قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية تيراميسو للكاتبة ميرا كريم الفصل الرابع والثلاثون

رواية تيراميسو للكاتبة ميرا كريم الفصل الرابع والثلاثون

رواية تيراميسو للكاتبة ميرا كريم الفصل الرابع والثلاثون

ذرفت دمعة في أحد المحيطات إن استطاعوا الحصول عليها أعدك بنسيانك.

خرجت من مطبخها بعد أزيد من نصف ساعة تقريبًا استغرقتها بالتنظيف الشاق الذي خلفه صغيرها وعندما أنتهت توجهت إلى الغرفة وهي تظنه قد تولى أمر الصغير بدل عنها لتدلف لغرفتة كي تطمئن ولكنها لم تجده بها وضعت يدها أعلى صدرها بخوف وبحثت بالغرف الآخرى ولكن بلافائدة فكان لايوجد له أثر لا هو ولا أبيه، لتهرول على هاتفها كي تطلب رقم إسماعيل وهي تعتقد أنه من الممكن أنه أخذه معه كي يبتاع الطعام، شحب وجهها للغاية عندما وجدت هاتفه خارج نطاق التغطية، لتشهق بقلق يكاد يفتك بها وتهرول إلى والدتها التي ما أن فتحت بابها قالت حلا بقلق شديد:.

ماما هو إسماعيل و يوسف الصغير عندك
نفت نجية برأسها وتسألت: لأ يابنتي في أيه؟
زاعت نظرات حلا بتردد وخشت أن تخبرها بما حدث حتى لا توبخها كعادتها لتهمهم بتقطع: مش عارفة يا ماما هو تقريبًا بيجيب أكل وخده معاه
تنهدت نجية وأخبرتها وهي وتتوجه للداخل: طيب أدخلي زمانهم جاين متقلقيش
لأ هستناهم فوق وهحاول أتصل بيه تاني
هتفت بها وهي تصعد مرة آخرى لشقتها وهي تحاول أن تطمئن ذاتها أن توقعها بمحله.

بعد عدة ساعات تململ بفراشه بإنزعاج عندما تناهى إلى مسامعه نحيب نسائي قوي يكاد يطن أذنه
أعتدل بنومته وهو يفرك وجهه كي يستفيق بالكامل وتطلع للوقت بساعته وإذا بها الثالثة صباحًا لينهض بضجر كي يستكشف ما يحدث،
في تلك الأثناء كانت هي تنتحب بقوة بعدما يأست من أنتظاره لساعات طويلة بشقتها حتى شعرت أن القلق ينهش بها لتنزل لوالدتها التي جاورتها لتوها وقالت:.

يا بنتِ أهدي مش كده. وفهميني اللي حصل هيكون راح فين يعني هو ليه غيرنا
نفت برأسها وصرخت بشهقات عالية: معرفش راح فين و معرفش ليه مرجعش لغاية دلوقتي، دي أول مرة يعملها لأ وكمان أبني معاه
يارب ما يكون حصلهم حاجة
شهقت نجية وقالت داعية: لأ بعد الشر يا بنتي إن شاء الله خير
في أيه يتعيطي ليه؟
هتف بها بضجر وهو يجلس بجوارها
لتصيح حلا من بين شهقاتها: إيسو مرجعش لغاية دلوقتي وخد معاه يوسف.

تنهد بقوة وقال ببرود: طيب أيه المشكلة
لتنهض وتصرخ به بإنفعال: يعني أيه أنت عايز تجنني بقولك مرجعوش وأنا خايفة يكون حصلهم حاجة
نهض وقال بنفس البرود: لأ متقلقيش هما بخير إسماعيل كلمني
شهقت حلا وصرخت بإنفعال: يعني أيه مش فاهمة ومرجعوش ليه؟
رد عليها بكل برود وهو يرفع حاجبيه بمكر شديد فيبدو أنه تواطأ مع إسماعيل ضدها: قالي أنك طفشتيه وكرهتيه في البيت وهو رافض حد يتدخل؟
طفشته أنت بتقول أيه؟ دة خد أبني.

هتفت بها بعدم تصديق مما جعله يذكرها: متنسيش أنو أبنه هو كمان وأكيد هيخاف عليه ويراعيه متقلقيش
شهقت نجية وضربت أعلى صدرها وهدرت بتفاجئ: يالهوي هي حصلت؟
لتوجه نظراتها لها وتسألها بحدة: عملتي أيه يا موكوسة؟
خليتي الراجل يطفش
زاغت نظراتها وقالت بتبجح وبتمرد كعادتها: معملتش وحتى لو عملت دة ميدهوش الحق ياخد أبني.

لتنظر ل يوسف وتهدر بإنفعال: انت ازاي تسكتله، هو علشان صاحبك تيجي عليا علشانه، لتتناوب نظراتها بين والدتها وبينه وتهدر بإندفاع كعادتها: انتو ليه بتعملوا فيا كدة، أنت وأمك واقفين علطول في صفه ومحدش فيكم بيحاول حتى يعمل خاطر ليا وكأنه هو اللي من لحمكم ودمكم مش أنا.

زفر يوسف بعمق يحاول تمالك نفسه ولكن هي من استفزته غافلة كون أعصابه تالفة ولا ينقصه مشاحنات آخرى ليصرخ بوجهها: حلا بلاش تستفزيني أنا اللي فيا مكفيني وبطلي كلام ملوش لازمة أنا مش ناقص، قولتلك جوزك كويس وأبنك كويس أطمني وروحي نامي وبكرة إن شاء الله هحاول أقنعه أخليه يرجع بيته ويرجعلك أبنك، أنهى حديثه وهو يتوجه لغرفته كي لا يتفاقم الأمر وتزداد حدته معها بينما هي.

نفت برأسها بعدم أقتناع و كادت دمعة تتهدل من عيناها ولكنها كبحتها بعناد قوي، لتربت نجية على ظهرها بحنان وتقول بنبرة مطمئنة: يابت بطلي هبل دة أنتِ حتة من قلوبنا بس أنتِ اللي دماغك زي الحجر ومبتتعلميش ابدًا
تعالي ننام والصباح رباح وأنتِ عارفة جوزك ابن حلال ومش هتهوني عليه.

تنهدت بعمق وقالت بإصرار وكأنها تريد أن تثبت لذاتها أن الأمر لايستدعي كل ذلك: أنا هنام في بيتي ومش محتاجة مساعدة من حد أنا بكرة هروح ليه وأرجع ابني
ذلك أخر ما تفوهت به قبل أن تخرج وتعود لشقتها تاركة نجية تتنهد بآسى على حالها.

و تتوجه لغرفة يوسف وما أن وجدته مُمدد شارد في نقطة وهمية كعادته مأخرًا جلست بجانب فراشه وقالت معاتبة: كنت قاسي عليها أوي أنا معرفش أيه اللي جرالك أنت مكنتش كدة فين أبني الحنين بتاع زمان
رفع عسليتاه الحزينة وهدر ببسمة متألمة: يوسف بتاع زمان مات يا أمي اللي قدامك دة حد تاني عرف ياخد حقه من الدنيا بإيده وسنانه.

تنهدت بآسى وهمهمت بضيق وهي تربت على ساقه الممدودة بجانبها: بلاش يابني تمثل القسوة والقوة دي عليا أنا أكتر واحدة عارفاك وحفظاك، أنت قلبك أبيض من اللبن الحليب وعمره ما عرف الحقد ولا القسوة...

التوى فمه ببسمة متهكمة وغامت عينه بآسى على حاله التي هي غافلة عنه ودون أي مقدمات كان يضع رأسه على حِجر والدته ويطلب منها بضيق شديد وكأنها بحديثها ذلك أيقظت يوسف القديم الذي يتوارى خلف أسوار القوة: مخنوق يا أمي، مخنوق أوي، أنا حاسس إني ضايع حاسس إني بقيت غريب عن كل اللي حواليا حتى عن نفسي...
تنهدت نجية وهي تمسد على صدره موضع قلبه بحنو أموي شديد وقالت وكأنها تعلم أن ذلك موقع علته:.

فضفضلي يا بني، وعلشان خاطر أمك قولي أيه اللي واجع قلبك ومنغص عليك عيشتك
أغمض عينه بقوة فماذا يخبرها وإذا كان هو يخجل أن يعترف بلأمر لنفسه ليعتدل بجلسته ويقول وهو يفرك عينه التي كادت تفضحه وتقطر دمعًا: مفيش حاجة يا أمي أنا بس مضغوط في الشغل
تنهدت نجية بيأس من أعذاره التي تقسم أن جميعها واهية وظلت تنظر له بريبة شديدة تحاول أن تسبر أغواره، بينما هو همهم كي يغير سير الحديث:.

أنا هعتذر ل حلا بكرة الصبح قبل ما نمشي وهحاول أأثر على إسماعيل
لترد نجية بدفاع وبعقلانية: أنا عارفة عمايلها بس معلش بتدلع على جوزها
يعني لو متدلعتش عليه هتتدلع على مين
أبتسم يوسف و قال ساخرًا: دلع أيه دة والنعمة دي لو مراتي كنت قتلتها
لتشاركه نجية وتشاكسه بخفة أيضًا: أتشطر بس أنت وأتجوز ميان وانت تشوف بنفسك أن دلعها هيبقى على قلبك زي العسل.

ماتت البسمة على فمه وأبتلع ريقه بحلق جاف عندما ذكرته والدته بحديثها بقراره اللعين الذي لا يعلم كيف تفوه به وكيف سيقدم عليه ولكن ما يعلمه هو أنه كان حينها يستشيط غيظًا وأراد أن يرى بعيناها تلك الحسرة المتألمة التي لطالما كانت تنبش به بسببها ولكن لا ينكر أنها اليوم فاجأته كثيرًا فكانت مختلفة لامبالية له أو لقراره مبتسمة طوال الوقت والأنكى من كل ذلك كانت ساحرة بشكل يخطف الأنفاس، أنتشله من شروده صوت والدته التي كانت تتأمل ضياعه بقلة قيلة:.

سرحت في أيه يا حبيب أمك
ليتحمحم وهو يغتصب بسمة هادئة على ثغره بعيون زائغة: في الفرح، أصل أنا اتفقت مع مامت ميان هنكتب الكتاب أخر الأسبوع بعد ما نرجع من الساحل وإن شاء الله الفرح محتاج ترتيب كتير بعديها
تهللت أسارير نجية بشدة وصاحت: بجد ربنا يفرح قلبك يا بني ويسعدكم يارب، بس يعني أنا مش شايفة روحتي معاك الساحل بكرة ليها لازمة أنا هقعد مع حلا لغاية ما نشوف مشكلتها
وابقى أعتذر ل فريدة.

نفى برأسه نفي قاطع وقال بإصرار: لأ هتيجي معايا ومتقلقيش على بنتك
أنتِ عارفة إسماعيل بيموت فيها ومش هتهون عليه
لتسأله بريبة: طب والولد اللي معاه دة مين بيراعيه
أجابها بنبرة مطمئنة: متقلقيش هو قالي أنهم بايتين في فندق وجابله هدوم وأكل ولعب وظبطه على الأخر، والصبح هروح أجيبه منه وهناخده معانا.

أومأت نجية بتفهم فهي تثق بإسماعيل وتعلم أنه لن يخذلها أبدًا ويفعل ما يفعله ليرود أبنتها لتدعوا لهم ثم تغادر لغرفتها تاركته هو يشرد من جديد وهو يسحب ذلك السلسال الذي أنتزعه من عنقها من تحت وسادته ويظل يسأله وكأنه يحاكي شخصها بكل التساؤلات التي تكاد تطيح بعقله.

صباح يوم جديد وخصةً بذلك المعرض الذي يديره إسماعيل كان هو يباشر العمل لتوه عندما أخبره أحد العاملين أن يوجد زبونة بالخارج تعترض على عدة أشياء بالسيارة بعد شراءها، استغرب الأمر ولكنه ذهب لساحة عرض السيارات كي يراها وإذا بفتاه صارخة الجمال بعينان فيروزتان وشعر حريري طويل ينساب بكل أريحية على قوامها الممشوق التي يبرز تقاسيمه ذلك الثوب الضيق الأنيق للغاية، تحمحم إسماعيل بحرج وهو يغض الطرف عن التطلع لها:.

تحت أمرك ياهانم انا المسؤول عن المعرض أقدر أخدمك بأيه؟
تنهدت الفتاه وأخبرته بإنفعال: العربية أشترتها أمبارح ومش مريحاني ولما جيت كلهم عاملوني بقلة ذوق
تناوب إسماعيل نظراته الصارمة بين العاملين الذين كانوا مطرقين الرأس بخزي من فعلتهم وهدر بقوة آمرًا: كل واحد على شغله حسابكوا معايا بعدين
إنصاعوا له، ليستأنف هو برحابة: المعرض كله تحت أمرك وأنا معاكِ لغاية متلاقي حاجة مناسبة.

أومأت له بإمتنان وظلت تعاين كل ما يقع عيناها عليها وهو يتتبعها ويخبرها عن ميزات كل واحدة على حدة، إلى أن وقع أختيارها على واحدة شعرت أنها ملائمة وتناسبها وبالفعل اصطحبها إلى مكتبه وقاموا بتجهيز العقود اللازمة، لتقول هي بإمتنان ما أنتهو: حضرتك عندك قوة إقناع رهيبة لولاك مكنتش أخترت حاجة أبتسم لها بمجاملة لتنهض وتمد يدها لتصافحه: مرسي أوي يا مستر...
هو حضرتك أسمك أيه؟
أجابها بإقتضاب: إسماعيل.

واووووو أسمك حلو و مختلف زيك
قالتها بنظرة إعجاب وببسمة واسعة
والله أنتِ اللي حلوة
هتفت بها عندما حضرت لتوها وهي تضع يدها بخصرها و تشملها من رأسها لأخمص قدمها بغيظ شديد
رفع حاجبه بتفاجئ وتسأل بثبات: أيه اللي جابك يامدام
عقدت حاجبيها بغيظ وقالت بإنفعال وقلبها يتأكله الغيرة وهي لا تزيح نظراتها عن تلك الفتاه التي تفوقها بمراحل عدة بالجمال: جيت أشوفك يا جوزي هااا يا جوزي، جوزي هااا.

ظل يمسد بأنامله أرنبة انفه كي يكبح تلك البسمة التي لاحت لتوها على ثغره بسبب تكرراها لذلك اللقب وكأنها تريد أن تؤكد أنه ملكية خاصة لها، شهقت الفتاه وقالت بتفاجئ: بجد جوزك، مستر إسماعيل دة Gentleman بجد يبختك بيه
جزت حلا على نواجذها وكادت تجذبها من شعرها وتمرغ بها الأرض ولكن نظرة محذرة واحدة من عينه لجمتها فيبدو انه كان يعلم ما يجول برأسها، لتستأذن الفتاه وتشكره ثم تنصرف.

ليرمقها هو بلامبلاه ويجلس خلف مكتبه ويسألها من جديد: جاية ليه؟
رفعت نظراتها إليه وقالت بإندفاع دون تفكير: اه مكنتش عايزني أجي علشان تبقى براحتك وتتساير مع المايصة دي مش كدة
ظل يدلك جانب عنقه وهو يحفز نفسه على الثبات ويتعمد أن يستفزها كي يستمتع أكثر بردة فعلها ليهدر بثبات ولا مبالاه وهو يستند بأريحية أكثر على ظهر مقعده: اللي يشوفك يقول بتغيري عليا.

زاغت نظراتها وتعندت أن لا تجيبه ليستأنف كي يخرج أسوء ما فيها كما تفعل هي معه: بصراحة انا عذرك أصل البنت حلوة وتلفت نظر أي راجل، وخصوصًا لو مراته مش مراعياه ومريحاه زي
أحتدت نظراتها بغيظ شديد وقالت بعصبية: نعمممم يعني أيه؟ أفهم أن أنا وحشة ومش مالية عينك
نفى برأسه وقال بمكر: أنا مقولتش كدة متوقعنيش في الغلط، ليزفر بنفاذ صبر ويسألها بحدة: خلصي أنا مش فاضي قولي جيتي ليه؟

ظلت تفرك طرف حجابها بتوتر شديد وهي تشعر بالغيظ من لامبالاته وقالت بعصبية وبعناد: على العموم براحتك أنت مبقتش تهمني
أنا جاية علشان أبني اللي أنت سرقته.

قهقه بكامل صوته الرجولي الذي طالما أسرها به وكأنها ألقت عليه أحد الدعابات الساخرة فكيف تريده أن يصدقها وهو رأى بأم عينه نيران الغيرة تتأكلها لتوها ليقول وهو يضيق بندقيتاه ماكرًا فهو يعلم أنها عنيدة ورأسها كحجر أصم: ممكن أصدق إني مهمكيش بس سرقته، دة ابني في حد بيسرق أبنه؟
زاغت نظراتها وأخذت تفرك بطرف حجابها وسألته بقلق عارم: هو فين يا إسماعيل قلبي واجعني و مش بيجيلي نوم وهو بعيد عني.

تنهد وأخبرها ببرود ساخرًا وهو يتذكر نومها العميق بلأمس وتركها للصغير: لا والله دة بجد...
أومأت له وهي ترمش بعيناها تدعي البراءة
ليعقد حاجبيه وهو يحاول التحكم بملامح وجهه ثابتة، ويجلي صوته الرجولي البحت ويقول بثبات أجاده: هو كويس متقلقيش بس أنا قولت أريحك مني ومنه طالما زهقتي مننا زي ما بتقولي
تسارعت أنفاسها وقالت بتراجع وبعيون زائغة: أنا كنت متعصبة وبعدين أنت عارف إني مبفكرش في الكلام قبل ما أقوله.

رفع حاجبيه وقال بثبات وبنبرة قاطعة كحد السكين: بس أنا خلاص جبت أخري معاكِ وأتحملتك كتير وشايف أنك مش مرتاحة معايا يا بنت الناس وانا ميرضنيش
أختنقت أنفاسها بغضب من حديثه الغريب عليها والذي لأول مرة يتفوه به وقالت بتقطع وبعيون زائغة:
يعني أيه؟

تنهد بنفاذ صبر وهو يسحب أحد الملفات من أمامه وأخبرها بإقتضاب: اللي فهمتيه وياريت تتفضلي على بيتك ومتخرجيش منه غير بإذن مني ولما يبقى ربنا يسهل هبقى أجبلك أبنك تشوفيه
يعني أيه هطلقني
هتفت بها بصدمة عارمة وهي لا تصدق أن إسماعيل خاصتها هو من يقول ذلك، ليتهكم بكل ثبات:
اعتبر دة سؤال ولا عتاب
هطلقني.

كررتها هي بنبرة مشدوهة وكأنها بأسوء كوابيسها، فكم كانت تظن أنه يعشقها و لا يستطيع أن يبتعد عنها وذلك ما كان يجعلها تثق بذاتها بشكل مبالغ به وتستمد القوة كي تتمادى بإستهتارها، أقتربت منه و وضعت يدها تكوب وجنته وهي تنظر له بنظرة لوم طويلة كادت أن تهدم كافة حصونه، لتتشابك بندقيتاه التي تفيض دائمًا بعشقها بعيناها الآسرة وتهمس بنعومة وهي تقترب من وجهه أكثر: ههون عليك يا إيسو تسبني أنا بحبك ومقدرش أعيش من غيرك.

كاد يتأثر بها كعادته حتى أنه شعر أن قلبه ينتفض ويعلن عصيانه يحثه كي يجذبها إليه ولكنه تماسك فهو يعلم تلك الحيل جيدًا ولن تنطلي عليه مرة آخرى لينزل يدها وينهض وهو يدفعها من ذراعها لباب المكتب:
ملوش لازمة كلامك دة ومش هتعرفي تأثري عليا واتفضلي على البيت.

غامت عيناها وهي تشعر بالمهانة لتنفض يده وتصرخ بعناد وهي تدعي القوة: هتندم يا إسماعيل وبكرة أفكرك وإذا كان على ابني اللي انت فاكر نفسك بتلوي دراعي بيه أنا عارفة أنك هتاخد بالك منه مهو في الأخر أبنك
ذلك أخر ما تفوهت به تاركته ينظر لأثرهابتنهيدة عميقة فلو تعلم تلك المتمردة كم أراد أن يجذبها ويدفنها بأحضانه ويطمأنهاولكنها كعادتها تفسد كل شيء بعنادها.

أبتسمت بإتساع وبسعادة متناهية وهي تراه يغط جنبها في سبات عميق بعد ليلتهم الحالمة التي أغدقها بها بحنانه ومراعته التي تخطت كل توقعاتها، تنهدت تنهيدة حارة مفعمة بالحب وهي تتمعن بملامح وجهه المذهلة أثناء نومه وهي تقسم انها تزوجت أوسم رجل بذلك العالم أجمع، أقتربت ببطء ووضعت قبلة خاطفة أعلى وجنته وانسحبت من الفراش بهدوء شديد كي لا تُيقظه لتتناول مأذرها وترتديه وتخرج من الغرفة كي تهاتف يوسف دقائق معدودة وكان يجيبها من الطرف الأخر قائلًا: العروسة بنفسها بتتصل بيا يوم صباحيتها دة أيه الهنا دة.

أبتسمت وأخبرته بصوت خفيض للغاية: سيبك من كلامك دة وقولي ليه عملت كدة؟
أجابها بثبات وهو يعلم إلى ماذا ترمي: عادي سُنة الحياه ولازم أكمل نص ديني
بس أنت مبتحبهاش وأنا وأنت عارفين كويس قلبك مع مين
ملوش لازمة الكلام دة علشان عدى أوانه أنا خدت قرار خلاص ومش هرجع فيه.

تنهدت بعمق وأصرت: يوسف علشان خاطري أصبر بلاش تتسرع أنا اتكلمت معاها أمبارح وقالتلي أن يعقوب زي عز بالنسبة ليها وقالتلي أنهم كانوا مضطرين يتجوزو أنا قلبي حاسس أن في حاجات أنت متعرفهاش واتسرعت في فهمها
كان يستمع لها وقلبه يأن يحثه على التصديق ويتعلق بذلك الأمل ولكن ذلك لن يغير كونها مازالت تحت وطأة شخص آخر: ماهيتاب دة مش هيغير كونه لسة جوزها وصدقيني الموضوع دة أنا...
كداااااااب.

متحاولش تقنعني أصدقك أنت لسة بتحبها يا يوسف مهما أنكرت لهفتك عليها لما أغم عليها في الشركة وعينك اللي كل ما تشوفها بتصرخ بأسمها عينك فضحاك يا يوسف ومتهيئلي مش أنا لوحدي اللي أخدة بالي، بلاش تورط نفسك مع ميان وتظلمها معاك
زفر بعصبية وقال من الطرف الآخر: مبقاش ينفع أرجع من نص الطريق لازم تتوجع زي ما وجعتني
ميان ملهاش ذنب.

عارف والله عارف بس أنا مش بكره ميان وعمري ما هأذيها أنا هتجوزها علشان مش هلاقي أحسن منها تبقى أم ولادي وعندي أمل بعد الجواز هتقدر تنسيني كل حاجة
بتكدب عليا ولا على نفسك يا يوسف...
ماهيتاب روحي لجوزك وياريت متتكلميش في اللي فات ولا تحكيله حاجة اللي فات كله انسيه زي ما أنا نسيته
عمرك ما نسيت متحولش تقنعني.

تنهد بعمق وقال كي يغير سير الحديث: بقولك أيه متيجي أنتِ و عز تقضوا معانا يومين أكيد مفتقد الجو الأسري وهيتبسط معانا
هزت رأسها بلا فائدة فهي تعلم أنه يعاند نفسه وردت عليه بإقتضاب: هحاول يا يوسف مع السلامة
أغلقت معه وهمست بحسرة عليه: ربنا يهديك يا يوسف وينور بصيرتك
قفشتك بتكلمي مين
هتف بها بمشاكسة وبعيون حالمة وهو يستند على إطار الباب ويربع ذراعيه على صدره العريض.

مما جعلها تبتسم بإتساع وتهرول عليه تحاوط خصره وتقول بنبرة أنثاوية بحتة تخصه هو فقط بها: دة يوسف ياحبيبي كنت بقوله يعني يأجل إجراءات الصفقة كام يوم وكمان عزمنا نروح نقعد معاهم أيه رأيك
رفع حاجبيه بشغب وقال وهو يعبث بخصلاتها النارية وعينه تتفرس بجسدها برغبة قاتلة: نروح فين أنا عايز أبقى براحتي واعرف اشبع منك.

قهقهت بغنج على حديثه مما جعله يهيم بها بعشق جارف ودون أي مقدمات كان ينحني بجزعه ويحملها وهو يقول بنبرة عابثة لأبعد حد:
شكلي كدة مش هشبع العمر كله يا مدوخاني
تعلقت بعنقه وهي تنوي أن تقنعه بطريقتها وهمست وهي مازالت محتفظة ببسمتها المهلكة وعيناها تهيم داخل غابات الزيتون خاصته المذدهرة:
بحبك يا عز
وأنا بموت فيكِ ياقلب عز.

ذلك أخر ما نطق به قبل أن يتناول شفاهها بقبلة حالمة أستمرت طوال سيره بها إلى غرفتهم وما أن دخل بها أغلق الباب بقدمه وتقدم بها نحو الفراش كي ينهال منها كيفما شاء.

وصلت منزلها وهي تستشيط غضبًا منه ومن حديثه ومن كل شيء ضدها وما زاد حنقها أنها وجدت والدتها تعد عدتها للسفر مع يوسف
وعلى وشك الرحيل، لتقول بإنفعال وهي تعاتب والدتها: هتسبيني وتسافري وتطاوعي أبنك
ردت نجية بيأس من عناد أبنتها: يوسف غُلب معاكِ وأنا غُلبت أنصحك وبعدين أنتِ وجوزك مش صغيرين و مشاكلكم تقدرو تحلوها مع بعض
وبعدين دول هما يومين وراجعين مش هنغيب.

ضربت الأرض بقدمها بغيظ وقالت متذمرة: يعني أيه كلكم هتسبوني دة حتى أبني خده مني ومش راضي يرجعهولي
تنهدت نجية وأخبرتها وهي تجاهد كي لا تخبرها كما أمرها إسماعيل : أنا كلمته وهو طمني عليه
متقلقيش لو مكنش حالف عليكِ كنتِ جيتي معايا بس هو قالي متخطيش عتبة البيت
دة ظلم وأنا مش مسمحاكم.

صرخت بها وهي تغادر لشقتها تاركة نجية تقول بآسى وبقلب متألم: على عيني يا بنتي والله قلبي ما مطاوعني اسايره بس لازم تقدري النعمة اللي أنتِ فيها وتتعلمي تحافظي على بيتك.

وصلوا لتوهم إلى تلك اللا الشاسعة خاصته التي يملكها بأحدى قرى الساحل الشمالي فقد استغرق الأمر ثلاث ساعات بالطريق، توقف بسيارته عند وصوله هو ميان ووالدته والصغير الذي أصر عليه إسماعيل أن يصحبوه معهم كي يتفرغ ويروض متمردته، تدلت ميان من السيارة وهي تتناول نفس عميق بإستمتاع فكان المكان هادء راقي للغاية وتنتشر به مساحات خضراء تضم كافة انواع الزهور التي كان يهفهف أريچها و ينتشر بلأجواء ويمتزج مع يود البحر فيصنع رائحة مذهلة تبث في النفس الراحة والاسترخاء، لتهتف ميان بإنبهار وهي تشاهد محيطها وتلك الإطلالة الرائعة التي تطل عليها وهي تصفق بسعادة: واااااو تجنن يا يوسف ومنظر البحر تحفة.

لتطوف المكان بعيناها وتصرخ بحماس دة في pool كمان
انا مبسوطة أوي أنا هروح اتفرج عليه لتهرول كي تستكشف المكان بينما.

أبتسم على حماسها الذي يشبه الأطفال لحد كبير وهو يتناول الصغير و يساعد والدته على النزول من السيارة تزامنًا مع وصولهم أيضًا بسيارة مارسيل، تدلت هي من السيارة وهي تطوف المكان بلامبالاه وبملامح ثابتة فلم يعد الطرف أو الفخامة تجذبها بتاتًا بعد كل ما مرت به وما ان رأت الصغير تهللت أساريرها وهرولت وهي تمد يدها كي تتناوله:.

يا صغنن وحشتني أبتسم الصغير بإتساع وكأنه يتذكرها ويظل يتهافت بيده كي يرتمي عليها ولكنه كان لا يفلته وظلت نظراته مصوبة عليها ببرود قاتل
مهلًا هل هو من يحمله تقسم أنها لم تنتبه رفعت نظراتها بعدما ابتسرت بسمتها وقالت بثبات: ممكن تتدهولي
تنهد بعمق وناولها أياه ودون أي عمد منه وبتلقائية شديدة منها تلامست أيديهم.

لتتشابك نظراتهم الجامدة معًا بتلقائية وكأنهم أقطاب مغناطيس مختلفة دام تواصل عيناهم لثواني خاطفة أنتشلهم منها قول نجية بإعجاب: أهلًا يا بنتي أيه الجمال دة والله كل مرة بتحلوي عن المرة اللي قبلها
أبتسمت بإتساع وهي تتدارك الموقف وقالت بود شديد وهي تميل على وجنتها تقبلها: ربنا يخليكِ ياماما نجية دي عيونك اللي حلوة
ربتت نجية على ظهرها وقالت بتلقائية: كلمة ماما طالعة زي السكر من بؤك ربنا يهنيكِ يا بنتي.

لتتبتسم مرة آخرى وهي تضم الصغير وتضع رأسها بين ثنايا عنقه تشتم رائحته بإستمتاع شديد غافلة كونه مازال متسمر ينظر لها وكأنه فقد السيطرة على جسده وحديث مهيتاب مازال يطن بإذنه كونها أضطرت للزواج بذلك الغليظ الذي يقسم انه سيحطم رأسه عما قريب
لتصيح نجية بإستغراب: يوووه جرا أيه يابني مالك مسهم كدة ليه روح يلا دخل الشنط ورحب بأهل خطيبتك في بيتك.

مرر يده على وجهه بضيق من نفسه اللعينة وأومأ لها كي ينفذ ما قالته بينما هي لم تعير ما حدث أي أهمية وكأن الأمر لا يعنيها
وأثناء إنشغالهم كانت ميان تدور حول المسبح بسعادة متناهية وما ان وجدت غرفة صغيرة للغاية منعزلة دفعها فضولها لإستكشافها لتخطوا إلى داخلها غافلة كونه يتربص بها بثاقبتيه ويتتبعها،.

شهقة قوية صدرت منها عندما سمعت صوت إغلاق الباب بقوة لتلتفت بتفاجئ وإذا به يقف أمامها والمكر يتراقص بثاقبتيه كعادته لتهمهم بذعر حقيقي وهي تطوف المكان بعيناها فكانت غرفة صغيرة للغاية مخصصة لأدوات السباحة، دون أي منافذ للهواء أو سبيل تهوية غير ذلك الباب الذي أغلقه هو لتوه: بتعمل أيه هنا؟
كنتِ ماسكة فيه ليه كدة أمبارح خايفة أخطفك منه.

هتف بها بغيظ والغيرة تكاد تفتك به لتتذمر هي بشراسة قتالية: بأي حق بتتكلم، سبني أخرج وبَطل جنان
أجابها بإصرارمستميت: مش هتخرجي غير لما نتكلم
مش عايزة أتكلم معاك أنت مبتفهمش مفيش كلام بينا
لوسمحت سبني أخرج
تفوهت بها بأنفاس واهنة وهي تشعر أنها على وشك الأختناق
لاحت على ثغره بسمة ماكرة عندما تيقن ما يحدث لها وشعر أن القدر منحه تلك الفرصة كي يستغلها ليهدر بإصرار: مش هتطلعي من هنا غير لما تقولي أنك فكراني.

نفت برأسها بهستيرية وبأنفاس متسارعة وهي تحاول جذبه من ذراعيه كي يبتعد عن الباب ولكن جسده كان صلب لا يتزحزح أنش واحد مع محاولاتها لتصيح بإختناق: طلعني من هنا لو سمحت وبلاش هزار
ليعترض بإصرار: مش هيحصل يا ميان ومهما حاولتي تمثلي أنك مش فكراني مش هصدقك
ولعلمك بقى مش هتكونِ لحد غير ليا أنا، برضاكي غصب عنك هتكونِ ليا ومش هسيبه ياخدك مني
لتصرخ بأنفاس متلاحقة وهي تضربه بصدره: أنت مجنون، مجنون
طلعني من هنا.

نفى برأسه بكل عند لترجوه بنبرة واهنة وهي على تدلك عنقها تستجدي الهواء: بتخنق، بتخنق هموت والله هموت
قولي أنك فكراني يا مانجتي قولي أنك منستنيش زي ما عمري ما نسيتك قولي أنك عمرك ما حبيتي يوسف
أجهشت بالبكاء وصاحت راجية تستعطفه بأنفاس ضيقة بالكاد تخرج مفهومة: خرجني علشان خاطري ونتفاهم برة.

نفى برأسه بكل إصرار وتعند لتصيح هي بيأس من إصراره المستميت: فكراك والله فكراك يا يعقوب وعمري ما نسيتك بس مينفعش أنت جوز أختي، أبتلع باقي كلماتها بجوفه بعدما جذبها من مأخرة رأسها وقبلها بتلهف شديد قبلة عاصفة هوجاء قاومتها بأولها ولكنها لم تستطيع الصمود أكثر أمام سيطرة شفاهه القاسية لتطيح كافة حصونها وتبادله دون وعي وهي تشعر بالخدر بكافة جسدها حتى أن ساقيها كادت تخور بها لولآ أنه حاوط خصرها ورفعها لمستواه مرة آخرى وظل يتناوب بقبلته على شفاهها بنهم شديد وهي تشعر أنه يكاد يلتهمها وكأنها هي وجبته الأخيرة، فصل قبلته بعد دقائق أنهك بها شفاهها وسلب بها كافة أنفاسها ليستند بجبهته على خاصتها ويقول بأنفاس متثاقلة وهو يهيم بها وينظر بفخر لشفاهها الذي أدماها لتوه: ما كان من الأول يا مانجتي لازم تتعبيني.

لترفع نظراتها له بخجل وتقول بخزي من نفسها بأنفاس متهدجة: يعقوب اللي حصل دة غلط أنت جوز أختي وأنا...
ششششششش عايزك تثقي فيا
همس بها وهو يتلمس شفاهها بأبهامه لتنفي برأسها وتقول بتخبط وبأنفاس متقطعة: يعقوب أنت مجنون عايزني أثق فيك أزاي؟! ولما أثق فيك أيه اللي هيتغير؟! هطلقها مثلًا وحتى لو دة حصل تفتكر أمي هتقبل
لتعقد حاجبيها وتقول بضياع وهي تنفضه بعيد عنها وكأنها تذكرت فقط لتوها: و يوسف.

هزت رأسها بطريقة هستيرية وقالت بتخبط وهي تشعر أنها على حافة الجنون: لأ اللي حصل دة غلط وطيش أنت مجنون وأنا أجن منك إني طاوعتك، مش هقدر يا يعقوب مش هقدر أبقى خاينة وأخسر ثقة وحب أقرب الناس ليا
نطقت أخر جملة وهي تضع يدها على مقبض الباب تحاول فتحه ليمنعها هو راجيًا: ميان استني في حاجات كتير أنتِ مش عارفاها يوسف و لين...
أسكككككككت بقى وكفاية مش عايزة أسمع حاجة منك سبني أخرج
ميان هفهمك
قولتلك سبني أخرج.

قالتها بإنفعال شديد وبعصبية مفرطة مما جعله يزفر بقوة ويبتعد عن الباب ويفتحه لها لتغادر هي بخطوات واسعة وهي تشعر بالخزي من نفسها.

آما عن صاحبة الفخوخ الآسرة ظلت تطعم الصغير و تلاعبه حتى غفى بين أحضانها لتقول لها نجية بود: معلش يا بنتي تعبناكِ أنتِ عارفة أن أمه مجتش معانا
وجوزها حالف عليها
رحبت لين بتلقائية وهي تضم الصغير: لا أبدًا أنا حبيت يوسف أوي
ومتعبتش ولا حاجة أنا هطلع أنيمه فوق.

أومأت لها ونهضت بينما قالت نجية ل فريدة التي كانت تنظر لأثر أبنتها بآسى: بنتك دي حنينة أوي يا فريدة دخلت قلبي أول ما شوفتها ربنا يخليهالك ويباركلك فيها
تنهدت فريدة بحسرة على حال أبنتها وقالت بضيق: أدعلها يا نجية ربنا يريح قلبها
دعت نجية بينما أمنت فريدة على دعواتها.

آما هي قد وضعت الصغير بالفراش ولكنه تململ وكاد يجهش بالبكاء لتجلس بجانبه وتظل تربت على ظهره كي يغفى من جديد إلى أنها سقطت غافية بجانبه دون قصد
بعد عدة دقائق دخل هو الغرفة التي وضع حقيبته بها وأغلق بابها كي يرتب ملابسه بداخل الخزانة وينال قسط من الراحة، إذا به يتفاجئ بها وبالصغير في فراشه،.

أبتلع غصة مريرة بحقله وهو يشاهد كيف تبدو وهي غافية كالملائكة ملامحها متراخية وعيناها مغلقة تحيل بينه وبين بُنيتها أهدابها الكثيفة التي تشبه أسهم العشق أصابته بمقتل.

لوهلة شرد وهيء له أن كل الهراء المحيط بهم قد أندثر للأبد وأنها الأن ملكه بمفرده، ليتحرك بلا ارادة ويتمدد على طرف الفراش جنب الصغير ويقترب برأسه ببطء من موضع رأسها وظل يتمعن بها بمشاعر متخبطة مشوشة لم يستطيع كبحها أكثر، لاحت على ثغره بسمة حالمة عندما لامس بأنامله خصلات شعرها البُنية التي كانت تفترش الوسادة أسفل رأسها، ليرفع خصلة منه ويشتمها بتنهيدة حارقة نابعة من صميم قلبه بعدما أدرك أن رائحتها مازالت كالماضي تشبه رائحة الوطن الذي سلبه حق اللجوء في موطن عشقها لا يعلم كم مر من الوقت وهو يتأملها وهي غافية ولكن يعلم أنه إن ظل هكذا لأخر يوم بعمره لن يمل، صوت هتاف والدته أجفله وجعله يرتبك ويتوجه لباب الغرفة كي يغادر بعدما تناول حقائبه ولكن عند فتحه وجدها أمامه وهي تتسأل بريبة: يوسف مشفوتش لين و يوسف الصغير قالتلي هنيمه فوق وملقتهوش في أوضتي.

هز رأسه بعيون زائغة وهو يفسح لها المجال واردف بتوتر: هما هنا يظهر أنها اتلغبطت في الأوضة
يووه وأنت كنت بتعمل أيه جوة وقافل الباب
هتفت بسؤلها بغتة مما جعله يتلجلج: أنا لسة جاي دلوقتي واتفاجت بيهم، عن أذنك هروح اريح في أي أوضة تانية
أومأت له نجية وهي تتناوب نظراتها بين أثره وبين لين التي تغط في سبات عميق ولا تعلم لما الشك غزى قلبها فهي تقسم أنها لم تراه بذلك التوتر من قبل.

في المساء وقفت أمام مرآتها وهي تلعن غبائها وتلعن كل شيء وهي تحاول جاهدة إيجاد أحمر شفاه قاتم
كي يخفي زرقة شفاهها الناتجة عن قبلتها الهوجاء بداخل أغراضها وأغراض مارسيل التي تشاركها الغرفة ودخلت لتوها تسألها: مالك بتدوري على أيه؟
أجابتها وهي تعبث بأغراضها بهمجية: عايزة روچ غامق يداري ال، بترت جملتها بتوتر
مما جعل مارسيل تضيق عيناها وتسألها بمكر: أيه دة معقول اللي فهمته صح.

تحمحمت بعيون زائغة وهي تتحاشى النظر لها: صح أيه سبيني يا مارسيل الله يخليكِ أنا مش ناقصاكِ والعفاريت بتتنطط قدام عيني
لتقهقه مارسيل ساخرة وتهتف بمشاكسة: والله يوسف طلع قليل الأدب أهو دة كنت فكراه مؤدب.

رفعت ميان عيناها الزائغة لها ودون أي مقدمات آخرى وجدت نفسها تجهش بالبكاء و تضع يدها تخفي وجهها وتجلس على أحد المقاعد القريبةو هي تشعر بالخزي من فداحة فعلتها، لتقترب منها مارسيل وتقول بقلق: مالك يا ميان أنا أسفة والله مقصدتش أحرجك...
نفت ميان برأسها وقالت بتقطع: أنا استاهل أموت أنا غلطت غلطت يا مارسيل مكنش المفروض أعمل كدة.

شعرت مارسيل بشيء مريب من حديثها ولكنها سألتها بود وهي تربت على ساقيها: قوليلي أيه اللي حصل هو يوسف حاول...
أنتِ مش فاهمة حاجة
صرخت بها بإندفاع دون تفكير وبأنهيار تام تزامنًا مع دخول لين التي تفاجئت من بكائها وسألتها بقلق: ميان مالك بتعيطي ليه؟

تناوبت ميان نظراتها بينهم بضياع وقالت بتوتر شديد وهي تكفكف دمعاتها تحاول تدارك الموقف: مفيش يا لين أن كويسة، أنا كنت بلبس علشان انزل اتعشا معاكم بس مارسيل غلست عليا زي عوايدها
لتقول مارسيل بمشاكسة: والله أنتِ مجنونة وكل ساعة بحال كل دة علشان خطيبك باسك.

توقف الزمن بها وشعرت أن الأرض تدور تحت قدمها ولكنها عاهدت ذاتها على الثبات و الامبالاه فماذا كانت تنتظر فهو سيصبح زوج أختها على أي حال بينما ميان نظرت لهابتقريع ضمير وهي تظن أنها قد قامت بخيانتها، تناوبوا النظرات بينهم مماجعل مارسيل تقول وهي تغادر الغرفة عندما استمعت لصوت صغيرها: لأ هسيبكم مذبهلين براحتكم وهروح أشوف أبني
لتأشر ل ميان وتخبرها: هنتكلم بعدين يا مجنونة.

أومأت وهي تنظر لأثرها ثم قالت وهي تفرك بيدها وتطرق رأسها بخزي: أنتِ عارفة إني بحبك صح، وعمري ما اتعمدت أخون ثقتكم
أومأت لها لين ببسمة باهتة متألمة وأقتربت تحتضنها وتربت بحنو شديد على ظهرها، لتقول ميان بنبرة مختنقة من بين شهقاتها الخافتة وهي تشدد من أحتضانها: سامحيني ولله هو اللي...
أسكتي الله يخليكِ متكمليش مش عايزة أعرف.

تفوهت بها لين وهي تشعر أن قلبها يعتصر بين ضلوعها وهي تظن أنها تقصد يوسف غافلة كون الآخرى تقصد صاحب الثاقبتين
لتحمحم لين بثبات أجادته وهي تخرجها من أحضانها وتزيح دمعاتها: أهدي خلاص، أنا هجبلك روچ من عندي.

لتبتسم لها ميان ببهوت و تخبرها بتراجع وهي تلعن غبائها بسرها فهي كانت ستخرب كل شيء لتوها وتوشي به لزوجته فلتدعها تظن أنه يوسف أهون بكثير أن تقول الصدق لها: لأ خلاص مش هنزل مليش نفس و حاسة إني محتاجة أنام أعتذري ليهم.

لتبتسم هي الآخرى وتخرج من الغرفة بملامح جامدة وهي تصر أن تحفز نفسها أن تتماسك ولن تتأثر كما عاهدت نفسها فلتذهب تلك المثيرة للشفقة الضعيفة التي كانت تنعي حظ قلبها إلى الجحيم، فلم يعد لها وجود بعد الآن وتقسم أنها لن تتخلى عن لين القوية التي اصبحت عليها بفضله...

لتتنهد ميان بإرتياح بعد خروجها أن الموقف مر بسلام وتتوعد ل مارسيل التي أوقعتها بسخافتها بذلك الموقف اللعين لتقرر بعدها أن تلتزم غرفتها كي تستطيع تمالك ذاتها.

أجتمعوا جميعًا على طاولة الطعام وظلوا يتبادلوا الأحاديث بينهم بود وبالطبع لم يخلوا الأمر من تراشق يوسف و يعقوب بالنظرات طوال الليل فكان يعقوب عقد عزم النية على أخباره وليكن ما يكون بعدها، فلابد أن يجعله حتى وإن قسرًا أن يمنع تلك الزيجة وإلا يقسم سيقتله ويتخلص منه للأبد.

تعمدت لين ألهاء نفسها عن كل ما يدور وهي تتعمد تجاهله بشتى الطرق، لتقول نجية بود: والله القعدة الحلوة دي ناقصها الموكوسة، والله قلبي واكلني عليها ومعرفش أزاي طاوعتك أنت و إسماعيل
ليرد هو بثبات: متقلقيش ياماما
إسماعيل بيحبها ومش هتهون عليه وأهو فرصة خدنا القرد الصغير علشان يعاتبوا بعض براحتهم.

أومأت له نجية وقالت بإمتنان وهي توجه نظراتها ل لين التي كانت تطعم الصغير: بصراحة لين أخدة بالها منه وبسم الله ما شاء الله عليها هتبقى أم هايلة.

أبتسمت لين ببهوت وهي ترمقه بطرف عيناها بخيبة أمل أثناء تصنعه الإنشغال بتناول الطعام بعد تلك المجاملة التي لامست قلبها فنعم هي تعشق الأطفال ولكن تمنت أنهم يأتوا منه هو هائمها التي لم تنفك من عشقه ما حيت رغم كل شيء فكم تمنت أن يشبهوه بكل شيء وبما أن ذلك الحلم أصبح مستحيل بالنسبة لها فهائما ليس الذي يقبع أمامها الآن لا هائمها قد فارق الحياه بالنسبة لها يوم أطلاق النار عليه بذلك اليوم المشؤم ولذلك تعلقت بذلك الصغير لكونه يحمل عبقه البريء المميز الذي لم تلوثه أحقاد الحياه، أنتشلها من شرودها سؤال نجية الذي وترها بشدة:.

هو ليه معندكمش ولاد يا بنتي
قطمت شفاهها ونظرت لوالدتها كي تحثها على التدخل لتتفهم فريدة وتبرر بخفة: سبيهم يتبسطوا يا نجية قبل لخمة الولاد لسة العمر قدامهم
آما يعقوب كان يتابع كل ما يحدث بسأم وحنق شديد وخصًة كونها لم تكن حاضرة ولكن لم يعد يستطيع أن يتحمل أكثر لينهض وهو يشعل أحد سجائره ويقول بعصبية: لين تعالي ورايا عايزك.

تناوبوا النظرات بينهم قبل أن يبتسم يوسف متهكمًا وقال: على فكرة أنا خليتهم يحضرولكم أوضة لوحدكم علشان تبقوا براحتكم أكتر وتتبسطوا زي ما مدام فريدة بتقول
قال أخر جملة بغيظ شديد وهو يشعر أن نيران الغيرة تتأكله وكأنه لم يستطيع الصمود أكثر، أحتدت نظرات يعقوب وهو يقسم أنه سيقتله الآن لامحالة مكافأتًا له على غباءه إن لم يصمت ويكف من سخريته المقيتة التي سيدفع ثمنها بالأخير، ليقول كي يستفزه:.

من نحية هنتبسط فحنا هنتبسط أحلى انبساط عقبال ما تتبسط زينا
قال أخر جملة بغمزة من عينه جعلت يوسف يكور يده بغضب قاتل و ينهض بعصبية مفرطة كي يغادر طاولة الطعام قبل أن يحطمها فوق رأس ذلك الغليظ.

لتحين من يعقوب بسمة ساخرة على جانب فمه و يحثها بعينه أن تتبعه تحت نظرات الجميع الذين أصبحوا على يقين أن يوجد شيء مريب يحدث ولكن بالطبع فريدة ليست من ضمنهم فكانت تراقب كل شيء عن كثب وتنتظر أن يعلن يوسف إستسلامه فهي على يقين تام أنه مازال يعشق لين وأن حصونه جميعها قد أوشكت على الإنهيار.

حاول إقناعها مليًا ولكنها رفضت رفض قاطع أن تسمح له أن يخبره وبعد محاولات عدة قرر أنه سوف يستخدم كافة حيله بإقناع ميان هي من تأخذ القرار وتتراجع عن تلك الزيجة...

صباح ثاني يوم تفاجئ الجميع ب ماهيتاب و عز يحضرون إليهم مما جعل لين تفرح كثيرًافهي قد أحبت زوجة أخيها وكانت تشعر براحة غريبة بالحديث معها غافلة كونها أتت خصيصًا كي تساندها وتتأكد من حدثها نحوها كي تعقل ذلك الهائم وتجعله يكف عن عناده،.

مرت ساعات النهار بسلاسة ويسر كانوا الجميع يتشاركون الأحاديث بكل أريحية و يخرجون تارة ويمرحون تارة آخرى فكانت الأجواء هادئة للغاية مفعمة بالمرح وكل منهم يلهى ذاته بطريقته ولكن ذلك عداها هي فكانت تتجنب الجلوس معهم وظلت ملازمة غرفتها إلى أن قررت أن تخرج كي تهرب من ذلك الحصار المحيط بها وتشعر ببعض الراحة وتكف عن تأنيب نفسها بسبب فعلتها الشنعاء مع زوج أختها أنتظرت حتى المساء وأقترحت الأمر عليه ولكنه أعترض بشدة.

و بعد حوار محتد بينها وبينه شهد عليه الجميع بسبب رفضه لخروجها أو حتى مشاركتها والخروج معها خرجت هي بعدما اقنعته وأقنعت والدتها بصعوبة بالغة كي تلقى أصدقائها فكم تمنت الهرب بعيدًا عن كل شيء حتى عن نفسها فشعورها بتقريع الضمير يكاد يقتلها بشدة، وبعد أقل من ساعة واحدة كانت جالسة بين أصدقائها بذلك المكان الحافل بالرقص والموسيقى الصاخبة بشرود تام وبمزاج عكر لم يكن أبدًا من صفاتها تحايلوا عليها أن تسايرهم وترقص ولكنها كانت ترفض وكأن الأمر لم يعد يروق لها، غافلة كونها لن تغيب عن ثاقبتيه منذ أن خرجت فقد تتبعها وها هو يجلس بزاوية قريبة منها ولكن هي لم تلحظه، هزت رأسها بعدم أكتراث عندما سمعت اثنان من صديقتها يقولون بعيون حالمة تكاد تطلق قلوب حمراء: واو بجد شكله يجنن.

لترد الآخرى: دة عينه مانزلتي من على ترابيزتنا تفتكري بيبصلي أنا
لتهمس الآخرى بغرور: وليه ميكنش أنا، لتشهق أحدهم وتقول: دة جاي علينا
قلبت عيناها بسأم وإن كادت أن تنهض لترحل وجدته أمامها يبتسم تلك البسمة الواسعة والمكر يتراقص بداخل ثاقبتيه وهو ينحني بجزعه قليلًا بلباقة و يمد يده لها وهمس راجيًا: ممكن ترقصي معايا.

أبتلعت ريقها ببطء وزاغت نظراتها بين الجميع الذين كانوا حقًا يحقدو عليها لتوهم كونه وقع أختياره عليها، كادت ترفض لولآ أنه جذبها من يدها عنوة منها وتوجه بها إلى ساحة الرقص، ليبتسم بسمة ساحرة أرجفت قلبها وجعلتها تبتلع ريقها بتخبط شديد ولكن كعادته المتلهفة الجامحة لم يمهلها وقت للرفض فقد حاوط خصرها بيد وباليد الآخرى يتمسك بكف يدها وظل طوال خطواته السلسة والمتقنة بشدة يتفرس بملامحها الرقيقة بوله تام لتتسأل هي بتشتت:.

جيت ورايا ليه؟
أجابها بعيون لامعة بعشقها وهو يميل على أذنها ويتناول نفس عميق من أريچها: خوفت توحشيني يا مانجتي
تراجعت برأسها وهو تجول المكان بعيناها فكل الأنظار مصوبة عليهم: بلاش جنان
أجابها وهو يحاوط بيده الأخرى خصرها ويضمها له أكثر
عمري ما كنت عاقل زي دلوقتي
دفعته برفق من منكابيه وقالت بعدم رضا: يعقوب اللي بيحصل دة غلط.

نفى برأسه وقال وهو يهيم بها ويرفع يدها لتحاوط عنقه: الغلط هو إني أشوفك معاه وأقف أتفرج
لترد بتلقائية استفزته: هو خطيبي وبكرة هيبقى...
مش هيحصل أنتِ بتاعتي أنا وعمري ما هسمح لحد يلمس شعرة منك غيري
هتف بها بنبرة جادة قاطعة كحد السكين جعلتها تطرق برأسها وتقول بإختناق: أزاي وأنت جوز أختي...

ضمها له أكثر وهو ينزل رأسه لمستواها و يسند ذقنه على أعلى كتفها وهمس بنبرة هادئة مطمئنة بثت بها القشعريرة تزامنًا مع أنخفاض الأضواء المتراقصة حولهم بشكل شاعري للغاية: شششششش اسكتي وارقصي وانسي أي حاجة دلوقتي خليكِ بس معايا وتعالي نسرق من الزمن دقايق لينا نتبسط وننسى كل المشاكل وكل الحواجز اللي بينا ونتخيل أن مفيش غيري أنا وأنتِ في العالم كله.

أغمضت عيناها وهي تتنهد تنهيدة حارة واستندت بجانب وجهها على صدره العريض وهمست بأسمه وكأنه تريد أن تتأكد كونه هو حقًا من يشاركها تلك اللحظة الرمانسية المذهلة للغاية: يعقوب
تنهد بعشق جارف عندما تفوهت بأسمه بتلك الطريقة المهلكة ورد بوله تام وهو يضع قبلة خاطفة على منبت شعرها: نعم يا مانجاية يعقوب
أنت مجنون
بس بحبك ومقدرش أعيش من غيرك.

همس بها بنبرة صادقة نابعة من صميم قلبه وهو يتمايل بها على تلك الأنغام الموسقية الهادئة التي لاتضاهي أبدًا ذلك الضجيج الذي يعم قلوبهم.

آما عن ذلك العنيد
نزل إلى الأسفل متوجه إلى المطبخ كي يعد كوب من القهوة كي يساعده على تخطي ذلك الصداع اللعين الذي يفتك به بسبب شجاره مع ميان وكأنه ينقصه هو، فمنذ تلك المكالمة اللعينة كما أطلق عليها من ماهيتاب و مازال حديثها يطن بأذنه إلى الآن ولا ينفك أن يفكر بصحته، تنهد بضيق وهو يلمحها من باب الشرفة تخرج من بوابة لته وتتوجه إلى الشاطئ.

تناوب نظراته بينها وبين المطبخ وكأنه يريد أن يقرر إلى أين سيتوجه ليجد نفسه يخطو نحوها كالمغيب ليجدها قد جلست على الرمال وشعرها يتطاير حولها بشكل يخطف الأنفاس ذكره بذكرى بعيدة تخصهم معًا ليقترب بهدوء ما أن لاحظ شرودها بتلك الأمواج المتلاطمة ويقول بثبات رغم شعوره بالضيق من رائحة يود البحر الذي يذكره دائمًا بالموت الذي نجى من على حافته مرتين: لسة بتحبي تكلمي البحر؟
رفعت نظراتها الثابتة له.

وتنهدت بعمق دون أن تعطيه جواب ثم لملمت طرف شالها وكأنها تحتمي به، ليتنهد بضيق ويجلس بجانبها ويقول وهو يتحاشى النظر لها وينظر بثبات أمامه: محتاج اتكلم معاكِ في حاجات عايز أعرف إجابة واضحة ليها
لاحت بسمة متهكمة على ثغرها وتسألت ببرود لا يقل شيء عن الذي كان يعاملها به مأخرًا: دة ليه الفضول المفاجئ دة؟

ليزفر بيأس وكأنه فقد كل ذرة تعقل به ويقول: أنا هتجنن من التفكير ومش عارف أوصل لحاجة جاوبيني علشان أرتاح أنتِ صحيح كنتِ مضطرة تتجوزي يعقوب
نظرت له نظرة عميقة محملة بخيبة الأمل وردت بكل ثبات جعل الفضول يتأكله أكثر: أجابتي على سؤالك دة مترتب عليها حاجات كتير علشان كدة هفضل أحتفظ بيها لنفسي...

نهضت وكادت تخطو بعيد عنه ولكن إصراره كان أقوى من عنادها ليقبض على ذراعها من جلسته وينهض يسألها من جديد بنفاذ صبر:
بلاش تختبري صبري واتكلمي يا لين أن دماغي هتنفجر ويأست من التفكير
أجابته بحدة وبكل جمود وهي تنظر داخل بئر عسله وكأنها لم تعد تكترث للذوبان والغرق به كسابقًا: ميهمكش تعرف.

طالما قررت تتخطاني وتتخطى الماضي بكل مافيه، يبقى متسألش، عيش الحياه اللي أنت أخترتها بكل رضا وسلام و خليك مصدق أنك الضحية للأخر
أغمض عينه بقوة وصرخ بعصبية مفرطة وهو يقبض على ذراعيها الأثنان ويهزها بعنف: أنتِ رجعتي ليه علشان تخربي حياتي تاني أنتِ عايزة مني أيه كفاية بقى تلعبي بأعصابي
نفضت يده بكل ما أوتيت من قوة وصرخت بإنفعال وهي تلوح أمام وجهه بشراسة: رجعت علشان دول أهلي وأنت كنت عارف إني مسيري.

أرجعلهم وكنت بتخطط لكل دة علشان تنتقم مني ومتحاولش تنكر أنك كنت تعرف أنها أختي
قدحت النيران بصدره ولم يعد يستطيع التحكم بزمام نفسه والتماسك بثباته المعهود ليصرخ بنبرة متشفية أمام وجهها: أيوة كنت أعرف بس بعد ماخطبتها وحسيت أن القدر بيخدمني علشان أكسرك زي ما كسرتيني كنت عايز أشوف في عينك الحسرة لما تشوفيني معاها و وصلت لأيه من غيرك.

نظرت له بإشمئزاز من أعترافه الصريح لها لتنفجر بوجه بكل ثقة وثبات وبعيون شرسة متحدية وكأن تلك الهشة التي كانت عليها لم يعد لها أي وجود:
لو فاكر أنك بتكسرني علشان شيفاك مع أختي فأنت غلطان أنا اتعودت على موتك واتعايشت سنين من غيرك وخليك متأكد إني مستحيل أسكت وهفضحك قدامهم كلهم لو فكرت تأذيها
التفتت وكانت بطريق عودتها بينما.

كان هو يستمع لها بغيظ شديد وهو يفرك وجهه وهو يشعر أنه على وشك يفقد عقله ليبرر كي لا يدعها تنتصر عليه وهو يعيق طريقها: كدابة أنتِ لسة بتحبيني أمال ليه كنتِ محتفظة بالحجر بتاعي
قهقت بقوة هازئة منه ومن تخميناته ثم قالت وضحكاتها تتهادى بنفس الجملة التي قالها لها سابقًا:.

متديش لنفسك حجم أكبر من حجمك، علشان أنت مش هو، أنت حد غريب عني، أنت حد جبان وقفت تتفرج عليا وانا بكون لغيرك وفضلت سنين مخليني بتعذب وانا فكراك ميت بسببي وأنت بكل أنانية وجبن منك كنت بتتفرج عليا من بعيد.

أحتدت نظراته بغضب قاتل من تبريرها العقيم بالنسبة له فهي مازالت جاهلة كم قاسى من أجلها تلك المكارة التي تدعي البرائة الآن ليجز على نواجذه وهو يقسم أن أعصابه تهالكت على الأخير حتى أنه رفع يده عاليًا بغرض صفعها،.

ولكن لم تهتز بها قيد أنملة بل تناوبت بنظراتها بين يده المرفوعة وبين معالم وجهه التي توحشت لتوها وقالت ببسمة متهكمة وهي تنظر له بتدني: عايز تضربني أضرب يمكن ساعتها تحس أنك راجل وكسرتني زي ما بتتمنى
أبتلع غصة مريرة بحلقه وهو يكور قبضة يده التي في الهواء ويخفضها بعدما تدارك فداحة ما كان مقدم عليه، لتلتفت هي وتعود أدراجها إلى الداخل تاركته يلعن ذاته ويلعن كل شيء تحت أنفاسه الغاضبة.

بعد ساعات قليلة عادو معًا بعد ليلة حالمة استمتعوا بها بكافة الطرق بين رقص وطعام ومشاكسات وأحاديث عدة دون أن يتطرقوا لمعضلتهم كما اتفقوا وبالطبع لم يخلوا الأمر من بعض المشروب الذي جعلهم يترانحوا ويطلقوا الضحكات دون سبب، قاموا بصف السيارة وتدلوا منها وهي تؤشر له بسبابتها على فمها أن يصمت ولا يحدث أي صوت يُقظ من في المنزل، نزعت حذائها وهي تخطوا للداخل بخطوات حثيثة مترنحة وهي مشرأبة برأسها كي تأمن المكان بينما هو كان يكبح ضحكاته بصعوبة على هيئتها لتهمس هي بعدما تأكدت أن جميعهم نائمين: ششش الله يخرب بيتك هتفضحنا يلا روح على أوضتك.

نفى برأسه وجذبها من خصرها وهمس بجموح وعينه تهيم بها: مش قبل ما تديني بوسة
هزت رأسها برفض وقالت وهي تدفعه وتتلوى بين يده: أعقل أحنا رجعنا لأرض الواقع تاني.

نفى برأسه وكأنه لايريد أن يعترف بذلك وأصر أكثر وهو يميل بوجهه ويقترب من شفاهها لتدفعه عنها وهي تلوح بسبابتها يمينًا ويسارًا أمام نظراته المتلهفة وكادت تلتفت لتصعد جذبها من خصرها وكاد يتناول شفاهها قسرًا لولآ ذلك الصوت الجهوري الغاضب الذي هز لتوه أرجاء المنزل وجعلهم ينتفضوا معًا:
مياااااااااااااااااااان
هتف بها بصوته الأجش بغضب قاتل ناتج من صدمتة العارمة عندما دلف لتوه من باب المنزل...

فماذا سيحدث ياترى بعد تلك الصدمة التي ستكون بمثابة فاجعة للجميع وستقلب كافة الموازين، يبدو أنه حان الوقت لكي تكشف الستار عن كل الخفايا الكامنة ودعونا نكون على يقين أن بعد ذبول خريف أصفر يأتي ربيع مذدهر بخضاره.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة