اندفاع مراد غاضبا من الشركة...

اسلام، ياللا علشان نروّح وهنيجي الصبح ان شاء الله . نظر اسلام الى محدثه والتي كانت أمه فقال نافيا بقوة:
- انا مش متحرك من هنا لغاية مراد ما يفوق.
قالت مها محاولة اقناعه: - حبيبي الدكتور كان لسه عنده وقال انه قودامه على الاقل 24 ساعه في الرعاية ولما يفوق هيبلغونا بس انت لازم ترتاح.

هتفت شمس برجاء: - وانا من رأي طنط مها يا اسلام.
نظر اسلام الى والدته وقال: - انا هروح علشان أغيّر هدومي بس، وهرجع تاني.
أومأت والدته برأسها ايجابا والتفتت الى شمس قائلة: وانت يا شمس حبيبتي روحى على الاقل علشان طنط سعاد هي ما تعرفش حاجه واكيد تستغرب انكم كلكم مش في البيت.

هزت شمس براسها ايجابا وقالت: - هشوف بابا وماما كدا وهحصلكم.
لم تفلح جميع محاولات نزار وراندا في جعل همس تغادر المشفى بل ان خالها ادهم قد حاول مرارا جعلها تذهب لتنال قسطا من الراحة ولكنها كانت ترفض بهزة رأس قاطعه بينما اعتلى ملامحها جمودا تاما وهي على وقفتها امام زجاج غرفة الرعاية، حيث كانت تقف بينهم بجسدها بينما تشعر ان روحها انفصلت عنها لتلتقي بروحه هو حيث هي الآن!..

انتبهت همس على تربيتة حانية فالتفتت لتشاهد ملامح طيبة تقول صاحبتها بابتسامة: - هيقوم بالسلامة ان شاء الله.
ثم انتبهت هذه الممرضة الطيبة الى خاتم الخطبة في يد همس فقالت بابتسامة: - خطيبك؟!
ثم تابعت من دون انتظار سماع ردها: - يا حبيبتي. ربنا ما يحرمكم من بعض ابدا شكلك بتحبيه اووي.

امسكت همس يدها اليمنى بيدها الاخرى اليسرى وتلاعبت قليلا في خاتم خطبتها لاسامة والتي اعتقدته الممرضة خاتم مراد وقالت بشرود:
- أوووي!..
قالت الممرضة بابتسامة متلهفة وكأنها ستعيد الحياة لتلك الشابة التي فقد وجهها كل معنى من معاني الحياة منذ لحظة وصولها المشفى:
- بقولك ايه. تحبي تشوفيه؟
وكأنها تخيرها بين الموت والحياة! التفتت اليها همس بقوة وقالت بلهفة: - ممكن؟

ابتسمت الممرضة بثقة وقالت: - هو ممنوع لكن ولا يهمك صابرين ما يوقفش حاجه قودامها. بس هما دقيقتين بس، علشان ما تئذيش ولا اخد جزا ماشي؟

هزت همس برأسها موافقة واتجهت معها لترتدي الزيّ المناسب لدخول غرفة الرعاية بعد انصراف الجميع لتبديل ثيابهم على ان يعودوا مساءا...

اقتربت همس بخطوات بطيئة الى ان وقفت بجوار جسد مراد الراقد امامها وقد خرجت منه خراطيم كثيرة بينما اختفى نصف وجهه خلف قناع الاكسجين، سحبت همس كرسيا وضعته بجواره وجلست عليه وهي تتشرب من معالم وجهه، حبست دموعها بقوة فقد عاهدت نفسها انها ابدا لن تبكيه فهو سيشفى وسيعود اليها ثانية مُرادها التي لن تخاطر بفقده ثانية ابدا.

مالت على يده الموضوعه بجواره على الفراش موصولا بها الانبوب المغذي وقبلتها بشفاه ترتعش وقالت:
- ما تسيبنيش يا مراد. قاوم علشان خاطري، علشان همسك!
شعرت بارتعاشة خفيفة في اصابعه فرفعت راسها مسرعه لترى عينيه وهما ينظران اليها نظرة ضعيفة وشبح ابتسامة مرسوم على وجهه قبل ان يغيب عن الوعي ثانية!

خرجت همس مسرعه من عند مراد ونادت الممرضة قائلة لها ان مراد فتح عينيه ونظر اليها سارعت الممرضة للذهاب الى الطبيب الذي حضر بسرعه ودخل اليه تاركا همس واقفة القلق يتآكلها وبعد هنيهة خرج حيث اندفعت اليه همس سائلة بلهفة:
- خير يا دكتور؟
قال الطبيب معاتبا: - اولا غلط انك تدخلي عنده.

ارتبكت صابرين واشاحت بوجهها وجلة بينما تابع الطبيب قائلا بهدوء: - لغاية دلوقتي كل المؤشرات الحيوية بتاعته في تحسن الحمد لله بس بردو لازم يمر على الاقل 24 ساعه قبل ما نحدد الحالة بالظبط وصلت لفين.

هز راسه لها بالتحية وانصرف تاركا اياها تتابع النظر الى حبيبها الراقد امامها بلا حول ولا قوة!..

أفاق مراد بعد يومين طوال مروا على عائلته وكأنهما سنوات، طمأنهما الطبيب الى ان جميع مؤشراته الحيوية بخير ولكن لا بد من اجراء بعض الاشعة للتأكد من استقرار حالته الصحية خاصة شكواه المتكررة منذ ان استيقظ من انه لا يشعر بجزئه السفلي ولكن الطبيب برر ذلك لكثرة المسكنات والمهدئات التي كان يأخذها للتخفيف من حدة الألم بعد العملية!..

طرقت همس الباب على والديها فسمعت الاذن بالدخول، دخلت واغلقت الباب وراءها، تقدمت حتى وقفت امامهما حيث كانا جالسين على الاريكة العريضة بغرفتهما، نظرت راندا بحنان امومي الى ابنتها ومدت يدها وقد استشعرت بحاسة الامومة الحيرة التي تنتاب ابنتها ورغم انها تكاد تجزم انها تعلم سبب هذه الحيرة ولكنها في انتظار ابنتها لتفصح عن السبب بلسانها!، قالت راندا الى همس التي توسطت الجلسة بين والديها:.

- خير يا هموسة. وشّك عليه كلام كتير؟!
بينما قال نزار بصبر الأب: - خير يا مذيعتنا الجميلة؟، انت مش بتيجي تاخدي رايي انا وماما غير لما تكونى محتارة وحيرة شديدة كمان!

تاهت همس بنظراتها قبل ان تستقر في الفراغ امامها وهي تحاول تمالك نفسها والتحدث بهدوء قائلة:
- بابا حضرتك علمتني انه مش عيب ان الانسان يغلط لكن العيب انه يتمادى في الغلط!

قطب نزار وقال بشبح ابتسامة: - تمام كدا.
تابعت بتردد نسبي: - بابا انا غلطت واخدت قرار في لحظ تهور وعناد وعاوزة اصلح قراري دا!
تنهد نزار بعمق بينما تحدثت راندا بهدوء قائلة كلمة واحده: - اسامة!
التفتت همس اليها سريعا وقالت بتساؤل: - حضرتك عرفت ازاي؟
ابتسمت راندا قائلة: - يا بنتي دا انت بنتي انا، انا اللي مربياكي واقدر اعرف من عينيكي انت عاوزة ايه وبتفكري في ايه من غير ما تقولي.

في حين قال نزار بجدية: - ودا اكيد له علاقة بحادثة مراد؟

همس برجاء: - ارجوك يا بابا افهمني. انا، انتو عارفين ان اسامة دخل حياتي في وقت صعب، اللي حصل لمراد خلاني اواجه نفسي يا ترى هقدر فعلا اقطع كل خيط يربطني بمراد؟ بابا انتو علمتونا ان الواحد لازم يكون صريح مع نفسه الاول قبل ما يكون صريح مع الناس، وبعدين اسامة انسان ممتاز ما يستاهلش مني غير اني ابادله الإحساس الجميل اللي ليا عنده وانا للاسف مش قادرة، ومش عاوزة استنى لغاية نتيجة الاشعة ما تطلع علشان انا حاسمة امري.

قال نزار وهو يربت على كتفها: - همس يا بنتي ما انكرش انى كنت مبسوط اووي بخطوبتك لأسامة، لانى حاسيت فيه بالالتزام وانه فعلا دا الانسان اللي تقدري تحسي معاه بالأمان. عكس شعوري ناحية مراد اللي دايما بيحسسني انى افضل مستعد لاي جنون ممكن يصدر منه لكن في الاول والآخر دي حياتك انت ولو عاوزاني انا افاتح اسامة في موضوعكم انا معنديش مانع، خلي بالك مراد ابن خالك ما تقدملكيش رسمي وممكن بعد الحادثة دي نفسيته تبقى وحشة ويقلب على الكل واولهم انتي.

برقت عينا همس بعزم وقالت: - وانا مش مستنية ان مراد يتقدم لي علشان اسيب اسامة انا بتكلم عني انا. انا مقدرش ارتبط بواحد وانا بفكر في واحد تاني دي خيانه وانا برفض الخيانه مهما كان صورها واشكالها.

قبل نزار جبهتها وقال وهو ينهض واقفا: - ربنا يهديكي يا بنتي، راندا لو سمحت انا هنزل المكتب يا ريت تقولي لأم سعيد تعمل لي فنجان قهوة.

قالت راندا بابتسامة: - وليه ام سعيد؟، حالا احلى فنجان قهوة مظبوط عندك.
انتظرت حتى انصرف نزار قبل ان تلتفت الى همس قائلة بابتسامة صغيرة: - تقدري تقوليلي بأه ليه من ساعه ابن خالك ما فاق ما زورتيهوش مرة واحده؟ اللي يشوفك اليومين اللي كان فيهم في الرعاية المركزة يقول انت مش هتفارقيه لحظة؟

عضت همس على شفتيها بأسنانها اللؤلؤية وقالت: - مش عارفة يا ماما. بس كل اللي انا حاساه انى مش هقدر احط عيني في عينه. زي ما اكون انا السبب في اللي جرى له!

قطبت راندا وقالت بقلق: - ايه؟ وليه الاحساس دا جالك يا همس؟
نظرت همس الى والدتها ثم قالت باضطراب واضح: - انا هحكيلك يا ماما لاني تعبت بجد.
وانصرفت تحكي لامها تفاصيل اللقاء الاخير بينها وبين مراد في مكتب عصام بشركة والدها!

احتضنت راندا ابنتها بعد انتهائها من حديثها وقالت لها: - همس حبيبتي مش عاوزاكي تحملي نفسك ذنب حاجه مالكيش يد فيها. دا كله مقدر ومكتوب. المهم دلوقتي تفكري ازاي تفاتحي اسامة من غير ما تجرحيه مع انى عارفة ومتأكده انه أي طريقة هتقولي بيها خبر انك عاوزة تسيبوا بعض هتجرحه لاني حاسيت بحبه ليكي.

هزت همس راسها موافقة على كلام امها.

ايه يا كابتن مراد حد يطول تاج هانم بنفسها تأكله وانت تدلع مش عاوز تاكل؟ .
نظر مراد الى والده الواقف بجواره مبتسم بينما تجلس ريتاج بجواره على فراش المشفى واضعة صينية الطعام على المائدة المخصصة لذلك امامه وتقوم بشتى المحاولات لحمله على تناول الطعام، قال مراد بسخرية خفيفة:
- دي غيرة دي بأه يا بووس ولا ايه؟
هتفت ريتاج بنزق: - انت مش هتبطل تريئة؟ اتفضل كُل يا مراد انت لازم تتغذى كويس.

قال اسلام الواقف مستندا على الحائط بينما ذراعه الشمال لا يزال في الجبس وان كان قد وضعه في رباط مخصص له يلتف حول عنقه:
- ما تزعّلش طنط تاج منك بأه. انت ايه دا كلنا عمالين نتحايل عليك.
دخلت شمس وهي تبتسم هاتفة: - السلام عليكم.

ردد الموجودون تحيتها، ثم اتجهت الى مراد مالت عليه مقبلة وجنته فهمس لها: - همس فين؟ ما شوفتهاش من ساعه ما فوئت! انت مش اكدتي لي انها كانت معايا في الرعاية فعلا وما كانش حلم زي ما كان بيتهيالي؟ منين فضلت يومين واقفة على باب العناية المركزة ومنين من ساعه ما صحيت ما شوفتهاش خالص؟

نظرت شمس الى شقيقها وغمزت بمكر قائلة: - لو كنت صبرت على رزقك شوية. عموما يا سيدي هانت!
قطب مراد قائلا: - يعني ايه؟
اجابت شمس باستفزاز قبل ان تعتدل واقفة: - خليها مفاجأة احسن وفكر شوية يا سيادة نائب رئيس مجلس الادارة وانت هتفهم!
وبعدها اتجهت الى والدها ووالدتها مقبلة اياهما ثم وقفت امام اسلام ونظرت اليه بنظرات ناعمه وقالت برقة:
- ازيك يا اسلام. عامل ايه دلوقتي؟

اجاب اسلام بعد ان سعل قليلا ليجلي حنجرته: - الحمد لله بخير.
نظرت اليه شمس بنظرات غامضة ثم نظرت الى والديها قليلا قبل ان تعيد نظراتها اليه قائلة بهدوء:
- أنا، أنا آسفة!
نظر اليها اسلام وقد فوجئ من اعتذارها فتابعت بابتسامة صغيرة: - انا عارفة ان الاعتذار جِه متأخر واووي كمان. لكن انا اتعلمت ان اللي يغلط لازم يعتذر.

قال اسلام بهدوء بعد ان اتنفس بعمق بينما انشغل الباقون بالحديث سويا: - انا كمان آسف يا شمس. مش من حقي اني أشكك فيكي او احاسبك. بس.
بتر عبارته فاستفهمت بلهفة: - بس ايه يا اسلام؟
ابتلع ريقه قائلا: انا، خايف عليكي يا شمس. بس اوعدك انى هحاول ما اتدخلش في حياتك الشخصية تاني خالص!

ذهلت شمس من حديثه ولكنها ما لبثت ان ارتسمت ابتسامة ماكرة على شفتيها وهي تلاحظ انه تحاشى النظر في عينيها ثم مالت عليه هامسة:
- واذا كنت انا عاوزاك تدخّل!
نظر اليها بذهول وحيرة بينما ارتسمت ابتسامة عابثة على شفتيها المكتنزتين فابتلع اسلام ريقه قبل ان يستفهم بذهول بينما يضرب قلبه في جنبات صدره بقوة:
- يعني ايه؟
ضحكت شمس قائلة: - هقولك زي ما قلت لمراد. فكر فيها شوية!

ثم انصرفت من امامه لتجالس اخيها تاركة اياه وهو لا يعرف أيصدق ما يهمس به قلبه أم تراها لعبة من الاعيبها الصغيرة الماكرة؟!..

همس حبيبتي ازيك. قلقتيني لما طلبت اننا نتقابل ضروري.
ابتلعت همس ريقها بينما أردف اسامة وهو يشيرالى النادل: - تشربي ايه الاول؟، نظرت همس الى النادل الذي أتى مسرعا وقالت بصوت خافت: - لمون.
طلب اسامة نفس طلبها وما ان انصرف النادل حتى قالت همس محاولة تمالك اعصابها: - اسامة انت عارف رأيي فيك من زمان. انت راجل بجد، وانا حقيقي فخورة بيك جدا.

ابتسم اسامة بريبة وقال بتساؤل: - ايه لازمته الكلام دا يا همس دلوقتي، ما انا عارف رايك فيا والا ما كونتيش وافقت على ارتباطنا من الاول.

لعقت همس شفتيها قبل ان تقول بخفوت: - وعلشان انت عظيم اووي كدا تستحق مني انى اكون صريحه معاك.
نظر اليها بتساؤل وهمت بالكلام عندما قاطعهما النادل حاملا طلبهما الذي وضعه امامهما وانصرف بينما تابعت همس وهي تستنشق عاليا:
- اسامة. انا مش هقدر اكمل معاك!
قطب اسامة قليلا ثم هتف بذهول حائر: - ايه؟

كررت همس حديثها ثم قالت: - انت تستاهل واحده تبادلك نفس مشاعرك يا اسامة. انا. أنا ما انكرش انك ليك معزة خاصة عندي لكن الجواز شيء تاني.

اسامة ساخرا: - وانت معرفتيش ان الجواز حاجه تانية غير لما مراد ابن خالك عمل الحادثة؟
ازدرت همس ريقها واجابت: - مش هكدب عليك واقولك لأ. بس كل اللي عمَلِته الحادثة دي انها خلتني فوقت بسرعه قبل ما افوق متأخر اووي. انت بجد انسان جميل وتستاهل كل خير تستاهل واحده تبادلك عواطفك الصادقة دي.

ابتلع اسامة ريقه بصعوبة وقال مبتسما ابتسامة مريرة: - عارفة يا همس. معرفش ليه طول فترة ارتباطنا وانا حاسس زي ما اكون بحلم!، وفعلا طلع حلم جميل، مش هنكر واقول انى مش زعلان لا زعلان واووي كمان. بس الحاجه اللي بحترمها فيكي صراحتك. مع انها آلمتني اووي لكن في نفس الوقت مش قادر غير انى اعجب بيها واقولك يا ريته يستاهلك فعلا يا همس. عارفة انا لو عندي نسبة 1 % انك ممكن تحبيني زي ما بحبك كنت قلبت الدنيا وعمري ما سيبتك ابدا. لكن انا دلوقتي حاسيت فعلا انه اللي جواكي تقدير واعجاب مش اكتر ومش دي المشاعر اللي انا بطلبها من الانسانة اللى عاوز ارتبط بيها.

ابتسمت همس ابتسامة صغيرة وقالت: - اسامة انا متاكده انك قريب وقريب اووي هتلاقي الانسانة اللي انت تستاهلها بجد ولو انى شايفه انك لو ركزت حواليك شوية هتشوفها!

ثم تناولت حقيبتها اليدوية وفتحتها مخرجة منها علبتين من المخمل احداهما صغيرة والاخرى متوسطة الحجم ووضعتهما امامه على الطاولة قائلة بابتسامة واهية:
- اتمنى اننا نفضل اصدقاء. لانك بجد انسان اعتز بصداقته جدا.
هز اسامة براسه فقامت همس مغادرة له بينما مد يده متناولا العلبة المخملية الصغيرة فاتحا اياها ليظهر له خاتم خطبته لهمس!

وصلت همس الى المشفى وصعدت حيث الطابق الموجود به مراد واقتربت من غرفته لتجد ريتاج وادهم مع شمس واسلام بعد ان تبادلت معهم السلام انزوت بشمس مستفهمة منها عن سبب وقوفهم بجوار غرفة مراد فأخبرتها ان الطبيب بالداخل يعاينه قبل ان يقوم بعمل الاشعة المطلوبة، بعد قليل خرج الطبيب يتبعه الممرض دافعا كرسيا ذو عجلات يجلس عليه مراد متجها لغرفة الاشعة، ابتسم الواقفين جميعهم بأمل لمراد ومالت عليه والدته قائلة بحب:.

- انا متاكده ان شاء الله مش هيطلع فيه حاجه وانه زي ما الدكتور قال كتر المسكنات هي اللي مسببة الخمول اللي انت حاسس بيه دا.

هز مراد برأسه موافقا ودفعه الممرض بينما كان يبحث بعينيه عن عينين طال اشتياقه اليها!

نتيجة الاشعة بكرة ان شاء الله. دلوقتي احنا هنسيبك يا بطل وهنرجع بالليل.
نادى مراد على شمس قبل ذهابها فحضرت اليه مسرعة: - نعم يا مراد؟
قال لها بتساؤل: - انت مش قلتيلي ان همس جاية انهرده. اتاخرت ليه؟

هزت كتفيها علامة الجهل وقالت: - هي فعلا جات، بس انت وقتها الدكتور كان معاك جوا قبل ما تروح تعمل الاشعة وبعدين استأذنت وقالت انها وراها مشوار ضروري هتعمله وهتبقى تفوت عليك. عموما ممكن تكون عندها مشوار مع خطيبها ولا حاجه!

لم تخبر همس احدا بعد بنبأ فك خطوبتها مع اسامة، اغمض مراد عينيه بقوة وقال بغضب من بين اسنانه:
- شمس، انا مش ناقص، امشي من وشي، وياريت ما تجيبيليش سيرة عريس الغفلة دا تاني. وعموما احسن انى ما شوفتهاش انا اساسا مش عاوزها تشوفني وانا كدا، لما ابقى كويس واقف على رجلي.

غمزته شمس قائلة: - عليا انا بردو! بأه مش عاوز همس تشوفك وانت كدا، ماشي يا كبير، هعمل نفسي مصدقاك المرة دي وليك عليا ما عدت اجيب لك سيرة أسامة دا تانى خالص.

نظرت اليه شمس بابتسامة قبل ان تستدير منصرفة مع والديها بينما تنهد مراد بعمق مغمضا عينيه ساندا رأسه المضمدة على السرير وراؤه...

شعر بدخول شخص الى غرفته فاعتقدها الممرضة كعادتها كل مساء واذ برائحة ورد عطرة تفوح بالمكان، فتح عينيه لتطالعه اجمل ابتسامة من بين باقة كبيرة من الورود تقول صاحبتها:
- دِين عليا لازم أوفيه، بس للاسف مش هقدر اجيب لك ورد بالكمية اللي كنت بتجيبهالي، كدا هفلِّس بسرعه!

نظر مراد بدهشة وهتف بدون تصديق: - همس!
وضعت همس باقة الورود فوق الطاولة التي تتوسط غرفته ثم سارت اليه ووقفت بجوار فراشه ناظرة اليه بابتسامة وقالت:
- حمدلله على السلامة.
نظر اليها مراد بعتاب وقال: - الله يسلمك، خرجت من العناية المركزة من اربع ايام ودلوقتي بس افتكرتي تزوريني؟

قالت همس بابتسامة: - معلهش يا مراد. ما انا كنت بطمن عليك من شمس على طول وبعدين قلت يعني اسيب طنط ريتاج تشبع منك براحتها وما اعملش زحمه!

قال بسخرية خفيفة: - يعني هي جات عليكي انت! ولا مش مهم عندك انك تشوفيني بعد ما فوئت مع ان شمس حكيت لي انك مامشيتيش من قودامة اودة الرعاية طول ما انا فيها الا يدوب على اد تروحي البيت تغيري وترجعي.

شتمت همس شمس في سرها ثم نظرت اليه لتجده يطالعها بنظرات متفكهة فقالت بتلعثم: - يعني. عادي طبيعي كنت قلقانه عليك.
نظر اليها مراد قائلا بابتسامة: - والقلق دا كنت هتقلقيه بردو على أي حد اسلام مثلا؟ ولا القلق بتاعي انا زايد شويتين؟

اضطربت همس وتجاهلت الرد على سؤاله وأسرعت بالوقوف وهي تقول: - انا هقوم علشان خلاص اساسا معاد الزيارة فات علشان تعرف تنام.
امسك يدها قبل ان تسير مبتعدة وقال هاتفا: - استني يا همس، هتيجي بكرة لما نتيجة الاشعة تظهر؟
التفتت اليه همس بابتسامة وقالت: - اكيد ان شاء الله.
ثم همت بسحب يدها من يده عندما نظر مراد الى يدها اليمنى التي يمسكها في يده وقال مقطبا:
- انت مش لابسة دبلتك يا همس؟!

ونظر اليها فسحبت يدها سريعا منه وتجاهلت سؤاله مرة اخرى وقالت وهي تسير مغادرة:
- اشوفك بكرة ان شاء الله يا مراد، ناداها بلهفة لم تستطع تجاهلها وكانت قد فتحت الباب فنظرت اليه من فوق كتفها حيث سمعته يقول مستفهما بلهفة لم يستطع مداراتها:
- انت ما جاوبتنيش يا همس، دبلتك فين؟
ابتسمت قائلة: - لما تقوم بالسلامة يا ابن خالي هتعرف. تصبح على خير.

وانصرفت مغادرة تاركة مراد في حيرة ولهفة لمعرفة الاجابة فما كان منه الا ان اتصل بشمس التي ما ان سمعت صوته حتى اضطربت ولكنه طمأنها قائلا انه يريد ان يستفهم منها عن أمر معين:
- شمس. هي همس قلعت دبلتها؟
قطبت شمس حائرة وسألته: - ايش معنى يعني يا مراد؟
قال: - اصلها جاتلي بعد ما انتو خرجتم بشوية ولاحظت انها قلعاها سألتها ما رضيتش تجاوبني قلت استفسر منك انت!

قالت شمس بتلقائية: - لا انا معرفش وما اخدتش بالي انهرده لما جات المستشفى اذا كانت لابساها ولا لأ، بس عموما اللي انا متأكده منه ان اسامة مش هيسيبها بالساهل ابدا!

قطب مراد واعتلت ملامحه نظرة غموض وهو يقول: - لما نشوف يا شمس. تصبحي على خير.
واغلق الهاتف مع شمس بينما فكرة واحده مسيطرة على عقله. ان كانت همس قد خلعت خاتم خطبتها فعلا ولم تعد مرتبطة بهذا ال، أسامة فلن يدعها تضيع من بين يديه ثانية ابدا حتى لو اضطر ان يتقدم لخطبتها في الوقت الحالي وهو راقدا في المشفى وقبل ان يخرج منه ولكنه ابدا لن يضيع فرصته معها ثانية...

في صباح اليوم التالي، وصلت همس حيث طابق مراد واتجهت الى جناحه الخاص لتفاجيء بصوت هياج حاد من داخل غرفته بينما ادهم يحتضن ريتاج بين ذراعيه وهي منخرطة ببكاء حار وابصرت شمس واقفة مستندة الى الحائط وراءها واضعه يدها على فمها لتكتم شهقاتها بينما اسلام يمسح دمعتين خانتاه وسقطا على وجنته، اقتربت همس ببطء من شمس وقالت بخوف شديد:.

- شمس. فيه ايه، انتو. انتو بتعيطوا ليه؟ وايه الصوت الطالع من عند مراد دا؟

اجابت شمس من بين شهقاتها: - مراد. مراد جالو هياج والدكتور معاه دلوقتي بيديلو حقنة مهدئة!
قالت همس قاطبة بحيرة وقلبها منقبض: - غريبة ليه؟ مراد لغاية امبارح بالليل كان كويس!
قالت شمس من بين دموعها: - نتيجة الاشعة طلعت يا همس. مراد، مراد. مراد اتشل، يا همس إتشل!..
فشهقت همس عاليا وهي تردد بهتف حاد غير مصدقة: - ايييه؟ إتشلّ!..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة