قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية كبرياء أنثى (نساء متمردات ج2) للكاتبة منى لطفي الفصل الثالث

رواية كبرياء أنثى (نساء متمردات ج2) للكاتبة منى لطفي الفصل الثالث

رواية كبرياء أنثى (نساء متمردات ج2) للكاتبة منى لطفي الفصل الثالث

صباح الخير يا راندا ...
ألقى نزار تحية الصباح بابتسامة وهو يسحب كرسيه ليجلس الى مائدة الافطار التي كانت راندا تصف اطباق الافطار فوقها، ردت عليه ببرود جعل ابتسامة ترتسم على شفاهه قائلة:
- صباح النور يا نزار، الفطار جاهز انا هروح أنادي مهدي. ثم سارت بجواره لتتخطاه فأمسك بيدها ومال ناحيتها ناظرا في عينيها وهو يقول بابتسامة عتاب خفيفة:.

- فين الابتسامة اللي بتنور حياتي على الصبح؟ الجميل لسه زعلان مني ولا ايه؟
زفرت راندا بضيق ثم نظرت اليه مجيبة ببرود: - لا وهزعل ليه وانا اكون إيه علشان اقول لبنتي تسافر وما تسافرش مش انت ابوها وأدرى بمصلحتها؟

قال بهدوء: - راندا حبيبتي انت كنت موافقة ومتحمسة لسفر همس أكتر مني كمان ممكن أعرف ايه اللي غيَّر رأيك؟ ما تقوليليش انك قلقانه عليها وكلام من دا لأ!، انت فيه حاجه مخبياها عليا يا راندا، وحاجه انت عارفة ومتأكده اني لو عرفتها هتضايق! ممكن تقوليلي الصراحه؟ انت ليه غيرت رأيك بخصوص سفرية همس؟

أجابت راندا بتلعثم طفيف لم يخفى عليه: - وانا. انا هكون مخبية ايه يعني يا نزار؟ بنتي وقلقت بخصوص موضوع سفرها دا عادي يعني، كنت فرحانة لفرحها بس لما فكرت لاقيت انه حكاية انها تسافر وتبعد أول مرة عنِّي دي وجعت قلبي أووي!

غمزها مقتربا منها وقال: - وتكشيرتك في وشي من ساعة ما همس سافرت ما وجعتش قلبك؟
نظرت اليه بعتاب وقالت: - انت اللي لسه مصمم تحسسني انى عقلي صغير ومش بوزن الامور صح، مع انى كبرت وعندى 45 سنة.

قال بابتسامة: - وانا 60 سنة! شوفتي الفرق يخض ازاي؟ عموما استحمليني يا ستي كلها كم سنة وخلاص وهريّحك، انا أصلي بلعب في الوقت الضايع!

شهقت راندا عاليا متألمة من جملته وسارعت بوضع يدها على فمه وهي تقول بعينين يغشاهما القلق:
- ألف ألف بعد الشر عليك. ما تقولش كدا يا نزار عمرك أطول من عمري يا رب، عارف لو سمعتك بتقول كدا تاني هزعل منك بجد.

ثم لفت ذراعيها حول رقبته مردفة بحب: - انا ماليش غيرك، انت ابويا واخويا وجوزي وحبيبي، انت عيلتي كلها يا نزار، وانت عارف هي زربونة بتطلع وتنزل تاني على طول! يعني زي ما تقول كدا شعرة. ساعة تروح وساعه تيجي!

ضحك وشدد عليها بين ذراعيه وهو يقول: - هتفضلي في عيني راندا بنت 20 سنة اللي وقعت في حبها من غير ما أحس، انت عارفة انا مش بقدر على زعلك خالص خصوصا انت. انت بنتي الكبيرة!

سمعا صوتا يهتف بمرح: - الله الله، وانا كمان اقول مافيش حد يشوفها معايا الا ويقول اختك الصغيرة دي يا مهدي!، أتاري انت دلوقتي فهمتنى اللغز يا والدي العزيز.

شهقت راندا وابتعدت عن ذراعي زوجها الذي لا يزال محيطا خصرها بذراعه وقالت ناهرة ابنها:
- انت بتتريئ حضرتك؟ اعملك ايه انت ما شاء الله عليك جسمك رياضي، طبعا مش لاعب اسكواش، فطبيعي تبقى طول بعرض، وبعدين تعالى هنا. انت فين بئالي كم يوم مش بشوفك خالص؟

ضحك نزار واشار اليهما قائلا: -طيب ممكن نقعد نفطر وابقي اسأليه الاسئلة اللى انت عاوزاها، عندى عميل جايلي المكتب علشان ديكور الفيلا بتاعته ومش عاوز اتأخر عليه...

جلسوا لتناول الافطار وقال مهدى: - ايه بس يا ام مهدي انت عارفة في الشغل. هكون فين يعني؟ خالى محمود أخد طنط مها وسافر، منها شغل ومنها Honeymoon جديد، وطبعا انت عارفة خالى ادهم ما بيرحمش في الشغل و اذا هو رحمنا مراد باشا ولا يعرف يعني ايه رحمة، عنده استعداد يشتغل 48 ساعه في ال 24 ساعه!

قال نزار: - بس بصراحه مراد عرف يبنى له اسم، هو طبعا المجموعة بتاعت أدهم لا غبار عليها بس مراد فيه عُملاء كتير دلوقتي في السوق عارفينه بالاسم وعارفين انه هو بعد ادهم على طول في المجموعة.

قالت راندا بفخر: - أدهم اخويا خلاَّ مراد ينزل الشغل من وهو بيدرس، كان بينزل الشغل في الصيف، كان عاوزه يبقى دراعه اليمين والحمد لله ربنا وفقه، بصراحه مراد انسان يعتمد عليه وشاب لقطة!

امتعض نزار من تلميح راندا وقال بسخرية خفيفة: - ايه يا راندا انت هتخطبي له؟
أجابت راندا: - المثل بيقول اخطب لبنتك وما تخطبش لابنك! ومن غير ما أخطب له انت عارف انه نفسه يناسبك انهارده قبل بكره!

نظر اليها نزار بحدة بينما نقل مهدي نظراته بينهما وهو يتابع تناول افطاره في هدوء فقد تعلم انه لدى حضوره احدى مناقشات والديه ان يكتفي بدور المستمع لأنهما سرعان ما يتصالحا، قال نزار وحدة خفيفة تلون لهجته:
- وهما كانوا اتكلموا في الموضوع دا يا راندا؟ بصي يا راندا انا مش هغصب بنتي على حاجه مش عاوزاها دا أولا وثانيا بأه انا قلقان من مراد ابن اخوكي. ايه رأيك بأه؟

شهقت راندا ونظرت اليه بدهشة وهي تهتف: - ايه؟ قلقان من مراد؟ قلقان منه في ايه بالظبط؟ شاب زي الفل واخلاقه ما يختلفش عليها اتنين وانت عارف ادهم وريتاج اخلاقهم ازاي. وتيجي تقول لي قلقان؟

أجابها وهو يزفر بحنق: - راندا بصراحه كدا ابن اخوك غامض اووي يعني ماتقدريش تفهمي شخصيته ولا هو عاوز ايه بالظبط؟ مش عاوز بنتي تعيش تايهه وقلقانه! مراد مش واضح ولا صريح دا غامض، والغموض دا اللي قلقني ومش مريحني بصراحه! يعني لو عاوزها فعلا ما اتكلمش ليه لغاية دلوقتي؟ ما هو حاجة من اتنين يا أدهم هو اللي بيضغط عليه عشان يتمم موضوع همس وعشان كدا لسه ما اتكلمش، يا اما انه شايف نفسه أحسن من بنتي وضامن اننا هنوافق عليه أول ما يفاتحنا في الموضوع، وكأن الكلام فيه مجرد تحصيل حاصل يعني، والاحتمالين أنا مش بس رافضهم لا. وقلقان منهم أوي ومنه هو شخصيا!

عذرته راندا لقلقه وبداخلها شتمت في مراد بسبب غروره الذي لا يختلف عليه اثنان ولكنها في الاول والاخير لم ترد أن تزيد من غضبه وحنقه على ابن أخيها فأجابته بهدوء:
- انا متأكده انه ولا احتمال من دول، ولما تتكلم مع مراد هيقدر يقنعك بنفسه، انت بس شيل الاوهام والقلق اللي مالوش لازمة دا من جواك!

هز نزار برأسه موافقا بينما ابتسم مهدى وقام واقفا قائلا: - انا هستأذنكم بأه علشان يدوب كدا.
قالت راندا مبتسمة: - بالسلامة يا حبيبي وابقى سلم لي على مراد ابن خالك.
ونظرت الى نزار بتحد فزفر عميقا مغمضا عينيه بينما غمز مهدي لأمه واقترب منها هامسا في أذنها:
- بالراحة على الراجل يا روني مش كدا؟
وضحك بينما كادت ان تضربه ولكنه هرب منها ضاحكا...

سلام عليكم ، قال اسلام ملقيا السلام على شقيقه عصام الذي نظر اليه من خلف باب منزو في غرفته وقال له وقد قطب عندما رأى هيئته:
- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، ثواني وجايلك.
قال اسلام وهو يتنهد بعمق بينما يجلس على الاريكة الجلدية في الغرفة: - براحتك.
وأسند رأسه على ظهر الأريكة وهو يطالع سقف الغرفة وقد شرد في أميرته التي خطفت قلبه وتأبى إرجاعه له او الخضوع لحبه!..

أه تصدق فعلا الكرانيش اللي في السقف جميلة لدرجة انك تسرح فيها! .
انتبه اسلام من شروده على مزاح شقيقه التوأم الذي يختلف عنه في لون الشعر فاسلام ورث اللون الاسود الليلي من مها بينما ورث عصام لون الشعر البني من والده محمود وتقاسيم الوجه تكاد تكون متقاربة ولكن يمكن التفريق بينهما لمن قضى وقتا طويلا معهما...

قال عصام وهو يجلس بجواره مادا ذراعه على ظهر الاريكة: - مالك يا بني فيه ايه؟ اللي يشوفك يقول فلوسه راحت في البورصة وليعاذ بالله يعني؟!

نظر اليه اسلام وقال بابتسامة ساخرة خفيفة: - انت مش هتبطل تهريج على حسابي؟ انا عاوز اعرف انت دلوقتي بره مديهم الوش الخشب وتيجي تتسلى على حسابي أنا؟ دا حتى شمس...

وبتر جملته ولم يكمل فنظر اليه شقيقه بطرف عينه وقال بلؤم: - ايوة شمس مالها؟
ابتلع اسلام ريقه بصعوبة واكمل قائلا: - لا ابدا، بس لسه انهارده كانت بتقولي ان انت استاذ كشَّر وانا اللي بحب الضحك كنت عاوز اقولها دا بيرسم نفسه بس تعالي شوفيه ما بيتفردش الا عليا انا!

ضحك عصام عاليا ثم قال بخبث: - هي شموسة هيفضل لسانها طويل كدا على طول؟
نظر اليه اسلام نظرة عنيفة زاجرا اياه عن الحديث عنها بهذه الطريقة وقال له بينما عصام يبتسم بإغاظة:
- عصام انت عارف شمس ما عادتش صغيرة علشان تتكلم عليها كدا، ايه شموسة دي؟ ّ!
قال عصام بلؤم: - لا تصدق واضح فعلا اننا اتبادلنا الادوار يعني انت بئيت كشَّر أفندي وانا بحبح أفندي!

ثم ضحك عصام عاليا بينما ضربه اسلام بيده على ذراعه بقوة فقال عصام: - طيب خلاص خلاص قلبك ابيض.
قال اسلام محاولا تغيير الحديث عن شمس: - كنت جوه في اودة العفاريت بتاعتك بتعمل ايه؟ بتطلع عفاريت تاني؟

زفر عصام بعمق وقال: - يعني انتو امتى هتقدروا شغلي؟ هو انا يا كنت اشتغلت معاكم في المجموعه يا غير كدا ابقى عواطلي؟ بجهز الصور بتاعتي انت عارف انى هفتتح اول معرض ليا قريب اووي بس انا طبعا مش ع البال ما انا الفاشل اللي في عيلتكم وتقولي مكشر ليه؟ عيلة كلها بتتكلم بالحسابات هات لي واحد فيكم بيشتغل بره حتى مهدي ابن عمتك راندا انضم لكم بصراحه عمي نزار صعب عليا درست انا هندسة ديكور واشتغلت معاه في شركته للديكور وفي نفس الوقت نميت هواية التصوير عندي وهو شجعني وكان من المتحمسين ليا اووى هو و، همس!

قال اسلام وقد بدأ مزاجه العكر في الانحسار ناظرا الى عصام بخبث: - و، ريما؟ زفر عصام بحنق قائلا: - ريما؟ ريمة مين بس؟ دى لسه عيلة!
أجاب اسلام بهدوء: - ريما في تانية جامعه يا عصام ولازم تاخد بالك من كدا وما تعاملهاش انها لسه طفلة!

اشاح عصام برأسه وقال في سخرية: - عندها 19 سنة يبقى لسه عيِّلة وهتفضل في نظري عيلة، المهم سيبك منى انا، لسه بردو عقدة لسانك ما اتفكتش؟

هرب اسلام بعينيه من نظرات عصام وقال: - مش فاهم تقصد ايه؟
قال عصام بجدية: - اقصد دور العاشق الصامت اللي عجبك وسايق فيه لغاية دلوقتي دا؟ يا بني البنات عاوزة اقتحام، ما ينفعش تقعد تحبها منك لنفسك كدا! لازم تصارحها بمشاعرك.

قال اسلام بنبرة حزن: - أصارحها؟ أصارحها ازاي يا عصام وهي مش شايفاني خالص قودامها؟ خليني كدا عايش على امل انها هييجي عليها يوم وتشوفني.

هتف عصام بقوة: - واذا بأه شافت حد تاني غيرك يبقى ازي الحال؟
التفت اسلام بحدة الى عصام هادرا: - قصدك ايه؟ شمس عمرها ما تعمل حاجه زي كدا...
ضحك عصام ساخرا وقال: - هو ايه اللي عمرها ما تعمل حاجه زي كدا؟ هي هتغضب ربنا لا سمح الله؟ هي مش هتعمل حاجه غلط انما ممكن حد تاني يدخل في الخط ويخليها تشوفه هوَّ ساعتها بأه هتعمل ايه حضرتك؟ هتسيبهالو بسهولة كدا؟

قال اسلام بتوتر بالغ: - لا. مش ممكن طبعا. انت عارف كويس اووي شمس بالنسبة لي ايه؟ شمس دي شمس حياتي اللي بتنورهالي لكن انا مقدرش اعرض عليها مشاعري وترفضها وتقولي انت زي مراد اخويا لانه ساعتها هكون حكمت على حبي بالاعدام لانه مهما حصل مش هعرضه عليها تاني اللي مسكِّتني انى بقول اكيد هييجي اليوم اللي هتحس فيه بمشاعري ناحيتها المشكلة انها رافضة فرق السن اللي بينا خالص مش عاوزة يبقى فرق السن بينها وبين الانسان اللي هترتبط بيه سنة ولا اتنين عاوزاه مش اقل من 6 سنين! شوفت الكارثة! طيب احلها ازاي انا دي بقة؟

صدح صوت عصام ضاحكا وهو يقول: - اعمل لك شهادة ميلاد جديدة! ولا اقولك قولها انهم غلطوا في الحساب او بلاش روح للدكتور خليه يسننك من تاني وهو يلاقي كل حاجه فيك اكبر منك ب 6 سنين مش فاكر واحنا في المدرسة كان طولنا وجسمنا بيسبب لنا المشاكل وعلى طول يفتكرونا اكبر من عمرنا!

هتف اسلام بنزق: - انت فايق ورايق!
ثم نهض من مجلسه والتف الى شقيقه مردفا: - المهم شكل ابن عمك مهبب حاجه زي عوايده مع همس، شمس انهارده حاكيت لي حكاية غريبة وكالعاده طنط ريتاج في صف همس!

ضحك عصام عاليا وقال: - عارف اللي انا بحسده في عيلتنا دي كلها مين؟
قال اسلام وهو يكتف ذراعيه امامه بسخرية طفيفة: - مين يا فيلسوف عصرك وأوانك؟
أجاب عصام بمرح: - عمك أدهم! بجد طنط ريتاج انا متاكد انه عايش معاها 2424 ساعه في مفاجئات بجد نفسي ارتبط بانسانه زيها عمر الملل ما يدخل حياتك.

ضحك اسلام واستدار ليغادر وهو يقول: - طيب خلي عمك ادهم يسمع الكلمتين دول وانت بنفسك اللي هتغادر حياتك!
نهض عصام وهو يعلق ضاحكا: - لا لا لا وعلى ايه الطيب أحسن! عمك غيرته وحشة أووي ربنا يكفينا شرها لما بتطلع سبحان مين بيدخلها تاني ويهدِّيه...

انا زعلانه منك اووي اووي يا همس بأه تسافري من غير ما تقوليلي؟ ...
قالت همس بهدوء لشمس التي حادثتها لتعاتبها على عدم اخبارها بسفرها الى لبنان: - اعمل ايه يا شمس الموضوع جه فجأة و...
قاطعتها شمس قائلة: - ما كنتيش عاوزة مراد يعرف الا لما كل شيء ينتهى فعلا صح؟ همس ايه اللي حصل بينك وبين مراد وماما عارفاه ليلة سفرك؟

ارتبكت همس وقالت بتلعثم خفيف: - هيكون حصل ايه يعني؟ كل الحكاية انه كلمنى قلت له اني هسافر رفض انى اسافر وانا رفضت وطبعا كلمت طنط ريتاج علشان افهمها الموضوع بالظبط وهي كانت في صفي وسافرت واديني هنا أهو!

قالت شمس: - همس مراد قالك انه جاي يخطبك يوم سفرك؟
أجابت همس بحزن: - آه. قال لي.
شمس وقد بدأت الخيوط تتجمع مع بعضها: - ايوة وحضرتك قولتي له ايه؟ استني استني اقولك انا طبعا مراد بيه بلغك انه جاي يخطبك في نفس اليوم اللي انت مسافرة فيه اداكي خبر كالعاده مش ناقشك واكيد اختار نفس اليوم علشان ما تسافريش لكن اللي حصل انه حضرتك سافرت يبقى اكيد اتخانقتوا صح؟

زفرت همس بيأس وحزن وأجابت: - شمس خلاص ما عادش ينفع كلام يا شمس، مراد لازم يفهم انى مش جارية يؤمرني وانا انفذ واقول سمعا وطاعة! لأ. انا انسانه وليا وجودي وشخصيتي وكياني، و زي انا ما بحترم رأيه لازم هو كمان يحترم رأيي، واضح ان مراد فهم سكوتي غلط لما كان بيرفض اي حاجه مش على مزاجه زي خروجاتنا انا وانت سوا، كنت بقول خايف عليا وكل دا حرص منه لكن اتضح لي انه الموضوع فرض شخصية مش اكتر وانه بيحاول يكسرني! بصي يا شمس ارجوكى خلاص انا ماعندتش قادرة اتكلم والواضح كدا ان مراد خد قراره خلاص هو قالها لي لو سافرت يبقى انسى وانا نسيت، اللي طالباه منك انك تقولي له كلمة واحده عن لساني قوليله. همس بتقولك لآخر لحظة همس بتسمع كلامك وبتقولك هي فعلا خلاص. نسيت!

أغلقت شمس الهاتف مع همس وجلست في مكانها شاردة لتنتبه من شرودها على صوت مراد وهو يناديها قائلا بصوت عال بينما يحرك يده امام وجهها:
- هييييي شمس. انت فين؟ روحتي فين؟
رفعت رأسها ناظرة اليه لتجده ينظر اليها مندهشا من شرودها العميق ثم قالت بصوت شارد:
- أهلا مراد!
قطب قائلا بتساؤل: - أهلا مراد! مالك يا شمس؟
ثم طالع الهاتف الملقى بجوارها على الاريكة فنظر اليه ثم نقل نظراته اليها مردفا بريبة:.

- انت كنت بتكلمي مين في التليفون؟
أجابت شمس وهي تقف متناولة هاتفها المحمول: - دي همس!
قطب مراد وقال وقد اعتلت ملامحه نظرة غموض عميقة: - امممم. كويس، طيب بطّلي سرحان وقولي للدادة تحضر لي الغدا مش هقدر استنى بابا وماما، عندي مشوار ضرورى بعد ساعة!

ثم انصرف من أمامها واتجه يصعد السلم لغرفته بالأعلى عندما أوقفه صوتها حيث قالت وهي تنظر اليه من اسفل الدرج:
- مش عاوز تعرف همس قالت لي ايه؟
نظر اليها وهو يستند بيده على سور السلم ونظراته لا يبرحها الغموض: - عادي عاوزة تقولي قولي، مش عاوزة مش هتفرق معايا كتير!
زفرت شمس وقالت بضيق: - عموما هقولك علشان هي طلبت مني أبلغك رسالتها.

نظر اليها بتساؤل بينما تابعت: - قالت لي قولي لمراد همس لآخر لحظة بتسمع كلامك وبتنفّذه علشان كدا زي ما قولتها انسي هي فعلا خلاص، نسيت!

ثم استدركت مستفهمة: - تنسى ايه يا مراد؟
لم يظهر عليه أي رد فعل لكلام همس الذي نقلته اليه شمس ولكن قبضة يده التي شدت على سور الدرج حتى ابيضت سلاميات أصابعه أوشت عن الكثير مما يعتمل بداخله من عصبية مكبوتة ليجيب بصوت مكتوم:
- مافيش يا همس.

وانتبه الى زلة لسانه باسم همس بدلا من شمس التي نظرت اليه لا تعلم تنهره لغبائه الذي سيجعله يخسر قلبا عاشقا له كقلب همس او تعطف عليه فهو اولا واخيرا شقيقها الوحيد وتابع مراد وهو يتابع صعوده الى اعلى:
- معلهش اتلخبطت اصل همس وشمس قريبين اووي من بعض عموما لو كلمتك او كلمتيها تاني قوليلها مراد بيقولك برافو يا همس، شاطرة انك سمعت الكلام! بس انت حطيت نفسك في تحدي معاه.

ثم سكت ووقف اعلى السلم ونظر الى شمس الناظرة اليه بدهشة منتظرة متابعة حديثه وهو يقول:
- واللي يتحدى مراد يا همس بيخسر وعن جدارة لأني انا اللي بفوز وعن. جدارة!
وانصرف تاركا اخته تضرب اخماسا في اسداسا وهي تهتف بحنق: - تصدقوا انا اللي غلطانه انى بتدخل بينكم! وطلعت حمارة وعن جدارة!

ادهم تعالى شوف الحلقة اللي طالعه فيها همس.
سحبت ريتاج ادهم من ذراعه ليجلس بجوارها على الاريكة في حجرة الجلوس ليتابع معها البرنامج الذي يستضيف همس، كانا مندمجين مع البرنامج عندما سمعا صوت مراد وهو ينادى شمس ثم نظر اليهما من شق الباب قائلا:
- ما حدش شاف شمس؟ مش عارف اسلام غطسان فين بئالو يومين قلت اكيد هي عارفة.

أجابته ريتاج ونظرها مثبت على الشاشة امامها: - اكيد في أودتها، وبعدين اسلام موجود انت اللي كنت مش موجود بئالك كم يوم!
دبف مراد إلى الغرفة وقال وهو ينظر الى امه متسائلا: - معنى ايه التلميح دا يا ماما؟

قاطعه ادهم هاتفا بسرور: - سيبك من ماما دلوقتى وتعالى شوف ريتاج الصغيرة وهي بتتكلم بشقاوة وذكاء، تصدقي يا تاج انا دلوقتي بس عرفت. راندا اختى كانت بتتوحم عليكي اكيد وهي حامل في همس! البنت ما سابتش منك حاجه لا من جرأتك ولا من طريقة كلامك حتى!

التفت الى مراد ليطالع الشاشة امامه حيث أشار والده وما ان رآى همس امامه وهي تضحك معلقة على جملة قالها المذيع الشاب حتى انتفخت أوداجه قهرا وغيظا وعلق بصعوبة وقد غطت نظرة الغموض عينيه:
- آه. كويس، قاعد يتغزل فيها وهي بتضحك! هو انتي كنت بتعملي كدا يا ماما وانت قدها؟ على ما اسمع انت كنت راجل وسيد الرجالة كمان؟!

ضحك ادهم بينما نظرت اليه ريتاج بحنق قائلة: - باباك قاصده في طريقة محاورتها وردودها على المذيع لكن انت عينيك ما شافتش غير طريقة مجاملة المذيع ليها وردّها عليه، ايه عاوزها تقوم تاكله قلمين؟ وبعدين معروف ان اللبنانيين لسانهم حلو ومع الستات بالذات، يا أخي مش كفاية الوشّ الخشب اللي هنا؟ خلِّيها تحس انها بنوتة شوية طالما أبو الهول اللي هنا عمره ما سمعها كلمة حلوة، وبعدين بصراحة انا شايفه المذيع دمه زي العسل حتى لو بيعاكس فبطريقة دمها خفيف!

نظر اليها ادهم قاطبا وتكلم قبل ان يجيبها مراد قائلا: - يا سلام! يعني انت لو مكانها وحد قالك كلمة حلوة هتتبسطي؟

أجابت ريتاج ضاحكة: - أدهم المذيع دا أد مراد، يعني من دور ولادي، وبعدين هو انت شوفته اتكلم بقلة زووء؟ انا بقولك انه معروف ان المذيعين وخصوصا اللبنانيين بيكون لهم طريقة معينه في الكلام والمدح، مش معنى كدا ابدا انهم بيعاكسوا، هما طبيعته كدا، طريقتهم كدا، وبعدين انت هتسيب ابنك وتشبط فيا انا؟

مراد وقد اخفض عينيه: - وابنه ماله يا ماما؟ انا كويس اهو. عموما مش انت مبسوطة انها بتنجح وتشتهر؟ خليها تنجح وتشتهر، بس يا ريت تكون عارفة انه فيه حاجه اسمها ضريبة الشهرة وتكون قادرة عليها وقادرة تدفع تمنها!

نهضت ريتاج من مكانها وسارت حتى وقفت امامه ثم سألته بجدية: - وانت، تقدر تدفع تمن الضريبة دي يا مراد؟
رفع رأسه ناظرا اليها وقال بريبة: - ضريبة؟ ضريبة ايه دي؟
أجابته بحزم: - ضريبة عنادك؟ هتقدر تدفع ضريبة عنادك؟ وخلي بالك الضريبة دي اللي هيدفعها قلبك انت يا مراد مش حد تاني!

أشاح مراد بنظره بعيدا ليجيب بشبح ابتسامة: - جرى ايه يا ماما انت بتتكلمى بالالغاز ليه؟
نهض ادهم وسار حتى وقف بجوار ريتاج ووضع ذراعه على كتفيها وقال لمراد بلهجة الواثق:
- مامتك تقصد عنادك قصاد همس!
قالت ريتاج ونظرها مسلط على مراد الواقف امامها وقد ازدادت تعابيره غموضا وقتامة:.

- تقدر تدفع ضريبة ان همس تكون لغيرك؟ ملك لواحد تاني؟ انت عارف نزار كويس اووي وعارف انه مناه انه يطمن على بناته وصدقني العريس اللي هيتقدم لبنته ويلاقيه كويس ويرتاح له هيعمل اللي يقدر عليه علشان بنته توافق عليه وانت بردو عارف همس وأد ايه هي متعلقة بباباها وممكن جدا تحت ضغط والحاح منه توافق خصوصا انك مش هتبقى في الصورة ساعتها، يعني هي لوحدها مع مشاعرها بالنسبة لك اللي مهما كانت قوية لكن الحب زي الزرع لو ما ارتواش بيموت وانت عمال تسحب من رصيدك عندها من غير ما تحط وخلي بالك رصيدك خلاص على وشك النفاذ يا تلحق نفسك يا ما تلومش غير نفسك في الآخر، يبقى حط المعطيات دي كلها سوا واجمع واضرب واطرح واقسم. تلاقيها مش هيكون قودامها حل غير انها تنفذ كلام والدها، وخلي بالك انا في صف همس عارف ليه؟

نظر مراد اليها بتساؤل لتتابع قائلة: - لأني ما بحبش الظلم ولا التسلط وللأسف انت جبروتك وعنادك كبروا اووي ولازم توضع لهم حد، وانا مش علشان انت ابني هقف في صفك على طول واقول انت صح. لأ. انت غلط يا مراد! عن اذنك.

وانصرفت تاركة اياه في مواجهة أبيه الذي ناداها ولكنها أسرعت بالخروج متحسرة على ابنها الذي سيضيع حب عمره الحقيقي بعناده وصلفه وغروره...

اقترب ادهم من ابنه الواقف كالتمثال أمامه وقال له وقد وضع يده على كتفه: - شوف يا مراد. حلو ان الراجل يقدر يتحكم في عواطفه، بس الوحش انه يلغي عواطفه دي ويكابر، صدقني انا حبيت امك وعملت المستحيل علشان تكون من نصيبي لأني مؤمن ان الحب الحقيقي ما بيجيش في حياة الانسان غير مرة واحده بس، وكل يوم الصبح بحمد ربنا انه جمعنا ببعض، لسّه حبها في قلبي زي أول مرة قلبي دق لها، بالعكس العِشرة والاولاد والذكريات خليت حبي لها اقوى وأمتن، أوعى تخلي عنادك يخسّرك واحده زى همس او ريتاج الصغيرة، صدقنى لو كسبتها في حياتك عمرك ما هتحس بملل أبدا. كل يوم في حالة!

وغمز ابنه ضاحكا ثم استمعا الى صوت ريتاج وهي تنادي من خارج الغرفة ليتناولوا العشاء فهتف بصوت عال ليُسمعها:
- حالا يا تاجي.
وغمز ابنه وهو يسير مغادرا: - ياللا تاج بتاعتي مستنيانا علشان العشا.
ما ان وصل ادهم الى الباب حتى ناداه مراد عاليا هاتفا: - بابا. معلهش سامحونى، مش هقدر أتعشى معكم.

ثم سار حتى وصل بجوار والده الذي كان يناظره بتساؤل بينما أكمل مراد بابتسامة: - هروح لهمسي!، انا كمان مش هخلي همسي تسيبني حتى لو هي عاوزه، هي دخلت برجليها قفص الأسد واللي يدخل عرين الأسد عمره ما يخرج منه أبدا. صح يا بوس؟

احتضن ادهم ابنه فرحا مجيبا بضحكة: - أكبر صح، فعلا هذا الشبل من ذاك الأسد! وصدقني مش هينفع الا الاقتحام! ما تسيبلهاش فرصة، اعمل زى ابوك. هاجم واقتحم!..

سمع صوت ريتاج تنادي بقلة صبر فقال وهو ينصرف مسرعا: - حاضر حاضر.
بينما هتف مراد لاحقا به: - على فكرة يا ادهم بيه انا اجازة من الشغل، مسافر لبنان على اول طيارة!
التفت اليه والده رافعا ابهامه بعلامة النصر ثم التفت ثانية ليفاجئ بريتاج واقفة امامه عاقدة ساعديها وهي تنقل نظراتها بينه وبين ابنه الواقف خلفه وتقول قاطبة جبينها:
- فيه ايه بأه؟ ايه المباحثات المغلقة دي؟ كنت بتقولوا ايه كل دا؟

أمسكها ادهم من مرفقها وحثها على السير مبتعدين عن مراد وهو يقول: - هحكيلك حرف حرف كنا بنقول ايه، يا سلام بس كدا!
انتبهت ريتاج انه كان يقودها الى الاعلى حيث غرفة نومهما الرئيسية فقالت وهو يحثها على صعود الدرج:
- ايه يا ادهم مش هنتعشى؟
أجابها وهو يقبض على ذراعها لتصعد الدرجات برفقته: - استني بس دا المباحثات اللي عاوز اقولهالك أهم من العشا! قرارات ابنك خطيرة ولازم تعرفيها!

فاستطاع تشتيت انتباهها عن موضوع العشاء وأولته انتباهها بالكامل وهتفت باهتمام ولهفة:
- صحيح؟ ها قول طمني قرارت ايه دي؟
وصلا غرفتهما وفتح الباب داعيا اياها الى الدخول ثم اغلق الباب خلفهما فقالت ريتاج وهي تقف في منتصف الغرفة ناظرة اليه تهتف بحنق:
- ها. قول بأه. قرارات ايه؟!
تقدم اليها بلهفة محتضنا اياها وهو يقول بشوق: - هقولك القرارات قرار قرار وهشرحهالك كلمة كلمة وحرف حرف!

ثم مال عليها مقبلا شفتيها بحرارة قبل أن يرفع رأسه هامسا بصوت أجش: - دا أول قرار.
غامت عيناها بنظرة عاشقة وقالت بهمس دافئ: - ها، وفيه قرار تاني؟
أجابها بشوق قوي: - دا فيه تاني وتالت ورابع ولسه بأه شرح القرارات دي بالتفصيييييييل، و...

أخبرها بكافة القرارت جملة و، تفصيلا، ( اقفلوا بؤكم وبلاش تتنيح ما تستعبطوش، ايييييييه يا بختك يا تاااااااااج، آه منك يا ادهم يا محطم قلوب العذارى! صبرنا يااااااارب، ههههههه).

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة