قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية إستسلام غير معهود (مواجهة الأسد ج2) للكاتبة رحمة سيد الفصل التاسع عشر

رواية إستسلام غير معهود (مواجهة الأسد ج2) للكاتبة رحمة سيد الفصل التاسع عشر

رواية إستسلام غير معهود (مواجهة الأسد ج2) للكاتبة رحمة سيد الفصل التاسع عشر

الخيال لا حدود له، لا يُحطيه مجال معين فيفرض عليك قوانينه، فيه أنت الحاكم، وأنت الظالم، وربما المظلوم ايضًا!
وهو سبحت أطياف سعادته بين تلاطم موجات الصدمة، لتنقضي ساكنة كغيرها في النهاية بل ويلمع بها ماسًا كهربائيًا عندما تكتمل!
كان يحدق فيه مبهوتًا، تجمدت أطراف سعادته حول باقي حروفه القاتلة!
ليهمس وكأنه يحاول إستعادة وعيه:
-شهد؟ مالها! حصل إيه يا عمار؟!

ظل يشير بيداه في محاولة لجذب أطراف الحديث المتنافرة، ثم قال:
-تقريبا، آآ تقريبا إتخطفت يا عمر من الشقة اللي كانت فيها
صَرخ فيه عمر:
-ازااااي؟
اجابه مسرعًا بنبرة متوترة:
-أنا كنت عارف مكانها وبروح لها كل يومين تلاتة اطمن عليها و أوديلها أكل، لكن النهاردة هي مختفية من الصبح مش لاقيها وتليفونها كمان مقفول ومرمي ف الشقة متكسر!
كان يشعر بخلاياه فتيلاً من النيران، نيران الدنيا المُعاكسة...

وكأن شريان الحياة ضاق عليه لأقصى حد، بل وأطبقت جدرانه على نفس لم يكن منتظم من الاساس!؟
ظل يمسح على شعره عدة مرات، يحاول السيطرة على بكاءٍ كاد ينفلت منه عنوة، عضًا على يداه من ذاك الضعف الذي كان رداءًا من يحطيه تتهشم قشرة الحياة الواهية داخله!
إلى أن صرخ وهو يدفع عمار بقوة:
-أنت إزاي ماتقوليش؟! هه ازاي تخبي عني؟ ضيعتها وجايلي دلوقتي أتصرف في المصيبة!
بادله الصراخ وهو يشرح له وسط ذبذبات قلقه:.

-هي كانت عاوزة كدة، أنا مكنتش هعرف اصلا لولا إني شوفتها صدفة لما كنت جايلك وأصريت أراقبها انت عارفني فضولي، لحد ما لقيتها بتقابل اخوها وهي منهارة وطالعين على عمارات للأيجار وفهمت منها بعد زن طويل وحكت لي بأختصار اللي حصل واتصرفت لهم في الشقة احسن ما يلجأوا لحد غريب!
وكم دوت إنفجارات إنفعالية حول صدى تلك الكلمة تلجأ لغيره منه !؟
تلجأ ممن كان دومًا يمثل في حياتها مصدر الأشياء وأساس كل شيئ...

حاول عمر ربط أعصابه التالفة وهو يسأله:
-عايزك تقولي كل حاجة عرفتها عنها من طأطأ للسلام عليكم!
اومأ عمار مسرعًا وهو يخبره:
-أنا تقريبًا معرفش حاجة غير انها قعدت ف الشقة اللي جبتهالها واخوها بيجي كل اسبوع يتطمن عليها ويقعد معاها ويرجع عشان مصالحه في البلد، وهي مابتخرجش من البيت غير نادرا جدا، وفي اخر زيارة قالتلي إنها عملت اختبار حمل وعرفت إنها حامل وكانت مضايقة جدا.

همس غير مصدقًا:
-مضايقة جدا عشان حامل مني؟ عشان حامل ف إبني!
تأفف عمار وهو يضرب مقدمة رأسه مغمغمًا:
-لا طبعا، هي ماتكلمتش معايا كتير، بس كانت بتقول ممكن الطفل ده يتبهدل ما بينكم
صمت برهه ثم أكمل بحزم:
-دلوقتي إحنا لازم نتصرف قبل فوات الأوان!
اومأ عمر مؤكدًا، ولكن سرعان ما كان اليأس يتخلل حروفه وهو يهمس بقلة حيلة:
-أيوة بس هنبدا منين؟ حتى مفيش نقطة بداية نتصرف على حسبها!

جلسا سويًا، وكلاً منهما يفتش بين ثنايا عالمه الخاص عن خيطًا لربما دُس بالخطأ بين محقات الدنيا!
لم يمر وقت طويل حتى وجدوا طرقات سريعة وقوية على الباب، نهض عمر مسرعا يفتح الباب ليجد محسن إندفع للداخل يهتف بصوت عالي مزمجرًا بتساؤل حاد:
-فين شهد يا عمر؟
تقوس فمه بابتسامة ساخرة وهو يرد له سؤاله:
-انا اللي مفروض اسألك السؤال، يا كبير ياللي مفروض تعقل اختك لكن لا أنت أيدتها وكنت هتساعدها تخرب بيتها.

حاول محسن تمالك نفسه وهو يقول بجدية حادة:
-لا طبعا، لما يبقى جوزها خانها يبقى لازم اساعدها تبعد عنك تماما، ثم ان آني ماشجعتهاش ولا حاجة، لو كنت آنا صديتها لما كلمتني وماوجفتش جمبها كانت هتهرب مني انا كمان، وانا معنديش استعداد اخسر خيتي الوحيدة عشانك ابدا!
اومأ عمر وهو ينظر حوله مصدوما، وكأن كل شيئ يتآمر ضده، بل وكأن ذاك التمرد يكمن داخله وهو لا يدري؟!
دلف محسن ليجد عمار فسرعان ما سأله:.

-فين شهد يا عمار حُصل لها حاجة؟ تليفونها مجفول من الصبح ولما جيت لجيت البيت فاضي
تنهد عمار بقوة قبل أن يردف بأسف:
-للأسف شهد شكلها إتخطفت يا استاذ محسن
صُدم محسن وفي لحظة كان يصرخ بأنفعال حاد:
-اتخطفت كييف يعني؟ ومين اللي ممكن يخطُفها وليييية!
أشار له عمار بجدية:
-أقعد يا استاذ محسن عشان نتصرف بالعقل كدة ونشوف المصيبة دي
استطرد محسن بخشونة:
-انتم لسة هتفكروا!؟ أنا رايح أبلغ البوليس مش هاستنى.

ولكن فجأة هز عمر رأسه نافيًا وهو يقول بعينا مسافرة لرحلة تفكير عميقة قد تطول وتطول لأبعاد غير محتملة:
-لا، محدش هيبلغ البوليس، أنا اللي هارجع شهد، أنا المسؤل عن مراتي
وفي اللحظة التالية كان ينهض متجهًا للشركة بأقدام واهية لا يقودها سوى عشق تفوح رائحة رماده لدنيانا القاسية!

دلف أحمد إلى منزله بعد يوم شاق يحمل فوق كتفيه همومًا لا تكفيه وحده بل يمكن أن تبتلع أقوى صابر متمسك بثبوته رغم أعباء الحياة!
وجد مها كانت تجلس لجوار طفلها تحتضنه بقوة وتقريبا كانت تبكي، معلومة قصتها عيناها التي أعطاها البكاء الأحمرار المُوجع...
وبمجرد أن رأته نهضت مها متجهه له مسرعة وهي تهتف:
-احمد، استنى لو سمحت عايزة أتكلم معاك ضروري
وقف بهدوء يطالعها بنظرات متوجسة:.

-خير يا مها في حاجة حصلت تاني ولا إيه؟
هزت رأسها نافية، ثم إبتلعت ريقها لتسرع بالقول المتلعثم رغمًا عنها:
-أنا آآ، أنا فكرت كتير، بص يا أحمد طلقني وأنا هاخد ابني وهنمشي من هنا واوعدك مش هتشوف وشي تاني، بس بلاش تخليها تعمل قضية وانا هاتظلم فيها والله!
كانت نظرته على قيد الولادة، لم يختلط بها تعبير واضح او لغز مفكوك، بل كانت ك طلاسم تفشل الرغبة العادية في فهمها...

بينما أكملت هي وقد بدأت دموعها تتخذ مجراها على وجنتاها:
-مش عشاني والله، بس عشان سيف، هو هيتدمر من غيري، وخصوصا لو عرف إن ابوه ساعد ف إن امه تدخل السجن ظلم!

ولأول مرة يشعر احمد أن مها امامه ثوبًا أبيض طاهرًا وناقيًا، كالثوب الأبيض لم يُدنسه نقاط زجها فيه القدر!
تنهد بقوة قبل أن يرفع يده يملس على وجنتها ليمسح دموعها هامسًا بحنان:
-محدش هيربي سيف غيرك، ولا حتى هتدخلي السجن، أنا أسف لو كنت خليتك على اعصابك الوقت ده، وماتجبيش سيرة الطلاق تاني، طول منا عايش إنتِ هتفضلي مراتي
هزت رأسها تسأله بعدم فهم:
-مش فاهمة! ازاي حصل إيه يعني؟

سحبها من يدها برفق نحو غرفة رودينا، فبدأ التوتر يشل جوانب عقلها وهي تسأله بقلق:
-احمد لو سمحت قولي في إيه بالظبط؟
دلف للغرفة ليجد رودينا تجلس امام المرآة وتمشط شعرها وهي تدندن بعض الاغاني ببرود تام...
برود كان ك شاهدٍا على نفاقها الشعوري حول وفاة طفلها المفترضة !
نهضت بمجرد أن رأتهم تهمس:
-احمد؟
وسرعان ما كانت تكمل بحماس:
-كويس إنك جيت كنت مستنياك، قدمت البلاغ ولا لسة؟!

كانت مقتربة منهم، رآن الصمت يحل بين الجميع كسحابة تحمل خلفها أطيافًا مجهولة...
ومن دون مقدمات كان أحمد يصفعها بكل قوته!
ذُهلت مها قبلها حتى من صفعة شعرت أنها ترد لها جزءًا من كرامة مبتورة وشعور أماتته هي قهرًا..
بينما صرخت فيه رودينا بحدة:
-أنت اتجننت يا احمد ولا إيه؟
أمسكها أحمد من يدها يهزها بكل قوته وهو يزمجر بصوت عالي كاد يهز جدران المنزل:.

-لا بالعكس بقا، ده أنا عقلت، عقلت وبطلت أربي حيه جوة بيتي يا هانم
إبتلعت ريقها بتوجس هامسه:
-قصدك إيه يا أحمد؟
قال مباشرةً:
-قصدي إني عرفت إنك مكنتيش حامل اصلاً عشان تسقطي!
شهقت مها مصدومة باختناق:
-نعممم؟!
تابع أكمل بحدة خالطت أنفاسه المضطربة:.

-روحت للدكتور بعد ما روحتها، كنت عايز منه التقارير وفهمته إني هروح اكشف عليها ف مستشفى تانية عشان احيانا الدكاترة بتغلط وعشان نتأكد إن كان الجنين مات فعلا او يمكن حصلت لخبطة ولسة في أمل على اساس اني يائس يعني، وخصوصا لما عرف إني ظابط ف قلق وحكالي إن حضرتك هددتيه بسلطتي إنك هتقفلي له المستشفى لو مقالش إنك اجهضتي بالاضافة للفلوس اللي ادتيهاله عشان يسكت خالص.

عضت رودينا على شفتاها رعبًا، بينما صفعها احمد مرة اخرى وهو يزمجر بخشونة حادة:
-إنتِ طالق يا رودينا، طالق، طالق بالتلاتة!

صباح اليوم التالي...
كان جاسر يدلف من باب المنزل إلى الداخل بخطوات هادئة بعدما أنهى مهامه في مساعدة والده..
بينما والدته و عنود كانا يجلسا امام التلفاز وامامهم بعض التسلية...
وما إن رأته والدته حتى نهضت متجهة له تسأله بخفوت:
-جاسر، استنى يا حبيبي عايزاك
إنتبه لها جاسر يسألها بهدوء:
-نعم يا امي في حاجة ولا إيه؟!
هزت رأسها نافية ثم أردفت بصوت ماجت به نغمات خبث خفية:.

-لا يا حبيبي بس كنت عايزاك اوعى تزعل مني على زعل أسيل
قطب جبينه متساءلاً بعدم فهم:
-مش فاهم، زعل أسيل إزاي هو إيه اللي حصل بالظبط يا أمي؟
تلعثمت قليلاً وتردد كثيرا في إخباره، لم تكن أسيل قد جذبت قدمها في الوحل ولكن هي بتسرعها ستنغمس فيه بلا عودة!
حسمت أمرها لتضمن نفسها وهي تخبره:.

-أصل أسيل سمعتني وانا بسأل عنود مجرد سؤال عابر بقولها تعملي اية لو جاسر ابني اتقدملك، ف اسيل سمعتنا وطلعت على اوضتها على طول فخفتك تزعل مني يعني او كدة؟!
ظل يحدق في والدته مصدومًا، الان اصبح بيده فك شفرات تغييرها المفاجئ ليلة أمس!
لم تكن تريده، بل كانت تفعل ذلك لتضمن لنفسها ألا تكون زوجة ثانية...
خشيت جدية امر زواجه فاضطرت لتدمير شعوره العاجز الذي كاد يستعيد نموه بعد فترة طويلة!

كانت تلعب به كعازفة لا تعزف سوى اوتارًا مميتة من العذاب على حياته...
لم يشعر بنفسه سوى وهو يركض نحو غرفتهم متجاهلاً نداء والدته:
-جاسر، اسمعني يابني انا كنت بدردش معاها مش اكتر والله
طرق الباب بعنف ليفتحه بالمفتاح الذي يحمله دومًا، ودلف ليجدها تنشف شعرها المبلل بهدوء...
نظرت له هامسه بخفوت:
-جاسر؟ أنت جيت امتى؟!
إقترب منها يجذبها له فجأةً وهو يسألهت بحدة:.

-إنتِ سمعتي امي بتتكلم على جوازي من عنود عشان كدة كنتي عايزاني اقرب منك عشان يحصل حمل، صح؟
زحفت جيوش التوتر كاملة على ملامحها قبل أن تهمس بتوتر:
-لا أنا آآ بس...
قاطعها وهو يهزها بقوة صارخًا بعصبية مخيفة:
-إنطقي الصدق يا اسيل صح ولا مش صح؟
اومأت موافقة برعب تحاول شرح الامر له:
-ايوة بس هو م آآ
قاطعها بصفعة مدوية لأول مرة توجه لها منه هو!
لأول مرة تلمسها يده بعنف لا بحنان او اقتراب مُشتاق...

ثم دفعها على الفراش حتى سقطت متأوهه ليكمل هو والنيران الحارقة تشتعل بين جفناه:
-كفاية بقا، كفاية لعب بيا! أنا اللي مابقتش عايزك خلاص!
ثم تركها ليغادر صافعًا الباب خلفه بقوة أجفلتها، بينما ظلت هي محدقة امامها ببلاهه صادمة، وكأنها تحاول إستيعاب ما حدث بأقل من دقائق معدودة...!

إستفاقت شهد من إغماءها على يد تملس على وجنتاها برقة، وتنزع عنها حجابها ببطئ شديد، تفارقا جفنيها لتتضح الرؤية امامها رويدا رويدا، إنتصب جالسة وهي تصرخ بفزع:
-أنا فييين!؟
حدقت به مصدومة، لا تصدق عيناها، بالكاد تحاول التأكد إن كان ما يحدث بخط الواقع ام هو مجرد تسرسب من خيال وهمي؟!
همست مصدومة:
-حسين؟!
اومأ موافقًا بخبث وهو يقترب منها:
-ايوة هو يا عيونه
إبتلعت ريقها بخوف وهي تتراجع للخلف ببطئ:.

-انا آآ أنت جبتني هنا لية؟ عايز مني إيه!؟
أقترب منها أكثر يربت على خصلاتها التي ظهرت رغمًا النفور الذي بدا عليها، ليقول بصوت ذو مغزى قشعر له بدنها:
-عايزك! عايزك من بدري، بدري اووي
عضت على شفتاها السفلية وقد بدأت الدموع تتجمع في عينيها:
-لا أنت اكيد مجنون، ايوة استحالة تكون واعي وأنت بتقول الكلام ده لمرات صاحبك
أمسك فكها بعنف وهو يهزها صارخًا:.

-إنتِ مش سبتيه، خلاص هايحصل الطلاق قريب وساعتها هتبقي حره، وهاتبقي ليا انا بس
ظلت تهز رأسها نافية ببكاء مرتعد كالأطفال الذي تاه ملتقى حياتهم السوية:
-لا ابعد عني، أنت مريض، إستحالة تكون بني ادم طبيعي، متوقعتش انك تنزل للمستوى ده ابدا!
اقترب منها اكثر حتى اصبحت قريبة منه جدا بل ملتصقة به تربطهم نيران كاوية تتقافز منها، ثم أردف بهمس خبيث ظهرت به طغية الرغبة:.

-تؤ تؤ، لية كدة بس أنا عايزك ومستنيكِ من بدري اوي، وهموت عليكِ اووي اووي اووي
صرخت بوجهه مزمجرة:
-ابعد عني يا حقييييير
قطع سبابها وهو يهجم عليها يحاول تقبيلها وهي تجاهد في إبعاده، بينما هو يستطرد بين قبلاته الراغبة:
-حقير بس مش قادر أبعد عنك اكتر من كدة، إنتِ حلوة اوووي، من ساعة ما شوفتك وانا بحلم ب الليلة اللي هتكوني فيها ف حضني.

كانت قد تسطحت على الارض وهي تحاول البُعد وهو فوقها ينزع عنها حجابها تمامًا ويحاول تقبيل رقبتها البيضاء، بينما هي تصرخ بقهر:
-عمممممررر!
سمعت همهمته التي اخترقت أذنيها كرعد يعلن نهاية الحياة بالنسبة لها:
-انسييه، هو ميستاهلكيش وماقدركيش، حد يكون معاه واحدة زيك ويبص بره، لكن انا هعيشك ملكة، بس وانتِ في حضني
ظلت تهز رأسها نافية بهيسترية باكية:.

-لا والنبي لاااا، ياااارب لا ياااارب ابني لااا عشان خاطر ربنا سيبني حرام عليك
وعند تلك النقطة تحديدا زجتها بعنف فابتعد عنها قليلا، لتنهض مسرعة وهي تمسك بطنها مغمغمة برعب:
-ابني، لا انا عايزاه، ابني لاااا ياااااااااااااارب
نهض هو ينظر لموضع يدها على بطنها، وتطاير شرًا دفينًا بين جوانب حلكة عيناه قبل أن يقول وكأنه صدم:
-ابنك؟!
وبلحظة كان يجذبها من خصلاتها مزمجرًا بوجهها:.

-ابنك منه صح؟! ازااااي؟! ازاي حصل حمل وعلاقتكم كانت زي الزفت، ازاي خلتيه يلمسك تاني اصلا!
حاولت الابتعاد عنها وهي تبكي:
-عشان خاطري سبني، ابوس ايدك سبني وانا مش هقول لحد اي حاجة
بدأ يقبلها بهيسترية وكأنه يستغل كل ذرة تصرخ انها بين يداه، ويداه تعبث في ملابسها يحاول نزعها عنها، بينما بدت هي وكأنها تستنجد به وهي تحاول الصراخ بصوت الذي اندرج للوهن:.

-عمممممررر، عمرررر، عممر لااا لااا ماينفعش ابعد عني يا حيووان
-اوعدك هخليكِ تجيبي عيل واتنين وتلاتة، بس مني انا مش من عمر!
قالها وهو يحاول احكام سيطرته عليها ورغبته بها تزداد كلما نجح في كشف جزءًا من جسدها...
لا يرى واقع ولا يرى واجب، فقط الرغبة التي ترسمها شياطينه!

بينما سابقا كان قد إنطلق عمر كالأسد الهائج، كسهمًا ملتهبًا بنار الحقد، لا يرى امامه سوى ظلمات كان أصلها زوجته المفقودة...
ظلمات لن ينيرها سوى الانتقام ممن تسبب، سينتقم منها أبشع أنتقام، سيعزف بكل لحنًا يعرفه من العذاب على حياتها البائسة!
وجدها تجلس أمام مكتبه بكل برود وأريحية، وكأنها لم تكد تخرب أكبر محرابًا من العشق بألاعيبها...
لا ينكر لحظة الضعف تلك التي اجتاحته عندما جاءته..

والتي مقتها بقوة، ولكن العشق يفرض سيطرته أكثر من أكبر شيطان..
أنتشلها من مقعدها يقبض على ذراعها بقوة متفجرة تُشكل غضبه الأعمى الان، ثم صاح فيها:
-إنتِ لسة هنا! إيه اللي مقعدك هنا تاني يا حيوانة إنتِ وفين حسين؟
حاولت التملص من قبضته الحديدية والتي مؤكدًا ستترك أثرًا على يدها كما يتمنى أن يترك على روحها، وراحت تقول ببرود ثلجي أغاظه:
-وأنا إيه اللي هيمشيني، لسة ماخلصتش شغلي يا أستاذ عمر.

ظل يهزها بقوة صائحًا فيها بغل:
-أنا اللي همشيكِ يا زبالة يا * يا خرابة البيوت، امشي بررررة يلا
هزت رأسها نفيًا، وقهرًا فيه ظلت تقول:
-لأ، أسفة بقا أنا مش همشي إلا لو المدير هو اللي قالي وبالمناسبة هو مشي من بدري
جادلها كازًا على أسنانه والغيظ يتعمقه أكثر فأكثر:
-أنا مديرك وبقولك غوري في داهية مش عايز أشوف وشك.

أقتربت منه بجرأة، جرأة ستتسبب في إحراقها حتمًا، حاولت الإلتصاق به، ولكنه كان مترقبًا لمحاولة فاشلة كذلك، فأبعدها عنه قبل أن يستمع لهمسها الخبيث:
-تؤ تؤ، عيب عليك يا عموري تعامل چودي حبيبتك بالطريقة دي
جهر باعتراض خشن وحاد:
-حبك برص وعشرة خرص، إنتِ مش حبيبتي ولا عمرك هتكوني كدة
رفعت حاجبها الأيسر بغرور لم تتصنعه، هي تدرك جيدًا أنها من الممكن أن تصبح نقطة من بحر حياته ليس إلا..

ولكن المجادلة لأنوثتها المغمورة ارضًا، من أساسيات شخصيتها الخبيثة!
فضيقت عيناها قبل أن تهمس له بصوت أنوثي خافت لا يسمعه سواه:
-اية ده امال مين اللي كان طبيعي معايا لما جيت له
وذكرها للأمر مجددًا كان كالفتيل الذي أشتعل في كومة غضبه...
كذكرى لا تفعل سوى حرق احشاؤوه وبقسوة، ذكرته وكأنها لكمته في معدته، يشعر بعشق شهد إهانة له عندما يتذكر!

رمقها نظره حارقة، مشتعلة ولكنها لا توازي نصف ما يشعر به في تلك اللحظة، أقترب منها يقول بصوت قوي أجش:
-أوعي تفتكري إنك حاجة، إنتِ أخرك تحركي غزيرة الراجل بجسمك بس، ده لو قدرتِ كمان!
تغاضت عن تلك الإهانة بصعوبة وهي تستطرد بجدل مستفز:
-بس حركت، وهحرك لسة اكتر
صرخ بوجهها منفعلًا من ذاك الإتهام الذي يأبى تركه حرًا:
-ده ف احلامك يا قذرة.

أخذت نفسًا عميقًا، على الأقل اثبتت أنها حركت بداخله شعور منفلتلاً من مشاعره المحكمة برابط الحب..
ولا يهم إن كان ذاك الشعور مجرد - شهوة عابرة - لتكمل ضعفه التام!
نظرت في عيناه بقوة زائفة حاولت التحلي بها وهي تتحداه:
-وصدقني حياتك كلها هتبقى لحظات زي دي معايا
ونال الحائط قبضته القوية بدلاً منها وهو يصرخ بوجهها في حدة مفرطة:
-بررررة يا زبالة، برررررة، أنا اصلاً مش هسمح لك تبقي قريبة مني تاني.

أمتعض وجهها، وبكل ما يملك العالم من برود إتجهت إلى مقعدها، تضع قدم فوق الاخرى، ثم نظرت ل عمر المشتعل كجمرة لن يذيبها أي ثلوج وقالت:
-طب اتفضل أنت يا استاذ عمر، وأنا اول ما اخلص شغلي هروح على طول، مش عايزاك تقلق خالص يعني
أغمض عيناه يعد من واحد لثلاثة، تختبر صبره الذي لم يعد يملكه اصلاً!
تحاول إستتفاذ كل ذرة لتمالك نفسه وثباته، تُدمر قشرة صلابته وسكونه المعتاد بذاك البرود!

وصدح صوته قويًا رغم إرهاقه من الجدال الفاشل:
-أنا بطردك، إنتِ مابتفهميش ولا إيه يا چودي؟!
اومأت برأسها مرددة ببساطة لا تليق بها:
-لا طبعًا بفهم
جاهد نفسه كي لا يخنقها، فابتسم إبتسامة سمجة وهو يأمرها بصوت حاد أخذ احتياطاته لعدم النقاش فيه:
-طب يلا زي الشاطرة لمي حاجتك واتكلي على الله من هنا.

مطت شفتيها للأمام، بطريقة مغرية لأي رجل، إلا هو، هو عند تلك النقطة كان من قائمة الاستثتاءات، وسيظل هكذا دومًا، طالما كان يتنفس عشق شهده!
ثم أردفت بنعومة ثعبان خبيث:
-كان الود ودي أنفذ اللي أنت عايزه، لكن مش هينفع أمشي بدون ما المدير الرئيسي يمشيني، مش أنت يعني
ظل يتنفس بصوت عالي، إلى أن قال مختنقًا بزمجرة خشنة:
-ماشي، بسيطة أوي أنا هخليه يطردك.

ودون كلمة اخرى كاد يستدير مغادرًا، ساحبًا معه كل ذرة من الهواء الطليق، ليترك خلفه نسمات كهربائية منتشرة في الجو فقط...
بينما إتسعت أبتسامة چودي الشيطانية، قبل أن تقول بنبرة ذات مغزى:.

-طب مش تستنى يمكن أساعدك تروح مكان مراتك المخطوفة ولا حاجة؟!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة