قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية وبقي منها حطام أنثى للكاتبة منال سالم و ياسمين عادل الفصل الثامن عشر

رواية وبقي منها حطام أنثى للكاتبة منال سالم و ياسمين عادل الفصل الثامن عشر

رواية وبقي منها حطام أنثى للكاتبة منال سالم و ياسمين عادل الفصل الثامن عشر

مد محسن ذراعه وهو شبه غافٍ – إلى جواره ليتلمس زوجته الجميلة، فوجد مكانها خاوياً وبارداً، ففتح عينيه فجأة، وضاقت نظراته المنزعجة وهو يفتش عنها سريعاً..
اعتدل في نومته، وحك مؤخرة رأسه ثم تثاءب، ونهض بتثاقل من على الفراش..
جرجر قدميه وهو يتحرك للخارج..
رأها وهي غافية و متكومة على نفسها على الأريكة في روبها القطني، فأثارته، وحركت غرائزه نحوها..
تقوس فمه بإبتسامة عابثة، ودار برأسه أفكار طائشة..

اقترب منها، وجلس إلى جوارها، وظل يطالعها بنظرات دقيقة أكثر جرأة..
مد يده لينزع ببطء عنها روبها وهو يمتع عينيه بمفاتنها الأنثوية، فقد ظل محروماً لفترة من امرأة جميلة ترضيه وتلبي رغباته..
تململت إيثار في نومتها الغير مريحة، وشعرت بلمسات حذرة على بشرتها أصابتها بالقشعريرة..
رعشة باردة دبت فيها فجأة، ففتحت عينيها مذعورة، وحدقت فيه بهلع..

رأت يديه على جسدها، فأبعدتهما بخوف، وضمت سريعاً فتحتي روبها لتغلقه جيداً..
تحولت نظراته للإظلام وهو يرى ردة فعلتها، فصاح بها بقوة:
في ايه؟ شوفتي عفريت!
نظرت له متأففة، وحاولت النهوض وهي تجيبه بتلعثم:
أنا، انت آآ...
قاطعها قائلاً بشراهة أرعبتها أكثر:
أنا عاوزك
جفل جسدها من نبرته، وتفاجئت به يميل عليها ليقبلها رغماً عنها وهو يتابع بهمس زاد من شعورها بالنفور:
لسه بتتكسفي مني يا عروسة!

وضعت قبضتيه على ذراعيها، فدفعته بعيداً عنها بركبتيها المضمومتين رافضة أي محاولة منه لتحقيق مبتغاه، ولكنه أبى ألا يتركها..
فقد طاب له التمتع بها..
وها قد عاود تكرار فعلة الأمس ليزيد من إزدرائها لنفسها...

جمعت تحية صحون طعام الإفطار الفارغة وهي تتنهد بحزن..
كانت ملامح وجهها عابسة للغاية، نظراتها شاردة..
تشعر بإشتياق إلى ابنتها الوحيدة رغم أنها لم تفارقها إلا بالأمس..
رأها عمرو على تلك الحالة الواجمة، فاقترب منها، وسألها متعجباً:
ايه اللي مضايقك؟
ردت عليه بإقتضاب:
مافيش!
أدرك عمرو دون أن تنطق والدته أن سبب حزنها هو شقيقته، فإبتسم قائلاً بمرح:
شكل البت إيثار وحشتك.

ردت عليه بصعوبة وهي تحاول منع عبراتها من الإنهمار:
اسكت ياعمرو، قطعت بيا!
لف ذراعه حول كتفيها، وقبل أعلى رأسها وهو يضيف بتحمس:
ياماما هي لحقت، ده تلاقيها متهنية مع محسن ومتمرمغة في العسل!
تنهدت تحية قائلة بتمني:
يا ريت يا بني، لأحسن قلبي واكلني عليها أوي!
وكأن شكوك والدته قد أرقت ضميره الذي حاول إسكاته منذ الأمس، فكلمات إيثار الجافة قد أحدثت أثراً غائراً في نفسه حتى لو حاول إنكار هذا...

تراجع محسن بجسده للخلف بعد أن فرغ من بث رغباته المشحونة، ومسح لعاب فمه بكفه، وحدج إيثار بنظرات غريبة، ثم أردف قائلاً بجمود:
قومي يا حلوة جاهزيلنا بايديكي الطعمين دول لقمة ناكلها قبل ما نتوكل على الله ونسافر!
لم تعقب عليه، بل إكتفت بالنظر إليه شزراً وهي تعيد غلق روبها بيدين شبه مرتعشتين..
نهض عن الأريكة، وتحرك نحو المرحاض ليغتسل، فدفنت إيثار وجهها في راحتي يدها لتبكي بأسف حالها..

هي ليست كأي عروس سعيدة بزواجها، هي تعاني بمرور اللحظات وهي في أحضان ذلك السمج المقيت الذي تبغض اقترابه منها..
وها هو يحطم فيها مشاعر الود والألفة من جديد..
لم يدفعها لحبه بالرفق واللين، بل تجاهل مشاعرها تماماً، وكأنها مجرد وعاء ينفث فيه طاقاته المكبوتة قاتلاً فيها أي إحساس بالحب والرغبة...

أعدت تحية وجبة الطعام للعروسين وأضافت عليها الكثير من الفاكهة والحلوى..
تأمل رحيم تلك الأكياس البلاستيكية بنظرات ممعنة، وتساءل قائلاً بجدية:
خلصتي يا تحية؟
أجابته بنبرة شبه مرتفعة وهي تلج من المطبخ:
أيوه يا حاج، مش ناقص بس غير احطلها العصير
هز رأسه بحركة خفيفة وهو يضيف بتنهيدة حزينة:
ماشي، ابقي سلمي عليها أوي
بادلته ابتسامة هادئة وهي تقول:
يوصل يا حاج!

هتف عمرو بنبرة عالية وهو يقف مستنداً بجسده على باب المنزل:
يالا يا ماما عشان ألحق أوصلك
ردت عليه بصياح:
حاضر، هاربط الطرحة وأجيلك يا عمرو!
طيب، أنا هاخد الشنط وهاسبقك على تحت
ماشي يا بني
وبالفعل أمسك عمرو بالأكياس البلاستيكة، وخرج من المنزل، وأغلق الباب خلفه لينزل هبوطاً على الدرج..
في نفي التوقيت كانت روان صاعدة إلى منزلها، وما إن وقعت عينيها عليه حتى حدجته بنظرات قاتلة تعجب منها..

كانت تحمله هو وأخته اللوم في فراق أخيها..
لم تستطع إخفاء مشاعرها العدائية نحوه، واستشف ببساطة سبب تلك النظرات، فهي لم تكن بحاجة إلى أي تفسير، فالسبب كان واضحاً للعيان، ورغم هذا نظر لها بجمود، وتحرك بخطوات بطيئة للأسفل...

توقفت سيارة الأجرة أمام محطة القطارات، فترجل منها محسن بعد أن دفع للسائق أجرته، ثم تبعته إيثار وهي تنظر حولها بإرتياب..
سحب حقيبة سفر مليئة بثيابها خلفه، وأمسك بقبضته الأخرى إيثار وكأنها يخشى إفلاتها منه..
دفعها للركوب في عربة القطار بعد حجز التذكرتين، وجلست كالتائهة حيث أمرها..
بعد برهة تحرك بهما القطار بعد إطلاق صافرته إلى وجهة لا تعلمها بعد..

وضعت هي نظارة شمس قاتمة لتحجب عينيها المنتفختين عنه، لكنها لم تستطع منع عقلها من التفكير فيما سيحدث لاحقاً..
فقلبها ينبئها بوجود خطب ما في تلك السفرة مجهولة المعالم..
رن هاتف محسن في جيبه، فأخرجه لينظر في شاشته، ثم أطلق سبة خافتة انزعجت منها إيثار، وفغرت شفتيها مشدوهة من وقاحتها، ومن ثم أجاب على ذلك الإتصال بنبرة ممتعضة:
ايوه يا عمرو.

كانت كمن أصابته الصاعقة بعد تلك الكلمات المقتضبة، وارتفع حاجبيها في ذهول عجيب، فمن كان ينعته بتلك الصفة البشعة هو أخيها الوحيد..
تأججت النيران بصدرها، واشتعلت عينيها غضباً، كيف يجرؤ على هذا؟ ويسيء إلى أخيها في حضرتها، وفي غيابه، وهو الذي يدعي رفقته وصحبته الطيبة..
بدأت خصاله السيئة تنكشف أمامها، تلك الصفات التي تغاضى الجميع عنها عمداً من أجل تزويجها له...

ظلت على حالتها المصدومة وهي تتابع باقي حديثه الجاف:
احنا مسافرين، لأ، لسه مش دلوقتي، معلش، مراتي وأنا حر معاها، هانبقى نكلمك، أها، سلم عليها، ماشي، شكراً
أنهى المكالمة وهو يرسم ابتسامة صفراء على شفتيه، ثم رفع رأسه لينظر إليها ببرود قاتل وهو يقول:
أنا هافصل الموبايل، مش ناقص خوتة من أهلك
اتسعت حدقتيها الحانقتين وهي تسأله بنبرة حادة
انت، انت ازاي تشتم أخويا كده؟
رد عليها ببرود يحمل التهكم:.

عادي، غلطت في البخاري ياخي
ثم مال للأمام بجسده نحوها، ورمقها بنظرات قاسية وهو يتابع بفظاظة:
وبعدين انتي مراتي، وأنا حر معاكي في تصرفاتي، فلا أخوكي ولا حد من عيلتك ليه الكلمة معايا، فاهمة!
اكتفت بالضغط على شفتيها بقوة، وزادت نظراتها الكارهة له، ثم أشاحت بوجهها بعيداً عنه وهي تدعو الله أن يرحمها من تلك الكارثة التي وقعت فيها، ويهون عليها القادم...

بعد سفرة مرهقة امتدت لعدة ساعات، توقف القطار في المحطة المنشودة، فهب محسن واقفاً، وسحب الحقيبة من الأعلى، وهو يهتف بصوت صارم:
يالا انزلي، احنا وصلنا
فما كان من إيثار إلا الإنصياع له، والتحرك خلفه..
ترجلت من عربة القطار وهي تجوب بأنظارها المكان بنظرات أكثر دقة..
لقد كانت في بلدة ريفية تابعة لإحدى محافظات الوجه البحري..

إنتابها الفضول لتعرف طبيعة هذا المكان، وسبب وجودها فيه دوناً عن غيره، خاصة أنه لا يلائم عروسين تزوجا حديثاً وأتيا للتمتع بشهر العسل..
أهلاً يا سي محسن، نورت البلد
قال تلك العبارة أحد الرجال ذوي الملابس الريفية المميزة وهو يقترب من زوجها..
صافحه محسن بجفاء، وناوله الحقيبة وأردف قائلاً بهدوء:
خدها على البيت يا عبعال
أومأ الرجل برأسه وهو يرفع الحقيبة على كتفه ليقول بنبرة مطيعة:
أوامرك يا سي محسن!

شعرت إيثار بالغموض والقلق من معرفة ذلك الرجل لهوية زوجها، وكأنه يعلم مسبقاً بقدومه..
ثم رسمت على شفتيها ابتسامة هادئة، بالطبع فتلك هي بلدته، ومن المؤكد أن الجميع يعرفه فيها..
أقنعت نفسها بأن هذا هو التفسير المنطقي للموقف..

بعد أقل من عشر دقائق كانت تنعم إيثار فيها بالتمتع بالنظر إلى تلك الأراضي الخضراء الخصبة، تلك المناظر الطبيعية التي أراحت إرهاق عقلها وأنستها مؤقتاً ما مرت به بالأمس، توقفت السيارة أمام إحدى البنايات المنخفضة..
ترجلت من السيارة وهي تتمعن في المكان من حولها بنظرات سريعة شاملة..
خرجت إحدى السيدات من ذلك المبنى المنخفض وهي تطلق الزغاريد هاتفة بحماس:.

يا مرحب بالغالي، اتفضل يا سي محسن، نورت دارك يا غالي!
رد عليها بهدوء وهو يشير برأسه:
متشكر يا أم فتحي!
ثم قطب جبينه وهو يتساءل بجدية:
أومال الست أمل موجودة؟
ردت عليه ( أم فتحي ) بهدوء:
ايوه، ومستنظراك إنت وعروستك!
أمرها قائلاً وهو يشير بإصبعه:
طيب هاتي الشنطة من عبعال ودخليها جوا
حاضر يا بيه
ثم التفت برأسه نحو إيثار ليوجه حديثه إليها قائلاً بجدية:
تعالي يا إيثار.

تساءلت الأخيرة في نفسها عن سبب وجودها في هذا المنزل، وكذلك عن تلك المرأة، ولكنها لم تدع الفرصة لعقلها للتفكير، فما هي إلا دقائق لتعرف كل شيء..

خطت إلى داخل المنزل بخطوات شبه متعثرة، فهي ضيفة على هذا المكان الجديد، لا تعرف فيه أحد، ليس لها فيه إلا زوجها محسن الذي لا تعرف عنه إلا القليل..
نجحت في الإستمرار في رسم تلك الإبتسامة الهادئة على ثغرها، ولكن سريعاً ما تلاشت، وحل محلها الصدمة حينما رأت محسن يقبل امرأة ما من وجنتيها بحرارة واضحة..
رمشت بعينيها محاولة استيعاب الموقف..
ولكن لم تستطع اخفاء إنزعاجها من تعابير وجهها..

استدار هو ليواجه إيثار، فأتاح لها الفرصة لرؤية المرأة بوضوح..
كانت تتمتع ببشرة خمرية، ووجه بشوش، نظراتها إلى حد ما مطمئنة، وعلى ثغرها تشكلت إبتسامة طيبة، أما ملابسها فكانت بسيطة للغاية، فهي ترتدي فستاناً ريفياً بسيطاً من اللون الأزرق ومنتشر عليه صوراً مطبوعة لرسمة الوردة الشهيرة، كما لفت حول رأسها حجابها القطني من اللون الكحلي..

تعمد محسن تطويق تلك المرأة من خصرها، وقربها إلى صدره، ثم ابتسم قائلاً بقسوة:
أقدملك أمل، مراتي!
شهقت إيثار مشدوهة من تصريحه الصادم لها، وتجمدت عينيها عليهما غير مصدقة ما لفظه تواً بهدوء مميت..
كانت تتوقع أي شيء إلا أن تكون تلك المرأة زوجته..
لم تستطع هي تحمل تلك المفاجأة الكبيرة، والتي زلزلت كيانها بالكامل، فشعرت بتلك الغمامة السوداء تغلف رأسها، وفقدت بعدها الإحساس بما حولها...

مر يومان على مالك وقد انتهى فيهما من تجهيز نفسه للبدء في أولى خطواته العملية في تركيا..
استعد للذهاب إلى الشركة الجديدة، وتأنق في حلة رسمية مناسبة من اللون الأسود..
سار برفقة نادر إلى مقر الشركة، ورسم على محياه ابتسامة ودودة، وجاهد ليُبقي خلف ظهره ظلال الماضي..

تلقى التعليمات اللازمة للعمل وفق سياسة تلك الشركة، وحمد الله في نفسه أنه بارع في التحدث باللغة الانجليزية ليتمكن من إنجازات المعاملات التجارية بها، واستقبل بصدر رحب كل التعليقات الخاصة والتوصيات الهامة ليحقق المطلوب منه دون وجود أي عقبات..
تعمد هو إلهاء نفسه في العمل ومشاكله حتى لا يترك الفرصة لعقله للإنسياق وراء سيل الذكريات المؤلمة..

بخطوات ثابتة إتجه نحو المصعد ليستقله للطابق القابع فيه مكتبه بمبنى الشركة الشاهق..
لمح تلك الشابة الجميلة وهي تعدو مسرعة نحوه بحذائها العالي وملابسها الرسمية السوداء محاولة اللحاق بالمصعد قبل أن ينغلق بابيه..
مد هو يده ليوقف حركته، وأفسح المجال لتلك الشابة الجميلة للمرور..
نظرت له ممتنة، وشكرته بكلمات مقتضبة..
أومأ برأسه مجاملاً، وهو يبتسم لها، ولم ينبس ببنت شفة..

تراجع للخلف بعد أن ضغط على زر طابقه، وكذلك فعلت هي، واختلس النظرات إلى ممشوقة القوام التي تقف أمامه وهو يكاد يسمع صوت أنفاسها اللاهثة..
كانت ثيابها باهظة الثمن، وتسريحة شعرها الذهبي منظمة للغاية، خاصة تلك الكعكة التي جمعت كل خصلاته الناعمة بشكل عملي جاد..
لم ينكر إلتواء فمه في إعجاب بشكلها الظاهري، ولكنه سريعاً أخفض رأسه متجنباً النظر إليها..

وضعت الشابة يدها على صدرها الذي ينهج، وجاهدت لتضبط أنفاسها..
لكنها لم تكنْ على ما يرام، فالإرتفاع المفاجيء في نسبة الأدرينالين أتعبها للغاية..
عاتبت نفسها بالهمس وهي تضغط على شفتيها قائلة باللغة التركية:
لم يكن عليّ الركض، فأنا لست بحاجة إلى هذا المجهود، يا إلهي ساعدني كي لا أسقط، أوه!
توقف المصعد في الطابق المنشود، وتأهب مالك للخروج منه..

ولكنه تفاجيء بالشابة تترنح بجسدها وهي تكافح للصمود واقفة على قدميها..
أسرع مالك بإمساكها من خصرها ومن ذراعها ليحول دون سقوطها وهو يهتف بفزع:
يا أستاذة، في ايه؟ انتي كويسة
نظرت له الشابة بأعين شبه زائغة وتمتمت بكلمات لم يستطع فهمها، فهتف بخوف:
أنا مش فاهم إنتي عاوزة ايه، بس، بس آآ...
شعر بثقل جسدها عليه، فدقق النظر إليها فوجدها قد غابت عن الوعي..

أمسكها جيداً، ولف ذراعه حول عنقه، ثم مد ذراعيه أسفل جسدها ليحملها..
كان المصعد قد أكمل صعوده في الطابق التالي، وحينما توقف انطلق مالك منه مندفعاً حاملاً إياها وهو يصرخ مستغيثاً بالمساعدة..
حالة من الهرج والمرج سادت فجأة في ذلك الطابق..
تعجب مالك مما يحدث، ولكنه لم يكن ليترك الشابة دون مساعدتها..

أسرع بوضعها على أقرب أريكة، وجثى قبالتها، ثم مد يده ليبعد تلك الخصلة التي تحجب وجهها، وحاول إفاقتها بهدوء..
ركض رجلاً ما وقوراً – ذو هيبة واضحة – في إتجاهه وهو يهتف بذعر:
لانا، لانا!
اعتدل مالك في وقفته، وتراجع مبتعداً حينما رأى ذلك الرجل يقترب منه، وأفسح له المجال للتصرف معها، وأوضح له باللغة العربية وقد تناسى أن غالبية المتواجدين بالشركة أتراك:.

هي اغمى عليها في الأسانسير، وأنا مش عارف مالها..
أمسك الرجل بكف الشابة براحتيها، وفركه بقوة وهو يهتف بإسمها:
لانا، أجيبني!
رفع الرجل رأسه لينظر إلى مالك وهتف فيه بجدية ولكن بالعربية:
ابنتي أصيبت بنوبة السكري مجدداً، احضر دوائها من مكتبي
نظر له مالك بذهول، وقد صدم من تحدثه إليه بالعربية، فازدرد ريقه وهو يسأله بنبرة مشدوهة:
و، آآ، وهو فين مكتبك؟
أشار له الرجل بيده قائلاً بتلهف:
هناك!

هز مالك رأسه متفهماً، ثم ركض مسرعاً نحو مكتبه ليساعده..

حركت إيثار رأسها للجانب وهي تئن بصوت خفيض..
شعرت بيد ناعمة تتلمس جبينها، وبصوت أنثوي يهمس لها:
هاتبقي كويسة يا حبيبتي
لم ترغب إيثار في فتح عينيها، واستسلمت لغيبوبتها الإجبارية، فقد كانت تظن أنها في كابوس طويل قاسي تريد الإفاقة منه لينتهي عذابها الممتد...
حدقت أمل فيها بإشفاق واضح، فقد أيقنت أن تلك الصغيرة ساذجة وبريئة للغاية، أوقعها حظها العثر في رجل كزوجها محسن...

ناول سلمان ابنته لانا كوب الماء لترتشفه بعد أن أفاقت من إغماءتها القصيرة..
شعرت بصداع رهيب في رأسها، وتأوهت بخفوت وهي تتمتم مع والدها بكلمات مقتضبة لم يستطع مالك فهمها..
استدار سلمان نحوه، ومد يده ليصافحه شاكراً إياه بجدية:
أنا عاجز عن الشكر، لقد ساعدت ابنتي
نظر له مالك بحرج، ورد عليه بإيجاز:
أنا معملتش حاجة
سأله سلمان بجدية وهو يتفرس ملامح وجهه:
انت عربي؟
أومأ مالك برأسه إيجاباً:
ايوه، من مصر.

بدى وجه سلمان خالياً من أي تعابير وهو يضيف قائلاً:
اعذرني على فضولي، ولكن ماذا تفعل هنا؟!
أجابه مالك بتلعثم:
أنا، شغال في الشركة دي
ظهرت علامات الإندهاش واضحة على وجهه وهو يهتف غير مصدقاً:
أنت موظف لدي! أوه، يا لحسن القدر!
حدق فيه مالك مذهولاً وهو يرد بنبرة مصدومة:
هو، هو حضرتك صاحب الشركة؟!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة