قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية كبرياء أنثى (نساء متمردات ج2) للكاتبة منى لطفي الفصل التاسع والعشرون

رواية كبرياء أنثى (نساء متمردات ج2) للكاتبة منى لطفي الفصل التاسع والعشرون

رواية كبرياء أنثى (نساء متمردات ج2) للكاتبة منى لطفي الفصل التاسع والعشرون

سمعت همس رنين جرس هاتفها المحمول الموضوع على الجارور بجانب الفراش التي تجلس عليه هي ومراد حيث كانا يتبادلان الحديث حول شهد ابنة هَنا وحركاتها الطفولية المحببة، تطلعت همس الى شاشة المحمول لتنفرج أساريرها عن ابتسامة عريضة وتسارع بالرد عليه قائلة بعتاب مرح:
- يا سلام. أخيرا افتكرت يا با شمهندس ان ليك أخت اسمها همس؟!

كان مراد ينظر اليها بتساؤل عن ماهية المتكلم ليبتسم ابتسامة مرحة لدى سماعها تتحدث الى مهدي شقيقها...

أنصتت همس قليلا لتعاود قائلة بإصرار: - ولو. بردو، يعني ايه علشان احنا عرسان في شهر العسل قلت أسيبهم براحتهم؟، ماما كل يوم بتكلمني وماما تاج كمان (شعر مراد بخفقة في قلبه لسماعه حبيبته وهي تنادي أغلى من لديه بماما. فكم هو محظوظ للعلاقة الجميلة التي تسود بين والدته وزوجته فهما أحب اثنتين الى قلبه)، سكتت همس قليلا منصتة لشقيقها في الطرف الآخر ثم اعتلى جبينها تقطيبة جعلت مراد يعتدل في جلسته ناظرا اليها بتساؤل بينما تكلمت هي وصوتها يحمل نبرة قلق واضح:.

- فيه حاجه يا مهدي؟، احنا راجعين امتى؟!
نظرت الى مراد بتساؤل فأشار اليها بيده بتساؤل عما يجري فرفعت كتفيها وأنزلتهما دليل الجهل ثم عادت بانتباهها الى المحادثة وتصنتت قليلا قبل ان تتابع أسئلتها قائلة:
- يعني انتم بخير؟، ماما وبابا وريما وكلكم كويسين؟، لا أصلي قلقت. حاسيت في صوتك إلحاح وانت مش عاوز تطمني؟!

سكتت قليلا قبل ان ترتسم ابتسامة واسعة على وجهها الفتيّ وهي تهتف بفرح كبير وغير تصديق:
- بجد؟، ثم ضحكت بسعادة مردفة: - ألف ألف مبرووك يا حبيبي. ربنا يتمم لك بخير يا رب.
نظرت الى مراد لتجده يناظرها بنصف عين فتابعت مكالمتها قائلة بسعادة: - ولا يهمك يا مهودي. علشان كدا بقه إيه رأيك انى هزنّ على مراد إننا نرجع فورا. مين ماما؟

ثم قطبت باستغراب متابعة: - وماما ايه اللي هيخليها تمانع يا مهدي؟، انت كلمتها في الموضوع دا؟، إيه؟
فتحت عيناها على وسعهما دهشة وهي تردد قائلة: - مستنيني لما أرجع علشان تفاتحها؟، هو الموضوع صعب اوي كدا؟، ثم تحدثت بجدية مواصلة:
- مهدي هي العروسة تبقى مين بالظبط؟

سكتت قليلا ثم تابعت: - امممم. الكلام ما ينفعش في التليفون ولما آجي هتقولي!، طيب بابا عرف بالموضوع؟، ها. ورأيه إيه؟، نعم؟، معندوش مانع بس فيه تحفظات ليه على العروسة!، (قالتها باستهجان مقطبة حاجبيها بشدة). ، زفرت بعمق ثم أردفت وهي تغمض عينيها ممسدة صدغها الأيمن بسبابتها:.

- خلاص يا مهدي يا حبيبي ولا يهمك، طبعا أنا واثقة في اختيارك وطالما بابا وخالي أدهم في الصورة (نظر اليها مراد بريبة حينما طرق سمعه اسم والده فيما تابعت همس قائلة). يبقى اكيد البنت كويسة وتستاهلك، لا لا لا سيب موضوع ماما لما نرجع إن شاء الله، ما تفاتحهاش الا بعد ما ارجع وافهم منك كل حاجه الأول...

ثم ابتسمت ابتسامة صغيرة وفتحت عينيها وهي تكمل: - ولا يهمك يا مهدي، اوكي هبلغهم سلامك...
ضحكت ضحكة صغيرة وتابعت وهي ترمق زوجها بنظرة مرحة: - ولمراد طبعا أولهم، تمام حبيبي. لا إلاه إلا الله.
أنهت همس المحادثة الهاتفية مع شقيقها ثم التفتت الى مراد الذي سألها: - فيه إيه يا همس؟، من الكلام كدا اللي سمعته ان مهدي عاوز يخطب وخايف طنط راندا تمانع. و بابا وعمي نزار معاه. صح؟

أجابته بابتسامة صغيرة: - ما شاء الله عليك. ما انت فهمت كل حاجه أهو.
تساءل مراد بحيرة وهو ينظر اليها بتفكّه: - ماشي يا لمضة ممكن بقى تفهميني اللي مفهمتوش؟، طنط راندا تمانع ليه؟، وبابا موقعه ايه في الحدوتة دي كلها؟

أجابت همس ساخرة: - اللي فهمته من مهدى ان خالي ادهم العزيز هو قائد فريق اقناع ماما وهو صاحب الخطة كمان، وان بابا هو الدراع اليمين بتاعه، وانه بأمر من خالي. انا هبقى الدراع الشمال!

نظر إليها مراد هاتفا بحنق: - نعم؟، هما ناسيين انك عروسة في شهر العسل ولّا إيه؟، بيستعجلونا على الرجوع ليه؟، وبعدين تعالي هنا. ايه حبيبي حبيبي اللي كل شوية تقوليها لأخوك دي؟!، انت مالكيش غير حبيب واحد بس. اللي هو انا يا مدام. ولّا عندك اعتراض؟!

نظرت إليه همس بعينين نجلاوين ثم رفعت حاجبها بإغاظة قائلة بدلال ورقة جعلت خفقات قلب مراد تتعالى بينما شعر بدمه يجري في عروقه كالعسل الدافئ:
- هو انا أقدر أقول حاجه؟، ياااااه، كفاية عليا ان مراد أدهم شمس الدين يبقى حبيبي. هعوز إيه أكتر من كدا؟

مال مراد ناحيتها بقوة فمالت بدورها الى الخلف لتنبطح فوق الفراش ناظرة اليه بشقاوة بينما أحاطها بذراعيه وتابع بوعيد:
- انت بتتريقي؟، إيه مش عاجبك مراد أدهم شمس الدين؟، طيب ايه رأيك بأه انى هسمِّي ولادنا على أسامي جدودهم؟، يعني أدهم. وشمس الدين؟

علّقت همس ضاحكة: - أنت مجنون؟، طيّب أدهم جميل ماقولناش حاجه، لكن تسمي ابنك شمس وعمته اسمها شمس؟، تيجي إزاي دي؟، انت عاوز ابنك يقاطعنا ولا ايه؟، هتسميه على اسم عمته؟

أجاب مراد وهو يطالع شفتيها الكرزتين بينما رغبته تلمع في عينيه بلهيب حار: - بقولك ايه بطلي رغي كتير. هو الحكم صدر وخلاص...
ثم غمز بمكر متابعاً: - وفاضل التنفيذ، وحالااااااااا هينفذ الحكم!
قالت همس بضحك محاولة الابتعاد عن ذراعيه التي اشتد طوقهما حولها: - تنفيذ ايه بس. استنى بس...

لكنه لم يترك لها فرصة للمعارضة ليهتف قبل أن ينقض عليها معانقا: - همّا العيال دول هييجوا لوحدهم؟، لا طبعا!، عشان كدا لاااااازم التنفيذ...
همّت بمقاطعته عندما عانقها ساحبا إياها معه في عالمهما المليء بالحب الناري الملتهب...

- طمنّا يا دكتور. الحاجّة أخبارها إيه؟، وجّه أسامة استفساره الى طبيب المشفى الذي نقل اليه حماته مع يارا فوق سقوط والدتها مغشيا عليها...

تحدث الطبيب الذي يبلغ من العمر أوائل الستينيات قائلا بهدوء بينما تطالعه يارا بلهفة ووجهها غارقا في دموعها المنهمرة:
- الحاجّة للأسف عندها ذبحة صدرية ومضطرين نخليها معانا هنا شوية لغاية ما نطمن على حالة القلب!

شهقت يارا عاليا وبعنف قائلة بتلعثم وعدم تصديق: - ايييه. ذ، ذبحة؟!، مش. مش ممكن!، لا. ماما. ماما.
قال اسامة محاولا تهدئتها وهو يسندها إليه قابضا برفق على كتفيها النحيلتين: - يارا اهدي حبيبتي، مامتك ان شاء الله هتبقى كويسة بس انت ادعي لها، المهم اننا نكون متماسكين قودامها علشان ما تحسش بأي حاجه.

تدخّل الطبيب المعالج قائلا بأبوة: - مظبوط كلام الأستاذ يا بنتي، لازم تهدي خالص. هي دلوقتي في العناية المركزة ومش هنقدر ننقلها أوضة عادية إلا لما حالتها تستقر، أهم حاجه انك تهدي خالص وتدعي لها ربنا يعدي الأزمة دي على خير، ولو ممكن يهمني أوي إني أعرف منك معلومات عن تاريخها المرضي، يعني الأدوية اللي بتاخدها بصفة مستمرة، أو لو عندها مرض مزمن.

أجابت وهي تنفخ أنفها الأحمر لشدة البكاء في منديل ورقي ناولها إيّاه أسامة: - ماما مريضة سكر، وضغطها كان طالع نازل بس ما كانتش بتاخد دوا للضغط لأنه أحيانا عالي واحيانا واطي، الدكتور بتاعها كان بيقولها انه ضغط عصبي، وهي مش بتحب تاخد أدوية كتير فرفضت تاخد الدوا اللي وصفه لها، قالت لي أنا هاخد بالي كويس من الأكل ومش هضايق نفسي خالص...

ظهر على ملامح الطبيب معالم الإستياء للإهمال في علاج مرضا جسيما كارتفاع ضغط دم مما ينتج عنه آثار في غاية الخطورة، قال:
- عموما لما تهدي تعالي المكتب عندى علشان اعرف استفهم منك كويس. عن اذنكم.
أفلتت يارا من قبضة اسامة واعترضت طريق الطبيب قائلة بلهفة وعينيها تنظران اليه برجاء وتوسل:
- طيب ممكن أشوفها؟، دقيقة واحده بس.

أجاب الطبيب بنفي قاطع محركاً رأسه بإصرار يمينا ويسارا: - لا لا لا ما ينفعش، بس أول الحالة ما تستقر هخليكي تشوفيها ان شاء الله. عن اذنكم!

انصرف الطبيب بينما اتجهت يارا ناحية غرفة الرعاية المركزة ووقفت تطالع من خلال الزجاج الشفاف الى جسد والدتها الراقد أمامها يحوطُه العديد من الأنابيب الدقيقة ودموعها تسيل على وجنتيها بينما همست بحزن ودموعها تسيل في صمت:.

- سامحيني يا ماما. أنا السبب. أنا اللي استفزيتك وضغطت على اعصابك لغاية ما جرالك اللي جرى، أرجوكي يا ماما تقومي لي بالسلامة. انا مقدرش أعيش ثانية واحده من غيرك، ووعد عليا يا ماما انى انفذ كل اللي انت عاوزاه. بس ارجعي لي يا ماما، قومي يا ماما قومي...

ثم تهدج صوتها وهي تردف بينما زاد بكاؤها حدة فيما تستند بجبهتها على سطح الزجاج البارد الفاصل بينها وبين والدتها بصوت حزين يقطع نياط القلب:
- يا رب. ياااااارب ما تحرمنيش منها يا رب، قوّمها لي بالسلامة يا رب. أنا ماليش غيرها، يا رب أنت المطّلع وعارف أنا من غيرها هيجرالي ايه. ياااااااارب...

احتضن اسامة كتفيها بذراعه وقال بصوت يحمل نبرة الرجاء: - أرجوك يا يارا حبيبتي ما تعمليش في نفسك كدا، طنط هتقوم بالسلامة ان شاء الله. بس انا ما استحملش اشوفك بالمنظر دا قودامي، أرجوك يا يارا.

رفعت عينيها اليه قائلة بصوت متحشرج مخنوق بغصة بكاء حار: - دي ماما يا أسامة. ماما، انت عارف لو بعد الشر جرالها حاجه أنا هيحصلّي إيه؟، أنا، أنا هموووت يا اسامة همووت.

احتواها اسامة بين ذراعيه سريعا وبقوة وأمرها وهو يدفن رأسها في صدره بينما يمرغ وجهه بين خصلات شعرها الثائر:
- هششش. ايه تموتي دي، بعد الشر عليكم انتم الاتنين، اوعي اسمعك تقولي كدا تاني.

ثم أبعدها قليلا عنه ناظرا اليها فطالعته بعينيها الحمراويْن المنتفختين من شدة البكاء وانفها شديد الأحمرار بينما تابع قائلا وهو يطالعها بنظرة عميقة حملت أحاسيس لم ترد التفكير بها فهي ليست بحال يسمح لها بالانشغال بأي شيء سوى أمها، قال أسامة:.

- انت لو جرالك حاجه بعد الشر انا اللي مش هقدر اعيش بعدك ثانية واحده يا يارا، أنا عارف انه لا دا وقته ولا مكانه بس فيه حاجه مهمة اوي لازم تعرفيها. يارا أنا بحبك. بحبك اوي اوي يا يارا، وعمري ما هسيبك ولا هسمح لك تسيبيني، مامتك هتقوم لنا بإذن الله بالسلامة وهتيجي تعيش معانا وهشيلكم انتم الاتنين في عينيا...

هتفت يارا بدعاء عميق من صميم قلبها مؤمنة على شفاء أمها بينما لم تعلق على اعترافه لها بحبه فما يهمها الآن هو الاطمئنان على حالة والدتها فقط:
- يا رب يا أسامة، هي بس تقوم وانا أي حاجه تفرحها هعملها وعمري ما هقولها لأ أبدا...

علّق أسامة وهو يحتضنها: - ان شاء الله هتقوم بالسلامة يا يارا، إن شاء الله يا حبيبتي...

عاد العرسان الأربعة من شهر العسل وقد اتجه كلا من اسلام ومراد بعروسه الى منزله، يقطن إسلام مع والديه ولكنه قد جهز طابقا بأكمله كشقة سكنية له ولشمس بينما مراد قد فاجأ همس ووالديه بأنه قد قام بتجهيز شقة سكنية لهما في حي لا يبعد عن منزل والديه كثيرا وقد قام بإنهاء الديكور الداخلي للمنزل فريق من العاملين لديه بالشركة بعد تشديد منه عليهم ان ينتهوا من تجهيزه في زمن قياسي، فهو ينوي الانتقال اليها بعد عودته هو وعروسه من رحلة شهر العسل فورا...

جلست ريتاج وهي عاقدة ذراعيها مشيحة بوجهها في غضب بينما جلس بجوارها مراد محاولا الإمساك بيدها ليقبلها وهي تمنعه بقوة فقال ضاحكا بينما نظرت اليه همس بعتاب وأدهم بضحكة ساخرة تتوج شفتيه:
- ايه بس يا تاج انت يا قمر. انا مقدرش على زعلك مني والله، كل دا علشان ربنا هدا سر ابنك البكر وهيتلم في بيته مع مراته حبيبته؟!

التفتت اليه ريتاج سريعا ناظرة اليه بغضب بينما أفلتت ضحكة ساخرة من أدهم كان مقابلها نظرة ساخطة من ريتاج فرفع يديه معتذرا بينما تكلمت بحدة موجهة حديثها الى ابنها:
- انت هتستعبط يا مراد؟، احنا مش متفقين انك هتقعد معانا هنا انت وهمس. ايه اللي غير رأيك؟

أجاب مراد مقاطعا: - مؤقت. كنا هنقعد بشكل مؤقت يا أمي، دلوقتي ربنا سهلها والعمال خلصوا الشقة يبقى لازمته ايه قعادنا بأه هنا؟

ثم غمزها ضاحكا وهي يطالع همس بخبث: - ثم. أنا عاوز أستفرد بعروستي، وإحنا معكم هنا أنا عارف انكم هتنصفوها عليا ومش هعرف آخد منكم لا حق ولا باطل، انا كتير بشك بصراحة انها هي اللي بنتكم وانا اللي ابن عمتي!

لم تستطع ريتاج منع ابتسامتها التي أفلتت بالرغم منها بينما تخضب وجه همس باللون الأحمر القاني وتوعدته في سرها أن تحاسبه على إحراجها أمام والديه، قال ادهم مبتسما:
- خلاص يا تاجي. سيبي الولاد على راحتهم.
إعترضت ريتاج بلوْم: - يعني انا اللي هقلّ راحتهم دلوقتي يا ادهم؟
تدخّل مراد مديرا دفّة الحديث والذي لاحظ أنه قد يتسبب في شجار بين أبويه فقال بمكر غامزا لأبيه:.

- وبعدين علشان يخلالك الجو مع البوس. وتعملوا شهر عسل من اول وجديد!
شهقت همس بخجل بينما ضربته ريتاج بيدها على كتفه مصطنعة الغضب وهي تقول بحنق مفتعل:
- بس يا ولد بلاش قلة أدب.
رفع مراد يديه امام وجهه مفتعلا الخوف وهو يقول ضاحكا: - جرى ايه يا تاج أدهم هو انا كدبت؟، انتم اللي يشوفكم يفتكركم لسه متجوزين جديد!، ما شاء الله عليكم بصراحة ولا يبان لكم سن خالص!

شهقت ريتاج ملتاعة وهتفت بحدة حقيقية: - انت هتحسدنا يا ولد انا وباباك؟!
ثم نظرت الى ادهم الغارق في الضحك مردفة بحنق: - ما تشوف ابنك يا أدهم!، انما واضح كدا ان كلامه عجبك. هقول ايه. ما هو ابنك طالع لك ماحدش يعرف ياخد معاه لا حق ولا باطل.

قال مراد وضحكته تخفت مفتشا بعينيه المكان: - الا صحيح انا ما شوفتش تيته سعاد من ساعة ما دخلنا. هي فين؟، لا تكون اتجوزت هي كمان!

ضربته ريتاج على يده قائلة بحدة مفتعلة: - بطّل يا ولد. حتى جدتك ما سلمتش من لسانك!
ثم نظرت الى همس مردفة بتساؤل: - انت عملت ايه في الولد دا يا همس؟، دا عمره ما كان كدا!، الواحد مش ملاحق عليه كلام!

نظرت اليه همس وأجاب بمكر: - أبدا يا ماما تاج. انا مستلماه منكم كدا. هو انا لحقت اعمل حاجه؟!، هو جاي لي جاهز. عبارة عن موجة إذاعه متنقلة ولا ال إف أم!

علّقت ريتاج مبتسمة: - ربنا يهنيكم يا حبايبي يارب.
ثم أجابت سؤال مراد قائلة: - تيتة سعاد زهقت مننا لما انت واختك سبتوا البيت فراحت عند طنط راندا، انت عارف ريما دمها خفيف وبيموتوا هما الاتنين في بعض، فحبّت تغير جو وراحت تقعد معهم يومين، لكن داخله في عشر ايام أهي وكل ما نتحايل عليها ترجع ريما تتحايل علينا نسيبها معها. بتقول البيت وحش من غير همس. بس أكيد عرفت دلوقتي انكم رجعتم ولازم تروحوا لها.

قال مراد مؤكدا: - أكيد يا ماما ان شاء الله.
ثم نهض واقفا ونظر الى همس التي قامت بدورها وقال: - نستأذنكم احنا بأه علشان تعبان بجد ونفسي انام شوية.
نقلت ريتاج نظراتها بينهما وهي تنهض واقفة لتقول بلهفة الأم التي لم تشبع بعد من فرحتها بقدوم ابنها مصطحبا عروسه:
- هتمشوا دلوقتي؟

أجاب مراد: - معلهش يا ست الكل يومين بس نظبط نفسنا وهنجيلك، وعلى فكرة هعمل حفلة واعزمكم انتو والعيلة كلها بمناسبة بيتنا الجديد. وأهي حاجه أقفش فيها ست همس وأشوفها ست بيت ولا لأ؟

نظرت اليه همس ممتعضة بينما ضحكت ريتاج قائلة: - لا اطمن يا استاذ. مراتك ست بيت نمرة واحد، تربية راندا.
ثم نظرت الى همس مردفة بتردد: - طيب ما تقعدوا معانا انهرده بس؟، علشان خاطري يا همس. ،
أجابت همس مبتسمة بتلقائية: - انت ما تطلبيش. انت تؤمري يا ست الكل.
ثم تابعت: - عاوزانا نقعد قوليلنا بالأمر كدا. - وقلدت اللهجة التركي - فلد مراد. بنت همس. حظرتونا قول إقعدوا...

ثم ابتسمت بمرح متابعة: - هتلاقينا قعدنا على طول.
ابتسمت ريتاج واحتضنت همس التي نظرت الى مراد الواقف خلف والدته وكان مبتسما وتمتم لها بشفتيه بدون صوت:
- بحبك. ، أغمضت همس عينيها وأعادت فتحهما ثانية وكأنها تخبره بنفس كلمته وقد ارتسم على وجهها ابتسامة أنارته.

استقرت الحالة الصحيّة مؤقتاً لوالدة يارا حيث أفصح لهم الطبيب عن وجوب إجراء عملية جراحية عاجلة للقلب لتدهور حالته ووصوله الى مرحلة خطرة فلا بد من التدخل الجراحي، وقد كان الطبيب صريحاً مع يارا وأسامة حيث أخبرهما أن العملية كما انها في غاية الضرورة فإنها أيضا في غاية، الخطورة!

قالت والدة يارا بتعب موجهة حديثها الى يارا ابنتها الجالسة بجوارها على فراش المرضى وكانت لا تزال في المستشفى للقيام باللازم تمهيداً لاجراء العملية الجراحية:.

- يا يارا يا بنتي تعب عليكي يا حبيبتي تفضلي رايحه جاية كل يوم بالشكل دا، انا هنا في المستشفى واخدين بالهم مني. انت انتبهي لنفسك حبيبتي بدل ما بعد الشر تقعي من طولك مرة واحده، كفاية تيجي لي مرة واحده في اليوم مش تفضلي طول الوقت هنا معايا حتى لما وقت الزيارة بيخلص بتفضلي قاعدة في الاستراحة.

ثم نظرت الى اسامة الجالس بجوار فراشها من الناحية الاخرى متابعة بانهاك: - كلمها يا اسامة يا بني. أقنعها أنه كدا خطر علشان صحتها!

رفع أسامة عينيه ليطالع وجه يارا ليرى وجهها وقد شابه الشحوب الشديد وغارت عيناها في محجريهما وقد اصطبغ أسفلهما بالسواد الحالك دليلا على قلة النوم او عدمه بمعنى أصح وقد هزلجسدها للغاية حتى أصبحت ثيابها فضفاضة عليها ومن يراها لا يعطيها اكثر من 14 في العمر بينما عمرها الحقيقي قد تخطى ال 22، قال اسامة بابتسامة خفيفة:.

- انت عارفة يا ماما يارا عنيدة أد ايه. ( كان اسامة قد نادى والدتها ب ماما بعد أن افاقت من غيبوبتها وقد شعر بأن هذه السيدة أما ثانية له) بس ولا يهمك. انا هاخدها دلوقتي لماما، حالفة عليا انها مش هتدخلني البيت من غيرها. بعد اذنك حضرتك عازمينها على الغدا.

ثم وجّه حديثه الى يارا مردفا بجدية مفتعلة: - حماتك يا يارا هانم واقفة في المطبخ من الفجر عماله تعمل لك في المحمر والمشمر.

هزت يارا رأسها رفضا وبقوة وهي تقول باستنكار بالغ: - انت بتقول ايه يا أسامة؟، لا طبعا. مش ممكن اسيب ماما لوحدها.
قاطعتها أمها في محاولة لإقناعها: - وأنا هروح فين يا بنتي. ما انا هفضل مكانى هنا، ربنا يهديكي حبيبتي روحي مع جوزك علشان خاطر حماتك الواقفة على رجليها من الصبح.

ثم التفتت الى اسامه متابعه: - بصراحة يا اسامة يا بني والدك وووالدتك ربنا يحفظهم. تعبوا معانا اوي، انا مكسوفة منهم بجد، يوماتي هنا وقت الزيارة ومش بيدخلوا فاضيين. دا غير الست والدتك ربنا يخليها اللي بتصمم انها تروّح تبات مع يارا وما تسيبهاش تبات لوحدها. وانت حبيبي كل يوم من الشغل لهنا وما بتروّحش الا لما تروّح يارا وتطمن ان باباك الله يكرمه وصل مامتك ليها، بجد جمايلكم مغرقاني انا وبنتي.

هتف أسامة نافيا بقوة: - جمايل ايه يا ماما احنا أهل، حضرتك زي والدتي تمام وتأكدي ان ماما بتحب يارا جدًّا هي وبابا...

قالت امها مبتسمة بينما وجهها يطغى عليه الشحوب الشديد: - انا عارفة يا بني، وعلشان كدا انا مطمنه انه لو جرالي حاجه مش هسيب يارا لوحدها...

اندفعت يارا هاتفة برجاء مغلّف بحنق بالغ: - ماما ارجوك بلاش الكلام دا، انت هتعملي العملية وهتبقي زي الفل ان شاء الله، فعلشان خاطري يا ماما بلاش تجيبي سيرة الكلام دا تاني.

قالت امها زافرة بعمق: - طيب يا يارا هانم ممكن بأه تقومي تجيبي لي عصير ولا حاجه ساقعه من الكافتيريا؟، احسن ريقي ناشف.

أجابت يارا بدهشة: - وليه الكافتيريا ما التلاجه هنا أهي؟!
قالت الأم: - يا بنتي اسمعي الكلام.
ثم وجهت حديثها الى أسامة متابعة: - أنا لسه ما شكرتكش يا بني على اللي انت عملته معانا.
قاطعها أسامة مستنكرا: - شُكر ايه حضرتك؟، ما فيش بين الأم وولادها أي شكر، أنا ما عملتش الّا الواجب.

ابتسمت الأم بضعف وعلّقت موجهة كلامها الى ابنتها: - شوفتي جوزك ابن أصول إزاي؟، مش شايف انه عمل حاجة زيادة، ربنا يخليلهولك يا بنتي، هو شوية لما تصمم انى ادخل المستشفى الغالية دي وتتكفل انت بمصاريفي كلها؟

أسامة وقد استشعر الحرج من كثرة مديح حماته له: - أنت أمي التانية، وصدقيني لو فيه حاجة ممكن أعملها عشان تخرجي لنا بسرعة بالسلامة مش هتردد ثانية.

ابتسمت الأم وقالت: - ربنا يخليك يا حبيبي، وانت كمان ربنا العالم بمعزة في قلبي قد إيه، غلاوتك من غلاوة يارا بنتي بالظبط، ثم تابعت موجهة حديثة الى ابنتها:
- اتفضلي يا ست يارا بقه ممكن تروحي تجيبي لي عصير تفاح من الكافتيريا اللي هنا جوافة وانا عاوزة تفاح وهاتي حاجة لجوزك يشربها...

هتفت يارا باعتراض ووجنتيها قد تلونتا باللون الأحمر القاني: - ماما. انت كل شوية جوزك جوزك. احنا لسه ما اتجوزناش. هو لسه خطيبي!
ضحكت أمها ضحكة متقطعة بينما ابتسم أسامة وقالت أمها بصوت ضعيف: - لا يا حيلة أمك. كاتب كتابه عليكي يبقى متجوزك يا ضنايا، ودلوقتي اتفضلي روحي هاتي اللي طلبته منك.

نظرت يارا الى والدتها مقطبة وقالت وهي تنهض واقفة: - مش عارفة ليه حاسة يا أم يارا انها تطريئة بس بشياكة؟!، عموما حاضر. عينيا الاتنين. هجيب أسقع عصير تفاح لأحلى أم يارا في الدنيا كلها.

ثم انصرفت يارا تتابعها نظرات أمها الحانية ونظرات أخرى لم تستطع الحياد عنها، نظرات عاشق اكتشف مؤخرا أنه عاشق حتى الثمالة!

التفتت والدة يارا الى أسامة قائلة بهدوء بينما ترتسم ابتسامة حانية على شفتيها: - بص يا بني انا حبيت ان يارا تمشي علشان نعرف نتكلم براحتنا.
قال اسامة بهدوء: - وانا تحت أمرك يا أمي في كل اللي تقوليه.
قالت أم يارا وقد بدأت تشعر بالضعف ولكنها قاومت لتخبر أسامة بما يعتمل في صدرها فهي لا تدري ان كانت ستستطيع التحدث معه ثانية أم لا:.

- شوف يا اسامة يا بني. لازم تكون عارف ومتأكد اني لو ما كونتش حاسة انت أد ايه بتحب يارا لا يمكن كنت وافقت انها تستمر معاك ولا ثانية واحده بعد اللي حصل بينكم!

همّ اسامة بمقاطعتها عندما تابعت بإنهاك وتعب: - سيبني يا بني أكمل كلامي علشان أرتاح، أومأ أسامة برأسه موافقا فيما تابعت هي محاولة التغلب على مرضها:
- أنا عاوزة أوصيك على يارا يا أسامة يا بني، معلهش هي لسه صغيرة وبتحبك. وصعب اوي على واحده بتحب جوزها انها تسمعه يغلط في اسمها باسم اللي كان خاطبها قبلها!، قاطعته عندما هم بالكلام قائلة وهي تهز برأسها:.

- أنا عارفة ومتأكدة أنها كانت زلة لسان منك ويمكن تبريرك أقنعني أنا. لكن ما أقنعش يارا، وسكوتها دلوقتي علشان خاطري وعلشان اللي جرالي، لكن انا أأكد لك ان الموضوع في بالها ما راحش ولا هي نسيته، و دا اللي انا بطلبه منك. خلِّيها تحس بحبك ليها يا بني، حبك اللي انا شايفاه في عينيك دا وعلى وشّك، واتأكد انها شايلالك حب في قلبها يمكن اكتر من حبك ليها، وعلشان خاطري ما تزعلش منها مهما قالت أوعملت، إوعدني يا بني. إوعدني انك تفضل جنبها وما تفارقهاش أبدا حتى لو هي طلبت منك كدا.

قال سامة بجدية: - أوعدك يا أمي اني مش هسيب يارا ابدا حتى لو هي طلبت دا، ومهما عملت هتفضل مراتي حبيبتي وهشيلها جوه عينيا، بس انت اطمنى وقومي لنا بالسلامة علشان تزغردي في فرحنا زي ما كنت عاوزة. أنتِ ناسية انك وعدانا بكدا؟

ترقرقت عيناها بالدموع وتمتمت في نفسها: - الله أعلم هعيش لغاية ما اشوف اليوم دا ولا لأ. بس حتى لو ربنا استرد وديعته روحي هتفضل تحوم حواليكي وهحس بيكي يا أغلى حاجه في عمري كله...

انتبهت من شرودها على صوت أسامة وهو يسألها باهتمام: - حضرتك كويسة يا أمي؟
ابتسمت من بين دموعها التي جاهدت كي لا تسقط على وجنتيها المجعدتين بفعل الزمن وأجابت بوهن:
- الحمد لله يا بني، بس قصداك في خدمة. ممكن تقول للحاج ابراهيم يفوت عليا؟، ويا ريت لو عرف يبقى انهرده. فرصة ويارا معاك وانتو بتتغدوا عندكم انه ييجي لي علشان مش عاوزاها تعرف. ممكن؟

أشار أسامة إلى عينيه قائلا: - يا سلام انت تؤمري يا ست الحبايب...
دلفت يارا الى غرفة والدتها وهي مبتسمة وتمد يدها بعلبة من عصير التفاح البارد قائلة بمرح:
- إتفضل يا جميل. يا سلام. أم يارا. ثريا هانم بحالها تطلب عصير وأنا ما أجيبوش!، دا أنا لو هعصره على إيديا!

نظرت والدتها ثريا الى اسامة مشيرة الى ابنتها برأسها: - شوفت. مش بقولك بكّاااااشة!، علشان تكون عارف من أولها. تاكلك في ثواني وتنسِّيك انت كنت زعلان منها ليه!

قالت يارا مصطنعة الحزن: - أنا يا سوسو؟!..
ثم هزت برأسها زامّة شفتيها بحنق مفتعل فغدت أشبه بالطفل الغاضب: - ماشي يا سوسو مقبوله منك، قومي انت بس بالسلامة ويبقى لنا كلام تاني.
غامت عينا والدتها وقالت بهدوء: - طيب ياللا يا بكاشة علشان تروحي تساعدي حماتك. ولّا ناوية تعمليلي فيها ضيفة؟
نهض أسامة قائلا: - طيّب هستأذن بس أعمل تليفون على ما تسلمي على ماما يا يارا.

وخرج بعد ان ألقى لثريا بنظرة علمت منها انه سيقوم بمكالمة الحاج ابراهيم وإخباره برغبتها في رؤيته.

عادت همس الى عملها وسط تأفف مراد وتقبله بصعوبة لرجوعها ولكنها لم تنصاع الى كلامه لترك العمل مشددة عليه انها قد أبلغته سابقا انها لن تترك عملها الا بعد انتهاء موسم برنامجها الجديد وانها قد اتفقت مع القناة الفضائية اللبنانية انها ستبدأ مهام عملها بعد انتهاء تعاقدها مع قناتها الحالية وسيكون عملها الجديد بمكتب القناة اللبنانية بالقاهرة...

دأب مراد على محادثتها هاتفيا عدة مرات أثناء العمل كما كان كثيرا ما يفاجئها بزيارة لها في محل عملها مما كان يشعرها بالإحراج وسط زملاؤها حتى أنها أصبحت مادة للتندر بينهم بأن زوجها لا يستطيع الابتعاد عنها كثيرا حتى في أوقات العمل...

دخلت همس الى منزلهما وهي مستشيطة غضبا وغيظا من مراد الذي لحق بها مغلقا باب المنزل خلفه بكل هدوء بينما كانت همس ترغي وتزبد...

التفتت اليه همس واضعة يديها في خصرها وهي تقول بحدة: - عاجبك كدا؟!، كل زمايلي في الشغل دلوقتي مالهومش سيرة غيري انا وجوزي اللي كل شوية يا بيكلمني في التليفون حتى لو كنت بسجل لازم أستقبل مكالمتك يا طابب عليا في الشغل!

تقدم منها مراد بخطوات هادئة ووقف أمامها مجيباً ببرود: - أنا مش عارف ايه اللي مزعلك ومخليكي متنرفزة اووي بالشكل دا؟، اللي انا اعرفه انك المفروض تفرحي ان جوزك بيحبك لدرجة انه مش فارقة معاه انه يتقال عليه مجنون مراته، هاتي لي واحده ست تزعل علشان جوزها مهتم بيها وباين قودام الناس كلها انه مش قادر على بعادها ثانية واحده حتى لو على ساعات الشغل بس؟!

أجابت همس بزفرة حانقة: - مراد انت عارف وانا عارفة كويس اوي انك مش بتيجي علشان سواد عيوني!، لو الموضوع اني وحشاك وبس انا هبقى طايرة من الفرح. لكن انت بتيجي وبيكون شكلك عامل زي اللي جاي يظبط متهم!

سكتت قليلا ثم أكملت ساخرة: - على فكرة علشان تبقى عارف بس. أسامة إتجوز يارا زميلتنا. كتبوا كتابهم وفرحهم كان المفروض من عشر أيام بس مامتها تعبت فجأة فالفرح إتأجل، وعشان تطمن أكتر أنا تقريبا مش بشوفه خالص. يدوب بيخلص شغله ويطير على يارا اللي من ساعة مامتها ما تعبت وهي شبه مقيمة معاها في المستشفى وواخده اجازة مفتوحة من الشغل، ها. اطمنت بأه؟!

ثم استدارت تاركة إياه وهو ينظر في أعقابها يلوم نفسه لعدم تحكمه في غيرته الشديدة عليها...

دخل مراد الى غرفتهما مغلقا الباب خلفه، استند بظهره الى الباب وهو يطالع همس وهي تخرج ثيابا لها من الخزانة ثم سارت متجهة الى الحمام للاغتسال، ناداها فنظرت اليه من فوق كتفها وقالت بصوت بارد كالصقيع:
- لو سمحت يا مراد انا تعبانه ومحتاجه آخد شاور علشان أنام، عاوزة أريّح دماغي.
ثم توجهت الى الحمام الملحق بالغرفة مغلقة الباب خلفها.

خلع مراد سترته ملقيا بها على الأريكة العريضة الموضوعة في طرف الغرفة وحلّ ربطة عنقه قاذفا بها لتلحق بسترته ثم جلس على طرف الفراش واضعا قبضة يده اليمنى على فمه ناظرا الى البعيد وبعمق...

خرجت همس من الحمام وقد ارتدت منامة قطنية عبارة عن بنطلون برمودا من اللون الأبيض عليه نقوش على هيئة قلوب حمراء صغيرة والجزء العلوي للمنامة عبارة عن تي – شيرت قطني أحمر اللون بدون أكمام ذو حمالات رفيعة منقوش عليها قلوب بيضاء صغيرة...

وقفت امام مرآة الزينة وجففت شعرها بالمنشفة ثم وضعتها جانبا وأمسكت بالفرشاة لتمشط شعرها بعد أن جلست على الكرسي الصغير أمام المرآة، تقدم منها مراد الذي رأت صورته منعكسة في المرآة أمامها فلم تعره أيّة التفاتة، تناول الفرشاة من يدها وبدأ بتمشيط شعرها الذي يصل الى نهاية خصرها وقد تغلغلت يديه بين خصلاته متلمسا نعومته الشديدة...

قالت همس بإغاظة وهي تعلم تمام العلم مدى ولعه بشعرها: - شعري طول اوي ومضايقني...
رفع عينيه ناظرا اليها فتابعت بتحد قائلة: - في أول فرصة هروح فيها للكوافيرة. هقصّه!
ترك مراد فرشاة الشعر واضعا اياها على منضدة الزينة، ثم امسك بكتفيها مديرا اياها لتواجهه وركع على ركبتيه أمامها ثم قال بجدية بالغة وهو يمشط خصلاتها الحريرية حول وجهها بأصابعه:.

- انت متضايقة مني. حقك!، وحقك عندي أني أصالحك، لكن تتصرفي في شيء يخصني من غير موافقتي. دا اللي لا يمكن أقبل بيه أبد!

كشّرت همس وجهها وقالت بنزق: - ايه؟، هو ايه أصله دا؟، هو ايه دا اللي يخصك؟، شعري؟ شعري دا يخصني أنا. ملكي أنا!

قاطعها بقوة وعيناه تلمعان بصرامة: - غلط!، أنت وشعرك وكل حاجة فيكي. ملكي أنا، بتاعتي أنا!
أشاحت بوجهها وتجاهلت الرد على كلامه بعد أن رمقته بنظرة غاضبة فتنفس عميقا ليقول وهو يضع يديه على كتفيها:
- همس حبيبتي ممكن تبصي لي؟!

رفضت همس النظر اليه واستمرت في النظر بعيدا عنه فزفر بتعب ثم أردف بهدوء: - أنا عارف انى زودتها. بس حطي نفسك مكاني يا همس. لو انا اللي كنت خاطب زميلتي في الشغل قبل ما اتجوزك مش كنتِ هتضايقي لما اروح الشغل وانت عارفة انى بشوفها وأساسا معظم شغلي معاها؟، هتتضايقي ولا لأ يا همس؟

أجابته بحدة: - يا سلام!، ومين اللي قال انى كنت هخليك تقعد معاها في حتة واحده أساسا؟

انفرجت أسارير مراد وأشار اليها بسبابته هاتفاً بانفعال: - أهو. أديكي قولتيها أهو. إيش معنى بأه مش راضية تعذريني؟، همس حبيبتي أنا بحبك وبجنون كمان!، حبيبتي انت ما تتصوريش انا جيت على نفسي ازاي علشان اوافق انك تنزلي الشغل تاني وانا عارف انه معاكي هناك وبتشوفيه وشغلكم كله تقريبا سوا!، حبيبتي علشان خاطري. زي انا ما جيت على نفسي علشان خاطرك ووافقت ترجعي تكملي حلقات البرنامج فيها ايه لما انت كمان تقدري مشاعري وغيرتي عليكِ؟، طلبي دا صعب عليكي اوي يا همس؟

نظرت اليه بعينين سابحتين في بركة العسل المصفى وأجابت ببحة في صوتها أكسبته جمالا وجعلته أكثر جاذبية:.

- بس انا بحس انه شعورك دا. شكْ مش غيرة يا مراد!، دا اللي بيجنني، مراد انت عارف ومتأكد أنا أد ايه بحبك، وانا اخترتك انت، وهو خلاص. اتجوز واحده بيحبها، ماتبصيليش كدا. أيوة أسامة بيحب يارا. وجدا كمان!، أنا بشوف عينيه لما بييجي اسمها او بتكلمه في التليفون، عينيه بتلمع يا مراد. اللمعة دي مش ممكن تكدب. دي لمعة عينين واحد عاشق، فهمتني يا مراد؟، عااااااشق!..

نهض مراد ورفعها من كتفيها لتقف أمامه وقال بصوت أجش بينما تتلوى أحشائه من رغبته الحارقة في دفنها بين ضلوعه كي لا يشاهدها أي رجل غيره وهو يطالعها بعينين ملتهبتين بشوق دفين:
- مش هو لوحده يا سلطانتي، أنا كمان عاااااااااشق وعشقك بيجري في دمي يا همس...
نظرت اليه همس بعينين تلمعان بشوق ووله شديدين وهمست بحب خالص: - وهمس بتعشقك انت وحدك، انت حبيبي وجوزي وصاحبي وابني وأهلي ودنيتي كلها يا مرادي...

أغمض مراد عينيه واستنشق عاليا ثم فتح عينيه ناظرا اليها وقال وهو يضمها اليه ضاغطاً بذراعيه حول خصرها الدقيق ناظرا الى وجهها الملائكي الناعم:
- ياااااه يا همس. ما تتصوريش كلامك دا بيعمل فيا ايه؟!، كلامك زي البلسم الشافي لروحي يا همسي. ،.

تطاولت همس على أصابع قدميها وأحاطت عنقه بذراعيه وأسرّت له بجوار أذنه هامسة بحب:
- وأنا عمري ما حبيت ولا هحب غيرك انت بس. انت مرادي من دنيتي يا مراد!
شدد مراد من احتضانها حتى كادت ضلوعها تئن من شدة قبضته ورفعها لتكن بموازاته وقال بتأكيد وحسم:
- وأنا عمري ما هحب غيرك انت يا أغلى حاجه في عمر مراد، أنت حبي الأول والأخير.

ثم غيبها في عناق قوي ليحملها الى عالمهما الخاص المليء بعشق سرمدي ومشاعر نارية ملتهبة...

كانت يارا تشعر بالقلق القاتل خاصة وقد انتكست حالة والدتها الصحية فجأة وذلك في نفس اليوم الذي دعاها فيه أسامة لتناول طعام الغذاء لديهم وأصرت عليها والدتها في الذهاب، فبعد رجوعها وكانت قد صممت على العودة الى المستشفى فرافقتها والدة أسامة للاطمئنان على والدتها لتفاجأ بانتكاس حالة والدتها الصحية وحجزها في غرفة الرعاية المركزة ثانية وقد تقرر تقديم موعد العملية الجراحية...

كان أسامة برفقة يارا مع والدته في اليوم المقرر لإجراء الجراحة بينما غادر والده الى عمله و قد أكّد عليه إبلاغه فور انتهاء الجراحة...

كاد القلق أن يفتك بيارا وقد انقضت فترة طويلة تقارب الخمس ساعات منذ دخول والدتها إلى غرفة العمليات ولم يخرج أي من الطاقم الطبي لتطمئن منه عن حالة والدتها...

خرجت ممرضة من غرفة العمليات فركضت إليها يارا يرافقها اسامة بينما همّت والدته في سيرها للحاق بهما فيما سألت يارا الممرضة بلهفة:
- خير يا سيستر طمنيني؟!، أشاحت الممرضة بوجهها جانبا وأجابت بصوت متلعثم: - ربنا معاها. ، ثم انصرفت مسرعة كي لا تدع لها المجال لمزيد من الأسئلة، نظرت يارا الى أسامة برعب هاتفة بهلع:.

- أسامة ماما فيها ايه؟، ما ان انتهت من عبارتها حتى شاهدت الطبيب الجرّاح الذي أجرى العملية لوالدتها يخرج من غرفة العمليات فاندفعت اليه تسأله بخوف بينما يكاد قلبها أن يقف من شدة القلق الذي يعصف بها:
- دكتور طمني أرجوك. العملية نجحت؟، أجاب الطبيب بأسف: - شوفي يا بنتي احنا عملنا كل اللي نقدر عليه، واللي أقدر أقوله ان العملية كانت صعبة ومعقدة جدا...

قاطعته يارا متسائلة بلهفة: - دكتور أرجوك ممكن تقولي النتيجة من غير مقدمات؟
زفر الطبيب بضيق وأجابها ناظرا اليها بشفقة: - النتيجة ان والدتك دخلت في كوما، وللأسف ما نعرفش هتفوق منها ولا...
سكت قليل ثم تابع بأسف: - ادعي لها يا بنتي ربنا يكون في عونها وفي عونكم...
نظرت يارا في أعقاب الطبيب المنصرف بذهول وتمتمت مكررة كلام الطبيب ناظرة الى اسامة بدهشة وعدم تصديق:.

- كوما!، انت سمعت اللى انا سمعته يا أسامة؟، ماما دخلت في كوما!
احتضنها اسامة بينما وقفت بجوارهما والدته مربتة على كتفها فابتعدت عن أسامة لتلقي بنفسها بين ذراعي والدته وهي تصيح بقوة:
- ماما. ماما يا طنط...
قالت والدة أسامة بحنان بينما دموعها تسيل بصمت بالرغم منها على وجهها: - ادعي لها يا بنتي. ادعي لها يا يارا.

ابتعدت عنها يارا ورفعت وجهها ناظرة الى الأعلى وهي ترفع كلتا يديها إلى ما فوق رأسها وهي تصرخ هاتفة غير مبالية بنظرات الشفقة والعطف التي انصبت عليها من المتواجدين حولها:
- يا رب، يا رب انت عارف اني ماليش غيرها، يا رب، يا رب اشفيهالي يااااااا رب...

وفجأة. لاحظت يارا حركة مكوكية غريبة، حيث تركض بعض الممرضات ثم شاهدت طبيب والدتها وهو يهرول عائدا بخطوات سريعة ليدلف الى غرفة الرعاية بينما لاحقتهم هي بنظراتها المتوجسة القلقة، وما هي إلّا بضع دقائق حتى خرج الطبيب المعالج واقترب منها ناظرا اليها بأسى وهو يقول بصوته العمليّ ولكنه مغلّف برنة حزن وأسى:
- أنا. أنا آسف يا بنتي.

تساءلت يارا بحيرة وذهول: - يعني ايه يا دكتور مش فاهمه؟، أجاب الطبيب وهو يلقي الى اسامة بنظرة فهمها الأخير الذي أحاط كتف يارا بذراعه بينما تابع الطبيب بصوته الوقور:
- البقاء لله. ربنا يرحمها ويصبركم يا بنتي.
ثم انصرف تاركا إياها وقد جمدت في مكانها تماما بينما علامات الذهول ترتسم على وجهها!

رفعت يارا عينيها الى اسامة وقالت وهي تبتسم بينما عيناها تذرفان الدموع الساخنة:
- أنت، أنت سمعت الدك. الدكتور بيقول ايه؟، ثم ضحكت مردفة: - بيقول، البقاء. البقاء لله، لا لا لا هو أكيد فاهم غلط، أنا هدخل أجيب ماما من جوّه. المستشفى دي وحشة. أنا هودِّيها مستشفى تانية ودكتور أشطر من الدكتور دا.

ثم استدارت تنادي بصوت عال بينما شدد أسامة من قبضته لها يعوقها في حين نظرت اليها والدة اسامة ودموعها تغرق وجهها وهي تسمع يارا تنادي صارخة:
- ماماااااااااا، ماما ياللا بينا من هنا. أنا هوديكي مستشفى تانية يا ماما. انت هتخفِّي وهتبقي كويسة.

قال اسامة مغالبا دموعه بصعوبة: - يارا حبيبتي حرام اللي انت بتعمليه دا، ما تعذبهاش يا يارا!
نظرت اليه باستنكار هاتفة: - اييه؟، انت بتقول ايه؟، معذبهاش؟، ثم دفعته بعيدا عنها وتابعت بصوت عال وهي تتراجع خطوات الى الخلف:
- ابعد عني، ابعد عني. ، ثم التفتت حيث غرفة العمليات وهي تصيح بلوعة: - ماما. انا عاوزة ماما، ماما. تعاليلي يا ماما، عاوزين يبعدوني عنك يا أم يارا. مامااااااااااااا.

وهمّت بالركض حيث الغرفة عندما أحاطت بها فجأة سحابة سوداء وسمعت صوت طنين عال في أذنها لتهوى بعد ذلك مغشيا عليها ولكن تلقفتها ذراعي أسامة قبل ان يلامس جسدها الضئيل الأرض.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة