قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية مواجهة الأسد الجزء الأول للكاتبة رحمة سيد الفصل الثامن والأربعون

رواية مواجهة الأسد الجزء الأول للكاتبة رحمة سيد الفصل الثامن والأربعون

رواية مواجهة الأسد الجزء الأول للكاتبة رحمة سيد الفصل الثامن والأربعون

جحظت عيناه وألجمت الصدمة لسانه كقيد من الحديد، شعر كأنه رمي جمرة مشتعلة من النار لينتفض جسده بصدمة وخوف، تهدجت احباله الصوتية ليقول بخفَوت مرتعد:
لا، قصدك اية، مستحيل شهد تطلب الطلاق لا لا
لم يتفوه محسن بكلمة، فقط ثبت انظاره عليه وكأنه يستشف منه ما يريده، بينما تابع عمر بهلع ليثبت هذا الكلام لنفسه بقوة:
شهد بتحبني، متقدرش تبعد عني.

بدى محسن يكاد يقتنع برد فعله المرتعد، وأيقن حينها أن نقطة ضعفه هي شهد وحدها، أغمض عيناه لثوانٍ ليقرر ما سيفعله، ثم هتف بصوت قاتم:
مينفعش تعيش معاك بعد إلى عِملتهُ يا عمر، إلى حُصل مش سهل
إفتعل الغضب والحدة قائلاً:
شهد مش هاتبعد عني يا محسن
تنهد محسن بعدما تأكد أن عمر ليس بشخص هين ليتساهل في شيئ يخصه هكذا، اودع ما استطاع من حدة في لهجته الحادة التحذيرية:.

انا يمكن هأحاول اصلح إلى حُصل واصدجك، بس جبلها عايز اعرِف حاچة واحدة، انت خونت شهد؟
أنهارت حصونه الجليدية الجادة التي اصطنعها في ثوانٍ، وكأن كلماته آله حادة لا يستطع اى شيئ مقاومتها، ثم أردف بأرتباك بدى على محياه:
انت بتقول اية يا محسن، ومين قالك الكلام ده.

كان ليس من الضرورى أن يعيد جملته مرة اخرى، فقد كانت نظراته كفيلة لتُظهر القلق على ملامح عمر وتقول ما اراد قوله، نظر عمر للجهة الأخرى ثم استطرد بحرج:
صدقني انا مش فاكر يا محسن، مش فاكر اى حاجة بس إلى انا متأكد منه اني استحالة اخون شهد
لمس محسن الصدق في نبرة صوته، فلقد كان خبير في فهم الشخص الذي امامه بمهارة، تنهد تنهيدة حارة تحمل بطياتها الكثير والكثير، ثم أردف بصوت أجش:.

انا لو عملت اكدة ورچعتكم لبعض، هيبجي عشان إلى ملوش ذنب ده
عقد حاجبيه بدهشة ممزوجة بالحيرة، ثم سَأله بعدم فهم:
مش فاهم، مين ده يا محسن؟
شهد حامل يا عمر.

قال محسن تلك الجملة، وهو يدقق ملامح وجه عمر التي تشنجَت عضلاته، ليترقب رد فعله، ترقرقت الدموع في أعين عمر على الفور، الدموع التي تعذبت لتصل لجحر عيناه ها قد وصلت بالفعل، شعر بسخونة دموعه الفرِحة وكأنها تزين وجهه الأسمر، وكاد يقول شيئ ما ليعبر عن سعادته، ولكن لم يعرف لِمَ تحدته الحروف والكلمات، ولم يستطع ان يعبر عن ما يجول بصدره الان فقد كانت دموعه كافية لتثبت لمحسن، أن شهد وطفلها اصبحوا جزء اساسى من بناء قلبه، فأكمل بأبتسامة صافية:.

اغم عليها واحنا بندفن مصطفى، ووديتها على المستشفى دى وجالي الداكتور انها حامل ولازم تهتم بنفسها
إتسعت ابتسامته تدريجيًا، ورفع يده للسمَاء قائلاً بصوت عالي فرح:
الحمدلله يارب الحمدلله
تذكر ذكر محسن لموت مصطفى فغمغم بحزن يشوبه الشفقة:
ربنا يرحمك يا مصطفى
ردد محسن بتنهيدة خلفه: امييين
ثم رفع إصبعه الخشن الأسمر في وجهه ونظر لعمر بتحذير وعاد يقول بتوعد:.

بس قسمًا بربي يا عمر، ماعرف إنك زعلتها تاني لأكون مطلجها منك ومن غير ما اتحدت معاك، فاهم؟
فاهم طبعًا يا باشا
أجابه عمر بنبرات مرحة لم تغمره منذ فترة، ليبتسم محسن ويرجع بظهره للخلف مستندًا على ظهر الكرسي الخشبي، وعاد يتصنع الحدة وهو يقول:
بس لازم تثبت براءتك ادام شهد نفسها وتثبت لي انك فعلا ماخونتهاش.

اومأ عمر بتأكيد، ولمع بريق الانتقام في عيناه السوداء الحالكة، ليظهر ظُلم الليل وقسواته بداخل عيناه الشرسة، ثم عاد يقول متوعدًا بكره:
اوعدك هثبت، وهرجع حقي وحق كل ليلة قضيتها شهد زعلانة بسبب الموضوع ده.

لقد اخرجوا الذئب الذي يتكور بداخله، تجلد جسده بصدمة ولهيب حقد معًا، لو كانت والدتها رجل لكانت تلقت عدة لكمات ردًا على ما قالته، بينما كان شهاب يرتجف بداخله من مظهر عبدالرحمن الذي يعبر عن هدوء ما قبل العاصفة، ماذا عساك فعلت، لقد اخرجت الجزء الذي كان يحاول اخفاؤوه دائمًا، حاول إظهار الثبات والإبتعاد عن نظرات عبدالرحمن التي ارعبته، بينما كانت تنكمش نبيلة في نفسها وتعض على شفتاها بخوف، حمدت ربها ان شهاب موجود، ظنًا منها انه سيكون الدرع الحامي لها من عبدالرحمن، لم تعرف أنه يخشاه اكثر منها، تقدم عبدالرحمن من شهاب ليلكمه بقوة في لمح البصر يسقطه ارضًا، ثم صاح فيه بغضب قائلاً:.

انت مجنوووون، مش قولتلك هتبقي مراتي قريب ولا انت اطرش
حاول شهاب إظهار بعض الشجاعة امامها، ليكتمل ما اراده، ثم نهض بسرعة وحاول تسديد اللكمة له ولكن كان عبدالرحمن اسرع واقوى ليتفاداه، وظل يضربه بكل قوته، حتى قال شهاب برجاء:
ابوس ايدك كفاية هموت مش قادر.

هدأت هذه الجملة من ثورته قليلاً، وظل يلهث وهو يرمقه بشماته، بينما كان شهاب يلتقط أنفاسه بصعوبة وقد امتلئ وجهه بدماؤوه، في نفس اللحظات دلف الطبيب بخطوات هادئة متعجبة من ترك باب المنزل على مصرعيه، وما إن رأى شهاب في وضعيته هذه حتى شهق بصدمة ثم سأل عبدالرحمن بجدية:
اية إلى بيحصل هنا؟
أختفي الغضب من وجه عبدالرحمن في ثوانٍ، وتمثل البرود بإتقان، ثم أجابه بلامبالاة:.

ابدًا، كان بيتهجم عليا وبدافع عن نفسي وعن خطيبتي
ضيق عيناه بتفحص، ومن ثم وجه نظره لوالدة رضوى الساكنة بمكانها، فما كان منها إلا ان تهتف بأرتباك ملحوظ:
اتفضل يا دكتور شوف رضوى مالها
اومأ بجدية وبدأ يتفحص رضوى بتركيز، وقد عاد الضيق يظهَر على عبدالرحمن والغيرة تتملكه رويدًا رويدًا، على الرغم من ملاحظته لبعض الشعيرات البيضاء على جبهته، إلا انه قال حانقًا:
ابعد يا دكتور شوية وياريت لو تكشف من بعيد كدة.

رفع الطبيب حاجبه بدهشة مصحوبة بالضحك على كلماته فهو يعد في عمر والده تقريبًا، فأردف من بين ضحكاته بمزاح:
ده انا اد ابوها يابني، وبقيت جد كمان، يعني قولي خد راحتك يا جدو
نظر للأرض بحرج، ومن ثم تنحنح مشاكسًا إياه:
خد راحتك يا جدوو
انتهي من فحص رضوى ثم نهض وبدأ يلملم اشياؤه، ثم نظر لوالدتها قائلاً بجدية ويمد يده بأحدى الورقات:.

انا اديتها حقنة هتفوقها، هي عندها صدمة عصبية حادة، خدوا بالكوا منها وادوها الأدوية دى عشان المرة الجاية الله هو اعلم اية إلى ممكن يحصل
زفر عبدالرحمن بضيق، وقال في خواطره بعيدًا عن المزاح منذ قليل:
والله لأوريك يا كلب، وادفعكم تمن تعبها ده غالي.

أنتقل بنظره لشهاب، لينظر للسجادة الكبيرة المفروشة على الأرضية واثر دماؤوه فقط، اين هو، اين اختفي من مخالبه، هرب منه هذه المرة ولكن لن يفلت مرة اخرى من تحت يده سالمًا..

تجلس في احدى اركان الحبس الإنفرادى، تنكمش في وضعية الجنين، عادت تتذكر زواجها بأحمد عاشت اجمل لحظاتها معه ولكنها هدمتها بغباءها، دمرت كل شيئ بكفة حب حسن المزيف، تشعر بالحنين لطفلها، لما الان!

كان بجوارها دائمًا وتهمله، ولكن الان فقط استفاق شعور الأمومة بداخلها، ضغطت على رأسها بيدها لتقطع إسترسال عقلها لباقي ذكرياتها المؤلمة، فُتح الباب ودلف احمد بخطواته الهادئة الحازمة، نظر لها بتفحص، وقد رق قلبه لها مجددًا، وازدادت ضربات قلبه بمجرد اقترابه منها، ماذا بك ايها القلب، بعد هذا الجرح الغائر تنبض لها!، أترغب في جرحًا اخر؟
أغمض عيناه يستعيد جديته وصرامته، وراح يقول بصوت آمر:.

هاتها يا عسكرى ورايا على مكتبي
أستفاقت على الصوت الذي تعرفه جيدًا، كأنه طبول تعلن بدأ الحرب من جديد، نهضت دون نطق كلمة وسارت خلفه بهدوء، حتى وصلوا امام مكتبه ودلف ثم أشار للعسكرى بالانتظار، سارت مها معه للداخل ثم اغلق الباب، وعاد يجلس لمقعده الوتير بأريحية، ووجهة الصارم هادئ وساكن ولكن هدوء مخيف، اشار لها بالجلوس قائلاً بجدية:
اقعدى يا مها، اطلب لك ليمون؟

هزت رأسها نافية ونظرها مسلط على حذائها كأنها تتأكد منه، ولكنها لا تقوى على رفع رأسها ومواجهة انظاره القوية..
مش انت إلى قتلتي حسن يا مها
هتف احمد بتلك الكلمات بهدوء حذر ونظرات مترقبة لرد فعلها..
عقدت حاجبيها بدهشة شديدة، ماذا يقول، لقد قتلته بيدها، إندفعت لتأخذ ثأرها، ولكنه بكلماته الهادئه كالصخر حطم موجتها الفرحة لأنتقامها، رفعت ناظريها لتقابل عيناه المتفحصة، نهضت ثم صاحت فيه بأهتياج:.

انا قتلته بأيدى وشوفت دمه، ازاى بقا
جز على أسنانه بغيظ مكبوت، ثم أجفل بجدية يحدجها بصرامة:
كان ميت قبل ما تضربيه بالسكينة يا مها
شهقت بصدمة، ووضعت يدها على فاهها بحركة مباغته، ثم هزت رأسها نافية وعادت تقول بهيستريا:
لا لا مستحييييل.

وفي تلك اللحظة، ارادت ان تستسلم، تعود لحريتها مجددًا، تستسلم من قناع الحب والقوة وتخرج من الحفرة العميقة التي سقطت فيها مؤخرًا، تمسك بيده التي لمحتها تود مساعدتها، ابتسمت بهيستريا، وقد لاحت فكرة شيطانية على عقلها لتقول بتهكم:
وانت بتقولي كونك ظابط، ولا كونك احمد إلى عايز يثبت لي اني هافضل فاشلة حتى ف انتقامي!

نهض وقد ظهر الغضب والغيظ على محياه، وتشنجت عضلات وجهه، ثم اقترب منها وامسكها من ذراعيها بقوة ضاغطًا عليها بقوة آلمتها، ليتابع بصياح وتصميم قائلاً:
لا كونى هبقي جوزك يا مدام.

تسير بملابسها التي تظهر مفاتن جسدها كعادتها، تقدم قدم وتؤخر الاخرى، في احدى الشوارع الجانبية الهادئة، يسودها الظلام الدامس، تتراقص بخطواتها على إيقاع الخطر دون ان تشعر، والإبتسامة السعيدة المنتصرة تزين وجهها الأبيض بفعل مساحيق التجميل، بتر حبل أمنياتها وآمالها شخص ما من الخلف يكممها، لتقع مغشيًا عليها بين ذراعيه المفتولتان، وما كان منه الا نظرة شامتة وأبتسامة ساخرة، وهو يقترب بها ويضعها في احدى السيارات السوداء الكبيرة في الخلف، ليركب هو بسرعة متلفتًا ليتأكد من هدوء المكان، ثم ادار المقود متجهًا لحيث اراد.

تقف امام الشرفة المطلة على احدى الحدائق المجاورة للمستشفي، الزهور المتفتحة الخضراء التي تعطي شكلاً مبهج للحديقة، ترى انعكاس اشكالها على الحائط، تتفقده بشرود وكأنها لا تجد من تنظر له سواه، خصلات شعرها البني الكستنائى ثائرة على جبينها كحالة اعتراض منها على إبتعادها عن معشوقها، راحت تتخيل ما تمنته حقيقة يومًا ما، وهو معها تغمرهم حالة سعادة بطفلهما القادم، ولكن ليس كل ما نتمناه حقيقة.

طرقات خافتة تكاد تسمع على الباب، قطعت احلامها الوردية، ابتسمت ثم اذنت للطارق قائلة بحبور:
اتفضل يا محسن
هكذا هي ظنت، انفتح الباب على مصرعيه ليدلف عمر بهيئته المهندمة، وعطره المميز الذي عطر انفها برائحته على الفَور وبيده باقة من الزهور الحمراء، يزين ثغره ابتسامة عاشقة، ليهمس بأسمًا اطال غيابه على اذنيها:
شهدى، وحشتيني اووى.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة