قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية إلا أنت (نساء متمردات ج3) للكاتبة منى لطفي الفصل الأربعون

رواية إلا أنت (نساء متمردات ج3) للكاتبة منى لطفي الفصل الأربعون

رواية إلا أنت (نساء متمردات ج3) للكاتبة منى لطفي الفصل الأربعون

نهض بالحركة البطيئة لا يصدق ما سمعته أذناه ليقول بذهول: - حضرتك بتقول ايه يا عمي؟
زفر أدهم لينهض بدوره قائلا: - اللي انت سمعته، ودلوقتي لازم تتم جوازك على ريما بأسرع وقت وتاخدها وتسافروا، ودا هيبان قودام الكل طبيعي، عرسان ومسافرين في شهر عسل برّه مصر، المهم انكم تبعدوا من هنا لغاية ما موضوع البني آدم دا يتحل!

عصام بشراسة وقد اعتلت وجهه تعبيرات اجرامية فيما يقبض على أصابعه بقوة: - هقتله من غير تردد لو فكّر بس مجرد تفكير انه يقرّب منها.

ادهم بصبر: - عصام، الامور متتحلش بالعنف، وخصوصا دا، احنا بنتعامل مع انسان مش طبيعي منعرفش ردود افعاله هيبقى شكلها ايه، منقدرش نتوقعها، افرض انت اتعرضت له بأي شكل وهو قدر يهرب منك، اكيد هينتقم منك، بس ازاي؟ بديهيا في ريما، لكن ايه اللي ممكن يعمله بالظبط مش عارفين، هل هيخطفها؟ هيحاول يأذيها بأي طريقة؟ او يحاول يخلص منك انت؟ انت بتتعامل مع واحد فاقد الاهلية مهما جاب من تقارير صحية او شهادات الدكاترة، واضح جدا انه بيعاني من نوع من أنواع الشيزوفرينيا، عاقل رزين وهادي جدا لكن في ظروف معينة بتتلبسه شخصيته التانية، الظروف دي هي للأسف. ريما، وأي حاجة متعلقة بيها!

نفخ عصام بضيق قبل ان يقول: - طيب والحل؟
ادهم بهدوء: - زي ما قلت لك، تتجوزوا بأسرع ما يمكن، وتاخدها وتسافروا وما ترجعوش لغاية ما أقولك، أنا عرفت من تاج انها طلبت منك انكم تقدموا الفرح.

عصام بضيق: - بس أنا رفضت!
أدهم وهو يطالعه ببرود: - عرفت! واستغربت! لأول مرة حدسي يخيب فيك!
عصام مقطبا بدهشة: - ليه بس يا عمي؟
ادهم ببرود: - لا افهمها لوحدك دي يا نبيه، المهم زي ما عقدتها مع خطيبتك، لازم تفكّها، وبأي طريقة تقنعها انه جوازكم يبقى على الخميس آخر الاسبوع، يعني كمان أربع أيام بالكتير أوي، مفهوم؟

عصام زافرا بتعب: - مفهوم، وربنا يعينني، حضرتك عارف مخها ناشف ازاي.
ادهم وهو يبتعد عنه: - هي مخها ناشف وفيه ناس مش بتشغل مخها خالص، زي ما يكون واخد أجازة!
دمدم عصام ببضع كلمات لم تصل سمع أدهم، قبل أن يستأذن منصرفا لتدلف تاج بعد رحيله وهي تسأل ادهم:
- قلت له؟
أحاط أدهم كتفي تاج بذراعه وهو يقول: - قلت له، وربنا يسهّل ويقدر يقنعها، بنت اختي وعارفها، دماغها أنشف من الحجر...

تاج وهي تربت بيدها على صدره: - بس عصام أعند منها، وأنا متأكدة انه هيقدر يقنعها، ولو ما رضيتش أعتقد انه هيدخل نزار وراندا في الموضوع.

نظر ادهم اليها وقال: - هي لسّه مش عاوزة تتكلم معهم؟
تاج بأسف: - للأسف، راندا كلمتني وهي منهارة، ريما رفضت تتكلم معها، تخيل لما مها تدخل تتوسط لراندا عند بنتها؟ نزار كمان حالته صعبة اوي بس مها قالت لي انه بيحاول يتماسك عشان راندا، محمود قعد معاه واتكلموا كتير.

أدهم زافرا بعمق: - الامور كل مالها بتتعقد، لكن هتتحل ان شاء الله، هتتحل.
تاج باهتمام: - ان شاء الله، صحيح أخبار سهام ومعتز ايه؟ الضابط هشام ما وصلش لمكانه لسه؟

ادهم بقلة حيلة: - لسّه يا تاج للأسف، والدته حالتها خطر جدا والدكتور بتاعها كلمني، لازم العملية تتعمل بسرعة، وهي رافضة بشدة، اللي مسبب القلق للدكتور كمان حالتها النفسية المتدهورة جدا. بس انا مش هسيبها لما تضيع نفسها، كفاية استهان منها في حق ابنها، لازم تبتدي تعوّضه عن اللي عملته فيه وفي والده، عشان كدا انا رتبت مع مركز مجدي يعقوب للقلب في اسوان، طيارة خاصة مُجهّزة هتنقلها هناك والدكتور مجدي يعقوب بنفسه اللي هيشرف على عمليتها، ومعه ستاف كبير من الدكاترة من ضمنهم طبيبها المعالج...

تاج بابتسامة وقد ظهر فخرها جليا في نبرات صوتها ولمعة عينيها العاشقة له: - انا كل يوم بحمد ربنا انه هداني بيك يا أدهم، مش ممكن قلبك الكبير دا.
أدهم بابتسامة حب لم يقل رغم مرور السنين: - قلبي كبير عشان فيه حب أكبر. انتي تاجي!
ومال عليها مقبلا جبينها بدفء قبل أن تتنهد هي عميقا، وهي تدعو الله في قلبها أن يحفظ عليها حبيبها...

رفعت تاج وجهها تهمس متسائلة: - طب المفروض نعمل ايه بعد كدا؟

احاط كتفيها بذراعها وهو يدفعها برفق لتسير بمحاذاته قائلا: - المفروض عصام يبلغني انهرده بموافقة ريما عشان نلحق نجهز للفرح ونبلغ الناس انه المعاد اتقدم، ومن ناحية تانية لازم اكون مع راندا في الوقت دا، لانها مش هتقدر تتحمل زعل بنتها وفي نفس الوقت احساسها بإني غضبان منها، ومستني مكالمة كابتن هشام بخصوص معتز، وفي وسط دا كله مش عارف هقنع سهام ازاي انها تعمل العملية قبل ما تطمن على ابنها؟

تاج بصبر: - ما تشغلش بالك انت بموضوع سهام، انا هتصرف، وهعرف ازاي اقنعها ان شاء الله انها تعمل العملية، المهم دلوقتي انك تكون جنب راندا.

ادهم باستحسان: - ممتاز، يبقى نكلم همس نطمن على ادهم، هي واخداه عندها بئالو يومين اهو، وبعدين انت تروحي المستشفى لسهام وانا اروح لمحمود، اهو كمان اكون موجود وعصام بيفاتح ريما بموضوع الفرح، لاني متاكد انها مش هتوافق بسهولة.

سارت تدق الأرض الرخامية بكعب حذائها المرتفع نسبيا، حتى وصلت الى الغرفة المنشودة، لتدق الباب بخفة، ثم تلج بعدها، فأبصرت الممرضة وهي تقف تتأكد من سريان المحلول في وريد المريضة، لتنظر الى تلك الزائرة مبتسمة قبل ان تتجه ناحيتها، فقالت ريتاج بابتسامة هادئة:
- انا اخدت إذن من الدكتور بزيارة المريضة.

الممرضة بابتسامة مهنية: - اتفضلي، هي الحمد لله حالتها نوعا ما مستقرة، بس ربنا يسهل وتوافق تعمل العملية، قبل ما الحالة تتأخر أكتر من كدا.

ثم دلفت الممرضة خارجا، بينما توجهت ريتاج الى سهام الراقدة فوق الفراش وكانت قد أخبرت الطبيب انها تستطيع اقناع المريضة بالموافقة على إجراء العملية وعلى هذا فقد وافق بزيارتها لها.

سحبت ريتاج كرسيا في طريقها لفراش سهام حيث وضعته بجانبه ثم جلست، فتحت سهام عينيها وطالعتها بتقطيبة قبل ان تهمس بصوت ضعيف:
- مين؟
ريتاج بهدوء: - يمكن احنا ما تقابلناش قبل كدا، انا ريتاج مراد، زوجة أدهم شمس الدين، أخو راندا شمس الدين. والدة ريما!

فأغمضت سهام عينيها بتعب وهي تقول بصوت بالكاد يظهر: - آه، عرفت...
ريتاج بابتسامة هادئة: - اولا حمد لله على سلامتك، وان شاء الله تعملي العملية وتبقي احسن من الاول.
قاطعتها سهام وقد فتحت عينيها ترمقها بقوة بينما حاولت ضخ هذه القوة في صوتها ليخرج متحشرج متذبذب:
- مافش. أي. عملية هعملها، لغاية ما أط أطمن على ابني!

طالعتها ريتاج بصمت للحظات قبل ان تقول ببساطة: - أنا أم ومقدرة خوفك وقلقك عليه، وعشان كدا بقولك انتي لازم تعمليها، واطمني أدهم مش ساكت، ومش هيهدى إلا لمّا يوصله، لكن لازم لما يرجع يلاقيكي بصحتك، عشان تعوّضيه السنين اللي فاتت من عمركم، لازم تكوني موجودة عشان تسانديه، انا وانتي عارفين انه اللي حصل ماكانش بسيط، ومش هيتجاوزه بسهولة، ومؤكد هياخد وقت، وهنا دورك كأم، تحتويه وتمتصي غضبه، تعوضيه بحنانك عن أي ألم اتسببتي بيه له سواء بقصد أو بغير قصد.

سهام بوجه شاحب: - شكلك عارفة كل حاجة؟
ريتاج بإيماءة موافقة بسيطة: - أنا صاحبة راندا من قبل ما اكون مرات أخوها، وعارفة الحكاية من الأول، يمكن اكتر من اللي تعرفيه، لكن لا الزمان ولا المكان ولا صحتك تستحمل اننا نتكلم في اللي فات، كل اللي انا بطلبه منك انك لأول مرة تشوفي ابنك محتاج ايه، مش انتي عاوزة إيه، وابنك محتاجك جنبه.

سهام بأسى وحزن: - أنا آخر واحدة ممكن ابني يحتاجها او يكون عاوز يشوفها دلوقتي، معتز كان متعلق بوالده جدا، ومش هيسامحني على اللي سمعه، ابوه كان صاحبه وتوأمه عشان كدا نفسيته تعبت اكتر بعد ما مات، بس والله انا بحبه، ولما لاقيته ميال لريما فرحت، قلت فيه أمل انه يرجع ابني لطبيعته، لاقيت بعد كدا الاعجاب والميل بيتحول لحب، وعشان انا أم ممكن أعمل أي حاجة عشان ابني، لاقيتني بقول ل - شعرت أن نطقها لاسم راندا ثقيلا على لسانها فتابعت – مامتها انه ريما تكفير لذنبها هي ونزار معايا، منكرش اني طول الوقت وجوايا غصة من اللي حصلي، ويا ما اتمنيت زمان وحلمت انه نزار يرجع لي ندمان، لكن أنا مش خاينة. مش خاينة.

أصدر جهاز القلب صوت أزيزا، فقالت ريتاج بقلق: - خلاص متتعبيش نفسك، مش لازم كلام دلوقتي.

سهام باصرار: - لا. لازم، اللي هقوله جايز ربنا ما يكتبليش انى اقوله لابني، فأنا بوصيكي تنقلي الكلام له، عرفيه ان امه مش خاينة، انا راعيت ربنا في جوزي وبيتي، لكن الحب مش بإيدينا، مش زرار ندوس عليه نحب، وندوس عليه نكره، ولاني من جوايا كنت حاسة بالذنب ناحيته، لأني مقدرتش أحبه الحب اللي يستحقه راجل زيه، كنت منطوية، وللأسف دا أُثّر على ابني، تأتأة معتز في الكلام مش صحية، وهو صغير روحنا بيه لدكاترة تخاطب كتير، لكن محدش قدر يفيدنا، لما والده اتوفى واكتشف خداع البنت اللي كانت بتمثل عليه الحب، ودخل في الاكتئاب، ودّيته لدكتور نفسي، وهو اللي قالي انه حكاية كلامه دي نفسيا، من الخوف، خايف يغلط يتعاقب، ممكن قلق. لازم الاب والام يحسسوه بالامان والحب، واللي حصل انه أبوه هو اللي كان قريب منه، لكن مافيش حد يقدر يعوض الأم، وقتها عرفت انا أد ايه كنت أنانية، عشان كدا صممت اني أعيش اللي فاضل من عمري لابني، أحاول أعوضه عن اللي فات، روحت لنزار وطلبت انه يشغله عنده، ولما عرفت بريما شجعته يقرب لها، كنت مستعدة أعمل أي حاجة عشان ابني يرجع لي من تاني، وترجع له ضحكته.

ريتاج بلوم خفيف: - للأسف انتي هدفك كان سعادة ابنك، لكن الوسيلة اللي اخدتيها لكدا كانت غلط بكل المقاييس. ودلوقتي جِه الوقت اللي تصلحي فيه غلطتك في حق ابنك وحق جوزك الله يرحمه اللي هتكفري عنه لما ابنك يرجع طبيعي، ويحقق حلم والده بيه، يعمل لنفسه حياة واسرة ويتجوز ويكون امتداد ل باباه، وحق نفسك كمان! حق سهام اللي انت حرمتيها انها تعيش حياتها وترمي الماضي ورا ضهرها.

سهام باحباط: - ياااه، دا كله! تفتكري هقدر؟
ريتاج وهي تطالعها بقوة: - هتقدري، لازم تعملي العملية وتقفي على رجليكي عشان ابنك قبل اي حاجة تانية.
سهام بابتسامة مترددة: - تفتكري هيرضى اني اقف جنبه واكون معه؟
ريتاج ببساطة: - جايز هيرفض في الاول، واكيد هيعاند، لكن لازم تتكلموا، لازم يعرف كل حاجة، جايز وقتها يعذرك.

سهام بامتنان: - بجد انا مش عارفة اقولك ايه.
ريتاج بابتسامة: - تقولي انك موافقة تعملي العملية.
لتهز سهام رأسها موافقة وهي تبتسم براحة فحديثها مع تلك السيدة الذكية قد بث فيها التفاؤل بأن ابنها سيسامحها في يوم ما وانها لا تزال لم تخسره كلية بعد.

وقفت أمامه تنظر اليه ببرود، بينما قال هو بهدوء: - ما علقتيش يعني؟
ريما ببرود: - على ايه؟
عصام وهو يضع يديه في خاصرته: - معاد الفرح، مش كنتي عاوزانا نقدمه؟ تمام. هيبقى الخميس اللي جاي، ايه رأيك؟

ريما وهي تطالعه بثبات: - ليه؟
عصام مقطبا: - ليه، ايه؟
ريما ببرود: - ليه وافقت؟
زفر عصام بتعب قبل ان يجيب بصبر: - دي رغبتك. وانا بنفذها.
ريما بابتسامة ساخرة: - اممممم، رغبتي؟..
سكتت للحظة اكملت بعدها وقد قست عينيها: - للأسف يا ابن خالي، اتأخرت. أوووي!
قطب عصام وقال بريبة: - اتأخرت؟ مش فاهم.

ريما بجمود: - لو دا كان ردك عليا وانا بطلب منك نقدم الفرح، كنت هبقى سعيدة جدا، لكن دلوقتي مالوش اي طعم، دا غير انه طلبي اتغيّر.

عصام بتوجس: - اتغير؟
أومأت ريما بنعم وقالت: - أيوة، اتغيّر. احنا هنلغي الفرح، بمعنى أوضح. هنفركش الجواز. احنا مش لبعض يا ابن خالي!

صاح عصام بذهول غاضب: - ايه؟!
ريما ببرود: - اللي سمعته، فيه موقف بيحصل على اساسه نقدر نحدد اذا كان اختيارنا لشريك حياتنا صح ولا غلط، شريك الحياة يعني شريك في كل حاجة، يعني أقرب واحد لشريكه، يعني – وبدأت قشرة برودها بالتصدع ليرتجف صوتها وهي تردف – لما ألجأ له ما يدينيش ( لا يعطيني) ضهره، ويرفض استنجادي بيه!

هتف عصام بصدمة مشيرا الى نفسه وهو يدنو منها حيث وقفا في غرفة الجلوس بمنزل خالها محمود:
- أنا؟! أنا يا ريما بديكي ضهري وأمشي؟ أنا مش بقف جنبي لما بتستنجدي بيا؟
ريما بمرارة: - غريبة؟ اومال مين اللي وقف قودامي وانا منهارة وبعيط وقالي بكل برود انه مافيش فرح هيتقدم؟

عصام مدافعا عن نفسه: - ما كنتش عاوز أستغل ضعفك، مش عاوز جوازنا يكون محطة هروب ليكي، عاوزك تكوني مفكرة كويسة جدا وعاوزة دا فعلا، مش عاوز بعد الامور ما تهدى تحسي انك اتسرعتي.

هتفت ريما بقوة: - تمام زي ما عملت ليلة سفرك، وجيت لغاية عندك واعترفت لك بحبي، وارتجيتك ما تسيبنيش وتسافر، يومها بردو عملت نفسك المضحِّي العظيم، وقلت لي دا اعجاب مراهقة، وسافرت ولما رجعت بعد ما كل واحد فينا دفع تمن مثاليتك اللي مالهاش اي لازمة، قلت لي ما كنتش عوز تستغل مشاعري، وقلت تديني الفرصة عشان أتأكد منها، وكان المقابل انك اتجوزت وانا ارتبطت بواحد عايشني في كابوس رهيب، لغاية دلوقتي بيطاردني في احلامي، ودلوقتي بتكرر اللي عملته زمان، بس الجرح المرة دي اقوى يا ابن خالي، المرة دي انا كنت محتاجالك فعلا، مفكرتش لا في اخويا ولا اختي ولا حتى خالو ادهم، فكرت فيك انت، جريت عليك انت، كنت عاوزة حضنك انت عشان أحس بالامان وانه كل حاجة هتكون كويسة، لكن انت خذلتني.

همّ بمقاطعتها لتصيح بقوة وهي تضغط بسبابتها على صدره حيث وقف امامها تماما: - ايوة يا عصام، خذلتني. وجاي دلوقتي تقولي انك موافق؟ لا معلهش. انا اتعلمت الدرس كويس اوي، وانا اللي بطلبها منك يا عصام.

عصام بريبة: - اللي هيا ايه؟
نظرت اليه ريما بثبات واجابت بثقة: - طلقني!
هتف عصام بغضب قوي: - ايه؟! مش ممكن يحصل، على جثتي!
ريما ببرود: - هطلقني يا عصام، ودلوقتي حالا هطلع اقول لبابا وماما.
قاطعها عصام ساخرا: - دلوقتي بس عرفتي بابا وماما؟ مش دول بردو اللي انتي رفضتي تتكلمي معهم ومقاطعاهم؟

ريما بتكشيرة: - مالكش دعوه، مهما حصل بيننا دول بابا وماما ومش هيوافقوا اني استمر في علاقة فاشلة!

نظر اليها بغموض للحظات قبل أن يميل عليها قائلا ببرود يحمل بين طياته تحذير صارم:.

- اولا ما اسمهاش علاقة، احنا متجوزين، يعني اقدر اخدك حالا دلوقتي ومحدش له عندي حاجة، طالما أشهرنا كتب الكتاب، تاني حاجة بقه، انا مش ممكن أسمح لجوازنا أنه يفشل، لانه سواء رضيت أو لأ، احنا بنحب بعض، وانا مش ممكن أدخل نفس دايرة العذاب دي تاني، وزي ما انتي قلتي بالظبط. أنا كمان اتعلمت الدرس كويس اوي، واسمعيها يا بنت عمتي وحطيها حلقة في ودنك. أنا مش ممكن أسيبك ولو بعد مليون سنة، ولو وقف قودامي الكون كله، انتي مراتي أنا، حبيبتي أنا، ومهما حصل واختلفنا لكن في الآخر مكانك هنا...

وباغتها بأن قبض على كتفيها وشدّها اليه بقوة حتى أن رأسها ارتطمت بقوة بعضلات صدره الصلبة، لتشهق بنعومة، بينما أحاطتها ذراعاه يحتويها بين أحضانه، ضاغطا عليها بشدة، فحاولت التملص منه وهي تتحرك بقوة بين ذراعيه تضرب بقبضتيها الصغيرتين صدره الواسع، وهي تهتف فيهى تأمره بأن يتركها ولكنه لم يعلق على ثورتها وتركها حتى تهدأ تماما، لتفاجئه بأن انفجرت دفعة واحدة في البكاء، فأحاطها بحنان، مربتا على ظهرها، يهمس لها بكلمات عذبة، وبكت، بكت كثيرا جدا، وكأنها تبكي كلما مرا به منذ ليلة سفره وحتى لحظتهما هذه، وتركها هو حتى تفرغ ما في جعبتها كلها، وهو يهدهدها بحنان، ممسدا خصلاتها السوداء التي استطالت حتى تعدت كتفيها، حتى بدأت نوبة بكائها في الانحسار.

هدأت ريما بينما كان جسده ينتفض بين كل لحظة وأخرى فيما كان عصام يشدد ساعتها من احتضانه لها، ليبعد وجهها عن صدره يحتويه بين راحتيه الضخمتين، يرفعه اليه ليقول بصوت منخفض وهو يراقب مقدمة أنفها الحمراء نتيجة موجة البكاء الحاد التي انتابتها:.

- أنا آسف لو كنتي فهمتي اني رفضي خذلان ليكي، لكن عاوز ريما القوية، اللي مافيش حاجة تقدرها تهزها، لكن اللي شوفتها وقتها دي مش ريما اللي قدرت تخطف قلبي وهي لسه بضفيرتين وشنطة المدرسة على ضهرها، كانت واحدة تانية ضعيفة ومهزوزة، وللأسف ظلمت أقرب اتنين ليها، ومن غير ما تديهم (تعطيهم) الفرصة انهم يدافعوا عن نفسهم، انتي بصيتي لنفسك بس يا ريما، حاسيتي انك انصدمتي فيهم، لكن مفكرتيش لحظة واحدة في تأثير اللي حصل عليهم، مش سهلة على فكرة انهم يحسوا انهم انكسروا قودام بنتهم، لكن انا ما اتكلمتش، وسيبتك لغاية ما تهدي براحتك.

سكت يطالعها بنصف عين قبل أن يتابع: - ولا لومتك أنك روحتي مع واحد غريب بيته، مهما كان السبب، والاكتر أنه مش أي حد، دا واحد أنا محذرك منه قبل كدا كتير، لكن ضغطت على نفسي وقلت العتاب مش وقته دلوقتي. وبعد دا كله أنا مش بقف جنبك؟

ريما بصوت متحشرج من شدة البكاء: - ايوة يا عصام، لانه الوقت اللي انا مديت لك ايدي فيها عشان تمسكها انت رفضتها، خليتني أعيش احساس النبذ مرة تانية، طعمه مر علقم، مقدرتش استحمل.

قاطعها عصام بابتسامة: - مش هنتكلم في اللي فات تاني، دلوقتي فيه حاجتين مهمين، اول حاجة لازم تصالحي عمي نزار وعمتي راندا، تاني حاجة الفرح هبقى يوم الخميس و...

قاطعته وهي تمسك بيديه تنزلهما الى الاسفل وترجع الى الخلف خطوة واحدة رافعة عينيها اليه:.

- وأنا آسفة يا عصام، كل الكلام اللي قلته جميل، لو على بابا وماما أنا هقدر أحل المسألة بيننا، لكن الفرح. هيتأجل بس المرة دي لأجل غير مسمّى لغاية ما أطمن فعلا اننا ينفع نكمل مع بعض، لأننا للأسف لغاية دلوقتي لسّه مفهمناش بعض، محتاجين نشرح ونبرر، المفروض نفهم بعض من نظرة عين، ولغاية ما دا يحصل، أي كلام في الفرح مرفوض.

قاطعها صوت قوي النبرات يقول وهو يقف أمام الباب الذي فتحه: - للأسف يا ريما مافيش وقت، فرحكم لازم يكون الخميس الجاي بأمر الله، ولا دقيقة تأخير واحدة!
نظرت ريما الى أدهم بتقطيبة قبلان تنقل نظراتها الى عصام قاطبة: - ليه؟
أدهم بكلمة واحدة كانت أبلغ تفسير للسبب: - ممدوح!

لتشهق ريما بالتياع وتراجع عدة خطوات للخلف وهي تغطي فمها بيدها بينما عينيها متسعتان بذعر شديد وهي تشعر وكأنها في كابوس رهيب وستصحو منه!

زفرت للمرة المائة وهي تتقلب في فراشها، لا تعلم ما بها، فهي مرة تشعر بالحر فتشغل مبرد الهواء، وأخرى تشعر بالبرد فتغلقه، لتخفف من ثيابها حينا وتكثر منها احيانا، حتى اذا ما استسلمت وعلمت انها لن تنام، قررت الذهاب الى المطبخ الصغير الملحق بالجناح لتعد كوب شوكولاتة ساخن تلك التي تحبها لعلها تساعدها على النوم.

وضعت مئزرها فوق ثوب نومها الناعم من الشيفون ذو الطبقتين وبحمالات عريضة، وارتدت خفها المنزلي، ولم تضع وشاحا على خصلاتها الكستنائية الناعمة التي تصل الى خصرها، بل اكتفت بالقائه على كتفيها فعلى الارجح هشام سيكون نائما الآن، فلا بد أنه منهك بعدما حدث عصر هذا اليوم وانقاذه لذلك الشاب.

خرجت من غفتها ببطء، محاولة عدم اصدار اي صوت، لتمر بغرفة هشام أثناء اتجاهها للمطبخ، فتوقفت وقطبت حيث يخيل اليها أنها سمعت أنينا خافتا، اقتربت من الباب وألصقت أذنها به حيث كان مواربا، ليظهر صوت الانين واضحا، فدفعت الباب برفق ودلفت بتردد الى الداخل، حيث نادته بخفوت ولكنه لم يرد، فرفعت من صوتها ولكن أيضا النتيجة سلية، لتشحذ همتها وتسير الى داخل الغرفة متجهة الى الفراش والذي ما ان أبصرت ذلك الجسد الراقد فوقه حتى قطبت، لتقترب منه وهي تناديه، حتى وقفت بجواره ومالت عليه، لتتعمق عقدة جبينها وهي ترى عرقا يتفصد فوق جبينه، فمدت يدها تتحسس جبينه، وما لبثت بعدها أن شهقت بقوة وسارعت لسحب يدها وهي تهتف بقلق:.

- اه دا. انت سخن نار يا هشام.

سارعت بالقيام متجهة الى المطبخ لتملأ طبقا بالماء البارد وتتناول منشفة صغيرة ثم تعود أدراجها ثانية اليه، وتبدأ في عمليه تخفيض درجة حرارته، وهي تمسح صدره وكتفيه بالمنشفة المبللة حيث كان ينام وجذعه العلوي عار، ثم تعصر المنشفة لتضعها فوق جبهته، كررت هذه العملية عدة مرات، قبل أن تتجه لغرفتها وتعود وهي تحمل قرصين من خافض الحرارة ومسكن الالم والذي تحمله معها تحسبا للطوارئ، فأسندت كتفي هشام الغير واعي لما حوله، وساعدته في تناول الدواء، قبل أن تعيده مكانه ثانية، وبعد ما يقرب الساعة لاحظت أن الحرارة بدأت في الانحسار، فركزت بيديها على طرف الفرا بينما كانت تجلس هي على كرسي بجواره، لتضع رأسها فوق ذراعيها وتنام من شدة تعبها.

لا تعلم كم نامت، ولكنها استيقظت على صوت أنين عال، فلمست جبهته لتجد الحرارة تشع منها، قالت بقلق:
- اكيد جالك برد، الجو كان سائعه وانت غطست وطلعت تكلم دي وتبتسم ل دي، وأنا اقولك هتعيا (تمرض) ولا كأني بتكلم!

زفرت بتعب ثم قالت: - لازم أكلم الريسبشن يطلعوا لنا دكتور.
وما أن همّت بالقيام حتى سمعت صوتا باهتا يصدر منه، فانحنت عليه تقول بلهفة: - ايوة يا هشام، انا هجيب الدكتور حالا!

ناداها هشام بضعف دون أن يفتح عينيه فأيقنت أنه يحلم، ليردف بصوت ضعيف للغاية بحيث اضطرت منال لوضع أذنها تقريبا فوق فمه حتى تستطيع سماعه، وما هي الا لحظتين حتى كان ما ينطق بما أصابها بالذهول والصدمة حتى أنها تيبست في مكانها، فقد سمعته وهو يبدو كمن يناجيها قائلا:
- منال. ب. بحبك!

لتفتح عينيها واسعا وتشهق بصوت مسموع، وهي تطالعه بغير تصديق، لتفاجأ بعينيه وهما يطالعانها بغرابة، وكأنه لا يراها هي بل لا يزال يحلم، فما أن شرعت في الكلام حتى تفهم منه ما الأمر إذ به يرفع يده في أقل من لحظة ليحيط بها مؤخرة عنقها بغتة، لتشهق هاتفة بذهول:
- ايه اللي...
ولكن تساقطت باقي كلماتها بين شفتي هشام الذي فاجئها بقبلة أقل ما يقال عنها أنها نااااااارية!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة