قصص و روايات - روايات صعيدية :

رواية كبير العيلة الجزء الثاني للكاتبة منى لطفي الفصل التاسع والأخير

رواية كبير العيلة الجزء الثاني للكاتبة منى لطفي الفصل التاسع والأخير

رواية كبير العيلة الجزء الثاني للكاتبة منى لطفي الفصل التاسع والأخير

زفر شهاب بضيق، لا يعلم ماذا أصابها؟ ليست تلك هي سلمى التي يعرفها عن ظهر قلب، هناك أمرا قد تغيّر فيها، ولكنه لا يعلم تماما ما هو، وحاول أكثر من مرة الاستفهام منها ولكن اجابتها كانت دائما. لا شيء! ، ولكنه لن ينتظر أكثر من ذلك، الآن وفورا سيواجهها وان حكم الأمر سيضغط عليها ليعلم ماذا ألمّ بها وتحديدا منذ حادثة ختان تلك الطفلة التي ماتت أثناء اجرائها، لتتغير أحوال زوجته، فتلجأ للصمت معظم الوقت والانطواء، وهذا ما يجعله يجن، فهو يشعر بها وهي تبتعد رويدا رويدا عنه، وهذا ما يقتله، وما يزيد من قلقه اقتراب موعد حضور والدته، والى الآن لم يخبرها بالأمر، وفي ضوء حالتها الجديدة لا يعلم تماما ماذا سيكون رد فعلها، لذا لا بد له من الوقوف على اسباب حالتها الغريبة تلك، فهو لن يتمهل أكثر من ذلك!

ما ان قرر شهاب مواجهة سلمى حتى انصرف من المزرعة بعد ان أعطى أوامره لمساعده بالانتباه جيدا، ثم انطلق بسيارته المفتوحة تجاه المستوصف، وقد عزم أن يقلّها معه الى المنزل حتى ينتهي من هذا الامر الذي يقض مضجعه منذ فترة.

وصل شهاب وصف سيارته امام المستوصف، ليدلف الى الداخل حيث رأى الممرض وهو يجلس الى مكتبه خارج عيادة سلمى، فسأله عنها ليجيبه بأنها لديها مريض، دقائق وكان المريض او بالاحرى المريضة تدلف خارجا مع فتاة صغيرة تبدو ابنتها، ليدلف هو الى الداخل مغلقا الباب خلفه.

اقترب شهاب من المكتب حيث جلست سلمى تستند بمرفقيها على سطحه قابضة يديها مع بعضهما ترتكز بجبينها عليها، ليقطب ويدنو منها حتى وقف بجانبها وقال وهو يضع يده على كتفها:
- مالك يا سلمى؟
رفعت سلمى رأسها وأجابت بصوت متعب: - مافيش.
مال عليها شهاب رافضا اجابتها وهو يقول عاقدا جبينه بقوة: - ازاي مافيش؟ شكلك تعبان، او، زعلان؟!

ابتسامة شاحبة ارتسمت على وجهها قبل ان تقول وهي تطالعه بزتونيتيها: - لو على التعب فأنا شغلي عمره ما يتعبني بالعكس انت عارف انا بحبه أد ايه، لكن لو على الزعل...

وتنهدت بعمق قبل ان تردف: - متقدرش تمنع نفسك منه، شيء لا ارادي!
قرّب شهاب وجهه منها وأمسك بذقنها قبل ان يهمس أمام وجهها قائلا: - أولا أظن اني سبق وقلت لك بدل المرة ألف اني مش بحب أسمع كلمة بحب منك تتقال لأي حد او على أي حاجة، حتى لو كان شغلك، بحب دي حصري ليا أنا وبس، وكويس اني موافق انه رؤوف ابنك يقاسمني في الحب دا مع الاحتفاظ بالنصيب الكبير.

ضحكة صغيرة صدرت عنها اتبعتها بهمسها: - وثانيا؟
شهاب ببساطة وبابتسامته الجذابة المهلكة: - ثانيا أنا مش ممكن حاجة او حد يقدر يزعلك طول ما انا جنبك، ممكن أعرف بقه مالك؟

سلمى بهدوء: - عادي يا شهاب، يمكن عشان كان عندي حالات كتير انهرده و...
قاطعها شهاب قائلا وهو يمسك بذقنها يرفض أن يسمح لها بالهروب من عينيه: - انا مش بتكلم على انهارده يا سلمى، انا قصدي على حالتك المتغيرة من مدة، كنت فاكر انك خلاص قدرت تتجاوزي حادثة البنت اللي اتوفت، لكن حالك بيقول غير كدا، دايما سرحانة ومش في طبيعتك دا حتى.

وسكت لوهلة قبل ان تشرق أساريره وهو يهتف قائلا بفرحة عامرة: - معقول يكون حصل يا سلمى؟
قطبت قائلة بغير فهم: - حصل؟ هو ايه اللي حصل؟
شهاب والسعادة تتراقص في عينيه: - تكون سلمى الصغيرة جاية في السكة؟ معقول تكوني حامل.؟!
شحب وجه سلمى لثوان قبل ان تزدرد ريقها وتقول وهي تتهرب بعينيها بعيدا عن نظراته المسلطة على وجهها:
- لا. انت بتقول ايه يا شهاب، لا مافيش حمل!

قطب شهاب وقال: - وليه مافيش حمل؟ انت ناسية حالتك كانت عاملة ازاي وانتي حامل في رؤوف؟ على طول نايمة وتعبانة، ونفسيتك كل شوية بحال، يوم فرحانة ويوم زعلانة، وعلى أقل حاجة كنت بتعيطي.

سلمى وهي تبعد يده عن وجهها وتنهض واقفة ليستقيم واقفا بدوره: - مافيش حاجة من دي يا شهاب، انا مش حامل، كل الحكاية ارهاق في الشغل مش اكتر.
شهاب بالحاح: - طيب نحلل.
سلمى بزفرة ضيق: - وأحلل ليه وانا متاكدة!
شهاب وهو يزم عينيه مرددا بريبة: - متأكدة! غريبة! كأنك رافضة الموضوع دا مع انك من وقت قريب كان نفسك تحملي، خصوصا بعد الاجهاض اللي حصل.

سلمى بجمود: - كان. لكن دلوقتي أنا غيرت رأيي، رؤوف لسه صغير، مش لازم نستعجل!
هتف شهاب بذهول: - نستعجل؟!
ليقطب بعدها مردفا بأمر وهو يحرك سبابته أمامها: - انت فيكي ايه بالظبط؟ انا كنت ناوي أستنى لما نروّح بيتنا لكن مش هينفع، حالا تقوليلي ايه اللي جرالك؟

سلمى وهي تحاول عدم الانفعال وتمالك نفسها: - مافيش حاجة يا شهاب، انا اللي مش فاهمه انت ليه عاوز تعمل موضوع من لا شيء، انا كنت عاوزة أحمل لكن غيرت رأيي، لأني حاليا لا نفسيا ولا صحيا هقدر على تعب الحمل، ايه المشكلة لما نأجله؟!

شهاب بحدة: - لانه الموضوع دا اول مرة نتكلم فيه، وواضح انك أخدت قرارك، لكن فاتك حاجة مهم اوي، اني لازم أكون موافق على كلامك دا، القرار دا لازم يكون بالاتفاق ما بيننا، مش انت اللي تقرري وانا اللي أنفذ!

سلمى بريبة
- مش فاهمه، يعني ايه؟
شهاب بتحد
- يعني انا عاوز أخ لرؤوف يا سلمى، ومافيش حاجة هتقنعني بغير كدا.
سلمى وقد توسعت حدقتيها صدمة وغضبا: - حتى لو كان دا رأيي؟ لو كنت مش عاوزة حمل تاني دلوقتي؟

شهاب ببرود: - ليه؟ اقنعيني! لكن قبل دا كله لازم تعرفي انه الموضوع دا يخصنا احنا الاتنين، يعني لو ما اقتنعتش بالسبب اللي خلاكي تغيري رأيك من بعد ما كنت ملهوفة على الحمل، فأنا هصمم على موقفي، أنا عاوز نخاوي (تأتي له بأخ أو أخت لرؤوف ابنه) روؤف قريب!

تصدعت قشرة التماسك الواهية لدى سلمى وقالت بانفعال وهي تشيح بيديها: - وانا مش عاوزة يا شهاب، ولو على المبررات فأنا قلت لك السبب، رؤوف لسه صغير وانا مش هقدر على موضوع الحمل دا، وأظن انك قلت انه دا مش قراري أحادي، لأ قرار مشترك، وأنا برفض. وبيتهيألي لازم تحترم رغبتي دي!

شهاب بتهكم حتى انه اطلق شبه ضحكة ساخرة: - وانا؟ رغبتي مالهاش أي احترام عندك؟
سلمى بصبر نافذ: - شهاب، انا معنديش طاقة للجدل، بعدين انا اللي مش فاهمه ايه وجه استعجالك، انت ما كنتش كدا!

شهاب بقوة وهو يشير اليها بسبابته: - أنا اللي عاوز أعرف مالك! مش انت سلمى مراتي اللي حبيتها واتجوزتها، سلمى اللي كنت اقدر اعرف اللي جواها من غير ما تقوله مجرد ما أبص في عينيها، لكن اللي قودامي دلوقتي سلمى تانية، عينيها زي الازاز، فاقدة لأي روح، ايه اللي حصل لك عاوز اعرف؟!

قاطعه صوت دقات على الباب لتنتهز سلمى لفرصة وتسمح للطارق بالدخول والذي لم يكن سوى الممرض يخبرها بأن كل شيء أصبح معدا كما أمرت، فصرفته سلمى وهي تبلغه بأنها ستلحق به، لتنظر الى شهاب قائلة بفتور:
- أظن انه لا المكان ولا الزمان مناسب للكلام دا، وزي ما انت شايف، عندي شغل، فيه حالة مستنياني...

شهاب بتحفّز وهو يطالعها بينما تمر بجواره: - هستناكي، مش همشي.
لم تجبه سلمى، وتوجهت الى الغرفة المعدة لاجراء العمليات الجراحية البسيطة، لتدلف اليها، حيث غابت لفترة، انتظرها أثناءها شهاب بالخارج، بينما لفت نظره وقوف امرأة شابة، وبصحبتها اثنتين أخريين، ليخمّن أن المريضة التي بالداخل تقرب لها.

خرجت سلمى بعد فترة، لتتجه اليها تلك السيدة التي رآها شهاب، تقول بلهفة: - طمنيني يا ست الضاكتورة، بتّي عاملة ايه؟
ردت سلمى وقد زاد شحوب وجهها وبصوت متعب: - اطمني، بنتك بخير، حاجة بسيطة وتقدروا تاخدوها وتروحوا.
هتفت السيدة الشابة بفرحة قائلة: - تسلم ايديكي يا ضاكتورة.

بينما هللت مرافقتيها فرحتان، واقتربتا منها مهنئتان، في حين قطب شهاب بغير فهم ولكنه التزم جانبه البعيد نسبيا عنهما، ليتوجه بعدها الى سلمى بينما اندفعت الأم الشابة ومرافقتيها الى داخل الغرفة حيث ترقد الصغيرة، ما ان وصل شهاب الى جوار سلمى حتى قال بابتسامة بسيطة:
- مبروك نجاح العملية، بس يا ترى لوز ولا زايدة؟
نظرت اليه سلمى بنظرات غريبة قبل ان تقول بصوت ميّت: - ختان!

بهت شهاب وهمس مرددا بغير تصديق: - ختان؟، مش ممكن!
سلمى بجمود: - ما كنتش أقدر أشيل ذنب البنت دي كمان، ولأول مرة أعمل حاجة ضد مبادئي، وقناعتي، لأنه المقابل كان روح ممكن نخسرها في لحظة زي ما حصل قبل كدا، وأنا مش ممكن كنت أسمح بحاجة زي كدا!

لمس شهاب كتف سلمى قائلا: - انتي انقذتي حياة طفلة يا سلمى، ودا هدف أسمى من أي قناعات أو مباديء، القاعدة بتقول الضرورات تبيح المحظورات.

سلمى دون ان تلتفت اليه: - يمكن كلامك يكون فيه شيء من ال صح، معرفش، لكن اللي انا عارفاه كويس أني مش ممكن أنسى اللي حصل، أنا كنت عاملة بالظبط زي اللي فيه مسدس محطوط (موضوع) في دماغها وبيهددوها تعمل اللي همّا عاوزينه أحسن لها! لكن الكارثة مش هنا، الكارثة انه المسدس كان متوجه لبنت عندها 10 سنين، ولو كنت رفضت أعملها العملية، كانت حكاية فاتن هتتكرر تاني، والرصاصة كانت هتقتلها هي، عشان كدا ما كانش قودامي اي اختيارات، الحل كان اجباري، ولحظة ما عملت لها العملية كانت نفس اللحظة اللي حاسيت فيها بالرصاصة دي وهي بتصيبني. جوة هنا.

وأشارت الى قلبها، مردفة بعينين متألمتان وهي تشير الى عقلها: - وهنا!
لتتابع بينما غامت عيناها بعبارات مكتومة: - وبعد دا كله جاي تسألني مالي وتدوّر على سلمى اللي اتجوزتها! أنا نفسي تهت مني، ياريت لما تلاقيني تبقى تقولي!

وانصرفت من أمامه بينما وقف هنيهة يراقبها بذهول قبل أن يلحق بها من فوره، وقد اعتراه قلق شديد، فنظرات سلمى وحديثها ينبئانه بأن هناك أمرا في غاية الخطورة على وشك الحدوث، وأن هذا الأمر يتعلق بحياتهما سوية، ولكنه لن يسمح لأي شيء بأن يهدد حياتهما سوية، حتى لو كان هذا الشيء. هي ذاتها!

غيث احنا بئالنا ربع ساعة قاعدين وانت عمال تتكلم بالالغاز، لو معندكش حاجة مهمة فعلا عاوز تقولها سيبني أقوم أروح أشوف رهف عند ماما ستو، زمانها قالبة دماغها.

همت سلافة بالنهوض ليمسك غيث بيدها يمنعها فعادت الى جلستها بجواره فوق فراشهما في غرفتهما، وقال بخشونة:
- اصبري يا سلافة انا لسه مخلصتش كلامي.
زفرت سلافة قائلة: - ما انت يا بني عامل زي عاطف السكري! كلامك مش مترابط ببعضه!
قطب غيث وقال حانقا: - ابنك وعاطف؟! ويطلع ايه عاطف ديه كمان ان شاء الله؟

ضربت سلافة كفا بكف وهي تضحك باستغراب قائلة: - والله العظيم دا انت حكاية، نسيت عاطف؟ عاطف في مسرحية العيال كبرت، هزار يا غيث دا، ايه. انت ما بتهزرش يا رمضان!

وأردفت ساخرة: - قولي بقه مين رمضان؟
غيث بتقطيبة: - إيوة. مين رمضان ديه كومان؟
تنحنحت سلافة وقالت بجدية زائفة: - امممم. مين رمضان، أبدا دا راجل طيب ولاده كانوا هيجيبوا له شلل، ذات نفس الشلل اللي هتجيبهولي بالمستعجل حالا يا غيث!

هتف غيث وهو ينهض واقفا ولم يعجبه تلميحاتها: - أني ليه شامم ريحة مألتة (سخرية وتهكم) في حديتك يا بنت عمي؟ انت بتتمسخري عليا يا سلافة؟

وقفت سلافة بدورها وقالت بينما ذراعيها تطوقان عنقه: - أنا أقدر بردو يا غيثي، بس عشان خاطري ركز معايا، سيبك من رمضان وعاطف ودول كلهم، قولي حبيبي كنت عاوزني في ايه؟

أجابها غيث وهو يطوق خصرها بذراعيه بدوره: - أعمل معاكي ايه؟ مش بَجْدَرْ (أقدر) آخد معاكي لا حق ولا باطل، مش بعرف أزعل للآخر!

سلافة بابتسامة كلها دلال وعبث: - تزعل من سلافتك بردو؟ لا بجد، اخص عليك يا غيث!
لم يتمالك غيث نفسه لتنطلق ضحكته عاليا قبل ان يقول: - بجه بعد دا كله و. اخص؟!
ليغمز اليها بعدها ويقربها منه حتى ألتصقت به بينما لا تزال ذراعيها تلتفان حول عنقه القوي لتلمس أنفها بأرنبة أنفه هامسة بشقاوتها التي تخلب لبه دائما كيوم رآها أول مرة:.

- انت زعلت يا عمدة؟ حجّك (حقك) عليا أنا (محاكية لهجته الصعيدية). يا حبّة الجلب (القلب).

همس بشغف أمام وجهها بينما نظراته معلقة على شفتيها النديتين: - ايوة زعلت، وجوي (قوي = بشدة) كومان!
سلافة بابتسامة ناعمة وصوت مليء بالدلال: - تؤ تؤ تؤ، وانا ما يرضنيش انك تكون زعلان، ولازم أصالحك!

وبخفة فراشة رقيقة كانت تلمس فمه المغطى بشارب ولحية خفيفة، بقبلة ناعمة، لم تكد تبتعد بعدها حتى كان يحتويها هو بين ذراعيه يضمها بقوة يريد دفعها داخل حنايا صدره، سارقا أنفاسها بقبلة جامحة، أطاحت بصوابهما معا، ليحلقان في عالمهما الساحر ولفترة طويلة، نسي فيها غيث ما يريد قوله، ونست هي نفسها معه، ليعودا بعدها من رحلتهما الجامحة، يرقدان بين أحضان بعضهما البعض، في سكون يقطعه صوت أنفاسهما اللاهثة.

تصاعد صوت رنين هاتفه المحمول ليقطع خلوتهما، فرفع غيث الهاتف وما ان طالع اسم المتصل حتى أسرع بتلقي المكالمة ليستمع قليلا قال بعدها بجدية بالغة:
- تمام، أني هعمل اللازم.
وأنه المكالمة ناظرا الى وجه سلافة النائم في سلام، ليقبل جبينها هامسا بحزم: - مهما حصل، عمري ما هسمح انه الهوا يمس طرفك. لازم تكوني متوكدة من اكده.

كانت تجلس مع حماتها عندما سمعت صوت جلبة واضحة، فاستفسرت من والدة زوجها التي قالت:
- اصلنا بنوضّب في الدور الفوجاني (الأعلى). عمك أبو ليث هيعمله شوجّة (شقة).
هتفت سلسبيل بفرحة: - لزين مش اكده؟ انتو خلاص حددتوا معاد الجواز؟
أم ليث بطيبة: - لاه زين شقته جاهزة، ديه واحدة تانية!
قطبت سلسبيل قائلة: - واحدة تانية! لمين يا مرات عمي؟

همّت زوجة عمها باجابتها عندما صدح صوت الليث عاليا يقول: - أنت اهنه يا ام عدنان؟
نظرت سلسبيل الى الليث وقالت بابتسامة: - أيوة يا ليث، العيال كانوا عاوزين ياجوا لستّهم جبتهم مع الغفير وجيت.
تقدم ليث الى الداخل وقال: - طب مش كنت تجوليلي لوّل؟

قطبت سلسبيل بغير فهم وقالت: - ما انا كلمتك كاتير يا ليث لكن ما رادتش. بعدين اني جيت مع الغفير اللي انت بنفسيك جولتلي اي موكان حابة اروحه هو هيكون امعنا، مع اني معرفاش ليه ديه كله؟

دنا منها الليث حتى وقف أمامها وقال بغموض: - وديه اعتراض منيك ولا زعل ولا ايه بالظبط؟
سلسبيل بتنهيدة قوية: - لاه يا ابن عمي، ماعاش اللي يعترض على كلمة تجولها (تقولها)، لكن أنا قصدي انه ماحصلش حاجة لديه كله، في لوّل والآخر أني جيت حدا عمي، مش حدا حد غريب!

أم ليث بجدية: - ما غريب الا الشيطان يا بتي، وانت يا ليث خلاص، جصّر (قصر) في الحديت ديه، وجولي هيخلصوا ميتة من الرزع والخبط اللي فوق ديه، نافوخنا وجعنا!

سلسبيل وقد انتبهت الى أن حماتها لم تجبها: - صحيح يا ليث، مرات عمي بتجول انه عمي بيوضّب شجة (شقة) تانية غير تبع زين، لمين ديه؟

الليث بهدوء: - لمّن ياجي ابجي اسأليه، ماله وداره وهو حر فيهم، هنحاسبه؟!
سلسبيل بدهشة: - ليه يا ليث بتجول اكده؟ أني بسأل عادي!
الليث بزفرة تعبر عن ضيقه: - خلاص يا سلسبيل، خولصنا، مش سيرة ابو زيد هي هنقعدوا نعيدوا ونزيدوا فيها!
قطبت سلسبيل في حين هتفت أمه بعتاب وذهول: - خابر ايه يا ليث يا بني، ماراتك ما جالتش حاجة لكل ديه؟

وقبل ان يجيبها قالت سلسبيل وهي تتأهب بالانصراف: - عن إذنك يا مارات عمي، هروح أشوف لعيال.
وانصرفت دون ان تنظر اليه ليعقد جبينه بقوة، فقالت أمه لائمة: - انت جاسيت (قاسيت) عليها يا ولدي، وعمرك ما كنت اكده، ديه سلسبيل يا ليث، هانت عليك سلسبيل؟

لتتركه وتنصرف بدورها بزفر بقوة هامسا: - ما هي عشانها سلسبيل يا أمّا بعمل اكده، واعمل اللي اكتر منيه كومان ولا انها تلمحها بطرف عينها حتى، لأني وجتها ماعارفش أني ممكن أعمل ايه!

تعجبت سلسبيل من حال ليث، فمنذ حديثهما أمام زوجة عمها من يومين وهو يلتزم الصمت التام، وكانت تتوقع أن يحاول مصالحتها ولكن ما حدث كان العكس، إذ ما أن دلفا الى منزلهما وبداخل غرفتهما حتى كان ليث يحذرها من أن تخطي عتبة المنزل دون إذنه، حتى وأن كانت ذاهبة لزيارة عائلتها أو عائلته، وما أن همت بالكلام حتى تركها وانصرف رافضا سماعها، فما قاله أمر واجب النفاذ، وما يثير دهشتها أنه في الليل وأثناء نومهما يصر على أن تتوسد صدره كما تفعل دائما، بينما يحيطها هو بذراعه يكاد يدفنها بين ضلوعه، لتسكن هي كالقطة تماما، فهي تعلم تماما أنه لن يفصح عما يجيش بداخله مهما فعلت...

دلف الغفير الى مجلس عدنان قائلا: - يا عدنان بيه، سي غيث وسي شهاب جوم ومعهم.
قاطعه دخول غيث وشهاب وشخص ثالث ما أن رآه عدنان حتى نهض بينما قال غيث: - الامانة يا خال...
تقدم عدنان يحتضن أخته قائلا: - حمد لله على سلامتك يا راوية يا ختي، نورتي بيتك وموطرحك.
نظرت اليه راوية بوجه قد ظهرت تجاعيده بقوة وقالت بهدوء: - الله يسلمك يا خوي...

اقبلت أم ليث ترحب بشقيقة زوجها، لتتلفت راوية حولها قائلة بتقطيبة: - غريبة. اومال فينها سلسبيل بنتي؟ هي ماعارفاشي أني جاية انهارده؟
ارتفع صوتا قويا يسبق الباقين قائلا: - ومش هتعرف!
تقدم ليث من عمته يقف أمامها مردفا بقوة: - لو يهمك صالحها ابعدي عنّيها خالص، ماتخليهاش تلمحك ولو صدفة.
هدر عدنان بغضب في حين كتم غيث غيظه بصعوبة فمهما كان هي أمه، بينما هتف شهاب ف ذات اللحظة زاجرا:
- ليث!

ليقاطعه صوت عدنان هادرا: - ليث. انت واعي انت بتحدت مين؟ ديه عمتك مهما كان.
ليث وعيناه لا تفارقان وجه راوية الساكن أمامه: - لاه أني عارف منيح أني بكلم مين، عمتي، وأم ماراتي، وجولتها جبل سابج وبكررها، لولا أنها حرمة أني كنت عرفت أخد تاري منيها، سلسبيل ماراتي مالهاش صالح بيها، وجودامكم (امامكم) كلّاتكم (كلكم) أني بجول أهاه. لو هوّبت ناحية ماراتي ماتلومش غير نفسيها!

هتف شهاب في حين أسرع غيث بالقبض على ساعده: - انت اتجننت يا ليث؟ سلسبيل تبقى بنتها!
كان ليث قد ابتعد ليتوقف ويطالعه من فوق كتفه قائلا بكل برودة وصلابة: - سلسبيل مراتي أنا، وحمايتها واجب عليا، سوا برضاها أو غصب عنيها.
شهاب بذهول: - هتحميها من أمها؟

التفت الليث اليه يواجهه بقوة قائلا: - سبق وكانت هتروح بسببها، تنكر يا شهاب؟ وما تجوليش قدر ومكتوب، أمك خططت لماراتك واللي وقعت في الحفرة اللي حفرتها بنفسيها كانت بنتها. ماراتي أنا. اللي كنت هخسرها وخسرت قبلها ولدي، عشان إكده انا بقول وبعيد. ماراتي وعيالي خط أحمر، اوعاكي تفكري – ناظرا لراوية بتهديد ووعيد متابعا – انك تقربي منيهم، صدقيني وجتها هنسى أي حاجة ومش هفتكر غير دمهم اللي ملطّخ يديكي!

ليغادر بخطوات قوية، هم شهاب باللحاق به ليمنعه غيث في حين قال عدنان: - ما تواخذهوشي يا ختي، انت عارفة الليث بيحب سلسبيل وبيخاف عليها كيف.
راوية بهدوء: - عارفة يا خوي، لكن ابنك مهما عمل مش هيقدر يبعدها عني. لانه برضاه او غصب عنيه سلسبيل تبجى بنتي، وانا ما هفرطش فيها واصل، لا هي ولا عيالها. أحفادي.

نظرت الى غيث وشهاب متابعة: - أنا خسرت كل حاجة، ومعنديش استعداد أني أخسر أغلى حاجة عندي.
فتحت ذراعيها في دعوة صامتة لولديها ليلبيان دعوتها فتحتويهما بين أحضانها متابعة بتأكيد:
- اعيالي (ولادي)، ومش هسمح لمخلوق أنه يبعدهم عن حضني من تاني، أني رجعت لهم، ومش ناوية أفارقهم تاني أبدا مهما حوصل!

لتقطب أم ليث جبينها في ريبة لا تعلم لما تلك الانقباضة التي تشعر بها في قلبها، لا تنكر أن راوية تبدو متغيرة نوع ما، وكأنها أضحت أضعف وأكثر مسالمة عن ذي قبل، ولكنها الآن وهي تتحدث شعرت وكأنها ترى ظلالا من راوية السابقة تظهر من نظراتها القوية ولمحة التهديد التي استشعرتها في حديثها، لتعلم أن راوية القديمة لا تزال قابعة في مكان ما داخل راوية التي تقف أمامها الآن، وقد تعود للظهور ثانية في أيّ وقت، وكم تخشى تلك اللحظة، فهي على يقين من أنها ستكون أشرس وأعنف بمراحل، فرجوعها يعني الثأر لنفسها، ما يعني تعكير صفو حياتهم الهادئة، والذي سيكون بسبب رياح الكره والحقد والانتقام التي ستهب من ناحيتها، وساعتها فليرحمهم الله، فهي تعلم جيدا أن ابنها لا يلقي التهديدات جزافا وأنه سينفذ تهديده كاملا دون انتقاص، فالليث لن يدع مكروها يصيب عائلته ثانية. فهو على استعداد لافتراس الخطر بأنيابه، حتى وأن كان متمثلا في أم حبيبته. فسيمزقها اربا وقتها إن جاسرت بعصيانه، ودون أن يطرف له جفن!

تمت
نهاية الرواية
أرجوا أن تكون نالت إعجابكم
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة