قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية كبرياء أنثى (نساء متمردات ج2) للكاتبة منى لطفي الفصل التاسع عشر

رواية كبرياء أنثى (نساء متمردات ج2) للكاتبة منى لطفي الفصل التاسع عشر

رواية كبرياء أنثى (نساء متمردات ج2) للكاتبة منى لطفي الفصل التاسع عشر

- بابا هي ماما سابت البيت فعلا؟
سألت شمس والدها وقد اندفعت داخلة الى غرفة المكتب دون ان تطرق الباب مذعورة مما سمعته من صباح عندما سألتها عن مكان والدتها فقد فتشت عنها في أرجاء المنزل فلم تعثر عليها لا هي ولا جدتها سعاد، التفت ادهم الى ابنته واقترب منها محتضنا اياها وقال محاولا تهدئتها:
- ما تقلقيش يا شمس، ماما خدت تيته سعاد وراحت يومين تريح أعصابها وهترجع قريب أكيد إن شاء الله.

رفعت شمس نظراتها إليه متسائلة برجاء: - طيب بس هي راحت فين؟ قالت مكانها قبل ما تمشي؟، قاطعها مراد قائلا: - شمس، ماتخافيش على ماما، انا...
التفتت اليه ناظرة اليه بحدة مقاطعة إياه بزمجرة عنيفة: - انت آخر واحد تتكلم!، أنا متأكدة انك السبب إن ماما سابت البيت!، أكيد بعد عملتك المهببة دي! حد يقول عن نفسه انه مشلول بالكدب؟ وليه؟، وعلشان ايه؟ تصدق أنا لو مكان همس اعمل كدا واكتر من كدا كمان!

ثم أعادت نظراتها الى والدها وقالت بعتاب ولوْم: - وحضرتك يا بابا؟، ازاي تخبي علينا وعلى ماما بالذات حاجه زي كدا؟
زفر ادهم بضيق وأجاب: - شمس دي حكاية شرحها يطول، أهم حاجه دلوقتي إننا نعرف مامتك راحت فين؟!..
تنحنح اسلام قليلا قبل ان يتحدث وكانت شمس في خضم اندفاعها قد نسيت الترحيب به: - معلهش يا عمي ادهم، أنا واضح إني نشّنت على الوقت المش مناسب فعلا!، ويا ريت لو اقدر اعمل حاجه حضرتك تقولي.

أجاب مراد بغموض: - انا بالنسبة لي قلت لك موضوعك هو اللي هيرجع المجنونة بتاعتي عن اللي في دماغها!..

نظرت شمس باستغراب وتساؤل الى مراد وقالت بدهشة وحيرة: - موضوع؟ موضوع ايه دا اللي ممكن اسلام يعمله يرجع لك همس؟..
لانت فجأة أسارير أدهم وقال بحبور وقد ترك كتفي ابنته واندفع إلى إسلام ليمسك كتفيه هاتفاً وهو يهزه بقوة:
- صحيح. كانت تايهه عني فين دي؟!، انت اللي هتخلي المجنونة بتاعتي انا كمان ترجع!..

تفاجأ إسلام وقال بارتباك وعدم فهم: - معلهش يا عمي. بس اسمح لي انا مش فاهم!، انا اللي هخلي مجنونة مراد ومجنونة حضرتك ترجع ازاي يعني؟

ثم تدارك خطؤه فإستدرك بتلعثم: - آسف اقصد طنط تاج...
ابتسم ادهم ثم التفت الى ابنته ناظرا اليها ومد يده داعيا اياها للاقتراب منه فسارت حتى وقفت بجواره فاحتضن ادهم كليْهما - هي وإسلام - بكلتيْ ذراعيه بجانبه وأجاب بابتسامة أبوية حانية ترتسم على فمه الحازم:
- انتو اللي هتخلوا تاج ترجع!، ما هو مش معقول فيه أم تسيب بنتها تتخطب وهي بعيد عنها!

شهقت شمس بدهشة ونقلت نظراتها بين إسلام ووالدها وهي تكرّر ما سمعته من ادهم بغير تصديق:
- خطو، خطوبة بنت، بنتها؟ تقصد مين يا بابا؟
نظر اليها والدها بابتسامة وقال: - هو انا عندي كم بنت يعني؟ هي شمس واحده اللي منورة حياتي!
قالت شمس بتأتأة: - قص، قصد حضرتك خطوبتي أنا؟
هز ادهم رأسه إيجابا وهو يجيب بحماس: - طبعا يا شمس!
فتابعت شمس بتساؤل تريد التأكد من صحة ما فهمته من كلام والدها: - والعريس يبقى...

فقاطعها مراد متفكّها: - يبقى عريس الغفلة اللي واقف قودامك دا!
نظرت شمس بذهول إلى إسلام الذي كانت عيناه تلتهمان تفاصيل وجهها المحبب اليه بتوق شديد وقال بلهفة:
- أيوه يا شمس. أنا!
ترك ادهم كتفيهما وابتعد قائلا بحبور: - جميل. إسلام رتّب إنت مع محمود المَعاد اللي يناسبكم علشان تيجوا فيه وتتقدموا رسمي، ويا ريت لو تقول لمها. انا متأكد انها عارفة صاحبة عمرها راحت فين واكيد هتقولها و...

قاطع استرساله الحماسي صوت ابنته يهتف بحدة: - بابا، أنا لسه ما وافقتش!
نظرت ثلاثة ازواج من الأعين إليها في دهشة وقال والدها بتساؤل: - إيه؟ مش موافقة؟!
تلعثمت شمس قليلا وأشاحت بنظرها بعيدا عن عيني ذلك العاشق الذي تكاد تشعر بالحرارة تنبعث منه وأجابت بتردد طفيف:
- أنا. محتاجة وقت أفكر الأول!

وهي تقسم في نفسها أن ترد الصاع صاعين لهذا المتحذلق المغرور الذي تجاهلها منذ الحادث وخاصة بعد ان ألمحت إليه اكثر من مرة وفي اكثر من مناسبة بما يعتمل في قلبها من مشاعر حب حقيقي تجاهه، وأنها لم تعد تمانع الارتباط بشخص يكاد يماثلها في العمر فيكفيها الحب الذي يملأ جوانحهما وهو. لا حياة لمن تنادي!، ، قالت هامسة في ضميرها:.

- ماشي يا اسلام!، عقدة لسانك اتفكت دلوقتي بس؟!، ولّا علشان صاحبك ومشكلته وحكاية ماما فكرت انك تتقدم لي وتنقذ العيلة الكريمة من شبح الانفصال سواء لمراد أو لأبو مراد؟! بس أنا بأه هجننك لغاية ما اوافق!

نظر ادهم بتساؤل صامت الى مراد الذي رفع كتفيه وانزلهما علامة الجهل بما تنتويه شقيقته وسمع صوت اسلام يقول بجدية بينما عيناه مثبتتان على شمس لم تفارقانها:
- معلهش يا عمي، ممكن بعد اذن حضرتك تسمح لي اقعد مع بنت عمي خمس دقايق لوحدنا؟!

عتمت نظرات ادهم ونظر إلى إسلام قليلا ثم إلى ابنته قبل أن يقول بهدوء مشيرا الى مراد للحاق به:
- خمس دقايق بس يا إسلام!، ويكون في علمك. أنا عمري ما هجبر بنتي على حاجه أبدا، وخلِّي بالك. دي فرصتك الأخيرة!، بعد كدا. تبعد عنها خالص!، لأنك ضيّعت فرص كتير أووي قبل كدا!

وخرج من الغرفة يتبعه مراد تاركا إياهما بمفردهما وقد زاغت نظرات شمس التي كانت تمتلأ بالرجاء لوالدها ألا يوافق على تركها بمفردها معه، فهي تعلم تماما أنها قد تلاعبت بأعصابه كثيرا، ولكنه هو من دأب على استفزازها وبقوة في الآونة الأخيرة مما جعلها تصمم على أن ترد له الصاع صاعيْن!..

طرقت الباب على بِكرِيها بقوة ودخلت ما إن سمعت إذنه بالدخول، رفع رأسه ليرى من الطارق ليفاجئ بوالدته وهي تقف أمامه ناظرة اليه بغضب شديد، قام من مجلسه واتجه إليها وهو يقول بابتسامة حائرة:
- الجميل ماله؟، مين اللي مزعله؟..
تقدّم حتى وقف أمامها تماما ومال عليها ليقبل جبينها عندما أشاحت بوجهها بعيدا عن مرمى قبلته فتساءل مقطبًا:
- شكلي كدا انا اللي مزعل الجميل؟!..

كتفت راندا ساعديها أمامها ونظرت اليه هاتفة بحدة: - مهدي. اقدر اعرف بالظبط انت موقعك إيه من الإعراب في البيت دا؟
اتسعت عينا مهدي دهشة وردد قائلا: - موقعي من الإعراب؟
أعادت راندا عبارتها بغضب: - أيوة!، يعني إنت ساكن في بنسيون ولا مع عيلتك؟
ضحك نصف ضحكة حائرة وأجاب: - كلام ايه دا بس يا ماما؟!، معكم طبعا!، مش انتو عيلتي؟!

تساءلت له وهي تنفخ بحنق: - وما دامك عارف اننا عيلتك، اقدر اعرف لاغينا من حياتك خالص ليه؟، أو بمعنى أصح لاغي نفسك إنت من حياتنا ليه؟..

حاول مهدي تلطيف الجو قائلا بابتسامة: - إيه بس اللي أنا عملته خلّاكي زعلانه مني أوي بالشكل دا؟
أنزلت يديها وقالت بصوت مرتفع مشيرة اليه: - قول ايه اللي ماعملتوش؟، انت تعرف ان همس اختك عاوزة تسيب مراد؟..
نظر اليها بدهشة وعلّق بتقطيبة حائرة اعتلت جبينه: - ايه؟، تسيب مراد؟، ليه؟..

ضحكت ساخرة وأجابت: - علشان تعرف اننا ولا في دماغك!، ما لاحظتش ان اختك ما كانتش معانا على السفرة واحنا بنتغدى؟، دا اختك ريما الصغيرة لاحظت وعرفت! يا اخي البيت كله بما فيهم الشغالين عرفوا باللي حصل!، وانت إيه؟، هتفضل متوّه كدا على طول؟!..

زفر بضيق وقال: - لازمته ايه الكلام دا دلوقتي بس؟!..
ثم غشيت عيناه نظرة مظلمة وهو يتابع: - أظن انتو عارفين أنا طلعت نفسي من مشاكلكم امتى وليه؟
قطبت راندا ناظرة الى ولدها البِكر بحيرة ثم ما لبثت ان شهقت وقالت وهي تضع يدها على ساعده ونظراتها يغشاها القلق والدهشة:
- مهدي. انت لسه ما نسيتش؟..
ضحك مهدي ضحكة مريرة وأجاب وهو ينظر اليها بابتسامة ساخرة ماجت بها عيناه فأصبحت بلون السماء في يوم عاصف:.

- أنسى؟ أنسى إيه بالظبط يا أمي؟، أنسى إني لما حبيت اسافر والدي العزيز رفض وبشدة وهددني وقال لي لو سافرت تنسى ان ليك اهل في مصر؟

قالت بحنان الام: - وانت نسيت انك ما كنتش مسافر؟!، إنت كنت مهاجر!، ثم اوضعت راحتها على وجهه مربتة عليها وهي تتابع بحنان أمومي فياض بينما قلبها يعتصره الألم على ولدها الوحيد:.

- حبيبي والدك لما عمل كدا خوف عليك وعلى أخواتك البنات!، ما كانش قصده لا إستبداد بالرأي ولا إنه يحطم حلم حياتك زي ما اتهمته وقتها وهو سكت!، يا بني يا حبيبي الهجرة هتشدك للبلد اللي هتروحها، وشوية. شوية. هتبني لك جذور هناك وحياة تانية وهتنسانا احنا خالص!، انت عارف ان همس وريما مالهومش بعد ربنا الا انت وبابا. وباباك ربنا يديه الصحة وطول العمر خايف عليكم جدا. عاوز يجمعكم سوا. عاوز يطمن انك هتكون سند لإخواتك من بعده.

ثم نظرت إليه بعتاب وقالت بلهجة تحمل الكثير من اللوم: - ويا ترى كمان نسيت انك نشفت دماغك وردِّيتها لباباك لما صممت انك تشتغل مع خالك أدهم وخالك محمود وما رضيتش تشتغل مع والدك في مالك؟!، لدرجة ان عصام ابن خالك محمود هو اللي اشتغل معاه! مهدي حبيبي، احنا كلنا عيلة واحده، ولمّا حد ياخد قرار في حياته مش حياته هوَّ لوحده اللي هتتأثر بالقرار دا. لأ!، كلنا هنتأثر بيه. لأننا كلنا كيان واحد، مش معنى إن نزار رفض موضوع الهجرة بتاعك اللي انت كنت ماشي فيها من ورانا وباباك عرفه صدفة وكان شكله وحش وحسّ ان ابنه مهمّشه في حياته خالص، مش معنى رفض باباك دا انه بيعاقبك مثلا علشان ما أخدتش رأيه ولا انه عاوز يتحكم فيك، لأ!، انت عارف باباك بيحبكم أد ايه؟، وروحه فيك انت واخواتك البنات، بكرة حبيبي تتجوز وتخلف وتعرف ان الاب والأم بيتمنوا يشوفوا اولادهم احسن منهم ولو حد منهم قال آه يحسوا انها سكينة بتنغرز في قلبهم همّا!..

أمسك مهدي براحة والدته مقبلّا لها وقال وهو يحتويها بين كفيه الضخمين وابتسامة ترتسم على وجهه الرجولي الجذاب:
- معلهش يا امي، ما تزعليش مني، بس انا حاسس ان فيه حاجز بيني وبينه! عندي احساس انه لسه غضبان مني...

مسحت راندا بيدها الحرّة على شعره الأسود اللامع الذي ورثه عن والده وأجابت بابتسامة:.

- ولا عمري ازعل منك ولا أقدر أزعل منك، . بس علشان خاطري بلاش العقاب اللي انت مصمم تعاقبنا بيه دا وتعاقب نفسك قبلنا!، ارجع تاني مهدي اللي قلبه علينا كلنا واحد واحد، حاول تتكلم مع بابا، وصدقني هو نفسه في دا. حتى لو مش بيبين لك كدا، ، لكن انا حافظة بابا كويس اووي، . بابا من النوع اللي بيخبي مشاعره، حاول تصاحبه، صدقني هتندم على الأيام اللي فاتت عليك وإنت بعيد عنه. لأنه على أد ما هو بيظهر غامض وكتوم. لكن جواه حب وحنان وطيبة. عمرك ما هتلاقي زيّها!، وعلى فكرة بابا عمره ما يشيل في قلبه أبدا تبقى غلطان لو فاكر انه زعلان من موضوع الهجرة دا!

علّق مهدي غامزاً: - يا سلام يا سلام يا بختك يا أبو مهدي، مراتك بتدوب فيك دوب وناقص تقول فيك شعر كمان!..

ثم رفع رأسه ناظرا الى السماء وتابع وهو يرفع يديه بالدعاء: - إوعدنا يارب.
ضربته راندا بخفة على كتفه وقالت بغضب مصطنع: - عيب! احترمني انا والدتك بردو، وبعدين ما انا غُلبت اقولك تتجوز انت اللي مش عاوز.

نظر اليها وقال بابتسامة ماكرة: - لو ضمنتيلي انها تحبني وتموت فيا زي ما انت بتموتي في أبو النُّزر كدا. اتجوز من بكرة!..

شهقت راندا وهتفت بحدة: - إيه؟، أبو النزر؟!، انا ابني يقول ابو النزر!، انت بتجيب الالفاظ دي منين؟ نهايته دا مش موضوعنا انا جاية اسألك في حاجه تانية خالص...

قال مهدي ضاحكا: - إسألي يا ست الحبايب كلي آذان صاغية.
تساءلت بجدية: - انت كنت عارف ان مراد ابن خالك بيمشي؟
قطب قائلا باستفهام: - مراد بيمشي؟ ازاي يعني مش فاهم؟
روت له راندا ما حدث وكيف اكتشفت همس خديعة مراد لها لتقبل بالزواج منه، ما ان انتهت راندا من سرد حكايتها حتى أطلق مهدي ضحكة عميقة وقال بصوت متقطع من بين ضحكاته بينما تنظر اليه والدته بدهشة وحنق:.

- مع، معله، معلهش. أصل تعبه طلع على فاشوش!، بنتك كدا. كدا. كانت هتتجوزه. هتتجوزه.!، كل العيلة عارفة انها بتحب مراد، أنا كنت حاسس إن خطوبتها لأسامة مش هتكمل!..

أجابت راندا حانقة: - ايه فاشوش والكلام دا؟..
ثم أغمضت عينيها متنفسة بعمق لتفتحهما بعد ذلك وتطلع إليه في حدة وهي تتابع: - على آخر الزمن ابن راندا يقول الألفاظ دي!، أنا اللي كنت بتّريق على خالك محمود لما كان بيتكلم بالأسلوب دا. ابني أنا يطلع كدا؟!

ثم أشاحت بيدها وأكملت: - نهايتُه. أختك عرفت بكدبة مراد ومصممة على الطلاق ومراد رافض وبشدة طبعا...
حرّك مهدي كتفيه قائلا: - اكيد لازم يرفض يطلقها هو كان اتجوزها بسهولة؟!، دا بنتك طلعت عينه على ما وافقت! عموما انا هروح اتكلم معاها دلوقتي.

ربتت راندا على كتفه قائلة: - اتكلم مع مراد الأول، جِسْ نبضه. وبعدين اتكلم مع اختك.
أومأ مهدي برأسه موافقا فتركته راندا متوجهة الى الخارج، وقفت امام الباب والتفتت اليه قائلة بينما ترتسم ابتسامة ماكرة على شفتيها لم يفطن اليها مهدي:
- ولو سألك همس لسه مصرة على الطلاق قول له واكتر من الأول!..

وخرجت من الغرفة وقد لمعت عيناها بنظرة ماكرة فهي مطمئِّنة أن مراد سيلتقط الطُّعم وبسهولة وستسير الأحداث كما خططت لها هي و، ريتاج!..

تقدم إسلام من شمس ما ان خرج والدها وشقيقها وسار حتى وقف امامها بينما لم ترغب هي أن تتزحزح ولو خطوة واحدة من مكانها حتى لا يظن انها خائفة من التواجد معه بمفردهما...

مال عليها ناظرا اليها بينما تشيح هي بنظراتها بعيدا وقال: - ممكن أعرف ايه اللي مضايقك بالظبط وخلاكي تأجلي موافقتك لغاية ما تفكري الأول؟..

نظرت اليه بقوة وقد غلى الدم في عروقها غضباً من هذا المغرور الواقف أمامها والذي يظن أنه ما إن تعطف عليها وتكرّم أخيراً وخطبها من والدها فإنها ستركض إليه بلهفة وشوق لترتمي تحت قدميْه وتوافق من فوْرها!..

أجابت بحدة من بين أسنانها المطبقة غيظاً وكمداً: - أظن أي بنت بيجيلها عريس من حقها تفكر مرة واتنين وتلاته عادي انا ماعملتش حاجه غريبة يعني؟!

نظر اليها بغضب هاتفاً بحنق: - الكلام دا لو أي عريس!، مش واحد هي عارفاه كويس اوي ومتأكده منه...
عقدت ساعديْها ونظرت إلى البعيد مجيبة ببرود ظاهري وهي تحرك كتفيها بلا مبالاة: - ومِش معنى اننا اتربينا سوا وانك ابن عمي أكون عارفاك كويس اوي!
ثم نظرت اليه متابعة بهدوء وهي ترفع حاجبها الأيمن بإغاظة: - وبجد انا فعلا مش عارفاك دلوقتي خالص!..

قطب إسلام بدهشة وقال مكررا عبارتها: - ايه؟ مش عارفاني كويس؟..

اعادت كلامها ببرود: - آه، ، يعني إسلام اللي أنا عارفاه مثلا هيفاتحني أنا الأول في موضوع ارتباطنا قبل ما يفاتح بابا، . إسلام اللي أنا اعرفه مش هيحطّني قودام الأمر الواقع، قودام بابا وأخويا!، إسلام اللي انا اعرفه كان كتاب مفتوح بالنسبة لي، لكن اللي واقف قودامي دا. – وحركت كتفيها بحركة تعني الجهل وتابعت بحيرة - إسلام تاني خالص!، إسلام كله غموض!، خلّاني خُفت منه!..

أعاد كلماتها قائلا بتقطيبة شديدة بين حاجبيه: - تخافي مني؟

ثم مد يديه فجأة ليمسك بذراعيها مقربا إياها منه وهو يهتف بعصبية شديدة: - إسلام اللي إنتِ عارفاه هو نفسه إسلام اللي واقف قودامك دلوقتي، وهو إسلام اللي بيحبك لدرجة انه خاف يفاتحك إنتِ الأول ترفضي، و رفضك دا يموِّته!، إسلام اللي إنتِ عارفاه مستعد يعمل أي حاجه بس ما تروحيش من إيده، لأنه بيحبك لدرجة إن أي شيء تاني غير الحب دا مايهموش!، حتى لو اضطر انه يضغط عليكي علشان توافقي عليه، المهم انه يضمن انك خلاص بئيتي مراته هوّ، ملكه هوّ، ويضمن انه مافيش حد هيبص لك ولا حتى يفكر فيكي ولو بينه وبين نفسه لأنك بئيتي ملكية خاصة بيه هو وبس!..

طالعته شمس مستغربة من عنف المشاعر التي تجيش في صدره بينما تابع بصوت متحشرج لما يمور في داخله من توق وشوق شديدين لهذه الحورية التي تنظر اليه ببراءة فاتنة يود لو يزرعها بين أضلعه:.

- لأنه، لأنه بيموت يا شمس لما بيحس انه فيه حد ممكن يكنّ لك ولو شعور بسيط بالاعجاب!، شهقت شمس عاليا لفرط دهشتها!، هي أبداً لم تكن تتوقع انفجاره بهذا الشكل، وبعد ان كانت تحاول إبعاد ذراعيها عن قبضته استكانت ونظرت إليه قائلة بذهول:
- إسلام إنت...

ليقاطعها بقوة شديدة وهو يهزها: - بحبك!، انا بحبك يا شمس بحبك!، ارحميني يا شمس، أنا بتعذّب طول ما انتِ بعيد عني ومش عارف يا ترى انت بتحبيني ولا لأ؟، أنا مش عاوز حبّك يبقى أد حبّي لأني متأكد انى بحبك حب أكتر بكتير من أي حب تاني! أنا بس عاوز اطمن، يا ترى قلبك فيه ولو حب بسيط من ناحيتي؟!، وانا كفيل اني اخلي حبي يملاه كله زي حبك ما مالي قلبي وبيجري في دمي!، شمس ارجوك ريحيني، انت الفترة اللي فاتت دي كنت بتتقربي لي شفقة منك وإحساس بالذنب بعد آخر مواجهة كانت بيننا قبل الحادثة؟، هل احساسك دا احساس صادق فعلا ولا مجرد شعور بالذنب من ناحيتك؟، أرجوك يا شمس. جاوبيني!..

ابتسمت شمس من بين دموع الفرح التي أغرقت وجهها وأجابت بابتسامة: - مش معقولة الإحساس بالذنب معناه انى كنت بموت كل ما افتكر اللي حصل بيننا آخر مرة قبل الحادثة!، ولّا الإحساس بالذنب هوّ اللي خلاني أكون زي المجنونة لما سمعت باللي جرالك انت ومراد!، ولّا الإحساس بالذنب هو اللي خلاني زي التايهة الفترة اللي فاتت دي كلها وانا مستنية منك كلمة تبرّد بيها قلبي وتحسسني ان تلميحاتي ليك وصلتك!، لو كل دا تفسيره إحساس بالذنب في رأيك، فتفسيره عندي. انه حب!، حب أكتشفت انه حب عمري كله!..

ترقرقت عيناها بالدموع وتابعت بصوت حزين خائف محبّ: - إسلام، أهم حاجه عندي انك ما تبعدش عن عيني لحظة واحده...

ثم تهدّل صوتها وهي تقول ببكاء حار تذرف دمعات كخيوط اللؤلؤ تنساب على وجنتيها القشديتين:.

- إسلام إنت. إنت ما تتصورش انا حسيت بإيه اول ما عرفت بالحادثة؟! انا حسيت انى بموت يا اسلام!، في ثانية كل ذكرياتنا مع بعض من وإحنا اطفال مرت في بالي زي شريط السنيما لغاية آخر مقابلة بيننا. ساعتها حسيت أنت أد ايه استحملتني. وقتها بس حسيت انت أد ايه فعلا بتحبني!، كل كلامك وتلميحاتك وتصرفاتك معايا بتقول كدا، وانا كنت عاملة زي اللي على عينيه غشاوة. مش شايفه حبك دا، وعاهدت نفسي انك لما تقوم بالسلامة لازم أوصل لك إحساسي ناحيتك. وكنت بتغاظ من جوايا لما كنت بلمّح لك وأنا متأكدة انك فاهم أنا عاوزة أقول إيه. بس كنت مستغربة انك بتتعامل معايا ببرود!، لغاية ما اتفاجئت بيك انهرده وانت بتطلبني من بابا! طيب وانا؟!، انت منتظر مني انك اول ما تشاور بصباعك على طول اطلع اجري عليك؟، لآ طبعا، لازم الأول تقول لي على اللي قلبك كان بيقوله من عينيك وكان نفسي اسمعه منك!، لازم الأول تصارحني أنا بحبك وانك عاوز ترتبط بيّا!..

ضحك اسلام وأجاب: - يعني كنت بتقرصي ودني؟
جففت دموعها براحتيها ونظرت اليه بعينين تلمعان ولكن بلمعة العشق هذه المرّة وهي تحرّك كتفيها بدلال مجيبة:
- تقدر تقول كدا!
لمعت عيناه بشوق وهو يقول بصوت أجش بينما يحيط خصرها الدقيق بذراعيه ناظرا في عينيها بعمق مقربا إياها منه:
- وانا راضي، اعملي اللي انت عاوزاه، بس بشرط، كتب كتابنا آخر الشهر!..

فتحت عينيها على وسعهما وقالت بدهشة: - إيه؟ آخر الشهر؟ يعني كمان اسبوعين بس؟..
ثم هزت رأسها نافية بقوة: - لالالالا طبعا ما ينفعش انا...
قاطعها بينما تلتف ذراعيه أقوى حولها وقد غدا وجهها أمام وجهه واصطدمت أنفاسه الساخنة ببشرتها المرمرية وهو يقول بصوت خرج محمّلا بشوقه العميق:
- هو فعلا ما ينفعش!، إحنا نعمله فرح وكتب كتاب على طول!، لأني بصراحة مش هقدر أصبر زيادة عن كدا!

اضطربت شمس من نظراته القوية وحاولت دفعه بعيدا عنها وهي تقول بارتباك طفيف: - اسلام ابعد بس شوية وهنتفاهم، شكلنا هيبقى وحش اوي لو دخل بابا ولّا مراد علينا دلوقتي هيقولوا ايه؟..

أجاب اسلام بصوت شارد فهو تائه في هذه الفاتنة التي خلبت لبّه وتقبع بين ذراعيه ليحس بطراوتها وليونة خصرها بين ذراعيه القويتين ولم يستطع منع نفسه في تذوق هذه البشرة التي يفوح منها رائحة مسكيّة منعشة هي عبيرها الخاص الممتزج برائحتها الأنثوية فوضع شفتيه على صدغها مقبّلا لها قبلة حارة وبصوت أجش أجاب:
- يا ريت!، علشان يقولوا ان الاتنين دول ما ينفعلهومش الا الجواز على طول!

تخلت شمس عن محاولتها المجهدة في الابتعاد عنه وطالعته بذهول هاتفة: - إيه؟..
إعترفت شمس بعد ذلك أنها قد أخطأت عندما همست بتلك الشهقة الصغيرة أمام وجهه!، فما إن ارتطمت أنفاسها الناعمة بصفحة وجهه حتى شعر بقشعريرة تمر على طول عموده الفقري واشتدت يداه حولها بينما راقبت عيناه حركة شفتيها النديتين وقد غشيتهما نظرات محملة بالرغبة والشوق الدفين وقال وهو يخفض رأسه باتجاهها:
- ما تبعدنيش يا شمس. ارجوكي!

وهبط بشفتيه ليهمّ بالتقاط شفتيها بين براثن شفتيه عندما شعر بألم شديد نتيجة ركلة قوية من شمس لقصبة ساقه جعلته يبتعد فجأة واضعا يده على موضع الألم وهو يقفز على قدم واحدة وتعاقبت التعابير على وجهه بين ساخط و، ضاحك!، بينما انتهزت شمس الفرصة وركضت باتجاه الباب لتخرج وهي تقول:
- على الله تكون الخبطة فوّقتك!، المرة الجاية الخبطة هتكون على راسك!، وإوعى تفكر انك تحاول تعمل كدا تاني.

اقترب منها إسلام وهو يضع حمله على ساق واحده مجيباً بألم: - طيب ابقي افتكريها يا شمس!، أما رَدِّي على اللي انت عملتيه دا. فهيوصلك عن طريق عمي ادهم!

قطبت حائرة وما لبثت ان هزت كتفيها ونظرت اليه بمرح قائلة بشكل مغيظ: - ولو،!
وخرجت متجهة الى غرفتها بينما دخل ادهم ومراد الى العاشق الملهوف ليضعا الترتيبات اللازمة لأعادة المجنونتين، مجنونة مراد و مجنونة، ادهم!

- تفتكري الهروب حل يا تاج؟..
سألت سعاد بهدوء ابنتها الجالسة أمامها على الأريكة الواسعة في غرفة الجلوس ذات النوافذ العريضة والتي تطل على حديقة غناء تحيط بالمنزل الصيفي حيث جاءتا تنفيذا لرغبة ريتاج...

أجابت ريتاج الشاردة بنظراتها في البعيد: - أحيانا الهروب بيكون أفضل من إن الواحد يجرح اللي بيحبهم!، أنا مش بهرب يا ماما، أنا حبيت أدي نفسي فرصة علشان تهدى، علشان اعرف اتفاهم مع جوزي وابني من غير عصبية!

قالت سعاد بحنان: - يا بنتي. جوزك وابنك بيحبوك، وانت اكتر واحده عارفة ادهم بيعشقك ازاي، . ومراد حاطّك فوق راسه وانت عارفة أد إيه ابنك بيحبك وبيقدرك، حتى أنا بيتهيألي انك هتبقي ضُرّة لهمس!..

ثم تابعت وهي تربت على كتف ابنتها قائلة: - تاج يا بنتي، انتِ خلاص ولادك كبروا وبيتجوزوا وهتبقي جدة قريب أوي ان شاء الله، فلازم توزني الامور صح!..

التفتت ريتاج الى امها باندفاع هاتفة باندهاش وألم: - أنا؟!، أنا بردو يا ماما اللي مش بوزن الأمور صح؟!، ولمّا جوزي يخبي عليا إن ابني سليم وما فيهوش حاجه. دا اللي صح؟!، لمّا يشوفني بموت قودامه كل ليلة من العياط وانا بصلِّي وادعي ربنا انه يشفيه وأشوفه واقف على رجليه من تاني دا المظبوط؟..

أجابت سعاد بهدوء وصبر محاولة امتصاص غضبها: - أنا مش بقول انهم ما غلطوش. لا. غلطوا!، بس إنت بردو يا تاج ومن غير ما تزعلي من كلامي اللي خلِّتيهم يعملوا كدا!

شهقت ريتاج دهشة وقالت مشيرة الى نفسها بدون تصديق: - أنا يا ماما؟!، أنا اللي خليتهم يكذبوا عليا؟!، أنا؟

أجابتها سعاد بهدوء: - ايوة يا تاج!، همّا عارفين شخصيتك كويس اوي، يا ابيض يا اسود. ، وطول عمري وانا اقولك يا تاج الأمور مش بتتحسب كدا!، لازم ندّخل اللون الرمادي دا شوية!، لكن إنت اللي في دماغك في دماغك. وابنك مهما كان معذور!، بيحب واللي بيحبها هتروح من إيده!، واللي حارقه انه متأكد انها هي كمان بتحبّه بس بتكابر!، يعمل ايه؟، يسكت لغاية ما تروح من إيده؟، ولّا يحاول يرجّعها عن اللي في دماغها بأي طريقة؟!، وبعدين في الأول وفي الآخر أدهم. أب. وعاوز سعادة ابنه، وأنا متأكدة انه لغاية ما انت عرفتِ كان بين نارين. مش عارف يقولك ولّا لأ، ، وتاني مرة بقولك مش معنى كدا انهم ما غلطوش لا. غلطوا!، بس غلطهم مش كان قصدهم فيه انهم يلغوكي من حياتهم ولا حاجه أبدا، انت عارفة كويس أوي انت مكانتك ايه بالظبط عند جوزك وولادك...

- ما نقدرش نعيش ثانية واحدة من غيرها!..
شهقت تاج والتفتت لتشاهد أدهم يقترب منهما فقفزت واقفة شاهقة بإسمه وهي تراقب تقدمه ناحيتها بينما ابتسمت سعاد ابتسامة ماكرة لم تلاحظها ريتاج التي تسمرت في مكانها الى ان وقف ادهم امامها تماما ونظر اليها قليلا قبل ان يتنهد بعمق قائلا وعينيه تعاتبانها بخفة:.

- مش هتبطلي تعملي كدا فيا يا تاج؟!، بعد اكتر من 25 سنة جواز ولسّه بردو مش عارفة إني مش ممكن أخليكي تبعدي عن عيني ولو لثوان؟

أشارت إليه باضطراب قائلة بتلعثم ونظراتها مليئة بالحيرة وعدم التصديق: - انت، انت عرفت منين إننا هنا؟
ابتسم ادهم مجيباً: - علشان البنت لما بتغضب بتروح بيت ابوها!، مش دا البيت اللي صممتِ انك تطلعي منه لما عملنا فرحنا تاني؟!، وأكيد لما هتزعلي هتروحي بيت والدك!

نقلت ريتاج نظراتها بينه وبين والدتها بحيرة لا تعلم لما تساورها الشكوك أن لأمها يد في معرفة أدهم لطريقها فنظرت الى سعاد متسائلة بريبة:
- ماما. انت ماكلمتيش أدهم خالص ولا قولتيله احنا فين؟..
أشاحت سعاد بنظراتها بعيدا عن ابنتها وقالت وهي ترتب وشاحها التي تغطي به رأسها: - وانا هكلمه فين يا بنتي؟!..
نقلت ريتاج نظراتها بينهما بريبة وهي تطالعها بنصف عين ثم عقدت ساعديها وقالت ببرود:.

- عموما سواء ماما كلمتك أو انت جيت لوحدك مش مهم!، المهم انك تعرف اني قاعده هنا ومش هتحرك من هنا غير لما انا اقرر!

نظر ادهم اليها مليا ثم أجاب ببرود يناقض ما يعتمل في داخله من غضب ناري لحديثها السخيف ذاك عن رغبتها في الابتعاد عنه لحين تصل الى قرار! أي قرار تلك المجنونة الذي سيجعله يرضى بالابتعاد عن متمردته ولو لسويعات قليلة، فلتقرر ما شاء لها من قرارات ولكن وهي في بيته وبين ذراعيه وداخل أحضانه يتنسم عبيرها ويشعر براحتيها الدافئتين وهما ترتاحان على صدره، وسيكون ملعونا إن سمح لها بالإبتعاد ولو قدر أنملة!، لذلك تابع ببرود صقيعي وبلهجة لا تحتمل النقاش:.

- شوفي يا تاج، قعدتك بعيد عن بيتك مرفوضة شكلا وموضوعا!، فيا ريت علشان احنا كبرنا وعلى رأي مامتك خلاص كلها كم شهر ان شاء الله ونشيل احفادنا انك تروحي تلمي هدومك انت ومامتك علشان ترجعوا معايا دلوقتي.

قالت بعناد: - وانا بقول لأ يا ادهم!، انا مش موافقة، ومش راجعة معاك دلوقت!
نظر ادهم اليها مليّا قبل أن يتساءل ببراءة مصطنعه: - يعني معقولة بنتك تتخطب من غير مامتها ما تقف جنبها؟!
نظرت اليه ريتاج قاطبة جبينها وهي تردد بإستهجان: - بنتي!، بنتي مين اللي هتتخطب؟
أجاب بتلقائية: - بنتك شمس!، انت عندك كم بنت يا تاجي يعني؟!

شهقت ريتاج عاليا وصرخت قائلة: - ايه؟ شمس؟!، شمس هتتخطب؟!، ومن غير ما تاخدوا رأيي؟ انت عاوز تلغيني خالص من حياة ولادي بالطريقة دي يا ادهم؟

أجاب ادهم محاولا تهدئتها وهو يشير بيديه: - استني بس. اهدي هفهمك...
قاطعته متابعة الصراخ من دون الالتفات اليه: - هتفهمني ايه وبعد ايه؟!، ما خلاص. انت واضح كدا انك شايف إني خلاص مابقاليش لازمة في حياة ولادي، واحد معندوش حاجه. تتفق معاه وتخبوا عليّا، والتانية. تتخطب من غير ما تقولي!، لا. بجد. كتّر ألف خيرك يا ادهم فعلاً!

وأولته ظهرها وهي تحارب دموعها منعاً من النزول، فزفر أدهم ألذي هتف بحنق وهو يكاد يشد شعره من فرط الغضب:
- يا تاج استهدي بالله هفهمك، اسكتي شوية.

لم تستطع منع نفسها وانفجرت الضغوطات التي تحبسها في صدرها في وجهه كعاصفة رعدية وقد انحسرت دموعها بعيدا بفعل غضبها الوحشي الذي فلت من عقاله، بحق السماء. إنها أم!، ألا يعلم معنى الكلمة؟، لما يحرمها من فرحتها بنجاة وحيدهما والآن بخطبة ابنتهما الوحيدة؟!، لا بد أنها تحلم!، لا. إنه ليس بحلم بل هو كابوس رهيب تدعو الله أن تستيقظ منه قريبا، فهي لا تستطيع التصديق أن أدهمها ينحيها بمثل هذه القسوة بعيدا عن حياة ولديْها!..

كانت تتابع صراختها وهي تقذفه بعبارات نارية من فرط غضبها المشتعل من دون أن تمنحه الفرصة لإيضاح الأسباب فإضطر أدهم في الأخير أن يسكتها بطريقته الخاصة!..

( إوعوا تفهموني، صح! هههههههه سكتها بطريقة مؤدبة) إذ أنقض عليها مكمّمًا فمها بيده وسط ضحك سعاد ومحاولتها تهدئتهما بينما ادهم يقول ولا تزال يده تغطي فمها:
- اهدي بأه، أولا موضوع ابنك دا انت عارفة روحه في همس وانت معندكيش تفاهم كنت هتعارضي!، وتاني حاجه. عريس بنتك يبقى إسلام!، ...

تطلعت اليه بنظرات متساءلة مندهشة فأجاب ولا تزال يده تكمم فمها: أيوة أإسلام ابن اخويا وصاحبتك، واظن إننا كلنا كنا ملاحظين ان حاجه زي كدا هتحصل؟!، ولا إنتِ عندك رأي تاني؟، إيه اسلام وحش ما ينفعش؟..

فرحت سعاد وقالت بحبور: - بجد يا ادهم؟ اسلام خطب شمس؟
أجاب أدهم وهو يهز رأسه موافقا: - ايوة يا ماما، جه إمبارح وانتو ما كنتوش في البيت، ولمّا روحت أنادي مامتها علشان تحضر الزيارة لاقيتها اختفت!، تمام زي من 25 سنة، لما سابتني نايم وهربت!..

أبعد يده عن فمها قليلا ولفّها بإتجاهه لتقف أمامه بينما قبض على كتفيها وقال بجدية بالغة:
- عارفة يا تاج. بعد كدا لو أنا نمت وانتِ زعلانة مني هربطك في رجل السرير!، علشان اضمن اني لما اقوم من النوم الاقيكي موجودة!

إستنكرت ريتاج مجيبة بحنق: - ايه؟، هي حصّلت لرجل السرير؟!، وليه ان شاء الله؟
أشار اليها ادهم واضعا سبابته فوق فمه قائلا بصوت منخفض ولكنه حازم: - ريتاج من غير ولا كلمة. حالا، تقولي لابتسام تحضر شُنطك انت ومامتك علشان هتروحوا معايا، ، مش هتستني ثانية واحده اكتر من كدا بره بيتك!..

وضعت ريتاج يديها في خصرها ونظرت اليه وشرارات الغضب تطاير من عينيها التي دكن لونهما إلى الأخضر الغامق دليل على غضبها الشديد وقالت بعناد وتحد:
- واذا رفضت هتعمل ايه ان شاء الله؟..
هز كتفيه وقال فاتحاً يديه على اتساعهما: - انتِ اللي اخترتِ!
ثم فجأة انحنى ليحملها بين ذراعيه بينما حاولت الإفلات منه دون فائدة وقال لسعاد وهو يتجه بها الى الداخل:
- معلهش يا ماما سعاد هساعدها في لمّ هدومها...

أجابت سعاد من بين ابتسامتها: - البيت بيتك يا ادهم يا بني اتفضل طبعا.
وتقدم حاملا ريتاج التي كانت تحرّك قدميها بقوة لتجعله يضعها أرضا ولكنه لم يلتفت إلى محاولاتها الواهنة وعوضاً عن ذلك ما إن وصلا حتى غرفتها حيث انزلها في منتصف الغرفة ثم سار حتى باب الغرفة وأغلقه بالمفتاح وأخرج المفتاح واضعا إياه في جيبه!

ما ان شاهدت ريتاج ما قام به حتى تراجعت الى الخلف بينما كان يتقدم هو منها وابتسامة نصر صغيرة تعتلي شفتيه وعينيه تبرقان ببريق الظفر كالصياد الذي نجح في أسر فريسته!

قالت ريتاج بتساؤل وريبة وهي ترفع سبابتها في وجهه: - ايه، انت قفلت الباب بالمفتاح ليه؟
وقف امامها مجيباً ببراءة زائفة: - ما هو احنا في بيننا مواضيع عاوزة تفاهم، وعلشان عيب نفرّج الناس علينا، زي ابتسام وحسين جوزها مثلا. يبقى لينا اودة نتفاهم فيها...

قالت ريتاج بتساؤل وريبة: - نتفاهم؟ نتفاهم في ايه؟ انا قلت لك مش هرجع البيت دلوقتي يعني مش هرجع دلوقتي، هي أغنية كل شوية هغنيها؟!

خلع ادهم سترته وألقاها على الأريكة الموضوعة بطرف الغرفة وأتبعها بربطة العنق وسط نظرات ريتاج المحملة بالدهشة والشكّ و، القلق!، بينما يقول ببرود وهو يفك أزرار القميص:
- انت عندك حق فعلا. موضوع رجوعك البيت دا موضوع مافيهوش تفاهم، لأنه دا مش اختياري. لا، دا اجباري!..

ثم نزع قميصه ملقيا اياه ليلحق بالسترة وربطة العنق فنظرت اليه تاج وهتفت: - انت بتعمل ايه؟!
ثم صرخت بذهول ما إن نظرت في عينيه وعلمت ما ينويه وهو يقترب منها بخطوات بطيئة واثقة:
-انت اتجننت يا ادهم؟!
وسرعان ما طوقها أدهم بين يديه وهو يقول بجدية بالغة تخالف نظراته التي تداعبها:
- لسه حبيبتي، بس شكلي كدا هتجنن قريب على ايديكي ان شاء الله!..

دمدمت وهي تحاول الإفلات من بين يديه اللتان حاصرتاها كالكماشة: - أدهم دا مش إسلوب تفاهم...
أجاب وقد نجح في احتضانها ليحيطها بذراعيه ضاغطا اياها الى صدره بقوة: - هو انت خليتي فيها تفاهم؟!، عرفتِ تنامي يا تاج بعيد عني؟
ثم تابع بخفوت بينما كفّت هي عن المقاومة لتغرق بعينيها في نظراته العاشق العاتب التي تنطلق من عسل عينيه:.

- عارفة إني مواصل من امبارح من غير نوم؟!، مقدرتش أنام وانت مش جنبي!، هُنت عليكي يا تاجي تسيبيني وتمشي؟..

حاولت ريتاج إخراج صوتها لتجيبه وقد شعرت بمقاومتها تضعف وقد خانها قلبها الذي يهفو اليه لتنجح في أن تنطق بصوت خرج بالرغم منها ضعيفا مرتعشا:
- انا اللي هُنت عليك يا أدهم إنك تخبي عليا ان مراد ابني سليم ومافيهوش حاجة!..

أجابها بلوعة وهو يقبلها قبلات صغيرة لاهبة على كل إنش في وجهها: - انت عارفة كويس اوي انت مكانتك عندنا كلنا أد إيه!، وعارفة أنا بالذات بعشقك أد ايه!، ومش ممكن أبدا اعمل حاجه أو أوافق على حاجه. تقلل من قيمتك عندنا!، لكن ابنك عاشق يا تاج. عاشق تمام زي ابوه، وأنا حاسس بيه، لأني لو كنت مكانه كنت هعمل أي حاجه علشان أضمن انك ماتروحيش من بين إيديا، وأظن إنتي عملت المستحيل علشان أفوز بيكي وتنوريلي حياتي كلها؟!..

همست ريتاج وهي تحاول الإفلات من بين أتون قبلاته العديدة مديرة وجهها يمينا ويسارا بدون جدوى:
- ايوة بس...
قاطعها أدهم فلم يدعها تكمل عبارتها منقضًّا على شفتيها ليلتهمهما في قبلة نارية أطاحت بصوابه حيث أسرع بحملها بين ذراعيه متجها بها نحو الفراش وهو يهمس من بين عناقه الحار:
- أظن أنا كدا وضحت لك السبب، ودلوقتي بقه وقت الجد!، انتِ عليك ليّا دين لازم توفِّيه وحالاً!

أبعدت ريتاج شفتيها بصعوبة ولهثت وهي تقول بتساؤل بينما تحاول التقاط أنفاسها الثائرة:
- ديِن؟ ديِن إيه؟..
وضعها فوق الفراش بمنتهى النعومة وكأنه يخاف أن تخدش ملاءة السرير حرير بشرتها!، وارتكز بيديه بجوار رأسها مشرفاً عليها وهو يجيب بلهفة وشوق شديديْن:
-هقولك!..
وأسكتها بأجمل طريقة بين العاشقين حاملا إياها إلى دنيا أخرى مليئة بالحب والعشق الخالص!..

هييييييييييح فعلااااااااااااااااا، نكمّل؟، لسه فيكو نفس لهييييح تانية؟!، عموما نشوف،.

- بس بجد يا شمس انا فرحت لك اوي. اسلام راجل بجد يعتمد عليه وكان باين من زمان انه بيحبك...

قالت شمس وهي تقوم من مجلسها فوق الفراش مجيبة همس التي تجاورها: - ماشي يا ستي، متشكرة على شعورك الجميل دا، ما أنا عارفة طبعا يا بنتي، يعني لو ما كانش إنتي تفرحيلي مني اللي هيفرح لي؟، سماح؟!..

لتنطلق ضحكاتهما التي قطعتها شمس وهي تتابع: - انا هنزل تحت اعمل فشار وآجي نسهر مع أحمد يونس، انهرده البرنامج بتاعه. ع القهوة، أنا هنام هنا انهرده. انت عارفة بابا راح لماما علشان يصالحها وانت البيت عندكو فاضي باباكي مسافر في شغل ومامتك معزومة على حنة بنت واحده صاحبتها وريما اختك معاها ومهدي اخوكي مع اصحابه فقلت ليه كل واحده فينا تقعد لوحدها اخدت نفسي وجيت.

أجابت همس ضاحكة: - تصدقي احلى حاجه عملتيها...
علّقت شمس غامزة بخبث: - واهو بالمرة أحاول أحنن قلبك على اخويا...
رفعت همس سبابتها بوجه شمس وقالت ناهية: - لأ، مش هنتكلم في الموضوع دا خالص، اتفضلي حضرتك روحي اعملي الفشار وانا هدخل اخد شاور اوكي؟

هزت شمس رأسها موافقة وغادرت غرفة همس متجهة الى الأسفل بينما تناولت همس منامة لها عبارة عن بنطال برمودا من القطن باللون الروز وبلوزة قطنية محكمة على نصفها العلوي مرسوم عليها صورة للأميرة النائمة بذات اللون، وذات اكمام قصيرة وفتحة عنق واسعة. ، تناولتها و اتجهت الى الحمام الملحق بغرفتها للاغتسال...

خرجت همس من الحمام وكانت تجفف شعرها بالمنشفة وهي تحدث شمس حيث سمعت صوت بالغرفة فقالت بضحك بين منشفتها التي تضعها على وجهها:
- عملتِ الفشار؟ إوعي تاكليه كلّه؟..
- اطمني مش هيحصل!..
تفاجئت همس من الصوت وأبعدت المنشفة سريعا عن وجهها لتتحقق من مصدره، لتشهق عاليا ما إن طالعتها نظرات قوية تعلمها جيدا بينما صاحبها يقترب منها وهو يقول بمكر:
- نعيما يا مراتي!..

تسمّرت همس مكانها وقالت بذهول كبير غير مصدقة لما تراه عيناها: - مر، مرا، مراد؟..
اقترب أكثر منها حتى وقف أمامها تماما وأجاب بابتسامة ماكرة: - بشحمه ولحمه!، إيه رأيك بقه في المفاجأة دي يا مراتي يا حبيبتي؟!..
تراجعت همس الى الخلف وقالت بريبة: - انت، انت دخلت هنا ازاي؟، وإيه اللي جابك؟، وفين شمس؟

اقترب منها حتى التصقت بالحائط وراءها ووقف أمامها ومال عليها مجيبا بخبث: - فيه ست تقابل جوزها بالشكل دا بردو؟، عموما ولا يهمك!، عندنا طول الليل. هحكيلك فيه اللي انت عاوزاه كله. براحتنا احنا ورانا حاجه؟..

وضعت يدها على فمها بدهشة وهي تتمتم: ايه؟ طول الليل؟ انت...
قاطعها بابتسامة واسعه: - انا هفضل معاك هنا لغاية الصبح ما يطلع. ايه رأيك بقه؟ مش بذمتك مفاجأة حلوة؟!

اتسعت عينا همس ذهولا وعدم تصديق لما تسمعه وشهقت ملتاعة خوفا من الأفكار التي بدأت تعصف بذهنها!، فماذا سيحدث لو رآه مهدي؟، أو والدها؟، فهي ميتة لا محالة. حتى وان كانا قد عقدا قرانهما!، فهذا المجنون كالعادة يفعل ما يرغب من دون التفكير بالعواقب!، ولكن مهلاً، هي لا تستطيع الصمت وهي تراه يتجول في غرفتها بمنتهى الحريّة وكأن له الحق في ذلك!..

أغمضت همس عينيها محاولة عدم الصراخ في وجهه فهي أكثر شخص يعلم مقدار عناده فإن صرخت في وجهه كما تريد وتتمنى فسيصر على المكوث معها كما أخبرها!

زفرت بعمق بينما عقلها يحاول جاهدا أن يجد لها مخرجا من هذا المأزق الذي ألقى مراد بها وبنفسه فيه من دون وعي وهي توشك على البكاء غيظاً وقهراً و، خوفاً حيث ما أنفك يراودها سؤال واحد لا تعلم إجابته، تُرى كيف ستنتهي هذه الليلة؟!..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة