قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية كبرياء أنثى (نساء متمردات ج2) للكاتبة منى لطفي الفصل العاشر

رواية كبرياء أنثى (نساء متمردات ج2) للكاتبة منى لطفي الفصل العاشر

رواية كبرياء أنثى (نساء متمردات ج2) للكاتبة منى لطفي الفصل العاشر

محمود بيه مكالمة من مدام مها .
قال محمود الذي تناول سماعة الهاتف من يد سماح سكرتيرته الشخصية بينما كان يراجع أوراق البريد ليضع توقيعه عليها قال قبل ان يتكلم في الهاتف:
- لو سمحت يا سماح عاوز ملف المناقصة الاخيرة بتاع شركة الشرق.
لملمت سماح ملف البريد وتناولته وهي تهز برأسها ايجابا وتقول: - تحت امر حضرتك ثوان هيكون جاهز.

انتظر محمود حتى خرجت سماح ثم تحدث في الهاتف بصوته الرخيم وهو يقول بابتسامة حانية:
- ايوة يا قلب محمود وحشتيني.
قالت مها بدلال انثوي: - معطلاك عن شغلك؟
محمود بضحكة رجولية: - لا يا قلبي ولو عطلتيني ولا يهمك...

هو كل ليلة سهر لوش الفجر يا محمود؟ .
هتفت مها مخاطبة محمود بنزق بينما كان الاخير واقفا امام المرآة يعقد ربطة عنقه وهو يقول:
- اعمل ايه يا حبيبتي شغل، انت عارفة انى اللي ماسك العلاقات العامة في المجموعه والولاد ماحدش معايا في العلاقات العامة الا مهدي ومهدي لسه صغير دا عميل مهم جاي يومين علشان صفقة هتِّم بين المجموعه عندنا وشركته في ألمانيا، ايه اسيب شغلي يعني؟

اقتربت منه واقفة وراءه ونظرت اليه في المرآة بينما انتهى من عقد ربطة عنقه السوداء وفيها بضع خطوط متعرجة بيضاء وكان يضع بضع قطرات من عطره الرجولي الخاص – هيوجو - الذي يدير العقول وسمعها وهي تقول بصوت قد فقد بعضا من حدته وقد اقتربت تساعده في ارتداء جاكيت بدلته السوداء:.

- ايوة يا حبيبي بس انت بئالك شهر على الحالة دي! انا تقريبا مش بشوفك خالص. وبعدين انا اعرف ان عشاء العمل دا المفروض بتاخد معاك مراتك فيه؟

التفت اليها وقال وهو يرتب اساور قميصه الأسود فزاده طقمه جاذبية ساحقة خاصة مع خصلات الشعر الابيض:
- حبيبتي معلهش انت عارفة ادهم مالوش دعوه بالعلاقات العامة مش بيحضر الا لما نمضي عقد صفقة فعلا، ساعتها بييجي هو وريتاج وانت بتكوني معايا، وعموما يا ستي هانت الصفقة اللي في ايدي دي تخلص وليكي عليا آخد اجازة كم يوم ونسافر في أي مكان نفسك تروحيه.

همت مها بالكلام عندما قاطعها صوت هاتفه المحمول حيث اجاب قائلا: - ايوة يا سماح، لا خلاص مسافة الطريق هكون عندك...
كاد ان يغلق الهاتف عندما هتف بها قائلا: - بقولك اوعي تنسي الاوراق تجيبيها معاكي اوك؟ ياللا سلام.
اغلق هاتفه واضعا اياه بجيبه وتناول محفظته الجلدية ومفاتيحه استعدادا للخروج عندما سمع مها تقول ببرود:
- وهي سماح هتروح معاك انهرده كمان؟

اجاب بتلقائية وهو يقف امامها: - طبعا حبيبتي مش سكرتيرتي الشخصية؟
مها وقد بدأ برودها بالتصدع وشاب صوتها الحنق وهي تقول: - ايوة بس انا مش مبسوطة من كدا. كل ليل خروج وسهر ل وِش الفجر؟ ايه سماح دي معندهاش اهل يقلقوا عليها؟

ابتسم محمود بدهشة وهو يقول: - انت بتقولي ايه يا مها؟ دا شغل. واهلها عارفين كدا. ودي التزامات شغلها لو هي مش قادرة توفيها خلاص يبقى لازمتها ايه نجيب غيرها!

أجابت مها مندفعة: - ايوة هي دي. نجيب غيرها!
قطب محمود وقال متسائلا: - هي ايه دي اللي نجيب غيرها؟
قالت مها بلهفة لم تستطع مداراتها: - سماح! انت مش لسه قايل بلسانك نجيب غيرها؟
ابتسم محمود وقال وهو يربت على خدها: - انا قلت لو ماقدرتش توفي بالتزامات وظيفتها لكن هي لغاية دلوقتي البنت اكتر من ممتازة بصراحه أدب واخلاق واخلاص وذكية وبتتعلم بسرعه و...

قاطعته مها محتدة: - ايه ايه ايه حيلك حيلك هي مرشحة نفسها في مجلس الشعب هتخطب لها ولا شايفني بدور على عروسة؟

مال محمود مقبلا وجنتها وقال مبتسما: - بموت فيكي وانت مجنونة! سماح دي علشان تبقي عارفة عندها 25 سنة، يعني أد اسلام ابننا تقريبا وعيب اووي انك تحطي نفسك في مقارنة معاها لانك خارج أي مقارنة. انت الفايزة على طول الخط لان انت اللي سرقت قلبي من اكتر من 25 سنة!

تبرمت مها وقالت بتأفف: - ايوة كُل عقلي بكلمتين.
امسكها بين ذراعيه ومال عليها هامسا: - هو انا من ناحية آكل فأنا عاوز أكلك كلك على بعضك كدا!
احمرت مها خجلا وابتعدت عنه قليلا وهي تقول بتأنيب: - يا محمود عيب احنا كبرنا ع الحاجات دي و بئينا جد وجدة. خلي الكلام دا للصغيرين مش لينا احنا!

استهجن كلامها وقال بغيظ: - همَّا مين دول اللي كبروا؟ هي ديّتها بس أصبغ الشعرتين البيض وارجع أصبى مما كنت!

قالت مها وهي تضع يديها على كتفيه: - ماشي يا سيدي علشان البنات تجري وراك وانا تروح عليا بأه؟
قال بحب: - مين اللي قال كدا؟ انا لسه شايفك في عينيا مها بنت 22 سنة اللي شنكلتنى وما سابتنيش غير بالقاضية.

ضحكت مها بخفة واستغلت فرصة مزاجه الطيب وقالت بخفوت: - محمود علشان خاطري مشِّي سماح!
ابتعد عنها قليلا وقد بدأ يفقد مزاجه المرح وهو يردد باستهجان: - أمشِّي سماح؟ ليه؟
اجابت بحدة نوعا ما: - مش مرتاحلها. شوفت استايل اللبس بتاعها ولا كلامها بميوعه كدا ودلع مالوش لزمة.

قال محمود بهدوء محاولا امتصاص غضبها: - حبيبتي سماح دي خريجة مدارس لغات وبتعرف 5 لغات غير انها معاها شهادة نظم معلومات وكورسات معتمدة في الكمبيوتر من جهات معتمدة وغير انها ما اهملتش في شغلها، كونها بأه لبسها خارج ولا داخل ليها هي، وبعدين انا شايفه عادي بنات كتير بتلبسه.

قالت مصطنعه البراءة: - يبقى طالما هي بالمواصفات دي تبقى مرتبطة اكيد؟
محمود بتلقائية غافلا عن مقصدها من وراء السؤال: - لأ،!
قطبت مستفهمة: - ولأ ليه؟ سنها كويس وبتشتغل و، حلوة ( قالتها من بين اسنانها بصعوبة شديدة ) يبقى لأ ليه؟

قال محمود وهو يهز كتفيه بلامبالاة: - اللي اعرفه انها بيجيلها عرسان كتير بس هي اللي مش بتوافق، على كلامها مش جوازة والسلام لازم يكون فيه تكافؤ في التفكير والطباع!

مها بحرص مستدرجة اياه: - يعني لو اصغر او اكبر مش مهم المهم الميول والطباع تبقى واحده؟
اجاب ببساطة: - آه، هو دا رأيها بالظبط، ممكن اكبر منها بكتير بس يحتويها بشخصيته ورزانته!

ابتعدت عنه مها فجأة ووقفت واضعة يديها في منتصف خصرها وهتفت باستغراب وحنق: - نعم! اكبر منها وشخصيته ورزانته؟! محمود هي كلمة واحده البت دي مش عاوز تمشيها يبقى تتنقل ودِّيها في أي فرع تاني للمجموعه في أي مكان.

قطب وقال محتدا: - انت ايه حكايتك انهرده يا مها؟ عليكي عفريت اسمه مشي سماح انهرده ولا ايه؟
ثم تابع بجدية: - مها شغلي خط احمر ما تدخليش فيه، مش هسمح لغيرة ستات انها تبوظ لي شغلي...
قالت متفاجئة من حديثه: - انا؟ انا يا محمود غيرة ستات؟ طيب تقدر تشرح لي ازاي حضرتك عارف هي نفسها في ايه ومواصفات فارس احلامها ايه غير انك بتتكلم معاها؟ واظن ان الكلام دا مالوش دعوه بالشغل؟

اغمض محمود عينيه وتنشق عاليا زافرا بقوة ثم فتحهما وهو يقول: - لا حول ولا قوة الا بالله، اسمعي يا مها وافهمي يا حبيبتي. انا بالطبيعي مش هقعد طول ال 10 ساعات مش بتكلم معاها غير في الشغل اكيد بيحصل انه تتفتح مواضيع بطريقة عادية بتقول رايها، ولو على مواصفات عريسها لانه في مهندس عندنا في المجموعه طلب مني انه عاوز يتقدم لها لانها مش بتديه أي فرصه انه يتكلم معاها فعاوزني أجس النبض وساعتها هي رفضت وقالت لي رايها. ارتحتي؟

اقتربت منه مها ووضعت يديها على صدره وهي تقول بصوت خافت: - انا مش بتهمك بحاجه يا محمود بس انا. انا خايفه تسيبني! هموت لو سيبتني يا محمود!

سارع محمود الى احتضانها وهو يقول زاجرا اياها: - انا 100 مرة قايلك ما تجيبيش سيرة الموت ولا لأ؟ وبعدين انا اسيبك؟ حبيبتي فيه حد يسيب روحه؟

تشبثت به بقوة وقالت وهي تغمض عينيها بشدة: - محمود انت لسه محتفظ بوسامتك ورجولتك وانا. انا كأنثى أعتبر، ناقصة!
سارع محمود بابعادها عنه وزجرها هاتفا بحدة: - انت اتجننت؟ انت انوثتك ناقصة؟! لعلمك انت لسه تأثيرك فيا زي ايام جوازنا بالظبط؟

قالت برجاء حار: - طيب علشان خاطري وافق اني اعمل جراحة التجميل اللي قال عليها د. فؤاد!
ابتعد محمود قائلا بحدة: - مها انا كم مرة قلت لك مافيش نقاش في الموضوع دا؟ انا عجبني شكلك كدا وراضي بيكي كدا. انت ناسية ان العملية دي خطر؟ بالعكس ممكن تعمل تغيير في شكل الخلايا ويرجع المرض تاني وبدرجة اخطر؟ انا مستحيل اجازف خالص مهما كانت الاسباب.

صرخت مها بينما عينيها تذرفان الدموع الغزيرة: - وانا مابئيتش قادرة استحمل. انا. انا بتكسف لما بشوف نفسي في المراية، انا. انا بتكسف منك يا محمود!

ذُهل محمود وردد قائلا: - ايه؟ بتتكسفي مني؟ علشان كدا رميتي اللانجيري بتاعك كله وجبتي بداله ترينجات بيت يا إما قمصان نوم عادية؟ علشان كدا مش بتخليني اقرب منك الا في الضلمة؟ علشان كدا من ساعه الموضوع دا وانت مابتغيريش قودامي؟ علشان كدا كنت مصممة ان كل واحد فينا ينام في اودة لولا انى رفضت وبشدة؟ هربت بنظراتها منه فتقدم اليه باندفاع وامسكها من مرفقيها بشدة وصرخ فيها قائلا:.

- علشان كدا يا مها؟ للدرجة دي شيفاني انسان تافه وندل؟
فتحت فمها لتجيبه فسارع بنفضها من بين يديه وقال وهو يشير اليها بيده مقاطعا محاولتها للكلام وهو يهتف بعنف:
- خلاص، اقفلي ع الموضوع دا يا مها.
ثم اتجه ليغادر الغرفة وقبل ان يدير مقبض الباب خارجا التفت اليها وقال بلهجة تحمل الوعيد:
- مها دي آخر مرة تتكلمي معايا في شغلي او في موضوع العملية دي تنسيها خالص مفهوم؟

ثم خرج دون ان ينتظر سماع ردها صافقا الباب خلفه بقوة بينما انهارت جالسة فوق الفراش خلفها دافنة وجهها بين يديها...

اسلام انت بئالك ساعه بتلف وتدور على ايه بالظبط؟ .

اجاب اسلام وهو ينفخ بضيق فيما هو جالس مع شمس في حديقة منزل الاخيرة فلم يكن قد وافاها في النادي يوم ان رآها مع رامز وطلب منها انتظاره كما طلب منها، فهو لم يضمن نفسه فقد بلغ غضبه مداه فآثر ألا يتكلم معها فيما هو بهذا الشكل وبدلا من ذلك خابرها في المحمول واخبرها انه اضطر للانصراف لامر طارئ، وها هو هنا الآن في حديقة منزلهم بعد ذلك الموقف بيومين ولايزال غضبه كما هو. لم يقل.

قال اسلام بحدة وهو ينظر اليها بنصف عين: - انا لا بلف ولا بدور يا بنت عمي، انا اللي عاوز اعرفه رامز مافاتحكيش في حاجه؟

زفرت بضيق وقالت بحيرة: - يفاتحني في ايه بس؟ اقول تاني يا اسلام؟ ماشي تاني. انا قابلته صدفة سألني على مراد وخلاص ودمتم ايه بأه، هيكون فاتحني في ايه يعني عاوز يطلب ايدي؟

قالتها بسخرية وهي تضحك ولكنها لم تكن تدري انها كمن يضغط على زناد المسدس حيث فوجئت بنظرة غضب حارقة تعتلي وجه اسلام فشهقت دهشة وهي تقول بغير تصديق:
- لا. بجد؟ رامز، عاوز ي...
قاطعها اسلام بغضب وهو يميل ناحيتها فوق الطاولة التي تفصل بينهما: - لو نطقتيها على لسانك يا شمس ما تلوميش الا نفسك!

نظرت اليه بغرابة وكأنها أمام كائن خرافي ورددت قوله قائلة: - نعم؟ انت بتقول ايه؟ اكرر ايه وايه اللي يضايقك اوووي كدا؟
ثم اعتدلت مواجهة اياه مردفة بقوة وهو تلوح بسبابتها اليمنى في وجهه: - اسلام انا ما اسمحلكش انك تكلمنى بالطريقة دي، بابا نفسه لو عرف ان رامز اتقدم لي او أي عريس عمره ما هيكلمنى بالطريقة دي، اللي يشوفك يفتكر انى انا اللي راميه نفسي عليه بطريقة كلامك وطريقتك دي مرفوضة انا ما أئبلهاش!

ثم نهضت فجأة من مقعدها واتجهت تسير مسرعه للدخول الى المنزل عندما اوقفها اسلام جاذبا اياها من مرفقها فجأة وبقوة جعلتها تشهق من شدة الألم ولكنه لم يبال وعوضا عن ذلك سار بها حتى ابعد مكان في الحديقة وأوقفها امامه وقال بينما يهزها من ذراعيها بقوة:
- بصي يا شمس حساب وهحاسبك ومن هنا ورايح جدول رحلات شغلك يكون عندي باليوم واالساعه ولو عرفت يا شمس ولا شميت خبر انه في حد هنا ولا هنا هتعرفي شغلك معايا.

جذبت ذراعيها من قبضته بقوة ثم لم تدري بنفسها الا ويدها مرفوعه في الهواء وحطت براحتها على صدغ اسلام الايسر بقوة شديدة حتى انها سمعت صوت صفعتها مما جعلها تنتبه الى فعلتها فأبعدت يدها سريعا وهي تشهق وامسكت يدها اليمنى التي صفعت بها وجنة اسلام اليسرى وهي تهتف بتلعثم والندم يتآكلها:
- انا. انا ما كانش قصدي انا...

نظر اليها نظرة حارة ممزوجة بخيبة ألم وحزن كبيرين ووجهه أحمر من شدة الصفعة، تقدم باتجاهها خطوتين فأغمضت عينيها وهي تخبأ وجهها بين يديها فقد ظنت انه لا بد وان يرد اليها الصفعة وانتظرت لوهلة ولم يحدث شيء ففتحت عينيها ببطء وأزالت يديها ببطء من امام وجهها لتفاجأ بالفراغ امامها واختفاء اسلام وكأنه لم يكن!..

نظرت الى يدها اليمنى وقالت بصوت مبحوح من شدة البكاء: - ليه كدا؟ ليه يا اسلام؟ انا عمري ما تصورت انك ممكن تهاجمني وتكلمني بالاسلوب دا لا وتشك في اخلاقي كمان، وعمري ما تخيلت انى اقدر اعمل كدا وفي مين؟ فيك انت؟

وما لبثت ان انخرطت في بكاء حار وقد سقطت على ركبتيها وهي لا تعلم ما سر هذا الشعور الذي يغزو قلبها وكأنها توشك على خسارة فادحة!..

محمود، عملت ايه مع الوفد الياباني؟ رتبت لهم كل حاجه؟ اظن مجيتهم مصر المرة دي علشان نمضي عقود الصفقة الجديدة ولازم نعمل احتفال جامد ونعزم كل رجال الاعمال واصحاب الشركات وانت طبعا استاذ في الحاجات دي ما تتوصاش .

وابتسم ادهم وهو ينظر الى محمود الساكن امامه فقطب ادهم مستغربا وما لبث ان ناداه عدة مرات حتى انتبه محمود اليه وقال:
- ها، انت بتكلمني يا ادهم؟
قطب أدهم دهشة وقال: - انت بتكلمنى يا ادهم؟ يا بني انا بئالي ساعه عمال اكلم فيك وانت ولا انت هنا. ايه مالك؟

زفر محمود بضيق وقال: - والله ما عارف اقولك ايه يا ادهم، ما تشغلش بالك حاجات وبتعدي!

لم يعجب ادهم نبرة محمود فضغط على زر الجهاز الداخلي وأمر مساعدته الشخصية بعدم ادخال أي احد اليه او تحويل مكالمات اليه فهو في اجتماع مغلق مع محمود، التفت الى محمود وقام وهو يشير اليه ليجلس بجواره على الاريكة الجلدية السوداء العريضة وقال فيما اتجه الى الميني- بار واخرج علبتي عصير قام باعطاء محمود واحده وتناول هو الاخرى وجلس بجواره وهو يقول:.

- قول اللي مضايقك. انا فضيت لك نفسي خاالص ومش مروحين من هنا لا انا ولا انت لغاية ما تقولي سبب حالتك اللي متغيرة بئالها فترة دي.

وضع محمود علبة العصير على الطاولة الزجاجية امامه وقال وهو يشبك بين اصابع يديه ناظرا امامه:
- اقول ايه بس يا ادهم؟
قال ادهم ببساطة: - اللي في نفسك. قول كل اللي في نفسك. كلي آذان صاغية زي ما بيقولوا.
زفر محمود بضيق ثم أرجع رأسه الى الوراء ساندا اياها على مسند الاريكة وقال بخفوت:
- مها! مها يا ادهم، مها اتغيرت اووي وما بئيتش عارف اراضيها ازاي؟
قطب ادهم وقال: - ازاي يعني؟

التفت محمود الى اخيه الاكبر وقد استقر رأيه على ان يحكي له ما ينغص عليه حياته لعله يشير عليه بما يتوجب فعله لتستقر اموره مع مها...

بعد ان انتهى محمود من سرد سبب ضيقه الى ادهم حتى اعتلت نظرة تفكير عميقة وجه ادهم وقال بهدوء:
- محمود ممكن أسألك سؤال؟
هز محمود راسه ايجابا وقال: - طبعا يا ادهم اتفضل.
قال ادهم بتؤدة: - البنت سكرتيرتك دي سماح. ما حصلش في مرة انها كلمت مها بطريقة معينه او اتكلمت معاك قودامها بعشم زيادة يعني؟ انت عارف الستات بتفسر دايما الحاجات دي على مزاجها؟

هز محمود رأسه نفيا وقال: - ابدا. كل الموضوع ان البنت طموحة وبتقعد تتكلم عن طموحاتها واحلامها ولانها وحيدة وباباها ومامتها منفصلين وكل واحد منهم له حياة مستقلة وهي عايشة مع جدتها أم أمها فالبنت مالهاش حد كبير تتكلم معاه كتير يعني جدتها ست كبيرة اووي في السن وباباها ومامتها كل واحد مشغول بحياته.

ابتسم ادهم ابتسامة جانبية وقال بسخرية طفيفة: - انت عارف كل حاجه عنها!
محمود بضيق: - ايه يا ادهم مش سكرتيرتي الشخصية؟ وبقعد معاها يمكن اكتر مما بقعد في البيت خصوصا الفترة اللي فاتت كل يوم بالليل كنا بنخرج علشان الوفود اللي بنعمل معهم الصفقات.

كاد ادهم ان يسعل وهو يشرب العصير لدى سماعه ان محمود كان يصطحب مساعدته الشخصية كل ليلة اثناء سهرات العمل فوضع علبة العصير جانبا ونظر اليه مذهولا وهتف:
- انت بتتكلم بجد يا محمود؟ انت كل مرة بتاخد سكرتيرتك معاك؟ ومش عاوز مها تضايق؟

زفر محمود بضيق وتكلم بحدة قائلا: - هو انا عازمها ع العشا ولا رايحين نسهر في كازينو؟ دا شغل يا ادهم شغل؟
قال ادهم محاولا تهدئته: - محمود، افهم. انت عارف ان مها دلوقتي بتمر بظروف نفسية معينة والدكتور بتاعها قال ان نسبة الشفا 50% من المرض دا ولازم نراعي حالتها النفسية كويس. واكتر واحد لازم يراعي دا انت يا محمود.

اندفع محمود واقفا بينما انفجر هادرا بعصبية شديدة: - كل دا وما انا مش براعيها يا ادهم؟ دا انا مابئيتش عارف آكل ولا اشرب ولا انام، عصبية زيادة منها وشكّ يا ادهم! مها بتشك فيا مش غيرة ولا ضيق علشان حالتها النفسية زي ما انت بتقول، تتصور انها تشك فيا بعد العمر دا كله؟، توصل انها تفتش في موبايلي والتاب واللاب بتاعي؟ اكتشف انها بتقرا مسيجاتي الخاصة يا ادهم؟ كل دا وما اتكلمتش واقول معلهش ما هي لما تفتش ومش هتلاقي حاجه هتهدى وتطمن وترتاح لكن دي بتزيد وآخرتها تقولي يا تمشي البنت السكرتيرة دي يا اما هتسيبني وتسافر عند هَنا في باريس! دا كلام ناس عاقلين ولا كلام مجانين!..

نهض ادهم وامسكه من كتفه محاولا تهدئته وهو يقول: - طيب استهدى بالله بس. صلي ع النبي صلي ع النبي.
قال محمود بتنهيدة عميقة: - اللهم صلي عليك يا نبي.
ثم التفت الى ادهم وقال وعيناه شديدتي الاحمرار من فرط الانفعال: - بص يا ادهم لغاية هنا وخلاص انا صبري خلاص. وبعد دا كله تقولي اراعيها! وانا مين يراعيني؟

قطع حديثهما صوت الهاتف الشخصي لأدهم فأجابه ليجدها ريتاج تستفهم منه لماذا أمر مساعدته الا تحول اليه أي مكالمات والا تدع احدا يدخل عليه فقد مرت عليه ولكن مساعدته اخبرتها برغبته فعادت الى مكتبها، قال ادهم بصوت منخفض وهو ينظر الى محمود بطرف عينه:
- هقولك بعدين يا تاجي، معلهش مضطر اقفل معاكي دلوقتي.

اغلق الخط والتفت الى محمود الذي نظر اليه وقال متنهدا: - روح لتاج يا ادهم ماتعطلش نفسك انت، انا كمان هروح دلوقتي.

هم بالسير فقاطعه ادهم وهو يقف بجانبه ويشد على كتفه: - انا مش هعاتبك دلوقتي انك ما حكتليش من الاول، لكن انا هقولك كلمة واحده بس. مها مريضة. افتكر يوم ما كانت داخله العمليات شكلك كان ازاي ساعتها. تخيل لولا قدر الله أمر الله نفذ فيها. مش هتندم انك ما استحملتهاش؟ فكر في كلامي دا وان شاء الله لها حل.

هز محمود برأسه واتجه الى الباب منصرفا بينما اعتلى وجه ادهم مسحة من الغموض والقلق فاتجه الى زر الاتصال الداخلي وخاطب مساعدته الشخصية قائلا:
- ابعتيلي الفايل بتاع سماح سكرتيرة محمود بيه، كلمي شؤون الموظفين يبعتهولي حالا والموضوع دا ما حدش يعرف بيه مفهوم؟

اغلق الجهاز بينما اعتلى وجهه نظرة شرسة نظرة ليث يكاد يفتك بأي خطر يواجه أي شخص من عائلته!

محمود بيه اتفاقية،
قطعت سماح كلامها فور رؤيتها لمحمود ساندا رأسه على مسند كرسي مكتبه العريض مغمضا عينيه، اتجهت اليه حتى وقفت بجواره ومدت يدا مضطربة باتجاهه وقالت بتردد:
- محمود بيه؟ محمود بيه؟
لم تسمع أي اجابه فاضطرت الى مد يدها لتهزه خفيفا وهي تنادي اسمه، فتح عينيه ونظر اليها لثوان قبل ان يعي انها سماح سكرتيرته الخاصة وانه لا يزال في مكتبه بالمجموعه، اعتدل في جلسته ومسح وجهه براحتيه وقال:.

- ها يا سماح. فيه حاجه؟
قالت بشفقة: - لا شكلك تعبان اووي، اجيب لحضرتك قرصين اسبرين؟
قال بابتسامة صغيرة: - شكرا يا سماح، بس ما ينفعش اخد أي مسكن على معده فاضية، انا شوية كدا هبقى كويس وأروَّح. وفي البيت هاخد أي مسكن.

قالت سماح نافية وبقوة: - لالالا ما ينفعش. وتفضل تعبان لغاية ما تروح! ثوان بس! وانصرفت الى مكتبها ثم عادت مسرعه ومدت اليه لفة فيها بضعة شطائر واضعه اياها فوق سطح المكتب وهي تقول بابتسامة:
- معلهش حاجه سريعه كدا جبتهم في استراحة الغدا من البوفيه اتفضل حضرتك.
نظر اليها بتساؤل قائلا بدهشة: - معقول هاكل أكلك؟

اجابته بابتسامة: - عادي حضرتك. انا اساسا مش جعانه، يعني انت لما تاكلهم كأنى اكلتهم بالظبط! المهم انك تبقى كويس وما اشوفكش تعبان بالشكل دا!

قطب محمود وقال شاردا: - بجد يا سماح؟ شكلي تعبان اوي لدرجة انك قلقت عليا؟
قالت بلهفة: - ويارب ما اشوفك تعبان كدا تاني. انت ماتعرفش غلاوتك عندي...
اضطربت قليلا ثم حاولت اصلاح كلمتها فقالت: - اقصد عندنا هنا في الشركة أد ايه!
اعتلى شبح ابتسامة وجه محمود ثم مد يده الى الشطائر متناولا واحده ناولها اياها وهو يقول بابتسامة حانية:
- طيب هاكل بس على شرط انك تاكلي معايا علشان تفتحي نفسي؟

همت بالاعتراض فقال مهددا برقة: - لو ما اكلتيش مش هاكل وبالتالي مش هاخد المسكن وهفضل تعبان!
تناولت الشطيرة من يده وقالت بابتسامة حانية: - لالا كلُّه الا تعبك. حاضر هاكل.
بعد انتهائهما من تناول الطعام أحضرت سماح قرصي مسكن لمحمود تناولهما بقليل من الماء، لاحظت انه يفرك عضلات رقبته كثيرا متوجعا منها فقالت بقلق:
- علشان نمت عليها فترة على الكرسي.

ثم ترددت قبل ان تقول: - لو تسمح لي تيته لما بتتعب بعمل لها حاجه تخلي عضلات رقبتها تفك وتبقى كويسة.
قال محمود: - اسمح لك اووي. بتعملى ايه ينسون؟
ضحكت برقة ثم التفتت وراؤه وقالت: - لا، بعمل مساج!
فتح محمود عينيه دهشة وقبل ان يتلفظ بأي رد كانت قد وقفت خلفه وقامت بوضع يديها على كتفيه قائلة بصوت هادئ:
- فك الكارافتة وافتح اول زرارين من القميص لو سمحت!

فعل محمود مثل ما طلبت سماح من دون اعتراض وكأنه منوم مغناطيسيَّا لكي تضع يديها الصغيرتين على رقبته من الخلف وتقوم بتمسيد هذا الجزء الخلفي. كان محمود منقبضا في البداية من حركتها ولكن مع تدليكها لفقرات عنقه الخلفية شعر براحة عميقة ومال برأسه ناحيتها مغمضا عينيه بينما كانت هي تمسد عضلاته بيد تدل على خبرتها الجيدة في التدليك ولكن احساسها بعيدا كل البعد عن احساسها وهي تدلك جدتها وابتسامة غريبة غامضة تعتلي وجهها وبريق يلمع في عينيها العسليتين، فمن تدلكّها عادة هي جدّتها بينما من تدلّكه الآن هو، حلمها!..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة