قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية لن يشفى الجرح للكاتبة شاهندة الفصل الرابع والعشرون والأخير

رواية لن يشفى الجرح للكاتبة شاهندة الفصل الرابع والعشرون والأخير

رواية لن يشفى الجرح للكاتبة شاهندة الفصل الرابع والعشرون والأخير

سأحملك بروحي دائما، سأتحسس تلك الندبة داخل قلبي فأبتسم والدموع تغرق وجهي.
دموع شوقي لك! سأحدثك كل يوم كأنك برفقتي ولم ترحل! سأخبرك أنني حاولت الإنتقام لك! فوجدت ذلك مبتذل. رحيلك لن ينصفه إنتقام. رحيلك سينصفه الصفح!
سأحملك بروحي دائما. جرحا لن يشفى!
كان لابد أن تزور قبر والدها، فرافقها (جيوم) و
الاصدقاء إلى هناك، ثم عادوا إلى المخيم.

كانت (لويندا) قد اجتمعت بالعشيرة وأخبرتهم مافعله (سيرجيو) أخبرتهم أنه قتل(بارتولوميو)
ثار الجميع وأرادوا أن يقتلوه وعزموا على ذلك إن خرج من السجن يوما!
اقتربت (إيستاف) تمسك بيد زوجها وأصدقائها بقربها، التف حولها الجميع ما إن رأوها، وأخذوا يعانقونها ويربتون عليها إكراما لذكرى والدها، فقالت:
إنني أخطأت في حقكم، وتجاوزت قوانينكم! لكن القدر كانت له حكمته، لم يشأ أن أتزوج قاتل والدي!

إنني أعود إليكم اليوم، أطلب غفرانكم على مافعلت و أن تتقبلونني وزوجي بينكم، وأتعهد أمامكم أنني سأكون المخلصة لعشيرتي ماحييت!
صمت الجميع لتقول (نوريتا): سنسامحك ولكن بشرط!
توجهت الأنظار نحوها لتردف: أن تتزوجي وفقا لتقاليد الروم، وبعدها سنقبل زوجك كفرد منا!
ابتسم الجميع بعد أن وافقت (إيستاف) على ذلك، وانتهت ليلتهم بحفلة صاخبة إلى فجر يوم آخر، بداية قد بدأ يتراجع منها الألم!

مرت عدة أسابيع كان فيها العمل قليلا، اشتد التقتير عليهم، كان (جيوم) قد حاول جاهدا توفير أكبر قدر ممكن من الأشغال لقومه، كما فعلت (إيستاف) مع النسوة، ومع ذلك كانت البلدة تفتقر إلى الكرم الذي عاهدوه في(ييفيا)
بدأ الضعف يظهر على (إيستاف) فكانت تبدوا شاحبة قليلة النشاط، جلست (لويندا) بجانبها
وقامت بجس نبضها ثم إلتمعت عيناها وقالت
بأعلى صوتها: (إيستاف) تحمل صغيرا في أحشائها!

كانت مناسبة جيدة ليحتفل القوم ويتناسو الضغوطات التي يمرون بها!
كانت ( أمادا) تزور القبيلة من حين لآخر تنقل ماتعلمته (لإيستاف) دائما، جعل ذلك(جيوم) يتحسر من أجل حلم زوجته الذي لم يكتمل. حلمها في أن تصبح طبيبة! فعرض عليها أن يعودوا إلى (ييفيا) لكنها أرادت إستشارة قومها، لا إجبارهم على ذلك!

(لولان) كانت تعيش أسطورتها الخاصة مع (بيير) و (روبيرتو) كان يعيش نفس الحالة مع (أمادا). لم تكن هذه الديار مريحة، لكنها بدت مستقرة نوعا ما.
في جرندة.

كان يقف القائد الأعلى أمام خيمته يطالع الأمطار الغزيرة ووميض البرق الذي يليه هدير الرعد، كان يتحسس يده المصابة، ويفكر في كلام إبنه، لقد توالت هزائمه وتعب جيشه وبدأ ينسحب من (باغسلون) بمقتضى معاهدة السلام التي وقعها في مدريد، ظاهرها كان سلاما، وقوامها كان مبني على الإستعمار في شكل آخر. استعمار إقتصادي!
إسبانيا ثرية وعلى فرنسا استغلال ذلك! وفرنسا قوية وعلى اسبانيا تفادي ذلك!
حين يتصارع الوحشان.

العين بالعين. فتعمى الأعين.
وضربة بضربة. فتنهك الأجساد.
وتتكاثر الجراح.
يقعان على الأرض...
لتصرخ مكرهة.
فلا تمنحهما الراحة.
فيبحثان عن الظلال...
فينتبهان أن لاوجود للأشجار حتى...
فيعودان إلى بعضهما...
يتطلعان بغرابة.
يتصافحان بأيدي باردة.
وتحملها الأرض المجروحة من جديدة.
وتئن من جديد!
من جراح، لن تشفى!
اعتبره نصرا على أي حال، كان يشعر بحاجة ماسة أن يغمض عينيه ويغوص في ذاته دون أن ينتفض فزعا واختناقا.

لقد أيقن أنه خسر إبنه، فزداد سخطا على الغجرية وقومها!
دخل( فيليب ) وألقى التحية العسكرية، لكنه لم ينتبه فكررها مرة أخرى بصوت أعلى.
التفت نحوه وقال: ماذا هناك؟
تنحنح جنديه وقال: الغجرية حامل! سيحظ...
قاطعه بغضب وقال: اجمع بعض الجنود، سنطرد الغجر من البلدة الليلة، حالا!
التفت (فيليب) مغادرا بإرتباك بينما قال هو بغضب: لن أسمح بهذا الهراء! لن يقترن إسمي بحثالة من الغجر!
دس مسدسه في خصره وارتدى معطفه وغادر.

يضمر شررا.
مأدبة متواضعة على شرف الطفل الذي تحمله ( إيستاف) والجميع ملتفون حولها بسعادة، فأصبحت السعادة مضاعفة حين أخبرتهم (لاتويا) أنها حامل أيضا.
ارتدت كل منهما ثوبا أخضرا جميل ووضعتا على رأسهما إكليلا من الزهور الحمراء، فضلت (إيستاف) أن تكون زهورها من الجلاديوس، أما الأبوان ارتديا ثيابا من اللون الأصفر وعلقا سلسلة من الورود على رقبة كل منهما، واصطحبا زوجتاهما إلى الرقص...

ثم ما أن هدأت الضجة قليلا حتى قالت (إيستاف) بصوت مرتفع:
أعلم أنكم أتيتم مرغمين إلى هنا، لذا أنا أدعوكم للعودة إلى (ييفيا) إن كنتم تريدون الرحيل سنرحل وإن رغبتم بالبقاء سنبقى! الأمر شأنكم! ما يهم هو أن تشعروا بالراحة والألفة في الديار التي ستختارونها...
ليقول الجميع بصوت واحد.
العودة إلى (ييفيا)...
قرار صائب!

التفت الجميع إلى مصدر الصوت، لتحدث حالة من الفوضى والتأهب بعد أن بدأ الجنود إطلاق النار في الهواء مما جعل الجميع يفرون إما للدفاع أو الإختباء والجنود وراءهم فلم يتبقى في ساحة سوى (إيستاف) وزوجها ووالده!
تقدم (داميان) وهو يشهر سلاحه نحو (إيستاف) ويقول بحقد: أتعتقدين حقا أنني سأوافق على أن تحملي بوريثي! أنت مخطئة، لن أسمح لحثالة أن يحمل إسمي!

كان (جيوم) في حالة توتر تامة، إنه يعرفه، إن استفزته سيطلق النار عليها قبل أن يطرف، وقف حاجزا بينها وبينه بينما قالت هي:
إنه إبني وليس وريثك! لا شأن لك به!..
قاطعها (جيوم) وهو يشير لها بيده أن تصمت، ثم التفت إلى والده يحاول إستعطافه: أبي! سنرحل من هنا! إنسى أمرنا!
أعدك. أعدك أنك لن تراني مجددا، لن تسمع عني حتى. فقط دعنا بسلام! أرجوك أبي!
إن كنت أعني لك ولو قليلا!

هدر (داميان) بغضب: أنت ستأتي معي! بعدما أنظف المدينة من هذه القمامة!
دفعت ( إيستاف) (جيوم) وتقدمت نحوه وقالت: أنت لست بشري كيف...
وقبل أن تكمل جملتها استقرت رصاصة ببطنها.

جعلتها تتصلب وتقع على ركبتيها وقبل أن يطلق (داميان) رصاصة أخرى استقرت رصاصة أطلقها (خوسيه) بقلبه سقط ميتا على إثرها بينما كان (جيوم) يصرخ و(إيستاف) تفقد وعيها بين يديه، لتصرخ به (لويندا) وهي تطلب منه أن يحملها لخيمتها من أجل أن تسعفها، ركض بها إلى هناك وبقي خارجا،
تذكر ماحدث مع والده فعاد إلى مكانه ليجده يسبح في بركة من الدماء، جلس على ركبته ودموعه تغرق وجهه وقال بحسرة:.

لما لم تحبني أبي! لما لم تتقبلني مثلما أنا!
حتى أنني لا أستطيع أن أبكي فقدك بحسرة!
لا أستطيع أن أشعر بالشفقة أو الألم!
لقد ألقيت بي في الجحيم الآن! سأخسر عائلتي كما خسرت الأولى سابقا!
نيرانك أحرقت كل شيء جميل بحياتي!
وضع (خوسيه) يده على كتفه وقال: أنا آسف يا (جيوم)! أسف حقا لخسارتك!
غطى وجهه بكلتا يديه وهو يشهق من الألم الذي ألم به، بينما حمل (ميغيل و روبيرتو) جثة والده، مع جثث الجنود و كوموها جانبا.

مضت ساعات ثقيلة وبعدها خرجت (لويندا) شاحبة الوجه وقالت بينما ركض نحوها الجميع أولهم (جيوم):
إنها بخير! لكنها. لكنها فقدت طفلها! ستحتاج وقتا لتتعافى...
أما الآن! الآن ستقومون بجمع أغراضكم لن يطلع علينا النهار ونحن هنا!
(جيوم) إذهب إلى قومك وخذ والدك وأقم جنازة تليق به! وحاول جعلهم يتركوننا نعيش بسلام!
ليقول (جيوم):
أريد أن أرى (إيستاف) أولا!

أومأت له (لويندا) بالدخول فدخل ليجد ( إيستاف) شاحبة جدا وهي نائمة، علقت لويندا بذراعها محلول غريب اللون، أمسك بيدها والدموع تنهمر من عينيه وقال:
أنا أسف يازهرتي! لقد فقدت إبننا بسببي اليوم! آسف.! لكننا سنتخطى هذا الألم مع بعضنا، سأمسك بيدك وأحاول تخفيف ألمك،
سأرحل ولن تجديني حين تستفقين لكنني سأعود سريعا من أجلك!
سأضع القائد تحت ترابه! لكي أستطيع أن أعيش بسلام مع عائلتي!

كوني قوية (إيستاف)! إلى أن أعود إليك!
في عربة تجرها الخيول كان( جيوم) يقود والده إلى الثكنة المركزية (بإستفار) وفي عربة أخرى كان بعض من الجنود بقيادة أحد الظباط الذين نجو من أيدي الغجر، وعلى حصان كان (خوسيه) الذي أراد الإعتراف بأنه قاتل (داميان) حتى لا يهلك قومه من غضب هؤلاء!
الوضع مهيب، أمطار تتهاطل بغزارة وصمت ثقيل يطبق على الأجواء.

جفت دموع (جيوم) وتخدرت حواسه مع البرد الذي كان يلفه، لم يستطع الحزن على والده، لكنه شعر بالشفقة اتجاه نفسه، شعور خانق كان يطبق عليه، لدرجة أنه كان يتنفس بصعوبة.
بعد ساعة من المسير وصلوا إلى وجهتهم، دخل (جيوم) الثكنة وسلم جثة والده، كانت صدمة لقوات الجيش الفرنسية، القائد الأعلى الذي مجرد نطق إسمه يثير الرعب في العالم يموت على يد غجري حقير!
القي القبض على (خوسيه) وقرروا إعدامه بعد دفن قائدهم...

في جنازة مهيبة احتشد من أجلها كل من له سلطة في البلاد لتوديع الأسد الذي حقق لهم عدة إنتصارات وجعل رهبة لبلدهم، سار (جيوم) مع الجمع وتلقى التعازي والمواساة، كان طوال الوقت يطالع من حوله بإسهاب، لا يفكر بشيء سوى حالة زوجته وقومه!
ذاع خبر موت القائد الأعلى للعالم، فتنفست إسبانيا براحة وباقي الدول التي كانت تحت رحمته.

شد الغجر رحالهم متوجهين إلى (ييفيا) وما أن حل المساء حتى كانوا قد نصبوا خيامهم واستقروا فيها.
لم تستفق (إيستاف) مما أثار قلق (لويندا) التي
كانت تحاول جاهدة أن تجعلها تستفيق دون جدوى، جلست أمامها بحيرة بينما ( لاتويا و لولان) بجانبها تذرفان الدموع لتقول (لولان):
كان الرب سيعوضها بطفلها عن أبيها الذي فقدته. ففقدته أيضا! نومها هذا مقلق لكنه يريحها من العذاب الذي تعيشه.

لتقول (لويندا): لا أحد يعوض مكان أحد صغيرتي! الفقد يخلف جروحا لن يشفيها تواجد شخص مكان شخص! (إيستاف) قوية ستتخطى أزمتها، لكنها تحتاج إلى بعض الوقت.

الأمن؟!
لن يكون هناك أمن، وأمن علام! على الأرواح؟
الأمن ياصغيرتي لا وجود له، القنابل والرصاص
شيء نراه فنأمن بالهروب منه. لكن هناك أشياء تحدث لا نراها. ولن نشعر بها. تباغتنا على حين غرة فتمزقنا إربا إربا. فنحيا أمساخا، إن كان الأمن يمنع الموت المريح ويتركنا نتخبط بأرواح هائمة مشتتة. فلا حاجتنا لنا به...

(ييفيا) هي الأمن الحالي لنا، ليس لأننا نخاف الموت، وإنما هناك لوعة الفقد. لا احد يستطيع احتمال خسارة صغاره. الأمن الذي نبحث عنه في (ييفيا) مختلف. يشبه تلك الراحة التي يشعر بها المتعب الشاقي بعد أن يعود إلى بيته فتنبعث بداخله تلك الرائحة، رائحة العائلة.
أبي! هل هذا أنت؟!
أنا دائما هنا! إلى جانبك طفلتي! إنها عائلتك
(إيستاف) عليك المحاربة من أجلها!
ستجدين الأمن. فيهم! إنهم الرائحة اللذيذة للراحة!

أشعر بالألم. إنه يتعملق بداخلي! أصبحت أخشى من لحظات السعادة التي اعتادت أن تنقلب إلى لحظات مأساوية تنهكني!
دعني أرحل معك أبي! لقد تعبت!
لاضير في الألم (إيستاف)! إنه يجعلك تقدرين قيمة الأشياء التي بين يديك، ويجعلك تحملين كل شيء فقدته كذكريات حية، الألم
يجعلك أنقى وأكثر طيبة! لابد لك من التعب، لأن اللذة تحتاج إلى جهد يفوق الذي تنفقينه من أجل تحمل الألم!
لا مفر من الألم صغيرتي ولكن المعاناة إختيارية.

إجعلي من ألمك قوة ولا تجعلي منه نقطة ضعفك!
هناك يد تحاول الإمساك بيدك لتشعر بالإطمئنان
عليك أن تمنحيها إياه. يدك الأخرى إيستاف!
استيقظت (إيستاف) بفزع وهي تصرخ بإسم أبيها, وجدت (جيوم) يمسك بيدها بقوة ثم اقترب منها يعانقها فتجمدت للحظات قبل أن تجهش بالبكاء وجميع أصدقائها بقربها يواسونها ويرثون حالتها...
بعد لحظات استكانت وهدأ اضطرابها لينظر إليها (جيوم) بحزن شديد وقال: سنبدأ من جديد يازهرتي!

بعد مرور عدة أيام.
عادت الحياة إلى الروم من جديد، عادت (ييفيا) الديار الآمنة. المريحة، تغرقهم بكرمها، عاد الجميع إلى أعمالهم.
عاد البحارة إلى حربهم مع البحر لاستخلاص قوتهم.
وعاد التجار. والصناع. وعادت الأهازيج!
وعاد الشتاء،! 1951 بداية تمخضت من سنة حملت العديد من الجراح، الجراح التي لن تشفى!
1951 الأمل الذي سيحارب من أجله الروم!

وقفت (إيستاف) في ساحة القبيلة تمسك يد زوجها. ليلة رأس السنة! تتوج، . كزعيمة الروم!

تمت
نهاية الرواية
أرجوا أن تكون نالت إعجابكم
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة