قصص و روايات - نوفيلا :

نوفيلا ذو الوشم للكاتبة منال سالم الفصل الثالث

نوفيلا ذو الوشم للكاتبة منال سالم الفصل الثالث

نوفيلا ذو الوشم للكاتبة منال سالم الفصل الثالث

عادت إلى وعيها وهي تشعر بثقل كبير في جفنيها أجبرها على استمرار غلقهما، وبصداع رهيب كاد أن يفتك برأسها، تأوهت بصوت خفيض وهي تجاهد لفتح عينيها ببطء، بدت الإضاءة مزعجة في البداية، لكن رويدًا رويدًا اعتادت عليها، حركت عنقها قليلاً لتتأمل المكان من حولها، كانت غافلة على الأريكة، فشعرت بتيبس مؤلم في عنقها، اعتدلت في جلستها، ومررت أنظارها بتريث على أرجاء المكان، كل شيء غريب وغير مألوف بالنسبة لها، حاولت تذكر ما حدث لكنها لم تستطع، ولم يعلق بذاكرتها سوى صاحب الوشم، تنهدت بإرهاق لكن سريعًا ما تحولت لشهقة مرتعدة حينما سمعت صوته يسألها:.

كيف حالك الآن؟
أدارت نيكول رأسها للجانب لترى أندرو يطالعها بنظرات قوية وهو ممسك بقدح صغير في يده ربما يحوي مشروبًا ساخنًا، ضمت ساقيها إليها لتنكمش على نفسها وسألته بخوف:
ماذا تفعل هنا؟ وكيف...
توترت وهي تحاول إيجاد تفسير منطقي لما يحدث معها، فخرج صوتها متقطعًا وكأنها تفكر بصوت مسموع:
وكيف جئت إلى هنا؟
بقيت أنظار أندرو مثبتة عليها لم يهتز له طرف، دنا منها بحذر ليمد يده بالقدح نحوها قائلاً بهدوء:.

اشربيه سيفيدك!
أغاظها تجاهله لأسئلتها فصرخت بعصبية وهي تدفع يده بعيدًا عنها:
لا أريد شيئًا منك أيها النذل!
قذفت القدح الفخاري بعنف من يده فسقط على الأرضية متحطمًا إلى أجزاء صغيرة، وتناثر ما به عليها محدثًا فوضى عارمة، رمقها أندرو بنظرات حادة مزعوجة من تصرفها الفظ، لكنه حافظ على جموده أمامها، واصلت صراخها قائلة:
أريد الخروج من هنا!

انحنى فجأة عليها ليمسك بها من فكها قائلاً بصرامة من بين أسنانه المضغوطة:
اهدئي، ولا تختبري أعصابي معك!
ضربت بعصبية شديدة قبضته علها تبعدها عنه وهي تصرخ فيه بجنون:
اتركني!
ضغط بأصابعه على فكها مرددًا بصرامة:
اصغِ إليّ جيدًا، أنتِ رهينتي حتى يعود والدك!

اتسعت حدقتاها بصدمة كبيرة، وظلت تطالعه بنظرات مدهوشة، أرخى أندرو أصابعه عنها متراجعًا للخلف، اعتقدت نيكول أنها حيلة من والدها لإجبارها على البقاء ريثما يعود من إحدى سفراته التي لا تنتهي، وهي حسمت أمرها بالرحيل، فكان ذلك رده على رسالتها النصية له، عبس وجهها سريعًا وهبت واقفة من مكانها قائلة باحتجاج:
هو من أرسلك لتفعل ذلك، حسنًا أخبره أني رافضة لعرضه السخي، ولتذهب أنت للجحيم.

أجبرها على الجلوس في مكانها هاتفًا بصيغة آمرة:
اجلسي في مكانك
انزعجت من وضعه ليده على كتفها بجرأة هاتفة بانفعال متأفف:
لا تلمسني!
أشار لها بسبابته مرددًا:
لن أقترب منك بشرط أن تتبعي أوامري!
نظرت له بازدراء وهي تقول:
ومن أنت لتظن أني سأفعل ذلك؟
قست تعبيراته متسائلاً بتهكم:
ألديك مشكلة في السمع؟
شعرت بالإهانة من جملته تلك، فردت عليه بقوة:
أيها الوقح! أتسخر مني؟
حذرها بصرامة مخيفة:.

كُفِ لسانك عني، فأنا حاد الطباع حينما انفعل، أحذرك مرة أخرى لا تختبري صبري
وقفت قبالته من جديد لتنظر له بتحدٍ وهي ترد:
أتظن أنك سترعبني؟ أنت حقًا ساذج، سأشكو عليك ريثما أخرج من هنا، لن أدع شرطيًا إلا وسأجبره على مطاردتك!
رمقته بنظرات دونية قبل أن تتحرك للجانب مضيفة بعناد:
ولن أبقى للحظة هنا!

قبض على ذراعها بقوة ليجبرها على الوقوف في مكانها فتأوهت متألمة من قوة أصابعه عليها، قرب رأسه من وجهها ليطالعها بنظرات جادة وهو يقول بلهجة شديدة:
نيكول إليك الأمر، ستمكثين هنا لبعض الوقت، فتقبليه رضاءً وإلا سيكون جبرًا
سألته بصوت متشنج:
أهذا تهديد؟
رد بثبات:
سميه ما تشائين لكن أنتِ أمانة عندي
همست من بين شفتيها وهي تحاول نزع أصابعه القوية عنها:
حقير وغد
مال برأسه على أذنها ليهمس لها بنبرة ذات مغزى:.

تعيدين السباب مجددًا، وأنا حذرتك
ارتجف بدنها من كلماته المهددة، ورمقته بنظرات شبه مذعورة، شعرت بجفاف شديد في حلقها وبتوتر في صدرها انعكس على أنفاسها المتهدجة، شعرت أن معركتها معه خاسرة، فالأسلم الانسحاب الآن حتى تفكر مليًا فيما ستفعله لاحقًا، همست بنبرة مترددة:
لا أريد البقاء معك في نفس الغرفة!
تراخت قبضته عنها وهو يقول بهدوء:
لكِ غرفة خاصة بكِ، اطمئني!

أولته ظهرها وهي تفرك ذراعها لتخفف من حدة الألم الذي سببه لها، تحرك خلفها متابعًا:
هناك طعام في البراد، تناوليه!
لم تعلق عليه، وظلت تتنفس بعمق لتسيطر على نفسها قبل أن تنخرط في بكاء غير مبرر، تركها بمفردها ليعطيها مساحة من الحرية لترتب أفكارها، فقد شعر بحالة التخبط التي تعتريها، هي بحاجة لبعض الخصوصية لتتقبل فكرة بقائها معه الفترة القادمة.
أحست به يبتعد عنها فدفنت وجهها بين راحتيها مرددة لنفسها:.

ماذا سأفعل؟
انهارت على قدميها متابعة بصوتٍ باكٍ:
أي حظ تعس ألقاني هنا؟ وكيف سأتحمل العيش مع ذلك الفظ؟ لا أطيقه! إنه كالمجرمين!
استمع لشكواها دون قصد فانزعج من ظنها السوء به، هي تعده مجرمًا وهو أبعد ما يكون عن هذا، هو رجل أبيها الأول، لم يصادف أن قابلها من قبل، فقط رأى صورًا فتوغرافية لها مع والدها، وهي لم تلقاه مسبقًا أو تعرف حتى طبيعة عمله، لذلك من الطبيعي أن تشعر بالخوف والرهبة منه.

مكثت في غرفتها متحاشية الالتقاء به، ولم تتناول ما يعده لها من طعام إلا لقيمات صغيرة تمدها بالطاقة وتبقيها حية، وعلى قدر المستطاع جاهد لتيسير سبل الراحة لها لكنها كانت أكثر عندًا منه، رفضت ما قدمه لها، كان تفكيرها منصبًا حول أمر واحد؛ ألا وهو الفرار منه، بدأت تدرس المكان جيدًا، وتعد في رأسها خطة للهرب.

استغلت فرصة استحمامه لتتسلل بخفة دون أن تصدر صوتًا، اقتربت من باب المنزل فوجدته موصدًا، كورت قبضتها مغتاظة، وفكرت في الهرب من النافذة، أسرعت في خطاها نحوها، فتحتها بحرص شديد، وتأملت بأعين متفحة المكان بالخارج، كانت المسافة مناسبة للقفز، والأرض عشبية رطبة لن تسبب لها الأذى، حسمت أمرها بالهروب فورًا، استندت نيكول بيديها على الحافة لترفع جسدها، ثم ألقت بنفسها للخارج فانكبت على وجهها، كتمت بصعوبة شهقة متألمة كادت أن تخرج من جوفها وتفضح أمرها، التفتت برأسها للخلف لتتأكد من عدم رؤيته لها، نفضت يديها من العشب الأخضر وهي تنهض على ساقيها لتبدأ في الركض السريع متخذة الأشجار العالية كستار لها، استمرت في الركض حتى تقطعت أنفاسها، لكن هوى قلبها في قدميها حينما سمعت صوته يصدح عاليًا:.

نيكول
لقد اكتشف أمر فرارها فهب مسرعًا خلفها ليلحق بها، صرخت بفزع لمجرد تخيل عودتها إليه وما سيفعله بها إن طالتها يداه، تحملت الألم في ركبتيها وتابعت الركض المذعور هاربة منه، لكنه وصل إليها، هو يعرف الطريق جيدًا في تلك المنطقة الغريبة عنها، دفع جسده نحوها بقوة ليلقي بثقله عليها فأجبرها على السقوط أرضًا، صرخت نيكول برعب:
لا تقتلني، النجدة، اغيثوني!

زحفت على بطنها لتبتعد عنه، لكنه أمسك بها من قدمها وجذبها إليه ثم جثى فوقها مثبتًا إياها على الأرضية العشبية من ذراعيها، واصلت صراخها المرتعد منه مما اضطره لتكميم فمها بيده، تلوت بجسدها محاولة إبعاده عنها وتحرير نفسها لكنه قيد حركتها تمامًا، نظر لها بجمود قاسٍ وهو يقول:
اهدئي
حاولت الصراخ لكن يده منعت صوتها من الخروج فبقي حبيس جوفها، تابع محذرًا:
أنتِ اخترتِ الخيار الأصعب!

لم تفهم المقصد من جملته الغامضة، لكنها حتمًا لا تبشر بأي خير، ظنت أنه سيحاول الاعتداء عليها، أن يفعل مثلما رأت في الأفلام السينمائية، يجعلها تعاني من أسوأ العواقب لهروبها.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة