قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية إلا أنت (نساء متمردات ج3) للكاتبة منى لطفي الفصل الحادي والأربعون

رواية إلا أنت (نساء متمردات ج3) للكاتبة منى لطفي الفصل الحادي والأربعون

رواية إلا أنت (نساء متمردات ج3) للكاتبة منى لطفي الفصل الحادي والأربعون

تقلبت تماما كالهرة، وهي تفتح ذراعيها على اتساعهما وهي تفتح عينا وتغمض الثانية كعادتها دائما، لتنتبه الى أمر مريب جعلها تقطب في توجس، وهي تشم رائحة مميزة، تعلم صاحبها جيدا ولو عن بُعد، لتلتفت برأسها دفعة واحدة وما أن فعلت حتى شهقت وهي تتراجع الى الخلف بينما اتسعت حدقتاها بقوة، وقد شعرت ببرودة في أطرافها، وفغرت فمها ببلاهة بينما مال عليها هامسا بابتسامة سرقت أنفاسها:
- صباح الورد...

أفاقت من صدمتها لتجيبه وهي تشد الغطاء أكثر تحكمه من حولها، بينما عقدت بين حاجبيها بقوة ونظرت أمامها وقد تحدثت بكل جدية وحزم:
- صباح النور.
فواز بتقطيبة خفيفة بينما اقترب بوجهه منها فاضطرت للابتعاد برأسها قليلا بعيدا عن مرمى أنفاسه الساخنة، فيما قال بمرح ساخر:
- همّا العرايس لمّا بيصحوا من النوم بيكونوا كلهم مخضوضين كدا؟

استرقت نظرة اليه سريعة قبل أن تتكلم وقد سلطت نظراتها على اللا شيء أمامها: - مش فاهمه، مخضوضين ازاي يعني؟ عموما ابقى اسألهم وهمّا يقولوا لك!
فواز بعدم فهم: - أسأل مين؟
تسنيم ببساطة وهي تهز كتفيها: - العرايس!
فواز وهو يقترب منها حتى التصق بها وبابتسامة عابثة: - طيب ما أنا بسألهم أهو! مش انتي عروسة بردو؟ ومش أي عروسة. أنتي عروستي أنا، مش كدا يا عروستي؟

تسنيم وقد امتقع وجهها خجلا وتعثرت الكلمات على شفتيها: - كدا كدا. ممكن تبعد بقه عشان عاوزة أقوم؟
فواز ببساطة وهو يعدل من نفسه ليلتصق بها أكثر فضغطت نفسها الى الخلف لتفاجأ بظهر السرير يعوق ابتعادها أكثر:
- لا أقوم أروح فين، أنتي متعرفيش ولّا إيه؟
تسنيم وقد بدأت تشعر بتيبّس في فقرات عنقها نتيجة انحراف رأسها الى الخلف لتبتعد عن وجهه الذي يكاد يلتصق بوجهها:
- لا والله معرفش، فيه حاجة حصلت؟

فواز ببساطة وهو يمد يده ليسحبها ناحيته: - اتعدلي بس عشان رقبتك ما تِتْلِوِحْشِ (لا تلتوي)، المهم يا ستي، انت اتحددت اقامتك!

ارتفع حاجبيها لأعلى وهي تحدق فيه بدهشة صامتة فيما تابع وهو يومأ برأسه ب نعم: - أيوة، وتحديدا بين حدود السرير دا، مش هتتحركي منه غير في حالة واحدة.
قطب قليلا كمن يفكّر ثم تابع: - اممممم، لا هو في الحقيقة حالتين عشان أكون صريح معاكي.
تسنيم بتقطيبة: - ممكن أعرف ايه هما الحالتين دول؟
نظر اليها فواز فأردفت بابتسامة سمجة: - دا لو معندكش مانع!

فواز بتلقائية: - لا. عادي، الحالة الاولانية أنك تدخلي الحمام، لأنه دا طبعا نداء الطبيعة أنا مقدرش أقف بينك وبينه!

كادت تسنيم أن تغطي وجهها بالغطاء واحمر وجهها غيظا وحنقا، فيما تابع هو ببساطة: - الحالة التانية عشان تلبسي الأطقم اللي حرقت دمي طول المدة اللي فاتت، واعملي حسابك الاطقم كلهم هتتلبس طقم طقم، وهعاينهم بنفسي، مش بس كدا دا انا لازم كمان أختبر جودة القماش، بيستحمل الشدّ ولّا لأ!

هتفت تسنيم مكررة بذهول: - الشدّ!، وشد ليه، هي خناقة؟
فواز وهو يهز برأسه من أعلى لأسفل وبجدية متقنة: - أكيد!، – ليغمز بعبث متابعا- وأي خناقة؟ دا احنا هنقطع بعض!
شحب وجهها للحظات قبل أن يزحف اللون الاحمر اليه وقد بدأت تدرك المعاني المستترة لعبارته الوقحة، فلاحظ فواز تعاقب الفصول على وجهها من خريف بارد الى صيف حار، ليكتم ضحكته ويردف ببساطة:.

- وطبعا عشان لو طلع القماش أي كلام ما نشتريش من المحل اللي جبتي منه تاني.
قاطعته تسنيم وهي تفتح عينيها واسعا مرددة: - تاني!..
فواز بتنهيدة وبغير رضا زائف: - فيه ايه يا توسي بس؟ مالك قلبت زي الصدى كدا؟ كل كلمة أقولها تكرريها!

تسنيم وقد ارتفع حاجبيها الى الاعلى حتى كادا يلامسان غرتها وبصدمة: - صدى! و. تُوسي!
بينما شعرت بأحلامها بأول صباح لها معه وقد أصبحت زوجته بالفعل وهي تتحطم على صخرة الواقع المرير فيكفي توسي وصدى، وما خفي كان أعظم!..

مال عليها فواز يهمس في أذنها بينما تسللت يده أسفل الغطاء لتحيط بخصرها تجذبها ناحيته:
- آه. توسي! ايه مش عجبك اسم الدلع؟ تحبي أغيّره؟
التفتت اليه تحاول دفعه عنها وهي تهتف قائلة: - لا حلو حلو، كل اللي ييجي منك حلو، بس ممكن تسيبني أقوم؟ هتأخر ع الكلية كدا وانت عندك شغل.

فواز وهو يميل على وجهها يداعب بأنفه وجنتها المخملية هامسا بصوت أجش: - طول ما انتي معايا مش عاوزك تفكري لا في كلية ولا في شغل، متفكريش غير في حاجة واحدة بس، احنا (نحن)!

تسنيم وقد بدأت قواها تخور، وجسدها يستجيب للمساته الحانية، بينما قلبها يدق بسرعة عالية لهمساته الدافئة لها:
- طب. طب مش عاوز تفطر؟
فواز وهو يلثم قبلات صغيرة على طول صدغها: - هممممم. ما أنا بفطر أهو!
تسنيم بدهشة: - بتفطر! بتفطر فين؟
ليهتف بقلة صبر أمام وجهها: - هنا!

واقتنص ثغرها في قبلة عميقة كانت بداية لرحلة أخرى الى عالمه الساحر الخيالي، الذي لم تكن تظن في أعتى أحلامها جموحا أن حبيبها بمثل هذه الرقة والجموح، بينما فواز أقسم بداخله أنه سيعوّضها عن كل ما فات، وسيغرقها بمشاعره التي تدفقت كالطوفان، وستكون مدللته الوحيدة، ف الدلال خُلق لها، فهو فرض عيْن عليه!

ممدوح!
ما أن سمعت هذا الاسم حتى تسمرت في مكانها، وهي تظن أنها في كابوس رهيب وستصحو منه، ورويدا رويدا بدء الخوف الذي شلّ أطرافها وعمّ تفكيرها ينحسر عنها لتلتفت الى عصام تقول بجمود:
- أنت عشان كدا وافقت أنه الفرح يتقدم؟
زفر عصام قائلا بصبر: - مش بالظبط كدا، لكن...
لتعود اليها أنفاسها المحبوسة قبلا ذعرا من ذاك الاسم المخيف بالنسبة لها، وتصعد دماء الحنق والغضب الى وجنتيها لتهتف بانفعال قوي:.

- لكن ايه؟ صِعبت عليك؟ (أشفقت عليّا). ولّا عشان مهما كان انا بنت عمتك وانت لازم تراعي دا؟ وأهو بالمرة تكسب ثواب فيا ويبقى اسمك عملت اللي انا عاوزاه وتاخد بونت على حسابي!

تقدم أدهم منها وقال محاولا تهدئتها في حين وقف عصام أمامها واضعا يديه في منتصف خاصرته يطالعها بغموض:
- يا ريما المواضيع ما تتناقش (لا تُناقش) بالشكل دا، انتي فاهمه غلط!

ريما بعناد وتشبث بالرأي رهيب: - لا أسفة يا أونكل، أنا فاهمه البيه كويس أوي، لو كان عاوز يساعدني صحيح كان وافق اول ما قلت له نبدّر معاد الفرح، لكن كالعادة مفهمنيش، وكان موقفه من كلامي سواء زمان او دلوقتي بناءا على تفكير غلط عمل في المرتين فيهم دور الواعظ، ونسي حاجة مهمة أوي...

سكتت تطالعه بأسى قبل أن تتابع بأسف: - أنه الواحدة لما بتعترف هي بالحب للانسان اللي بتحبه، وبتلجأ له في وقت الشدة كش بتكون محتاجة واعظ، بتكون عاوزة حبيب، ياخدها في حضنه ويشد عليها ويقولها انه مشاعرها دي مش لعب عيال، وليها صدى عنده، ولما تحس بخوف أو ضيق يطمنها انه جنبها وعمره ما هيسيبها، ولما تكتشف بعد دا كله انه وقوفه جنبها مجرد شفقة وعطف منه عليها عشان ظروف جدّت يبقى الرد المناسب هو، آسفة! – قطب عصام بينما اختلجت عضلة فكّه دليل على كتمه لانفعاله بينما تابعت بمرارة وأسى – وفّر شهامتك يا ابن خالي، ما تلزمنيش!

والتفتت لتتجه الى الباب عندما أوقفها نداء أدهم لها، فنظرت اليه من فوق كتفها قائلة بتعب:
- آسفة يا خالو، ممكن حضرتك تأجل أي كلام لبعدين، أنا بجد تعبانة. ومحتاجة أقعد مع نفسي شوية.

أدهم بجدية: - تعالي يا ريما عاوزك، أنا لسّه مخلصتش كلامي.
ريما بتعب: - يا خالو.
ليقاطعها أدهم بصرامة قائلا: - ريما. مش هسمح لأي حد منكم انه يعترض!
قطب عصام وهو ينظر الى ريما وهي تعود أدراجها وقد ارتسمى الحزن وخيبة الأمل في عينيها، قال أدهم بصلابة وهو ينقل نظراته بين ريما وعصام:
- اسمعوا آخر كلام عشان مافيش وقت للعب العيال دا...

طالعه كلا من عصام وريما بترقب بعد ان تبادلا نظرة سريعة مسترقة، فيما قال هو بحزم لا يقبل النقاش:
- فرحكم الخميس اللي جاي، يعني بعد أربع أيام بأمر الله، وكلمة زيادة في الموضوع دا مش هسمح بيها!

أضاف عبارته الاخيرة وهو يرى ريما تنوي الاعتراض، ولكنها لم ترتجع على الرغم من النظرة الصارمة التي رماها أدهم ناحيتها، لتقف في مواجهته تماما وتقول وهي تقطب جبينها بعدم فهم:
- أيوة يا خالو بس اسمح لي حضرتك، لو على موضوع ممدوح دا أنا أقدر...
أدهم بحدة: - انتي متقدريش على حاجة، ومالكيش دعوة بحاجة، أنا مش باخد رأيكم أنا بقول اللي هيحصل.

ريما وقد تغلب عليها طابع العناد، وبالرغم من حبها لخالها الكبير، ولكنها تأبى أن تنصاع لرغبته مما يعني ظهورها كضعيفة أمام عصام، في انتظاره هو ليحميها:
- معلهش يا خالو، أعتقد أنه بابا لما يعرف أني رافضة مش هيضغط عليا.
أدهم ساخرا: - من الآخر أطلع أنا منها!

ريما بتلعثم طفيف: - لا طبعا يا خالو، مقصدش المعنى اللي حضرتك فهمته، بس أنا بقول لحضرتك أنه أماني وحمايتي تهم بابا كمان، وأنا متأكدة أنه مش هيصمم على الجواز لو عرف أني رافضة و...

أدهم ببرود: - دلوقتي بس عرفتي أنه باباكي موجود!
ريما بدهشة: - نعم؟ حضرتك بتقول ايه؟

هدر أدهم بغضب وهو يشير اليها: - ايه مستغربة أوي؟ دلوقتي بس افتكرتي أنه نزار يبقى بابا؟ ولمّا جِه يتكلم معاكي هو وراندا ويشرحوا لك سبب اللي حصل ما كانش بابا وراندا ماما؟ ولما وقفتي قودامهم تقولي وبكل جرأة أنك رافضة تسمعي أو حتى تفهمي لأنه حضرتك كالعادة اتسرعتي، نفس الشيء اللي انتي بتتهمي بيه عصام دلوقتي – وأشار الى عصام الذي أسدل يديه بجانبيه وطالع ريما بتقطيبة ونظرة قلق بينما تابع ادهم بقوة – ماكانش بابا؟..

عصام مقاطعا وهو يتقدم ناحية ريما: - يا عمي...
أدهم رافعا يده وبصرامة ولا يزال بصره مسلطا على ريما: - استنى يا عصام، معلهش، لأنه واضح جدا أننا كلنا غلطنا لما اعتبرنا انها كبرت وفهمت وعقلت واتعلمت من اللي مرت بيه، لكن واضح جدا أنها لسه صغيرة، وصغيرة جدا كمان!

ريما بصدمة مشيرة الى نفسها وقد بدأت عينيها تسبحان في غلالة دموع مكبوتة: - أنا يا خالي؟!

أدهم بقوة مشيرا اليها: - أيوة أنتي! – ثم تابع هادرا بغضب عنيف – من امتى الولاد وهما بيحاكموا أهاليهم ويحاسبوهم تقدري تقوليلي؟ مش من حقك انك تحكمي على حاجة محضرتهاش وبناءا على حاجة سمعتيها، الشيء الوحيد اللي من حقك انك تسألي، لكن مش من حقك لو رفضوا يجاوبوكي انك حتى تعترضي! الأب والأم مكانتهم عالية جدا، مش هما اللي يقفوا قودام ولادهم في موضع اتهام، والاولاد ينصّبوا من نفسهم قاضي وجلاد في نفس الوقت!

اهتزت شفتي ريما وهي تنظر اللى خالها بذهول بينما تابع أدهم بصلابة: - لكن نزار وراندا معملوش كدا، ما قالوش وانتي مالك، بالعكس جولك (قدموا اليك) لغاية عندك عشان يتكلموا ويوضحوا، لكن أنتِ – فتح يديه على وسعهما متابعا بسخرية - رفضتي وبكل جرأة، دا في رأيي معناه عدم احترام منك ليهم، ولو فيه حد المفروض يحاسب ويسأل ويعاقب كمان يبقى هما، لكن السؤال البديهي اللي فكّر فيه عصام وخلّاه يزعل لانه طبيعي خطيبته راحت بيت واحد غريب والواحد دا مش خالي من ناحيتها، السؤال اللي حضرتك لاقيتيه اهانة ليكي جدا انه خطيبك يفكّر مجرد تفكير، لكن مالاقيتهاش اهانة انك تروحي بيت راجل عازب معه لوحدكم!

صرخ بالعبارة الاخيرة بغضب ناري، وكانت ريتاج قد قدمت لتوّها لتندفع الى الغرفة حيث يتواجد وحذا حذوها الجميع، ولكنها وقفت أمام الباب المشقوق، وأشارت لمها وراندا بالتمهل بينما كان نزار برفقة محمود في غرفة مكتب الاخير في الناحية الاخرى من المنزل فلم يسمع صوت أدهم الجهوري.

سحب أدهم شهيقا عميقا، قال بعدها بصوت بارد: - حطي عينك في عيني وقوليلي أنك مغلطتيش لما روحتي بيت معتز معاه لوحدك؟
ريما وهي تمسح دمعة كانت قد فرت من أسر عينيها محاولة تمالك نفسها وعدم البكاء: - أنا قلت للكل أنا روحت ليه.

قاطعها أدهم باستنكار: - ودا سبب؟! تروحي عشان تعزمي مامته في بيته! ما كلمتهاش بالتليفون ليه يا هانم مثلا؟ لكن لأ. ريما هانم صاحبة واجب بردو، تروح بيت معتز اللي عارفة ومتأكدة ومحذرينها أنه فيه من ناحيته حاجة ليها، عشان تعزم مامته، تمام زي ما وافقت على واحد مش بتحبه عشان اللي بتحبه رفض حبها دا في نظرها هي، فردت عليه انها تربط مصيرها بمصير واحد طلع مجنون وهي اكتر واحدة عانت من جنونه دا، ودلوقتي معتز رمى نفسه في البحر عشان يخلص من حياته، لا بجد فعلا انتي بتعرفي تتصرفي يا ريما. برافو!

ريما بقلق: - ايه؟ معتز انتحر!
زفر أدهم بضيق وقال: - الضابط هشام لسه مكلمني من شوية، الصدفة او حظه خلّاه يروح نفس القرية السياحية في اساحل الشمالي اللي هشام فيها، اكتشفوه وهو بيغرق وهشام اللي انقذه، نقوله المستشفى، وبعد ما فاق رفض الكلام تماما، وهشام عمل اللازم عشان ينقله للدكتور اللي بيشرف على علاجه، في المصحة النفسية اللي كان بيتعالج فيها.

عصام وهو يحاول أن يهوّن من احساس الذنب الذي ارتسم على وجه ريما: - ايوة بس يا عمي، ريما مالهاش ذنب، هي ماقالتلوش ينتحر!
أدهم ساخرا: - بس هي اللي وافقت تروح معه بيتهم في الوقت دا، وصادف انه راندا كانت هناك، لكن يمكن لو ماكانتش راحت واكتفت بأنها تكملها بالتليفون ماكانش حاجة من دي حصلت، تمام زي ما هي تفكر أنك لو ما كنتش رفضتها ما كانت قابلت ممدوح وغلطت أكبر غلطة في حياتها، مش كدا يا ريما؟

دلفت راندا التي لم تتحمل هجوم شقيقها الأكبر لابنتها، وكانت قد تصافت معه ما أن دلف الى منزل محمود حيث ركضت تلقي بنفسها بين ذراعيه، ليحتضنها بحنان، قبل أن يسألها عن نزار، فأخبرته أنه مع محمود في غرفة المكتب الاخير فآثر الاجتماع بعصام وريما قبل الذهاب اليه.

قالت راندا وهي تسير لتقف بجوار ريما: - بالراحة عليها يا أدهم، ريما ما كانش قصدها تأذي أي حد، وبعدين أنا عارفة بنتي كويس ومربياها أحسن تربية، حتى لو كانت غلطت زي ما قلت، لكن أنا متأكدة أنه مشكلتها في قلبها الطيب، ما حاسبتهاش صح، وأكيد أنه معتز هو اللي اقترح عليها مش معقول هي هتقوله أروح لمامتك!

نظرت ريما الى أمها وقالت ببرود: - فعلا، هو اللي عرض وأنا مقدرتش أرفض، لكن ليه يا خالو تقول انه دا السبب؟

وقفت في المنتصف بين خالها وأمها متابعة بابتسامة مريرة: - ليه ما تقولش الماضي الشنيع اللي سمعناه؟ هو مقدرش يستحمل انه أمه كانت طول الوقت بتفكر في واحد غير باباه، والواحد دا للصدفة كان خطيبها زمان – نظرت الى أمها بخيبة أمل تامة وتابعت بمرارة وألم - اللي للاسف اخدته منها التلميذة بتاعته!

اخرسي!
في أقل من لحظة كان عصام بجانب ريما يحتويها بين ذراعيه، بينما راندا تنظر الى ابنتها بجمود وهي تقول:.

- واضح جدا اننا دلعناكي زي ما خالك قال، أنا حاولت أنا وباباكي اننا نشرح لك الموضوع مع انه مالكيش حق عندنا، دي حياتنا احنا، لكن انتي رفضتي، ودلوقتي أنا اللي بأمرك أنك ما تجيبيش سيرته نهائي، ومالكيش عندنا أي حق أو مبررات، والفرح في المعاد اللي خالك قال عليه، وأقسم بالله لو رفضتي هتشوفي مني وش عمرك في حياتك ما كنت تتوقعي أنك تشوفيه!

أجهشت ريما بالبكاء في حين احتواها عصام بين ذراعيه، لتقبض بأصابعها على مقدمة قميصه فجعدتها بين أناملها، بينما زفر أدهم بأسف فيما كانت مها وريتاج قد دلفتا إثر صوت صفعة راندا لريما، لتقول ريتاج بأسف:
- ليه بس كدا يا رندا؟
راندا وهي تنظر الى ريما بجمود وخواء: - تستاهله، هي مكبرتش عليا أني أربيها، ولغاية آخر يوم في عمري، ولاقيتها عاوزة تتربى، ه. هربيها!

وسقطت راندا مغشيا عليها ولكن أسرع أدهم ليتلقفها بين ذراعيه وسط صراخ ريما: - ماما!

زفر بتعب، وهو ينتظر بفروغ صبر خروج الطبيب، حيث وقف الجميع خارج الغرفة، بينما مكثت ريتاج ومها مع راندا، وبعد قليل خرج الطبيب ليهرع اليه كلا من أدهم ونزار ومحمود، فيما قبعت ريما منزوية على مقعد في الزاوية وجلس عصام بجوارها يربت على يديها، ويهمس لها مطمئنا، قال الطبيب ما أن رآهم:.

- الحمد لله، واضح أنه المدام اتنرفزت شوية، الضغط كان عالي، أنا علقت لها محاليل وان شاء الله ساعة بالكتير وتفوق وتبقى بخير، بس أهم حاجة تبعد عن الانفعال خالص، ويا ريت لما تشد حيلها تجي لي العيادة عشان نعمل شوية فحوصات وتحاليل نطمن على صحتها، واذا كان ارتفاع الضغط دا شيء عارض ولّا مرضي...

شكر محمود الطبيب وسار معه الى الاسفل بعد ان أعطاه أجرته، بينما وقفت ريما بصعوبة فهي تشعر بساقيها كخيطي من القماش لا يقويان على حملها، لسندها عصام، تقدمت منهم، وما أن وقع نظر نزار عليها حتى طالعها ببرود، قبل أن يشيح ببصره بعيدا وهو يتأهب للدخول الى راندا قائلا:
- أنا داخلّها. ياريت يا عصام تاخد خطيبتك توديها عند اختها، وأهي بالمرة تحكي لها على اللي عملته في مامتها، وما تنساش تكلم مهدي تعرفه!

ودلف نزار دون أن ينظر الى ابنته نظرة ثانية، لتجهش ريما بالبكاء، بينما زفر أدهم بضيق، فهو بين مشفق عليها وغاضب منها، لن ينسى ما حيا منظر راندا وهي تسقط مغشيا عليها بين يديه، لوهلة ظنّ أنها مزحة منها كي تختبر حب ابنتها لها، ولكن ما أن رأى وجهها الساكن حتى بردت أطرافه، ليهرع من فوره حاملا لها لاحدى غرف النوم ليفاجأ بنزار أمامه ينظر الى راندا يناديها يسأل بلوعة عما جرى، وما أن وقعت عيناه على ابنته حتى سمعها تقول كمن يهذي في ذهول:.

- أنا السبب، أنا السبب!
نظر أدهم الى ريما التي تستند الى عصام، بينما وقفت ريتاج بجواره وقالت وهي تربت على كتفه:
- ما تخافش يا حبيبي، ان شاء الله راندا هتفوق وتقوم بالسلامة.
أدهم بايماءة خفيفة: - ان شاء الله.
ثم أشار برأسه الى عصام وريما حيث وقفت ترتكز عليه بينما يحتويها هو بين أحضانه وكأنه يحميها ممن حولها، وقال:.

- شايفة! في عز محنتها مش بتلجأ غير ليه هو، وفي الآخر تعاند وتقول مش عاوزة أتجوز، لعبة القط والفار اللي بينهم دي لازم تنتهي، بس المشكلة دلوقتي في راندا.

ريتاج بهمس مماثل: - راندا هتبقى كويسة، والفرح هيتعمل في معاده ان شاء الله، ما اعتقدش راندا هتوافق على التأجيل، دا غير يمكن الفرح في الجو دا حاجة كويسة، ويحسن العلاقات بين ريما وراندا، لأنه اليوم دا اللي بتتمناه كل أم، أنها تشوف بنتها جنب عريسها في الكوشة.

تنهد أدهم قائلا: - ان شاء الله...
صوت خطوات مسرعة لفتت انتباهه، ليجد مهدي وهو يقترب منه يسأل بقلق ولهفة عن أمه فأجابه وهو يربت على كتفه:
- راندا بخير يا مهدي اطمن، ضغطها عالي شوية لكن الحمد لله، الدكتور عمل اللازم وكلها ساعة ان شاء الله وتفوق.

مهدي بحيرة: - وضغطها عالي من ايه؟
لتحين منه نظرة الى عصام الذي وقف بجوار ريما يحيط خصرها بذراعه يسندها اليه، ليقول بريبة:
- حد منهم السبب؟

ريتاج بزفرة: - يا مهدي يعني هيكونوا عملوا ايه؟ بس الموضوع كله ملخبط وراندا طبعا في ضغط من وقت اللي حصل، لكن الدكتور طمنا، اطمن ان شاء الله خير، وعلى فكرة قبل ما مخك يوديك لبعيد – قالت هذا وهي تعي لنظراته المرتابة لعصام وريما وتابعت – قبل ما يحصل اللي حصل كنا اتفقنا خلاص انه الفرح الخميس اللي جاي ان شاء الله.

قطب مهدي متشككا: - كدا على طول؟
ادهم وقد شعر بالسأم من كثرة الحديث في ذات الأمر: - أيوة يا مهدي، هي مش اختك بنفسها طلبت الفرح يتقدم؟، وأهو يا سيدي عصام هيعملها اللي هي عاوزاه، انتهينا بقه.

هز مهدي كتفيه وقال: - تمام يا بوس.
وابتعد بينما مال أدهم على ريتاج وقال: - مهدي مجنون، لو كنت قلت له على المجنون التاني ما كانش هيسكت وكان صوّر لنا قتيل الليلة دي، والليلة مش ناقصة بصراحة، ربنا يعديها على خير.

ريتاج بابتسامة: - ان شاء الله هتعدي على خير يا حبيبي.

رمقها بطرف عينه بضيق واضح، فمنذ استيقاظه صبيحة اليوم التالي لمرضه المفاجئ وهي تنأى بنفسها بعيدا عنه، نعم، يعترف أنه تسرّع بعض الشيء، ولكنه لم يكن مخططا لهذا الأمر، فهو كان يعاني من حرارة عالية جدا، ويهذي ببعض الكلمات، لم يتبينها وأن كان يظن بل شبه متأكد أن تلك الكلمات كان يقصدها بها، وما أن فتح عينيه حتى طالعه وجه بريء ينظر اليه بعينين واسعتين وقد تهدلت خصلاتها الكستنائية حول وجهها، فهي لم تغطي شعرها بوشاحها المعقود حول عنقها، ليرفع يده وهو يظن أن ما يراه لا يعدو عن كونه هلاوس حمى، وكان يريد لمس تلك الخصلات الناعمة، ولكن حدث أن انحرفت يده لتمسك بمؤخرة رأسها، لتشهق بنعومة، وكأنها تنفخ النار بداخله لتستعير، فلم يشعر بنفسه إلا وهو يكتم تساؤلاتها المذهولة بقبلة كانت وشما ناريا لقلبه هو، وتاه فيها، ولم يتركها الا بعد أن ذاق ملوحة دموعها، ليسدل يده بجانبه، ويغمض عينيه، مدعيا النوم، ويستيقظ في صباح اليوم التالي وهو يدعي أنه لا يتذكر اي شيء مما حصل، وقد اضطر لذلك، فهي تتعامل معه بحرص شديد وتنظر اليه بريبة وقلق، وكأنه مريض بمرض معد، مما أجبره على تصنع النسيان، وأنه لا يذكر من تلك الليلة أي شيء بالمرة. وها هو الآن وبعد مرور يومين يقبع على كرسي على شاطئ البحر بينما زوجته المصون أبت الخروج من الشاليه المطل على البحر، مفضلة الجلوس الى الشرفة، وتقريبا شبه دفعته دفعا للخروج، ولولا محادثته الهاتفية لوالدته والتي صرّح لها فيها أنه يفكر في العودة، لكان قد فعلها من حينها، فهو له طاقة ومقدرة محددة على التحمل، ولكن منال فهي تدفعه دفعا لأكثر مما يستطيع الاحتمال، ويخشى أن تطفح كأسه وساعتها لا تلومن الا نفسها، فهو معروف عنه أنه سريع الغضب، وصبره قليل، ولكنه الآن فهو يستحق جائزة نوبل في الهدوء والبرود، ولكنها أيضا. هي تستحق!

أخرجه من تأملاته صوت ناعم يقول: - سوري، مش حضرتك اللي أنقذت الشاب من الغريق؟
رفع هشام عينيه ليرى صبية يافعة، تكاد تتخطى السابعة عشر من عمرها، لينهض بتلقائية قائلا باهتمام:
- أيوة أنا، فيه حاجة؟

فقد ظنّ أن هناك أمرا ما بخصوص معتز، ولكن الفتاة أدهشته وهي تحرّك كتفيها العاريتين لتلمع بشرتهما الذهبية أسفل الشمس بينما عقدت على خصرها وشاح عريض، يخفي النصف الاسفل من رداء السباحة الذي ترتديه، وهو كما يبدو قطعة واحدة، وقالت بدلال وهي ترفرف بأهدابها عدة مرات:
- بصراحة، كنت عاوزة أطلب منك أنك تعلمني العوم، أنا بعرف بس على خفيف كدا، نفسي أعرف أعوم كويس، زيّك كدا.

هشام بابتسامة صغيرة: - أولا شكرا على اختيارك ليا، تاني حاجة فيه مدربين في القرية أعتقد ممكن يقوموا بالمهمة دي.

الفتاة وهي تقترب منه: - تؤ تؤ تؤ – واشارت اليه بسبابتها – أنا عاوزاك أنت!

حدق فيها هشام بذهول أخرجه منه صوت منال والتي كانت تجلس في الشرفة فلاحظت وقوف هذه الفتاة بجواره، وأن حديثها اليه قد طال، وتخلله الهمسات والابتسامات، لتنهض من فورها وتشمّر عن ساعديها، وتهبط من سلالم الشرفة المؤدية الى الشاطئ، وهي تنوي ايقاف هذه المهزلة الاخلاقية في نظرها، ولم تتوقف لثانية واحدة تسأل نفسها فيما اهتمامها وعلام ضيقها هذا من مجرد حديث وابتسامة بريئة؟!

كانت منال قد وصلت اليهما لتسمع عبارة الفتاة التي قالتها بكل غنج ودلال: - تؤ تؤ تؤ أنا عاوزاك أنت!
لتجيبها بينما كان هشام يهمّ بالرد ولكنه سكت مندهشا عندما تعالى صوت منال من خلفه يقول ساخرا:
- تؤ تؤ تؤ، مينفعش، أونكل كبير عليكي أوي يا توتو!
لتقطب الفتاة غضبا من لقب تدليل منال الساخر بينما يرتفع حاجبي هشام لأعلى دهشة من سخرية منال ونظرتها الساخطة التي تلقيها عليه هو والفتاة ليهتف بذهول:
- توتو!

منال بنعومة زائفة وهي تتقدم لتقف بجانبه ناظرة الى الفتاة التي تطالعها بغيظ وقهر:
- آه، أصلها صغيرة أوي. انتي عندك كم سنة يا توتو؟
الفتاة بحنق واضح: - سبعت، – وقضمت كلمتها مستدركة – تسعتاشر!
فابتسمت منال بسخرية واضحة وقد علمت أنه ليس عمرها الحقيقي ولكن رغبة من تلك الحمقاء أن تظهر في عمر أكبر ولو بعامين اثنين، لتقول هي بابتسامة مشيرة الى هشام:.

- بردو توتو بالنسبة له، مش قلت لك. أونكل كبير عليكي أوي.
هشام مرددا ببلاهة: - أونكل!
بينما الفتاة كادت تبكي قهرا، لتنصرف وهي تحفر الرمل أسفل قدميها بغيظ وقهر ظاهرين.

نظر هشام الى منال وقد ساوره شعور ما يدعو أن يكون صائبا، ليفاجئها بالقبض على مرفقها بينما مال عليها هامسا بتفكّه:
- أونكل!..
منال وهي تحاول سحب ذراعها من يده: - آه طبعا أونكل، مش شايف الفرق بينك وبينها؟
هشام بابتسامة استفزاز: - وانت متضايقة ليه؟ يهمك ايه تعرف اني أونكل أو لأ؟

منال بتلعثم واضح: - وأنا. أنا هتضايق من ايه ان شاء الله؟ لكن أنا بتكلم على مبدأ، البنت في سن مراهقة وواضح جدا انها أعجبت بيك من وقت ما أنقذت الشاب إياه، يبقى لازم نرجع لها عقلها، اللي ما أرضهوش على ولادي ما أرضهوش على ولاد الناس!

هشام بجدية زائفة: - لا وجهة نظر بردو.
لينظر اليها بغموض قبل أن يردف: - بما أنك بقه طفشتي أول تلميذة كنت هعلمها السباحة، فأنتي اللي هتنولي الشرف دا!

شهقت منال وقالت وهي تتراجع ليعيقها ذراعها في قبضته: - لا لا لا لا، أنا بخاف من الماية، انسى!
هشام وهو يميل ليضع عينيه في عينيها: - انسي انتي! بكرة ان شاء الله هنطلع سوا نشوف شروق الشمس وتاخدي اول درس في السباحة، في مكان هنا بعيد عن الناس وكدا كدا الوقت هيكون لسه بدري دا غير انك عندك مايوه شرعي، صح؟

منال بنزق: - صح، بس جايباه أقعد بيه على البلاج، لكن مش هنزل الماية!
هشام بتحد: - هتنزلي!
منال بعناد: - لأ!
هشام وهو يترك مرفقها: - بكرة يا منال. جهزي نفسك!
واستدار منصرفا، بينما وقفت تراقبه وهي تتمتم بصوت منخفض: - بردو لأ، وأعلى ما في خيلك اركبه!

امسكي فيا كويس.
تشبثت منال بساعديه رافضة طلبه منها بأن تتشبث بعنقه بينما يحملها داخل الماء، وهي تسب وتلعن نفسها لرضوخها له، ولكن كان البديل أن يحملها كما هي الى البحر، بملابس النوم، وأيضا ستتعلم السباحة! لتنهض من فورها فهي تعلم تماما مدى عناده، وتتجهز بتبرّم، لتلحق به وهي تتأفف، ليخبرها أنهما سيذهبان لرؤية الشروق قبلا ثم السباحة وبعدها تناول الافطار.

كانت تسير وهي متشبثة بساعديه، وما أن تشعر بالمياه وقد ارتفعت أعلى من خصرها حتى تشهق وتتراجع الى الخلف، ليقول لها بصبر:
- منال أنا هرفعك على الماية، انمتي سيبي لي نفسك خالص.
وبالفعل كان يحملها بين ذراعيه، ويضعها على سطح الماء، ولكن لذعرها كادت تقع ليمسك بها، مكررا قوله، فنظرت اليه وكان قد وضعها مسطحة على ظهرها، ويسندها بيديه، وقالت بخوف:
- اوعى تسيبني!

هشام بهدوء وعيناه تعدانها بأشياء كثيرة: - مش ممكن!
وتدريجيا بدأ جسدها بفقدان تيبسه، ليسحب هو يديه التي تسند ظهرها ببطء، ويبتعد خطوة واحدة، وقال لها:
- افردي دراعاتك كويس، أيوة كدا.
أغمضت عينيها مستمتعة بأشعة الشمس، بينما نظر اليها هشام وهو يحسد ضوء النهار الذي سقط على وجهها فكأنه يقبله قبلة الصباح!

هشام بابتسامة: - ها. مبسوطة.
منال وهي مطمئنة أنه لا يزال بجوارها: - جدا.
ابتسم هشام وقد علم أن فكرته قد بدأت تؤتي ثمارها، حتى أن كان قد تعذّب في بدايتها قليلا، فليس سهلا على الرجل أن يستفسر عن حياة زوجته مع زوجها الأول، حتى وأن كان ذلك الزوج هو أخوه!

ولكن. ذلك ما فعله هشام، فقد قضى ليلة كاملة مع أمه على الهاتف، يسألها عن حياة منال مع فريد، لم يكن مهتما سوى بأمر واحد فقط، وهو ما الذي لم تفعله منال مع فريد؟ فهو لا يريد لحياتها معه أن تتشابه مع حياتها السابقة، بل يريد أن يكون هناك اختلافا قويا بينهما، ليكون لحياته معها بصمة خاصة به، فلا تخلط بينه وبين شقيقه في أي شيء، يريد أن يوجد أشياء تفعلها معه لأول مرة، من الأخير يريد أن يكون بالنسبة لها هشام فقط، كما هي بالنسبة له منال وفقط، وأن يمتلكا ذكريات وأحداث خاصة بهما وحدهما لم يسبق لأيّ منهما وقد سبق لكل منهما الزواج قبلا أن تشاركاها، أو حتى مرّا بما يشبهها!

شرد هشام في أفكاره الخاصة، لتفتح منال عينيها تطالعه، ولكن سرعان ما ذهبت ابتسامتها وهي تراه وهو يقف بعيد عنها بخطوتين ويديه بجانبه هو، بينما هي ترقد بمفردها على سطح الماء، لتضطرب وتخاف و، تزل قدمها لتشهق وهي تشعر بنفسها وهي تسقط رأسا على عقب تحت الماء!

لم تكن سوى ثانية أو أقل، حتى لحق بها هشام، يقبض على ذراعها يرفعها الى الاعلى، فالمنطقة التي يقفان فيها المياه تصل الى منتصف خصرهما فقط، أمسك بكتفيها بينما أخذت تسعل بشدة، ليحيط وجهها براحيته يمسح قطرات المياه التي اختلطت بدموع الخوف وهو يهتف بقلق وخوف:
- منال سامعاني، منال حبيبتي أنتي كويسة؟ منال!

لتطالعه وقد سقط غطاء الرأس الخاص ببدلة السباحة، بينما شفتاها ترتجفان رعبا وقد شحب وجهها، ليهمس هشام وهو يزيح خصلاتها المبللة الى الخلف كي يظهر وجهها:
- هشش، بس خلاص يا منال، انتي بخير، الماية مش عميقة أوي، انتي اللي خفتي فارتبكتي ووقعتي.

ونظر اليها، ليتوه في بندقيتيها، ودون وعي منه اقترب منها، ويديه ترسمان بأصابعها خطوط وجهها، فيما أسرت رجفة شفتيها عيناه، ولم يشعر بنفسه إلا وهو يميل عليها موقفا رجفتهما بفمه هو، ولكن لتنتقل تلك الرجفة الى جسده هو، حيث شعر بشرارات كهربائية وكأنها اندلعت بداخله، فيما أصبحت الرجفة ارتعاشة عندها، ليخفض يديه يحتويها بين ذراعيه بقوة حانية، يغيبها في عناق طويل ولكنه هذه المرة لم يتخفى خلف حمى شديدة وهلاوس سخونة عالية، بل هو لم يكن واعٍ في يوم كما هو الآن!

حمزة، بقولك عاوزة أنزل أشتري فستان عشان فرح ريما، مع اني مستغربة ايه وجه السرعة، كل اللي همس قالته لما كلمتها بسألها عن أختها وأن تليفونها مقفول أنه فرحها بعد تلات أيام ولازم أكون معهم! .

نظر اليها حمزة من فوق كراسات المدرسة التي يقوم بتصحيحها وقال بابتسامة: - وماله يا نوجة، شوفي عاوزة تنزلي امتى وأنا معاكي، وبعدين انتي مستغربة ليه، أكيد خطيب صاحبتك هو اللي مستعجل، لو بيحبها يبقى مش هيصبر على بعدها كتير.

نجوان بحماس: - بيحبها! انت متتصورش عصام بيحب ريما ازاي، رومانسية ما أقولكشّ!
نظر اليها حمزة بحنق وقال وهو يلقي بقلمه الأحمر جانبا: - لا ما تقوليش! ومالك متحمسة له اوي كدا ليه؟ ايه محدش حب غيره؟
نجوان وقد فطنت لبوادر الغيرة التي تلوح في عينيه وكم تسحرها غيرته وتجعلها تشعر بأنها ملكة متوجة على قلبه:
- وهو أي حب يتقال عليه حب؟!

نهض حمزة متجها اليها ليميل عليها بينما كانت جالسة فوق الاريكة وقال بنزق: - يا سلام، طيب ما تعرفيني يا حرمنا المصون، حبنا احنا يبقى ايه في راي سعادتك؟ منكم نستفيد بردو!

نجوان وهي تنظر اليه بابتسامة ناعمة وقالت برقة بينما تسللت ذراعيها تحيطان بعنقه:
- ومين اللي قال بيننا دا حب؟
قطب فواصلت ابتسامتها تتسع: - اللي بيننا. عشق!
ابتسامة بدأت تشق طريقها لوجهه المتجهم بينما تابعت باخلاص:
- عشق محدش قابله ولا سمع عنه، قصتنا أكبر من قصص الحب اللي سمعنا عنها كلها، عشقنا مالوش اسم ولا تصنيف، هو عشق نجوان وحمزة، نقطة انتهينا!

حملها بين ذراعيه المفتولتين وقال كمن يهدهد طفلة صغيرة وكأنها وزن الريشة: - لا غلط! عشق حمزة ونجوان، أنا الأول، أنا اللي عشقت وهويت وكنت خلاص هنتهي، لغاية ما حنيتي عليا، وحاسيتي بيا!

نجوان بتبرم رقيق: - تؤ بقه يا حمزة، انت هتفضل ماسكها لي يا زومة؟
حمزة وهو يتجه بها الى غرفتهما: - طبعا، ما هو لولا الاخوة اللي ماكانلهاش ريحة الطعم دي كان زماننا متجوزين من زمان، شوفتيني ازاي أخوكي عاوز أفهم أنا؟!

نجوان بضحكة أثارته: - بيتهيألي الوضع اللي أنت شايلني بيه دا، ما فيهوش أي أخوة خالص!
دلف حمزة صافقا الباب بقدمه واتجه الى الفراش ليقف أمامه مؤكدا بابتسامة عريضة: - ولا صنف الاخوة أبدا!
ليلقي بها فوق الفراش، فتنقلب حول بعضها حتى اعتدلت وهتفت فيه بتذمر وهي تزيح خصلاتها النحاسية من أمام وجهها:
- قلت لك 100 مرة بلاش هزار الاصطبلات دا! هو أنا لعبتك بتكعبشها وترميها!

رمى بنفسه فوقها فشهقت بفزع بينما قال مؤكدا بابتسامته التي تذيب مفاصلها: - لعبتي الجميلة! وأحلى لعبة هنلعبها حالا!
قطبت نجوان فهمس أمام شفتيها وعيناه تأسران عينيها: - عريس وعروسة!

و، قام باللعبة بحذافيرها، وباخلاص منقطع النظير، فمبدؤه هو، الاتقان في العمل، وهذا العمل، حمزة من أشد المخلصين فيه، ليغيبا عمّن حولهما بين طيات لعبتهما والتي استمرت وقتا طويلا جدا، فقد تعمّد حمزة الاعادة مرارا وتكرارا ففي الاعادة، افااااااادة!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة