قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية أحفاد الجارحي ج5 (ترويض الشرس) للكاتبة آية محمد رفعت الفصل السادس والعشرون

رواية أحفاد الجارحي ج5 (ترويض الشرس) للكاتبة آية محمد رفعت الفصل السادس والعشرون

رواية أحفاد الجارحي ج5 (ترويض الشرس) للكاتبة آية محمد رفعت الفصل السادس والعشرون

تناسى نفوذه وما يمتلكه ويمكنه فعله، ياسين الجارحي اسمه ذاته يصعب على عدوه نطق حروفه، ومع ذلك هو الآن عاجز، يضعه القدر بعد كل تلك السنواتٍ بإختبارٍ يماثل ما تعرض له، ذاك الوجع النابض بين صدره سبق تجربته من قبل، حينما كان عاجزًا عن الاختيار بين زوجته وبين يارا، وحينها إختارها قلبًا وقالبًا، لم تكن أخته فقط بل ابنته وصديقته وكل ما يمتلكه بتلك الحياة، والآن الاختيار يمس فلذة كبده، ابنه وولي عهده، لكل ابن من الابناء مكانة خاصة، ولكن تضعك اللحظة الأولى أسيرًا لحبٍ خاصٍ رغمًا عنك، تستميلك لأول ضمة. أول قبلة. أو من رأت عينيك من نسلك، وكان عدي أول من حمله ياسين بين يده، كان أول من تعلقت عينيه به، أول من جعله عاجز عن التعامل مع عظامه الصغيرة، فكان يخشى أن ينطوي بين ذراعيه من فرط خوفه الشديد وحبه إليه، ربما كُل يبرع بمجاله، فتمكن ياسين من الانتصار على مهاب أبو العزم بجدارةٍ حينما خاض معركة تخص مجال رجال الأعمال، والآن يحقق هذا الحقير انتصارًا يثبت مدى جدارته بعالم الجريمة، قاد سيارته بمفرده للمخازن، مما زرع القلق بقلب عثمان، فطلب يحيى وهو يخبره بقلقٍ: الباشا طلب انه يسوق بنفسه وقالي أني ممشيش وراه أنا والحرس. انا حاسس يا باشا إن في شيء غلط.

أمره يحيى بحزمٍ وهو يهرع لسيارته ليتجه للمخازن: خليك وراه أنت ورجالتك يا عثمان. أوعى تسيبه!

بالمقر الرئيسي لشركات الجارحي.
انتهى الطبيب من فحصها، وعلاج جرح رأسها، فوضع عازل بين رقبتها وجسدها تحسبًا لوجود كسور في الرقبة، ثم تركها ترتاح بالغرفة السرية التابعة لمكتب الشباب، وجمع أغراضه الطبية، فداثرها عمر بالغطاء بصمت قاتل مازال يستحوذ به من اللحظة التي حالت الشكوك بأخيه، هم ياسين بالطبيب يتساءل بريبة: طمني عليها يا دكتور. أرجوك.

منحه ابتسامة عملية، وهو يخبره: متقلقش زي ما قال دكتور عمر اصابتها سطحية.
نبرته مالت للعصبية وهو يصيح به: لو إصابتها سطحية مش بتفوق ليه؟!
تفهم الحالة التي تلتهم قلبه البادي عشقه الشديد لزوجته، فوضع يده على كتفه وهو يخبره: الخبطة كانت شديدة عليها فطبيعي انها تفقد الوعي. بس وضعها دلوقتي مستقر. شوية وهتفوق بإذن الله.
هز رأسه وهو يشير له: إن شاء الله.

وتركه واتجه ليجلس جوارها، فقبض يدها بين يده وهو يناديها بلهفةٍ: مليكة. أنا جانبك يا حبيبتي فوقي عشان خاطري.
جلس عمر على المقعد القريب منه هائمًا خلف كوابيسه، متابعًا السيناريو المقبض الذي يطرحه عقله من أمامه، طرقات على الباب اصطحبها ولوج أحمد ومعتز، فقال وهو يدنو من الفراش: الدكتور قال أيه؟
اجابه ياسين بجمودٍ وعينيه تتعلق بزوجته: كويسة.

واتجهت نظراته اليه وهو يتساءل بقسوةٍ افتكت عن شخصيته الهادئة: فرغت الكاميرات؟
رد عليه معتز قائلًا: رائد نزل مع جاسم من نص ساعة.
والتفت للخلف وهو يشير له: أهم جيهم.
ملامحهم كانت مقبضة للغاية، وخاصة حينما ردد جاسم بصوتٍ بدى مرتجفًا: عدي اتخطف.
انتفض ياسين بوقفته وهو يردد بصدمة: اتخطف! أنت بتهزر!
رد عليه رائد بحزن: اللي حصل صعب يتحكي يا ياسين.

وجذب الحاسوب من جاسم، ثم انتقل للملف المسجل، فطرح من أمامهم تسجيل ما حدث منذ لحظة هبوط مليكة، إلى لحظة تخلي عدي عن قوته واختياره الأمان والسلامة لاخته الوحيدة، وتقبل ما سيواجهه بمفرده، سال الدمع على أعين معتز وجاسم بينما صاح أحمد بعصبية بالغة: ازاي كل ده يحصل واحنا فوق ومش حاسين بحاجة!
ومرر يده على شعره بغضبٍ كاد باقتلاعه: مين اللي يجرأ يعمل كده؟

أجابه ياسين بصلابة وعينيه القاتمة مازالت تقابل الشاشة متعلقة بلحظة ضرب هذا الرجل لزوجته، حفرت معالمه داخل قسمه اللعين بقتله ألف مرة، وصوته الخشن يردد: هيكون مين غيره!
استرسل رائد: مهاب أبو العزم!
ركل أحمد المقعد بقدميه وهو يصيح بغضبٍ قاتل: الكلب وقسمًا بالله ما هنسيبه لازم يدفع تمن اللي عمله ده وغالي.
قال معتز بقلق: طب هنعمل ايه. هنبلغ عمي ولا هنتصرف ازاي.

صاح ياسين بانفعال: لا. محدش هيعرف حاجة باللي حصل، لو الموضوع وصل لطنط آية ولا لرحمة حالتها هتسوء تاني، احنا لازم نتحرك بدون ما حد يعرف بحاجة من اللي حصلت.
تساءل جاسم وهو يشير بعينيه للفراش: طب ومليكة!
حانت منه نظرة حزينة تجاهها، ونبرته الخافتة عكست ضعفه المقبض: مليكة هتفضل هنا معايا محدش هيعرف بحاجة متقلقش.

اتجه أحمد لعمر المنعزل عنهم، فوضع يده على كتفه وقال بشكٍ نجح بنقله للشباب: إنت كنت متوقع إن كل ده يحصل!
ظل هائمًا بالفراغ بجمودٍ جعل الاخير يحركه بعصبية: رد عليا يا عمر؟
نهض عن المقعد ببطءٍ جعل الأخير يسانده خشية من سقوط حركه جسده المترنحة، فقال بصعوبة بالحديث: الموضوع أكبر من مهاب أبو العزم. عدي في خطر أكبر مما نتوقعه.

اقترب منه ياسين بتمهلٍ والشكوك تتراقص بين حدقتيه، فردد بحزمٍ: مخبي أيه عننا يا عمر؟

فُتحت المخازن من أمامه، فاستكمل خطواته الثابتة للداخل، ليقترب من الماسد على أحدى الاعمدة مقيد بالحبال، فتح مصطفى عينيه بإرهاقٍ تام، وحرك لسانه ليردد بتعبٍ: اقتلني وريحني من العذاب اللي أنا فيه ده يا باشا.

تحركت نظراته الثاقبة لاحد رجاله، فقام بحل وثاقه، لف ياسين يده حول رقبته فكاد بخنقه، جاهد لانتظام أنفاسه بين يده المقبضة، فرفع حدقتيه اليه ليجده يخبره بصدر رحب: هيحصل قريب وعلى ايدي. بس في مشوار مهم ليك. اعتبره مشوارك الأخير!

وجذبه ياسين بقوة كادت باسقاطه أرضًا، ففتح صندوق سيارته ثم ألقاه داخلها، وما كاد بصعوده للسيارة وجد سيارات تحاط به، فهبط منها عثمان وهو يهرع إليه ويخبره بتوترٍ: مش هينفع اسيبك لوحدك يا باشا. أنا والرجالة ضهرك في أي مكان.
أشار له بعينيه بالتنحي جانبًا وهو يخبره: هتحرك ولوحدي.
وضع عينيه أرضًا بخوف جعل اصطكاك أسنانه مسموع وهو يخبره: يحيى باشا أمرني مسبش حضرتك. هو زمانه على وصول.

ضيق عينيه بنظرةٍ رعبت رجاله بأكمله، وخاصة حينما سحب سلاح عثمان على غفلة منه، فتفاجئ به يصوبه تجاهه، وتلك المرة كان أمره مفتعلًا بتهديد قاطع: أنت هنا عشان تنفذ أوامري أنا وبس، ولو هتعارضني أنا بنفسي اللي هخلص عليك.
تراجع عثمان الخلف واتبعه رجاله، فالقى السلاح أرضًا، واستكمل خطاه بثباتٍ، حتى استقل سيارته وغادر من أمام الجميع.

أصبح الجميع على علمٍ بما أخفاه ياسين الجارحي، فازداد خوفهم على عدي أضعافًا، نجحوا باختراق قوقعة عمر فشاركوه خوفه العظيم وقلقه القاتل، جلس أحمد على المقعد بإهمالٍ ثم قال برعب: يعني عمي على علم بكل ده من البداية، وممكن يتدخل بدون ما يعرف حد!
احتدت نبرة ياسين وهو يهدر بانفعالٍ: هنجيبه لو في أخر الدنيا. المهم ان محدش لازم يعرف باللي بيحصل.

وأشار لمعتز قائلًا: اطلب مازن وخليه يجي حالا بدون ما يحسس مروج بحاجة.
أومأ برأسه ثم التقط الهاتف وأسرع بطلبه، أغلق عمر عينيه وهو يعتصر تلك الدمعة التي كادت بفضح ضعفه، خفقات قلبه تتثاقل بشكلٍ يجعل رئتيه لا تستجيب للهواء المنعش المنبعث من المبرد، يشعر بأن الخطر يحوم بأخيه فينعكس عليه ما يشعر به بتلك اللحظة، فتح عينيه الباكية وصوته الهامس يتضرع لله: يا رب!

وأضاف بحزن: رحمة مش مبطلة تسأل عليه كأنها حاسة ان في حاجة.
قال أحمد: قولها اننا في اجتماع مهم.
أجابه ببسمة ساخرة: بتحاول تصدق كلامي!

بدأت الغمامة السوداء تنقشع عنها تدريجيًا، فبدت الصورة غير مرئية، سكنة جسدها المرهق جعلتها تعود لغلقهما من جديدٍ باستسلامٍ لنومٍ آمن، فما أن اخترق مسمعها صوت زوجها حتى جاهدت لفتحهما من جديدٍ، فتمكنت تلك المرةٍ من رؤيته، يقف على مسافةٍ منها بصحبة أبناء أعمامها، ابتلعت ريقها الجاف لتجلي أحبالها الصوتية، فرفعت يدها تجاهه وهي تناديه بصوتٍ خافت للغاية: ياسين.

التفت تجاه الفراش بلهفةٍ، فابتسم بفرحة حينما وجدها استردت وعيها، أسرع اليها فمال بجسده قبالتها على الفراش، وضع يده على رأسها وهو يردد بشوقٍ: فوقتي يا حبيبتي. حمدلله على سلامتك.
مررت عينيها بالغرفة وهي تحاول تذكر كيف أتت إلى هنا، أو بالأحرى ماذا حدث بالتحديد، احاطها الشباب ليطمئنوا عليها، فتعلقت نظراتها بعمر وتلقائيًا رددت بصدمة استيعابها الكامل: عدي!

بحثت عنه بينهم وقد تسرب لها أخر مشهد ختمته عينيها قبل أن تفقد الوعي، انهارت باكية بصوت مرتفع ومن بين شهقاتها رددت بصراخ: عدي.
احاطها ياسين وضمها اليه، فشعر بدمعاتها تتنقل لحدقيته اللامعة بالدمع تأثرًا بحالتها الغريبة التي يرأها بها لأول مرة بحياته، فقال: اهدي. احنا مش هنسيبه.
بكلمات عشوائية حاولت نقل ما حدث اليهم ليساعدوه: في ناس خطفوه.
وأشارت على يدها برعب: حقنوه وأغمى عليه بعدها نقلوه لعربية سودة.

ضمها اليه بالكامل محاولًا امتصاص توترها المقلق هذا، فقال: شوفنا تسجيلات الكاميرات يا مليكة. هنحاول نوصله متقلقيش. ارتاحي انتي وأنا أوعدك ان مفيش مخلوق هيمس عدي طول ما أحنا موجودين.
عاد الدوار إليها، فمالت برأسها على كتفه، تعلقت به وغفت بنومها الكامل، اعتدل ياسين بجلسته لتسترخي بنومها، فهمس معتز خشية من ايقاظها: مازن في الطريق. بس حازم اللي مش مبطل رن عليا.
قال جاسم: ولا عليا انا كمان.

أشار لهم رائد بهمس حذر وعينيه تتابع مليكة: اوعوا تبلغوا حازم حاجة طول مهو بالقصر، يمكن حد جنبه يسمع والخبر يوصل لرحمة أو لطنط آية.
أشار أحمد اليه: المهم دلوقتي لازم نستغل كل دقيقة ونتحرك باقصى وقت.
علي هاتف أحمد بالمكالمة التاسعة عشر، فزفر وهو يجيب بضيق: مش وقتك يا حازم هكلمك بعدين.

اتاه صوته الغاضب يخبره: برن عليكم كلكم بقالي ساعة ونص، عدي اتخطف يا احمد كنت راجع المقر بعد ما وصلت البنات ولقيت عربية غريبة طالعة من الجراج وفيها ناس ساندة عدي، انا ماشي ورا العربية اللي هو فيها!
جحظت عين أحمد بصدمة، جعلت عمر يتساءل برعب بأن الخبر متعلق بأخيه: في أيه يا أحمد. طمني عرفت حاجة عن عدي!
تجاهل الجميع وهو يردد: . خليك وراهم وابعتلي اللوكيشن.

جذب عمر الهاتف منه ثم فعل السماعة الخارجية وهو يحذره: حازم اوعى حد يحس انك وراهم الناس دي خطيرة.
اجابه وهو يقود بتمهلٍ حذر: متقلقش يا عمر. بس هما واخدينه في مكان بعيد جدًا على الطريق الصحراوي انا وراهم بقالي ساعة ونص!
حمل عمر مفاتيح سيارته وهرع للخارج وهو يردد: ابعتلي حالا اللوكشين واوعى مهما حصل تدخل من غيرنا. هتعرض حياتك وحياته للخطر. اتدارى واستنى لما نوصلك.

لحق أحمد بعمر، حتى معتز وجاسم ركضوا من خلفهما، وضع ياسين مليكة بفراشها ثم قال لرائد: اتصل برانيا خليها تيجي تقعد جنب مليكة هي أنسب واحدة في البنات. عاقلة كفايا ومستحيل هتتكلم.
جذب هاتفه وطلبها وهو يركض خلفهم للمصعد، فقال بايجازٍ وهو يصعد خلفه ياسين والشباب المصعد: رانيا تعالي المقر حالا، مليكة تعبانه ومحتاجالك وأوعي حد من القصر يعرف أي حاجة.

انتظر لسماع قلقها المتصل بعباراتها المتسائلة فانهى اتصاله بكلمة مختصرة: لما هرجع هحكيلك كل حاجة.
توقف المصعد فاتجه الشباب بأكملهم للخروج، وما أن فُتح باب المقر حتى تفاجئوا بيحيى من أمامهم، بعد أن بلغه عثمان بما حدث اتجه للمقر عله يعلم ما الذي حدث ليجعل ياسين يتصرف هكذا، وزع نظراته بينهم بدهشةٍ اتبعت سؤاله: على فين؟
توزع الارتباك على وجوههم مما زرع الشك ليحيى الذي شدد من نبرته: في أيه؟!

تطلع الشباب لعمر، فقال بعد صمت استحدثه لصياغة التفكير، من المستحيل أن يخفي أبيه شيئًا عن رفيقه، فقال: عدي اتخطف يا عمي.
جحظت عين يحيى في دهشةٍ جعلته لا يحتمل استيعاب ما حدث للتو، فردد بعدم استيعاب: مستحيل! ياسين رايح برجليه لحد عندهم!
تساءل أحمد باستغراب: مين اللي رايح برجليه. تقصد أيه يا عمي؟

صاح بهم وهو يحاول أن يتمالك أمره: كنا متحفظين على راجل من رجالته، وأكيد ال ده هدده بعدي عشان كده أخده وراح لوحده.

اليوم هو يوم الصدمات الجماعية، تتفرق بينهم جميعًا والفرار من الأمر ليس هين، ليس عدي المعرض للخطر من أمامهم، ازدادت لائحتهم وليست أي زيادة، عصب تلك العائلة وأهم أضلاعها بخطرٍ سيدمي العائلة بأكملها، تواصل يحيى مع حازم بعد معرفته بما حدث، وشدد عليه الحرص الا يشعر به أحدٌ، تحركت السيارات اتباعًا للموقع المطروح على الشاشات الصغيرة بالسيارات، وانضم اليهم مازن بأسلحة ضخمة حملها بصندوق سيارته، وطول الطريق زرع بقلوبهم التوتر والخوف من القادم!

جسده القوي مقيد على المقعد الخشبي المتهالك بمنتصف المغارة التي يحد قلبها بناءً خشبي يصنع داخل المغارة منزل بكافة استخداماته، مظهره من الخارجي يخادع العين بأنها مجرد فتحة داخل جبلًا حالك السواد، وداخلها وكرًا خاص لهذا اللعين الذي لجئ لتغير دينه مسبقًا وانحلاله لأكثر من طائفة ليحصل على السلطة والأمال، وكأنه وكر أفعالي تتلئم بأسلحة وطول بنية قوية للغاية، كان عددهم بالداخل يتخطى الأربعون رجلًا، ومن الخارج خمسة وثلاثون يحاطون بالمغارة من جميع الاتجاهات بأسلحةٍ مخيفة، وبداخلها تتجمع الأفاعى حول هذا المغيب، يننظرون الآذن لحقنه مجددًا ليسترجع وعيه، هبط هذا الأرعن من الدرج الحجري ليصل للأسفل بمئزرهة الحريري المتدلي من خلفه بفرو غليظ، وبيده مشروب من الكحول المحرم، الابتسامة تشكلت على وجهه فور رؤيته لخطته تنجح وتحقق صداها برؤيته له قبالة عينيه، دنا حتى أصبح يقف مقابله، تشمله نظراته بكرهٍ وحقدٍ دافين، قبض بيده على خصلات شعره البنية الطويلة، ليرفع رأسه اليه وهو يكز على أسنانه مصدرًا أوامره: فوقوه.

انصاع إليه من يترقب اشارته، فحمل المحقن واقترب منه، حقن مصمه بالأبرة فما أن مرت دقيقة كاملة حتى استرد عدي وعيه تدريجيًا، فتح حدقتيه على مهلٍ والابتسامة تشق وجهه مما زرع الدهشة على وجه مهاب، وخاصة حينما قال: لسه زي ما أنت ومتغيرتش، فكرتك هتكتسب خبرة لما تخش مجال رجال الأعمال بس للاسف هتفضل زي ما أنت يا أمجد!

كانت مفاجأة غير لطيفه بالمرة، كسرت جزء من غروره، فانحنى تجاهه وهو يردد بهدوءٍ يعاكس ثورته: لا ذكي، لما قولتلي صوتك مش غريب عليا حسيت اني ظلمتك لما قولت عليك متهور وغبي!
اتسعت ابتسامة عدي، فاعتدل بجلسته قليلًا وهو يراقب الحبال الغليظة التي تكتف ساعديه، فقال دون إن يعبئ بما يحيطه من عدد مخيف: يمكن أكون عقلت بس للأسف أنت اللي متعلق بيا ومش حاببني أتغير للاحسن!

وتركزت نظراته تجاهه وهو يردد ببطءٍ ونبرة مخيفة: صحيت الوحش اللي جوايا. بس أوعدك المرادي مش هعتقلك حي. هسلمك جثة!
تعالت ضحكاته بجنون جعل من حوله يبتسم على حديث هذا الشاب المجنون، يتحداه داخل وكره الممتلئ برجاله وهو أعزل دون سلاحًا!

ورغم ذلك لم يرمش له جفن، وخاصة حينما انحنى مهاب ليكون قبالته وجهًا لوجه، فقال من بين اصطكاك أسنانه: النهاردة محدش هينجدك من ايدي، اللي حماك مني مرة واتنين هو بنفسه هيبقى زليل تحت رجلي.
رمش بعينيه بدهشةٍ، فأكد له مهاب ببسمة ساخرة: ياسين الجارحي كان بينجح كل مرة ويبني ألف سد بيني وبينك، بس خلاص هو بنفسه اتحبس معاك جوه السد ده.

تأكدت ظنون عدي بتلك اللحظة، فادمعت عسلية عينيه تأثرًا، غامت سحبة قاتمة ابتلعت مائها فور سماع أحدٌ الرجال يردد: ياسين الجارحي وصل بره ومعاه مصطفى زي ما طلبت يا كينج!
ضحك بانتصارٍ وهو يقذف تجاهه أساور حديدية (كلبشات) قائلًا: فتشه كويس وقيده.
ثار عدي فتحرك جسده بعنفٍ شرس على المقعد، وهو يردد بصراخٍ: هقتلك يا أمجد، وقسمًا بالله هقتلك لو قربت لابويا، خليه يمشي من هنا تارك معايا أنا!

ضحكاته المستمتعة كانت تحفز خلاياه، فتجعل قوته تخور عن مسارها، رفع عدي جسده فنهض بالمقعد، واستخدم ساقه ليصعد فوق الصخرة المرتفعة ومن ثم القى بذاته من ارتفاع شاق، فتحطم به المقعد وفكت قيوده، وفي لمح البصر قبض بيده على عنق أمجد السلاموني(مهاب أبو العزم)، والاخر يبرق له بصدمة، لولا تدخل رجاله لكان الآن بعداد الموتى، سعل بقوة والرعب يحتضن حدقتيه حينما رأى موته يرفرف بين أعين الوحش الثائر، فقال بارتباك: قيدوه بالكلبشات.

انصاعوا اليه ولفوا ذراعيه لخلف ظهره وقيدوه بالكلبشات، فدنى منه أمجد بعد تأكده من تقيده التام ثم انهال على وجهه بلكمة اصابت وجهه، وقال ببسمة ساخرة: هتحاسبني على أيه ولا أيه. على محاولة قتلي لابن عمك ولا على الحالة النفسية اللي مراتك فيها بفضل مصطفى اللي رجع بفضلي ولا على اني بعد ما هقتلك وأقتل أبوك هخلص على نسل الجارحي كله بنفسي عشان ناري اللي جوايا منك تبرد.

وحك فمه بفوه سلاحه وهو يشير له: أنا بس محتار اختارلك موتة تليق بيك. محتاج وقت أفكر.
وأشار لرجاله قائلًا: ارموه فوق لحد ما أشوف الباشا بنفسي.
جذبوه للاعلى وهو يحاول البقاء لرؤية أبيه، وصراخه مازال يعصف بالمكان: هقتلك لو قربت لأبويا، سامعني!

استعد مهاب للقاء ياسين الجارحي، فولج للداخل بعظمة وثبات طغى على من يراقبه، عزيزًا هو حتى إن فقد قلبه طوع أمره، حتى وإن زف لموته بقدميه سيظل صامدًا عتيًا، لا يقوى على كسره أحدٌ، تحرر مصطفى فأسرع تجاه مهاب ببسمة انتصار لحقت بقوله: كنت واثق ان محدش هيقدر عليك يا باشا.
حانت منه نظرة خبيثة أحاطته من رأسه لأخمص قدميه، فقال وهو يرتشف مشروبه بتلذذٍ عجيب: محدش يقدر يهزمني. بس أنا معملتش كل ده عشانك.

واستدار ليقابل نظرته المندهشة ببسمة شيطانية: اللي مستغربه انك عاشرتني وعرفت اني بكره الراجل الغبي والضعيف والصفتين اتجمعوا فيك يا صاصا.
وقبل أن ينهي كلماته إخترق رصاصه جسده فكاد بالترنح للخلف ولكنه جذبه إليه يضمه بهمس مخيف: محبتش أخسر وداعك الجميل ده. مع السلامة يا حبيبي.
وألقى جسده وهو يشير لرجاله: ادفنوه.

وتطلع تجاه ياسين بعنجهيةٍ، ظنًا من أن ما فعله سيزرع الخوف بحدقتيه الثاقبة، فلم يجد سوى الصلابة والقوة، فقال ببسمة ساخطة: نورت المطرح يا باشا. أنا طبعًا مكنتش حابب اننا نتعرف بالظروف دي بس محدش بيرتب لحاجة.
تحرر عن ثباته وهو يردد: فين ابني؟

تناول مشروبه جرعة واحدة وقربه لرجله الذي أضاف كمية أخرى، وقال: مستعجل ليه. أنا حابب أتعرف عليك اللي أنت عملته طول السنين دي كلها يخليني عندي فضول أتعرف على شخصية ياسين الجارحي اللي الكل بيعملها ألف حساب.
وجذب المقعد ثم جلس ووضع قدمًا فوق الاخرى وهو يردد بمكر: بس حقيقي متوقعتش انك هتسمع كلامي وهتيجي من غير رجالتك!

رفع احد حاجبيه وابتسامته الصغيرة لحقت به وهو يردد بصلابة: الجبان هو اللي بيتحامى في رجالته. وأنا مخوفتش من حد عشان يجي واحد تافه زيك يزرع الخوف جوايا.
واسترسل بنظرة ثاقبة: أنت اللي لازم تخاف. وتفوق من السُكر اللي أنت فيه يمكن ساعتها تعرف انت اختارت تلعب مع مين؟

ابتلع ريقه بارتباكٍ غريب، ذاك الرجل ما هو اللي نسخة عدي الأصلية، قوته. قوام شخصه. ثقته الغريبة. نظراته. كل شيءٍ يفرض به قوة وهيبة عظيمة، ومع ذلك لجئ لتخوفيه فقال: متنساش ان ابنك تحت رحمتي. وبيترجاني أرحمه.
قاطعه بنبرة اخترقت مغارته كقوة سيف يشق الجسد نصفين: ابني لو بيطلب رحمة من انسان حقير زيك أنا بنفسي هقتله.

وببسمة ثقة قال: أنا خرجته من حربك من البداية، وأنا وأنت اللي في الساحة. فياريت متفرحش بانتصارك المؤقت ده.
ولج أحد رجاله للداخل ليردد بارتباك: يا كينج.
أشار له بغضب: غور دلوقتي.
أصر الرجل للحديث معه، قائلًا: في حاجة مهمة لازم تعرفها.
مال ياسين برأسه تجاه الرجل وكأنه يعلم ما سيقول، وقال بانتصارٍ: شوف رجلك عايز يبلغك بأيه. وجمد قلبك لسه الحرب منتهتش.

ارتعب من وضع الافتراضات حول ثقته الكاملة تلك، فقال بعصبية بالغة: اتكلم.
أفصح الرجل عما أتى لاجله: البوليس قبض على رجالتنا في أمريكا ودبي. وقبضوا على شركائنا بره وجوه مصر، اتدمرنا يا باشا معتش لينا دعم بره.
جحظت عينيه في صدمةٍ، واهتز طوله الفارع، وراح يردد بعدم تصديق: ده كدب محدش يقدر يوصل لاسمائهم ولا لأي شيء متعلق بيهم، بقالهم سنين بيحاولوا!

اخترقت كلمات ياسين الآذان حينما قال بثقةٍ: مهو المسؤول عن اللي حصل مش أي حد، الجوكر والاسطورة بنفسهم الموكلين بالمهمة دي.

واسترسل بسخرية: حقيقي أنت صعبان عليا، اختارت تحارب الشخص الغلط. وقعت نفسك مع الشبل وركزت حربك عليه ونسيت القبيلة بتاعته، من عيلة وأصدقاء وقبل كده أبوه اللي قبل ما تفكر تكسره هد عشك فوق دماغك. أنا طلبت منهم يتحركوا ويقبضوا عليهم في اللحظة دي بالذات عشان متفكرش انك بتلوي دراعي بابني، بالعكس انا حابب لما أواجه الموت أكون معاه كتف بكتف. بس وانت كده مش قادر تفوق من الصدمات اللي انا السبب فيها. يمكن في المستقبل لو طلعت من هنا حي تأخد الدرس كويس وتختار اللي تقف قصاده كويس.

وجوده قبالته بتلك اللحظة أربك كيانه، فخشى أن يلاحظ ياسين ارتجافه أمام قوة حضوره وتحكمه بلجام الفرس بإشارة صغيرة وهو يقف أمام عينيه، كان يظن بأنه يمتلك من الرجال ما يجعله مميزًا لتلك الدرجة، ولكن قوته تلخصت الآن بذكائه، ابتسامته وثباته جعله يشير لرجاله قائلًا: خدوه فوق لحد ما نتأكد من الكلام ده.

انصعوا اليه ورفضوا لمسه واجباره على المشي فأشاروا له واتبعهم للأعلى برزانةٍ وصلابة مازال يلجئ إليها، حتى وإن اهترى قلبه قلقًا على ابنه وعدم وجوده بينهم كان يسن أعظم سلاحًا إليه.

تسلل صوت الرصاص إليه بالأعلى زرع افتراضات كلاهما أصعب من الأخر، وأسوء ما يحتلهما اصابة والده بالطلق الناري، زحف عدي بجسده حتى استند بذراعيه المقيدة خلف ظهره على احدى الصخور، وكلما حاول التمسك برزانته وقوة ثباته فشل فشل ذريعًا، وخاصة بتعلق الامر بأبيه، فطرق برأسه على الحائط من خلفه وعينيه لا تفارق سقف الكهف الحجري، وكلما ارتبط الأمر بموت أبيه زاد بطرق رأسه لتتوقف عن طرح فكرًا مشابه لذاك، يشعر ولأول مرة بضعفه دونه، فأغلق عينيه ليبعد عنه أي أفكارًا غريبة، وفجأة تسلل لفقعته صوته الدافئ: عدي!

فتح عينيه على مهلٍ فوجده يجلس جواره مقيد بالكلبش الحديدي، ارتخت معالم كلًا منهما وهو يجد الأخر على ما يرام، فعاد ليستند برأسه للخلف ورأسه يستدير تجاهه، فقال بحزن: كنت بتعمل كل ده عشان تحميني، وأنا كنت بحاول أفهمك وأفهم أيه اللي بتحاول تداريه ورا تحدياتك، ودلوقتي فهمت.

واسترسل وهو يتطلع إليه بأعين دامعة: فهمت انك أعظم أب في الكون، كل تصرف عملته كان وراه ألف مبرر في وقت أنا مكنتش لقي مبرر واحد لتصرفاتك، بعدك للبنات عن القصر كان عشان رحمة تكون بامان بعيد عن المشاكل اللي أنا فيها!
استمع إليه بسكون وهو يستند برأسه على جسد الصخرة مثلما يفعل عدي، يسترخي تمامًا لأخر لحظاتهما معًا، انهمرت احدى دمعاتها وهو يختم حديثه: اد ايه انت شخص عظيم وتستحق حب كل اللي حواليك.

تطلع تجاهه ليكسر صمته ببسمة هادئة: كلهم الا ابني!
رد عليه بصوته المحتقن من الدموعٍ: لانه غبي ومتهور ومش مقدر النعم اللي في حياته.
ابتسم وهو يردد بمرحٍ: يمكن شايف نفسه توم كروز ولما بعد عن كيانه وشغله حب يعيش مغامراته جوه قصر الجارحي وملقاش حد يتحداه غير كبيره مثلًا!
افتر فمه عن ابتسامةٍ، ثم قال بتريثٍ: تعرف أن الكلب ده هيقتلنا!

أجابه بثقةٍ: ده يبقى غبي بصحيح لو سابنا عايشين بعد القلم المحترم اللي اخده مني.
اعتدل وتساءل بجدية: قلم أيه؟!

رد عليه ياسين وهو يتعمق بنظراته إليه: مراد ورحيم مسكوا القضايا الدولية الخاصة بالمجموعة اللي بتساعده بره مصر، وفي اللحظة اللي كانوا هيقبضوا فيها عليهم كنت إنت اتخطفت، كانوا عايزين يتراجعوا بس أنا رفضت، لو مصيرك الموت هنموت مع بعض يا عدي. بس الكلب ده ميحققش اللي في دماغه وميفكرش انه انتصر عليك!
استند برأسه مجددًا على الصخرة وهو يردد بعدم تصديق: حتى مراد ورحيم جندتهم!

ضحك حتى برزت أسنانه البيضاء، وقال: اعترف إني خصم مش سهل، حتى وإحنا على مشارف الموت.
اتجهت نظرات عدي إليه، وقال بانفعالٍ شرس: محدش هيقرب منك طول ما أنا حي.
ابتسم وهو يستمع لما قاله، وما أن تطلع إليه تلاشت ابتسامته تدريجيًا حينما وجد وجهه يزداد لونه بالأصفر القاتم، وجبينه يتصبب عرقًا، فزع ياسين فتحرك تجاهه يسأله بلهفةٍ: عدي مالك؟!

كبت تأويهاته المؤلمة، فشك ياسين فيما يفعله، فحاول ابعاده عن الصخرة باستخدام يده المكبلة بالكلبش ليعلم ماذا يفعل خلف ظهره، فتفاجئ به يمزق ابهامه بصورةٍ جعلت جسد ياسين ينتفض وهو يصرخ به: انت بتأذي نفسك!
سحب ابهامه من الكلبش بسهولة، فتحرر يده، ضمها عدي اليه وهو يرسم بسمة خبيثة يتبعها قوله الماكر: كسر صابع أفضل من فصل رقبة يا باشا.

ومزق قميصه الأبيض ثم لفه على اصبعه وهو يخبره ببسمة صغيرة: غريب اني لسه فاكر دروس مهنتي!
ونهض من جواره يبحث عن شيءٍ حاد، فوجد قطعة من الحديد مطولة قد توفي بالغرض، فركها عدي بالصخور ليحصل على سنٍ حاد، ثم دنى من ياسين يفك الأساور عنه بمهارةٍ فائقة، فقال وهو يتطلع اليه: يمكن جيه الوقت الا تشوف بعينك تاريخ ابنك اللي عاشه في الشرطة مع المجرمين.

واندث بأحضانه ثم قبل يده وتطلع اليه وهو يخبره بصوته الباكي: أنا آسف اني كنت السبب في كل اللي عاشته.
ابتسم وهو يمرر يده على خصلات شعره: ولو لسه في عمري عمر هفيديك أنت وأخواتك لحد أخر نفس!
أزاح دموعه وهو يشير له: عارف وواثق من ده وآ...

بترت كلماته حينما تسلل اليه خطوات أحدٌ يقترب منهما، فتسلل لخلف الصخرة وما أن ولج أحد الرجال حتى حاصره من الخلف، فكمم فمه وتحكم برقبته بكلتا يده، وفي لحظة كسر رقبته بين يده وألقاه أرضًا، ثم حمل السلاح عن يده، وأشار لوالده بتتبعه، اتبعه ياسين للخارج، فوجده يراقب الأماكن بعناية بالغة، وفجأة يختفي لتلك الصخور المرتفعة ببراهةٍ، وفي لمح البصر كان ينجح بقتل فريسته، ويعود للاخرى من جديد، فاستخدم احد الأسلحة القاتمة للصوت، وشق طريقه بالقضاء عليهم.

توقف العالم من حوله وأخذ يراقب كل ردة فعل يتخذها عدي، ربما شاء الله عز وجل أن يحدث كل ذلك حتى يرى بعينيه ماذا يتمكن ابنه من فعله، هو ليس ظابطًا عاديًا مثلما أكد له اللواء واصدقائه، بل احترف مهنته وباتت بصميم قلبه، كان ياسين يخطو من خلفه ببطءٍ، يشاهد ما تمكن من فعله، قلب زمام المعركة وهو بمفرده فماذا إن كان يقود فريقًا بأكمله.

نال احدهم الطلقة النارية وسقط عن الصخور بالأسفل، فانتبه رجال مهاب لما يحدث بالطابق العلوي من الكهف، اتخذ الجميع مواقعهم، وشتان ما حدث حينما ولج من الخارج أحد الرجال، كان مصابًا بكتفه الأيمن يخبر رئيسه برعب: في ناس هجمت علينا وموتوا كل الرجالة.
صعق مما استمع اليه، وتساءل: البوليس وصلنا ازاي؟
أكد له: لا مش بوليس.
تساءل بفضول: أمال مين؟

اتاه الرد قاتل، حينما ولج شباب الجارحي بأكملهم للداخل لتبدأ المعركة الآن، وكُل ينتقم لنفس الهدف، تشابك مازن بالاسلحه بمهارةٍ، واختبأ أحمد ورائد خلف الصخور، تسللوا وهاجمهوهم من الظهر حتى يمنعوا هجوم مازن بالرصاص الحي، أما جاسم فجذب أحد أسياخ الحديد وهوى بها فوق الرؤؤس، وتبادل معتز اللكمات مع من تتلقفه يده القوية، أما عمر فتركههم وصعد للاعلى يبحث عن عدي وأبيه بخوفٍ شديد، فعاد قلبه ينبض من جديدٍ حينما وجد أبيه يتبع عدي للاسفل، ركض اليه فاحتضنه وهو يردد ببكاء: بابا. الحمد لله انكم بخير.

اندهش عدي وياسين بوجوده، فاحتضن عمر عدي، فضمه وهو يشير له: مش وقته، هنموت كده.
تساءل ياسين بذهول: أنت وصلت هنا ازاي؟!
قال وهو يشير للاسفل: كلنا هنا.

اتبع اللواء اشارة جهاز رحيم المغارة بقواته الخاصة، بناء على مكالمة مراد الذي يتابع القبض على المافيا الدولية بأمريكا، وكان نصيب رحيم دبي لينهوا امبراطورية هذا الأرعن وأسياده، فوصل للمغارة ليضيف من قوتهم قوة، حاصروا المكان بأكمله وحينما ولجوا للداخل بدأت معركة أخرى يطوف بها الرصاص الحي من جميع الاتجاهات.

صعد حازم فوق ظهر فؤاد، وأخذ يكيل له الركلات قائلًا بسخط بعدما ترجاه الاخير: ما أنتي اللي مبتحرميش يا فوءة، قولتلك فكك من الراجل الشمال ده مصممة تشتغلي معاه يبقى لازم تتربي!
وركله بقوةٍ اطاحت به أرضًا أسفل قدم الشرطي الذي اعتقله على الفور، فقال بتحذير: الراجل ده لو خد براءة الشعب هيتدمر كله. لأنه غبي وبينقل العداوة للكوكب.
واتجه لاحد الرجال فطرق يد بالاخرى وهو يردد بهمة: استعنا على الشقا بالله.

ولكمه بقوة جعلت الاخير يرتد للخلف ثم القى ذاته من فوقه ليكيل له صفعات متتالية، ومن ثم كبت منخاره بيده فاتجه اليه معتز وهو يشير له بصدمة: بتعمل أيه يا متخلف انت؟!
قال باستغراب من سؤاله: بعذبه!
لطم جبهته بيده وهو يشير له بنفاذ صبر: كمل رحلة تعذيبك كمل.
تساءل بجدية: ايه رأيك أقضي عليه بحركة السلحفة؟
رفع احد حاجبيه باستغراب: حركة أيه؟
أشار له بالتمهل وكور يده ثم ردد وهو يحركها كالسلحفة: أووووع هوووه.

وهبط بها فوق رأسه ففقد الوعي على الفور.

لفت انتباه ياسين رؤيته نفس الشخص الذي رأه مسبقًا في تسجيلات الكاميرا، يعتدي على زوجته بالسلاح الذي أصاب رأسها، غلت الدماء بعروقه، فصعد الدرج الصخري حتى بات يقف قبالة عينيه، ألقى جسد الشرطي بعدما انتهى منه بإهمالٍ، وتأهب لذلك الغريب الذي يطالبه بنزال اعتاد عليه، لم يكن هينًا بالمرة كان يمتلك جسدًا ممتليء بالعضلات القاسية، فهولاء يتم اختيارهم بعنايةٍ للعمل مع الشياطين التي تلقهم بالمال، لذا قام مهاب بإرساله هو ليقوم بخطف عدي، فلم يختار الا أشرسهم قوة ووحشية، جذب السيف الحاد ثم هاجم ياسين، متعمدًا قطع قدميه، فقفز عاليًا متفاديًا السيف، ومن ثم انحنى، وقفز ليهوى بلكمة قويةٍ على وجهه، جعلته يرتد للخلف وهو يتأمله بقلقٍ، خلع ياسين جاكيته ثم تقدم منه ليناله عدد من الركلات واللكمات التي افتكت به، فرفع السيف ليغرسه ببطنه، فتفاده ياسين ولوى ذراعه ليضربه بكل ما أوتى من قوةٍ، فسقط السيف على ذراعه الأيمن ليبتره عن جسده، صرخ الرجل بألمٍ وتلوى أرضًا، فجذبه ياسين اليه وهمس بفحيحٍ مخيف: كل ما تبص على ايدك افتكر ان ده جزاء اللي يمس واحدة من حريم الجارحي، وبالأخص لو كانت مراتي.

وألقاه أرضًا ثم بصق بوجهه بنفورٍ، وكاد بالمغادرة فتوقف حينما وجد حازم يسرع اليه، فحمل ذراعه المبتور وقدمه له وهو يردد بشفقةٍ: يا كبد أمك يا ابني. خد يا حبيبي متعيطش
ونهض ليقف امام ياسين ثم صاح به: في أيه يا ياسين احنا قتالين قتلة يا جدع. مينفعش الوضع ده!
صاح به معتز: سيبه يتربى ده رفع ايده على مليكة.

صعق حازم مما استمع اليه، فركض اليه وحمل ذراعه ثم القاه بعيدًا عنه وهو يشير له بغضب: تستاهل بصراحه مش لقيالك مبرر!

تغلب أحمد على من يواجهه من هؤلاء العتاة، فكاد بالهبوط للاسفل، ولكنه توقف حينما شعر بسلاحٍ يخترق فوهه رأسه، وصوت خشن يردد: اثبت مكانك لاعلم عليك.
استدار ببطءٍ إليه، فلمح عمر يقترب من خلفه وهو يشير له بأن يقوم بإلهائه، فصفر له من الخلف فما أن استدار حتى قبالته لكمته القوية فاسقطته أرضًا، فأشار لأحمد بغرور: أي خدمة يابو حميد.

نجح عدي باسقاط عدد لا بأس به من أتباع مهاب، حتى هبط للاسفل، فتفاجئ باللواء يحاصر المغارة بقواتٍ من الشرطة، وابناء اعمامه يساعدونهم بصدر رحب، اجتمع الشباب حول مهاب أبو العزم بعدما تعرى بدون رجال لحمايته، فالتف الشباب من حوله، وسددوا إليه لكمات اطاحت به بينهم، فجذبه حازم من تلباب قميصه وصاح به ساخرًا: بقى أنت بتخطف واحد من عيلة الجارحي يا بجاحتك يا أخي، ده أنت هيتعمل منك صوابع زينبو!

ولكمه بقوة أطاحت به لجاسم الذي نال به ركلة قوية وهو يشير ساخرًا: عامل فيها زعيم عصابة!
ردد معتز وهو يتلقفه: على نفسك يالا، ده أنت هتأكل بالشبب لتاني يوم الصبح عشان تحرم!
لكمه أحمد بقوةٍ جعلت فمه ينسدل بالدماء وقال بشراسة: لما تحب تهاجم حد خرج الحريم بره الليلة، بس أنت متعرفش يعني أيه رجولة.

تلقفه رائد فانهال عليه بالركلات القوية التي مالت جسده لمازن فرفض تسليمه لاي منهم، وخلص ما فعله بزوجته منه على أكمل وجه.
تابع اللواء ما يحدث بصدمة، فقال ليحيى الذي يقف لجواره: يا باشا مينفعش كده، احنا عايزنه حي من فضلك اتدخل.
راقب يحيى ما يحدث باستمتاع، ثم قال: سيب الاولاد يلعبوا يا سيادة اللوا. كملوا يا شباب. عايزينه يتربى.

واتجهت نظراته لياسين الذي يقترب ليقف جواره، فحاوطه بذراعيه وهو يعاتبه بشكل مضحك: أنت مش مشترك في تربيته مع ولاد عمك ليه يا حبيبي. عضلاتك نفخ ولا هبطت!
ضحك ياسين وهو يشير لعينيه: عيني. هروقهولك.
صاح اللواء: يا يحيى باشا مينفعش كده.

تعالت ضحكات عدي وهو يتابع ما يفعله عمه للانتقام من مهاب، فترك جلستهم واتجه لرفيقه، ضمه يحيى اليه وعاتبه بحزن: كده يا ياسين تمشي من غير ما تقولي، عمرك ما عملت حاجة من غيري تقوم تروح للموت لوحدك.
ابتسم ياسين الجارحي، فقال وهو يربت على كتفه: وأنت عملت أيه جيت ورايا برجليك!
اشار بغرور: طول عمري وراك.
جحظت عين عدي بصدمة، فسحب سلاحه وركض تجاه الشباب فصرخ مرددًا: عمر!

انتبه الجميع اليه فصعقوا حينما رأوه يسلط سلاحه بوجه أخيه وجهًا لوجه، غامت عين ياسين لذكرياتٍ حُلم لا يتمنى رؤية تفسيره القريب منه، وأكثر ما يقلقه تحرر زناد سلاح عدي!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة