قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية كبرياء أنثى (نساء متمردات ج2) للكاتبة منى لطفي الفصل الأول

رواية كبرياء أنثى (نساء متمردات ج2) للكاتبة منى لطفي الفصل الأول

رواية كبرياء أنثى (نساء متمردات ج2) للكاتبة منى لطفي الفصل الأول

نزلت الدرج بشقاوة ابنة السابعه مما يناقض سنوات عمرها الرابعة والعشرون ومن يراها لا يستطيع تصديق ان هذه هي شمس أدهم المرشدة السياحية التي تعمل في اكبر شركات السياحة بالبلد، فهي الابنة الوحيدة لأدهم شمس الدين رجل الاعمال المعروف صاحب اكبر صرح تجاري في البلد ووالدتها ريتاج مراد سيدة اعمال مع انها تكره الجلوس الى مكتب والاعمال الكتابية وتفضل العمل في وسط العمال بالمصنع ولكنها تشارك أدهم ادارة مجموعتهما مع ابنهما الوحيد مراد الحاصل على ادارة اعمال من اعرق جامعات امريكا وذلك بعد دمج شركة مراد وشركة شمس الدين في عمل واحد فأصبحت اليوم امبراطورية تجارية عملاقة، أما من يراها بجوار ولدها لا يصدق انها والدته وانه يبلغ من العمر 25 عاما يفصل بينهما 22 عاما فهو طويل القامة عريض المنكبين كوالده بينما ورثت شمس شعرها الفتان وعينيها بلونهما الغريب احداهما عسلي والاخرى زيتوني.

أتت من خلف جدتها سعاد الجالسة الى مائدة الافطار المعدة في الحديقة وقبلتها على وجنتها فجأة مما جعل جدتها تشهق بينما تعالت صوت ضحكاتها وجدتها تضربها بخفة على كتفها وقالت شمس بشقاوة محببة:
- ايه يا ستو مش تجمدي قلبك كدا كل مرة اعملها فيكي وتتخضي بردو!، وبعدين حد بيبقى في الوقت دا غيرنا هنا؟ كله بره ماما وبابا ومراد انا وانت بس يا جميل...

ثم شرعت في الغناء بصوتها المغرد تقلد شادية: - انا وانت ولا حد تالتنا انا وانت انا وانت وبس!، تعالت صوت ضحكاتها هي وجدتها وجلست تتناول معها طعام الافطار وتحدثها عن اخبار أخر رحلاتها مع شركتها السياحية في شرم الشيخ ومفارقاتها المضحكة...

أدهم بيه المديرين حاضرين في غرفة الاجتماعات زي حضرتك ما أمرت ، رفع رأسه الذي تخلل شعره البني بياضا أعطاه شكلا وقورا وأسبغ عليه جاذبية أخرى وقال من فوق نظارته لمديرة مكتبه:
- اوكي يا مدام بثينة يا ريت تبلغي أ. مراد ومدام ريتاج يحصلوني.

ثم قام من مكانه وخلع نظارته ذات الاطار الرفيع واضعا اياها في حقيبتها الجلدية الصغيرة التي تشير الى ماركتها الشهيرة، سار خطوتين ثم وقف واعاد نظره الى مديرة مكتبه السيدة الخمسينية العمر التي تشارف على الستين عاما وقد وقفت مترددة وكأنها تريد قول شيئا ما، قطب قليلا ووقف قائلا:
- خير يا مدام بثينة شايف كلام على وشِّك؟، نظرت اليه وقد تمالكت نفسها قليلا ثم قالت بعد ان سعلت لتجلي حنجرتها:.

- أ. مراد من بدري على مكتبه لكن مدام ريتاج كلموها بعد ما وصلت بحاجه بسيطة ومشيت! قطب ثم ردد بتساؤل:
- كلموها؟ مين دول اللي كلموها؟، قالت بثينة: - أ. خيري من المصنع كلمها واضطرت انها تنزل على طول وبلغتني اعتذر لحضرتك عن حضورها الاجتماع!

زفر ادهم بضيق ولكنه تمالك نفسه وقال بابتسامة صغيرة لمديرة مكتبه بهدوء نسبي: - شكرا يا مدام بثينة اتفضلي انت وابعتيلي تغريد علشان تكتب مسودة الاجتماع...

جلس مراد يحرك القلم الذهبي بين اصابعه وهو ينظر من تحت أجفانه المسدلة لوالده وهو يحاور المديرين في المشروع الجديد الذي تزمع شركته البدء به فور فوزها بالمناقصة المطروحة وهو خاص بتشييد منتجع سياحي في الساحل الشمالي على غرار الطراز الانجليزي ولكن ما جعل المناقشات تحتدم ان ادهم يزمع جعل جزء من المنتجع للشباب باسعار مخفضة نوعا ما وبالتقسيط، مديريه يروا ان هذه الفكرة مجنونة وانها قد لا تعود بمكسب يذكر على المجموعه في حين يرى ادهم انها فكرة جديدة وربحها سيكون أقل بكثير من باقي المنتجع ولكنه يقوم بذلك ليس سعيا وراء الربح الوفير ولكن لتوفير سبل الرفاهية للشباب الذي يتمنى نيل فرصة السكن في احدى هذه المنتجعات ولكن يعوقه ضيق ذات اليد ووضع شرطا ان يقوم من يريد بحجز وحدته بتقديم قسيمة زواج لان هذا الجزء خاص بالشباب المتزوج حديثا وانه لا يسمح له بإعادة بيع وحدته وان تركها ولم يشغلها في خلال سنتين من اتمام المشروع تعود الى الشركة المالكة كي يضمن الاَّ تصبح تجارة لمن يريد الكسب السريع ويضمن حق شركته في المنتجع الذي تريد بناؤه غايته الوحيدة من فكرته هو ان يشعر الشباب بأن هناك متنفس لهم وألا يشترط ان يكونوا من ذوي الاملاك ليستطيعوا المكوث في احدى المنتجعات السياحية الكبيرة...

كانت التعابير المرتسمة على وجه مراد مبهمة وهو يتابع النقاش الدائر أمامه بعينيه شبه المغلقتين وسمع احد المديرين وهو يتناقش بحمية مع والده محاولا اقناعه بعدم جدوى الفكرة عندما تدخل مراد في النقاش الدائر قائلا بمنتهى البرود والهدوء الذي يميزه:.

- أ. فاضل أظن أدهم بيه شرح اننا هضمن ان ماحدش يبيع وحدته ويكون واخدها بالمقدم بس وفي منطقة زي الساحل الشمالي هتتباع بمبلغ رهيب لأننا هنشترط دا في العقد أولا – وبدأ يعدد على اصابعه – الاستلام هيكون في خلال 24 شهر من تاريخ بدء انشاء المنتجع، ثانيا المقدم 15 % من اجمالي الثمن اللي احنا هنخفضه بنسبة 40% عن باقي وحدات المنتجع، ثالثا اللي هيثبت لنا انه هيبيع وحدته من االباطن الشركة لها كامل الحق انها تسترد الوحدة منه تاني من غير ما ترجع له فلوسه اللي دفعها دا غير 10% غرامة عليه من اجمالي قيمة الوحده هيمضي على كدا في العقد اللي هيكون موثق بيننا وبينه. نيجي بأه الطرف التاني هو المالك للوحده هيستفيد ايه؟ هيستفيد انه ممكن يأجر الشاليه بتاعه بمبلغ وهمي في منطقة زي دي من لحظة استلامه للشاليه اللي هيستلمه كامل التشطيبات ومجهز من جوه تجهيزات القرى السياحية، ولما يكون القسط على 10 سنين وفي المتناول هيدفع 15% مقدم والباقي على 10 سنين مع حقه انه يستغل الشاطيء في أي مشروع عاوز يعمله كافيه مثلا بس للشركة نسبة من الارباح بتاعت المشروع لاننا هنيسره اقامة مشروعه وممكن نموله كمان لو ماعندوش سيولة فهتكون الارباح النص بالنص دا اولا هيوفر فرص عمل لكتير من الشباب تاني حاجه هيكسر حتة ان الاماكن زي الساحل الشمالي ماتبقاش حكر على طبقة معينة بس ايه المانع ان الشباب المجتهد يبقى له نصيب من المناطق دي بالعكس احنا كدا بنشجع سوق العمل للشباب وبنفتح لهم فرص عمل كتير وفي نفس الوقت مستفيدين منهم هيعمروا المكان ومشاريع هتتعمل يعني دخل ثابت داخل لنا غير اننا هنكون اول شركة عملت فكرة زي كدا هيكون لنا السبق زي ما بيقولوا. انا مع رأي أدهم بيه. ودلوقتي بعد اذنكم هفتح باب التصويت علشان نشوف خطوتنا الجاية...

انتقل مراد بنظراته عبر الموجودين حول طاولة الاجتماعات لتلتقط نظرة الفخر في عيني والده مثله الاعلى ارتسمت نظرة فرح ممزوج باعجاب بالنفس على وجهه وهو يبعد انظاره عن والده الذي كان يتطلع الى ولده بهيئته الواثقة من نفسه وهدوءه وغروره الذي يثير الحنق احيانا وقد سقط شعاع الشمس القادم من النافذة على شعره البني الغامق كلون شعره تماما ثم ارتسمت ابتسامة شاردة على شفتيه لدى تذكره لحنق ريتاج عندما شاهدت ولدهما بعد الولادة وكيف انها اصرت انه يشبهه هو بالكامل وبذلك فهي قد اثبتت بالدليل القاطع ان حبها له اقوى من حبه هو ليدحض منطقها عند تمام ولده سنته الاولى بشمس مهجة قلبه ونور حياته التي أتت قطعة من ريتاج ليثبت لها هو الاخر مدى عشقه وولهه بها ثم اغمض عينيه حنقا منها فهو قد شدد عليها ألا تذهب الى المصنع الا بعد ان تخبره فهو لا يستسيغ وجود هذا المسمى خيري الذي لا يفتأ يدور حولها طيلة وجودها بالمصنع كما انه يعلم اذا اخبرها بهذا السبب فانها ستسخر منه متهمة اياه بانه غير عقلاني فهي قد أضحت أما لشابين سيجعلانهما جده وجد في القريب العاجل! هي لن تستطيع الاقتناع أنه الى الآن ينظر اليها كما شاهدها اول مرة تاجه التي دخلت من باب غرفة الصالون في منزل والدها لتدخل الى قلبه مباشرة دون أي عوائق! هكذا وبمنتهى السهولة!..

أفاق أدهم من شروده على صوت مراد ابنه وهو يقول بإلحاح: - أدهم بيه. انت مش معانا ولا ايه؟
أجاب ادهم وقد استعاد جديته وتنحنح قائلا: - لا طبعا معكم. ثم نقل نظراته بين الحاضرين الرافعين ايديهم.
وقال بهدوء: - أغلبية. كويس. ننتقل للخطوة اللي بعدها...
انتهى الاجتماع وانصرف المديرين الى مكاتبهم ونظر مراد عميقا الى والده وشبح ابتسامة متفكهة ترتسم على شفتيه وهو يقول متسائلا ببراءة مصطنعه:.

- صحيح يا بوس مدام ريتاج ما حضرتش الاجتماع يعني؟ أجاب ادهم وهو ينظر الى ولده ببرود:
- عندها شغل في المصنع. طلبوها ضروري واعتذرت عن الحضور.
علق مراد بلهجة ممطوطة: - امم. المصنع، ويا ترى ايه الحاجه الملحة اللي خليتها تعتذر عن حضور اجتماع مهم زي كدا؟

برقت عينا ادهم بعزم وهو يقول: - اكيد حاجه ضروري. وهعرف أكيد هعرف...

طرقت الباب بخفة ودخلت بعد ان سمعت نبراته الهادئة الواثقة تدعو بالدخول، اغلقت الباب وراءها بهدوء وسارت بخفة وهو جالس الى مقعده الجلدي في غرفة مكتبه بالشركة يوليها ظهره، اخذت نفسا عميقا ثم سارت حتى وصلت الى مكتبه واستندت الى حافته بيديها بينما تتابعه عينيها وهو يطالع بعض الاوراق في يديه ولا يزال موليا اياها ظهره، همت بفتح فمها لتسمعه يقول لها ببرود:.

- حمد لله على السلامة يا ريتاج. ، ثم التفت بكرسيه الدوار ليطالعها بنظرات غامضة من فوق نظارته الطبية اما هي فقد ارتسمت ابتسامة هادئة على وجهها وان لم يغب عنه نظرتها المعاتبه بحنان والتي لاحت في عينيها عندما وقعت عيناها عليه، دارت حول المكتب حتى وصلت اليه بينما استدار بكرسيه ليقابلها رافعا رأسه اليها وهي تهمس:.

- اقدر اعرف ايه اللي مضايق أدهم بيه؟، خلع نظاراته الطبية وقال ببرود بينما يضعها فوق اوراقه المنتثرة فوق مكتبه:
- مين اللي قال انى متضايق ولا زعلان؟، زمَّت شفتيها غير راضيه عن جوابه وقالت بهمس رقيق اخترق واجهته الباردة بالرغم منه:.

- ردك عليا دلوقتي ابسط دليل انك زعلان. انا من امتى بكلمك ع الموبايل وترد عليا برسمية فظيعه وتقولي – وقالت مقلدة اياه – معلهش يا ريتاج انا مشغول دلوقتي، وهوب روحت قافل السكة يدوب مع السلامة وما استنيتش ارد عليك!

قام من مقعده فابتعدت عنه تلقائيا مرتدة الى الخلف بينما تقدم هو لينظر من النافذة العريضة خلف مكتبه الى الشارع العريض الذي يطل عليه مبنى المجموعه التجارية التابعه له وهو يضع يديه في جيوبه وقال ورأسه شامخا كالطود:
- ريتاج. لو سمحت مش وقت مهاترات مالهاش لازمة انا فعلا مشغول!، شهقة صدرت بالرغم منها وهي تقول بلهجة حاولت ان تكون ثابته قد الامكان:.

- مهاترات مالهاش لازمة؟ انا اسفة فعلا. بس انا قلت لو حاجه في الشغل ايه المانع انك تحكيها لي. مش المفروض انى معاك بردو في نفس الشغل ولا ايه؟

التفت اليها بحدة ورمقها بنظرة عميقة قبل ان يقول بغموض: - اعتقد ان الشغل هنا مابئاش يهمك؟، قطبت حاجبيها وقالت متسائلة: - ليه؟ ازاي تقول كدا؟ انت عارف انا بحب شغلي أد ايه وعمري ما بهمل فيه؟، اقترب منها قليلا وهو يقول بعصبية مكبوتة:.

- ما هو واضح! بدليل انهارده اجتماع مهم زي اللي حضرته انا وابنك كنت لازم تحضريه معانا لكن اعتذرت وياريتك كلفت نفسك انك تكلميني انا شخصيا لا انت باعتي لي اعتذار مع مديرة مكتبي يا ترى تفسري دا بإيه؟

كتفت ذراعيها أمامها وقالت وعينيها تلمعان بنظرة متمردة أسرته منذ زمن و لا يزال أسيرها حتى اللحظة وقالت:
- أفسرها اني كنت لازم اروح المصنع وما اتأخرش دقيقة واحده من ساعة ما جالي تليفون سحر وانا اتلخبطت ومن لهفتي في الخروج بلغت مدام بثينه تقولك لا قصد منى انى اتجاهلك ولا حاجه. بس من سرعتي انى امشي دماغي اتلخبطت.

قال لها بسخرية: - امممم، دماغك اتلخبطت! وايه اللي لخبط دماغك بالشكل دا؟ انت مش المفروض حاطه نائب ليكي علشان يمشي امور المصنع المهندس، - ونطق اسمه وكأنه يلفظه – خيري. لو هو مش قادر يمشي الشغل في المصنع نجيب غيره عادي يعني؟

قالت له وقد اقتربت منه وقد بدأ هدوءها بالتصدع وارتعشت شفتاها وهي تقول ناظرة اليه بعينين تغشاهما غلالة من الدموع جعلته يقطب قلقا بينما تكلمت قائلة:
- أسطى توفيق أغمى عليه انهار ده في المصنع. انت عارف اني موصية سحر أي حاجه تحصل لازم تبلغني بيها على طول خصوصا عم توفيق لازم تبلغني وهي عارفة أد ايه انا بحترم الراجل دا وبعزه فكلمتني تبلغني.

اخرج يديه من جيوبه وامسكها من اعلى ذراعيها وقال بنظرات قلقة متسائلة: - وأغمى عليه ليه؟

قالت بحزن: - دكتور المصنع كشف عليه وقال انها كومة سكر ولازم يراجع الدكتور بتاعه علشان ممكن يغير له الدوا وما سيبتوش الا لما وصلته بيته بنفسي وشددت عليه انه ما ينزلش الشغل اليومين دول خالص ووصيت عم مدبولي السواق انه يروح بكرة ياخده للدكتور فهمي يكشف عليه ويعمله التحاليل اللازم. انا كلمت الدكتور فؤاد وهو مستنيه في المستشفى بتاعته بكرة ان شاء الله، قربها ادهم منه حتى ارتاحت راسها على صدره وقد لفها بذراعيه وقال من بين خصلات شعرها التي فلتت من عقدتها المحكمة:.

- وما كلمتنيش ليه قولتيلي يا تاجي؟، قالت له وهي تضع يديها على صدره: - انا عارفة انك مشغول في الاجتماع...

ثم رفعت عينيها الى وجهه وقالت برجاء: - انا عارفة ان اجتماع انهارده كان مهم بس انت عارف عم توفيق مش بس صنايعي قديم من ايام بابا الله يرحمه لأ. دا هو اللي مربيني تقريبا، كان بيشيلني على كتفه لما كنت بروح مع بابا المصنع وانا لسه يدوب متعلمه المشي وانت عارف انى مصرة انه ما يسيب المصنع مع انه صحته بئيت ضعيفة لكن هو مالوش مورد رزق تانى وفي رقبته مسؤوليات كتير ولو ساب الشغل مش ممكن هيقبل منى أي مساعده علشان كدا وافقته لما طلب منى انه يفضل في شغله وعلى أد ما بقدر بحاول اخليهم في المصنع ما يرهقهوش باالغل يعني على خفيف كدا.

قال لها وهو يميل اليها مقبلا جبينها بعمق: - حبيبتي انا عارف مقام عم توفيق عندك أد ايه بس انا قلقت.
قالت له بخفة وهي تبتسم ابتسامتها التي تخلب لبه ما ان ترتسم على وجهها: - وانا آسفة معلهش، لسه زعلان؟
قال بحنان: - انت عارفة اني مابقدرش ازعل منك ابدا، ثم قطب قائلا: انما ليه بثينة قالت لي ان خيري اللي كلمك؟، هزت كتفيها علامة الجهل وقالت:.

- يمكن خمنت كدا لاني ما قولتلهاش مين اللي كلمني انا قلت لها جالي تليفون من المصنع وماشية وهي بما انها عارفة اهمية اجتماع انهارده اكيد لما لاقيتنى ملهوفة انى اروح المصنع قالت ضروري حاجه حصلت خلِّيت خيري يكلمني.

قال بابتسامة صفراء: - اه. فكرتيني. ازي خيري صحيح؟

نظرت اليه بمكر وقالت بشبح ابتسامة وهي تكتم ضحكة ماكرة: - الحمد لله بيسلم عليك، قال ناظرة اليها بنصف عين: - الله يسلمه، قالت له وهي تمر بإصبعها على ياقة قميصه: - معقولة يا ادهم بعد السنين دي كلها ولسه بتغير منه؟، قال لها بعصبية خفيفة: - انت عاوزاني انسى انه كان عاوز يخطب مراتي مني؟، ضحكت بنعومة وقالت: - وهو كان يعرف منين بس انى مراتك؟ دا كان لسه ما كملش شهر في المصنع وانت عارف انا ما كنتش بآجي الا ناادر وكنت جيت كم مرة وشافني معرفش انى مراتك خصوصا اني كنت في العنابر مع العمال وبتغدى في الكافتيريا معهم واللي حصل انه ما كلفش نفسه يسأل الاول كل اللي عرفه انه انت وصي عليا انا لسه فاكره شكل عم توفيق وهو بيحكيلي بيقولي ما استناش يعرف الباقي وسابه ومشي وعم توفيق قال مسيره هيعرف غلطه!

قال ادهم من بين اسنانه: - آه ويومها سمعته بودنى وهو بيقولك انه معجب بيكي من يوم ماشافك وعاوز يتقدم لك! يحمد ربنا انى مسكت نفسي بالعافية استنيت اشوفك هتقولي له ايه لما جالك مكتبك وانا يومها قلت افوت عليكي اعملهالك مفاجأة.

ضحكت ووضعت راحتيها على صدره العريض وقالت وعيناها تغيم بالذكريات: - وانا قلت له انا زوجة وأعول! المهم انى كنت والده مراد وحامل في الاول في شمس!

قال وعيناه تلمعان بنظرة عشق: - وانا ساعتها قلت له انا سبقتك وسبقت الكل وخطفتها، ضحكت وهي ترفع وجهها واليه وقالت:
- وهو ساعتها وشه احمر وقعد يعتذر انه ماكانش يعرف. وخلاص الحكاية دي من عمر مراد ابننا تقريبا لسه بتغير منه؟ ادهم حبيبي ولادنا كبروا وكلها كم شهر ونبقى جد وجدة! لو كان مراد طاوعنى ولا شمس كان زمنَّا جدود من زمان!

قال لها وهو يحكم قبضته حول خصرها ويرفعا قليلا في مواجهته: - ولو ولادنا هما نفسهم بقوا جدود هفضل احبك واغير عليكي انت في عينيا ريتاج اللي كانت بتطير بالموتوسيكل وتاخد قلبي وراها خوف ولهفة عليها، قبلته قبلة خفيفة على شفتيه وقالت:
- وانت هتفضل في عينيا دايما أدهمي. اللي قدر يروضني بس في نفس الوقت قبلني زي ما انا وما مسخنيش ولغى شخصيتي.

قال لها بينما نظراته مسلطة على شفتيها: - طيب أدهمك عاوز جرعة الصبح، عاوزك تصلحيه تحريري مش شفهي!
شهقت قائلة وهي تحاول الافلات منه: - ادهم ما تتجننش احنا في الشغل احنا مش مراهقين! قال لها وهو يرفض ابعادها عنه:
- احلى حاجه شغل المراهقين. هما مش بيقولوا ان الراجل لو عدَّا الخمسين بيبقالوا مراهقة متأخرة؟ خلاص انت نزوتي يا ستي، قالت له:
- ادهم بلاش...

ولم تكمل عبارتها فقد أسكتها بشفتيه بقبلة حارة طويلة وبعد ان رفع رأسه نظر اليها بعينين تلمعان وقال:
- ايه رأيك ناخد باقية اليوم اجازة ونسيب أ. مراد هو اللي يكمل؟
أجابته بصوت متحشرج من مشاعرها الثائرة: - انا بقول نكمل اليوم احسن.
قال لها بينما عيناه تتابعان شفتيها وهي تتحدث: - وانا بقول نروح احسن واحسن.
رفع سماعه الهاتف وقال لمديرة مكتبه: - مدام بثينة يا ريت تحويلي لي أ. مراد.

دقائق وعلا رنين الهاتف بينما ريتاج ساخطة لا تريد انصرافهم المبكر: - آلو ايوة يا مراد، لا بس حبيت اقولك انا ومدام ريتاج عندنا غذاء عمل. خلي بالك من الشغل.

استمع قليلا ثم قال بضحك: - آه. غداء عمل سري. بس يا ولد لسه ما كبرتش على ابوك وامك، ياللا سلام.
اقفل السماعه والتفت اليها بينما زفرت بحنق وقالت وهي تتخصر وحقيبتها اليدوية تتدلى من احدى ذراعيها:
- يعني كويس كدا؟ اهو ابنك فهم ان ابوه المتصابي خطف امه ومزوغين من الشغل!

قال بضحكة وهو يحثها على السير متوجها بها الى الباب: - حبيبتي ما تبئيش زي اللي على راسه بطحة! ابنك عادي يعني بيسأل وانت عارفة مراد بالذات بعيد عن أي تهريج لو شمس اقولك ماشي لكن مراد لالا اطمني.

وغمزها وهو يفتح الباب داعيا اياها بالخروج قبله: - سرِّك في بير، وخرجا حيث التفت الى مديرة مكتبه قائلا: - أي حاجه بخصوص الشغل حاوِّليها لمراد بيه، أومأت بثينة برأسها بينما وضع ادهم يده على ظهر ريتاج ليواصلا السير خارجا، في المصعد التفتت اليه قالت له بتساؤل:.

- صحيح طمني ع الاجتماع حصل فيه ايه؟، نظر اليها قائلا: - هنروح نتغدى في أي مكان تختاريه واحنا في الطريق هقولك بالتفصيل حصل ايه ولو اني مش عاوز نضيع الوقت في الكلام عن الشغل لكن علشان دمااغك تفضى لي بعد كدا، وغمزها ساخرا بينما انفتحت ابواب المصعد فأشار اليها بالخروج اولا ولحقها متجهين الى سيارته حيث امر السائق بالانصراف وركبا معا وقد نظر الى ريتاج قبل ان يدير المحرك قائلا:.

- انا بجد خاطفك دلوقتي، وانطلق بالسيارة بينما ريتاج تضحك وهي تقول: مجنون. وانا بعشق جنونك دا...

لا يا شمس، مش هتغدى في البيت انهارده ...
ضحك مراد قليلا وهو يستمع الى صوت شقيقته الحانق ثم قال وهو يجيبها من خلال سماعة الاذن الخاصة بالمحمول بينما يدير مقود السيارة بيديه ناظرا في المرآة الخلفية ليطالع السيارات من حوله:
- يا بنتي انت عارفة مابحبش الكلام الكتير، ثم تأفف حانقا: - هو همس ولا اسلام اغراب يا شمس؟ ما اسلام بييجي كتير وانا مش موجود عادي يعني.

ثم استمع قليلا قبل ان يقول: - ايه؟ همس؟ مالها همس؟ لأ، انا مش فاضي، استمع قليلا ثم هتف بقوة وغضب مكبوت:
- طيب اعمليها يا شمس وخدي همس واخرجوا من غير ما تقوليلي وحسابك هيبقى معايا جامد.

سكت قليلا ليردف بنزق: - ايه؟ يعني ايه منك ولا كفاية شرك دي؟ بقولك ايه خلي همس في حالها انا متأكد انها مش هتعمل حاجه الا لما اوافق عليها الاول وعموما عمتي راندا في صفي والحاجه اللي بقولها هي بتوافق عليها، بس بس بس اطلعي منها انت ياللا سلام.

وأغلق الهاتف بينما تنظر عيناه الى الطريق امامه وتعبير الغموض والبرود الذي كاد ان يتصدع عندما صارحته شمس انها قد تخرج هي وهمس عاد للظهور من جديد!..

قفل السكة في وشِّي! ، قالتها شمس وهي تطالع محمولها بغرابة ثم استفاقت وقالت بحنق من بين اسنانها مخاطبة نفسها بينما همس تستمع الى تمتماتها الغاضبة بذهول:
- طيب يا مراد تقفل السكة في وشِّي! لكن هقول ايه انا الحق عليا انا اأحر ما عليا ابرد ما عليه هو والست همس، همس؟

ثم التفتت الى همس الجالسة بجوارها تحدق فيها بدهشة واستغراب شديدين ومدت يدها البيضاء الصغيرة تضعها على جبين شمس تتحسس حرارتها ثم قالت بصوتها ذو البحة الطبيعية:
- لا مش سخنه ولا حاجه، مالك يا شمس بتكلمي نفسك ليه؟
التفتت اليها شمس بحدة بالغة وقالت لها بغضب: - يا برودك يا شيخه، طبعا يحق له مراد يعمل اكتر من كدا!

ما ان سمعت همس اسم مراد حتى شعرت برفرفة في قلبها وارتعاشة لذيذة في اطرافها وارتسمت بسمة على شفتيها الكرزتين بينما برقت عيناها العسليتين بنظرة عاشقة وقالت:
- مراد!، قلدتها شمس وهي تقول: - ايوة. مراد، مراد هات لي رنجة!
قطبت همس حانقة وقد أخرجتها سخرية شمس منها من مزاجها الرائق بذكر مراد وهتفت ساخطة:
- لازمته ايه التريئة دي دلوقتي بأه؟

ضحكت شمس وقالت: - يا سلام، دا بس اللي مضايقك؟ وسي السيد بتاعك لما كلمته علشان ييجي يتغدى معانا ورفض وقال انه خارج مع اصحابه لا ومش بس كدا دا رفض اننا نروح في حتة الا لما نقوله الاول كل دا ما ضايقيش؟

قالت همس وقد أسدلت جفنيها لتخفي نظرة عينيها المتألمة بينما تقول بحنان عاشقة تلتمس العذر دوما لمن تحب:
- يعني عاوزاه يطلع صغير قدام صحابه؟ وبعدين عنده حق انا المفروض ما اروحش حتة الا لما اخد رأيه الاول دا خوف وحرص منه عليا يعني حاجه حلوة. شيء يفرحني انه يكون خايف عليا كدا مش يزعلني على فكرة!

اعتدلت شمس في جلستها امام وهمس وقالت مشفقة عليها من رومانسيتها الزائدة عن الحد:.

- همس حبيبتي انت عارفة انا بحبك ازاي ومراد اخويا ومش هقومك عليه. حلو انك تراعي خاطر الانسان اللي هترتبطي بيه او اللي ليه عندك شعور خاص ماقولناش حاجه لكن ماتلغيش شخصيتك قدامه بالشكل دا! الراجل مابيحبش الست الخنوعه اللي مالهاش شخصية، انت طول عمرك شخصيتك قوية ايه اللي خلاكي بالضعف دا؟ لا ويا ريت بئيت دي شخصيتك للكل الا قدام مراد بس لكن انت لسه شخصية قوية وبتفرض رأيها حتى على طنط راندا وأونكل نزار! يبقى ايه اللي مراد عمله ومعرفش لا باباكي ولا مامتك يعملوه وتبقي معهم زي مراد؟ حتى مهدي اخوكي الكبير مش بتتعملي معاه بالضعف والاستكانه دي؟!

أجابت همس بصوت رقيق: - شمس انا اكتر واحده فاهمه مراد ومش محتاجه كلام منه علشان اعرف اللي جواه ولا هو قصده ايه، انت عارفة من يوم ما عينيا اتفتحت ع الدنيا وانا مش شايفه قدامي غيره هو. هو الفارس اللي كنت بتمناه، وانا صغيرة كنتو كلكم تخافوا منه الا أنا، لما كان يزعق لنا لو دخلنا أودته نلعب في حاجته وكان دا بتحريض منك انت لما بيكون غايظك بتفتحي لنا باب اودته انا وريم وهَنا وتقوليلنا العبوا هنا في حاجات حلوة وتخلينا نقعد ع اللاب بتاعه كمان وحضرتك اكبر مننا ب 3 سنين يعني المفروض عارفة انت بتعملي ايه تيجي على دماغنا احنا لما كان بيمسكنا كانت ريم وهَنا يصرخوا ويطلعوا يجروا من قدامه وانا لأ، كنت اقف قدامه واتكلم معاه وانا ببص له بفخر ان اللي بيزعق وبيرعب دا مش بيرعبني انا بالعكس كان بيزعق لهم ولما بيشوفني يتكلم بالراحه ويعاتبني ويقول لي كدا يا همس! ساعتها ببقى مش عارفة اخليه يرضى عني ازاي؟ ياما طلبت حاجات من ماما وما كانتش بتوافق الا لما مراد يتدخل، بابا دايما كان هو حليفي بس اللي مضايقني بجد يا شمس اني حاسة ان بابا مش راضي على ارتباطي بمراد، انت عارفة انه كلام اتقال واحنا اطفال عمو ادهم قال لماما مراد مش هياخد الا همس وماما نفسها في كدا وانا طلعت على كدا بابا بس بعد ما خلصت الثانوية ودخلت الجامعة وهو إبتدى كل ماما ما تلمح بحاجه زي كدا يبص لها بغضب ويقول لها البنت لسه صغيرة ع الكلام دا! شمس هما ليه مش فاهمين انى مش شايفه حد غير مراد؟! انا مش ممكن اتصور نفسي زوجة لحد غيره! قالت شمس بهدوء:.

- أقولك رأيي من غير زعل؟
أومأت همس برأسها المكلل بالشعر الاسود الناعم الطويل الى ما بعد كتفيها وقالت بلهفة:
- قولي يا شمس.

تنهدت شمس عميقا ثم قالت: - انا من رأي عمي نزار يا همس، سيبيني اوضح كلامي. واحنا صغيرين الكلام كان ضحك من الاهل دا لدي وخلاص. بس لما كبرنا الوضع اختلف، لأن لو دا عاوز دي فعلا فيه حاجه اسمها اصول! فيه والده يكلم والدك ويطلبك رسمي وخصوصا انك اتخرجت خلاص وبتشتغلي من وانت في الجامعه! انت شخصيتك قوية يا همس فاكره لما باباكي عارض وانت قولتيله انك هتنجحى كل سنة وبتفوق كمان مع ان شغلك مواعيده كانت مرهقة بالنسبة لك تخلصي كليتك وجري على القناة الفضائية تسجلي البرنامج بتاعك! كنت كلك حيوية ونشاط واللي عاوزاه بتعرفي تاخديه لكن اللي انا شايفاها قدامي دي مش همس! همس اللي كنت بتغاظ منها ومن شخصيتها القوية مع انى انا اللي اكبر منك ب 3 سنين! همس حبيبتي انت عندك 21 سنة يعني مش مراهقة ومراد 26 سنة وبيشتغل مش لسه هيكوِّن نفسه. ليه مراد مش بيتقدم لك رسمي؟ وانت عارفة ومتاكده انه دا يوم المُنى لبابا وماما بس مراد مابيحبش حد يتدخل في حياته هو طبيعته كدا لكن مش دي المشكلة يا همس، عارفة المشكلة في ايه؟

نظرت إليها همس بتساؤل فيما تابعت شمس: - المشكلة فيكي انت يا همس! انت رومانسية اووي يا همس وخايفة عليكي بجد. ما تستغربيش مني مراد اخويا وانا عارفاه كويس غامض وماتقدريش توصلي لقراره مهما عملت! انت بالنسبة له من المسلَّمات يا همس! يعني حاجه كبر لاقى نفسه مرتبط بيها سواء بأه عن طريق كلام الاهل او بانجذابك الشديد ليه اللي كنا كلنا ملاحظينه واتطور من وانت طفلة شايفاه البطل لما بأه الفارس وانت مراهقة. طول كليّتك وانت رافضة أي حد يقرب منك حصرت مشاعرك في مراد بس! طنط راندا تتحمل دا لأنها على طول بتغذي خيالك بمراد وشخصية مراد حبها لبابا ورغبتها انك تكونى السبب اللي يقوي الصلة بينها وبينه خليتك تحبي مراد ومن غير ما تشعري بس لو سألتيني رأيي هقولك دا مش حب يا همس دا. إفتتان، ويا خوفي تفوقي بس متأخر اووي بعد الفاس ما تقع في الراس زي ما بيقولوا!، قالت همس بابتسامة مستنكرة كلام شمس وهي تشيح بيدها نافية كلامها: لالا يا شمس، افتتان ايه! انا بحب مراد! انا عارفة انك مش هتصدقيني بس انا بقولك انا بعرف مراد عاوز ايه من قبل ما يقوله لما احس بيه اووي واتوجع علشانه اووي دا يبقى ايه؟ فاكره لما كلمتك مرة الساعه 2 الصبح وصحيتك وانت بتقوليلي فيه ايه سألتك ساعتها وانا منهارة من العياط مراد ماله قلتيلي انه نايم في اودته اكدت لك انه فيه حاجه وصممت تروحي تشوفيه ولما روحتي اتفاجئتي انه تعبان وقولتيلي عرفت ازاي؟ ولما سألتك هو ايه دا اللي عرفته قولتيلي مراد سخن وبيخطرف من السخونية! فاكرة يا شمس. مراد عمره ما كان مسلمات بالنسبة لي وانا متأكده اني مش من المسلمات انا كمان بالنسبة له. مراد بيحبني بس هي طبيعته اللي بتخليه ينكر الشيء دا او مايشغلش باله انه يسمي شعوره ناحيتي دا ايه. لكن انا عارفه ومتأكده.

تنهدت شمس عاليا وقالت بابتسامة صغيرة وهي تربت على يد همس: - يا رب كلامك يطلع صح يا همس ولو انى بردو عند رأيي، انت بالنسبة لمراد من المسلمات. وهو عارف ومتأكد انك بتحبيه علشان كدا مابيشغلش دماغه انه يبين لك حبه دا ازاي. انت ذكية يا همس وانا هقولك نصيحة. الراجل طول عمره بيهوى انه يصطاد، ولازم تكوني صيد ثمين وغالي وتخليه يجرى وراكي بجد علشان لما يصطادك يعرف قيمتك وما يفرطش فيكي بسهولة، همس الشيء اللي بييجي بسهولة بيروح بردو بسهولة...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة